المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رد على دعوى التشجيع على ضرب الزوجات



فخر الدين المناظر
07-25-2008, 04:44 PM
نشرت إحدى الجرائد في عددها ليوم الخميس 03/07/2008 تقريرا بعنوان: رئيس المجلس العلمي يبرر إباحة ضرب الزوجة، وتحته تصريح لوزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن نزهة الصقلي تقول فيه: إني أرفض أن يوظف الدين لتشجيع العنف ضد النساء، وإلى جانبه تصريح مماثل لرئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة فوزية العسولي. وقد جاء المقال ردا على نص مقتطف من فتوى اقتبستها جريدة التجديد ونشرتها في عددها لفاتح يوليوز 2008. وبما أن ما نشرته تلك الجريدة تضمن تصرفا في النقل وأخطاء وتجاوزات متعددة، فقد تعين إيضاح الموقف من خلال مناقشة ما ورد في التقرير وفي موقف الوزيرة.
1- إن المقال الذي نشرته جريدة التجديد هو مقتطف مستل من إجابة أجبت بها أحد زوار موقع إسلام أون لاين بتاريخ 10 /04/2005 وقد وجه إلي سؤالا عن حكم ضرب الزوج زوجته، فكان الجواب أطول مما أوردته جريدة التجديد. وفيه حاولت إقناع السائل بعدم اتخاذ قول الله تعالى: «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن» [النساء 34] مستندا لضرب الزوجة، لأن الآية هي في مؤداها أسلوب قرآني رفيع في تمرير لحظة الغضب، وفي إحالة الزوج على إجراءات متطاولة في الزمن من شأنها أن تساعد على تهدئة النفوس ليكون الزمن جزءا من العلاج، ولتطرأ على الحياة الزوجية مستجدات كثيرة تجعل كلا من الزوج والزوجة يراجع موقفه، ويكفي من ذلك أن نعلم أن الهجر يمكن أن يمتد شرعا إلى أربعة أشهر هي مدة الإيلاء. وبهذا الاعتبار فإن الحديث عن الضرب الذي تسبقه خطوتان متطاولتان في الزمن لا يكون عمليا أكثر من تلويح به، لأنه من المستبعد أن يستمر الغضب مدة طويلة، ولهذا لا يمكن أن يكون إذاية جسدية بقدر ما يراد به كسر حالة النشوز والتأبي المؤدية إلى تفكيك الأسرة في حال استمرارها. ومن مقاصد الآية العملية أنها تحول بين الزوج الغاضب وبين جميع التصرفات الآنية المستعجلة ومنها: الضرب المفاجئ والنطق بالطلاق، وارتكاب ما يعرف بجرائم الشرف. إن الحديث عن ضرب المرأة يشبه إلى حد بعيد ما قرره الإسلام من حرمة طلاق الزوج زوجته في طهر يكون قد مسها فيه، فيتعين عليه أن ينتظر حتى ينتهي ذلك الطهر ثم تحيض ثم تطهر، وهي فترة كافية لجعل الرجل يعدل عن الطلاق أصلا. وحين يلتزم الأزواج خطوات الآية فإن من المستبعد أن نجد حالة ضرب تتم وفقا لخطاب القرآن، لأن ضرب النساء يقع في حالة الاستسلام للغضب أو في حالات الوقوع تحت تأثير الخمور والمخدرات، وهي حالات يقع فيها أشخاص هم أبعد الناس عن الالتزام بهدي الدين وتوجيهه. وقد أثبتت المتابعات أن الاعتداء على النساء أصبح مقترنا بالاغتصاب والاختطاف. وتأكد أن أكثر الممارسين للاعتداء لا تربطهم بالنساء المعتدى عليهن أية علاقة أسرية، وقد ورد في تقرير وزارة العدل عن ممارسة العنف ضد النساء خلال سنة 2007 أن %82,55 من حالات الاعتداء تقع خارج الأسرة. ومعنى هذا أن المعتدين ليسوا أزواجا ولا يمكن أن يقال إنهم متأثرون بتوجيه العلماء لأنهم مجرد مجرمين يتسلطون على النساء والرجال والأطفال على حد سواء. وإذا كانت الإحصاءات العالمية تسجل أن امرأة واحدة من ثلاث نساء قد تعرضت للعنف من أجل ممارسة الجنس، ليكون العدد مليار امرأة. وإذا كانت امرأة واحدة تضرب في الولايات المتحدة كل 15 ثانية على يد شريكها أو زوجها، وإذا كانت امرأة تغتصب في كل 90 ثانية في الولايات المتحدة، وإذا كانت أكثر من 25000 امرأة تتعرض للضرب في فرنسا سنويا، وإذا كانت امرأتان تقتلان أسبوعيا في بريطانيا، وإذا كان فيلسوف كبير كالفيلسوف الفرنسي ألتوسير يخنق زوجته بدم بارد، فهل يكون من خدمة قضايا المرأة إلصاق الظاهرة بالدين بدل البحث موضوعيا عن العوامل الكامنة وراء الظاهرة محليا وعالميا؟ وليست تلك العوامل في الحالة المغربية إلا انتشار الأمية والجهل بقيمة الأسرة وانتشار الخمور والمخدرات، واستغلال بعض الجهات للوضع من أجل التحريض وإذكاء الصراع والمواجهة داخل الأسرة، بدل نشر ثقافة الوئام والانسجام والتكامل والتحمل من أجل أن تستمر الأسرة.
2- نتمنى أن لا يكون وراء التقرير الذي نشرته تلك الجريدة نية مبيتة أو قصد إلى الإساءة إلى العلماء، وإلى فتح باب المواجهة معهم، وإلى استهداف الرمز الديني، كما أنه أبان عن انعدام الأمانة العلمية لدى صاحبه بتحكمه في النقل، وعن انعدام المهنية بتقصيره في البحث والتقصي. إن الأمانة العلمية في التقرير لا تتّسق وحجب مقاطع من الفتوى لو أبرزت لتبلورت الرؤية الصحيحة، ولما اجتذب الكاتب القارئ إلى موقف خاطئ، ومن تلك المقاطع المحذوفة تلك التي أقول فيها: إن ضرب المرأة فيه ولا شك إهانة لكرامتها… وإن الواقع العملي الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم يفسر طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة، إذ لم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضرب إحدى زوجاته، بل إنه لم يضرب بيده أحدا إلا أن يضرب بسيف في حالة الجهاد. والأمة تعي جيدا أن الحديث عن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من الأدبيات أو من الحكاية التاريخية التي تزين بها المقالات، وإنما هو دعوة إلى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في شأنه الأسري بموجب قول الله تعالى:» لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر» [الأحزاب21]. ولو أن صاحب التقرير أعطى نفسه متسعا من الوقت ولم تستخفه العجلة فرجع إلى شبكة إسلام أون لاين، ولو أنه تابع القضية في أي موقع بحثي لوجد الفتوى حاضرة يقرأها الناس إلى الآن في كل بقاع الأرض. ويعنيني أن أورد بعض ما أهمله صاحب التقرير مما هو مثبت في الفتوى منذ أكثر من ثلاث سنوات وفيه أقول: إن الزواج مؤسسة شرعية قد جعل الله لها سقفا تعيش تحته هو حال المودة والرحمة والسكينة التي يتعين أن تتوفر في البيت الإسلامي. وقد كان مالك رحمه الله يقول في ما حكاه عنه القاضي عياض في ترتيب المدارك: «جنة الرجل بيته»… فإذا لم تتوفر ضمانات العيش الهنيء والسكينة والمحبة المتبادلة، كان البيت المؤسس غير جدير بأن يكون بيتا إسلاميا… إن الذي يقدم عليه الأزواج في مختلف بقاع العالم وهم في حالة سكر أو فقدان للوعي أو التوتر الشديد، حيث لا تتوقع الزوجة أنها عرضة لأن تضرب، وهو فعل يتكرر يوميا ضد النساء، غير مسنود بدليل من الشرع أو بإيحاء من نصوصه وتعاليمه. وبعد هذا كله هل يصح أن ينتهي من يفهم الخطاب ويأخذ النصوص بجملتها ولا يتصرف فيها بالإلغاء والشطب إلى أن الفتوى تبيح ضرب النساء، وهي التي تحيل على التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع نسائه؟ إن المؤسف حقا أن الذين اغتربوا عن ثقافة مجتمعهم قد أصبحوا عاجزين كل العجز عن قراءة النصوص، وأصبح سوء القصد لديهم يسوغ لهم أن يقفوا على: ويل للمصلين.
