المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقوع الحافر على الحافر



سليم يوسف على
08-21-2008, 02:39 PM
ولد وليم شكسبير يوم 26 ابريل 1564 في مدينة ستراتفورد اون أيفون وذلك في زمن أزمات وتغيرات في التاريخ الأنجليزى . كانت الملكة اليصابات الأولى قد استطاعت تحقيق تسوية بين الكنيسة والدولة كما كانت تستعد لمجابهة أسبانيا المسيطرة آنذاك على أوربا . ومن جانب أخر فإن الاستكشافات الجغرافية قد غيرت اقتصاد انجلترا ونمط حياتها الريفية كما بدأ شكل أولي للمصنع في الظهور .
وعلى هذه الخلفية من القديم والجديد ومن التقاليد والتغير ظهر وليام شكسبير ليحقق إنجازا مسرحياً وشعرياً شامخاً قد لا يضارعه في الأدب الغربي الا ما حققه هوميروس و دانتى.
إن قوة شكسبير الرئيسية تمكن في تعاطفه العميق مع كافة أشكال الحياة من حوله وسيطرته على الفن المسرحي حتى استطاع إن يصل بشخصيات مسرحه الى مستوى شخصيات مسرحية التراجيديا الإغريقية.
ونحن في هذة العجالة نريد أن نشير الي بيت شعر مشهور ورد في مسرحية مكبث لننتقل بعد ذلك إلي مطلع قصيدة للشاعر والخليفة العباسي أبن المعتز الذي توفي قبل شكسبير بحوالي سبعة قرون .
عندما دارت الدوائر على مكبث، بعد أن غاص في عمق الشر الإنساني ،وأصبح جاهزاً للمعرفة الناتجة عن المعاناة التراجيدية ، وصله نبأ موت زوجته التي دفعته منذ البداية إلي سلوك طريق الخيانة والقتل لتحقيق طموحها في أن يصير زوجها ملك اسكتلندا . تلقى مكبث ذلك النبأ بلامبالاة إذ انه قد أدرك حتمية الموت وانه إن لم يأت اليوم سيأتي غدا ً. وفي مقطع مشهوراً تصل فيه اللغة الشكسبيرية إلي زخم عال ، يقول مكبث مخاطباً نفسه :
ما الحياة إلا ظل يمشي Life's but a walking shadow وممثل سيئ يتبختر ويقضي ساعته على المسرح ثم لا يسمع له صوت .
( الفصل الخامس – المشهد الخامس )
يمثل الشاعر العباسي ابن المعتز (247- 297 هـ / 861- 909 م ) قمة من قمم الشعر العربي وهو نسيج وحده في إبداع الصورة الشعرية التي لم يأتي بها شاعر عربي قبله أو بعده، ويقول عنه ابن خلكان أنه كان شاعراً مطبوعاً ، مقتدراً على الشعر .
وهو أمير من نسل ستة خلفاء عباسيين ، وقد أصبح هو نفسه خليفة لمدة يوم وليلة بلقب المرتضي بالله ، خلع بعدها وسلم الى خادم أسمه مؤمن فقتله خنقاُ وكان عمره حينها تسع وأربعين سنة ؛ فهو أذن مثل شكسبير في كونه عبقرية شعرية ماتت عن عمر قصير نسبياً.
أما البيت الذي أسترعي انتباهنا فهو قوله في مطلع قصيدة يرثي فيها أباه:
رب حتف بين أثناء الأمل وحياة المرء ظل يتنقل
أن الشعراء العظام قد أدركوا هشاشة الوجود الإنساني وسرعة انقضاء الحياة وكأنها حلم أو وهم ، ولم يكن شكسبير محتاجا لان يقتبس من أبن المعتز ،على فرض قراءاته لشعره فى ترجمة إنجليزية أو لاتينية وهو أمر مستبعد تماما - إذا أن معني قصر الحياة الإنسانية وتفاهتها موجود فى الكتاب المقدس وذلك على خليفة دوام الحياة ألآخرة والبقاء الألهى الحقيقي .
ورغم هذا فأن التماثل بين الصياغتين لنفس المعني يثير العجب والإعجاب ، ويجعلنا نصدق العبارة المشهورة التي تقرر" أن الشعر جادة ( اى طريق واسع ) فربما وقع الحافر على الحافر "
وهكذا تشترك الحساسية الفنية العالية في ادارك حقائق الوجود والحياة والموت ، رغم اختلاف البيئات وتباعد الأزمنة والمسافات.