المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في ضوء القرأن المجيد



خالد عكام
08-18-2008, 07:31 PM
في
ضوء القرآن المجيد:




تطور الحياة الإنسانية والتاريخية



بقلم

الشيخ عبد الرحمن العيسى



حلب
1429ه - 2008م

طليعة وبداية:
لعل الكثيرين من هذه الأمة ، وغير هذه الأمة ، ذاهلون عن كون القرآن المجيد ، مطلَََع الحياة الإنسانية الراقية ، ويَنبوع التطور الباهر ، في مسيرة الخلق ، وبحثهم عما هو أكثر تقدماً وتسامياً وبناء ، عما كان عليه أسلافهم ، ومن كان سَبَقَهُم ..
ولكن الحقيقة المطلقة ، تقول : إن القرآن المجيد ، هو كذلك حقاً ، وفوق ذلك: هداية وذخيرة ، واستجماعاً واستيعاباً ، لكل النوازع والمثيرات ، في هذا الاتجاه والسياق ..
وفي مجال التطبيق العملي الماثل ، رأينا كيف أن أمةً بدوية جاهلية رحّالة ، لا يكاد أكثرهم يجد الماء ، ورديء التمر ، إلا بشق النفس ، ويعيشون في الخيام من الشعر ، ينقلبون فيما بين عشية وضحاها من الدهر ، إلى أمة واحدة مؤمنة ، تتحضر بسرعة الريح، وتبني وتَعمر الحياة ، وتهب الحياة الصالحة ، لكل من يفتقدها وينشدها ، من الأمم والشعوب ..
ويصبحون مضرِب الأمثال ، وإليهم تُشد الرحال ، في كل ما من شأنه : علوماً وفهوماً ، ومياه وأنهاراً ، وجناتٍ على وجه الأرض ، وحواضر ومدناً ضخمة ، عامرةً بالخيرات والثروات ، وجامعاتٍ علميةً ، تُمد الناس بالعلوم حتى الآن ..
فهل غير القرآن المجيد ، كان المرجعَ والمصدر ، والكنز والمضمون والمخبر ؟!.
مقدمة وتمهيد :
إن قضايا التطور الإنساني والتاريخي ، قد استوت الآن واستكملت أهدافها جميعاً .. وقد أطبقت على عالم اليوم ، فبدا كأنه بيت واحد ، أو قرية صغيرة ، وانصبت الجهود والخطط والاستراتيجيات ، على حرب الصراع والصدام: حضارياً وثقافياً واقتصادياً ، وهيمنة على القارات ، وصناعة للأردإ والأسوإ في واقع الحياة ، وإقصاءً لمنطق النبوة والهداة !..
وغابت عن الساحة قيم العدل والتوازن والانضباط ، والخير والجمال ، والأمن الحقيقي ، وبرزت صور مشوهة وممسوخة ، للممارسات السياسية العالمية المفضوحة ..
فاستحال التطور على أيدي رواده وصانعيه ، إلى عبء رهيب تنوء به كواهل البشر ، وتسحقهم ضغوطه وإخفاقاته وتحدياته ، ومظالمه وظلماته وموبقاته ، وتنالهم من بين أيديهم ومن فوقهم ..
وهذه قراءة متأنية ، ورؤية متعمقة ، في كتاب الله تعالى ، تبشر بما هو مغيب ومفقود ، من التطور والتحرر ، والرقي الأمثل، والهداية الحقة ، والعدل المطلق ، وتعميم الكفاية والغنى ، على عباد الله أجمعين ، الذين تتسع لهم وتسعهم نعم الله تبارك وتعالى ..
ولايخفى ما في ذلك: من الصيانة والتصفية والصقل ، لما قد تم إبداعه وصنعه واصطناعه واختراعه ، ليكون أقوم وأعدل وأرحم
وأهدى سبيلا..
والله ولي الهداية التوفيق.
تطور الحياة الإنسانية:
يقول الله تبارك وتعالى:(( ما لكم لا ترجون لله وقاراً . وقد خلقكم أطواراً)). ويقول عز وجل:(( يزيد في الخلق ما يشاء )). ويقول أيضاً: (( من الله ذي المعارج )).
فالحياة بصيغتها الدنيوية المعروفة والمألوفة ، عرضة للمضي في أطوار التطور ، والصعود في معارج الأكمل والأفضل: بحثاً عنهما، ووصولاً إليهما ، ولكن بالكد وبالكدح ، وبالإبداع المستمر والمتكامل ، وبالسعي الإنساني الملح والدؤوب ، والمتنوع والمتكاثر والمتواتر ، والمتدارك لكل خير ، ولكل أمر نافع ومفيد ..
ويقول سبحانه:(( إن سعيكم لشتى )).
إن تطور الحياة الإنسانية ، مؤكد ومستمر ومستدام ، وذلك من خلال الإنسان الكادح كدحاً ، الذي لا يعرف الكلل ولا الملل ، في سَبْر الكون ، واستيعاب الأسرار والحقائق ، واكتشاف المجهول ، ومن ثَََمَّ تسخير الطاقات المكتشفة ، وتنمية الثروات المتاحة ، وتفعيل الأسباب والوسائل الممكنة ، بغية تطوير المنافع والمصالح المشروعة ..
