د. أحمد إدريس الطعان
09-02-2008, 02:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظة : هذا البحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية - الكويت عدد سبتمبر 2008 م
العلاقة بين العلمانية والغنوصية
د . أحمد إدريس الطعان ( [1])
كلية الشريعة – جامعة دمشق
بريد إلكتروني : Ahmad_altan@maktoob.com
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
في الظلام تكثر الخفافيش ..
وفي الظلام تغيب الحقائق، وتختلط معالم الأشياء، ويستوي الأعمى والبصير ..
وفي الظلام ينشط الشطار والسراق يبحثون تحت جنح الظلام عن صيودهم وغاياتهم ومكاسبهم .. وفي الظلام يتعالى صفير هؤلاء وتصفيقهم وضوضاؤهم يصمون الآذان، ويقلقون الأذهان .
إذا كان ذلك ما يحصل في ظلام الحس والمشاهدة فكذلك هو ما يحصل في ظلام الأفكار والمبادئ، فيحرص المغرضون على اختلاط المفاهيم، واندراس الحدود، والتباس التعاريف، ويضيق هؤلاء بالوضوح والبيان، ويتبرمون من التدقيق والإتقان .
وفي هذا العالم المختلط من الفوضى يتكلم الرويبضات، ويتقدم الأراذل، ويتصدر الأصاغر، ويؤم القوم أجهلهم، ويقودهم أحمقهم . غير أن الأدهى من كل ذلك أن تصبح الفوضى هي الأساس، والعبث هو القانون، والغموض هو الإبداع، والهوى هو الميزان، وهو ما يحصل اليوم في عالم النصوص وقراءتها وتأويلها، وفي عالم الأفكار وصناعتها وتدويلها .
فالذين يبحثون عن الحقيقة يحرصون على اكتشاف معالم النص وحدوده وأبعاده، وهو ما لا يعني أبداً تجاهل أعماقه وآفاقه الواسعة، ولكنهم يريدون الحقيقة التي يحث عليها النص سواء كانت حقيقة نظرية اعتقادية أم عملية سلوكية، وفي هذه الحالة يمثل هذا الصنف دور المحكوم الذي يبحث في النص عن مقاصد الحاكم ومراميه، ويوظف لفهم النص كل وسائل الإضاءة والإنارة، وهو متشوف إلى اكتناه الحقيقة والتشبث بها .
غير أن صنفاً آخر من الناس لا يعتقدون بوجود حقيقة أصلاً وراء عالم الأهواء والأغراض الذي يتمرغون فيه، فكل حقيقة يمكن أن تنغص عليهم وهْمَ المتعة الذي يعيشونه هي حقيقة زائفة، وكل نص يعكر عليهم نشوة السكرة التي ينعمون بها هو نص استبدادي لا بد من مقاومته بكل وسائل التشويش والتعكير والتنفير .
ومن هنا فإن الخطاب العلماني/الغنوصي يرفض حكومة النص المُحْكم، لأنه بنظرهم نص إمبريالي يريد أن يفرض سلطانه على قرائه، بمعنى آخر لأنه نص مستنير واضح ليس فيه ظلام، ولا يسمح بحرية اللعب، في حين يكون النص المتشابه – بنظر الخطاب المدروس- هو النص المحبوب والمقرب لأنه يفسح المجال لإطفاء الأنوار، وإسدال الظلام، والألعاب الحرة .
في هذا اللعب الحر، وفي هذا الظلام النصي، وفي هذه الغشاوة التأويلية، تلتقي كل من العلمانية والغنوصية لقاء الأحباب في تأويل أو تقويل النص القرآني، والتحلل من حكومته ..
إذاً : تلتقي العلمانية مع الغنوصيات القديمة المتمثلة في الهرمسية([2]) والأفلوطينية([3]) والباطنية ومع الغنوصية الجديدة المتمثلة في الهرمينوطيقا الغربية في قضية التأويل أو القراءة للنصوص، وإن كان الاتفاق بينهما لا يعني أكثر من الاتفاق على عدم الاتفاق، أي أن الإنسان القارئ للنص له الحق أن يفهم من النص ما يحقق له أغراضه وإراداته دون اعتبار لما يقوله النص، إن القارئ هو الذي يقول ، والنص عليه فقط أن يكون جهاز استقبال وتبرير لإملاءات القارئ، دون أن يُسمح له بالإرسال أو القول .
ونحن نقول هنا : بأنه ليس هناك ما يمنع أن يكون النص المقروء محرضاً على الإبداع أو حافزاً للفكر على التجديد أو الاستنباط، ولكن الفهم الجديد قد يرتبط بالنص القديم ببعض الوشائج اللغوية والأصولية والقرائنية التي تسمح له أن يكون تفسيراً وشرحاً للنص القديم، وقد يكون هذا الفهم هو مجرد تداعيات أو إيحاءات سببتها قراءة النص ولكنها منبتة الصلة به لغوياً وأصولياً وقرائنياً، ومع ذلك تصرُّ القراءات الغنوصية / العلمانية على اعتبارها فهوم مشروعة بالنص، ومؤسَّسة عليه .
وقد اعتمدت في هذا البحث على المصادر الأساسية والمباشرة للخطاب العلماني والغنوصي، وحرصت على أن أترك النصوص هي التي تتكلم ، وأن يكون منهجي هو المنهج الوصفي الكشفي التركيبي حتى لا أُتَّهم بالتجني والتحامل .
وها هنا ملاحظتان منهجيتين أود أن ألفت النظر إليهما لعل ذلك يجنبني الكثير من النقد وسوء الفهم الأولى : أنني في هذه الدراسة لم أتعامل مع الخطاب العلماني كأشخاص وأفراد متمايزين مختلفين، وإنما تعاملت معه كمنظومة فلسفية تنتهي إلى جذور واحدة وتستند على أسس متقاربة، ولذلك تجنبت ذكر الأسماء غالباً في متن الدراسة، وأحلت إليها في الهوامش، ولذلك أيضاً كنت أنتقل من نص إلى نص دون اعتبار لقائله ما دام يتكامل مع غيره في داخل السياج الأيديولوجي العلماني .
لقد أراد البحث إذن أن يكشف عن الوحدة المتخفية وراء التنوع والاختلاف في المنظومة العلمانية، وأن يصل إلى الجذور الكامنة وراء الأغصان والفروع، فالتيارات والمدارس العلمانية الليبرالية والماركسية والحداثية والعدمية على الرغم من اختلافها إلا أنها تتفق إلى حد كبير كلما حاولنا الحفر في الأعماق للوصول إلى الجذور المادية والدنيوية التي تغذيها، ويكون الاتفاق أكثر وضوحاً حين يتعلق الأمر بالدراسات الإسلامية عموماً، وذلك بسبب التضاد المطلق بين هدف الرسالة الإسلامية وهدف العلمانية الغربية في التعامل مع أسئلة الإنسان الكبرى وقضاياه المصيرية .
والثانية : أنني اعتمدت على المصادر المترجمة التي تمكنت من الوصول إليها للباحثين الغربيين الذين احتاجت لهم هذه الدراسة . كما توجد في البحث بعض المصادر الثانوية لم يكن اعتمادي عليها كمصادر جوهرية وإنما كمكملات نفلية على مبدأ أن النافلة إن لم تنفع فلا تضر بعد أداء الفريضة .
وأحب أن أشير إلى أنني لا أعرف من كتب في هذا الموضوع بشكل مستقل ، ولم يقع تحت يدي أي بحث يسلط الضوء على هذه العلاقة بين العلمانية والغنوصية .
وقد جاء هذا البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة :
المقدمة : وفيها الإشارة إلى إشكالية البحث ومنهجيته وخطته .
المبحث الأول : وشائج التواصل بين العلمانية والغنوصية الهرمسية .
المبحث الثاني : متاهة القراءة العلمانية " مراجعة نقدية " .
الخاتمة : وفيها الخلاصة والنتائج .
المبحث الأول
وشائج التواصل بين العلمانية والغنوصية ([4])الهرمسية
المطلب الأول – العلاقة بين الهرمينوطيقا والغنوصية :
"" الهرمينوطيقا هي فن كشف الخطاب في الأثر الأدبي ""([5]). كما "" تعني تقليدياً فن تأويل النصوص المقدسة الإلهية أو النصوص الدنيوية البشرية، وهي كذلك مساوية للتفسير أو للفلولوجيا بما هي تفسير حر في أو نحوي وصرفي لغوي لبيان معاني الألفاظ والجمل والنصوص، وهذا ما يعرف بالتفسير اللفظي "" ([6]) .
وهـو مصطلح مستخدم في دوائر الدراسات اللاهـوتية ليشير إلى مجموعة القواعد والمعايير التي يجب أن يتبعها المفسر لفهم النص الديني ( [7]) .
هذا هو المعنى التقليدي للهرمينوطيقا، ولكن مع تطور نظرية النسبية أصبحت الهرمينوطيقا تُعنى بفن الفهم، وهذا المعنى " فن الفهم " هو الذي سيؤسس له شلاير ماخر 1768 – 1834 م([8]) الذي يُعد أبو التأويلية الحديثة ، وأصبح فن الفهم أو فن التأويل يتناول ليس النصوص المقـدسة فقـط بل تعـدى ذلك إلى النصوص البشرية ذات المضمون الطبيعي اليومي ([9]) .
ومعنى كونها تجاوزت الكتب المقدسة إلى الكلام البشري اليومي أنها أصبحت تُخضع كل شيء للتأويل، وتعتبر التأويل هو الأصل في الكلام، وبذلك تكون الهرمينوطيقا نمطاً من أنمـاط القراءة والتأويل للنصوص والتراثات الفكرية عموماً وهو ما سمي الهرمينوطيقا العامة ( [10]) .
في مقابل الهرمينوطيقا العامة التي اهتمت بتفسير الوجود تقوم هرمينوطيقا خاصة تركز بالذات على تفسير النصوص، ومن أبرز ممثليها بول ريكور ([11]) [ ولد سنة " 1913م ] الذي يُعوِّل كثيراً على التفسير الرمزي، وهو ما سيُعتَبر أساساً تقوم عليه الهرمينوطيقا، إذ يَعتبر ريكور الرمز وسيطاً شفافاً ينم عما وراءه من معنى، ومعنى ذلك أن يقول القائل شيئاً وهو يعني شيئاً آخر في آن واحد، وبغير أن تتعطل الدلالة الأولى وهو ما يسمى" بالوظيفة الأليغورية " للغة بالمعنى الحرفي للكلمة ([12]) . وهذه الطريقة لجأ إليها بولتمان( [13]) في تحطيمه للأسطورة الدينية في العهد القديم، والكشف عن المعاني العقلية التي تكشف عنها هذه الأساطير ([14]).
وهناك طريقة أخرى يمثلها كل من فرويد ([15]) وماركس ([16]) ونيتشة ([17]) كما يبين ريكورنفسه، وهي التعامل مع الرمز باعتباره حقيقة زائفة لا يجب الوثوق به، بل يجب إزالتها وصولاً إلى المعنى المختبئ وراءها، فالرمز في هذه الحالة لا يشف عن المعنى بل يخفيه ويطرح بدلاً منه معنى زائفاً، ومهمة التفسير هي إزالة المعنى الزائف السطحي وصولاً إلى المعنى الباطني الصحيح . لقد شكك فرويد في الوعي باعتباره مستوى سطحياً يخفي وراءه اللاوعي، وفسر كلٌّ من ماركس ونيتشة الحقيقة الظاهرة باعتبارها زائفة، ووضعا نسقاً من الفكـر يقضي عليها ويكشف عن زيفها([18]).
والرمزية الريكورية تقوم على الكشف والإبلاغ عندما تساعد في تفجير دلالات اللغة عوضاً عن انكفائها على ذاتها([19]). وتعتمد على مفهوم العلامة عند سوسير باعتبارها ذات صلة وعلاقة مع غيرها من العلامات ([20])، وباعتبارها ذات إمكانات استدعائية عجيبة، وذات قدرة فريدة على تأويل بعضها البعض ([21])، وبكون العلامة قادرة على التعبير عن شيء دون أن تتعطل عن التعبير عن شيء آخر ([22]). وبذلك يعتبر ريكور رمزيته ظاهرة ملموسة للمعنى على مستوى الخطاب، موثقة على أرضية العمليات الأولية للعلامات، وبذلك تكتسب رمزيته - بنظره - قيَماً وظيفية فلم يعد الاشتراك اللفظي ظاهرة انحراف في ذاته، ولا الرمزية زينة في اللغة ( [23]) .
ويصل ريكور إلى أن القيمة الفلسفية للرمزية تكمن في كونها تعبر عن غموض الكينونة من خلال تعدد إشارية علاماتنا ([24]) .
هذه الرمزية تنتهي بريكور إلى تقرير النتائج التي يتفق عليها أغلب الهرمينوطيقيين فالنص بمجرد أن يُدوَّن كتابة يصبح مستقلاً عن قصد الكاتب، وتنفتح عندئذ إمكانيات التأويل المتعددة ([25]) المفتوحة التي لا تختزلها أية رؤية ([26])، وتكون مهمة الهرمينوطيقا هي الكشف عن "" شئ النص غير المحدود "" لا عن نفسية المؤلف ([27])، لأن دلالة النص العميقة ليست هي ما أراد الكاتب قوله ، بل ما يقوم عليه النص بما فيه إحالاته غير المعلنة ( [28]) . ولذلك يعلن ريكور : "" أحياناً يطيب لي أن أقول : إن قراءة كتاب ما هي النظر إلى مؤلفه كأنه قد مات … وبالفعل تصبح العلاقة مع الكتاب تامة وثابتة بشكل ما عندما يموت الكاتب "" ([29]) .
وهكذا نجد في الهرمينوطيقا تعتبر العلامات والرموز هي الأساس الذي تتكون منه اللغة، ولا عبرة بأي قواعد أو أنظمة يتعارف عليها الناس للخطاب، فهي إذن تتمرد على النظام الاجتماعي والمعرفي السائد بين الناس والذي يشكل أساس التواصل بين الناس .
كذلك فإن الهرمسية التي ظهرت في القرن الثاني الميلادي فإنها تمردت على القوانين العقليـة التي كانت سائدة لدى اليونان مثل مبدأ الهوية ([30])، ومبدأ عدم التناقض([31])، ومبدأ الثالث المرفوع ([32]) فكان هرمس كائناً متقلباً وغامضاً فهو أبٌ لكل الفنون، ورب لكل اللصوص، وكان شاباً وشيخاً في نفس الوقت ([33]) ، وبناء على هذا فإن الحقيقة كامنة في كل شيء، فكل شيء يقول الحقيقة ولا يقولها، وليس في ذلك تناقض – في المنظور الهرمسي – لأن كل كلمة هي في الأصل إيحاء أو مجاز، إنها تقول شيئاً آخر غير ما يبدو في الظاهر، والوصول إلى الباطن يحتاج إلى كشف إلهي أو رؤية أو حلم ([34]). لأن الحقيقة هي ما لم يُقل، أو هي ما قيل بطريقة غامضة، إن الآلهة تتكلم عبر إرساليات مليئة بالألغاز([35]). والشيء الصحيح أساساً هو ذاك الذي لا يمكن شرحه ([36])."" وهكذا فاللغة بالنسبة للفكر الهرمسي الغنوصي بقدر ما تكون غامضة ومتعددة بقدر ما تكون غنية بالرموز والاستعارات، وهو ما يجعلها قادرة على تعيين الله الذي يحتضن داخله كل المتناقضات "" ([37]) . وخلاصة ذلك أن "" التأويل في الفكر الغنوصي غير محدود، إن محاولة الوصول إلى دلالة نهائية ومنيعة سيؤدي إلى فتح متاهات وانزلاقات دلالية لا حصر لها "" ( [38]) .
ويعدد إمبرتو إيكو ( [39]) أسس القراءة الهرمسية للنصوص، والقارئ قد يحسب أنه يعدد أسس القراءة الهرمينوطيقية فهي تقوم على أن :
· النص كون مفتوح بإمكان المؤول أن يكتشف داخله سلسلة من الروابط اللانهائية .
· إن اللغة عاجزة عن الإمساك بدلالة وحيدة، ومعطاة بشكل سابق .
· إن اللغة تعكس لا تلاؤم الفكر، إن وجودنا في الكون عاجز عن الكشف عن دلالة متعالية.
· إن كل نص يدعي إثبات شيء ما هو كون مُجهَض، أي نتاج كائن يشكو من اختلال ذهني، لأن النص يُنتج سلسلة لا متناهية من الإحالات ( [40]) .
بناء على هذه الأسس فإن الفكرة التي عبر عنها بول فاليري بقوله : "" لا وجود لمعنى حقيقي للنص "" هي فكرة هرمسية خالصة ([41]) .
إذاً : تستند الهرمسية على مبدأ المماثلة والتناظر وإذا كانت المماثلة في القياس الأصولي تستند على العلة أو القرينة فإنها في المماثلة الغنوصية والهرمسية تتحرر من هذا القيد فالجواز من اللفظ إلى المعنى أو من الظاهر إلى الباطن في التأويل الغنوصي يتم بدون جسر، وبدون واسطة، فهو قياس ولكنه عشوائي وبدون جامع أو ضابط ([42]) .
إن الشيئين قد يتشابها أحياناً من حيث السلوك، وأحياناً من حيث الشكل، وأحياناً من حيث الزمن، فالأساس في هذه المماثلة الغنوصية هو شكل القرابة وليس المقياس الدال عليها ( [43]) . فالغنوصية الهرمسية تتجاهل المقاييس ما دام وُجد أي شكل من أشكال التناظر، فتنتقل من مدلول إلى آخر، ومن تشابه أو ترابط إلى آخر دون ضابط أو رقيب، فالنص يُنتِج انزلاقات دلالية لا تتوقف لأن مدلول كل كلمة ليس سوى مدلول كلمة أخرى، وبإمكان كل شيء أن يحيل إلى أي شيء ( [44]).
إنها حالة توالد إيحائي ([45]) يستند على أي حالة من حالات التناظر أو التماثل، وإذا علمنا أن أي شيء يمكن أن تكون له من زاوية ما علاقات تناظر أو تجاور أو مماثلة مع أي شيء آخر ([46]) أدركنا أن التوالد لا نهاية له، وأن الإيحاءات تنتشر بشكل سرطاني بحيث إننا كلما انتقلنا إلى مستوى أعلى تم نسيان مضمون العلاقة السابقة أو تم محوها دون توقف ( [47]) .
أظن أنني هنا أحتاج فقط إلى التأكيد على أنني كنت في الفقرة الآنفة أتحدث عن الغنوصية الهرمسية وليس عن الهرمينوطيقا .
المطلب الثاني - العلاقة بين العلمانية العربية والغنوصية :
1 – التواصل المنهجي التنظيري :
برغم أن الغنوصية تقوم على العرفان والكشف بزعم أهلها، وأن العلمانية تقوم على العقل بزعم أهلها أيضاً إلا أن اللقاء بين الطائفتين يكاد يكون تاماً على مستوى الوسائل والغايات والمسالك والنهايات، ومع أن هذا الموضوع يستحق الإفاضة طويلاً، ويحتـاج إلى دراسة مستقلة، إلا أنني سأحاول أن أختصر هذه الفقرة على أمل أن يكون ذلك نواة لبحث أوسع .
إن الطائفة الوريثة للغنوصيات القديمة في التاريخ الإسلامي هي الباطنية ومن خلالها سنحاول أن نكشف عن عناصر التواصل بين العلمانية والغنوصية .
يعتبر العلمانيون أنفسهم دعاة التنوير والتجديد كما هو معلوم، وكذلك يعتبر الباطنيون أنفسهم، فهذا واحد من ممثليهم يقول بأن الباطنية هي طريق التنوير والإرشاد ([48]) . والعلمانيون يعتبرون أنفسهم دعاة العقلانية، وكذلك الباطنيون أيضاً فهم يعتمدون – بزعمهم - على مصدر ثقة هو العقل الكلي فهم إذن " العقليون " أو " أهل العقل " ( [49]).
والعلمانيون يعوِّلون على التأويل ويفضلونه على التفسير( [50])، وكذلك الباطنيون يعتبرون التفسير يؤدي إلى الاختلاف، أما التأويل الباطني فهو نظام ثابت عقلي عملي يوافق المجتمع ( [51]).
بل إن التفرقة العلمانية التي رأيناها بين التنزيل والتأويل، وبين القرآن ككتاب تنزيل، وتحوله إلى كتاب تأويل خاضع لكل المقاييس البشرية هي في أساسها تفرقة غنوصية باطنية جاءت من التفرقة الباطنية المنتشرة في مؤلفاتهم الفلسفية والفقهية بين التنزيل والتأويل، أو المَثَل والممثول، أو العلم والعمل ([52]) .
لقد أول الباطنيون كل " دعائم الإسلام " وأركانه وشعائره عن طريق فكرة الظاهر والباطن وذلك عندما اعتبروا أن الظاهر بمنزلة القشر والباطن بمنزلة اللب، وأنه لا يستقيم الباطن إلا بالظاهر الذي هو جثته الهامدة - كما يؤكد العلمانيون دائماً - ولكنه دليل عليه، لأنه لا يصلح جسم إلا بروح ولا روح إلا بجسم ([53]) .
ومن هنا ذهبوا إلى تأويل كثير من الآيات لتخدم غرضهم هذا في التمييز بين العلم الظاهري والعلم الباطني فقوله تعالى: ]يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ[ ([54]) . يعني العلم الباطني الروحاني ، هكذا جزافاً وبدون دليل ( [55]) . وقـوله تعالى: ]حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ[ ([56]) . يعني جاء علم الباطن وتكلم به الأساس ([57]) . وقـوله تعالى: ]قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ[ ([58]) يعني سآوي إلى أحد علماء الظاهر ([59]) . وقوله عز وجل: ]وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ[ ([60]) . أي حال بينهما علماء الضلال ، أي علماء الظاهر ([61]) . ]وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ[ ([62]) . " أي أمر الأساس أن يصان العلم الباطني عن غير أهله " وغيض الماء " أي غامض العلم الباطني ( [63])
والنعمان بن حيوة ( [64]) يصرح بأنه لا ينفي علم الظاهر، وإنما الباطن علم إضافي، وأنه هو وطائفته يؤمنون بالظاهر والباطن ([65]) . ولكن هذا غير صحيح وإنما هو لون من المراوغة والخداع - كما يفعل ورثته العلمانيون - لأنه عند قوله تعالى : ]فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً[ ([66]) . ينفي أن يكون الإنسان معمراً كل هذه المدة لأن أبدان البشر لا تطيق ذلك، والمعنى مدة دوره ولُبْث شريعته ([67])، ولأنه يعتبر الباطن هو العلم والحكمة التي يجب أن يرقى إليها الطلاب ( [68])، ويعتبـر البـاطن بمثابة الروح والظاهر بمثابة الجسد ([69]).
لا يختلف الظاهر والباطن في مفهوم الباطنية عن المعنى والمغزى في المفهوم العلماني، فكلاهما يقفز إلى التأويل الذي يرتضيه منهجه متجاوزاً القرينة والدليل والسياق وبالإضافة إلى تجاوزه للإجماع وما هو معلوم من الدين بالضرورة .
فالمعنى عند نصر حامد أبو زيد ([70]) هو الظاهر عند الباطنية، والمغزى هو الباطن والنتيجة واحدة هي رفض الفهم السلفي الذي أجمعت عليه الأمة . ففي قضية الميراث المعنى هو إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين، أما المغزى فهو أن نطوِّر ذلك في عصر التطور إلى المساواة بين الذكر والأنثى . ولكن أين العلامة والقرينة التي نبهنا الباري عز وجل بها إلى هذه النتيجة البوزيدية ؟ لا وجود لها، فالباري عز وجل فصّل المواريث ووقف عند حدود معينة، وأمرنا أن لا نتجاوز حدوده، ولكن الخطاب العلماني يهدم حدود الله ليرتع في حماه .
ولا يختلف الظاهر والباطن في مفهوم الباطنية عن مفهوم القراءة كما رأيناه في الهرمينوطيقا الغربية ونسختها العربية، فالنص كما رأينا ليس نصاً على المراد، وليس نصاً على الحقيقة "" وإذا كان النص لا يقول الحقيقة، بل يخلق حقيقته، فلا ينبغي التعامل مع النصوص بما تقوله وتنص عليه، أو بما تعلنه وتصرح به، بل بما تسكت عنه ولا تقوله، بل بما تخفيه وتستبعده "" ([71]) .
إن هذا الذي يتحدث عنه الخطاب العلماني ويسميه ما بين السطور، وما يخفيه النص هو الباطن الذي يتحدث عنه الباطنية "" إنه لا بد لكل محسوس من ظاهر وباطن، فظاهره ما تقع عليه الحواس، وباطنه ما يحويه ، ويحيط العلـم به ، فالجسد هو الظاهر والروح هو الباطن "" ( [72]).
وهكذا لا نميز بين ما يتفوه به العلمانيون اليوم وما قاله الباطنيون بالأمس، يقول الخطاب العلماني : "" وذو اللب لا يقف عند الظاهر المنطوق به، بل يطلب الغائر أو المطمور أو المستتر أي يطلب معنى المعنى، ومعنى المعنى ليس سوى الظاهر أو السطح أو الشكل أو التشكيل أو الدال وقد حجب نفسه وتحول إلى عمق أو لامرئي أو محتوى أو باطن "" ( [73]) . وهكذا يقرر أهل الباطن "" إعلم يا أخي أن لكل شيء من الموجودات في هذا العالم ظاهراً وباطناً فظواهر الأمور قشور عظام، وبواطنها لب ومخ … يستخلصها ذوو البصائر والأبصار، فيبين الله فضل المجتهدين على المقصرين، والمجاهدين على القاعدين "" ( [74]) .
فالجوهر عند الباطنية هو الباطن، هذا الباطن ليس سوى المغزى عند نصر حامد أبو زيد، ومعنى المعنى عند علي حرب، والجوهر عند العشماوي، والمقاصد عند الجابري، والحداثة عند أركون، والضمير عند عبد المجيد الشرفي، وهلم جرا .
ويقرر أهل الباطن "" إعلم أن للكتب الإلهية تنزيلات ظاهرة وهي الألفاظ المقروءة المسموعة، ولها تأويلات خفية باطنة وهي المعاني المفهومة المعقولة "" ([75]) وأيضاً : "" إن للقرآن معاني سوى ما تتداوله ألسنة العامة، مما يستنبطونه بحولهم وقوتهم من دون الرُّجعى إلى أهل الاستنباط ممن قال الله فيهم : } وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ[ ([76]) "" ([77]) .
ويجيب الصدى العلماني : "" فالقراءات المهمة للقرآن ليست هي التي تقول لنا ما أراد النص قوله، وإنما تكشف عما يسكت عنه النص أو يستبعده أو يتناساه، أي هي لا تفسر المراد بقدر ما تكشف عن إرادة الحجب في الكلام "" ([78]) .
2 – التواصل العملي التطبيقي :
وهكذا فقط أسقط الباطنيون كل عقائد الإسلام فوجود الله عز وجل عندهم أقرب إلى العدم إن لم يكن هو العدم ، فهو - سبحانه وتعالى - عندهم لا يوصف بأي صفة من الصفات حتى بالوجود، لأنه بائن عن خلقه سبحانه وتعالى في كل ذلك ولذلك "" فالأسماء والصفات منفية عنه تعالى وتكبر "" ([79]) . "" و كان متسبحاُ متعالياً أن يقع عليه إشارة مشير، أو يتجاسر نحوه خاطر بتوهم أو تفكير "" ([80]) .
وهم في نفيهم لوجوده سبحانه وتعالى ينكرون أنهم ينفون وجوده، وإنما يفعلون ذلك لقطع أي صلة تشابه بينه وبين المخلوقات وهم يقولون المبدع بدلاً من الموجود "" إنما قولنا المبدع تقريراً وتثبيتاً لوجود عالم الإبداع عن موجد لهم غير مدرَك ولا محسوس ولا متوهَّم ولا متفكَّر، بل هو موجود من جهة آثاره في إبداعه، وما ظهر من فعله في اختراعه "" ([81]) "" فالباري عز وجل بائن عن ذلك كله من أحوال خلقه غير موصوف بشيء منها، لا موجود غير عدم، ولا عدم غير موجود "" ([82]) .
وكل ما وصف به سبحانه وتعالى نفسه إنما هو للتقريب إلى الأذهان، لا أنها أوصاف حقيقية لله تعالى ([83]) "" فلا يقال عليه حي ولا قادر ولا عالم ولا عاقل ولا كامل ولا تام ولا فاعل، لأنه مبدع الحي القـادر العالم التام الكامل الفاعل، ولا يقال له ذات، لأن كل ذات حاملة للصفات "" ([84]) .