3- إن قضية تعنيف المرأة لا يمكن التعلق بها وتوظيفها بنجاح في عملية تحريض المجتمع عموما ومجتمع النساء خصوصا ضد العلماء، تنفيذا لمراحل مشروع تحييد العلماء وتفريغ الساحة منهم وإقصائهم عن المساهمة في صياغة المجتمع المغربي المسلم وفق تصور منطلق من الاحتكام إلى الكتاب والسنة، وذلك لأن فكر العلماء ليس مجهولا في الأوساط الاجتماعية، وهو فكر متحضر يشكل عمادا ومقوما من مقومات التدين الوسطي المعتدل. والعلماء يتمثلون جيدا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرائد لا يكذب أهله»، ولذلك تعرف الأمة صدق لهجتهم، ومن العبث محاولة تحريض الناس ضدهم. وإذا كان لا بد من إعادة الحديث عن الموقف الذي يتبناه الإسلام ويؤمن به العلماء من قضية العلاقة بين الزوج والزوجة، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن ذلك الموقف يؤطره رصيد تشريعي وقيمي راسخ شكلته نصوص الكتاب والسنة ومقررات الفقه الإسلامي. ومن مفردات هذا الرصيد قول الله تعالى: «وعاشروهن بالمعروف»، وقوله: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة» [الروم 21]، والآية تحدد ملامح الأسرة المسلمة ونوعية العلاقة التي يجب أن تهيمن عليها، وهي علاقة المودة والرحمة، كما تجعل تحقق السكينة غاية ومطلبا لتلك العلاقات. ومن مفردات ذلك الرصيد على مستوى السنة النبوية أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»، و«خياركم خياركم لنسائهم»، ومنه أن فاطمة بنت قيس حين استشارت الرسول صلى الله عليه وسلم في قبول الزواج من أبي الجهم، نصحها رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا تفعل، وقال لها إن أبا الجهم لا يضع العصا عن عاتقه، وفيه دلالة على استهجان الإساءة إلى الزوجة. ومن مفردات هذا الرصيد أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: «إنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة أن ترفعها إلى في امرأتك، وعسى الله أن يرفعك». وقد ذكر بعض شراح الحديث أن المراد منه ليس هو توفير الغذاء للزوجة، لأن ذلك واجب على الزوج وهو حق من حقوقها، وإنما المراد أن يضع الرجل اللقمة بيده فعلا في فم زوجته وهو يؤاكلها على سبيل الملاطفة، وهو السلوك الذي يعتبره بعض الناس سلوكا رومانسيا معهودا في غير المسلمين ومع غير الزوجات غالبا. ومن مفردات هذا الرصيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع عباءته ثم غطى بها سنام الجمل ثم نصب ركبته لتصعد عليها صفية وهي تريد ركوب جملها، ومن مفرداته أن النبي صلى الله عليه سلم رفض أن يجيب دعوة جاره الفارسي الذي كان يجيد طبخ الطعام إلا أن ترافقه عائشة، ولم يجبه حتى دعا عائشة معه. ومن مفردات هذا الرصيد على مستوى المقررات الفقهية أن الفقه يعتبر ضرب المرأة ضررا يحق لها طلب التطليق بسببه، بل إن الفقه يقرر أن إصرار الرجل على إدارة ظهره لزوجته في الفراش هو ضرر معنوي يحق لها أن تطلب التطليق بسببه. وقد جاء في بعض مصادر الفقه: «إن كان الزوج يضارها بالضرب أو الأذى أو الهجر أو اللعن أو السب والشتم وهي تريد البقاء معه ولا تريد التطليق فرفعت أمرها للحاكم وأثبتت هذا الإضرار بالبينة أو الإقرار أو السماع الفاشي، فإن الحاكم يعظه ويزجره، فإذا لم ينفع الوعظ والزجر أمرها بالهجر في المضجع، فإن لم يفد الهجر هدده بالعقوبة»… ومن علم