وهذا هو واقع الحياة والبشر ، في هذه الآونات والمآلات ، من عمر الزمن ، مع فارق الحرب المدمرة والمسعورة ، التي تُشن بلا إنسانية ولا رحمة ، على كل ما أبدعه الله ، وما أبدعه الإنسان ..
وما دام أن القرآن المجيد ، هو كتاب الوجود ، الناظم له ، والمتقدم به ، فإن مكتشفات البشر ومكتسباتهم ، إن هي إلا بعض ثمار القرآن ، وبعض مقتطفاته الدانية ، في مجال الكوكب والكواكب ، والذرات والمجرات ، والعلم والفكر والحياة ..
وظهر ذلك وتبلور بعد نزول القرآن طبعاً ، حيت انطلقت شعلة النور والتطور ، من ثنايا النص القرآني الأول ..
يقول الله المعلم الأول: (( إقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . إقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان مالم يعلم )).
فالإنسان الذي خُلق من علق ، تطور ليصبح إنساناً سوياً ، متكامل الخلق والتكوين والتأهيل ، في أعدل صورة ، وأجمل هيئة، وأكمل عقل ، وأحسن تقويم.. " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"
ويقول الخالق العظيم:(( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم . الذي خلقك فسواك فعـدَلـك . في أي صورة ما شاء ركبك )).
وهذا العلم الفاعل والمطوِّر ، هو العلم الذي أفاضه الله: وحياً وإلهاماً ، وفتحاً متصاعداً ، بالسبب الأعظم الذي هو القلم: رمزُ الحكمة الإلهية ، وترجمان فيضها الدافق ، وبالتعليم الخفي والعلني ، الذي ينير الطريق للإنسان ، ويفتح له المغاليق المؤصدة ، ليتابع مسيرة التطور والتطوير ، والزيادة والإفادة، والمساهمة في صنع التقدم والعمران والحضارة ..
ويقول مبدع الكدح الإنساني العريق: (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ))..
إن الكدح الذي هو التفكير والعمل بكدٍّ وجِدّ ، بحثاً عن السر والحقيقة ، هو الدليل والعنوان ، من أجل تطور الحياة والإنسان ..
وهكذا ليس سوى كتاب الله الخالد: القرآن المجيد ، بقادر على إثارة العقول والأفهام والمدارك والملَـكات ، وتحريضها على المزيد من العلم والعمل والإبداع العظيم ، واستدراك ما هو أعمق وأسمى وأسرع: منهجاً وارتقاء ، وهندسة وتنمية ، ووعياً مهيمناً ومقتدراً ..
ويقول العلي العليم: (( وقل ربي زدني علماً )).
فعملية التطور الإنساني ، الزاهر والباهر ، مربوطة ومرهونة بالعلم الرباني: زيادةً منه ، وإقبالاً عليه ، وتبحراً فيه ، وإمساكاً بإمكاناته الخارقة ، وأسراره الفائقة ، وفتوحاته الآ متناهية ..
ولا يتأتى هذا العلم ، إلا بصدق الدعاء والاستدعاء ، وبطول التجربة وعُمقها ، وبقوة الملاحظة والمشاهدة ، وكثرة الترداد والتأمل والمعاناة ، وبالتفكر والتفكير المتتبع خيوطََ هذا العالَم ، وامتداداته المترامية ، وكائناته المتطورة ، وكيف بدأ الله الخلق ؟!
وإن نبينا عليه الصلاة والسلام ، هو أصدق تبيان ومثال وتعبير، لفحوى هذا العلم ، المتزايد والمتنامي ، والمتسع إحاطة وشمولاً ، وعمقاً وتعمقاً ، وتحققاً في أغوار الحياة ، وأطوار الخلق، ومستويات الأمر ، ومقتضيات السلوك والسير ، والحكمة والحُكم ..
وإن قوله تعالى: (( واصبر حتى يحكم الله )). برهان على أن الحياة لا تمضي على طوْر واحد ، ولا تتجمد على مستوى معين ، فهي دائماً في تقلب وتغير وتداول ، وإن عقارب الزمن ، وحركة التاريخ ، لا تتوقفان لصالح الذين قد يأبوْن ويرفضون ، ويريدون أن يقف الدهر عندهم ، ويتشبثون بما قد عفَّى عليه الزمن ، وتجاوزته الأحداث ، وصار من المخـلَّـفات: استهلاكاًً واستنفاداً ، واجتراراً مملاً ، وتكراراً قاتلاً ، وإفلاساً في النهاية مريعاً وسريعاً ..
ويقول سبحانه: (( ولولا دفعٌ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين )).
ومن دلائل فضله على خلقه ، إصلاحه الأرض بعد فسادها ، حيث يقول سبحانه: (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )).