من الواضح هنا أن نفي وجود الله عز وجل يُسلك إليه طريق معقول ومقبول لدى كل مسلم هو التنزيه المطلق، والتنزيه المطلق هو غاية كل مسلم، ولكنه لا يتحقق بتخرصات العقل، وتأملاته وإنما يتحقق ذلك بالشكل الذي نزَّه الله عز وجل به نفسه، والله عز وجل وصف نفسه بصفات، من كمال التنزيه إثباتها بلا زيادة، ونفى عن نفسه أوصافاً من الواجب نفيها بلا زيادة، وكل طريق آخر يتم سلوكه يكون سالكه متألهاً على الله عز وجل، ومدعياً للعلم أكثر منه سبحانه وتعالى .
إن الخطاب العلماني يسير على خطا أسلافه الباطنية في هذه المسألة فالله عز وجل مفهوم بلا ما صدق ([85]) . ولا يمكن لأحد أن يتحدث عن الله، ولا يحق لأحد أن يتحدث باسمه، فإذا كان الله عز وجل عند الباطنية هو العقـل الكلي ( [86]) فهوعند العلمانيين المطلق "" الذي يتعذر على المنال، الله يتعالى على كل شيء، ولا يحق لأحد أن يتحدث باسمه، ولا يمكن للبشر أن يصلوا إليه بشكل مباشر، وإنما يقدمون عنه تصورات مختلفة بحسب العصور""( [87]) "" الأمل بالخلود، الأمل بالحرية، الأمل بالعدالة، الأمل بتصالح الإنسان مع ذاته، وهذا هو الله بالنسبة للعالم الحديث والتصور الحديث، وهذه هي صورته في مجتمع أوربي متقدم "" ( [88]) .
هكذا يجب علينا أن نتصور الله أسوة بالمجتمع الأوربي المتقدم، فلكي نكون متقدمين يجب أن نصوغ معتقدنا في الله بحسب " الموضة " وبناءً على آخر ما وصلت إليه الحداثة الأوربية، أما التصور السائد في المجتمع الإسلامي عن الله عز وجل فهو بنظر الخطاب العلماني تصور معين عن الله، وليس الله ذاته، إنه تصور "" مُشكَّل من شيئين : خطاب علماء الدين التقليديين + التركيبة السياسية القمعية "" ( [89]). أما ما يريده أركون عن الله فهو تصور مشكَّل من الخطاب الأركوني + التركيبة الحداثية الأوربية .
"" هكذا تجد أن تصورنا لله يختلف باختلاف المجتمعات والعصور، فإذا كان المجتمع منفتحاً متقدماً مزدهراً كان تصوره لله هادئاً سمحاً وديعاً، وإذا كان المجتمع يعاني من الفقر والجهل وهيمنة الأب القاسي أو الحاكم الجائر المستبد، فإن تصوره لله سوف يكون بالضرورة ضيقاً عنيفاً، قمعياً "" ([90]) الله هو التقدم، والحرية، والعدالة، والخبز، والتنمية، والرغيف، والحب كما يقول حسن حنفي ([91]) . وبذلك يصبح الإنسان هو الذي يصنع تصوره لله بحسب مستواه العقلي ومدركاته الذهنية، أما أن يكون للقرآن الكريم توجيه في هذا الشأن، وتعليم بهذا الخصوص، وهداية للإنسان إلى المعتقد السليم فيما يتعلق بالذات الإلهية وصفاتها فهو أمر لا يدخل مطلقاً في حسابات الخطاب العلماني .
هذا هو التأويل العلماني الغنوصي لعقيدة الألوهية، فماذا عن اليوم الآخر والغيبيات ؟ إنها نفس النتائج، بل ونفس العبارات لدى الطائفتين، فالغنوصيون يقولون بأن "" الثواب والعقاب في حق ماهيتهما من طريق الإعراب عنه ومعرفته سبيل منسد غير ممكن سلوكه إلا على المؤيدين، والمستطاع الممكن في ذلك كما قال موالينا عليهم السلام هو تشبيه الأمور المحسوسة بالمعايَن المعلوم … كما وصف الله تعالى نفسه في كتابه أولاً بالعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والرضى والسخط والغضب والرحمة وغير ذلك من الأمور المعلومة عندنا، ووصف الملائكة بالدعاء والتسبيح والتهليل، والقيام بما يُؤمرون، ووصف الموجودات في الجنة بالظل والمياه والأنهار والأشجار والثمار والرمان والأعناب والولدان … ووصف موجودات الجحيم بالنار والعذاب والآلام ... ومثل ذلك كله محسوس لا أن تلك الأمور المخَبر عنها كالمخَبر به، أو المخبَر به يدانيها بحال من الأحوال، بل هو تقريب على الأنفس وتعليم لها لتتقوى بمعرفة الأمثلة "" ([92]) . ويقول السجستاني "" لما كان قصارى الثواب إنما هي اللذة، وكانت اللذة الحسية منقطعة زائلة، وجب أن تكون التي ينالها المثاب أزلية غير فانية، باقية غير منقطعة، وليست لذة بسيطة باقية على حالاتها غير لذة العلم، فكان من هذا القول وجوب لذة العلم للمثاب في دارالبقاء"" ([93]). ويقول علي بن محمد الوليد "" ودار الثواب لا تغير فيها، فلا يمكن أن تكون لذاتهـا حسية لأن ما هو حسي متغير فاسد "" ([94]) .
أما النفخ في الصور في نظر الباطنية فهو إشارة إلى صاحب الدور السابع الذي يحصل في الوجود آخر دور ([95]) . وأما الساعة فإشارة إلى قائم القيامة وهو السابع من أئمتهم ([96]). وأما خلق عيسى من غير أب فهو التأييد والترقية إلى مقام النبوة من غير توسط أحد من البشر( [97]). وأما طوفان نوح عليه السلام وتفجير الأرض عيوناً، فهو تفجير العلم من الأئمة ([98]). وعقر الناقة هو مدافعة الحجج بالباطل ([99]). وإحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله هو إعادة الكفار إلى الإيمان ([100]) .
والسؤال هنا : هل تختلف هذه الهواجس الباطنية عن الهواجس العلمانية ؟
لقد اتجه الفريقان إلى تأويل العقائد الإسلامية، والمعجزات، والغيبيات، والقصص القرآني تأويلاً يلغي حقائقها، وينفي وقائعها وأصبح القرآن الكريم كتاباً آخر، بلغة أخرى يفهمها فقط أهل الباطن وأهل العلمنة .
هل يختلف قول الباطنية عن الغيبيات والعالم الآخر والمعجزات بأنها أمثال محسوسة لتقريب الصور المعقولة إلى الأذهان بالأمثلة حتى تطيق هذه المعاني وتستوعبها عن قول الخطاب العلماني بأنها تصوير فني وإبداع أدبي لا يراعي الحقيقة ولا يقصدها ( [101]). لا يختلف ذلك عن قول خلف الله ( [102]) بأن القرآن نزل على المعهود الذهني للعرب، والمستوى الثقافي لهم وإن لم تكن معتقداتهم حقيقية واقعية ([103]). ولا يختلف عن قول أركون([104]) بأن الجنة والنار من نتاج الخيال الشاعري لدى البدو ([105]). ولا يختلف عن قول أبي زيد بأن العقائد تصورات مرتهنة بمستوى الوعي أي أنها يجب أن تتناسب مع نمو العقل في كل طور من أطوار التاريخ فلذلك بنظره فإن صورة الله عز وجل في القرآن كملِك له عرش وكرسي وجنود هي صورة أسطورية ليست أكثر من شاهد تاريخي، يشهد على مستوى المعرفة والوعي آنذاك ([106]) .
أما حسن حنفي فإن وجود الله عز وجل بنظره يعني وجود الإنسان، والصفات الإلهية هي صفات إنسانية، والغيبيات وأمور الآخرة كلها تمثيلات فنية، وصياغات أدبية ( [107]) وهو ما اعتبره أبو زيد فهماً تنويرياً للعقائد ([108]) .
حتى ولادة عيسى عليه السلام من غير أب والتي أكد عليها القرآن، ودفع عنها شبهات المنكرين والجاحدين ]إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [ ([109]) والتي نفى الباطنيون ظاهرها -كما رأينا - لم ينس العلمانيون أن يتابعوهم عليها فقالوا بأنه لا يمكن لمريم عليها السلام أن تـنجب بدون رجل يأتيها كما تعتقد بعض المجتمعات المتخلفة شبه البدائية، وكما تعتقد بعض الأديان الكبرى القائمة إلى الآن ([110]).
هذا على مستوى العقائد والغيبيات، وأما على مستوى أركان الإسلام وفرائضه فقد تحلل الفريقان أيضاً من ذلك فقال الباطنيون بأن "" الحلال هو الواجب إظهاره وإعلانه، والحرام الواجب ستره وكتمانه، وأما الصلاة فهي صلة الداعي إلى دار السلام بصلة الأبوة في الأديان إلى الأمام، والزكاة إيصال الحكمة إلى المستحق، والصوم الإمساك عن كشف الحقائق لغير أهلها، والحج القصد إلى صحبة الأئمة، والإحرام الخروج من مذهب الأضداد، وأما الزنا فهو اتصال من غير شاهد "" ([111]) . أما الفرائض بالصورة التي يعرفها المسلمون فهي وضعت لتشغل الناس عن خلافاتهم وتبعدهم عن الفساد ([112]) . لا يختلف هذا التأويل الباطني عن التأويل العلماني فهما من مشناة واحدة، فالصلاة كما رأينا في الخطاب العلماني مسألة شخصية، مهمتها أنها تؤدي وظيفة الدمج الاجتماعي ( [113]) وتعوِّد العربي على الطاعة للقائد ([114])، وتغني عنها رياضة اليوغا ([115]). أما الزكاة فليست واجبة، وعلى كل حال فهي ليست كافية وإنما هي مرحلة أولى في طريق الانتقال إلى الشيوعية الشاملة ( [116]). والحج يغني عنه الحج العقلي أو الروحي([117]) .
وهكذا يمكن أن نؤكد الآن أن الغنوصية والعلمانية العربية بالإضافة إلى الهرمينوطيقا الغربية تتحالف جميعاً لكسر معنى الخطاب وتمييعه عن طريق فكرة الرمزية والعلامة التي تحدث عنها امبرتو إيكو كما أسلفنا، ويغدو النص والكلام عموماً فضاءً للإسقاط، وذريعة للأهواء، وتبريراً للآراء، وهو مستوى عبثي لا يحتاج إلى تعليق اللهم إلا التذكير بعبارة الإمام الغزالي رحمه الله التي علق بها على التأويلات التي تُخرج ذات الله وصفاته عن الوجود الحقيقي فقال : "" إن من ينكر نصاً متواتراً ويزعم انه مؤول ولكن ذِكْر تأويله لا انقداح له أصلاً في اللسان [ اللغة ] لا على بعد ولا على قرب، فذلك كفر وصاحبه مُكذِّب ، وإن كان يزعم أنه مؤول، مثاله ما رأيته في كلام بعض الباطنية أن الله تعالى واحدٌ بمعنى أنه يعطي الوحدة ويخلقها ، وعالم بمعنى أنه يعطي العلم لغيره ويخلقه، وموجود بمعنى أنه يوجد غيره ، وأما أن يكون واحداً في نفسه وموجوداً وعالماً على معنى اتصافه فلا . وهذا كفر صراح، لأن حمل الوحدة على إيجاد الوجدة ليس من التأويل في شيء، ولا تحتمله لغة العرب أصلاً ، ولو كان خالق الوحدة يسمّى واحداً لخلقه الوحدة لسُمّي ثلاثاً وأربعاً لأنه خلق الأعداد أيضاً ، فأمثلة هذه المقالات تكذيبات عُبر عنها بالتأويلات "" ([118]) إذن فما يسمونه تأويلاً هو في الحقيقة تكذيب يتلبس لبوس التأويل ولذلك "" لا يجوز التوقف في تكفير من يعتقد شيئاً من ذلك، لأنه تكذيب صريح لصاحب الشرع، ولجميع كلمات القرآن من أولها إلى آخرها ، فوصف الجنة والنار لم يتفق ذكره مرة واحدة أو مرتين ، ولا جرى بطريق كناية أو توسع وتجوّز، بل بألفاظ صريحة لا يُتمارى فيها ولا يُستراب ، وأن صاحب الشرع أراد بها المفهوم من ظاهرها، فالمصير إلى ما أشار إليه هذا القائل تكذيب وليس بتأويل فهو كفر صريح لا يُتوقف فيه أصلاً "" ([119]) .
3 – التواصل الشعوري التضامني :
إن هذا التواصل بين الغنوصية والعلمانية كما هو قائم على مستوى التنظير والتطبيق -كما رأينا - كذلك هو قائم على أشده على مستوى الشعور والتضامن، فنجد أن الخطاب العلماني يتبنى الاتجاهات الغنوصية في التاريخ الإسلامي ويرتمي في أحضانها، فالحلاج وابن عربيوالسهروردي وابن سبعين والشيرازي والتوحيدي كل واحد من هؤلاء نجد له متيَّماً في الخطاب العلماني يتبناه، ويتخذه مثلاً يحتذي به ويشيد بالاتجاه الغنوصي في فلسفته ( [120])، بل ويبرزه على أنه الفيلسوف التنويـري المضطَهد، المنـاهض للسلطة، والذي تتكـاتف السلطة وعلماؤها للتنكيل به وتصفيته ([121]). وتبرز الباطنية والغنوصية على أنها الفئة المستنيرة المجددة العقلانية "" المتحررة الليبرالية "" ([122]) ، " والمضطهدين نفسياً وأخلاقياً واقتصادياً من قبل السلطة والعلماء الرسميين ([123]) . أما أهل السنة الاتباعيين فيتحولون بنظر هذا الخطاب إلى مؤبِلسين " زنادقة " لأنهم يتهمـون الآخـرين بالزندقة فارتدت عليهم، وهم مندمجون غالباً في بوتقة الإسلام الرسمي السلطوي ([124]) .
هذه الثلة الباطنية الغنوصية – بنظر ورثتهم العلمانيين- كانت تمثل الثورة الثقافية في الإسلام لأنها تقوم على أن العقل قبل النقل، والحقيقة قبل الشريعة، والإبداع قبل الاتباع( [125]). وتُقدم الباطن على الظاهر لأن الحقيقة كامنة فيه ولأنه الأصل، فالعلاقة بين الظاهر والباطن "" لا تعني أن أحدهما هو عين الآخر، وإنما تعني أن الباطن هو الأصل، وأن الظاهر صورته، وكما أن الأصل لا يُفسر بالفرع، والسبب لا يُفسر بالنتيجة، فإن الباطن لا يُفسر بالظاهر، بل الظاهر هو الذي يُفسر بالباطن"" ([126]). ثم تطورت هذه الثورة الباطنية إلى نفي للنبوة الإسلامية، وإقامة نبوة على أنقاضها تتمثل بدين العقل([127]).
وبذلك تلتقي الغنوصية والعلمانية أخيراً عند محطة العقل، ولكنه العقل الغريزي( [128]).
المبحث الثاني
متاهة القراءة العلمانية " مراجعة نقدية "
تمهيد :
لقد كان فوكو ([129]) صادقاً بالفعل حين قال : "" لنترك جانباً المجادلات التي أثيرت حول البنيوية فهي لا زالت وبعد لأيٍ تعيش على أمجادها في مواطن يهجرها حالياً أولئك الذين يبذلون جهداً حقيقياً. إن ذلك الصراع الذي كان خصباً لن يخوضه اليوم سوى الممثلون الهزليون، والمتجولون " كذا " "" ([130]) . وأضيف : والمتسوِّلون .
إنها كلمة تعبر عن الواقع الحقيقي للعلمانيين العرب الذين يعيشون متجولين متسولين على موائد هجرها أهلها وتبين لهم عفنها وفسادها، ولا يزال مفكرونا هؤلاء يجترون مقولات دي سوسير ([131])، ودريدا ([132]) ، ورولان بارت ([133]) وسنبين ذلك من خلال النقاط التالية .
المطلب الأول – أزمة المصطلح العلماني :
إن المصطلح النقدي الحداثي في الغرب يستمد القدر الأعظم من دلالته من الخلفية الفلسفية الفكرية الغربية التي استمرت عدة قرون منذ ديكارت ([134]) وسبينوزا ([135])إلى هوسرل ([136]) وهايدغر([137]) مروراً بـ هيوم ([138]) وكانط([139]) وهيجل ([140]) ونيتشه، ولذلك فاستعارة المنظومة الحداثية الغربية بمصطلحاتها ودلالاتها المشحونة بتاريخها الفلسفي، وبتكوينها الاجتماعي والثقافي وإخراجها من دائرتها الدلالية وإسقاطها في بيئتنا العربية وعلى تراثنا الإسلامي، وعلى ثقافتنا المغايرة، يسبب كثيراً من اللبس والاضطراب والفوضى والعشوائية ([141]) .
وهذا ما نعيشه اليوم بالفعل حيث ذهب كل باحث يترجم ويستورد ويصطلح لنفسه حتى أصبحت أزمة الفكر اليوم أزمة مصطلحات، والحوار لم يعد مجدياً لأن كل المفكرين يتحدثون بلغات مختلفة، وبمصطلحات متباينة، فلم يعد بإمكان الباحث أن يتواصل مع غيره بالطريقة المجدية، لأن المصطلحات غير مضبوطة المعاني، وتحتمل المعنى ونقيضه، فليس بإمكان أحد أن يُـلزم أحداً شيئاً لأنه سيقول مباشرة : أنا لا أقصد هذا المعنى !! ويصح بذلك ما قاله ديكارت : "" .. يسمح لهم غموض المبادئ التي يستخدمونها بالحديث عن كل شيء بجرأة نادرة كما لو كانوا على علم تام بها، فإذا بهم يدافعون عن كل ما يقولونه بصددها ضد أمهر أعدائهم وأدقهم، دون أن يجد المرء وسيلة إلى إقناعهم "" ([142]) .
إن هذه صورة حقيقية لواقع العلمانيين العرب فتجدهم في مؤتمراتهم وندواتهم يتحدثون عن كل شيء، وتجد الواحد منهم وكأنه متخصص في كل شيء، فهو يجب أن يعقب على كل شيء، وليس من المهم أن يقول شيئاً، إنما المهم أن يقف ويتكلم ويلفت الأنظار إلى نفسه، أما ما يقوله فليس من الضروري أن يكون له معنى يلتزم به، فالمعنى مُرجَأ يتحدد بحسب ردود الفعل ، واللغة لا تعني شيئاً محدداً .
إن الغموض العلماني يتيح لهم قدراً كبيراً من المناورة والمراوغة، ولذلك كان الاستنجاد بالمنهج الغنوصي الرمزي لأنه يساعدهم على تشتيت الفكر، وخلط الحقائق . لقد عانى ديكارت كما يبدو من معاصريه كما نعاني اليوم من هؤلاء العبثيين الفوضويين الذين يقولون كل شيء، ولا يقولون شيئاً، وهو-كما يبدو– المأزق الذي يشير إليه برينتون عندما يتحدث عن المكابدة التي يعاني منها ممثلو عصر النهضة في ابتغاء كل ما هو فريد وعظيم ومتطرف، حتى برزت نزعة تسمى نزعة التأنق البلاغية المعروفة باسم euphnuism ونزعة الجونجورية - الأسلوب المتكلَّف ذو اللغة المعقدة والفكرة الغامضة - في مجال الأدب، فنتج عن ذلك أكداس من الحذلقة الثقافية والمعرفة الشاذة التي لا تدل على شيء ([143]).
وهو ما يعبر عنه فلوبير في خطاب أرسله إلى صديقه "لوي كوليه "عام 1852م "" إن ما يبدو جميلاً بالنسبة لي، ما أريد كتابته هو كتاب عن لا شيء، كتاب لا يعتمد على شيء، تتماسك أجزاؤه بقوة أسلوبه ... إن أفضل الأعمال هي التي تحتوي على أقل الموضوعات ""( [144]).
المطلب الثاني – المتاهة الغنوصية/ العلمانية اللانهائية :
إن التفكيكية التي ينطلق منها الخطاب الغربي ترفض الاعتراف بأي حقيقة للكون "" فكل حقيقة حاضرة "" ([145])، وتكرس مبدأ النسبية المطلقة في الفكر أولاً، معتمدة في ذلك على التلاعبات البلاغية النيتشوية بالألفاظ ( [146]). وهي في نزولها إلى اللغة تُنزِلُ معها نسبيتها وشكَّها الفلسفي، ولذلك كانت غاية دريدا تأسيس ممارسة فلسفية أكثر منها نقدية، يريد لفلسفته أن تتحدى أي ارتباط بمدلول نهائي وصريح، إنها لا تريد تحدي معنى النص فحسب، بل تطمح إلى تحدي ميتافيزيقا الحضور الوثيقة الصلة بمفهوم التأويل القائم على وجود مدلول نهائي .
والسبيل إلى ذلك هو فصل النص عن قصدية القائل لكي يكفَّ القراء عن التقيد بمقتضيات هذه القصدية الغائبة . والخلاصة أن اللغة تندرج عندئذ ضمن لعبة فلسفية متنوعة للدوال، فلا وجود لأي مدلول متعال، ولا ارتباط بين دال ومدلول، ولا يرتبط الدال بشكل مباشر بمدلول إلا ويعمل النص على تأجيله وإرجائه باستمرار، والانتقال إلى دال آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية بحيث لا يبقى إلا السلسلة الدالة المحكومة بمبدأ اللا متناهي . إنها "" المتـاهة اللا نهـائية الهرمسية "" ([147]) .
هـذه النسبية التي يحاول الخطاب العلماني دائماً أن يتذرع بضرورتها بسبب احتمالية اللغة، وبشريتها وتنوع المخاطبين، واختلاف عقولهم واتجاهاتهم وأفكارهم وميولهم، ليست في الحقيقة نابعة من اللغة، لأن اللغة في الغالب تحدد مرادها من خلال القرائن والسياق . إن النسبية المفروضة على اللغة هي نتاج لعصر الشك، ومجتمع الشك، إنه انفراط لعقد العالم فلسفياً قبل أن ينفرط لغوياً ([148]) . لقد نجحت التفكيكية في الهجوم والبعثرة والهدم نجاحاً ليس له نظير، ولكنها لم تقدم خياراً ذا قيمة ([149]) . وإذا كانت البنيوية فشلت في تحقيق المعنى، فإن التفكيكية نجحت في تحقيق اللامعنى ([150]) .
ولذلك كان جودسون مصيباً عندما قال معلقاً على مقال دريدا الذي اعتُبر بداية التفكيك "" إن بحث دريدا يُقنع القراء بأنهم لا يعرفون لغتهم، وأكثر من ذلك فكرهم، يجب أن تتم دراسة للغات النقد قبل أن يصبح لأي شيء نقوله حول الأدب معنى""( [151]) . ولكن جاك دريدا لا يبالي بذلك لأنه يعترف بأن التفكيك هو التخريب، ولكنه يعتبره تخريباً ضرورياً، لأنه ثورة على الفكر التقليدي ([152]) . ومن هنا لم يكن سورل مخطئاً حين قال عن دريدا بآ
أن "" لديه ميلاً مرضياً لقول أشياء خاطئة بشكل بديهي "" ([153]) .
والآن نحن كعرب ومسلمين لنا خصوصيتنا العقدية والثقافية، وأصالتنا الفكرية والحضارية فهل نحن مُلزمَون أو مضطرون إلى أن نتبنى لسانيات سوسير، أو بنيوية شتراوس أو تفكيكية دريدا ؟ لا يمكننا أن نقبل هذا التخريب الدريدي القائم على هدم المسلمات، والقفز فوق الثوابت، والانفلات من أي التزام، والتمرد على المحظورات ( [154]) .
وليس لنا أن نقبل الفوضى الدلالية القائمة على الرموز والعلامات، وفك الارتباط بين الكلام وقائله، من خلال التعويل على الرمز قبل الحقيقة، والباطن قبل الظاهر، وإن أمكن أن يُقبل هذا على مستوى الأدب والشعر والفن والإبداع، فإنه لن يُقبل باسم الفهم والتفسير والشرح، وإنما يمكن أن يُقبل على أنه إبداع متراكب وتجديد متراكم . ولكن أن يراد لهذه المناهج التخريبية - كما يعترف أهلها - أن تصبح قواعد لفهم أصولنا وقرآننا وتراثنا فإن هذا نوع من الخطل المعرفي الذي يجب علينا أن نترفع عنه .
إن الغاية من قراءتنا لكتاب الله عز وجل هي الفهم أولاً، والعمل ثانياً، والتعبد ثالثاً . أما في الأدب والفن فليس الفهم هو المهم، وإنما النقد والاكتشاف، أصبح المنهج والطريقة هما الغاية أما الفهم والتفسير بحد ذاته فليس مطلباً . إن الغاية هي إظهار القارئ لقدرته وبراعته في التعامل مع النص والعبث به ([155]) .
إن الواقع الثقافي العربي والإسلامي يرفض هذا الترف بل العبث الفكري، يرفض أن تنسحب مظلة الحداثة بمفاهيمها الغربية ومدارسها ومشاريعها وإفرازاتها النقدية على تفسير النصوص الدينية بالذات، لأن ذلك يعني في مفهوم البنيوية أو التفكيك القول باللانص، أو اللعب الحر للغة بمفهوم دريدا ([156]) .
المطلب الثالث – التناظر والعلامة والمواضعة الاجتماعية :
تستند العلمانية العربية في قراءتها للقرآن الكريم على أصلين هما : الغنوصية، والهرمينوطيقا ، وكلتاهما - كما رأينا - تقومان على العلامات والرموز، وتعتبران الرمز أو العلامة دلالة إيحائية يمكن أن تثير فيمن يتعامل معها علامات ودلالات أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية، وهي ما أسماها إمبرتو إيكو " المتاهة الهرمسية اللامتناهية " ([157]) .
ولكن العلامة تختلف في الفن عنها في الأعمال الأخرى، لأن العلامات في الفن يمكن أن لا تشير إلى شيءٍ محدد في الواقع بل تشير إلى مجموع الظروف التي يُراد التعبير عنها، فالذي يميز الفن عن اللافن هو نوعية المُشار إليه، فبينما تكون العلامات خارج الفن علامات عامة محددة بارتباطها بمُشار إليه بعينه، فإن العلامة في إطار الفن لا تخضع لمثل هذا التحديد، من هنا تأتي المرونة الدلالية في إطار الفن أو الشعر أو الأدب، وقابلية العلامة لأن تصلح للإشارة إلى أكثر من مشار إليه واحد ([158]) . معنى ذلك أن العمل الفني عمل مفتوح لا بد فيه من التأويل لأنه في أصله عمل يهدف إلى إثارة تأويل ([159]). أما النصوص الأخرى فليست دائماً كذلك، ولا يمكن اعتبارها دائماً مثيرة للتأويل، لأن للنص أبعاداً اجتماعية وثقافية ونفسية تحدد مراد النص، إن كتاباً مثل " كفاحي " لهتلر لا يمكن لأحد أن يُنكر أنه معاد للسامية، فهل يمكن للتفكيكية أن تثبت أن هتلر كان محباً للسامية ؟ ( [160]) .
وهذا ينفي المقولة التفكيكية والعلمانية القائلة بأن النصوص بُنى مأزقية غير قابلة للتصديق إطلاقاً، وينفي القول بأن اللغة نسبية بشكل مطلق، لأن تنوع النصوص وسياقاتها التاريخية والمعرفية ودلالاتها الحافّة وقرائنها المحدقة تجعل هذه المقولة خاطئة تماماً، فمن ذا الذي يمكنه القول إلا مكابراً إن القرآن الكريم يدعو إلى التثليث أو يعترف بالوثنية ؟! .
إن الاعتماد على قدرة العلامات والرموز على الإيحاء، والانتقال من حد إلى حد، وانتشار الإيحاءات بشكل توالدي أو سرطاني ([161]) لا يمكن أن يخضع لأية معايير تضبطه، وبالتالي فلا قيمة له، لأن ذلك خاص بكل شخص وما يكتنزه في ذاكرته أو خياله من مشابهات، وما يعقده في نفسه من تناظرات .
وعندما يُطلَق العنان لآليات التناظر فلا شيء يمكن أن يوقف هذه الآلية، فالصورة والمفهوم والحقيقة التي يتم الكشف عنها من خلال المماثلة تتحول هي الأخرى إلى علامة تحيل على تناظر جديد([162])، لأن أيَّ شيءٍ يمكن أن تكون له من زاوية ما علاقة تناظر أو تجاور أو مماثلة مع أي شيءٍ آخر ([163]) .