من امرأته الزنا فلا يحل له أن يضارها حتى تفتدي نفسها، ويكفيه مفارقتها بلا إضرار (الفقه المالكي في ثوبه الجديد 3/ 618). وإذا كان صاحب المقال يريد أن يخلص إلى نتائج يوظفها لأهداف معينة، فإن ذلك لا يدل إلا على غيابه الطويل عما يكتب وينشر عن مكانة المرأة. وقد يسر الله لي أن أسهم بجزء مما ينشر فأصدرت في نهاية القرن الماضي بحثا بعنوان: «كرامة المرأة من خلال خصوصياتها التشريعية»، وقد عرف المهتمون مضمون الكتاب وفحواه، وجاء الغائبون عن الثقافة الإسلامية ليقولوا قولا لا يصدقه إلا من اختلقه. ولما كنت أعي جيدا أن الضرر الذي جاء الإسلام ليرفعه عن المرأة لا يقتصر على الضرر المادي وإنما يتجاوزه إلى رفع الضرر المعنوي، فقد اقترحت أثناء وجودي ضمن اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية مادة تنص على اعتبار الضرر المعنوي الذي يلحق بالمرأة مبررا لطلب التطليق، فجاء ذلك منصوصا عليه في مدونة الأسرة الجديدة في المادة 99 الباب الثاني من القسم الرابع. فأصبح بإمكان المرأة المتزوجة من رجل منحرف أخلاقيا أن تطلب تطليقها منه. ومن مقررات الفقه أن المسلمين إذا وقعوا في الأسر فإن على الأمة أن تفتديهم ماليا، فإذا تعذر افتداء الجميع فإنه يجب البدء بافتداء النساء لمعرة الأسر بالنسبة إليهن. وقد أصل القرآن هذا المبدأ حينما صالح النبي صلى الله عليه وسلم مشركي مكة يوم الحديبية على أن يرد إليهم من جاء مهاجرا إليه من أهل مكة، لكن القرآن نزل بوجوب استثناء النساء فقال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار» [الممتحنة 10]. وقد تكرر في تاريخنا أن يخوض المسلمون حروبا من أجل الدفاع عن كرامة المرأة، فكانت غزوة بني قينقاع في العهد النبوي انتصارا لامرأة، وجرد الخليفة المعتصم جيشا لجبا لنجدة امرأة من عمورية صرخت وامعتصماه بعد أن صفعها رجل رومي، فكان فتح عمورية انتصارا للمرأة. إن الثقافة التي ننتمي إليها ليست ثقافة اعتداء على النساء، ولم يكن من قيم الرجولة فيها الاستقواء عليهن، وإنما هي الثقافة التي كرمت المرأة وأولتها مكانتها التي أحلها إياها الإسلام. فقد تشرف الرجال بالانتساب إلى المرأة وتسمى كثير منهم بأسماء أمهاتهم، من أمثال الصحابي ابن اللتبية ومحمد بن الحنفية، والقائد داود بن عائشة، وابن القوطية، وابن اللبانة وابن الهبارية وابن مريم من العلماء. وتسمى رجال بأسماء فيها انتساب إلى النساء، من أمثال الفاطمي والزينبي، وتسمت بها دول، ومنها الدولة الفاطمية، وسميت مساجد كثيرة بأسماء النساء، وانتسب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم من جهة فاطمة الزهراء، ودار في الأوساط العلمية بالغرب الإسلامي نقاش حول ثبوت الشرف من جهة الأم، فوضع المراكشي الأكمه «كتاب إسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم»، ووضع ابن مرزوق الحفيد كتابا بالعنوان نفسه، وقد حققتهما الباحثة مريم لحلو من وجدة، وقد ظلت المرأة في موضع التكريم من قبل المجتمع الإسلامي، وأنشأ الشعراء قصائد عديدة في امتداحها والتودد إليها، وبنيت صروح وقصور وفاء لذكراها، فبنى الإمبراطور المغولي المسلم شهاب الدين صرح تاج محل، الذي يصنف عالميا على أنه إحدى عجائب الدنيا، وفاء لذكرى زوجته تاج محل، ولم يأسف على فقد ملكه كما أسف على عدم تمكنه من زيارة قبر زوجته بعد اعتقاله.