إن استمرارية منهج التطور الصارم ، إيذان بنسخ الفساد ، الذي لا تحتمله الكرة الأرضية ، وتأباه حكمة الله ورحمة الله ، وهو -أي هذا الفساد- صِنْو الجهل والرجعية والجمود ، والعدمية المحضة ، ومؤشر على توقف عجلة التاريخ والتنافس المشروع ، ونهاية هذا التاريخ ، كما يبشر أعداء الله ، من الفلاسفة الكافرين ..
مآلات التطور الإنساني:
والآن وصل تطور الحياة المادي ، والحضاري الصناعي ، والاتصالات والمعلومات ، أوجه وقمة صعوده وارتقائه ، وسرعته التي فاقت كل سرعة ، وذلك بفضل الآيات الإلهية المكتشَفة ، والعلم اللدنُّي الرباني ، وبفعل تأثير العوامل التاريخية ، والسنن الكونية ، والجهود الإنسانية ، وسلطان العلم المهيمن والرائد ، والمحيط نسبياً، والمتغلغل كلياً ، وهو المشار إليه بقوله تعالى: "لا تنفذون إلا بسلطان".
وهذه إيجابيات تطورية عملاقة ، فاقت المدى والطاقة ، تحصل لأول مرة في تاريخ الوجود الطويل ، بعد جهد وكدح غير قـلـيـل ..
ولكن الخطير في الأمر ، أنه يقابل ذلك: كفر فظيع بالله ، وتعتيم مكشوف على نور الله ، ونسيان للذكرى من الله، ونشر وإشاعة لأنماط وسلوكيات وسياسات ، لم يأذن بها الله ، ولم ينزل بها سلطاناًَ مبيناً ، حيث البشر في الأرض ، يعكفون في أعتاب ما صنعته يد الإنسان ، من عقول ووسائط ، وأشعة ومخترعات ، وأسلحة تحرق الأخضر واليابس ، وتهلك الزرع والضرع ، وإباحية جارفة ، لم تُبق حداً ولا عُرفاً ..
ولكن النتيجة الأكبر والأهم ، صحوةُ المؤمنين والعالَم على هذا الهول الأكبر ، المجافي لقيم الله ، وعدالة الله ، في مضمار السياسات والعلاقات ، وانهيار كل التوازنات والشعارات ، وانحسار أكبر الاستراتيجيات ، وأشدها كفراً ومكراً وهتكاً للحرمات الإنسانية
وأخيراً صحا البشر في الأرض ، على الإسلام العظيم: حضارةً ورسالة ، على أنه الملاذ والأمل ، والمرجع الحق ، في كل هذه العواقب والنهايات ، والنتائج السلبية الضخمة ..
إذ يأتي في النتيجة والتناهي ، حكم الله الذي يُعقِّب بالفصل والحسم ، وبالحساب السريع ، على كل ما كان وتكوَّن ، من تراكمات التناقض والاختلال والظلم ، وإشكالات الصراع والأحقاد، وطغيان الامبراطوريات الهائجة هيجان الذئب الجريح ، والثعبان المجنون ، وفوضى الجـان و الـشـيـاطـيـن ..
وذلك قوله تعالى (( والله يحكم لا معقِّب لحكمه وهو سريع الحساب )).
فينهي هذا الحكم ، وهذا الحساب ، من الأوضاع والأحكام والمفاهيم ، مالا يحتمله ولا يطيقه هذا الكوكب، ولا يصبر عليه البشر ، ولا يجد له مساغاً ولا مسوِّغاً في رحمة الله وعناية الله ..
ويقول سبحانه في إنهاء وتناهي هذا النمط من التطور الأسوإ والأردإ:(( فلما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلِسون . فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمدلله رب العالمين )).
وهذا هو القرآن المجيد ، يعلن انقطاع دابر الذين كفروا وفجروا وسيطروا ، ليبدأ سير جديد ، وطوْر أجد ، وتطور أصلح ، وأحمد عاقبة ، وأصدق وسيلة وهدفاً وغاية : سـلـمـاً وحـبـاً ..
وهذا هو تطور النور ، بعد تطور عهود الظلم والظلام ..
ويأبى الله إلا أن يُتم نوره ولو كره الكافرون ..
مقدمة في ماهية التطور التاريخي:
إن التطور التاريخي ، ملحمة الزمان ، وكدح الإنسان ، ومسيرة الحياة الإنسانية ، من خلال توارد الأفكار والمفاهيم ، وتوالي الليل والنهار ، وحُسبان الشمس والقمر ، وتعاقب العهود والدول ، وتنوع الحكم والأمر ، وتلون الدهر ..
فيحصل من جراء ذلك كله ، أوضاع وأنماط وأنواع ، تعيشها الأقوام والأمم ، وتتأثر بها ، وتتفاعل معها :سلباً وإيجاباً ، وِفاقاً وشقاقاً ، هدماً وبناء ، تسامياً وتدنياً ، تـفـلـتـاً والـتـزاماً ..