إن العلامة حتى يتم تمييزها كأي شيء يجب أن يكون لها شكل مميز ووظيفة مميزة تجعلها تختلف بشكل واضح عن العلامات الأخرى . فالقول بالعلامة الحرة التي تلعب إلى ما لا نهاية وبلا حدود ضد العلامات الأخرى يعني تخيُّل علامة ليس لها صفة محددة على الإطلاق، أي علامة ليس لها شكل أو وظيفة خاصة بها . إن هذا لا ينتج معنى أكثر ثراء كما يحلو للمدافعين عن هذا الموقف أن يعتقدوا، بل لا معنى على الإطلاق . إن علامة لا يمكن تحديدها بشيء معين لا تدل على شيء على الإطلاق . إن الغموض في العلامات يولِّد اختزالاً للمعنى وليس زيادته، والغموض الكامل واللاتحديد الكامل للتدليل هو النقطة التي نصل عندها إلى صفر الدلالة ([164]) .
وما يقوله دريدا من أن للعلامة الحق في أن تحدد قراءتها حتى ولو ضاعت اللحظة التي أنتجتها إلى الأبد، أو جَهلت ما يود كاتبها قوله ([165]) فهو كلام فارغ أقل من أن يُلتفتَ إليه، لأن المجموعة البشرية عندما تتفق على تأويل ما فإنها تنتج مدلولاً، إن لم يكن موضوعياً فهو مُفضَّل على أي تأويل آخر يفتقر إلى إجماع أو تواطؤ مجموعة بشرية ( [166]).
بعبارة أخرى : إن إجماع أهل الاختصاص والخبراء هو الذي يُثبِّت للكلمة و للعلامة معناها الحقيقي ويذود عنها المعاني الطفيلية، وكون الكلمة أو الرمز أو العلامة توحي بمعاني أخرى، أو تستدعي في ذهن قارئها أشياء أخرى لا يعني أنها تفقد دلالتها الحقيقية الأولى، فكون الأم تذكر بالابن أو العكس لا يعني أن الأم لا تعني الأم، إن ما تدل عليه كلمة الأم هو الأم وحدها، وكون الشيء بالشيء يُذكر لا يعني أنهما شيءٌ واحدٌ ([167]) .
إن الدلالة لابد أن تستند إلى صبغة مؤسسية اجتماعية، بمعنى أنها لا توجد إلا في مجتمع يستعملها . إن الاتفاق والتواطؤ الاجتماعي هو الذي يعطي الدلالات معانيها ([168])، ومن هنا "" فالمس بمقدسات اللسان عبر إعادة توزيع مقولاته النحوية، وتغيير قوانينه الدلالية يعني أيضاً المس بالمقدسات الاجتماعية والتاريخية "" ([169]) .
المطلب الرابع – التناظر والانتقال المزيف :
لقد أعدنا مراراً الحديث عن مفهوم العلامة والرمز والتناظر لأنه مدخل أساسي يعتمد عليه الخطاب العلماني في قراءة النصوص والتراثات البشرية عموماً، وهو الجسر الذي يتواصل من خلاله العلمانيون والغنوصيون وقد تجلى ذلك بشكل خاص في البحوث التأويلية والأسطورية التي اشتغل عليها الخطاب العلماني .
إن كل الأوهام والتهوسات التي تفوه بها القمني ([170]) والربيعو ([171]) وأركون وغيرهم من ربط بين الإسلام من جهة والأساطير والوثنيات القديمة من جهة ثانية قائم على هذه الآلية الهرمسية الغنوصية آلية التناظر المطلق والتماثل العبثي، فمثلاً إن إعادة هبل إلى بعل، ومكة إلى مقة، وإساف إلى يوسف، وقيس إلى أربكسد أو كاسي، والفلسطينيين إلى السلفات، والكروبيم إلى البراق ..الخ هو من هذا القبيل التناظري الهوسي الذي لا يستند إلا على إرادة التحريف وإرادة التقويل التي يتمتع بها الباحث ([172]) .
إن هذا التناظر الذي يتحدث عنه القمني وغيره من الأسطوريين يستند إلى مبدأ هرمسي يسميه إمبرتو إيكو "" مبدأ الانتقال المزيف "" ووفق هذا المبدأ فإن أي تشابه بين أي شيئين يمكن أن يتم الانتقال منه إلى علاقة أخرى، ومن ذلك أنه اكتُشف ذات يوم أن النبتة التي تحمل اسم السحلبية لها بصلتان كرويتان تشبهان الخصيتين، وانطلاقاً من هذه المماثلة الشكلية " المورفولوجية " تم الانتقال إلى المماثلة الوظيفية فأشاع الغنوصيون أن السحلبية لها مفعول سحري على الجهاز التناسلي .
إلا أن الأمر لم يكن كذلك فقد شرح بيكون هذا الأمر، فامتلاك السحلبية لبصلتين آتٍ من كون بصلة جديدة تنمو كل سنة بجانب البصلة الأولى، وبينما تكبر البصلة الأولى فإن البصلة الثانية تضمحل، وهكذا يمكن للبصلتين أن تكونا شبيهتان بالخصيتين، إلا أنه لا صلة لهما بالخصوبة الجنسية، وبما أن القرابة يجب أن تكون من طبيعة وظيفية وليست شكلية، فإن التناظر في هذه الحالة سيسقط من تلقاء نفسه، وهكذا فالعلاقة الشكلية لا يمكن أن تكون شاهداً على علاقة من نوع وظيفي ([173]) .
هذا الانتقال الغنوصي المزيَّف هو الذي يمارسه القمني وثلة الأسطوريين في كل دراساتهم، ومعلوم أنه لا يوجد شيئان إلا ويمكن أن يتشابها من زاوية من الزوايا إما من حيث السلوك أو من حيث الشكل، أو من حيث الزمن، أو السياق، أو الوظيفة، فالأساس في التناظر الغنوصي هو شكل القرابة وليس الدليل أو المقياس عليها، وإذا أُطلق العنان لآلية التناظر العبثي بهذا الشكل فلا شيء يمكن أن يوقفها، فالصور والمفاهيم والحقائق التي يتم الكشف عنها من خلال المماثلة تتحول هي الأخرى إلى علامات تحيل إلى تناظر جديد، وهكذا إلى ما لا نهاية . مرة أخرى إنها "" المتاهة الهرمسية "" ([174]) .
الخاتمة
في نهاية هذا البحث لعلنا نستطيع أن نؤكد على النتائج الآتية :
· إن نظام اللغة وبالتحديد التأويل هو المبدأ الأساسي الذي تلتقي فيه كلٌّ من الغنوصية والعلمانية، فالأصل في الكلام لديهم أنه رموز وإشارات وإيحاءات تخفي عكس ما تبديه، وتضمر خلاف ما تظهره . فكلتا الطائفتين تعوِّل على التأويل وتَعدُّه الأساس في فهم الكلام .
· وإذا كان الغنوصيون يفهمون النصوص دائماً على أساس أن لها ظاهراً وباطناً فكذلك العلمانيون، ولكن الاختلاف في المصطلحات فقط، فالظاهر عند الغنوصيين هو المعنى عند العلمانيين، أو الجسد، أو البنية أو الشكل، أو القالب حسبما يخطر في بال أحدهم أن يعبر، بينما الباطن عند أولئك يساوي المغزى عند هؤلاء أو الروح، أو المقصد، وفي كلا المنهجين يتم تجاوز سياق النص العام والخاص وسباقه وقرائنه ليصل القارئ إلى مراده من النص، وليس إلى مراد النص منه .
· وإذا كانت المقدمات متساوية فالنتائج كذلك في الغالب، وهو ما نلاحظه في مآل المنهج الغنوصي / العلماني حيث اتجه الفريقان إلى تأويل العقائد الإسلامية والمعجزات والغيبيات والقصص القرآني تأويلاً يلغي حقائقها، وأصبح القرآن الكريم مجموعة طلاسم وألغاز لا يفهمها إلا أهل الغنوص وأهل العلمنة .
· وبالتأكيد فإن هذا التماهي المنهجي التنظيري بين الفريقين والمؤيَّد بجسور عملية تطبيقية اتخذ بُعداً تحالفياً مدعوماً بأعماق شعورية تضامنية مناهضة لسلفية أو سنية أهل السنة والجماعة، هذه الفئة التي عُدَّت لدى الفريقين الغنوصي / العلماني فئة اتباعية سلطوية تكرس الجهل والتخلف والظلم والاستبداد، ولا بد من الخلاص منها – بنظرهم – عن طريق ثورة ثقافية تنويرية تتمثل بدين العقل .
· وقد اتخذت الرغبة الجامحة لدى الفريقين للتخلص من الفهم السلفي أو السني للقرآن الكريم مسلكاً واحداً هو التلفيق المنهجي، والتنميق الخطابي عبر التجوال المتواصل بين فلسفات وخطابات مختلفة شرقية وغربية وانتقاء ما يمكن إسقاطه على نصوص القرآن الكريم من مفاهيم إن لم تلغ المفاهيم السلفية المستقرة فإنها على الأقل سوف تشوش عليها .
وكانت من أبرز هذه المحاولات هي الطعن في مفهوم التخاطب، وتمييع وظيفة اللغة، ورفض فكرة الحقيقة والظاهر، والسعي المستمر إلى تشتيت المعنى إلى درجة تأصُّل اللامعنى، وتمزيق جسد النص إلى أشلاء متناثرة، وبعثرة المصطلحات، وخلط المفاهيم، حتى يصبح من الممكن استخدام أي شيء لأي شيء، وبهذا الشكل فإن حقيقة النص تضيع في وسط الركام، ومقاصده تندثر وراء الأشلاء، وتصبح كلمات النص ومفرداته أشبه بأحجار الشطرنج كلما كان اللاعب ماهراً كلما كان قادراً على تحقيق الفوز .
وهكذا فقد استند الفريقان في هذه اللعبة على قوانين غير ملائمة لبنية النص، ولا مراعية لوظيفته ومهمته، لأنها مستقاة من أصول مختلفة، والقرآن الكريم يلفظها كما يلفظ الجسدُ المعافى عبر مناعته الذاتية الجرثومةَ الغريبة إذا ما أرادت أن تتسلل إلى بنيته .
إنه لمن المؤلم جداً أن نلاحظ الإصرار لدى الحلف العلماني / الغنوصي على جرنا إلى متاهة مظلمة مجهولة باسم التنوير والتحرير في الوقت الذي نرى فيه أمامنا طريقاً مُعبَّداً مُنوَّراً يحتاج منا فقط أن نحثّ الخُطا فيه .
وأخيراً : لا بد أن ألفت النظر إلى أن هذه الدراسة هي دعوة لمتابعة البحث في هذه الزاوية فهناك أبعاد أعمق يمكن اكتشافها، وآفاق أوسع يمكن ارتيادها، وليس هذا المقال إلا نواة لاكتناه الحقل الرمزي والغموضي بشكل عام، والبحث عن الصلات المجدولة بين التيارات الرمزية المختلفة كالأفلوطينية والقبالة اليهودية وأوجه التأثير والتأثر بينها وبين الفكر الإسلامي من جهة وبينها وبين الخطاب العلماني من جهة أخرى .
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) للتواصل مع الباحث : ahmad_altan@maktoob.com جامعة دمشق – كلية الشريعة .
([2])الهرمسية لفظة أطلقت في الأصل على الكيمياء السحرية لاعتقاد اليونان أن هرمس هو مبدع هذا العلم الخاص بنخبة قليلة من نوابغ الفلاسفة ، ومن هنا اتسع مدلول الكلمة فشمل كل علم أو فن لا يدرك سره إلا الموهوبون من البشر . وأم أدبيا : فقد تضمنت الكلمة معنى الإغلاق والإبهام والغموض وفرضت على القارئ التآلف القسري مع عالم خفي من الصور والأفكار ، عالم سحري يحتفظ الأديب بسره . انظر : جبور عبد النور " المعجم الأدبي " ط 1 / 1979 دار العلم للملايين ص 286 . وانظر : د. كميل الحاج " الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي " مكتبة لبنان ناشرون \ ط 1 / 2000 م ص 630 .
ملاحظة : الهرمسية والغنوصية تتماهيان في مبادئ جوهرية هي : النخبوية أي أن علومهما خاصة بنخبة متميزة من البشر والغموضية : أي أنهما تعولان كثيراً على الحدس والرموز والأسرار .
[3] الأفلوطينية نسبة إلى أفلوطين 205 – 270 م وهو فيلسوف مثالي ولد في مصر وعاش في روما وقد ضاعفت تعاليمه من نزعة التصوف في فلسفة أفلاطون ، وعنده عملية تطور العالم تبدأ من الإلهي الذي لا يمكن الإحاطة به والتعبير عنه وموضوع الحياة الإنسانية عند أفلوطين هو الصعود إلى الواحد ويمكن تحقيق هذا بنظره بتقييد الميول الجسدية وترقية الميول الروحية وقد كان لفلسفته دوراً كبيراً في تطوير الفكر الصوفي الجدلي . انظر : " الموسوعة الفلسفية " بإشراف روزنتال – يودين – ترجمة سمير كرم – دار الطليعة –بيروت ط2 / 1980 ص 42 .
([4]) الغنوصية شيعة دينية فلسفية متعددة الصور ، واللفظ اليوناني " غنوسيس " يعني معرفة ، فمبدؤها أن العرفان الحق ليس العلم بوساطة المعاني المجردة والاستدلال كالفلسفة ، وإنما هو العرفان الحدسي التجريبي الحاصل عن اتحاد العارف بالمعروف ، وأما غايتها فهي الوصول إلى عرفان الله عز وجل على هذا النحو بكل ما في النفس من قوة حدس وعاطفة وخيال ، وتعد مريديها بكشف الأسرار الإلهية وتحقيق النجاة . وأصول هذا المذهب أفلاطونية ، لأن أصحابه أفلاطونيون في جملتهم انظر : يوسف كرم " تاريخ الفلسفة اليونانية " مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة ط2 / 1946م / ص 244 ، 245 وانظر : الجابري " بنية العقل العربي " ص 258 المركز الثقافي العربي – بيروت – ط 2 / 1991والغنوصية هي التي يطلق عليها الجابري " العرفان " و " العرفانية " والغنوصية والهرمسية " نسبة إلى هرمس " المثلث بالحكمة " كما هو شائع في المؤلفات العربية الإسلامية انظر : الجابري " تكوين العقل العربي " ص 155 المركز الثقافي العربي – بيروت – ط 4 / 1991 ومبروكة الشريف جبريل " الخطاب النقدي في المشروع النهضوي العربي . العروي والجابري نموذجاً " رسالة دكتوراة مقدمة في شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس – جامعة محمد الخامس – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط – 1997 / ص 346 والغنـوصية والهرمسية تسيران في نفس الاتجـاه العرفاني انظر : الجابري السابق نفسه . وانظـر : إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ترجمة : سعيد بنكراد – المركز الثقافي العربي – بيروت ط 1 / 2000م ص 15 ، 37 .
([5]) انظر : بول ريكور " من النص إلى الفعل " ترجمة : محمد برادة وحسان بورقية – عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية – القاهرة – ط 1 / 2001م / ص 85 .
([6]) نقلاً عن خالد السعيداني " إشكالية القراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر . نتاج محمد أركون نموذجاً " بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحضارة الإسلامية – الجامعة التونسية – جامعة الزيتونة – المعهد الأعلى لأصول الدين 1998م / ص 64 يحيل إلى مصادر أجنبية . يميز بول ريكور بين الهرمينوطيقا العلمانية والهرمينوطيقا الدينية ، أو الهرمينوطيقا الفلسفية والهرمينوطيقا التوراتية الأولى تذهب من القطب الفلسفي إلى القطب التوراتي ، أما الثانية فهي هرمينوطيقا إقليمية مقارنة مع نظيرتها الفلسفية ، ويمكن اعتبار الهرمينوطيقا التوراتية أو الدينية تابعة للأولى ، وبذلك تكون هرمينوطيقا تطبيقية انظر : بول ريكور " من النص إلى الفعل " مصدر سابق ص 91 ، وله " إشكالية ثنائية المعنى " مقال في مجلة الهرمينوطيقا والتأويل تصدر عن ألف في الجامعة الأمـريكية بالقاهرة – ترجمة فريال جبوري غزول ص 137وهناك الهرمينوطيقا الرومانسية وهي هرمينوطيقا ديلتاي ومعارضي البنيوية انظر : ريكور " من النص إلى الفعل " ص 86 ويسميها البعض هرمينوطيقا عامة وأخرى مقدسة الأولى تضع قواعد عامة لتفسير أي نص ، والثانية تضع القواعد الخاصة لتفسير النصوص الدينية والكتب المقدسة وحدها . انظر : حسن حنفي " قراءة النص " ص 10 مقال ضمن مجلة " الهرمينوطيقا والتأويل " المشار إليها قبل قليل .
([7]) انظر : أبو زيد . نصر حامد " إشكاليات القراءة وآليات التأويل " المركز الثقافي العربي – بيروت ط 4 – 1996 / ص 13 وانظر له : " الخطاب والتأويل " المركز الثقافي العربي – بيروت ط 1 – 2000م / ص 173 . وانظر : د . عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " دار الشروق – القاهرة – ط 1 – 1999م / مجلد 1 / ص 88 .
([8]) شلاير ماخر فيلسوف ألماني ت: 1843 م يعد عند بعض الدارسين نقطة تحول في مجال الهرمينوطيقا وذلك بنقلها من الحقل الديني إلى الحقل الفلسفي والأدبي .
([9]) انظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " مصدر سابق ص 64 ويحيل إلى بعض المصادر الأجنبية وانظر : د. المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " مصدر سابق 1 / 88 .
([10]) انظر : السابق ص 66 . وانظر : د. عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " مصدر سابق 1 / 88 .
([11]) بول ريكور فيلسوف وعالم لسانيات فرنسي معاصر ولد سنة 1913 م ، اشتغل في حقل الاهتمام التأويلي ومن ثم بالاهتمام بالبنيوية، وهو امتداد لفريديناند دي سوسير. يعتبر ريكور رائد سؤال السرد. أشهر كتبه (نظرية التأويل - الخطاب وفائض المعنى - / من منشورات جامعة تكساس المسيحية عام 1976 ) . نقلاً عن هذا الرابط :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%88%D9%84_%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%88%D8%B1
([12]) انظر : بول ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " مقال له ضمن الهرمينوطيقا والتأويل تصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة ص 139 . alle-gorie أليغوري تعني : قول شيء عبر شيء مغاير .
([13]) بولتمان، رودلف كارل (1884-1976)، كان لاهوتياً بروتستانتياً وعالم في العهد الجديد. تعلم في جامعة ماربرج، توبنجين، وبرلين، وشغل وظائف أكاديمية في العديد من الجامعات. ساعد بولتمان في تطوير مدرسة نقد الشكل، ومناهج دراسة الكتب المقدسة. أهم أعمال بولتمان تشمل: يسوع والعالم، يسوع المسيح وعلم الأساطير، المعرفة الروحية، والمسيحية البدائية في أوضاعها الحالية. نقلاً عن هذه الصفحة :
http://216.212.98.66/arabic/verdict/book/41.html
([14]) وهي الطريقة نفسها التي يحاول الخطاب العلماني عموماً وأركون خصوصاً أن يطبقها على النص القرآني ، والأساطير المراد تحطيمها هي كل ما لا يقبله العقل العلماني من أمور الغيب .
([15]) فرويد هو سيجموند فرويد 1856 – 1939 م طبيب وأخصائي أمراض عصبية وعقلية نمساوي ينظر إلى النشاط العقلي والتاريخي والاجتماعي على أنه نتاج للقوى النفسية اللاشعورية الجنسية . انظر الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين - ترجمة سمير كرم ط2 / 1980 م – دار الطليعة – بيروت ص : 331 .
([16]) كارل ماركس 1818 – 1883 م فيلسوف ألماني مؤسس الفلسفة الماركسية والاتجاه الشيوعي في العالم ، وصاحب نظريتي المادية الجدلية والمادية التاريخية . السابق نفسه .
([17]) فريديريك نيتشه 1844 – 1900 م . فيلسوف ألماني مثالي ورائد للإيديولوجية الفاشية وأستاذ فقه اللغة في جامعة بال بسويسرا وقد سيطرت على نظريته العامة للعالم الكراهية، أهم أعماله : هكذا تكلم زرادشت – فيما وراء الخير والشر – إرادة القوة . السابق نفسه ص 553 .
([18]) انظر : بول ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " ص 139 ، 140 وانظر : له أيضاً " من النص إلى الفعل " ص 101 . وانظر : نصر حامد أبو زيد " إشكاليات القـراءة " ص 44 ، 45 . مصادر سبقت بياناتها .
([19]) انظر : ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " ص 141 . مصدر سابق .
([20]) انظر : السابق ص 143 .
([21]) انظر : السابق ص 146 .
([22]) انظر : السابق ص 144
([23]) انظر : السابق ص 145 .
([24]) انظر : السابق ص 146 .
([25]) انظر : بول ريكور : من النص إلى الفعل " ص 38 . سبقت بياناته .
([26]) انظر : السابق نفسه .
([27]) السابق ص 58 .
([28]) السابق ص 160
([29]) السابق ص 116 .
([30]) الهوية الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق انظر : للجرجاني " التعريفات " حققه : إبراهيم الأبياري – دار الريان للتراث – القاهرة – د. ط و د. ت / ص 320 وللمناوي . محمد عبد الرؤوف " التوقيف على مهمات التعاريف " حققه : محمد رضوان داية – دار الفكر – دمشق – ط 1 – 1410 هـ / ص 744 وقال ابن حزم : "حد الهوية هو أن كل ما لم يكن غير الشيء فهو هو بعينه إذ ليس بين الهوية والغيرية وسيطة يعقلها أحد البتة فما خرج عن أحدهما دخل في الآخر . انظر : ابن حزم . علي بن أحمد " الفصل في الملل والأهواء والنحل " حققه : د. محمد إبراهيم نصر – عبد الرحمن عميرة – دار الجيل – بيروت د. ط و د. ت مجلد 2 / ص 107 . والهوية كمبدأ فلسفي تعبر عن ضرورة منطقية بعينها فهي تؤؤكد أن الموجود هو ذاته دوماً لا يلتبس به ما ليس منه فهو عين ذاته ، فالشخص هو هو مهما اعتراه من تغيرات . انظر : الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي مكتبة لبنان – ناشرون ط1 / 2000 م . ص : 642 .
([31]) قانون منطقي لا تكون بمقتضاه القضيتان أ أو لا أ صادقتين في الوقت نفسه وقد جاءت الصياغة الأولى لمبدأ عدم التناقض على يد أرسطو ويمكن صياغة هذا القانون على النحو التالي : القضية أ لا يمكن أن تكون صادقة وكاذبة في نفس الوقت . انظر : الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين – ترجمة سمير كرم ط2 / 1980 دار الطليعة – بيروت . ص : 372 .
([32] ) قانون في المنطق بمقتضاه تكون قضية من بين قضيتين تنفي إحداهما ما تؤكده الأخرى صادقة بالضرورة . وكان أرسطو أول من صاغ هذا القانون والتعبير الرمزي له هو : أ أو لا أ وهكذا .. وبعبارة أخرى إما أن أ هي ب أو هي ليست ب ولا يوجد احتمال ثالث ، وغالباً ما يستخدم قانون الثالث المرفوع في عملية البرهان كقاعدة الأضداد مثلاً . انظر : الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين – ترجمة سمير كرم ط2 / 1980 دار الطليعة – بيروت . ص : 370 .
([33]) انظر : امبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 28 - 29 . سبقت بياناته .
([34]) قارن هنا مع الهرمينوطيقا في السعي للوصول إلى ما لا يقوله النص من خلال ما يقوله وفكرة الفراغ وما بين السطور ، كما لا ننسى الوظيفة الأليغورية للغة عند بول ريكور " قول شيء من خلال قول شيءٍ آخر " كذلك التركيز الفرويدي الهرمينوطيقي على الأحلام والنفس الأمارة . كل ذلك يعتبر وشائج تواصل بين الهرمينوطيقا والغنوصية .
([35]) انظر : السابق ص 31 .
([36]) انظر : امبرتو إيكو "السابق " ص 32 .
([37]) انظر : السابق ص 33 .
([38]) انظر : السابق ص 33 .
([39]) امبرتو إيكو : روائي، سيميائي، لغوي، إيطالي ولد عام 1932 م في بيمونت، لم يكف عن اطفاء شارته الحمراء، فارضاً نفسه كسيد السيميوطيقا بلا منازع، والنجاح الروائي لروايات، مثل: (اسم الوردة) - أكثر من عشر ملايين نسخة - لم يبعده عنها. من رواياته " بندول فوكو" و " جزيرة اليوم السابق" و " بودولينو" . من نصوصه النقدية: - النص المفتوح - السيميوطيقا وفلسفة اللغة - وحدود التأويل . المصدر :
http://www.halfmoon-sa.com/forum/printthread.php?t=4379
([40]) انظر : السابق ص 42 .
([41]) انظر : السابق ص 37 .
([42]) انظر : الجابري " بنية العقل العربي " ص 297 ، 322 وانظر : مبروكة الشريف " الخطاب النقدي .. " ص 367 . مصادر سابقة .
([43]) انظر : إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 55 . مصادر سابقة .
([44]) انظر : السابق ص 118 - 119 .
([45]) انظر : السابق ص 121 .
([46]) انظر : السابق ص 57 .
([47]) انظر : السابق ص 123 .
([48]) انظر : عارف تامر " مقدمته لكتاب أساس التأويل " ص 15 للقاضي النعمان بن حيوة المغربي – قاضي قضاة الدولة الفاطمية ت : 363 هـ تحقيق وتقديم : عارف تامر – دار الثقافة – بيروت – لبنان ، د ، ط / د ، ت.
([49]) مقدمة عارف تامر " السابق بياناته " ص 16 .
([50]) كما رأينا سابقاً عند نصر حامد وتيزيني وغيرهم .
([51]) مقدمة عارف تامر " السابق " ص 17 . مصدر سابق
([52]) انظر :محمود محمد عبد الحميد " مذهب التأويل عند الشيعة الباطنية " ص 163 رسالة دكتوراة – دار العلوم رقم 866.
وانظر : أيو طالب حسنين . السيد علي " التأويل في مصر في الفكر المعاصر " رسالة دكتوراه- قسم العقيدة والفلسفة – كلية أصول الدين – جامعة الأزهر / ص 91 وينقل القاضي عبد الجبار عن الباطنية " فقالوا : إن القرآن له ظاهر وباطن " تنـزيل وتأويل " عبد الجبار . القاضي عماد الدين أبي الحسن بن أحمد " المغني في أبواب التوحيد والعدل " تحقيق نخبة من العلماء – مراجعة د. إبراهيم مدكور _ إشراف : طه حسين – المدرسة المصرية العامة للتأليف والنشر – الدار المصرية للتأليف والترجمة – القاهرة 1960 - مجلد 16 / ص 363 - 366 .
([53]) انظر : د . صابر طعيمة " العقائد الباطنية " ص 12 ينقل عن مخطوطة لجعفر بن منصور بعنوان " الشواهد والعيان " الخزانة التيموريية عقائد ص 184 وجعفر بن منصور أحد الباطنية وانظر : السيد علي أبو طالب حسنين " التأويل في مصر في الفكر المعاصر " ص 90 . مصدر سابق
([54]) سورة مريم آية 43 .
([55]) انظر : القاضي النعمان بن حيون " أساس التأويل " تحقيق وتقديم : عارف تامر – دار الثقافة – بيروت د. ط د. ت / ص 118 .
([56]) سورة هود آية 40 .
([57]) انظر : القاضي النعمان بن حيون " السابق " ص 83 والأساس هو إمام الزمان .
([58]) سورة هود آية 43 .
([59]) انظر : السابق ص 84 .
([60]) سورة هود آية 43 .
([61]) انظر : السابق ص 85 .
([62]) سورة هود آية 44 .
([63]) انظر : السابق ص 85 .
([64]) ابن حيون أو ابن حيوة (340 - 389 هـ = 951 - 999 م) محمد بن النعمان بن محمد القيرواني الافريقى، أبو عبد الله، المعروف بابن حيون: قاضى مصر، وأحد كبار العلماء من أنصار مذهب الفاطميين. له اطلاع على الادب والتاريخ . ولد ونشأ في القيروان، وقدم القاهرة فولي قضاءها (سنة 374 هـ ) وخلع عليه . الأعلام للزركلي - (ج 7 / ص 126) .
([65]) انظر : السابق ص 60 .
([66]) سورة العنكبوت آية 14 .
([67]) انظر : السابق ص 87 .