4- دخول الوزيرة على الخط.
حين شرعت في قراءة التقرير الذي نشرته إحدى الجرائد استوقفتني منه طريقة إخراج مادته الإعلامية قبل أن أعرف محتواه ومضمونه.
فقد اختار مصمم التقرير أن يثبت في صدر المربع الذي خصص له صورة الوزيرة نزهة الصقلي واقفة منتصبة حاضرة حضورا جسديا طغى على المضمون، وشطر التقرير إلى شقين، فجاء الكلام مرصوفا على ضفتي الجسد، وكأنه مجرد إطار للصورة، فانتقل الموقف من لغة الكلام إلى لغة الجسد. وأصبحت الصورة فيه مركز الثقل وفق قراءة مدرسة الجشتلت في تحليل الانتقال من الكل إلى الجزء، ومن المركز إلى الهامش في ما يراه الإنسان. وقد قدرت أنه كان بالإمكان الاستغناء عن الصورة أصلا في تقرير صغير في حجمه يعالج قضية ثقافية لا علاقة لها بالجسد. وحين يصر صاحب التقرير على دعمه بالصورة، فإن العادة جرت أن يثبت الكاتب صورته هو، أو صورة من ينتقده أو يتحدث عنه عموما، وإذا هو اختار إثبات صورة شخص آخر كان له نفس موقف الوزيرة. فقد كان بالإمكان إثبات صورة الناشطة فوزية العسولي. ومعنى هذا الاختيار تحديدا أن صاحب التقرير قصد عن وعي اللجوء إلى صورة الوزيرة لما يمثله منصب الوزارة من معنى السلطة والقوة. وهذا أسلوب مبتذل في التخويف وفي ممارسة الإرهاب الثقافي الممنهج ضد العلماء.
وقد فات صاحب المقال أن قلوب العلماء هي بحمد الله معمورة بإيمان راسخ من مقوماته أنه لا فاعل في الكون إلا الله، وهم يقرؤون في كتاب الله قوله تعالى: «ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد» [ الزمر 37]. وقد علمهم القرآن أن يقولوا لمن بغى عليهم: حسبنا الله ونعم الوكيل... وأفوض أمري إلى الله.
5- إن من المستغرب أن يتجاوز كاتب مقال مستوى التعبير عن رأيه إلى الاستنصار بالوزارة وبالجمعيات، لأن ذلك ليس من طبيعة العمل الصحافي النزيه الذي يكتفي بعرض الرأي ويفتح باب النقاش حوله لكل مكونات المجتمع، إلا إذا تعلق الأمر بخطة منسقة توزع فيها الأدوار.
6- إن الذي يبدو وجيها وأكيدا هو أن المقال وما احتف به وما سيتلوه ليس عملا إعلاميا عاديا وإنما هو خطوة تندرج ضمن حملة استباقية للالتفاف على النتائج الصادمة التي أعلن عنها تقرير وزارة العدل الذي سجل أن العنف ضد النساء قد ارتفع بنسبة 160% خلال سنة 2007. وهذه الحصيلة السيئة غير المشرفة للمجتمع المغربي تستدعي التملص منها بإيجاد مشجب تعلق عليه، وبالبحث عن حلاق يجب أن يعلق إذا سقطت صومعتهم المتهاوية القائمة على غير أساس. والتقرير يريد أن يوهم بأن فتاوى العلماء هي السبب في تنامي ظاهرة العنف، وكأن المشرفين على قطاع تدبير الشأن الاجتماعي عموما والنسائي خصوصا يتعاملون معه تعاملا ربويا ليكون النجاح لهم والإخفاق محسوبا على غيرهم، حتى ولو لم يكونوا في مواقع القرار. وهم يريدون أن يوهموا بأن الذين يعتدون على النساء من الأزواج الجهال، ومن السكارى والمخدرين ومن محترفي الجريمة الذين لا يتورعون عن إشهار السلاح الأبيض ضد الرجال والنساء والأطفال هم في مجموعهم من أهل التدين الذين لا يتصرفون إلا وفق فتاوى العلماء، وهذه تهمة للمتدينين وتبرئة للمجرمين.