بحيث ينشأ كمٌّ هائل وكبير ، من التاريخ المفعم بالتطور والتغير والتحول ، الذي لا تتوقف عجلته ، ولا تكف عن الهيجان والدوران، وتفعيل دور العقل والنفس والإنسان ، ودفعه في طريق السعي الدؤوب ، والبحث عن الأفضل والأكمل والأمتع ، حسب تصوره ومزاجه ، وبفعل القوى المحيطة به ، والموجهة له ..
وفي القرآن المجيد ، يوجد التطور التاريخي ، من ثنايا الآيات البينات ، التي تتحدث عن الأحداث الكبرى ، والتحولات العظمى ، وانهيار قرون برمتها ، وإنشاء قرون أخرى ..
يقول عزمن قائل:(( ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين )). وفيما بين القرون الخوالي ، والقرون التوالي ، يتم تجديد الحياة ، وتصعيد البشر: فكراً وتجربة ، وعِبرة آمرة ناهية ، وانعطافاً كبيراً وحاسماً ، وحساباً سريعاً ..(( والله سريع الحساب )) ..
الإسلام والتطور التاريخي:
لقد كان يُخيل إلى الأكثرين ، من سكان هذا العالَم ، أن التطور سِمة الحياة الأوروبية ، ومن صنع الأوروبيين أنفسهم ..وأنه وقف عليهم ومستورد منهم ، وأنهم الذين اختلقوه وابتدعوه ، وأن العالَم الإنساني لم يكن فيه تطور قبلهم ..فالتطور بُدء بهم ..
في حين أن الأمر ليس كذلك ، ولن يعدو أن يكون نَوْبة من نوبات التطور ، جاء دور الأوروبيين فيه ، آخر هذه القرون الأخيرة.. ولكنه تطور أعرج وأهوج ، وعدواني أيضاً ..
وفي هذا البحث: رصد للتطور التاريخي ، بالمنظار الإسلامي القرآني .. وبالطاقة الفكرية: الفاحصة والمنقِّبة ..
ومما لا شك فيه ابتداء ، أن تاريخ الأديان السماوية ، قد تكوَّن وتحصَّل ، نتيجة لتطور الوحي والنبوات ، وتطور البيئات والمناخات ، التي انبعثت فيها تلك النبوات ، والتي يتمم بعضها بعضاً ، ويزيده ترقياً وتسامياً ..
ومن ثَمَّ جاء تطور الحياة الإنسانية وتقدمُها ، ونمو القدرات العقلية ، والملَكات الفكرية فيها ، والمفاهيم الحضارية ، على النحو الذي بشر به الأنبياء ، ودعا إليه المرسلَون ، من تصحيح المعتقد والمسار ، والإصلاح الخلُقي والنفسي ، والوعي الحضاري ، بعيداً عن الجاهلية والوثنية ، فسرت في العالم القديم ، روح التعارف والتآلف ، وحياة الجماعة الصالحة والواعدة ..وكان ذلك ترقِّياً ، وما للترقي انتهاء ..
وحتى الوثنية المناقضة لمنهج الوحي والنبوة ، عبر التاريخ ، كانت تطوراً سلبياً نحو التجسيد والأسطورة ، والمشاركة المزعومة للذات الإلهية المقدسة ، الأمر الذي استدعى تصحيحاً وتطوراً بالرسالات الإلهية ، المقومة لاعوجاج الفكر والسلوك ، والمنبهةِ على ضرورة التحول والتطور ،والفهم الأفضل لملحمة الوجود ..
وأخيراً انجلى صراع التطور ، وحربه التاريخية المريرة ، عن نضج إنساني جديد ، ورفيع المستوى والمضمون ، استدعاه الإسلام العظيم ، ومنطق وحيه الأعلى ، واقتضته ظروف بعثة نبوية خالدة وخاتمة ، لسيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ..
ولننتقل من هذه المقدمة التمهيدية ، إلى حقيقة تاريخية تقول: إن التطور في المحصلة والنتيجة ، هو في خدمة الإسلام حقاً ، من حيث أن الإسلام يظهر وينهض ، لدى التدهور التي تؤول إليه
قضايا التطور ، وهو -أي الإسلام- قمة التطور الإيجابي الناجح ، في كدح الإنسانية نحو الأفضل والأكمل ، في الحياة العادلة والمعتدلة ، وفي ميادين التعايش والعلاقات المتكافئة ، والتنمية الصالحة ، وتنظيم أمور المجتمعات ، وإسعاد العباد ، وعمارة البلاد..
وهذا ما شهده التاريخ ، وشهد به التاريخ ، وفي الحقيقة والواقع التاريخي ، فإن الحروب العدوانية ، السافرة والخافية ، التي شنها أرباب المصالح الوثنية والكهنوتية ، على الإسلام ورواده وأتباعه ، إنما كانت لوقف عجلة التاريخ ، ومنع حركة التطور ، وللإبقاء على صيغة الحياة كما هي: جموداً ورجعية ، وجاهلية عقلية، وتأخراً مشيناً في الفكر والتصور ، والسلوك الأرعن ، والعيش الردئ والوبيئ ، والممارسة المنفلتة من أية تحفظات والتزامات ..
ومن هنا عد المؤرخون الغربيون ، معركة (( بَلاط الشهداء )) مثلاً ، ضربة قاصمة لأوروبة ، حيث أوقفت مدَّ النور والحضارة ، والتطور الزاهر والمزدهر ، وفرضت على الأوروبيين ، أن يعيشوا في الظلام والتوحش والهمجية والجهل ، قروناً آخرين .
وأصبح في حكم الحقيقة التاريخية الدامغة ، أن العالم المسيحي الغربي ، قد تأخر تطوره كثيراً ، بسبب حالة التمنع والمقاومة ، وضراوة الحرب الضروس ، التي جوبه بها الإسلام ، في حركته المباركة ، ودعوته المغيثة والهادية ، لإنقاذ العالَم ، وحماية الأرض، وما فيها وعليها ..
ولكن سنن التطور ، وقوانينه الدؤوبة ، غالبة في النهاية ، مهما طال الأمد ، وتطاول الزمن ، ومهما كان عليه حال الرافضين والكافرين ، والجاهلين: أعداء أنفسهم ، وأعداء الحقيقة معاً ..
وهكذا بعد لأي شديد ، وتمنع عنيد ، وبعد صبر وإصرار وكفاح من الإسلام غير قليل ولا بعيد ، دب إلى أقطار أوروبة وشعوبها ، دبيب العلم والتطور ، والتفتح للحياة ، وللأسباب والعوامل المفجرة لذلك كله ، أي للعلم والتطور ..
وكانت الحروب الصليبية خلال قرنين من الزمان ، والحضارة الإسلامية في الأندلس خلال ثمانية قرون ، هما المؤشران التاريخيان ، والسببان الرئيسيان ، على بدء عمليات الاستجابة والاستيقاظ والتفاعل ، والتطور المتطور و الهائل ، في أوروبة وبقية أرجاء المعمورة ، حيث كان التنوّر والاقتباس ، من أضواء الحضارة الإسـلامـيـة الـقـرآنـيـة ، التي أنارت الأرض من أقطارها.
والآن فإن ما هي عليه القارات في أمريكة وأوروبة ، وفي الصين واليابان ، وروسية الاتحادية ، من تدهور وركود وتعقيدات ، في العلاقات والاقتصاديات , والتجارات والصراعات ، من أجل الأسواق والطاقات والخامات ، ليس إلا تراكمات وترسبات تطورية لا حل لها ، ولا إفلات منها ، وتهدد وتنذر بالخطر الأكبر،وأصبحت سدوداً وخنادق أمام مسيرة التطور الإنساني الصاعد ،
وعادت بالسلبيات المدمرة ، والسياسات الفاضحة ، على الوضع الإنساني العام ، ومسألة التوازن فيه ، وصار الحكم للأقوى: حديداً وناراً ودماراً ، وجنوناً للقوة لم يعهده الـبـشـر مـن قـبـل ..
وانتهى التطور بالتكنولوجيا والكمبيوتر ، وسرعة الصوت والضوء ، وأشعة الليزر ، والأقمار الهائمة ، والصواريخ العابرة ، إلى ضغوط وركامات ، تسحق الأدمغة والأعصاب ، لم تشهد الدنيا لها مثيلاً: انحرافاً وانجرافاً ، وظلماً فادحاً ، وحرباً عدوانية رهيبة ، وسوء تقدير وتفكير ، وعنصرية شرسة ، وإباحية جارفة ، وجنوناً وفوضى عارمة ، وهجوماً صاعقاً على الإنسان لتفريغه وتمزيقه ..
فبماذا نفسر ما يجري الآن ، من بناء هيكلية الشيطان ، وتدمير الإنسانية والإنسان ، وتطوير أساليب التوحش والشراسة والطغيان ، وإبادة كل ما له علاقة بالحياة المقدسة ، وبالتاريخ المشرق ، ليبقى البشر شرازم ممزقة ، وكيانات فارغة ، وهياكل عظمية مهترئة ، بدون تاريخ ولا تراث ، ولا توازن ولا اتـزان ..
إن أخطر شئ في الحياة اليوم: هو استنفاد معطيات التطور والتطوير ، والتجمُد عند حدود الاجترار والتكرار ، والبغي والاستكبار ، والغطرسة الملعونة ، والمكابرة الفظة ، واستخدامُ تطور الحديد والنار ، للحيلولة دون أن يتنفس هذا العالم الصعداء،ويستريح من التخبط والتآمر ، والولوغ في مستنقع الجرائم والمظالم ، وكبائر الإثم والموبقات والمآتم ، وتجمعات العزاء ..
فمتى يتوقف نهر الدمع والدم ، عن الدفق والجريان ، على أيدي جلادين وجزارين ومجرمين ، ليس في نفوسهم ذرة من رحمة، ولا في عقولهم مَسْكة من أناة ، ولا في تدبيرهم وإدارتهم ، شئ قد ينفع ويفيد ، وليس فيهم من رجل رشيد !..
إن الحياة والتاريخ في تطور ، هذا أمر مؤكد ، ولكن يختلف الأمر ، حسب المرجعيات والدوائر السياسية الحاكمة في الأرض ، فإذا كانوا هداة ، كان التطور رحمة ونعمة ، أما إذا كانوا جناة وعتاة، عاد التطور لعنة ونقمة ، وبلاء يفجر المعاناة والآلام ..
إن التطور الذي فجر الغنى والثروات ، واستخرج كنوز هذه الأرض ، واستصنع مناجم الذهب ، واستنبط النفط من آبارها الكثيرة والمتكاثرة ، واصطنع أقوى الأجهزة والأسلحة والمعدات والاتصالات ، وسيطر على السحاب والسماء .. هذا التطور غدا عاراً وناراً ، ووبالاً ونكالاً على النوع الإنساني برمته ، وأحال الكرة الأرضية ، إلى حمامات دماء ، ومزق البشر إلى إِرب وأشلاء، وصار هذا الكوكب ساحة لِلمصحَّات العقلية ، والعيادات النفسية والعصبية ، والمشافي الجسدية ، والسجون التي تضيق بسكانها ، وظهرت أمراض وأوبئة ولعنات ، تصرع الإنسان ، وتفجر كبده وفؤاده ، وتطفئ جذوة الحياة والأمل في أوصاله ، فيُحمل ويٌقبر ، ويهال عليه التراب ، كأتفه مايكون من الآلات والـجـيـفـات والأسـبـاب ..
ولكن إلى أين يسير هذا العالم اليوم ، وما هي المآلات المحتملة والراجحة ، وهل هي النهاية لهذا الكوكب ، ولم تبق فرصة متاحة للتدارك والتلافي ؟ والإغاثة الإسعافية العاجلة ..
الجواب على كل هذا التساؤل ، يكمن في كتاب الله: القرآن المجيد .. يتبادر إليَّ الآن قوله تعالى:(( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا
لا يوقنون )).
فهذا العالم ليس متروكاً ولا مهملاً ولا مَنسياً ، حتى في أشد حالات التهالك والتداعي ، وتصاعدُ المد الإلهي الرباني ، لا يمكن وقف دوراته وآياته ، وكلامه الفصيح والـمـبـين ..
يقول عز وجهه وسلطانه:(( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتيَ ربك أو يأتيَ بعض آيات ربك )).
وفي هذا الإتيان الإلهي المتنوع ، لجماعة المفسدين في الأرض، والضالعين في صنع طوفان الإجرام والإعدام ، دليل وبرهان على التدارك المؤكد ، والإغاثة العاجلة ، من خالق الكون إلى خلقه وعياله المضطهدين والمستضعفين ، والمعذبين في الأرض ، والمصلًّبين على جذوع النخل ، والممزقين أشلاء على فرشهم آمـنـيـن : أباءً وأمهاتٍ ، وبنات وبـنـيـن ..
إن استدارة الزمان ، واستئناف التاريخ ، ومداولة الله للأيام بين الناس ، ومؤشرات الصحوة من السكر والذهول ، والعذاب الشديد ، كل ذلك يحدو بنا إلى الأمل الكبير ، والتفاؤل المقتدر والجدير ، بأن سنن التطور الإلهي والتغيير ، في الحياة والتاريخ والإنسان , لن تتراجع ولن تتعطل أمام هذا الطوفان والإعصار ، وفوادح النار والعار والدمار ، بل سينحسر كل ذلك ، ويتراجع متلاشياً كالموج على صخور الشواطئ الصامدة ، ويعيش البشر من جديد ، أطواراً من خلق الله ، وتطورات من آيات الله ، وقول الله ، ووعد الله ، ورحمة الله ، وما النصر إلا من عند الله ..
والحمد لله رب العالمين ..
أما بعد :
فإن القرآن المجيد ، الذي قرأه الله تبارك وتعالى قبل خلق السموات والأرض ، هو الذي تمت هندسة الأكوان والعوالم ، على ضوئه وهداه ، وجاء آدم وذريته أخيراً ، ليكملوا مسيرة الخلق والتكوين ، متواكبة ومواكبة لعمليات التحديث والتطوير ، والمضي صُعداً في معارج ذي المعارج ..
فكان نبأ ابني آدم ، ونوح والطوفان ، وإبراهيم ونمرود ، وموسى وفرعون ، وعادٍ وثمود ، وأصحاب الأخدود ، وعيسى والحواريين ، والاسكندر وذي القرنين ، وزمزم والبيت ، وقُصَيٍّ وقريش ، وأصحاب الكهف ، وأصحاب الفيل ، ثم البعثة النبوية المحمدية الصاعدة ، وما نجم عنها من سُمّوٍ وعُلُوٍّ ، وفتح رائع وعريق ومبين ، في العقول والقلوب والمفاهيم والمضامين ..
كل هذه المحطات ، كانت تحولات ، وتطويراً لأنظمة البيئة والحياة ، وانعطافاً بالبشر ، إلى آفاق جديدة ، من التفكير والتدبير ، وحياة جديدة متجددة ، ومعايشَ متطورة ، وعلاقات متنامية ..
فكان ما بعدها استكمالاً لما قبلها .. حلقاتٌ يُتمم بعضها بعضاً:مؤلفةً سلسلة التطور الإنساني والتاريخي ، الذي عاشته البشرية , منذ آدم وحتى اليوم ..
ويقول سبحانه ، عن سنة التحديث والتطوير:(( ما يأتيهم من ذِكرٍ من ربهم مُحْدث إلا استمعوه وهم يلعبون . لاهية قلوبهم .. )).
ولا تسل بعد ذلك ، عن التطور الفالح والصالح والعجيب ، الذي طرأ على العالم الإنساني ، وتاريخه الدائب ، بعد نزول القرآن المجيد ، وانطلاقة الإسلام العظيم ، حيث آل الأمر أخيراً ، إلى أمم الغرب ، فقامت بهذه القفزات الهائلة والعملاقة ، من التطور الجامع والمهيمن ، والممتد إلى كل الفنون والزوايا والمآخذ والاتجاهات ، كما قرأنا ورأينا وسمعنا وعشنا ..
والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم ..
تنبيه وتذكرة :
لقد كانت حضارة الغرب ، وتطوراتها المتلاحقة ، هي حضارةَ المسيح الأعور الدجال ، الذي لا يرى العالَم إلا بعين واحدة، وهي العين: التي يرى فيها مصالحه الجهنمية الرهيبة ، وما يريد أن يُحدثه في العالَم ، وأن يجر البشر إليه ، صارفاً الوجوه والوجهات ، عن حضرة الخالق العظيم ، رب السموات والأرض ، ورابطاً مصير هذا الكوكب ، في عجلة فتنته ورهبوته ، وخطفه للأبصار والنفوس ، وهجومه الصاعق والمدمر ، على المؤمنين والمؤمنات ، وتحطيم ما تبقى لهذه الأمة ، من وجود ، في هذا الوجود ..
ولذلك ارتبطت حضارة الغرب ، وتطوره الكبير ، في مجال العلوم والطاقات والسرعات والاتصالات ، باستعمار هذه الأمة ، وتقطيع أوصالها ، وتدمير كيانها السياسي الإسلامي ، وإحالتها إلى كيانات مصطنعة ، لا تشكل خطراً على طغيانه وعدوانه ..
قبل أن يكون المسيح الدجال ، شخصاً منظوراً ، في عالم السياسة والواقع والعقيدة ، كانت حضارته وثقافته ، وفتنته
التي ما مر مثلها في التاريخ ، قد غزت الدنيا بأسرها ، وصادرت كل ما لدى الأمم والشعوب ، من حقوق وخصوصيات ، لا سيما هذه الأمة، التي اكتوت بنار فتنة الدجال ، وحضارة الدجال : المادية الإباحية الوجودية ، المتجردة من كل عهد ووعد وميثاق ، وحرمة محرمة ، قد حرمها الله ورسوله ، وكان ذلك في هذه الأمة ، أكثر من أية أمة أخرى ..
لا يحق ولا ينبغي للغرب ، أن يمن علينا بما حصل لنا ، من تقدم وتطور ، في بعض مظاهر حياتنا المادية ، ونُظُمنا الاقتصادية والاجتماعية ، ووسائط نقلنا في البر والبحر والجو ، وأخذنا بقسط لا بأس به من العلوم والمعارف ، والفنون المباحة والمحرمة ، لأن ما هو خير ومفيد من هذا الإرث الحضاري ، هو بعض ما رُدَّ إلينا من بضاعتنا ، ولكن بصورة مجتزأة ومنقوصة ، ومصحوبة بما صدروه إلينا وإلى مجتمعاتنا ، من أدبيات وعادات وشذوذيات وتجاوزات ، هم ليسوا منها في شيء ، إلا أن تكون علينا ناراً وعاراً وتباراً، وانحلالاً واختلالاً ، وفرقة مدمرة ، وضعفاً مستمراً ..
وبقي الغرب يمسك بتلابيب أمتنا الغالية والمنكوبة ، ويهزها هزاً عنيفاً ، ويحول دونها من أن تستعيد شيئاً من خصوصيتها الحضارية ، وشخصيتها الاعتبارية ، وهويتها المتميزة والأصيلة ، وفكرها القومي الخالص ..
ولا تكاد تستطيع أن تحتفظ بقدر ولو يسير ، من عقيدتها الربانية النبوية ، التي هي سر عزتها ، ورمز كرامتها ، وعنوان استقلالها وتحررها ونصرها ..
وعلى أيدي الغرب والغربيين ، تمت زحزحة هذه الأمة ، عن كونها خير أمة أخرجت للناس ، تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتؤمن بالله ، وترعى بالعدل والمرحمة عباد الله ..
إن المخدوعين والجاهلين ، يتصورون ويظنون ، أن للغرب حقاً علينا ، وأن لهم الفضل فيما ترامى إلينا من حضارتهم ومخترعاتهم وعلومهم ..
وكأننا قبائل متوحشة ، جئنا من وراء التاريخ ، وجاؤا هم فأسدوا إلينا ذلك المعروف العظيم ، هكذا محبة ولوجه الله تعالى ، وجعلونا متحضرين ومتنورين ، لا نعيش مع الدواب ، ولا نسف التراب .. بل نعيش كما يـحـبـون ويـشـتـهـون !..
في حين أنهم هم أنفسهم ، لا يملكون إلا أن يعترفوا ويُقروا لنا بالسبق والفضل ، في حلْبة السبق والفضل ، وأن علماءنا هم رواد علمائهم وأساتذتُهم ، وأنهم جاءوا بعدهم .. وتتلمذوا عليهم ..
وإنني لا أعترف بأنني أتيت بشيء جديد ، حينما أعرض هذه الحقائق والثوابت ، فإنها من المسلمات المنسِيَّات ..
ولـذلـك ذكّـَرت بـهـا نـفـسـي و قـومـي و أمـتـي ..
وياليت قومي يعلمون . ويعلمون بأن الذكرى تنفع المؤمنين ..

خالد عكام
08-18-2008, 07:50 PM
هذا المقال بحث جديد وموثق من القرآن المجيد ، عن موضوع ما حصل في العالم القديم والجديد ، من تطور وارتقاء وتقدم في العمران والمعارف والعلوم ، إنه رصد موسع لمظاهر هذا التطور ، وفضل القرآن والإسلام والرسالة النبوية المحمدية ، على العالم الإنساني والفكر والحضارة ، وهندسة الحياة .

أحمد هنداوي
08-28-2008, 06:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الخلق أجمعين وعلى آل بيته الطاهرين وأصحابه المنتجبين و
كل من تبع نهجه الى يوم الدين
قال الذي لا قائل قبله ولا بعده جل جلاله وتعالى مقامه وتباركت أسماءه ولا الاه غيره
(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا) 9 الإسراء
بادء البدء اتوجه لفضيلة الشيخ (عبد الرحمن العيسى) بالشكر والعرفان والإمتنان على هذه الكلمات الطيبات المنمقات المباركات النافعات بإذن الله وأسأل الله العلي القدير ان ينفعنا مما فتح عليه وآتاه وعلمه من علمه وبه إجتباه
اما بعد
فإن كل من يقراء هذه المقالة المباركة يدرك ما هو المعني الحقيقي للتطور وانه هو منهاج الحياة الفعلي من بداية الخلق والى النهاية
وان القرآن المجيد هو اساس هذا المنهاج الإلاهي وهو محور تتطوره ونمائه وامتداد ابعاده وان كل ما مرت به البشرية كان قائما على هذا المنهاج
وان ما قد وصلنا اليه من تطور ما هو الا نهاية التطور
ولو كنا لانزال ننهج بالنهج الإلاهي لكنا تطورنا الى ما فيه خير البشرية ونمائها ولكن بعدنا وانحراف مسيرتنا عن الدرب الإلاهي والنهج القرآني
هو ما أوصلنا الى ما نحن عليه من حروب على جميع الصعد الإقتصادية منها والمادية والسياسية والإجتماعية والفكرية والتكفيرية والإباحية اللا أخلاقية
ونجن جميعنا نعلم ان تسير أمور هذا الكون يدار من الحضرة الإلاهية وبتجليات علمية عملية لا زيغ فيه ولا ريب
وما نحن فيه الآن ماهو إلا بداية فتنة عظيمة ذكرت في القرآن المجيد وونبهنا اليها نبينا وعظيم امتنا وسيد خلقنا المصطفى العدنان عليه صلوات الله في كثير
من أحاديثه الشريفة
ويجب أن يفهم المرء مما اخفاه فضيلة الشيخ بين كلماته ان فتنة المسيح الدجال ليست كما كانت ترويها لنا قصص جداتنا وما كان يروء عن خوارقه وافعاله
بل إنما هي فتنة علمية منهجية ولها مقدماتها وبوادرها وكينونتها العلمية والتاريخية واحداثها وتداعياتها وانها قأئمة بطرقية عصرية ومعاصرة
يكون للحضرة الإلاهية والمنهج القرآني الدور الأكبر فيها وفي كينونتها
وما دورنا نحن الإسلام فيها إلا دورا متمم للنهج الرباني العلمي العقلاني البعيد كل البعد عن الخرافة والخيال والتصورات المرسومة بإيدي الكفار والمغرضين
وانا بهذا الكلام لا أدعوا الى الإستسلام والرضوخ لهذه الفتنة
بل أدعو كل مسلم الى التنبه الى دوره بالمنهاج القرآني والنهج الرباني الذي خلق من اجله
وان يكون واعيا لهذه الفتنة وان يكون حريصا على أن يأخذ دوره الإجابي فيها وذلك بتجنبها وتجنيبها آل بيته وقومه وامته
ليتم العزيز الحكيم عزته وحكمته وهو القائل (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) 32 التوبة
وختاما اتوجه مرة اخرى لفضيلة الشيخ وللسيد خالد عكام بالشكر على ما ذكرونا به من المسلمات المنسيات وجزاكم الله عنا وعن المسلمين أجمعين كل خير
وفقنا وإياكم الى ما يحبه ويرضاه