([68]) انظر : السابق ص 316 .
([69]) انظر : السابق ص 28 .
([70]) نصر حامد أبو زيد باحث مصري من مواليد 1943 م كان أستاذا في كلية الآداب جامعة القاهرة فأثارت بعض كتاباته ردود أفعال في الأوساط الإسلامية فحوكم ونفي من مصر واحتضنته الجامعات الأوربية . من كتبه : الاتجاه العقلي في التفسير- فلسفة التأويل - مفهوم النص دراسة في علوم القرآن – نقد الخطاب الديني – هكذا تكلم ابن عربي – الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية العربية وغيرها .
([71]) علي حرب " نقد النص " ص 15 .
([72]) النعمان بن حيوة " اساس التأويل " ص 28 . سبقت بياناته .
([73]) علي حرب " نقد النص "ص 24 .
([74]) محمد بن الحسن الديلمي " بيان مذهب الباطنية " ص 21 تحقيق د . شدو طمان . ط1 / 1938 م وانظر : أبو طالب حسنين "التأويل في مصر " ص 91 . مصدر سابق .
([75]) رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء 4 / 138 طبعة تراث العرب – بيروت 1957 .
([76]) سورة النساء آية 83 .
([77]) المؤيد في الدين " سيرة المؤيد " ص 16 تحقيق د . محمد كامل حسين دار الكتاب المصري 1949 .
([78]) علي حرب " نقد النص " ص 20 .
([79]) انظر : للداعي الفاطمي طاهر بن ابراهيم الحارثي اليماني " الأنوار اللطيفة " ص 79 " الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر سنة 1970 م نقلاً عن التأويل في مصر " ص 93 . مصدر سابق .
([80]) السابق نفسه .
([81]) السابق ص 80 .
([82]) القاضي النعمان " أساس التأويل " ص 37 . مصدر سابق .
([83]) انظر : إبراهيم بن الحسين الحامدي " كنز الولد " ص 13 ، 14 المعهد الألماني للأبحاث الشرعية – تحقيق مصطفى غالب – بيروت 1971 م نقلاً عن د ، محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " ص 85 – مكتبة الأقصى – عمان الأردن – عالم الكتب – الرياض ط 2 / 1406 هـ 1986 م
([84]) أحمد حميد الدين الكرماني ت بعد سنة 411 هـ " راحة العقل " ص 375 - 376 تحقيق د . محمد كامل حسين و د . محمد مصطفى حلمي – دار الفكر العربي – القاهرة د . ت / د . ط . ولكن كيف يفهم قول الله عز وجل "" الله لا إله إلا هوالحي القيوم "" . سورة البقرة آية 255 .
([85]) انظر : د. حسن حنفي " من العقيدة إلى الثورة " دار مدبولي – القاهرة د. ط و د. ت / مجلد 1 / ص 85 .
([86]) انظر : د . محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " مكتبة الأقصى – عمان ، الأردن و عالم الكتب – الرياض ط 2 – 1986 / ص 88 .
([87]) أركون . محمد " قضايا في نقد العقل الديني " ترجمة هاشم صالح – دار الطليعة والنشر – بيروت ط1 – 1998 / ص 277 .
([88]) أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 282 . سبقت بياناته .
([89]) السابق ص 276 .
([90]) أركون " السابق " ص 282 لعلنا نتذكر هنا ما قاله سبينوزا في الوحي : يختلف الوحي عند الأنبياء تبعاً لمزاجهم وبيآتهم وأحوالهم فالنبي الفرح توحي إليه الحواث : السلام والانتصارات ، والنبي الحزين يوحى إليه الشرور والهزائم والأحزان انظر : باروخ سبينوزا " رسالة في اللاهوت والسياسة " ترجمة وتقديم : حسن حنفي – مراجعة : فؤاد زكريا – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر د.ط و د.ت / ص 150 ، 151 .
([91]) انظر : حسن حنفي " التراث والتجديد " طبعة الإنجلو المصرية ط3 القاهرة – 1987 / ص 96 .وحسن حنفي يعلق على كلامه هذا بأنه مجرد صور أدبية مجازية ولا يوجد عاقل يقول هذا حقيقة بنظره . وحسن حنفي هو أستاذ في جامعة القاهرة وكتبه تحتوي على كلام لا يمكن صدوره ممن ينتمي إلى الإسلام وهو يعد نفسه صاحب مشروع تجديدي إسلامي وأبرز مؤلفاته : من العقيدة إلى الثورة – التراث والتجديد . وكتبه عبارة عن تلفيقات من الفلسفة الأوربية " فيورباخ ، شلنج ، سبينوزا " قام بإلباسها بعض الأشكال الإسلامية .
([92]) الكرماني . أحمد حميد الدين " راحة العقل " تحقيق د. محمد كامل حسين و د. محمد مصطفى حلمي – دار الفكر العربي – القاهرة د. ت و د.ط / ص 375 ، 376 .
([93]) أبو يعقوب إسحق السجستاني " الينابيع " ص 135 تحقيق مصطفى غالب – بيروت 1965 م نقلاً عن د : محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " ص 116 . مصدر سابق .
([94]) علي بن محمد الوليد " تاج العقائد ومعدن الفوائد " ص 165 - 166 ، تحقيق عارف تامر – دار الشرق – بيروت 1967 نقلاً عن د ، محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " ص 116 . مصدر سابق .
([95]) انظر : الكرماني " راحة العقل " ص 367 وانظر : أبو طالب حسنين " التأويل في مصر " ص 98 . مصادر سابقة .
([96]) انظر : القاضي النعمان بن حيون "تأويل الدعائم " تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي – دار المعارف بمصر – 1963 – د. ط / ص 301 .
([97]) انظر : القاضي النعمان " أساس التأويل " ص 35 . سبقت بياناته .
([98]) انظر : السابق ص 92 .
([99]) انظر : السابق ص 102 .
([100]) انظر : السابق ص 304 .
([101]) كما قال خلف الله راجع المدخل الأسطوري في الباب الثاني ، وكما يقول حسن حنفي انظر : "من العقيدة إلى الثورة " 4 / 167 – 169 ، 600 حين يعتبر معجزة شق القمر "" عملية تخييل وخلق فني "" . مصدر سابق .
([102]) محمد أحمد خلف الله هو تلميذ الأستاذ أمين الخولي وصاحب رسالة " الفن القصصي في القرآن الكريم " التي أثارت ردود أفعال شديدة في الأوساط الإسلامية في الخمسينات من القرن العشرين وقد تابع فيها المستشرقين في قولهم إن القرآن الكريم يحتوي على أساطير .
([103]) انظر : محمد أحمد خلف الله " الفن القصصي في القرآن " مكتبة الإنجلو المصرية – القاهرة ط3 – 1965 / ص 56 ، 57 ، 254.
([104]) محمد أركون باحث فرنسي من أصل جزائري ومقيم في فرنسا . الفكرة الأساسية التي تدور حولها مؤلفاته هي تورخة القرآن الكريم وتورخة الفكر الإسلامي عموماً والتشكيك في ثبوت القرآن ومصداقيته والعمل على تحريفه عبر مزاعم التأويل . من أبرز مؤلفاته : تاريخية الفكر العربي والإسلامي – الفكر الإسلامي : قراءة علمية – الفكر الأصولي واستحالة التأصيل – المسكوت عنه في الفكر الإسلامي وغيرها.
([105]) انظر : أركون " قراءات في القرآن " النسخة الفرنسية ص 12 نقلاً عن عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة " ص 65 .
([106]) انظر : نصر حامد أبو زيد " النص السلطة الحقيقة " المركز الثقافي العربي – بيروت – ط1 – 1995 / ص 134 .
([107]) انظر : حسن حنفي "من العقيدة إلى الثورة " 4 / 167 - 169 ، 600 . مصدر سابق .
([108]) انظر : نصر حامد أبو زيد " نقد الخطاب الديني " مكتبة مدبولي – القاهرة – ط3 – 1995م / ص 189 .
([109]) سورة آل عمران آية 59 .
([110]) انظر : سيد محمود القمني " الأسطورة والتراث " المركز المصري لبحوث الحضارة - القاهرة ط 2 – 1999 م / ص 114 وانظر أيضاً في الإفصاح عن هذه الزندقة فالح مهدي " البحث عن منقذ " ص 150 ، 156 – دار ابن رشد – بيروت – 1981 وتركي علي الربيعو " العنف والمقدس والجنس " المركز الثقافي العربي – بيروت ط2 – 1995م / ص 179 ، 180 .
([111]) عارف تامر " أربع رسائل إسماعيلية . الرسالة الرابعة : الدستور ودعوة المؤمنين للطيبي " ص 70 – 71 – تحقيق عارف تامر – منشورات –دار مكتبة الحياة بيروت 1978 .
([112]) نهاية الأرب للنويري – مخطوط ج 23 / 338 - 344 نقلاً عن د . محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية " ص 124 ، 125 . مصدر سابق .
([113]) كما ينقل عبد الرزاق هوماس هوماس عن أركون انظر " القراءة الجديدة في ضوء ضوابط التفسير " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا – جامعة محمد الخامس – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط - إشراف د. فاروق حمادة - 1988 م / ص 169 .
([114]) انظر : عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " المركز الثقافي العربي – بيروت – ط1 – 1993 / ص 110 ، 111 .
([115]) انظر :الصادق النيهوم " صوت الناس . محنة ثقافة مزورة " رياض الريس للكتب والنشر – لندن وبيروت – د. ط – 1987 م / ص 127 ، 134 .
([116]) انظر : محمد محمود طه " الرسالة الثانية " أم درمان – السودان ط1 – 1971 م / ص 155 ، 164 .
([117]) انظر : أركون " مجلة الكرمل " 1 / 23 عدد 34 – 1989 . مصدر سابق .
([118]) أبو حامد الغزالي " فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة " ص 17 طبعة القاهرة 1907 م .
([119]) أبو حامد الغزالي " فضائح الباطنية " ص 93 دار البشير – عمان ، الأردن ط1 1413 هـ 1993 م .
([120]) لا بد أن أشير هنا إلى أنني لا أتبنى موقفاً سلبياً من هؤلاء المتصوفة والفلاسفة المذكورين وإنما ألفت النظر هنا إلى التوظيف المغرض من قبل الخطاب العلماني للجوانب الغنوصية والباطنية التي نقلت عن هؤلاء الأشخاص سواء أكانت حقاً أم باطلاً وهو كما حصل عندما وُظِّف الفكر الرشدي في الغرب توظيفاً فكرانياً .
([121])درس نصر حامد أبو زيد ابن عربي واعتنى بفلسفته عناية فائقة وأبرزه على أنه فيلسوف الإسلام وأصدر مؤخراً كتاباً بعنوان " هكذا تكلم ابن عربي " يترسم بذلك خطا نيتشه في مؤلفه " هكذا تكلم زرادشت " ، وكذلك علي حرب يتعاطف مع ابن عربي ضد الجابري الذي صنفه في الاتجاه العرفاني اللا عقلاني ويعتبره علي حرب فيلسوفاً عقلانياً عقلانية مدهشة إذا ما نظرنا إليه بعين هيدغر ، وهيغل ، وهو أقرب إلى الفكر المعاصر انظر : علي حرب " نقد النص " المركز الثقافي العربي – بيروت ط1 – 1993 م / ص 120 بل إنه يعتبر ابن عربي مصيباً في زعمه بأنه يفهم القرآن أفضل من الصحابة ، ويعتبر محاولاته التأويلية إطلالة على الفهم الحديث انظر : علي حرب " نقد النص " ص 106 ويشيد أيضاً بالشيرازي لأنه بنظره كان منفتحاً على أنطولوجيا هيدغر وأفق الحداثة انظر : علي حرب السابق ص 92 . ومن الواضح هنا أننا لسنا بحاجة إلى التنبيه إلى أن المعيار الذي تقاس به الأفكار هو هيدغر وطائفته ، وأفق الحداثة والمعاصرة ، إنها الهرمينوطيقا الغنوصية التي قرأنا أسسها وعرفنا مراميها ومقاصدها .
أما أركون فقد تبنى فكر التوحيدي وقال :"" أبو حيان التوحيدي هو أخي التوأم ، هو أخي الروحي ، أخي في الفكر إني أحبه ، أحب هذا الإنسان ، أحبه كشخص لأني أجد فيه صفتين من صفاتي الشخصية نزعة التمرد الفكري ، أي رفض كل قسر أو إكراه يمارس على العقل أو الفكر ، ثم رفض كل فصل أو انفصام بين الفكر والسلوك أو بين العمل الفكري والمسار الأخلاقي ، لقد عبر التوحيدي عن ذلك بطريقة رائعة وبأسلوب جذاب "" مجلة الكرمل العدد 34 ص 22 – 32 نقلاً عن خالد السعيداني " إشكالية القراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر " مصدر سابق ص 33 . ويضيف أركون : "" بالطبع ثمن التمرد غال ، وينبغي أن يُدفع من وقت لآخر وإلا ماتت الحركة الثقافية ، ونامت الحضارات ، وهكذا ترى أني قد سميت لك في نهاية المطاف اسم شخص أثر علي [ يقصد التوحيدي ] ليس كعلم ، كمعلومات ، وإنما كنموذج وقدوة ، وشاءت الصدفة أن يكون عربياً مسلماً ، بل ومسلماً كبيراً ، وكل ذلك قوى علاقتي به أكثر ... إنه اضطهد في حياته ، وعانى مثلما عانيت أنا ... أقصد انه عانى من سوء فهم معاصريه له ، أو من عدم فهمهم لفكره ، فقد هاجموه وطعنوا في شخصه ، واتهموه في عقيدته ، وأراهن على أنهم لم يفهموه "" مجلة الكرمل عدد 34 ص 23 / 1989 نقلاً عن خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 34 ويضيف أركون أيضاً : "" وقد ألف[ التوحيدي ] كتاباً تعرض بسببه للهجوم الشديد وهو " الحج العقلي إذا ضاق الفضاء إلى الحج الشرعي " وقد ذكره ياقوت الحموي ، ولكنه ضاع ولم يصل إلينا لأن الفقهاء والأرثوذكسية الإسلامية اعتبروا ذلك بمثابة الهرطقة المطلقة ، أما أنا فأرى هذا الكتاب يعبر عن الغنى الفكري والروحي لرجل فهم باطن النص المقدس " القرآن " ثم عرف كيف يعبر في الوقت ذاته بلغة الظاهر ، أقصد بلغة مناسبة ومطابقة تماماً للمعنى المقصود "" مجلة الكرمل عدد 34 ص 23 / 1989 السعيداني ص 37 . واهتم نصر حامد أبو زيد بابن عربي وبالذات تناول قضية التأويل عنده ، هذه القضية التي تعتبر هي سر اللقاء بين العلمانيين والغنوصيين في كتابه " فلسفة التأويل . دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي " المركز الثقافي العربي . واهتم حسن حنفي بالسهر وردي وأخذ منه مع التلفيق مع هوسرل القول بالوحي الشعوري أو المنهج الشعوري ، ليجمع بين النظر والذوق ، وقد خصص للسهروردي فصلاً في كتابه " دراسات إسلامية " دار التنوير – بيروت – ط1 – 1982 م / ص 209 – 263 بعنوان حكمة الإشراق والفينومينولوجيا وختم بالقول : "" فالبناء الشعوري أساس لبناء الواقع ، قد يطبع الواقع بناءه على الشعور كما يطبع الشعور بناءه على الواقع ، ولكن تظل العلاقة جدلية بين البناءين وفي هذه اللحظة تعطينا حكمة الإشراق كما تعطينا الفينومينولوجيا مفتاحاً لفتح عالم الشعور والدخول فيه "" دراسات إسلامية ص 261 وانظر : عبد الرزاق هوماس " ضوابط القراءة الجديدة " مصدر سابق ص 132 .
([122]) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة " دار الينابيع – دمشق – 1997 م د. ط / ص 316 ، 328 .
([123]) انظر : السابق ص 328 .
([124]) انظر : السابق ص 315 - 316 .
([125]) انظر : أدونيس " الثابت والمتحول " 1 / 209 – دار العودة – بيروت – الطبعة الرابعة 1986 .
([126]) انظر : أدونيس " السابق " 2 / 92 دار العودة – بيروت 1977 .
([127]) انظر : السابق 1 / 209 دار العودة بيروت طبعة 1986 .
([128]) أقصد بالعقل الغريزي هنا أن الغنوصية والعلمانية تختاران ما تمليه الغريزة على العقل ، أما في الإسلام فإن العقل والغريزة مكبوحان بكوابج الإيمان ، والإيمان يحول بين شطط العقل وجموح الغريزة ، أما عند أولئك فإن الغريزة هي التي تزين للعقل ، وتملي عليه ، إنها تدفعه لاستصدار القرارات ، لكن ليس بالضرورة كما تفعل أمريكا مع الأمم المتحدة .
([129]) ميشال فوكو 1926 – 1984 م فيلسوف فرنسي عرف بمنهج أركيولوجيا – حفريات - المعرفة وله كتاب بهذا العنوان وهو من مواليد سنة 1962 م وانتقل سنة 1970 م إلى باريس حيث اشتغل أستاذاً لتاريخ النظم الفكرية في الكوليج دي فرانس .
([130]) ميشال فوكو " حفريات المعرفة " ترجمة : سالم يفوت – المركز الثقافي العربي – بيروت ط2 – 1987 م / ص 182 .
([131]) فريديناند دي سوسير Ferdinand de Saussure ( من 26 نوفمبر 1857 إلى 22 فبراير 1913 ) عالم لغويات سويسري يعتبر الأب و المؤسس لمدرسة البنيوية في اللسانيات . وهو من أشهر علماء اللغة في العصر الحديث حيث اتجه بتفكيره نحو دراسة اللغات دراسة وصفية باعتبار اللغة ظاهرة اجتماعية وكانت اللغات تدرس دراسة تاريخية، وكان السبب في هذا التحول الخطير في دراسة اللغة هو اكتشاف اللغة السنسكريتية.ولد دي سوسير في جنيف ، و كان مساهما كبيرا في تطوير العديد من نواحي اللسانيات في القرن العشرين . كان أول من أعتبر اللسانيات كفرع من علم أشمل يدرس الإشارات الصوتية أقترح دي سوسير تسميته semiology و يعرف حاليا بالسيميوتيك أو علم الإشارات . نقلاً عن هذه الصفحة :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%86%D 8%AF_%D8%AF%D9%8A_%D8%B3%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%B1
([132]) جاك دريدا ولد 1930 م - مفكر فرنسي جزائري المولد يعد من المؤسسين لفلسفة التفكيك أو التقويض أحياناً .
([133]) رولان بارت كاتب فرنسي (۱۹۱۵ - ۱۹۸۰) تسلق كل الدرجات العلمية إلى أن أصبح أستاذاً في الكوليج دي فرانس بباريس 1976 من أهم كتبه : شذرات من خطاب في العشق - لذة النص ترجمه منذر عياشي . .
([134]) رينيه ديكارت 1596 – 1650 م فيلسوف فرنسي درس الحقوق في باريس وحصل على الليسانس في العلوم القانونية وفي عام 1620 ترك حياة الجندية التي كان قد انضم إليها سابقاً ثم قام بجولات في ألمانيا وهولندا ثم عاد إلى باريس كما سافر إلى إيطاليا فيما بعد أيضاً أقام بعد ذلك في هولندا إلى نهاية حياته وفيها أنجز أبرز مؤلفاته وأهمها : مقال عن المنهج – التأملات في الفلسفة الأولى – مبادئ الفلسفة – كتاب العالم وغيرها . راجع : دراسات في الفسفة الحديثة ، د. محمود حمدي زقزوق – ص : 87 . لا توجد بيانات نشر على الكتاب .
([135]) ولد باروخ سبينوزا في مدينة أمستردام 1632 م لأسرة يهودية برتغالية هربت من الاضطهاد هناك إلى هولندا التي قدمت الملجأ والملاذ لضحايا الاضطهاد ، درس الفلسفة اليهودية لفلاسفة اليهود الأندلسيين أمثال ابن ميمون وابن عزرا وحسداي بن شبروت وابن جبريل وموسى القرطبي وكانت وفاته عام 1677 م عن عمر لا يتجاوز الرابعة والأربعين،من أبرز مؤلفاته :مبادئ الفلسفة الديكارتية – رسالة في اللاهوت والسياسة – الأخلاق مؤيدة بالدليل الهندسي وهو أهم كتبه – إصلاح العقل . انظر : دراسات في الفلسفة الحديثة ، محمود حمدي زقزوق ص 131 – 135 . لا توجد أي بيانات نشر الكتاب .
([136]) أدموند هوسرل 1859 – 1938 م فيلسوف ألماني يعد مؤسس المنهج الظاهراتي – الفينومينولوجيا – الذي أصبح فيما بعد الأساس الفلسفي لوجودية شيلر وهايدغر . انظر : الموسوعة الفلسفية – بإشراف روزنتال – يودين- مصدر سابق . ص : 472 .
([137]) مارتن هيدغر 1889 – 1976 م فيلسوف ألماني يتبنى المذهب الوجودي بطريقة مادية بحتة . وفلسفته فلسفة تشاؤمية معادية للعلم تقوم على المثالية الزمانية التي تعني عنده الانفعالات الداخلية للإنسان من أعماله : الوجود والزمان – كانط ومشكلة الميتافيزيقا – مدخل إلى الميتافيزيفا . انظر : الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين ترجمة سمير كرم ط 2 / 1980 م دار الطليعة – بيروت ص : 565 .
([138]) ديفيد هيوم 1711 – 1776 م فيلسوف إنكليزي تبنى النزعة الطبيعية التي نادى بها بيكون وهوبز مع تطعيمها بمقولات الشكاك الأوائل وكان ينعت نفسه بـ " الشاك " وبنظره لا توجد أية حقائق ضرورية سوى المدركات الذاتية نفسها ، والعلوم الطبيعية نسبية ترجع إلى تصديقات ذاتية يولدها تكرار التجربة . انظر : جيمس كوليز " الله في الفلسفة الحديثة " ص 164 ترجمة فؤاد كامل – مكتبة الغريب – القاهرة 1973 م د. ط .
([139]) أمانويل كانط 1724 – 1804 م فيلسوف الماني أبرز ما تقوم عليه فلسفته هو القانون الأخلاقي وقد نُقش على قبره عبارته التي يقول فيها "" شيئان يملآن قلبي إعجاباً ورهبة متجددين وناميين على الدوام كلما ازداد انشغال الفكر فيهما وهما : السماء المزدانة بالنجوم فوقي والقانون الأخلاقي في أعماق نفسي "" ولم يغادر كانت ألمانيا بل لم يغادر مسقط رأسه كونجزبرج على الإطلاق ، ومن أهم كتبه : نقد العقل العملي – نقد العقل الخالص . .
([140]) هيجل ولد جورج ويلهلم فريدريك هيغل بتاريخ 27 آب عام 1770 في عائلة بروسية تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة. دخل إلى كلية اللاهوت الشهيرة في مدينة توبنغين. وهناك درس التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات ، يعتبر هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان حيث يعتبر أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي ، جذبته وسحرته أعمالِ سبينوزا، كانت، وروسو، والثورة الفرنسية. ظهرت الفلسفة الحديثة، والثقافة، و المجتمعَ في نظر هيغل كعناصر مشحونة بالتناقضاتِ والتَوَتّراتِ، كما هي الحال بالنسبة للتناقضات بين الموضوعِ وجسمِ المعرفةِ ، بين العقلِ و الطبيعةِ، بين الذات والآخر، بين الحرية والسلطة ،بين المعرفة والإيمان،و أخيرا بين التنوير والرومانسية.كان مشروع هيغل الرئيسي الفلسفي أَنْ يَأْخذَ هذه التناقضاتِ والتَوَتّراتِ ويضعها في سياق وحدة عقلانية شاملة ،موجودة في سياقاتِ مختلفةِ، دعاها "الفكرة المطلقة "أَو" المعرفة المطلقة". مات هيغل بمرض الكوليرا عام 1831 م . نقلاً عن هذه الصفحة :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%8A%D9%88%D8%B1%D8%AC_%D9%81%D9%8A%D9%84% D9%87%D9%84%D9%85_%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D 9%8A%D8%B4_%D9%87%D9%8A%D8%AC%D9%84
([141]) انظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " عالم المعرفة الكويت – 1998 م / ص 36 - 37 .
([142]) ديكارت مقال في المنهج ص 101 ترجمة : محمود محمد الخضيري - الهيئة المصرية العامة لكتاب – ط3 / 1985 .
([143]) انظر : كرين برينتون " تشكيل العقل الحديث " ترجمة : شوقي جلال – مكتبة الأسرة – القاهرة 2001 م / ص 48 .
([144]) عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 102 ، 103 سبقت بياناته .
([145]) انظر : بييرف . زيما " التفكيكية . دراسة نقدية " تعريب أسامة الحاج – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت ط1 – 1996م / ص 56 .
([146]) السابق ص 169 .
([147]) انظر : إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية "ص 125 سبقت بياناته .
([148]) انظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 402 ، 403 سبقت بياناته.
([149]) انظر : بييرف . زيما " التفكيكية . دراسة نقدية " ص 167 سبقت بياناته.
([150]) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 10 سبقت بياناته .
([151]) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 33 سبقت بياناته.
([152]) انظر : السابق ص 293 .
([153]) انظر : امبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 129 سبقت بياناته.
([154]) انظر : عبد السلام المسدي " قضية البنيوية " دار الجنوب للنشر – تونس – 1995م - د.ط / ص 35 ، 36 .
([155]) انظر : السابق ص 55 .
([156]) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 36 سبقت بياناته.
([157]) إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص55 سبقت بياناته.
([158]) انظر : سيزا قاسم " السيميوطيقا . حول بعض المفاهيم والأبعاد " ص 25 - 26 نقلاً عن المرايا المحدبة ص 241 سبقت بياناته .
([159]) انظر : إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 128 سبقت بياناته .
([160]) انظر : بييرف . زيما " التفكيكية . دراسة نقدية " ص 166 ، 167 سبقت بياناته .
([161]) انظر : إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 121 - 123 سبقت بياناته .
([162]) انظر : السابق ص 55 .
([163]) انظر : السابق ص 57 .
([164]) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 404 والكلام لـ " هارتمان " وهو تفكيكي أدرك أخطار التفكيك . سبقت بياناته .
([165]) انظر : إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 132 سبقت بياناته.
([166]) انظر : السابق ص 135 .
([167]) انظر : أزولد وتزيفان " الدلالة والمرجع دراسة معجمية " ص 23 - 24 ضمن كتاب " المرجع والدلالة في الفكر اللساني الحديث " ترجمة وتعليق عبد القادر قنيني – دار إفريقيا المشرق – المغرب – بيروت – 2000 م / د. ط .
([168]) انظر : السابق ص 25 .
([169]) انظر : جوليا كريسطيفا " علم النص " ترجمة : فريد الزاهي – دار توبقال للنشر – المغرب ط 2 – 1997 م / ص 9 .
([170]) سيد محمد القمني باحث مصري يحاول جاهداً أن يطعن في العصر النبوي وإثبات أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت بدوافع سياسية قبلية لتحقيق حلم جده عبد المطلب كما يحاول جاهداً أن يربط المعتقدات والشعائر الإسلامية بالأساطير والطقوس الخرافية القديمة من أبرز كتبه : الأسطورة والتراث – موسى وتل العمارنة – الفاشيون والوطن – رب الزمان – النبي إبراهيم والتاريخ المجهول وغيرها .
([171]) تركي علي الربيعو باحث سوري من حلب اتجه في حقبة من حياته إلى الكتابة في صلة الإسلام بالأساطير القديمة وألصق بالإسلام كثيراً من الخرافات والأوهام ، إلا أنه يبدو أنه اعتدل في أخريات حياته [ فقد ذهب إلى الحج وقال بأنه : لم يملك نفسه حين وقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يبكي، ألم به مرض ثم لحق بربه في أوائل سنة 2007 م ] . من كتبه : الإسلام وملحمة الخلق والأسطورة – العنف والمقدس والجنس . ما هو موضوع بين قوسين نقلته عن الباحث عبد الرحمن الحاج من موقع الملتقى الفكري للإبداع وقد كتب بحثاً في نعي الربيعو أشار فيه إلى المحطات الأخيرة في حياته رحمه الله .
([172]) يمكن مراجعة مؤلفات القمني للتأكد من ذلك مثل كتابه "رب الزمان " أو " الأسطورة والتراث ".
([173]) انظر : إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 60 سبقت بياناته.
([174]) انظر : إمبرتو إيكو " السابق " ص 55 .
ملاحظة : هذا البحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية - الكويت عدد سبتمبر 2008 م
العلاقة بين العلمانية والغنوصية
د . أحمد إدريس الطعان ( [1])
كلية الشريعة – جامعة دمشق
بريد إلكتروني : Ahmad_altan@maktoob.com
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
في الظلام تكثر الخفافيش ..
وفي الظلام تغيب الحقائق، وتختلط معالم الأشياء، ويستوي الأعمى والبصير ..
وفي الظلام ينشط الشطار والسراق يبحثون تحت جنح الظلام عن صيودهم وغاياتهم ومكاسبهم .. وفي الظلام يتعالى صفير هؤلاء وتصفيقهم وضوضاؤهم يصمون الآذان، ويقلقون الأذهان .
إذا كان ذلك ما يحصل في ظلام الحس والمشاهدة فكذلك هو ما يحصل في ظلام الأفكار والمبادئ، فيحرص المغرضون على اختلاط المفاهيم، واندراس الحدود، والتباس التعاريف، ويضيق هؤلاء بالوضوح والبيان، ويتبرمون من التدقيق والإتقان .
وفي هذا العالم المختلط من الفوضى يتكلم الرويبضات، ويتقدم الأراذل، ويتصدر الأصاغر، ويؤم القوم أجهلهم، ويقودهم أحمقهم . غير أن الأدهى من كل ذلك أن تصبح الفوضى هي الأساس، والعبث هو القانون، والغموض هو الإبداع، والهوى هو الميزان، وهو ما يحصل اليوم في عالم النصوص وقراءتها وتأويلها، وفي عالم الأفكار وصناعتها وتدويلها .
فالذين يبحثون عن الحقيقة يحرصون على اكتشاف معالم النص وحدوده وأبعاده، وهو ما لا يعني أبداً تجاهل أعماقه وآفاقه الواسعة، ولكنهم يريدون الحقيقة التي يحث عليها النص سواء كانت حقيقة نظرية اعتقادية أم عملية سلوكية، وفي هذه الحالة يمثل هذا الصنف دور المحكوم الذي يبحث في النص عن مقاصد الحاكم ومراميه، ويوظف لفهم النص كل وسائل الإضاءة والإنارة، وهو متشوف إلى اكتناه الحقيقة والتشبث بها .
غير أن صنفاً آخر من الناس لا يعتقدون بوجود حقيقة أصلاً وراء عالم الأهواء والأغراض الذي يتمرغون فيه، فكل حقيقة يمكن أن تنغص عليهم وهْمَ المتعة الذي يعيشونه هي حقيقة زائفة، وكل نص يعكر عليهم نشوة السكرة التي ينعمون بها هو نص استبدادي لا بد من مقاومته بكل وسائل التشويش والتعكير والتنفير .
ومن هنا فإن الخطاب العلماني/الغنوصي يرفض حكومة النص المُحْكم، لأنه بنظرهم نص إمبريالي يريد أن يفرض سلطانه على قرائه، بمعنى آخر لأنه نص مستنير واضح ليس فيه ظلام، ولا يسمح بحرية اللعب، في حين يكون النص المتشابه – بنظر الخطاب المدروس- هو النص المحبوب والمقرب لأنه يفسح المجال لإطفاء الأنوار، وإسدال الظلام، والألعاب الحرة .
في هذا اللعب الحر، وفي هذا الظلام النصي، وفي هذه الغشاوة التأويلية، تلتقي كل من العلمانية والغنوصية لقاء الأحباب في تأويل أو تقويل النص القرآني، والتحلل من حكومته ..
إذاً : تلتقي العلمانية مع الغنوصيات القديمة المتمثلة في الهرمسية([2]) والأفلوطينية([3]) والباطنية ومع الغنوصية الجديدة المتمثلة في الهرمينوطيقا الغربية في قضية التأويل أو القراءة للنصوص، وإن كان الاتفاق بينهما لا يعني أكثر من الاتفاق على عدم الاتفاق، أي أن الإنسان القارئ للنص له الحق أن يفهم من النص ما يحقق له أغراضه وإراداته دون اعتبار لما يقوله النص، إن القارئ هو الذي يقول ، والنص عليه فقط أن يكون جهاز استقبال وتبرير لإملاءات القارئ، دون أن يُسمح له بالإرسال أو القول .
ونحن نقول هنا : بأنه ليس هناك ما يمنع أن يكون النص المقروء محرضاً على الإبداع أو حافزاً للفكر على التجديد أو الاستنباط، ولكن الفهم الجديد قد يرتبط بالنص القديم ببعض الوشائج اللغوية والأصولية والقرائنية التي تسمح له أن يكون تفسيراً وشرحاً للنص القديم، وقد يكون هذا الفهم هو مجرد تداعيات أو إيحاءات سببتها قراءة النص ولكنها منبتة الصلة به لغوياً وأصولياً وقرائنياً، ومع ذلك تصرُّ القراءات الغنوصية / العلمانية على اعتبارها فهوم مشروعة بالنص، ومؤسَّسة عليه .
وقد اعتمدت في هذا البحث على المصادر الأساسية والمباشرة للخطاب العلماني والغنوصي، وحرصت على أن أترك النصوص هي التي تتكلم ، وأن يكون منهجي هو المنهج الوصفي الكشفي التركيبي حتى لا أُتَّهم بالتجني والتحامل .
وها هنا ملاحظتان منهجيتين أود أن ألفت النظر إليهما لعل ذلك يجنبني الكثير من النقد وسوء الفهم الأولى : أنني في هذه الدراسة لم أتعامل مع الخطاب العلماني كأشخاص وأفراد متمايزين مختلفين، وإنما تعاملت معه كمنظومة فلسفية تنتهي إلى جذور واحدة وتستند على أسس متقاربة، ولذلك تجنبت ذكر الأسماء غالباً في متن الدراسة، وأحلت إليها في الهوامش، ولذلك أيضاً كنت أنتقل من نص إلى نص دون اعتبار لقائله ما دام يتكامل مع غيره في داخل السياج الأيديولوجي العلماني .
لقد أراد البحث إذن أن يكشف عن الوحدة المتخفية وراء التنوع والاختلاف في المنظومة العلمانية، وأن يصل إلى الجذور الكامنة وراء الأغصان والفروع، فالتيارات والمدارس العلمانية الليبرالية والماركسية والحداثية والعدمية على الرغم من اختلافها إلا أنها تتفق إلى حد كبير كلما حاولنا الحفر في الأعماق للوصول إلى الجذور المادية والدنيوية التي تغذيها، ويكون الاتفاق أكثر وضوحاً حين يتعلق الأمر بالدراسات الإسلامية عموماً، وذلك بسبب التضاد المطلق بين هدف الرسالة الإسلامية وهدف العلمانية الغربية في التعامل مع أسئلة الإنسان الكبرى وقضاياه المصيرية .
والثانية : أنني اعتمدت على المصادر المترجمة التي تمكنت من الوصول إليها للباحثين الغربيين الذين احتاجت لهم هذه الدراسة . كما توجد في البحث بعض المصادر الثانوية لم يكن اعتمادي عليها كمصادر جوهرية وإنما كمكملات نفلية على مبدأ أن النافلة إن لم تنفع فلا تضر بعد أداء الفريضة .
وأحب أن أشير إلى أنني لا أعرف من كتب في هذا الموضوع بشكل مستقل ، ولم يقع تحت يدي أي بحث يسلط الضوء على هذه العلاقة بين العلمانية والغنوصية .
وقد جاء هذا البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة :
المقدمة : وفيها الإشارة إلى إشكالية البحث ومنهجيته وخطته .
المبحث الأول : وشائج التواصل بين العلمانية والغنوصية الهرمسية .
المبحث الثاني : متاهة القراءة العلمانية " مراجعة نقدية " .
الخاتمة : وفيها الخلاصة والنتائج .
المبحث الأول
وشائج التواصل بين العلمانية والغنوصية ([4])الهرمسية
المطلب الأول – العلاقة بين الهرمينوطيقا والغنوصية :
"" الهرمينوطيقا هي فن كشف الخطاب في الأثر الأدبي ""([5]). كما "" تعني تقليدياً فن تأويل النصوص المقدسة الإلهية أو النصوص الدنيوية البشرية، وهي كذلك مساوية للتفسير أو للفلولوجيا بما هي تفسير حر في أو نحوي وصرفي لغوي لبيان معاني الألفاظ والجمل والنصوص، وهذا ما يعرف بالتفسير اللفظي "" ([6]) .
وهـو مصطلح مستخدم في دوائر الدراسات اللاهـوتية ليشير إلى مجموعة القواعد والمعايير التي يجب أن يتبعها المفسر لفهم النص الديني ( [7]) .
هذا هو المعنى التقليدي للهرمينوطيقا، ولكن مع تطور نظرية النسبية أصبحت الهرمينوطيقا تُعنى بفن الفهم، وهذا المعنى " فن الفهم " هو الذي سيؤسس له شلاير ماخر 1768 – 1834 م([8]) الذي يُعد أبو التأويلية الحديثة ، وأصبح فن الفهم أو فن التأويل يتناول ليس النصوص المقـدسة فقـط بل تعـدى ذلك إلى النصوص البشرية ذات المضمون الطبيعي اليومي ([9]) .
ومعنى كونها تجاوزت الكتب المقدسة إلى الكلام البشري اليومي أنها أصبحت تُخضع كل شيء للتأويل، وتعتبر التأويل هو الأصل في الكلام، وبذلك تكون الهرمينوطيقا نمطاً من أنمـاط القراءة والتأويل للنصوص والتراثات الفكرية عموماً وهو ما سمي الهرمينوطيقا العامة ( [10]) .
في مقابل الهرمينوطيقا العامة التي اهتمت بتفسير الوجود تقوم هرمينوطيقا خاصة تركز بالذات على تفسير النصوص، ومن أبرز ممثليها بول ريكور ([11]) [ ولد سنة " 1913م ] الذي يُعوِّل كثيراً على التفسير الرمزي، وهو ما سيُعتَبر أساساً تقوم عليه الهرمينوطيقا، إذ يَعتبر ريكور الرمز وسيطاً شفافاً ينم عما وراءه من معنى، ومعنى ذلك أن يقول القائل شيئاً وهو يعني شيئاً آخر في آن واحد، وبغير أن تتعطل الدلالة الأولى وهو ما يسمى" بالوظيفة الأليغورية " للغة بالمعنى الحرفي للكلمة ([12]) . وهذه الطريقة لجأ إليها بولتمان( [13]) في تحطيمه للأسطورة الدينية في العهد القديم، والكشف عن المعاني العقلية التي تكشف عنها هذه الأساطير ([14]).
وهناك طريقة أخرى يمثلها كل من فرويد ([15]) وماركس ([16]) ونيتشة ([17]) كما يبين ريكورنفسه، وهي التعامل مع الرمز باعتباره حقيقة زائفة لا يجب الوثوق به، بل يجب إزالتها وصولاً إلى المعنى المختبئ وراءها، فالرمز في هذه الحالة لا يشف عن المعنى بل يخفيه ويطرح بدلاً منه معنى زائفاً، ومهمة التفسير هي إزالة المعنى الزائف السطحي وصولاً إلى المعنى الباطني الصحيح . لقد شكك فرويد في الوعي باعتباره مستوى سطحياً يخفي وراءه اللاوعي، وفسر كلٌّ من ماركس ونيتشة الحقيقة الظاهرة باعتبارها زائفة، ووضعا نسقاً من الفكـر يقضي عليها ويكشف عن زيفها([18]).
والرمزية الريكورية تقوم على الكشف والإبلاغ عندما تساعد في تفجير دلالات اللغة عوضاً عن انكفائها على ذاتها([19]). وتعتمد على مفهوم العلامة عند سوسير باعتبارها ذات صلة وعلاقة مع غيرها من العلامات ([20])، وباعتبارها ذات إمكانات استدعائية عجيبة، وذات قدرة فريدة على تأويل بعضها البعض ([21])، وبكون العلامة قادرة على التعبير عن شيء دون أن تتعطل عن التعبير عن شيء آخر ([22]). وبذلك يعتبر ريكور رمزيته ظاهرة ملموسة للمعنى على مستوى الخطاب، موثقة على أرضية العمليات الأولية للعلامات، وبذلك تكتسب رمزيته - بنظره - قيَماً وظيفية فلم يعد الاشتراك اللفظي ظاهرة انحراف في ذاته، ولا الرمزية زينة في اللغة ( [23]) .
ويصل ريكور إلى أن القيمة الفلسفية للرمزية تكمن في كونها تعبر عن غموض الكينونة من خلال تعدد إشارية علاماتنا ([24]) .
هذه الرمزية تنتهي بريكور إلى تقرير النتائج التي يتفق عليها أغلب الهرمينوطيقيين فالنص بمجرد أن يُدوَّن كتابة يصبح مستقلاً عن قصد الكاتب، وتنفتح عندئذ إمكانيات التأويل المتعددة ([25]) المفتوحة التي لا تختزلها أية رؤية ([26])، وتكون مهمة الهرمينوطيقا هي الكشف عن "" شئ النص غير المحدود "" لا عن نفسية المؤلف ([27])، لأن دلالة النص العميقة ليست هي ما أراد الكاتب قوله ، بل ما يقوم عليه النص بما فيه إحالاته غير المعلنة ( [28]) . ولذلك يعلن ريكور : "" أحياناً يطيب لي أن أقول : إن قراءة كتاب ما هي النظر إلى مؤلفه كأنه قد مات … وبالفعل تصبح العلاقة مع الكتاب تامة وثابتة بشكل ما عندما يموت الكاتب "" ([29]) .
وهكذا نجد في الهرمينوطيقا تعتبر العلامات والرموز هي الأساس الذي تتكون منه اللغة، ولا عبرة بأي قواعد أو أنظمة يتعارف عليها الناس للخطاب، فهي إذن تتمرد على النظام الاجتماعي والمعرفي السائد بين الناس والذي يشكل أساس التواصل بين الناس .
كذلك فإن الهرمسية التي ظهرت في القرن الثاني الميلادي فإنها تمردت على القوانين العقليـة التي كانت سائدة لدى اليونان مثل مبدأ الهوية ([30])، ومبدأ عدم التناقض([31])، ومبدأ الثالث المرفوع ([32]) فكان هرمس كائناً متقلباً وغامضاً فهو أبٌ لكل الفنون، ورب لكل اللصوص، وكان شاباً وشيخاً في نفس الوقت ([33]) ، وبناء على هذا فإن الحقيقة كامنة في كل شيء، فكل شيء يقول الحقيقة ولا يقولها، وليس في ذلك تناقض – في المنظور الهرمسي – لأن كل كلمة هي في الأصل إيحاء أو مجاز، إنها تقول شيئاً آخر غير ما يبدو في الظاهر، والوصول إلى الباطن يحتاج إلى كشف إلهي أو رؤية أو حلم ([34]). لأن الحقيقة هي ما لم يُقل، أو هي ما قيل بطريقة غامضة، إن الآلهة تتكلم عبر إرساليات مليئة بالألغاز([35]). والشيء الصحيح أساساً هو ذاك الذي لا يمكن شرحه ([36])."" وهكذا فاللغة بالنسبة للفكر الهرمسي الغنوصي بقدر ما تكون غامضة ومتعددة بقدر ما تكون غنية بالرموز والاستعارات، وهو ما يجعلها قادرة على تعيين الله الذي يحتضن داخله كل المتناقضات "" ([37]) . وخلاصة ذلك أن "" التأويل في الفكر الغنوصي غير محدود، إن محاولة الوصول إلى دلالة نهائية ومنيعة سيؤدي إلى فتح متاهات وانزلاقات دلالية لا حصر لها "" ( [38]) .
ويعدد إمبرتو إيكو ( [39]) أسس القراءة الهرمسية للنصوص، والقارئ قد يحسب أنه يعدد أسس القراءة الهرمينوطيقية فهي تقوم على أن :
· النص كون مفتوح بإمكان المؤول أن يكتشف داخله سلسلة من الروابط اللانهائية .
· إن اللغة عاجزة عن الإمساك بدلالة وحيدة، ومعطاة بشكل سابق .
· إن اللغة تعكس لا تلاؤم الفكر، إن وجودنا في الكون عاجز عن الكشف عن دلالة متعالية.
· إن كل نص يدعي إثبات شيء ما هو كون مُجهَض، أي نتاج كائن يشكو من اختلال ذهني، لأن النص يُنتج سلسلة لا متناهية من الإحالات ( [40]) .
بناء على هذه الأسس فإن الفكرة التي عبر عنها بول فاليري بقوله : "" لا وجود لمعنى حقيقي للنص "" هي فكرة هرمسية خالصة ([41]) .
إذاً : تستند الهرمسية على مبدأ المماثلة والتناظر وإذا كانت المماثلة في القياس الأصولي تستند على العلة أو القرينة فإنها في المماثلة الغنوصية والهرمسية تتحرر من هذا القيد فالجواز من اللفظ إلى المعنى أو من الظاهر إلى الباطن في التأويل الغنوصي يتم بدون جسر، وبدون واسطة، فهو قياس ولكنه عشوائي وبدون جامع أو ضابط ([42]) .
إن الشيئين قد يتشابها أحياناً من حيث السلوك، وأحياناً من حيث الشكل، وأحياناً من حيث الزمن، فالأساس في هذه المماثلة الغنوصية هو شكل القرابة وليس المقياس الدال عليها ( [43]) . فالغنوصية الهرمسية تتجاهل المقاييس ما دام وُجد أي شكل من أشكال التناظر، فتنتقل من مدلول إلى آخر، ومن تشابه أو ترابط إلى آخر دون ضابط أو رقيب، فالنص يُنتِج انزلاقات دلالية لا تتوقف لأن مدلول كل كلمة ليس سوى مدلول كلمة أخرى، وبإمكان كل شيء أن يحيل إلى أي شيء ( [44]).
إنها حالة توالد إيحائي ([45]) يستند على أي حالة من حالات التناظر أو التماثل، وإذا علمنا أن أي شيء يمكن أن تكون له من زاوية ما علاقات تناظر أو تجاور أو مماثلة مع أي شيء آخر ([46]) أدركنا أن التوالد لا نهاية له، وأن الإيحاءات تنتشر بشكل سرطاني بحيث إننا كلما انتقلنا إلى مستوى أعلى تم نسيان مضمون العلاقة السابقة أو تم محوها دون توقف ( [47]) .
أظن أنني هنا أحتاج فقط إلى التأكيد على أنني كنت في الفقرة الآنفة أتحدث عن الغنوصية الهرمسية وليس عن الهرمينوطيقا .
المطلب الثاني - العلاقة بين العلمانية العربية والغنوصية :
1 – التواصل المنهجي التنظيري :
برغم أن الغنوصية تقوم على العرفان والكشف بزعم أهلها، وأن العلمانية تقوم على العقل بزعم أهلها أيضاً إلا أن اللقاء بين الطائفتين يكاد يكون تاماً على مستوى الوسائل والغايات والمسالك والنهايات، ومع أن هذا الموضوع يستحق الإفاضة طويلاً، ويحتـاج إلى دراسة مستقلة، إلا أنني سأحاول أن أختصر هذه الفقرة على أمل أن يكون ذلك نواة لبحث أوسع .
إن الطائفة الوريثة للغنوصيات القديمة في التاريخ الإسلامي هي الباطنية ومن خلالها سنحاول أن نكشف عن عناصر التواصل بين العلمانية والغنوصية .
يعتبر العلمانيون أنفسهم دعاة التنوير والتجديد كما هو معلوم، وكذلك يعتبر الباطنيون أنفسهم، فهذا واحد من ممثليهم يقول بأن الباطنية هي طريق التنوير والإرشاد ([48]) . والعلمانيون يعتبرون أنفسهم دعاة العقلانية، وكذلك الباطنيون أيضاً فهم يعتمدون – بزعمهم - على مصدر ثقة هو العقل الكلي فهم إذن " العقليون " أو " أهل العقل " ( [49]).
والعلمانيون يعوِّلون على التأويل ويفضلونه على التفسير( [50])، وكذلك الباطنيون يعتبرون التفسير يؤدي إلى الاختلاف، أما التأويل الباطني فهو نظام ثابت عقلي عملي يوافق المجتمع ( [51]).
بل إن التفرقة العلمانية التي رأيناها بين التنزيل والتأويل، وبين القرآن ككتاب تنزيل، وتحوله إلى كتاب تأويل خاضع لكل المقاييس البشرية هي في أساسها تفرقة غنوصية باطنية جاءت من التفرقة الباطنية المنتشرة في مؤلفاتهم الفلسفية والفقهية بين التنزيل والتأويل، أو المَثَل والممثول، أو العلم والعمل ([52]) .
لقد أول الباطنيون كل " دعائم الإسلام " وأركانه وشعائره عن طريق فكرة الظاهر والباطن وذلك عندما اعتبروا أن الظاهر بمنزلة القشر والباطن بمنزلة اللب، وأنه لا يستقيم الباطن إلا بالظاهر الذي هو جثته الهامدة - كما يؤكد العلمانيون دائماً - ولكنه دليل عليه، لأنه لا يصلح جسم إلا بروح ولا روح إلا بجسم ([53]) .
ومن هنا ذهبوا إلى تأويل كثير من الآيات لتخدم غرضهم هذا في التمييز بين العلم الظاهري والعلم الباطني فقوله تعالى: ]يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ[ ([54]) . يعني العلم الباطني الروحاني ، هكذا جزافاً وبدون دليل ( [55]) . وقـوله تعالى: ]حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ[ ([56]) . يعني جاء علم الباطن وتكلم به الأساس ([57]) . وقـوله تعالى: ]قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ[ ([58]) يعني سآوي إلى أحد علماء الظاهر ([59]) . وقوله عز وجل: ]وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ[ ([60]) . أي حال بينهما علماء الضلال ، أي علماء الظاهر ([61]) . ]وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ[ ([62]) . " أي أمر الأساس أن يصان العلم الباطني عن غير أهله " وغيض الماء " أي غامض العلم الباطني ( [63])
والنعمان بن حيوة ( [64]) يصرح بأنه لا ينفي علم الظاهر، وإنما الباطن علم إضافي، وأنه هو وطائفته يؤمنون بالظاهر والباطن ([65]) . ولكن هذا غير صحيح وإنما هو لون من المراوغة والخداع - كما يفعل ورثته العلمانيون - لأنه عند قوله تعالى : ]فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً[ ([66]) . ينفي أن يكون الإنسان معمراً كل هذه المدة لأن أبدان البشر لا تطيق ذلك، والمعنى مدة دوره ولُبْث شريعته ([67])، ولأنه يعتبر الباطن هو العلم والحكمة التي يجب أن يرقى إليها الطلاب ( [68])، ويعتبـر البـاطن بمثابة الروح والظاهر بمثابة الجسد ([69]).
لا يختلف الظاهر والباطن في مفهوم الباطنية عن المعنى والمغزى في المفهوم العلماني، فكلاهما يقفز إلى التأويل الذي يرتضيه منهجه متجاوزاً القرينة والدليل والسياق وبالإضافة إلى تجاوزه للإجماع وما هو معلوم من الدين بالضرورة .
فالمعنى عند نصر حامد أبو زيد ([70]) هو الظاهر عند الباطنية، والمغزى هو الباطن والنتيجة واحدة هي رفض الفهم السلفي الذي أجمعت عليه الأمة . ففي قضية الميراث المعنى هو إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين، أما المغزى فهو أن نطوِّر ذلك في عصر التطور إلى المساواة بين الذكر والأنثى . ولكن أين العلامة والقرينة التي نبهنا الباري عز وجل بها إلى هذه النتيجة البوزيدية ؟ لا وجود لها، فالباري عز وجل فصّل المواريث ووقف عند حدود معينة، وأمرنا أن لا نتجاوز حدوده، ولكن الخطاب العلماني يهدم حدود الله ليرتع في حماه .
ولا يختلف الظاهر والباطن في مفهوم الباطنية عن مفهوم القراءة كما رأيناه في الهرمينوطيقا الغربية ونسختها العربية، فالنص كما رأينا ليس نصاً على المراد، وليس نصاً على الحقيقة "" وإذا كان النص لا يقول الحقيقة، بل يخلق حقيقته، فلا ينبغي التعامل مع النصوص بما تقوله وتنص عليه، أو بما تعلنه وتصرح به، بل بما تسكت عنه ولا تقوله، بل بما تخفيه وتستبعده "" ([71]) .
إن هذا الذي يتحدث عنه الخطاب العلماني ويسميه ما بين السطور، وما يخفيه النص هو الباطن الذي يتحدث عنه الباطنية "" إنه لا بد لكل محسوس من ظاهر وباطن، فظاهره ما تقع عليه الحواس، وباطنه ما يحويه ، ويحيط العلـم به ، فالجسد هو الظاهر والروح هو الباطن "" ( [72]).
وهكذا لا نميز بين ما يتفوه به العلمانيون اليوم وما قاله الباطنيون بالأمس، يقول الخطاب العلماني : "" وذو اللب لا يقف عند الظاهر المنطوق به، بل يطلب الغائر أو المطمور أو المستتر أي يطلب معنى المعنى، ومعنى المعنى ليس سوى الظاهر أو السطح أو الشكل أو التشكيل أو الدال وقد حجب نفسه وتحول إلى عمق أو لامرئي أو محتوى أو باطن "" ( [73]) . وهكذا يقرر أهل الباطن "" إعلم يا أخي أن لكل شيء من الموجودات في هذا العالم ظاهراً وباطناً فظواهر الأمور قشور عظام، وبواطنها لب ومخ … يستخلصها ذوو البصائر والأبصار، فيبين الله فضل المجتهدين على المقصرين، والمجاهدين على القاعدين "" ( [74]) .
فالجوهر عند الباطنية هو الباطن، هذا الباطن ليس سوى المغزى عند نصر حامد أبو زيد، ومعنى المعنى عند علي حرب، والجوهر عند العشماوي، والمقاصد عند الجابري، والحداثة عند أركون، والضمير عند عبد المجيد الشرفي، وهلم جرا .
ويقرر أهل الباطن "" إعلم أن للكتب الإلهية تنزيلات ظاهرة وهي الألفاظ المقروءة المسموعة، ولها تأويلات خفية باطنة وهي المعاني المفهومة المعقولة "" ([75]) وأيضاً : "" إن للقرآن معاني سوى ما تتداوله ألسنة العامة، مما يستنبطونه بحولهم وقوتهم من دون الرُّجعى إلى أهل الاستنباط ممن قال الله فيهم : } وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ[ ([76]) "" ([77]) .
ويجيب الصدى العلماني : "" فالقراءات المهمة للقرآن ليست هي التي تقول لنا ما أراد النص قوله، وإنما تكشف عما يسكت عنه النص أو يستبعده أو يتناساه، أي هي لا تفسر المراد بقدر ما تكشف عن إرادة الحجب في الكلام "" ([78]) .
2 – التواصل العملي التطبيقي :
وهكذا فقط أسقط الباطنيون كل عقائد الإسلام فوجود الله عز وجل عندهم أقرب إلى العدم إن لم يكن هو العدم ، فهو - سبحانه وتعالى - عندهم لا يوصف بأي صفة من الصفات حتى بالوجود، لأنه بائن عن خلقه سبحانه وتعالى في كل ذلك ولذلك "" فالأسماء والصفات منفية عنه تعالى وتكبر "" ([79]) . "" و كان متسبحاُ متعالياً أن يقع عليه إشارة مشير، أو يتجاسر نحوه خاطر بتوهم أو تفكير "" ([80]) .
وهم في نفيهم لوجوده سبحانه وتعالى ينكرون أنهم ينفون وجوده، وإنما يفعلون ذلك لقطع أي صلة تشابه بينه وبين المخلوقات وهم يقولون المبدع بدلاً من الموجود "" إنما قولنا المبدع تقريراً وتثبيتاً لوجود عالم الإبداع عن موجد لهم غير مدرَك ولا محسوس ولا متوهَّم ولا متفكَّر، بل هو موجود من جهة آثاره في إبداعه، وما ظهر من فعله في اختراعه "" ([81]) "" فالباري عز وجل بائن عن ذلك كله من أحوال خلقه غير موصوف بشيء منها، لا موجود غير عدم، ولا عدم غير موجود "" ([82]) .
وكل ما وصف به سبحانه وتعالى نفسه إنما هو للتقريب إلى الأذهان، لا أنها أوصاف حقيقية لله تعالى ([83]) "" فلا يقال عليه حي ولا قادر ولا عالم ولا عاقل ولا كامل ولا تام ولا فاعل، لأنه مبدع الحي القـادر العالم التام الكامل الفاعل، ولا يقال له ذات، لأن كل ذات حاملة للصفات "" ([84]) .
من الواضح هنا أن نفي وجود الله عز وجل يُسلك إليه طريق معقول ومقبول لدى كل مسلم هو التنزيه المطلق، والتنزيه المطلق هو غاية كل مسلم، ولكنه لا يتحقق بتخرصات العقل، وتأملاته وإنما يتحقق ذلك بالشكل الذي نزَّه الله عز وجل به نفسه، والله عز وجل وصف نفسه بصفات، من كمال التنزيه إثباتها بلا زيادة، ونفى عن نفسه أوصافاً من الواجب نفيها بلا زيادة، وكل طريق آخر يتم سلوكه يكون سالكه متألهاً على الله عز وجل، ومدعياً للعلم أكثر منه سبحانه وتعالى .
إن الخطاب العلماني يسير على خطا أسلافه الباطنية في هذه المسألة فالله عز وجل مفهوم بلا ما صدق ([85]) . ولا يمكن لأحد أن يتحدث عن الله، ولا يحق لأحد أن يتحدث باسمه، فإذا كان الله عز وجل عند الباطنية هو العقـل الكلي ( [86]) فهوعند العلمانيين المطلق "" الذي يتعذر على المنال، الله يتعالى على كل شيء، ولا يحق لأحد أن يتحدث باسمه، ولا يمكن للبشر أن يصلوا إليه بشكل مباشر، وإنما يقدمون عنه تصورات مختلفة بحسب العصور""( [87]) "" الأمل بالخلود، الأمل بالحرية، الأمل بالعدالة، الأمل بتصالح الإنسان مع ذاته، وهذا هو الله بالنسبة للعالم الحديث والتصور الحديث، وهذه هي صورته في مجتمع أوربي متقدم "" ( [88]) .
هكذا يجب علينا أن نتصور الله أسوة بالمجتمع الأوربي المتقدم، فلكي نكون متقدمين يجب أن نصوغ معتقدنا في الله بحسب " الموضة " وبناءً على آخر ما وصلت إليه الحداثة الأوربية، أما التصور السائد في المجتمع الإسلامي عن الله عز وجل فهو بنظر الخطاب العلماني تصور معين عن الله، وليس الله ذاته، إنه تصور "" مُشكَّل من شيئين : خطاب علماء الدين التقليديين + التركيبة السياسية القمعية "" ( [89]). أما ما يريده أركون عن الله فهو تصور مشكَّل من الخطاب الأركوني + التركيبة الحداثية الأوربية .
"" هكذا تجد أن تصورنا لله يختلف باختلاف المجتمعات والعصور، فإذا كان المجتمع منفتحاً متقدماً مزدهراً كان تصوره لله هادئاً سمحاً وديعاً، وإذا كان المجتمع يعاني من الفقر والجهل وهيمنة الأب القاسي أو الحاكم الجائر المستبد، فإن تصوره لله سوف يكون بالضرورة ضيقاً عنيفاً، قمعياً "" ([90]) الله هو التقدم، والحرية، والعدالة، والخبز، والتنمية، والرغيف، والحب كما يقول حسن حنفي ([91]) . وبذلك يصبح الإنسان هو الذي يصنع تصوره لله بحسب مستواه العقلي ومدركاته الذهنية، أما أن يكون للقرآن الكريم توجيه في هذا الشأن، وتعليم بهذا الخصوص، وهداية للإنسان إلى المعتقد السليم فيما يتعلق بالذات الإلهية وصفاتها فهو أمر لا يدخل مطلقاً في حسابات الخطاب العلماني .
هذا هو التأويل العلماني الغنوصي لعقيدة الألوهية، فماذا عن اليوم الآخر والغيبيات ؟ إنها نفس النتائج، بل ونفس العبارات لدى الطائفتين، فالغنوصيون يقولون بأن "" الثواب والعقاب في حق ماهيتهما من طريق الإعراب عنه ومعرفته سبيل منسد غير ممكن سلوكه إلا على المؤيدين، والمستطاع الممكن في ذلك كما قال موالينا عليهم السلام هو تشبيه الأمور المحسوسة بالمعايَن المعلوم … كما وصف الله تعالى نفسه في كتابه أولاً بالعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والرضى والسخط والغضب والرحمة وغير ذلك من الأمور المعلومة عندنا، ووصف الملائكة بالدعاء والتسبيح والتهليل، والقيام بما يُؤمرون، ووصف الموجودات في الجنة بالظل والمياه والأنهار والأشجار والثمار والرمان والأعناب والولدان … ووصف موجودات الجحيم بالنار والعذاب والآلام ... ومثل ذلك كله محسوس لا أن تلك الأمور المخَبر عنها كالمخَبر به، أو المخبَر به يدانيها بحال من الأحوال، بل هو تقريب على الأنفس وتعليم لها لتتقوى بمعرفة الأمثلة "" ([92]) . ويقول السجستاني "" لما كان قصارى الثواب إنما هي اللذة، وكانت اللذة الحسية منقطعة زائلة، وجب أن تكون التي ينالها المثاب أزلية غير فانية، باقية غير منقطعة، وليست لذة بسيطة باقية على حالاتها غير لذة العلم، فكان من هذا القول وجوب لذة العلم للمثاب في دارالبقاء"" ([93]). ويقول علي بن محمد الوليد "" ودار الثواب لا تغير فيها، فلا يمكن أن تكون لذاتهـا حسية لأن ما هو حسي متغير فاسد "" ([94]) .
أما النفخ في الصور في نظر الباطنية فهو إشارة إلى صاحب الدور السابع الذي يحصل في الوجود آخر دور ([95]) . وأما الساعة فإشارة إلى قائم القيامة وهو السابع من أئمتهم ([96]). وأما خلق عيسى من غير أب فهو التأييد والترقية إلى مقام النبوة من غير توسط أحد من البشر( [97]). وأما طوفان نوح عليه السلام وتفجير الأرض عيوناً، فهو تفجير العلم من الأئمة ([98]). وعقر الناقة هو مدافعة الحجج بالباطل ([99]). وإحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله هو إعادة الكفار إلى الإيمان ([100]) .
والسؤال هنا : هل تختلف هذه الهواجس الباطنية عن الهواجس العلمانية ؟
لقد اتجه الفريقان إلى تأويل العقائد الإسلامية، والمعجزات، والغيبيات، والقصص القرآني تأويلاً يلغي حقائقها، وينفي وقائعها وأصبح القرآن الكريم كتاباً آخر، بلغة أخرى يفهمها فقط أهل الباطن وأهل العلمنة .
هل يختلف قول الباطنية عن الغيبيات والعالم الآخر والمعجزات بأنها أمثال محسوسة لتقريب الصور المعقولة إلى الأذهان بالأمثلة حتى تطيق هذه المعاني وتستوعبها عن قول الخطاب العلماني بأنها تصوير فني وإبداع أدبي لا يراعي الحقيقة ولا يقصدها ( [101]). لا يختلف ذلك عن قول خلف الله ( [102]) بأن القرآن نزل على المعهود الذهني للعرب، والمستوى الثقافي لهم وإن لم تكن معتقداتهم حقيقية واقعية ([103]). ولا يختلف عن قول أركون([104]) بأن الجنة والنار من نتاج الخيال الشاعري لدى البدو ([105]). ولا يختلف عن قول أبي زيد بأن العقائد تصورات مرتهنة بمستوى الوعي أي أنها يجب أن تتناسب مع نمو العقل في كل طور من أطوار التاريخ فلذلك بنظره فإن صورة الله عز وجل في القرآن كملِك له عرش وكرسي وجنود هي صورة أسطورية ليست أكثر من شاهد تاريخي، يشهد على مستوى المعرفة والوعي آنذاك ([106]) .
أما حسن حنفي فإن وجود الله عز وجل بنظره يعني وجود الإنسان، والصفات الإلهية هي صفات إنسانية، والغيبيات وأمور الآخرة كلها تمثيلات فنية، وصياغات أدبية ( [107]) وهو ما اعتبره أبو زيد فهماً تنويرياً للعقائد ([108]) .
حتى ولادة عيسى عليه السلام من غير أب والتي أكد عليها القرآن، ودفع عنها شبهات المنكرين والجاحدين ]إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [ ([109]) والتي نفى الباطنيون ظاهرها -كما رأينا - لم ينس العلمانيون أن يتابعوهم عليها فقالوا بأنه لا يمكن لمريم عليها السلام أن تـنجب بدون رجل يأتيها كما تعتقد بعض المجتمعات المتخلفة شبه البدائية، وكما تعتقد بعض الأديان الكبرى القائمة إلى الآن ([110]).
هذا على مستوى العقائد والغيبيات، وأما على مستوى أركان الإسلام وفرائضه فقد تحلل الفريقان أيضاً من ذلك فقال الباطنيون بأن "" الحلال هو الواجب إظهاره وإعلانه، والحرام الواجب ستره وكتمانه، وأما الصلاة فهي صلة الداعي إلى دار السلام بصلة الأبوة في الأديان إلى الأمام، والزكاة إيصال الحكمة إلى المستحق، والصوم الإمساك عن كشف الحقائق لغير أهلها، والحج القصد إلى صحبة الأئمة، والإحرام الخروج من مذهب الأضداد، وأما الزنا فهو اتصال من غير شاهد "" ([111]) . أما الفرائض بالصورة التي يعرفها المسلمون فهي وضعت لتشغل الناس عن خلافاتهم وتبعدهم عن الفساد ([112]) . لا يختلف هذا التأويل الباطني عن التأويل العلماني فهما من مشناة واحدة، فالصلاة كما رأينا في الخطاب العلماني مسألة شخصية، مهمتها أنها تؤدي وظيفة الدمج الاجتماعي ( [113]) وتعوِّد العربي على الطاعة للقائد ([114])، وتغني عنها رياضة اليوغا ([115]). أما الزكاة فليست واجبة، وعلى كل حال فهي ليست كافية وإنما هي مرحلة أولى في طريق الانتقال إلى الشيوعية الشاملة ( [116]). والحج يغني عنه الحج العقلي أو الروحي([117]) .
وهكذا يمكن أن نؤكد الآن أن الغنوصية والعلمانية العربية بالإضافة إلى الهرمينوطيقا الغربية تتحالف جميعاً لكسر معنى الخطاب وتمييعه عن طريق فكرة الرمزية والعلامة التي تحدث عنها امبرتو إيكو كما أسلفنا، ويغدو النص والكلام عموماً فضاءً للإسقاط، وذريعة للأهواء، وتبريراً للآراء، وهو مستوى عبثي لا يحتاج إلى تعليق اللهم إلا التذكير بعبارة الإمام الغزالي رحمه الله التي علق بها على التأويلات التي تُخرج ذات الله وصفاته عن الوجود الحقيقي فقال : "" إن من ينكر نصاً متواتراً ويزعم انه مؤول ولكن ذِكْر تأويله لا انقداح له أصلاً في اللسان [ اللغة ] لا على بعد ولا على قرب، فذلك كفر وصاحبه مُكذِّب ، وإن كان يزعم أنه مؤول، مثاله ما رأيته في كلام بعض الباطنية أن الله تعالى واحدٌ بمعنى أنه يعطي الوحدة ويخلقها ، وعالم بمعنى أنه يعطي العلم لغيره ويخلقه، وموجود بمعنى أنه يوجد غيره ، وأما أن يكون واحداً في نفسه وموجوداً وعالماً على معنى اتصافه فلا . وهذا كفر صراح، لأن حمل الوحدة على إيجاد الوجدة ليس من التأويل في شيء، ولا تحتمله لغة العرب أصلاً ، ولو كان خالق الوحدة يسمّى واحداً لخلقه الوحدة لسُمّي ثلاثاً وأربعاً لأنه خلق الأعداد أيضاً ، فأمثلة هذه المقالات تكذيبات عُبر عنها بالتأويلات "" ([118]) إذن فما يسمونه تأويلاً هو في الحقيقة تكذيب يتلبس لبوس التأويل ولذلك "" لا يجوز التوقف في تكفير من يعتقد شيئاً من ذلك، لأنه تكذيب صريح لصاحب الشرع، ولجميع كلمات القرآن من أولها إلى آخرها ، فوصف الجنة والنار لم يتفق ذكره مرة واحدة أو مرتين ، ولا جرى بطريق كناية أو توسع وتجوّز، بل بألفاظ صريحة لا يُتمارى فيها ولا يُستراب ، وأن صاحب الشرع أراد بها المفهوم من ظاهرها، فالمصير إلى ما أشار إليه هذا القائل تكذيب وليس بتأويل فهو كفر صريح لا يُتوقف فيه أصلاً "" ([119]) .
3 – التواصل الشعوري التضامني :
إن هذا التواصل بين الغنوصية والعلمانية كما هو قائم على مستوى التنظير والتطبيق -كما رأينا - كذلك هو قائم على أشده على مستوى الشعور والتضامن، فنجد أن الخطاب العلماني يتبنى الاتجاهات الغنوصية في التاريخ الإسلامي ويرتمي في أحضانها، فالحلاج وابن عربيوالسهروردي وابن سبعين والشيرازي والتوحيدي كل واحد من هؤلاء نجد له متيَّماً في الخطاب العلماني يتبناه، ويتخذه مثلاً يحتذي به ويشيد بالاتجاه الغنوصي في فلسفته ( [120])، بل ويبرزه على أنه الفيلسوف التنويـري المضطَهد، المنـاهض للسلطة، والذي تتكـاتف السلطة وعلماؤها للتنكيل به وتصفيته ([121]). وتبرز الباطنية والغنوصية على أنها الفئة المستنيرة المجددة العقلانية "" المتحررة الليبرالية "" ([122]) ، " والمضطهدين نفسياً وأخلاقياً واقتصادياً من قبل السلطة والعلماء الرسميين ([123]) . أما أهل السنة الاتباعيين فيتحولون بنظر هذا الخطاب إلى مؤبِلسين " زنادقة " لأنهم يتهمـون الآخـرين بالزندقة فارتدت عليهم، وهم مندمجون غالباً في بوتقة الإسلام الرسمي السلطوي ([124]) .
هذه الثلة الباطنية الغنوصية – بنظر ورثتهم العلمانيين- كانت تمثل الثورة الثقافية في الإسلام لأنها تقوم على أن العقل قبل النقل، والحقيقة قبل الشريعة، والإبداع قبل الاتباع( [125]). وتُقدم الباطن على الظاهر لأن الحقيقة كامنة فيه ولأنه الأصل، فالعلاقة بين الظاهر والباطن "" لا تعني أن أحدهما هو عين الآخر، وإنما تعني أن الباطن هو الأصل، وأن الظاهر صورته، وكما أن الأصل لا يُفسر بالفرع، والسبب لا يُفسر بالنتيجة، فإن الباطن لا يُفسر بالظاهر، بل الظاهر هو الذي يُفسر بالباطن"" ([126]). ثم تطورت هذه الثورة الباطنية إلى نفي للنبوة الإسلامية، وإقامة نبوة على أنقاضها تتمثل بدين العقل([127]).
وبذلك تلتقي الغنوصية والعلمانية أخيراً عند محطة العقل، ولكنه العقل الغريزي( [128]).
المبحث الثاني
متاهة القراءة العلمانية " مراجعة نقدية "
تمهيد :
لقد كان فوكو ([129]) صادقاً بالفعل حين قال : "" لنترك جانباً المجادلات التي أثيرت حول البنيوية فهي لا زالت وبعد لأيٍ تعيش على أمجادها في مواطن يهجرها حالياً أولئك الذين يبذلون جهداً حقيقياً. إن ذلك الصراع الذي كان خصباً لن يخوضه اليوم سوى الممثلون الهزليون، والمتجولون " كذا " "" ([130]) . وأضيف : والمتسوِّلون .
إنها كلمة تعبر عن الواقع الحقيقي للعلمانيين العرب الذين يعيشون متجولين متسولين على موائد هجرها أهلها وتبين لهم عفنها وفسادها، ولا يزال مفكرونا هؤلاء يجترون مقولات دي سوسير ([131])، ودريدا ([132]) ، ورولان بارت ([133]) وسنبين ذلك من خلال النقاط التالية .
المطلب الأول – أزمة المصطلح العلماني :
إن المصطلح النقدي الحداثي في الغرب يستمد القدر الأعظم من دلالته من الخلفية الفلسفية الفكرية الغربية التي استمرت عدة قرون منذ ديكارت ([134]) وسبينوزا ([135])إلى هوسرل ([136]) وهايدغر([137]) مروراً بـ هيوم ([138]) وكانط([139]) وهيجل ([140]) ونيتشه، ولذلك فاستعارة المنظومة الحداثية الغربية بمصطلحاتها ودلالاتها المشحونة بتاريخها الفلسفي، وبتكوينها الاجتماعي والثقافي وإخراجها من دائرتها الدلالية وإسقاطها في بيئتنا العربية وعلى تراثنا الإسلامي، وعلى ثقافتنا المغايرة، يسبب كثيراً من اللبس والاضطراب والفوضى والعشوائية ([141]) .
وهذا ما نعيشه اليوم بالفعل حيث ذهب كل باحث يترجم ويستورد ويصطلح لنفسه حتى أصبحت أزمة الفكر اليوم أزمة مصطلحات، والحوار لم يعد مجدياً لأن كل المفكرين يتحدثون بلغات مختلفة، وبمصطلحات متباينة، فلم يعد بإمكان الباحث أن يتواصل مع غيره بالطريقة المجدية، لأن المصطلحات غير مضبوطة المعاني، وتحتمل المعنى ونقيضه، فليس بإمكان أحد أن يُـلزم أحداً شيئاً لأنه سيقول مباشرة : أنا لا أقصد هذا المعنى !! ويصح بذلك ما قاله ديكارت : "" .. يسمح لهم غموض المبادئ التي يستخدمونها بالحديث عن كل شيء بجرأة نادرة كما لو كانوا على علم تام بها، فإذا بهم يدافعون عن كل ما يقولونه بصددها ضد أمهر أعدائهم وأدقهم، دون أن يجد المرء وسيلة إلى إقناعهم "" ([142]) .
إن هذه صورة حقيقية لواقع العلمانيين العرب فتجدهم في مؤتمراتهم وندواتهم يتحدثون عن كل شيء، وتجد الواحد منهم وكأنه متخصص في كل شيء، فهو يجب أن يعقب على كل شيء، وليس من المهم أن يقول شيئاً، إنما المهم أن يقف ويتكلم ويلفت الأنظار إلى نفسه، أما ما يقوله فليس من الضروري أن يكون له معنى يلتزم به، فالمعنى مُرجَأ يتحدد بحسب ردود الفعل ، واللغة لا تعني شيئاً محدداً .
إن الغموض العلماني يتيح لهم قدراً كبيراً من المناورة والمراوغة، ولذلك كان الاستنجاد بالمنهج الغنوصي الرمزي لأنه يساعدهم على تشتيت الفكر، وخلط الحقائق . لقد عانى ديكارت كما يبدو من معاصريه كما نعاني اليوم من هؤلاء العبثيين الفوضويين الذين يقولون كل شيء، ولا يقولون شيئاً، وهو-كما يبدو– المأزق الذي يشير إليه برينتون عندما يتحدث عن المكابدة التي يعاني منها ممثلو عصر النهضة في ابتغاء كل ما هو فريد وعظيم ومتطرف، حتى برزت نزعة تسمى نزعة التأنق البلاغية المعروفة باسم euphnuism ونزعة الجونجورية - الأسلوب المتكلَّف ذو اللغة المعقدة والفكرة الغامضة - في مجال الأدب، فنتج عن ذلك أكداس من الحذلقة الثقافية والمعرفة الشاذة التي لا تدل على شيء ([143]).
وهو ما يعبر عنه فلوبير في خطاب أرسله إلى صديقه "لوي كوليه "عام 1852م "" إن ما يبدو جميلاً بالنسبة لي، ما أريد كتابته هو كتاب عن لا شيء، كتاب لا يعتمد على شيء، تتماسك أجزاؤه بقوة أسلوبه ... إن أفضل الأعمال هي التي تحتوي على أقل الموضوعات ""( [144]).
المطلب الثاني – المتاهة الغنوصية/ العلمانية اللانهائية :
إن التفكيكية التي ينطلق منها الخطاب الغربي ترفض الاعتراف بأي حقيقة للكون "" فكل حقيقة حاضرة "" ([145])، وتكرس مبدأ النسبية المطلقة في الفكر أولاً، معتمدة في ذلك على التلاعبات البلاغية النيتشوية بالألفاظ ( [146]). وهي في نزولها إلى اللغة تُنزِلُ معها نسبيتها وشكَّها الفلسفي، ولذلك كانت غاية دريدا تأسيس ممارسة فلسفية أكثر منها نقدية، يريد لفلسفته أن تتحدى أي ارتباط بمدلول نهائي وصريح، إنها لا تريد تحدي معنى النص فحسب، بل تطمح إلى تحدي ميتافيزيقا الحضور الوثيقة الصلة بمفهوم التأويل القائم على وجود مدلول نهائي .
والسبيل إلى ذلك هو فصل النص عن قصدية القائل لكي يكفَّ القراء عن التقيد بمقتضيات هذه القصدية الغائبة . والخلاصة أن اللغة تندرج عندئذ ضمن لعبة فلسفية متنوعة للدوال، فلا وجود لأي مدلول متعال، ولا ارتباط بين دال ومدلول، ولا يرتبط الدال بشكل مباشر بمدلول إلا ويعمل النص على تأجيله وإرجائه باستمرار، والانتقال إلى دال آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية بحيث لا يبقى إلا السلسلة الدالة المحكومة بمبدأ اللا متناهي . إنها "" المتـاهة اللا نهـائية الهرمسية "" ([147]) .
هـذه النسبية التي يحاول الخطاب العلماني دائماً أن يتذرع بضرورتها بسبب احتمالية اللغة، وبشريتها وتنوع المخاطبين، واختلاف عقولهم واتجاهاتهم وأفكارهم وميولهم، ليست في الحقيقة نابعة من اللغة، لأن اللغة في الغالب تحدد مرادها من خلال القرائن والسياق . إن النسبية المفروضة على اللغة هي نتاج لعصر الشك، ومجتمع الشك، إنه انفراط لعقد العالم فلسفياً قبل أن ينفرط لغوياً ([148]) . لقد نجحت التفكيكية في الهجوم والبعثرة والهدم نجاحاً ليس له نظير، ولكنها لم تقدم خياراً ذا قيمة ([149]) . وإذا كانت البنيوية فشلت في تحقيق المعنى، فإن التفكيكية نجحت في تحقيق اللامعنى ([150]) .
ولذلك كان جودسون مصيباً عندما قال معلقاً على مقال دريدا الذي اعتُبر بداية التفكيك "" إن بحث دريدا يُقنع القراء بأنهم لا يعرفون لغتهم، وأكثر من ذلك فكرهم، يجب أن تتم دراسة للغات النقد قبل أن يصبح لأي شيء نقوله حول الأدب معنى""( [151]) . ولكن جاك دريدا لا يبالي بذلك لأنه يعترف بأن التفكيك هو التخريب، ولكنه يعتبره تخريباً ضرورياً، لأنه ثورة على الفكر التقليدي ([152]) . ومن هنا لم يكن سورل مخطئاً حين قال عن دريدا بآ
أن "" لديه ميلاً مرضياً لقول أشياء خاطئة بشكل بديهي "" ([153]) .
والآن نحن كعرب ومسلمين لنا خصوصيتنا العقدية والثقافية، وأصالتنا الفكرية والحضارية فهل نحن مُلزمَون أو مضطرون إلى أن نتبنى لسانيات سوسير، أو بنيوية شتراوس أو تفكيكية دريدا ؟ لا يمكننا أن نقبل هذا التخريب الدريدي القائم على هدم المسلمات، والقفز فوق الثوابت، والانفلات من أي التزام، والتمرد على المحظورات ( [154]) .
وليس لنا أن نقبل الفوضى الدلالية القائمة على الرموز والعلامات، وفك الارتباط بين الكلام وقائله، من خلال التعويل على الرمز قبل الحقيقة، والباطن قبل الظاهر، وإن أمكن أن يُقبل هذا على مستوى الأدب والشعر والفن والإبداع، فإنه لن يُقبل باسم الفهم والتفسير والشرح، وإنما يمكن أن يُقبل على أنه إبداع متراكب وتجديد متراكم . ولكن أن يراد لهذه المناهج التخريبية - كما يعترف أهلها - أن تصبح قواعد لفهم أصولنا وقرآننا وتراثنا فإن هذا نوع من الخطل المعرفي الذي يجب علينا أن نترفع عنه .
إن الغاية من قراءتنا لكتاب الله عز وجل هي الفهم أولاً، والعمل ثانياً، والتعبد ثالثاً . أما في الأدب والفن فليس الفهم هو المهم، وإنما النقد والاكتشاف، أصبح المنهج والطريقة هما الغاية أما الفهم والتفسير بحد ذاته فليس مطلباً . إن الغاية هي إظهار القارئ لقدرته وبراعته في التعامل مع النص والعبث به ([155]) .
إن الواقع الثقافي العربي والإسلامي يرفض هذا الترف بل العبث الفكري، يرفض أن تنسحب مظلة الحداثة بمفاهيمها الغربية ومدارسها ومشاريعها وإفرازاتها النقدية على تفسير النصوص الدينية بالذات، لأن ذلك يعني في مفهوم البنيوية أو التفكيك القول باللانص، أو اللعب الحر للغة بمفهوم دريدا ([156]) .
المطلب الثالث – التناظر والعلامة والمواضعة الاجتماعية :
تستند العلمانية العربية في قراءتها للقرآن الكريم على أصلين هما : الغنوصية، والهرمينوطيقا ، وكلتاهما - كما رأينا - تقومان على العلامات والرموز، وتعتبران الرمز أو العلامة دلالة إيحائية يمكن أن تثير فيمن يتعامل معها علامات ودلالات أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية، وهي ما أسماها إمبرتو إيكو " المتاهة الهرمسية اللامتناهية " ([157]) .
ولكن العلامة تختلف في الفن عنها في الأعمال الأخرى، لأن العلامات في الفن يمكن أن لا تشير إلى شيءٍ محدد في الواقع بل تشير إلى مجموع الظروف التي يُراد التعبير عنها، فالذي يميز الفن عن اللافن هو نوعية المُشار إليه، فبينما تكون العلامات خارج الفن علامات عامة محددة بارتباطها بمُشار إليه بعينه، فإن العلامة في إطار الفن لا تخضع لمثل هذا التحديد، من هنا تأتي المرونة الدلالية في إطار الفن أو الشعر أو الأدب، وقابلية العلامة لأن تصلح للإشارة إلى أكثر من مشار إليه واحد ([158]) . معنى ذلك أن العمل الفني عمل مفتوح لا بد فيه من التأويل لأنه في أصله عمل يهدف إلى إثارة تأويل ([159]). أما النصوص الأخرى فليست دائماً كذلك، ولا يمكن اعتبارها دائماً مثيرة للتأويل، لأن للنص أبعاداً اجتماعية وثقافية ونفسية تحدد مراد النص، إن كتاباً مثل " كفاحي " لهتلر لا يمكن لأحد أن يُنكر أنه معاد للسامية، فهل يمكن للتفكيكية أن تثبت أن هتلر كان محباً للسامية ؟ ( [160]) .
وهذا ينفي المقولة التفكيكية والعلمانية القائلة بأن النصوص بُنى مأزقية غير قابلة للتصديق إطلاقاً، وينفي القول بأن اللغة نسبية بشكل مطلق، لأن تنوع النصوص وسياقاتها التاريخية والمعرفية ودلالاتها الحافّة وقرائنها المحدقة تجعل هذه المقولة خاطئة تماماً، فمن ذا الذي يمكنه القول إلا مكابراً إن القرآن الكريم يدعو إلى التثليث أو يعترف بالوثنية ؟! .
إن الاعتماد على قدرة العلامات والرموز على الإيحاء، والانتقال من حد إلى حد، وانتشار الإيحاءات بشكل توالدي أو سرطاني ([161]) لا يمكن أن يخضع لأية معايير تضبطه، وبالتالي فلا قيمة له، لأن ذلك خاص بكل شخص وما يكتنزه في ذاكرته أو خياله من مشابهات، وما يعقده في نفسه من تناظرات .
وعندما يُطلَق العنان لآليات التناظر فلا شيء يمكن أن يوقف هذه الآلية، فالصورة والمفهوم والحقيقة التي يتم الكشف عنها من خلال المماثلة تتحول هي الأخرى إلى علامة تحيل على تناظر جديد([162])، لأن أيَّ شيءٍ يمكن أن تكون له من زاوية ما علاقة تناظر أو تجاور أو مماثلة مع أي شيءٍ آخر ([163]) .
إن العلامة حتى يتم تمييزها كأي شيء يجب أن يكون لها شكل مميز ووظيفة مميزة تجعلها تختلف بشكل واضح عن العلامات الأخرى . فالقول بالعلامة الحرة التي تلعب إلى ما لا نهاية وبلا حدود ضد العلامات الأخرى يعني تخيُّل علامة ليس لها صفة محددة على الإطلاق، أي علامة ليس لها شكل أو وظيفة خاصة بها . إن هذا لا ينتج معنى أكثر ثراء كما يحلو للمدافعين عن هذا الموقف أن يعتقدوا، بل لا معنى على الإطلاق . إن علامة لا يمكن تحديدها بشيء معين لا تدل على شيء على الإطلاق . إن الغموض في العلامات يولِّد اختزالاً للمعنى وليس زيادته، والغموض الكامل واللاتحديد الكامل للتدليل هو النقطة التي نصل عندها إلى صفر الدلالة ([164]) .
وما يقوله دريدا من أن للعلامة الحق في أن تحدد قراءتها حتى ولو ضاعت اللحظة التي أنتجتها إلى الأبد، أو جَهلت ما يود كاتبها قوله ([165]) فهو كلام فارغ أقل من أن يُلتفتَ إليه، لأن المجموعة البشرية عندما تتفق على تأويل ما فإنها تنتج مدلولاً، إن لم يكن موضوعياً فهو مُفضَّل على أي تأويل آخر يفتقر إلى إجماع أو تواطؤ مجموعة بشرية ( [166]).
بعبارة أخرى : إن إجماع أهل الاختصاص والخبراء هو الذي يُثبِّت للكلمة و للعلامة معناها الحقيقي ويذود عنها المعاني الطفيلية، وكون الكلمة أو الرمز أو العلامة توحي بمعاني أخرى، أو تستدعي في ذهن قارئها أشياء أخرى لا يعني أنها تفقد دلالتها الحقيقية الأولى، فكون الأم تذكر بالابن أو العكس لا يعني أن الأم لا تعني الأم، إن ما تدل عليه كلمة الأم هو الأم وحدها، وكون الشيء بالشيء يُذكر لا يعني أنهما شيءٌ واحدٌ ([167]) .
إن الدلالة لابد أن تستند إلى صبغة مؤسسية اجتماعية، بمعنى أنها لا توجد إلا في مجتمع يستعملها . إن الاتفاق والتواطؤ الاجتماعي هو الذي يعطي الدلالات معانيها ([168])، ومن هنا "" فالمس بمقدسات اللسان عبر إعادة توزيع مقولاته النحوية، وتغيير قوانينه الدلالية يعني أيضاً المس بالمقدسات الاجتماعية والتاريخية "" ([169]) .
المطلب الرابع – التناظر والانتقال المزيف :
لقد أعدنا مراراً الحديث عن مفهوم العلامة والرمز والتناظر لأنه مدخل أساسي يعتمد عليه الخطاب العلماني في قراءة النصوص والتراثات البشرية عموماً، وهو الجسر الذي يتواصل من خلاله العلمانيون والغنوصيون وقد تجلى ذلك بشكل خاص في البحوث التأويلية والأسطورية التي اشتغل عليها الخطاب العلماني .
إن كل الأوهام والتهوسات التي تفوه بها القمني ([170]) والربيعو ([171]) وأركون وغيرهم من ربط بين الإسلام من جهة والأساطير والوثنيات القديمة من جهة ثانية قائم على هذه الآلية الهرمسية الغنوصية آلية التناظر المطلق والتماثل العبثي، فمثلاً إن إعادة هبل إلى بعل، ومكة إلى مقة، وإساف إلى يوسف، وقيس إلى أربكسد أو كاسي، والفلسطينيين إلى السلفات، والكروبيم إلى البراق ..الخ هو من هذا القبيل التناظري الهوسي الذي لا يستند إلا على إرادة التحريف وإرادة التقويل التي يتمتع بها الباحث ([172]) .
إن هذا التناظر الذي يتحدث عنه القمني وغيره من الأسطوريين يستند إلى مبدأ هرمسي يسميه إمبرتو إيكو "" مبدأ الانتقال المزيف "" ووفق هذا المبدأ فإن أي تشابه بين أي شيئين يمكن أن يتم الانتقال منه إلى علاقة أخرى، ومن ذلك أنه اكتُشف ذات يوم أن النبتة التي تحمل اسم السحلبية لها بصلتان كرويتان تشبهان الخصيتين، وانطلاقاً من هذه المماثلة الشكلية " المورفولوجية " تم الانتقال إلى المماثلة الوظيفية فأشاع الغنوصيون أن السحلبية لها مفعول سحري على الجهاز التناسلي .
إلا أن الأمر لم يكن كذلك فقد شرح بيكون هذا الأمر، فامتلاك السحلبية لبصلتين آتٍ من كون بصلة جديدة تنمو كل سنة بجانب البصلة الأولى، وبينما تكبر البصلة الأولى فإن البصلة الثانية تضمحل، وهكذا يمكن للبصلتين أن تكونا شبيهتان بالخصيتين، إلا أنه لا صلة لهما بالخصوبة الجنسية، وبما أن القرابة يجب أن تكون من طبيعة وظيفية وليست شكلية، فإن التناظر في هذه الحالة سيسقط من تلقاء نفسه، وهكذا فالعلاقة الشكلية لا يمكن أن تكون شاهداً على علاقة من نوع وظيفي ([173]) .
هذا الانتقال الغنوصي المزيَّف هو الذي يمارسه القمني وثلة الأسطوريين في كل دراساتهم، ومعلوم أنه لا يوجد شيئان إلا ويمكن أن يتشابها من زاوية من الزوايا إما من حيث السلوك أو من حيث الشكل، أو من حيث الزمن، أو السياق، أو الوظيفة، فالأساس في التناظر الغنوصي هو شكل القرابة وليس الدليل أو المقياس عليها، وإذا أُطلق العنان لآلية التناظر العبثي بهذا الشكل فلا شيء يمكن أن يوقفها، فالصور والمفاهيم والحقائق التي يتم الكشف عنها من خلال المماثلة تتحول هي الأخرى إلى علامات تحيل إلى تناظر جديد، وهكذا إلى ما لا نهاية . مرة أخرى إنها "" المتاهة الهرمسية "" ([174]) .
الخاتمة
في نهاية هذا البحث لعلنا نستطيع أن نؤكد على النتائج الآتية :
· إن نظام اللغة وبالتحديد التأويل هو المبدأ الأساسي الذي تلتقي فيه كلٌّ من الغنوصية والعلمانية، فالأصل في الكلام لديهم أنه رموز وإشارات وإيحاءات تخفي عكس ما تبديه، وتضمر خلاف ما تظهره . فكلتا الطائفتين تعوِّل على التأويل وتَعدُّه الأساس في فهم الكلام .
· وإذا كان الغنوصيون يفهمون النصوص دائماً على أساس أن لها ظاهراً وباطناً فكذلك العلمانيون، ولكن الاختلاف في المصطلحات فقط، فالظاهر عند الغنوصيين هو المعنى عند العلمانيين، أو الجسد، أو البنية أو الشكل، أو القالب حسبما يخطر في بال أحدهم أن يعبر، بينما الباطن عند أولئك يساوي المغزى عند هؤلاء أو الروح، أو المقصد، وفي كلا المنهجين يتم تجاوز سياق النص العام والخاص وسباقه وقرائنه ليصل القارئ إلى مراده من النص، وليس إلى مراد النص منه .
· وإذا كانت المقدمات متساوية فالنتائج كذلك في الغالب، وهو ما نلاحظه في مآل المنهج الغنوصي / العلماني حيث اتجه الفريقان إلى تأويل العقائد الإسلامية والمعجزات والغيبيات والقصص القرآني تأويلاً يلغي حقائقها، وأصبح القرآن الكريم مجموعة طلاسم وألغاز لا يفهمها إلا أهل الغنوص وأهل العلمنة .
· وبالتأكيد فإن هذا التماهي المنهجي التنظيري بين الفريقين والمؤيَّد بجسور عملية تطبيقية اتخذ بُعداً تحالفياً مدعوماً بأعماق شعورية تضامنية مناهضة لسلفية أو سنية أهل السنة والجماعة، هذه الفئة التي عُدَّت لدى الفريقين الغنوصي / العلماني فئة اتباعية سلطوية تكرس الجهل والتخلف والظلم والاستبداد، ولا بد من الخلاص منها – بنظرهم – عن طريق ثورة ثقافية تنويرية تتمثل بدين العقل .
· وقد اتخذت الرغبة الجامحة لدى الفريقين للتخلص من الفهم السلفي أو السني للقرآن الكريم مسلكاً واحداً هو التلفيق المنهجي، والتنميق الخطابي عبر التجوال المتواصل بين فلسفات وخطابات مختلفة شرقية وغربية وانتقاء ما يمكن إسقاطه على نصوص القرآن الكريم من مفاهيم إن لم تلغ المفاهيم السلفية المستقرة فإنها على الأقل سوف تشوش عليها .
وكانت من أبرز هذه المحاولات هي الطعن في مفهوم التخاطب، وتمييع وظيفة اللغة، ورفض فكرة الحقيقة والظاهر، والسعي المستمر إلى تشتيت المعنى إلى درجة تأصُّل اللامعنى، وتمزيق جسد النص إلى أشلاء متناثرة، وبعثرة المصطلحات، وخلط المفاهيم، حتى يصبح من الممكن استخدام أي شيء لأي شيء، وبهذا الشكل فإن حقيقة النص تضيع في وسط الركام، ومقاصده تندثر وراء الأشلاء، وتصبح كلمات النص ومفرداته أشبه بأحجار الشطرنج كلما كان اللاعب ماهراً كلما كان قادراً على تحقيق الفوز .
وهكذا فقد استند الفريقان في هذه اللعبة على قوانين غير ملائمة لبنية النص، ولا مراعية لوظيفته ومهمته، لأنها مستقاة من أصول مختلفة، والقرآن الكريم يلفظها كما يلفظ الجسدُ المعافى عبر مناعته الذاتية الجرثومةَ الغريبة إذا ما أرادت أن تتسلل إلى بنيته .
إنه لمن المؤلم جداً أن نلاحظ الإصرار لدى الحلف العلماني / الغنوصي على جرنا إلى متاهة مظلمة مجهولة باسم التنوير والتحرير في الوقت الذي نرى فيه أمامنا طريقاً مُعبَّداً مُنوَّراً يحتاج منا فقط أن نحثّ الخُطا فيه .
وأخيراً : لا بد أن ألفت النظر إلى أن هذه الدراسة هي دعوة لمتابعة البحث في هذه الزاوية فهناك أبعاد أعمق يمكن اكتشافها، وآفاق أوسع يمكن ارتيادها، وليس هذا المقال إلا نواة لاكتناه الحقل الرمزي والغموضي بشكل عام، والبحث عن الصلات المجدولة بين التيارات الرمزية المختلفة كالأفلوطينية والقبالة اليهودية وأوجه التأثير والتأثر بينها وبين الفكر الإسلامي من جهة وبينها وبين الخطاب العلماني من جهة أخرى .
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) للتواصل مع الباحث : ahmad_altan@maktoob.com جامعة دمشق – كلية الشريعة .
([2])الهرمسية لفظة أطلقت في الأصل على الكيمياء السحرية لاعتقاد اليونان أن هرمس هو مبدع هذا العلم الخاص بنخبة قليلة من نوابغ الفلاسفة ، ومن هنا اتسع مدلول الكلمة فشمل كل علم أو فن لا يدرك سره إلا الموهوبون من البشر . وأم أدبيا : فقد تضمنت الكلمة معنى الإغلاق والإبهام والغموض وفرضت على القارئ التآلف القسري مع عالم خفي من الصور والأفكار ، عالم سحري يحتفظ الأديب بسره . انظر : جبور عبد النور " المعجم الأدبي " ط 1 / 1979 دار العلم للملايين ص 286 . وانظر : د. كميل الحاج " الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي " مكتبة لبنان ناشرون \ ط 1 / 2000 م ص 630 .
ملاحظة : الهرمسية والغنوصية تتماهيان في مبادئ جوهرية هي : النخبوية أي أن علومهما خاصة بنخبة متميزة من البشر والغموضية : أي أنهما تعولان كثيراً على الحدس والرموز والأسرار .
[3] الأفلوطينية نسبة إلى أفلوطين 205 – 270 م وهو فيلسوف مثالي ولد في مصر وعاش في روما وقد ضاعفت تعاليمه من نزعة التصوف في فلسفة أفلاطون ، وعنده عملية تطور العالم تبدأ من الإلهي الذي لا يمكن الإحاطة به والتعبير عنه وموضوع الحياة الإنسانية عند أفلوطين هو الصعود إلى الواحد ويمكن تحقيق هذا بنظره بتقييد الميول الجسدية وترقية الميول الروحية وقد كان لفلسفته دوراً كبيراً في تطوير الفكر الصوفي الجدلي . انظر : " الموسوعة الفلسفية " بإشراف روزنتال – يودين – ترجمة سمير كرم – دار الطليعة –بيروت ط2 / 1980 ص 42 .
([4]) الغنوصية شيعة دينية فلسفية متعددة الصور ، واللفظ اليوناني " غنوسيس " يعني معرفة ، فمبدؤها أن العرفان الحق ليس العلم بوساطة المعاني المجردة والاستدلال كالفلسفة ، وإنما هو العرفان الحدسي التجريبي الحاصل عن اتحاد العارف بالمعروف ، وأما غايتها فهي الوصول إلى عرفان الله عز وجل على هذا النحو بكل ما في النفس من قوة حدس وعاطفة وخيال ، وتعد مريديها بكشف الأسرار الإلهية وتحقيق النجاة . وأصول هذا المذهب أفلاطونية ، لأن أصحابه أفلاطونيون في جملتهم انظر : يوسف كرم " تاريخ الفلسفة اليونانية " مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة ط2 / 1946م / ص 244 ، 245 وانظر : الجابري " بنية العقل العربي " ص 258 المركز الثقافي العربي – بيروت – ط 2 / 1991والغنوصية هي التي يطلق عليها الجابري " العرفان " و " العرفانية " والغنوصية والهرمسية " نسبة إلى هرمس " المثلث بالحكمة " كما هو شائع في المؤلفات العربية الإسلامية انظر : الجابري " تكوين العقل العربي " ص 155 المركز الثقافي العربي – بيروت – ط 4 / 1991 ومبروكة الشريف جبريل " الخطاب النقدي في المشروع النهضوي العربي . العروي والجابري نموذجاً " رسالة دكتوراة مقدمة في شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس – جامعة محمد الخامس – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط – 1997 / ص 346 والغنـوصية والهرمسية تسيران في نفس الاتجـاه العرفاني انظر : الجابري السابق نفسه . وانظـر : إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ترجمة : سعيد بنكراد – المركز الثقافي العربي – بيروت ط 1 / 2000م ص 15 ، 37 .
([5]) انظر : بول ريكور " من النص إلى الفعل " ترجمة : محمد برادة وحسان بورقية – عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية – القاهرة – ط 1 / 2001م / ص 85 .
([6]) نقلاً عن خالد السعيداني " إشكالية القراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر . نتاج محمد أركون نموذجاً " بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحضارة الإسلامية – الجامعة التونسية – جامعة الزيتونة – المعهد الأعلى لأصول الدين 1998م / ص 64 يحيل إلى مصادر أجنبية . يميز بول ريكور بين الهرمينوطيقا العلمانية والهرمينوطيقا الدينية ، أو الهرمينوطيقا الفلسفية والهرمينوطيقا التوراتية الأولى تذهب من القطب الفلسفي إلى القطب التوراتي ، أما الثانية فهي هرمينوطيقا إقليمية مقارنة مع نظيرتها الفلسفية ، ويمكن اعتبار الهرمينوطيقا التوراتية أو الدينية تابعة للأولى ، وبذلك تكون هرمينوطيقا تطبيقية انظر : بول ريكور " من النص إلى الفعل " مصدر سابق ص 91 ، وله " إشكالية ثنائية المعنى " مقال في مجلة الهرمينوطيقا والتأويل تصدر عن ألف في الجامعة الأمـريكية بالقاهرة – ترجمة فريال جبوري غزول ص 137وهناك الهرمينوطيقا الرومانسية وهي هرمينوطيقا ديلتاي ومعارضي البنيوية انظر : ريكور " من النص إلى الفعل " ص 86 ويسميها البعض هرمينوطيقا عامة وأخرى مقدسة الأولى تضع قواعد عامة لتفسير أي نص ، والثانية تضع القواعد الخاصة لتفسير النصوص الدينية والكتب المقدسة وحدها . انظر : حسن حنفي " قراءة النص " ص 10 مقال ضمن مجلة " الهرمينوطيقا والتأويل " المشار إليها قبل قليل .
([7]) انظر : أبو زيد . نصر حامد " إشكاليات القراءة وآليات التأويل " المركز الثقافي العربي – بيروت ط 4 – 1996 / ص 13 وانظر له : " الخطاب والتأويل " المركز الثقافي العربي – بيروت ط 1 – 2000م / ص 173 . وانظر : د . عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " دار الشروق – القاهرة – ط 1 – 1999م / مجلد 1 / ص 88 .
([8]) شلاير ماخر فيلسوف ألماني ت: 1843 م يعد عند بعض الدارسين نقطة تحول في مجال الهرمينوطيقا وذلك بنقلها من الحقل الديني إلى الحقل الفلسفي والأدبي .
([9]) انظر : خالد السعيداني " إشكالية القراءة " مصدر سابق ص 64 ويحيل إلى بعض المصادر الأجنبية وانظر : د. المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " مصدر سابق 1 / 88 .
([10]) انظر : السابق ص 66 . وانظر : د. عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " مصدر سابق 1 / 88 .
([11]) بول ريكور فيلسوف وعالم لسانيات فرنسي معاصر ولد سنة 1913 م ، اشتغل في حقل الاهتمام التأويلي ومن ثم بالاهتمام بالبنيوية، وهو امتداد لفريديناند دي سوسير. يعتبر ريكور رائد سؤال السرد. أشهر كتبه (نظرية التأويل - الخطاب وفائض المعنى - / من منشورات جامعة تكساس المسيحية عام 1976 ) . نقلاً عن هذا الرابط :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%88%D9%84_%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%88%D8%B1
([12]) انظر : بول ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " مقال له ضمن الهرمينوطيقا والتأويل تصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة ص 139 . alle-gorie أليغوري تعني : قول شيء عبر شيء مغاير .
([13]) بولتمان، رودلف كارل (1884-1976)، كان لاهوتياً بروتستانتياً وعالم في العهد الجديد. تعلم في جامعة ماربرج، توبنجين، وبرلين، وشغل وظائف أكاديمية في العديد من الجامعات. ساعد بولتمان في تطوير مدرسة نقد الشكل، ومناهج دراسة الكتب المقدسة. أهم أعمال بولتمان تشمل: يسوع والعالم، يسوع المسيح وعلم الأساطير، المعرفة الروحية، والمسيحية البدائية في أوضاعها الحالية. نقلاً عن هذه الصفحة :
http://216.212.98.66/arabic/verdict/book/41.html
([14]) وهي الطريقة نفسها التي يحاول الخطاب العلماني عموماً وأركون خصوصاً أن يطبقها على النص القرآني ، والأساطير المراد تحطيمها هي كل ما لا يقبله العقل العلماني من أمور الغيب .
([15]) فرويد هو سيجموند فرويد 1856 – 1939 م طبيب وأخصائي أمراض عصبية وعقلية نمساوي ينظر إلى النشاط العقلي والتاريخي والاجتماعي على أنه نتاج للقوى النفسية اللاشعورية الجنسية . انظر الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين - ترجمة سمير كرم ط2 / 1980 م – دار الطليعة – بيروت ص : 331 .
([16]) كارل ماركس 1818 – 1883 م فيلسوف ألماني مؤسس الفلسفة الماركسية والاتجاه الشيوعي في العالم ، وصاحب نظريتي المادية الجدلية والمادية التاريخية . السابق نفسه .
([17]) فريديريك نيتشه 1844 – 1900 م . فيلسوف ألماني مثالي ورائد للإيديولوجية الفاشية وأستاذ فقه اللغة في جامعة بال بسويسرا وقد سيطرت على نظريته العامة للعالم الكراهية، أهم أعماله : هكذا تكلم زرادشت – فيما وراء الخير والشر – إرادة القوة . السابق نفسه ص 553 .
([18]) انظر : بول ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " ص 139 ، 140 وانظر : له أيضاً " من النص إلى الفعل " ص 101 . وانظر : نصر حامد أبو زيد " إشكاليات القـراءة " ص 44 ، 45 . مصادر سبقت بياناتها .
([19]) انظر : ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " ص 141 . مصدر سابق .
([20]) انظر : السابق ص 143 .
([21]) انظر : السابق ص 146 .
([22]) انظر : السابق ص 144
([23]) انظر : السابق ص 145 .
([24]) انظر : السابق ص 146 .
([25]) انظر : بول ريكور : من النص إلى الفعل " ص 38 . سبقت بياناته .
([26]) انظر : السابق نفسه .
([27]) السابق ص 58 .
([28]) السابق ص 160
([29]) السابق ص 116 .
([30]) الهوية الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق انظر : للجرجاني " التعريفات " حققه : إبراهيم الأبياري – دار الريان للتراث – القاهرة – د. ط و د. ت / ص 320 وللمناوي . محمد عبد الرؤوف " التوقيف على مهمات التعاريف " حققه : محمد رضوان داية – دار الفكر – دمشق – ط 1 – 1410 هـ / ص 744 وقال ابن حزم : "حد الهوية هو أن كل ما لم يكن غير الشيء فهو هو بعينه إذ ليس بين الهوية والغيرية وسيطة يعقلها أحد البتة فما خرج عن أحدهما دخل في الآخر . انظر : ابن حزم . علي بن أحمد " الفصل في الملل والأهواء والنحل " حققه : د. محمد إبراهيم نصر – عبد الرحمن عميرة – دار الجيل – بيروت د. ط و د. ت مجلد 2 / ص 107 . والهوية كمبدأ فلسفي تعبر عن ضرورة منطقية بعينها فهي تؤؤكد أن الموجود هو ذاته دوماً لا يلتبس به ما ليس منه فهو عين ذاته ، فالشخص هو هو مهما اعتراه من تغيرات . انظر : الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي مكتبة لبنان – ناشرون ط1 / 2000 م . ص : 642 .
([31]) قانون منطقي لا تكون بمقتضاه القضيتان أ أو لا أ صادقتين في الوقت نفسه وقد جاءت الصياغة الأولى لمبدأ عدم التناقض على يد أرسطو ويمكن صياغة هذا القانون على النحو التالي : القضية أ لا يمكن أن تكون صادقة وكاذبة في نفس الوقت . انظر : الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين – ترجمة سمير كرم ط2 / 1980 دار الطليعة – بيروت . ص : 372 .
([32] ) قانون في المنطق بمقتضاه تكون قضية من بين قضيتين تنفي إحداهما ما تؤكده الأخرى صادقة بالضرورة . وكان أرسطو أول من صاغ هذا القانون والتعبير الرمزي له هو : أ أو لا أ وهكذا .. وبعبارة أخرى إما أن أ هي ب أو هي ليست ب ولا يوجد احتمال ثالث ، وغالباً ما يستخدم قانون الثالث المرفوع في عملية البرهان كقاعدة الأضداد مثلاً . انظر : الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين – ترجمة سمير كرم ط2 / 1980 دار الطليعة – بيروت . ص : 370 .
([33]) انظر : امبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 28 - 29 . سبقت بياناته .
([34]) قارن هنا مع الهرمينوطيقا في السعي للوصول إلى ما لا يقوله النص من خلال ما يقوله وفكرة الفراغ وما بين السطور ، كما لا ننسى الوظيفة الأليغورية للغة عند بول ريكور " قول شيء من خلال قول شيءٍ آخر " كذلك التركيز الفرويدي الهرمينوطيقي على الأحلام والنفس الأمارة . كل ذلك يعتبر وشائج تواصل بين الهرمينوطيقا والغنوصية .
([35]) انظر : السابق ص 31 .
([36]) انظر : امبرتو إيكو "السابق " ص 32 .
([37]) انظر : السابق ص 33 .
([38]) انظر : السابق ص 33 .
([39]) امبرتو إيكو : روائي، سيميائي، لغوي، إيطالي ولد عام 1932 م في بيمونت، لم يكف عن اطفاء شارته الحمراء، فارضاً نفسه كسيد السيميوطيقا بلا منازع، والنجاح الروائي لروايات، مثل: (اسم الوردة) - أكثر من عشر ملايين نسخة - لم يبعده عنها. من رواياته " بندول فوكو" و " جزيرة اليوم السابق" و " بودولينو" . من نصوصه النقدية: - النص المفتوح - السيميوطيقا وفلسفة اللغة - وحدود التأويل . المصدر :
http://www.halfmoon-sa.com/forum/printthread.php?t=4379
([40]) انظر : السابق ص 42 .
([41]) انظر : السابق ص 37 .
([42]) انظر : الجابري " بنية العقل العربي " ص 297 ، 322 وانظر : مبروكة الشريف " الخطاب النقدي .. " ص 367 . مصادر سابقة .
([43]) انظر : إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 55 . مصادر سابقة .
([44]) انظر : السابق ص 118 - 119 .
([45]) انظر : السابق ص 121 .
([46]) انظر : السابق ص 57 .
([47]) انظر : السابق ص 123 .
([48]) انظر : عارف تامر " مقدمته لكتاب أساس التأويل " ص 15 للقاضي النعمان بن حيوة المغربي – قاضي قضاة الدولة الفاطمية ت : 363 هـ تحقيق وتقديم : عارف تامر – دار الثقافة – بيروت – لبنان ، د ، ط / د ، ت.
([49]) مقدمة عارف تامر " السابق بياناته " ص 16 .
([50]) كما رأينا سابقاً عند نصر حامد وتيزيني وغيرهم .
([51]) مقدمة عارف تامر " السابق " ص 17 . مصدر سابق
([52]) انظر :محمود محمد عبد الحميد " مذهب التأويل عند الشيعة الباطنية " ص 163 رسالة دكتوراة – دار العلوم رقم 866.
وانظر : أيو طالب حسنين . السيد علي " التأويل في مصر في الفكر المعاصر " رسالة دكتوراه- قسم العقيدة والفلسفة – كلية أصول الدين – جامعة الأزهر / ص 91 وينقل القاضي عبد الجبار عن الباطنية " فقالوا : إن القرآن له ظاهر وباطن " تنـزيل وتأويل " عبد الجبار . القاضي عماد الدين أبي الحسن بن أحمد " المغني في أبواب التوحيد والعدل " تحقيق نخبة من العلماء – مراجعة د. إبراهيم مدكور _ إشراف : طه حسين – المدرسة المصرية العامة للتأليف والنشر – الدار المصرية للتأليف والترجمة – القاهرة 1960 - مجلد 16 / ص 363 - 366 .
([53]) انظر : د . صابر طعيمة " العقائد الباطنية " ص 12 ينقل عن مخطوطة لجعفر بن منصور بعنوان " الشواهد والعيان " الخزانة التيموريية عقائد ص 184 وجعفر بن منصور أحد الباطنية وانظر : السيد علي أبو طالب حسنين " التأويل في مصر في الفكر المعاصر " ص 90 . مصدر سابق
([54]) سورة مريم آية 43 .
([55]) انظر : القاضي النعمان بن حيون " أساس التأويل " تحقيق وتقديم : عارف تامر – دار الثقافة – بيروت د. ط د. ت / ص 118 .
([56]) سورة هود آية 40 .
([57]) انظر : القاضي النعمان بن حيون " السابق " ص 83 والأساس هو إمام الزمان .
([58]) سورة هود آية 43 .
([59]) انظر : السابق ص 84 .
([60]) سورة هود آية 43 .
([61]) انظر : السابق ص 85 .
([62]) سورة هود آية 44 .
([63]) انظر : السابق ص 85 .
([64]) ابن حيون أو ابن حيوة (340 - 389 هـ = 951 - 999 م) محمد بن النعمان بن محمد القيرواني الافريقى، أبو عبد الله، المعروف بابن حيون: قاضى مصر، وأحد كبار العلماء من أنصار مذهب الفاطميين. له اطلاع على الادب والتاريخ . ولد ونشأ في القيروان، وقدم القاهرة فولي قضاءها (سنة 374 هـ ) وخلع عليه . الأعلام للزركلي - (ج 7 / ص 126) .
([65]) انظر : السابق ص 60 .
([66]) سورة العنكبوت آية 14 .
([67]) انظر : السابق ص 87 .
([68]) انظر : السابق ص 316 .
([69]) انظر : السابق ص 28 .
([70]) نصر حامد أبو زيد باحث مصري من مواليد 1943 م كان أستاذا في كلية الآداب جامعة القاهرة فأثارت بعض كتاباته ردود أفعال في الأوساط الإسلامية فحوكم ونفي من مصر واحتضنته الجامعات الأوربية . من كتبه : الاتجاه العقلي في التفسير- فلسفة التأويل - مفهوم النص دراسة في علوم القرآن – نقد الخطاب الديني – هكذا تكلم ابن عربي – الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية العربية وغيرها .
([71]) علي حرب " نقد النص " ص 15 .
([72]) النعمان بن حيوة " اساس التأويل " ص 28 . سبقت بياناته .
([73]) علي حرب " نقد النص "ص 24 .
([74]) محمد بن الحسن الديلمي " بيان مذهب الباطنية " ص 21 تحقيق د . شدو طمان . ط1 / 1938 م وانظر : أبو طالب حسنين "التأويل في مصر " ص 91 . مصدر سابق .
([75]) رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء 4 / 138 طبعة تراث العرب – بيروت 1957 .
([76]) سورة النساء آية 83 .
([77]) المؤيد في الدين " سيرة المؤيد " ص 16 تحقيق د . محمد كامل حسين دار الكتاب المصري 1949 .
([78]) علي حرب " نقد النص " ص 20 .
([79]) انظر : للداعي الفاطمي طاهر بن ابراهيم الحارثي اليماني " الأنوار اللطيفة " ص 79 " الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر سنة 1970 م نقلاً عن التأويل في مصر " ص 93 . مصدر سابق .
([80]) السابق نفسه .
([81]) السابق ص 80 .
([82]) القاضي النعمان " أساس التأويل " ص 37 . مصدر سابق .
([83]) انظر : إبراهيم بن الحسين الحامدي " كنز الولد " ص 13 ، 14 المعهد الألماني للأبحاث الشرعية – تحقيق مصطفى غالب – بيروت 1971 م نقلاً عن د ، محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " ص 85 – مكتبة الأقصى – عمان الأردن – عالم الكتب – الرياض ط 2 / 1406 هـ 1986 م
([84]) أحمد حميد الدين الكرماني ت بعد سنة 411 هـ " راحة العقل " ص 375 - 376 تحقيق د . محمد كامل حسين و د . محمد مصطفى حلمي – دار الفكر العربي – القاهرة د . ت / د . ط . ولكن كيف يفهم قول الله عز وجل "" الله لا إله إلا هوالحي القيوم "" . سورة البقرة آية 255 .
([85]) انظر : د. حسن حنفي " من العقيدة إلى الثورة " دار مدبولي – القاهرة د. ط و د. ت / مجلد 1 / ص 85 .
([86]) انظر : د . محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " مكتبة الأقصى – عمان ، الأردن و عالم الكتب – الرياض ط 2 – 1986 / ص 88 .
([87]) أركون . محمد " قضايا في نقد العقل الديني " ترجمة هاشم صالح – دار الطليعة والنشر – بيروت ط1 – 1998 / ص 277 .
([88]) أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 282 . سبقت بياناته .
([89]) السابق ص 276 .
([90]) أركون " السابق " ص 282 لعلنا نتذكر هنا ما قاله سبينوزا في الوحي : يختلف الوحي عند الأنبياء تبعاً لمزاجهم وبيآتهم وأحوالهم فالنبي الفرح توحي إليه الحواث : السلام والانتصارات ، والنبي الحزين يوحى إليه الشرور والهزائم والأحزان انظر : باروخ سبينوزا " رسالة في اللاهوت والسياسة " ترجمة وتقديم : حسن حنفي – مراجعة : فؤاد زكريا – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر د.ط و د.ت / ص 150 ، 151 .
([91]) انظر : حسن حنفي " التراث والتجديد " طبعة الإنجلو المصرية ط3 القاهرة – 1987 / ص 96 .وحسن حنفي يعلق على كلامه هذا بأنه مجرد صور أدبية مجازية ولا يوجد عاقل يقول هذا حقيقة بنظره . وحسن حنفي هو أستاذ في جامعة القاهرة وكتبه تحتوي على كلام لا يمكن صدوره ممن ينتمي إلى الإسلام وهو يعد نفسه صاحب مشروع تجديدي إسلامي وأبرز مؤلفاته : من العقيدة إلى الثورة – التراث والتجديد . وكتبه عبارة عن تلفيقات من الفلسفة الأوربية " فيورباخ ، شلنج ، سبينوزا " قام بإلباسها بعض الأشكال الإسلامية .
([92]) الكرماني . أحمد حميد الدين " راحة العقل " تحقيق د. محمد كامل حسين و د. محمد مصطفى حلمي – دار الفكر العربي – القاهرة د. ت و د.ط / ص 375 ، 376 .
([93]) أبو يعقوب إسحق السجستاني " الينابيع " ص 135 تحقيق مصطفى غالب – بيروت 1965 م نقلاً عن د : محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " ص 116 . مصدر سابق .
([94]) علي بن محمد الوليد " تاج العقائد ومعدن الفوائد " ص 165 - 166 ، تحقيق عارف تامر – دار الشرق – بيروت 1967 نقلاً عن د ، محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " ص 116 . مصدر سابق .
([95]) انظر : الكرماني " راحة العقل " ص 367 وانظر : أبو طالب حسنين " التأويل في مصر " ص 98 . مصادر سابقة .
([96]) انظر : القاضي النعمان بن حيون "تأويل الدعائم " تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي – دار المعارف بمصر – 1963 – د. ط / ص 301 .
([97]) انظر : القاضي النعمان " أساس التأويل " ص 35 . سبقت بياناته .
([98]) انظر : السابق ص 92 .
([99]) انظر : السابق ص 102 .
([100]) انظر : السابق ص 304 .
([101]) كما قال خلف الله راجع المدخل الأسطوري في الباب الثاني ، وكما يقول حسن حنفي انظر : "من العقيدة إلى الثورة " 4 / 167 – 169 ، 600 حين يعتبر معجزة شق القمر "" عملية تخييل وخلق فني "" . مصدر سابق .
([102]) محمد أحمد خلف الله هو تلميذ الأستاذ أمين الخولي وصاحب رسالة " الفن القصصي في القرآن الكريم " التي أثارت ردود أفعال شديدة في الأوساط الإسلامية في الخمسينات من القرن العشرين وقد تابع فيها المستشرقين في قولهم إن القرآن الكريم يحتوي على أساطير .
([103]) انظر : محمد أحمد خلف الله " الفن القصصي في القرآن " مكتبة الإنجلو المصرية – القاهرة ط3 – 1965 / ص 56 ، 57 ، 254.
([104]) محمد أركون باحث فرنسي من أصل جزائري ومقيم في فرنسا . الفكرة الأساسية التي تدور حولها مؤلفاته هي تورخة القرآن الكريم وتورخة الفكر الإسلامي عموماً والتشكيك في ثبوت القرآن ومصداقيته والعمل على تحريفه عبر مزاعم التأويل . من أبرز مؤلفاته : تاريخية الفكر العربي والإسلامي – الفكر الإسلامي : قراءة علمية – الفكر الأصولي واستحالة التأصيل – المسكوت عنه في الفكر الإسلامي وغيرها.
([105]) انظر : أركون " قراءات في القرآن " النسخة الفرنسية ص 12 نقلاً عن عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة " ص 65 .
([106]) انظر : نصر حامد أبو زيد " النص السلطة الحقيقة " المركز الثقافي العربي – بيروت – ط1 – 1995 / ص 134 .
([107]) انظر : حسن حنفي "من العقيدة إلى الثورة " 4 / 167 - 169 ، 600 . مصدر سابق .
([108]) انظر : نصر حامد أبو زيد " نقد الخطاب الديني " مكتبة مدبولي – القاهرة – ط3 – 1995م / ص 189 .
([109]) سورة آل عمران آية 59 .
([110]) انظر : سيد محمود القمني " الأسطورة والتراث " المركز المصري لبحوث الحضارة - القاهرة ط 2 – 1999 م / ص 114 وانظر أيضاً في الإفصاح عن هذه الزندقة فالح مهدي " البحث عن منقذ " ص 150 ، 156 – دار ابن رشد – بيروت – 1981 وتركي علي الربيعو " العنف والمقدس والجنس " المركز الثقافي العربي – بيروت ط2 – 1995م / ص 179 ، 180 .
([111]) عارف تامر " أربع رسائل إسماعيلية . الرسالة الرابعة : الدستور ودعوة المؤمنين للطيبي " ص 70 – 71 – تحقيق عارف تامر – منشورات –دار مكتبة الحياة بيروت 1978 .
([112]) نهاية الأرب للنويري – مخطوط ج 23 / 338 - 344 نقلاً عن د . محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية " ص 124 ، 125 . مصدر سابق .
([113]) كما ينقل عبد الرزاق هوماس هوماس عن أركون انظر " القراءة الجديدة في ضوء ضوابط التفسير " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا – جامعة محمد الخامس – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط - إشراف د. فاروق حمادة - 1988 م / ص 169 .
([114]) انظر : عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " المركز الثقافي العربي – بيروت – ط1 – 1993 / ص 110 ، 111 .
([115]) انظر :الصادق النيهوم " صوت الناس . محنة ثقافة مزورة " رياض الريس للكتب والنشر – لندن وبيروت – د. ط – 1987 م / ص 127 ، 134 .
([116]) انظر : محمد محمود طه " الرسالة الثانية " أم درمان – السودان ط1 – 1971 م / ص 155 ، 164 .
([117]) انظر : أركون " مجلة الكرمل " 1 / 23 عدد 34 – 1989 . مصدر سابق .
([118]) أبو حامد الغزالي " فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة " ص 17 طبعة القاهرة 1907 م .
([119]) أبو حامد الغزالي " فضائح الباطنية " ص 93 دار البشير – عمان ، الأردن ط1 1413 هـ 1993 م .
([120]) لا بد أن أشير هنا إلى أنني لا أتبنى موقفاً سلبياً من هؤلاء المتصوفة والفلاسفة المذكورين وإنما ألفت النظر هنا إلى التوظيف المغرض من قبل الخطاب العلماني للجوانب الغنوصية والباطنية التي نقلت عن هؤلاء الأشخاص سواء أكانت حقاً أم باطلاً وهو كما حصل عندما وُظِّف الفكر الرشدي في الغرب توظيفاً فكرانياً .
([121])درس نصر حامد أبو زيد ابن عربي واعتنى بفلسفته عناية فائقة وأبرزه على أنه فيلسوف الإسلام وأصدر مؤخراً كتاباً بعنوان " هكذا تكلم ابن عربي " يترسم بذلك خطا نيتشه في مؤلفه " هكذا تكلم زرادشت " ، وكذلك علي حرب يتعاطف مع ابن عربي ضد الجابري الذي صنفه في الاتجاه العرفاني اللا عقلاني ويعتبره علي حرب فيلسوفاً عقلانياً عقلانية مدهشة إذا ما نظرنا إليه بعين هيدغر ، وهيغل ، وهو أقرب إلى الفكر المعاصر انظر : علي حرب " نقد النص " المركز الثقافي العربي – بيروت ط1 – 1993 م / ص 120 بل إنه يعتبر ابن عربي مصيباً في زعمه بأنه يفهم القرآن أفضل من الصحابة ، ويعتبر محاولاته التأويلية إطلالة على الفهم الحديث انظر : علي حرب " نقد النص " ص 106 ويشيد أيضاً بالشيرازي لأنه بنظره كان منفتحاً على أنطولوجيا هيدغر وأفق الحداثة انظر : علي حرب السابق ص 92 . ومن الواضح هنا أننا لسنا بحاجة إلى التنبيه إلى أن المعيار الذي تقاس به الأفكار هو هيدغر وطائفته ، وأفق الحداثة والمعاصرة ، إنها الهرمينوطيقا الغنوصية التي قرأنا أسسها وعرفنا مراميها ومقاصدها .
أما أركون فقد تبنى فكر التوحيدي وقال :"" أبو حيان التوحيدي هو أخي التوأم ، هو أخي الروحي ، أخي في الفكر إني أحبه ، أحب هذا الإنسان ، أحبه كشخص لأني أجد فيه صفتين من صفاتي الشخصية نزعة التمرد الفكري ، أي رفض كل قسر أو إكراه يمارس على العقل أو الفكر ، ثم رفض كل فصل أو انفصام بين الفكر والسلوك أو بين العمل الفكري والمسار الأخلاقي ، لقد عبر التوحيدي عن ذلك بطريقة رائعة وبأسلوب جذاب "" مجلة الكرمل العدد 34 ص 22 – 32 نقلاً عن خالد السعيداني " إشكالية القراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر " مصدر سابق ص 33 . ويضيف أركون : "" بالطبع ثمن التمرد غال ، وينبغي أن يُدفع من وقت لآخر وإلا ماتت الحركة الثقافية ، ونامت الحضارات ، وهكذا ترى أني قد سميت لك في نهاية المطاف اسم شخص أثر علي [ يقصد التوحيدي ] ليس كعلم ، كمعلومات ، وإنما كنموذج وقدوة ، وشاءت الصدفة أن يكون عربياً مسلماً ، بل ومسلماً كبيراً ، وكل ذلك قوى علاقتي به أكثر ... إنه اضطهد في حياته ، وعانى مثلما عانيت أنا ... أقصد انه عانى من سوء فهم معاصريه له ، أو من عدم فهمهم لفكره ، فقد هاجموه وطعنوا في شخصه ، واتهموه في عقيدته ، وأراهن على أنهم لم يفهموه "" مجلة الكرمل عدد 34 ص 23 / 1989 نقلاً عن خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 34 ويضيف أركون أيضاً : "" وقد ألف[ التوحيدي ] كتاباً تعرض بسببه للهجوم الشديد وهو " الحج العقلي إذا ضاق الفضاء إلى الحج الشرعي " وقد ذكره ياقوت الحموي ، ولكنه ضاع ولم يصل إلينا لأن الفقهاء والأرثوذكسية الإسلامية اعتبروا ذلك بمثابة الهرطقة المطلقة ، أما أنا فأرى هذا الكتاب يعبر عن الغنى الفكري والروحي لرجل فهم باطن النص المقدس " القرآن " ثم عرف كيف يعبر في الوقت ذاته بلغة الظاهر ، أقصد بلغة مناسبة ومطابقة تماماً للمعنى المقصود "" مجلة الكرمل عدد 34 ص 23 / 1989 السعيداني ص 37 . واهتم نصر حامد أبو زيد بابن عربي وبالذات تناول قضية التأويل عنده ، هذه القضية التي تعتبر هي سر اللقاء بين العلمانيين والغنوصيين في كتابه " فلسفة التأويل . دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي " المركز الثقافي العربي . واهتم حسن حنفي بالسهر وردي وأخذ منه مع التلفيق مع هوسرل القول بالوحي الشعوري أو المنهج الشعوري ، ليجمع بين النظر والذوق ، وقد خصص للسهروردي فصلاً في كتابه " دراسات إسلامية " دار التنوير – بيروت – ط1 – 1982 م / ص 209 – 263 بعنوان حكمة الإشراق والفينومينولوجيا وختم بالقول : "" فالبناء الشعوري أساس لبناء الواقع ، قد يطبع الواقع بناءه على الشعور كما يطبع الشعور بناءه على الواقع ، ولكن تظل العلاقة جدلية بين البناءين وفي هذه اللحظة تعطينا حكمة الإشراق كما تعطينا الفينومينولوجيا مفتاحاً لفتح عالم الشعور والدخول فيه "" دراسات إسلامية ص 261 وانظر : عبد الرزاق هوماس " ضوابط القراءة الجديدة " مصدر سابق ص 132 .
([122]) انظر : طيب تيزيني " النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة " دار الينابيع – دمشق – 1997 م د. ط / ص 316 ، 328 .
([123]) انظر : السابق ص 328 .
([124]) انظر : السابق ص 315 - 316 .
([125]) انظر : أدونيس " الثابت والمتحول " 1 / 209 – دار العودة – بيروت – الطبعة الرابعة 1986 .
([126]) انظر : أدونيس " السابق " 2 / 92 دار العودة – بيروت 1977 .
([127]) انظر : السابق 1 / 209 دار العودة بيروت طبعة 1986 .
([128]) أقصد بالعقل الغريزي هنا أن الغنوصية والعلمانية تختاران ما تمليه الغريزة على العقل ، أما في الإسلام فإن العقل والغريزة مكبوحان بكوابج الإيمان ، والإيمان يحول بين شطط العقل وجموح الغريزة ، أما عند أولئك فإن الغريزة هي التي تزين للعقل ، وتملي عليه ، إنها تدفعه لاستصدار القرارات ، لكن ليس بالضرورة كما تفعل أمريكا مع الأمم المتحدة .
([129]) ميشال فوكو 1926 – 1984 م فيلسوف فرنسي عرف بمنهج أركيولوجيا – حفريات - المعرفة وله كتاب بهذا العنوان وهو من مواليد سنة 1962 م وانتقل سنة 1970 م إلى باريس حيث اشتغل أستاذاً لتاريخ النظم الفكرية في الكوليج دي فرانس .
([130]) ميشال فوكو " حفريات المعرفة " ترجمة : سالم يفوت – المركز الثقافي العربي – بيروت ط2 – 1987 م / ص 182 .
([131]) فريديناند دي سوسير Ferdinand de Saussure ( من 26 نوفمبر 1857 إلى 22 فبراير 1913 ) عالم لغويات سويسري يعتبر الأب و المؤسس لمدرسة البنيوية في اللسانيات . وهو من أشهر علماء اللغة في العصر الحديث حيث اتجه بتفكيره نحو دراسة اللغات دراسة وصفية باعتبار اللغة ظاهرة اجتماعية وكانت اللغات تدرس دراسة تاريخية، وكان السبب في هذا التحول الخطير في دراسة اللغة هو اكتشاف اللغة السنسكريتية.ولد دي سوسير في جنيف ، و كان مساهما كبيرا في تطوير العديد من نواحي اللسانيات في القرن العشرين . كان أول من أعتبر اللسانيات كفرع من علم أشمل يدرس الإشارات الصوتية أقترح دي سوسير تسميته semiology و يعرف حاليا بالسيميوتيك أو علم الإشارات . نقلاً عن هذه الصفحة :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%86%D 8%AF_%D8%AF%D9%8A_%D8%B3%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%B1
([132]) جاك دريدا ولد 1930 م - مفكر فرنسي جزائري المولد يعد من المؤسسين لفلسفة التفكيك أو التقويض أحياناً .
([133]) رولان بارت كاتب فرنسي (۱۹۱۵ - ۱۹۸۰) تسلق كل الدرجات العلمية إلى أن أصبح أستاذاً في الكوليج دي فرانس بباريس 1976 من أهم كتبه : شذرات من خطاب في العشق - لذة النص ترجمه منذر عياشي . .
([134]) رينيه ديكارت 1596 – 1650 م فيلسوف فرنسي درس الحقوق في باريس وحصل على الليسانس في العلوم القانونية وفي عام 1620 ترك حياة الجندية التي كان قد انضم إليها سابقاً ثم قام بجولات في ألمانيا وهولندا ثم عاد إلى باريس كما سافر إلى إيطاليا فيما بعد أيضاً أقام بعد ذلك في هولندا إلى نهاية حياته وفيها أنجز أبرز مؤلفاته وأهمها : مقال عن المنهج – التأملات في الفلسفة الأولى – مبادئ الفلسفة – كتاب العالم وغيرها . راجع : دراسات في الفسفة الحديثة ، د. محمود حمدي زقزوق – ص : 87 . لا توجد بيانات نشر على الكتاب .
([135]) ولد باروخ سبينوزا في مدينة أمستردام 1632 م لأسرة يهودية برتغالية هربت من الاضطهاد هناك إلى هولندا التي قدمت الملجأ والملاذ لضحايا الاضطهاد ، درس الفلسفة اليهودية لفلاسفة اليهود الأندلسيين أمثال ابن ميمون وابن عزرا وحسداي بن شبروت وابن جبريل وموسى القرطبي وكانت وفاته عام 1677 م عن عمر لا يتجاوز الرابعة والأربعين،من أبرز مؤلفاته :مبادئ الفلسفة الديكارتية – رسالة في اللاهوت والسياسة – الأخلاق مؤيدة بالدليل الهندسي وهو أهم كتبه – إصلاح العقل . انظر : دراسات في الفلسفة الحديثة ، محمود حمدي زقزوق ص 131 – 135 . لا توجد أي بيانات نشر الكتاب .
([136]) أدموند هوسرل 1859 – 1938 م فيلسوف ألماني يعد مؤسس المنهج الظاهراتي – الفينومينولوجيا – الذي أصبح فيما بعد الأساس الفلسفي لوجودية شيلر وهايدغر . انظر : الموسوعة الفلسفية – بإشراف روزنتال – يودين- مصدر سابق . ص : 472 .
([137]) مارتن هيدغر 1889 – 1976 م فيلسوف ألماني يتبنى المذهب الوجودي بطريقة مادية بحتة . وفلسفته فلسفة تشاؤمية معادية للعلم تقوم على المثالية الزمانية التي تعني عنده الانفعالات الداخلية للإنسان من أعماله : الوجود والزمان – كانط ومشكلة الميتافيزيقا – مدخل إلى الميتافيزيفا . انظر : الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين ترجمة سمير كرم ط 2 / 1980 م دار الطليعة – بيروت ص : 565 .
([138]) ديفيد هيوم 1711 – 1776 م فيلسوف إنكليزي تبنى النزعة الطبيعية التي نادى بها بيكون وهوبز مع تطعيمها بمقولات الشكاك الأوائل وكان ينعت نفسه بـ " الشاك " وبنظره لا توجد أية حقائق ضرورية سوى المدركات الذاتية نفسها ، والعلوم الطبيعية نسبية ترجع إلى تصديقات ذاتية يولدها تكرار التجربة . انظر : جيمس كوليز " الله في الفلسفة الحديثة " ص 164 ترجمة فؤاد كامل – مكتبة الغريب – القاهرة 1973 م د. ط .
([139]) أمانويل كانط 1724 – 1804 م فيلسوف الماني أبرز ما تقوم عليه فلسفته هو القانون الأخلاقي وقد نُقش على قبره عبارته التي يقول فيها "" شيئان يملآن قلبي إعجاباً ورهبة متجددين وناميين على الدوام كلما ازداد انشغال الفكر فيهما وهما : السماء المزدانة بالنجوم فوقي والقانون الأخلاقي في أعماق نفسي "" ولم يغادر كانت ألمانيا بل لم يغادر مسقط رأسه كونجزبرج على الإطلاق ، ومن أهم كتبه : نقد العقل العملي – نقد العقل الخالص . .
([140]) هيجل ولد جورج ويلهلم فريدريك هيغل بتاريخ 27 آب عام 1770 في عائلة بروسية تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة. دخل إلى كلية اللاهوت الشهيرة في مدينة توبنغين. وهناك درس التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات ، يعتبر هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان حيث يعتبر أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي ، جذبته وسحرته أعمالِ سبينوزا، كانت، وروسو، والثورة الفرنسية. ظهرت الفلسفة الحديثة، والثقافة، و المجتمعَ في نظر هيغل كعناصر مشحونة بالتناقضاتِ والتَوَتّراتِ، كما هي الحال بالنسبة للتناقضات بين الموضوعِ وجسمِ المعرفةِ ، بين العقلِ و الطبيعةِ، بين الذات والآخر، بين الحرية والسلطة ،بين المعرفة والإيمان،و أخيرا بين التنوير والرومانسية.كان مشروع هيغل الرئيسي الفلسفي أَنْ يَأْخذَ هذه التناقضاتِ والتَوَتّراتِ ويضعها في سياق وحدة عقلانية شاملة ،موجودة في سياقاتِ مختلفةِ، دعاها "الفكرة المطلقة "أَو" المعرفة المطلقة". مات هيغل بمرض الكوليرا عام 1831 م . نقلاً عن هذه الصفحة :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%8A%D9%88%D8%B1%D8%AC_%D9%81%D9%8A%D9%84% D9%87%D9%84%D9%85_%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D 9%8A%D8%B4_%D9%87%D9%8A%D8%AC%D9%84
([141]) انظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " عالم المعرفة الكويت – 1998 م / ص 36 - 37 .
([142]) ديكارت مقال في المنهج ص 101 ترجمة : محمود محمد الخضيري - الهيئة المصرية العامة لكتاب – ط3 / 1985 .
([143]) انظر : كرين برينتون " تشكيل العقل الحديث " ترجمة : شوقي جلال – مكتبة الأسرة – القاهرة 2001 م / ص 48 .
([144]) عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 102 ، 103 سبقت بياناته .
([145]) انظر : بييرف . زيما " التفكيكية . دراسة نقدية " تعريب أسامة الحاج – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت ط1 – 1996م / ص 56 .
([146]) السابق ص 169 .
([147]) انظر : إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية "ص 125 سبقت بياناته .
([148]) انظر : عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 402 ، 403 سبقت بياناته.
([149]) انظر : بييرف . زيما " التفكيكية . دراسة نقدية " ص 167 سبقت بياناته.
([150]) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 10 سبقت بياناته .
([151]) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 33 سبقت بياناته.
([152]) انظر : السابق ص 293 .
([153]) انظر : امبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 129 سبقت بياناته.
([154]) انظر : عبد السلام المسدي " قضية البنيوية " دار الجنوب للنشر – تونس – 1995م - د.ط / ص 35 ، 36 .
([155]) انظر : السابق ص 55 .
([156]) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 36 سبقت بياناته.
([157]) إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص55 سبقت بياناته.
([158]) انظر : سيزا قاسم " السيميوطيقا . حول بعض المفاهيم والأبعاد " ص 25 - 26 نقلاً عن المرايا المحدبة ص 241 سبقت بياناته .
([159]) انظر : إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 128 سبقت بياناته .
([160]) انظر : بييرف . زيما " التفكيكية . دراسة نقدية " ص 166 ، 167 سبقت بياناته .
([161]) انظر : إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 121 - 123 سبقت بياناته .
([162]) انظر : السابق ص 55 .
([163]) انظر : السابق ص 57 .
([164]) انظر : حمودة " المرايا المحدبة " ص 404 والكلام لـ " هارتمان " وهو تفكيكي أدرك أخطار التفكيك . سبقت بياناته .
([165]) انظر : إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 132 سبقت بياناته.
([166]) انظر : السابق ص 135 .
([167]) انظر : أزولد وتزيفان " الدلالة والمرجع دراسة معجمية " ص 23 - 24 ضمن كتاب " المرجع والدلالة في الفكر اللساني الحديث " ترجمة وتعليق عبد القادر قنيني – دار إفريقيا المشرق – المغرب – بيروت – 2000 م / د. ط .
([168]) انظر : السابق ص 25 .
([169]) انظر : جوليا كريسطيفا " علم النص " ترجمة : فريد الزاهي – دار توبقال للنشر – المغرب ط 2 – 1997 م / ص 9 .
([170]) سيد محمد القمني باحث مصري يحاول جاهداً أن يطعن في العصر النبوي وإثبات أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت بدوافع سياسية قبلية لتحقيق حلم جده عبد المطلب كما يحاول جاهداً أن يربط المعتقدات والشعائر الإسلامية بالأساطير والطقوس الخرافية القديمة من أبرز كتبه : الأسطورة والتراث – موسى وتل العمارنة – الفاشيون والوطن – رب الزمان – النبي إبراهيم والتاريخ المجهول وغيرها .
([171]) تركي علي الربيعو باحث سوري من حلب اتجه في حقبة من حياته إلى الكتابة في صلة الإسلام بالأساطير القديمة وألصق بالإسلام كثيراً من الخرافات والأوهام ، إلا أنه يبدو أنه اعتدل في أخريات حياته [ فقد ذهب إلى الحج وقال بأنه : لم يملك نفسه حين وقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يبكي، ألم به مرض ثم لحق بربه في أوائل سنة 2007 م ] . من كتبه : الإسلام وملحمة الخلق والأسطورة – العنف والمقدس والجنس . ما هو موضوع بين قوسين نقلته عن الباحث عبد الرحمن الحاج من موقع الملتقى الفكري للإبداع وقد كتب بحثاً في نعي الربيعو أشار فيه إلى المحطات الأخيرة في حياته رحمه الله .
([172]) يمكن مراجعة مؤلفات القمني للتأكد من ذلك مثل كتابه "رب الزمان " أو " الأسطورة والتراث ".
([173]) انظر : إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 60 سبقت بياناته.
([174]) انظر : إمبرتو إيكو " السابق " ص 55 .