إن الواقع هو أن العنف بكل صوره وأشكاله التي يمارسها الرجال والنساء والأطفال، يظل ظاهرة اجتماعية مرضية يجب أن توجه إليها دراسات علمية غير مؤدلجة لتصل إلى إدراك أسبابها الحقيقية.
وفي رأيي أن معالجة الظاهرة يجب أن تتحول إلى مشروع مجتمعي لا يستأثر به توجه واحد، وإنما تشارك فيه كل التيارات الفكرية والأطياف السياسية والتكتلات المجتمعية من خلال مجلس أعلى لمناهضة العنف في المجتمع المغربي.
7- إني أتوقع أن ترد الوزيرة بأن وزارتها هي الوصية الرسمية على قضايا المرأة وهذا هو مبرر تدخلها. وهذا صحيح حينما لا يكون معنى الوصاية تحيزا أو انسياقا مع ادعاءات غير مستوثق منها، وحينما تسمح تلك الوصاية بفتح نقاش حول قضايا المرأة، وإلا فإن بالإمكان اعتبار وزير الاتصال مثلا مخولا لإسكات الصحفيين بموجب وصايته على القطاع.
8- إن المفترض في الوزيرة، باعتبارها جزءا من حكومة أناط بها الدستور تنفيذ القوانين، أن تحترم كل الضوابط المتعلقة بالفتوى بعد صدور ظهائر تأهيل الحقل الديني، وذلك بأن ترجع إلى الجهة المخولة قانونيا وهي المجلس العلمي الأعلى، لتستوضح موقفه ولا تستبقه بالقول في قضية دينية، لأن القوانين الصادرة في الموضوع لا تجعل الوزراء مخاطبين للعلماء ولا موجهين لهم، ولأن مؤسستهم مستقلة وهي مرتبطة بمؤسسة الإمامة العظمى. وأنا أعتقد أن الوزيرة لم تصل بعد إلى تمييز موقعها باعتبارها وزيرة عن متطلبات انتمائها، فلذلك أصبحت تخرج بخرجات إيديولوجية عجيبة تستهدف تدين الأمة من غير أن تعود من ذلك بطائل طبعا، وقد أعلنت عن رغبتها في إيقاف أذان الفجر الذي يتردد في كل البلاد الإسلامية والذي تضبطه أحكام شرعية يعرفها العلماء.
9- إن الوزيرة بخرجاتها أصبحت تعلن عن قدرتها على ممارسة الاجتهاد في الدين، شأنها في ذلك شأن المستهينين بشروط الفتوى. وإذا كانت الوزيرة ترى أن المنصب السياسي يؤهلها للخوض في قضايا شرعية، فإننا سنكون شاكرين لها لو تفضلت بإزالة الإشكال عن قضايا لازلنا نراها عويصة، فتوضح لنا كيف تفهم مدلول القبضة والبسطة في تعلقات القدرة، ومدلول الحال التي يقال عنها إنها واسطة بين الوجود والعدم، وحقيقة الكسب في المعتقد الأشعري، وكيف تلتقي الإرادة القديمة بالقدرة الحادثة، وتبدي لنا موقفها من تصفية الفريضة المشتملة على الوصية الواجبة التي تختلف المحاكم إلى الآن حول تصحيحها عن طريق العول أو عن طريق المناسخات، إلى غير ذلك من القضايا التي نحن في حاجة إلى من يفيدنا فيها. إني أدعو الوزيرة إلى إبداء الرأي في هذه الأبواب الاجتهادية المفتوحة، وإن كنت على يقين من أنها لن تفهم حرفا واحدا مما قلت. وقصدي بيان أن القول في الدين بناء عال لا يتسوره إلا من امتلك أدواته، أو من لا يأبه إلى أن يكون قوله خطأ أو صوابا.
10- إن الوزيرة صرحت بأنها ترفض استعمال الدين في تبرير الاعتداء على النساء. وأنا أقول: إن الدين ليست فيه إمكانية الاعتداء على أحد أو الإساءة إليه، لأن الذي أنزل هذا الدين أراده رحمة للعالمين، والرحمة لا يمكن أن تشكل إذاية لأحد. والمرأة المسلمة في بقاع الأرض أكثر ثقة بشريعة الإسلام منها بما يعدها به أي إنسان. إن المرفوض من قول الوزيرة هو إصدارها هذه التعليمة الحاسمة القاضية بعدم استعمال الدين في موضوعات وقضايا لا ترى فيها للدين مدخلا، وهي تسمي ذلك توظيفا، والحقيقة أن الدين ما أنزله الله إلا ليوظف في حياة الناس، وفي تحقيق مصلحتهم على المراد الإلهي. ولنا أن نسأل الوزيرة إن كانت هي لم تتورط في استخدام الدين وتوظيفه وهي تعمل على استدعاء المواطنين للتجاوب مع برامجها الاجتماعية. وكم من مرة رفعت شعار اقرأ للتحفيز على محو الأمية، وكم من مرة استعملت قول الله تعالى : «وتعاونوا على البر والتقوى» [المائدة 2]، وكم من مرة رددت كلمة المسؤولية مع أنها مقتبسة عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». وقد كان ضروريا أن تلجا الوزيرة إلى هذا ما دامت تخاطب شعبا مسلما يتجاوب مع القرآن ويتفاعل معه. إن آيات القرآن الكريم متنوعة في موضوعاتها، ومعظمها يهتم بقضايا الإنسان الحياتية أكثر من اهتمامه بجانب العبادة، ويكفي من ذلك أن تكون أول آية من القرآن وهي اقرأ، وآخر آية منه وهي آية توثيق الدَّين متعلقة بجوانب معيشية.
11- وأخيرا إني أتوقع أن يحوّل البعض هذا النقاش وينقله إلى ساحة أخرى ليجعله موقفا ذكوريا ضد امرأة تتحمل مسؤولية وزارية، وهذا شيء أدفعه بقوة لأنني أكن في نفسي لكثير من النساء الفاضلات الكثير من الاحترام، وأنا أعتز بإسهام عالمة كبيرة هي د. عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ وباحثة أصيلة هي د. فوقية حسنين محمود في تكويني العلمي، وأسجل أنني عملت في كل مستويات التعليم مع نساء فاضلات أوجبن احترامهن على كل من تعامل معهن. وقد قدر لي أن أتعامل مع مسؤولات كن في المستوى المشرف للمرأة المغربية وهن يتحملن المسؤولية. وقد زارتني في مقر المجلس العلمي بوجدة الوزيرة نزهة الشقروني فرأيت فيها امرأة عاقلة رصينة مستوعبة لقيم أمتها، وسرني أن تبلغ المرأة المغربية ذلك المستوى. وعملت بالمجلس العلمي مع نساء مغربيات كثيرات تفانين في خدمة الإسلام وفي أداء رسالته، وفي ترقية المرأة المغربية، وعملنا جميعا على تركيز وجود علمي محترم للمرأة حتى أصبح قوامه عشرات الحافظات للقرآن الكريم، وعشرات النساء الواعظات اللواتي يؤطرن الآن عشرات الآلاف من النساء على مستويات محو الأمية وتحفيظ القرآن والوعظ والإرشاد. ولعل هذا هو السبب الكامن وراء الزوابع التي تتداول أدوارها جهات يغيظها هذا النشاط.

كتبه مصطفى بن حمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة.