المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإيمان بالله أصل البديهيات



أبو مريم
09-03-2008, 03:40 AM
عندما يبدأ ديكارت بناءه اليقينى من مقدمة ضرورية هى علمه بوجود ذاته " أنا أفكر، إذن أنا موجود cogito ergo sum ، ثم يترقى معها حتى يصل إلى أبعد النتائج اليقينية وأكثرها تعقيدا لا يمكن أن نقول إنه بدأ بالشك ؛ فالشك عدم محض واليقين أمر وجودى، ولا ينتج الوجودى من العدمى كما لا تنتج الحياة من الموت؛ فالذى يعتمد عليه أصحاب تلك الفكرة ليس شكا منهجيا حقيقيا وإنما هو شك فى المقدمات الأكثر تعقيدا لأن الشك المحض لا يمكن أن يؤدى إلى أى يقين .
ثم إنه يستحيل أن ينتج عن مقدمة واحدة مقدمات أخرى حتى فى الاستدلال المباشر فإنه يقوم على مقدمات أخرى يسير بها دون ذكرهها، وبالتالى فالشك المنهجى لا يستبعد اليقين منذ البداية بل يقوم على اليقين ببعض المقدمات والتى وصفها بالوضوح والتميز .(1)
ثم الخلاف بعد ذلك حول تلك المقدمات التى بها نبدأ، فكلما تعمق الإنسان وتجرد حتى يصل إلى التشكيك فى الواضحات كلما أبعد فى الطريق وأصبحت الأمور بالنسبة لديه تزداد صعوبة حيث المضايق التى يتلاشى فيها العقل ويصبح تعليق اليقين بتجشمها ضرب من تأنيب النفس وإذلالها ومحقها .
المشكلة ليست فى فكرة الترقى من البسيط إلى المعقد فحسب، ولا فى التعرف على هذا البسيط، بل فى أداة الإدراك ذاتها سواء قلنا بالمذهب العقلى أو الفطرى أو بأى مذهب آخر ، يقول الغزالي مخاطبا نفسه على لسان المحسوسات :(( بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات وقد كنت واثقا بي، فجاء حاكم العقل فكذبني، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي، فلعل وراء إدراك العقل حاكما آخر، إذا تجلى كذب العقل في حكمه، كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه، وعدم تجلي ذلك الإدراك لا يدل على استحالة وجوده ))(2).
ما الذى يدلنا على أن هذا العقل قد وجد على نحو يمكنه من إدراك الحقائق على ما هى عليه دائما؟ لماذا لا يكون شأنه شأن الحواس التى تنقل فقط ما ينطبع فيها ثم تتدخل قوة أعلى منها لتثبت انها كانت على الخطأ، أو أنها قاصرة عن درك الحقائق كما هى دائما وأنها خدعتنا؟
إن الأمر ليس أمر تثبت وتأكد، ولكن أمر صياغة الأداة التي تتأكد وتتثبت ؛ فنحن أمام مشكلة فى منتهى التعقيد :
نقول بالشك والتثبت.. ثم لا نجد بدا من مخالفة تلك القاعدة التى ألزمنا أنفسنا بها فنجد أننا يجب أن نبدأ من مقدمات لا شك فيها .
ثم يتعذر علينا معرفة تلك المقدمات وحدها وحصرها فنلجأ إما للتحكم أو لاختراع قواعد هى فى حد ذاتها مقدمات يجب أن نوقن بها بغير دليل .
ثم نجد أننا نعتمد فى بحثنا على أداة لا ندرى هل هى صالحة للإدراك أم لا .
إن نظرية الشك المنهجى، بل كل نظريات المعرفة، لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا مع الإقرار بحقيقة كبرى أعظم من العقل هى التى تعطى له مشروعية وجوده واستقراره، وبدونها يصبح العقل ذاته مجرد افتراض، وهو ما يعنى أنه لا شىء أجلى ولا أوضح من وجود الله تعالى الذى وهبنا ذلك العقل الساعى لمعرفته، حتى تلك الحقائق التى يمكن أن نعتبرها من ضرورات العقل كعلم الإنسان بوجوده فعلمنا بوجود الله تعالى وصفات كماله أجلى وأوضح منها .
إن تلك الحقيقة لم تكن خافية على من تعمق فى المنطق وأصول اليقين، وكذلك من بحث فى نظرية المعرفة لا بد وأن يصل إلى نفس النتيجة(3 ) وإلى ضرورة الارتباط بين اليقين ووجود الله تعالى مع خلاف يرجع إلى أمور اعتقادية ؛ فلا يتصور عادة من شخص وثنى أن يقر بوجود الله تعالى الواحد الأحد لمجرد أنه تأمل وظيفة العقل وبحث فى أصول اليقين العقلى، لكنه دائما يشير إلى جهة ما وراء الطبيعة يفسرها أو يعبر عنها بحسب اعتقاده .
يقول ابن ر رشد شارحا لكلام أرسطو عن وظيفة العقل الفعال وعلاقته بالعقل المنفعل
((وهذا العقل حاله من المعقولات حال الضوء من الالوان بجهة، وذلك أنه كما أن الضوء هو الذى يصير الألوان ألوانا بالفعل بعد أن كانت بالقوة، وهو الذى يعطى الحدقة المعنى الذى به تقبل الألوان، وهو الإشفاف.. كذلك هذا العقل هو الفاعل للمعقولات المخلق لها وهو المعطى للعقل الهيوالانى المعنى الذى به يقبل المعقولات، أعنى أنه يعطى العقل الهيولانى شيئا يشبه الإشفاف من البصر))(4 )
وقد اختلف الشراح فى تفسيرهم لحقيقة العقل الفعال فبينما ذهب ثاسطيوس إلى أنه هو نفسه العقل الذى نمتلكه يقول ابن رشد ((وينبغى أن تعلم أن ثاسطيوس وغالب المفسرين يرون ان العقل الذى فينا مركب من العقل الذى بالقوة والعقل الذى بالفعل، أعنى الفعال من جهة ما هو مركب لا يعقل ذاته ويعقل ما هاهنا إذا انضمت إليه المعانى الخيالية، وإن من قبل فساد هذه المعانى يعرض لمعقولاته أن تفسد ويعرض لها النسيان والخطأ، ويتأولان مثل هذا المعنى قول أرسطو))(5 ).
وهو المعنى الذى يؤكد عليه ابن رشد على الرغم من كونه أزليا وأنه غير فان، ولذلك نراه يفسر قول أرسطو على هذا النحو فيقول: ((وهذا العقل الفعال الذى هو الصورة الأخيرة لنا ليس يعقل تارة ولا يعقل أخرى، ولا هو موجود فى زمان دون زمان، بل لم يزل ولا يزال، وهذا إذا فارق البدان فهو غير مائت ضرورة، وهو بعينه الذى يعقل المعقولات التى هاهنا عند انضمامه إلى العقل الهيولانى لكنه إذا فارق العقل الهيولانى لا يقدر أن يعقل شيئا مما هاهنا ))(6 ).
لكن ما فهمه ابن رشد وحاول أن يوجه إليه كلام أرسطو ليس سوى وجه نظر ابن رشد الشخصية وليس هو بالضرورة معنى كلام أرسطو: (( ولا نستطيع أن نقول عن هذا العقل يعقل تارة ولا يعقل تارة أخرى ، وعندما يفارق يصبح مختلفا عما كان بالجوهر وعندئذ فقد يكون خالدا وأزليا وبدون العقل الفعال لا نعقل .))
لكن الاسكندر الأفروديسى كان يرى أن المقصود بالعقل الفعال ليس جزءا من أنفسنا ولا قوة من قواها، ولكنه فاعل خارج العقول يخلع على المعقولات وعلى الصور تعقلها .
وكما يقول تيرى Theryودوهيم Duhem فطالما أن الاسكندر ذهب إلى أن العقل الفعال هو خارج أنفسنا فالتفسير لمقبول أنه ييرى أن العقل الفعال هو الإله . ( 7)
يقول روس Ross إن أرسطو كان يؤمن بهيراركية معينة تبدأ من: الوجود الأدنى الذى تغلب عليه المادية، إلى الوجود الإنسانى، إلى الأجسام السماوية، ومنها إلى عقولها ثم الإله ، فالعقل الفعال لدى الإنسان يصبح موجودا لديه باعتباره أسمى من غيره بين عناصر هذه الهيراركية إلا أنه يوجد ما هو أسمى منه وهو الإله، وفى اعتقاد روس أن هذا هو التفسير الصحيح لما ورد فى كتبا النفس والمتفق مع ما جاء فى كتاب الميتافيزيقا(8 ).
والواقع أن ذلك ليس افتعالا افتعله أرسطو، ولا هو محاولة منه لإدخال العقل البشرى ضمن ميتافيزيقا شاملة يبحث للعقل عن دور فيها، وإنما هو ما يتطلبه ويفرضه الواقع، وإلا فإن نظريته فى العقل تصير موقوفه وغير متصلة إلى نهايتها؛ فكما أن الوجود المادى لا بد وأن يستند إلى علة، وكل شىء لا بد له من علة؛ فالعقل أيضا لا بد له من علة ومبدا يستند إليه؛ ولذلك ليس يصح أن نقول إن شراح أرسطو قد أساءوا فهم نظريته حينما حملوها معانى ميتافيزيقية غير معرفية وخاصة الاسكندر الأفروديسى، أو أن يقال إن الإسكندر قد فهم من كلام أرسطو (( ولا نستطيع أن نقول عن هذا العقل يعقل تارة ولا يعقل تارة أخرى ، وعندما يفارق يصبح مختلفا عما كان بالجوهر وعندئذ فقد يكون خالدا وأزليا وبدون العقل الفعال لا نعقل .)) إن المقصود بالعقل الفعال هو الإله على أساس أنه ورد فيه عبارة ((خالد وأزلى)) وأنها لا تنطبق إلى على الله تعالى وكأنه قد لبس عليه الأمر وانخدع بالألفاظ، أو أنه كان فى كتبه كلها التى ألفها عن العقل إنما يشرح فيها مذهب أرسطو وكان فى جميع الحالات منخدعا بتلك العبارة ..
وحتى لو سلمنا بذلك فكيف نسلم بما ورد عن الفارابى وابن سينا فيما يخص العقل الفعال المفيض على العقول؟
نعم هم لم يصرحوا بأنه هو الله تعالى ولكنهم جعلوه واسطة بين الله تعالى والعقل ربما محاولة لتحاشى التصدم بالعقيدة الإسلامية التى تأبى تسمية الله تعالى عقلا من جهة ،وتأثرا من جهة أخرى بأفلوطين الذى جعل العقل الفعال ثانيا بعد الواحد المطلق، وجعل فيه صور الموجودات، والتي منه، وبالفيض تنتقل إلى النفس الكلية.. ولولا ذلك لذهبوا إلى إنه الله تعالى كما فعل الاسكندر الأفروديسى.
والمحصلة واحدة فيما يتعلق بما نحن بصددة وهى أن العقل لا بد وأن يستند إلى وجود أعظم منه هو الذى يعطيه ماهيته: سماه أرسطو عقلا فاعلا واضطرب فى ذلك هو ومن تبعه، وسواء وصل أرسطو وصرح أم استفيد ذلك من كلامه ضمنا أو كان لازم مذهبه المهم أن المحصلة واحدة .
أما من أنكر ذلك فهو ينكره لا لإنكاره المبدأ، وإنما لكون التعبير عنه يشوبه القلق والاضطراب، ولتعلقه بمسائل الإلهيات التى لا تحتمل أدنى خطأ فى التعبير .
إننا لا يمكن أن ننكر فساد قولهم فى الإلهيات، وأن نظرية العقول والفيض نظرية باطلة وتتعارض مع أصل العقيدة الإسلامية، وهى معتقدات لا تصح عقلا ولا شرعا (9).. هذا كله مسلم ولا جدال فيه، لكن المقصد من ذلك هو بيان حقيقة اقترب منها الفلاسفة وعلى رأسهم أرسطو وهى أن العقل لا بد وأن يستند إلى حقيقة أعظم منه، وأنهم لم يضعوا حدا بين العقل والميتافيزيقا كما يفترض الماديون.
أما بالنسبة لنا كمسلمين فقد تقرر لنا ذلك وتحدد غاية ما يكون ،ونعلم جيدا أن دليل العقل ليس هو المرجع النهائى بل إن فوقه دليل الإيمان، واليقين العقلى إنما يستند إلى الإيمان بالله تعالى وليس العكس .
ليس الأمر نظريا فحسب، وليس مجرد فرض يجب تحققه حتى نثبت العقل بل إن العلاقة بين اليقين ووجود الله تعالى و ثيقة وتمثل واقعا عمليا مشاهدا نشعر به ونحسه كشعورنا باللذة والألم، قد نعبر عنه تارة بالإشراق وتارة بالإلهام أو بواردات ترد على العقول كما فى عبارة الكورانى التى أعجبت ابن تيمية والمتكلمين ((قال الشيخ إسماعيل الكوراني لعز الدين بن عبد السلام لما جاء إليه يطلب علم المعرفة - وقد سلك الطريقة الكلامية - فقال : أنتم تقولون إن الله يعرف بالدليل ونحن نقول : عرفنا نفسه فعرفناه . وكما قال نجم الدين الكبرى لابن الخطيب ورفيقه المعتزلي وقد سألاه عن علم اليقين ؟ فقال : هو واردات ترد على النفوس تعجز النفوس عن ردها فأجابهما : بأن علم اليقين عندنا هو موجود بالضرورة لا بالنظر وهو جواب حسن)) (10 ) أو بالأنوار العقلية المجردة كما يسميها ديكارت (( لا أعنى بالبداهة الاعتقاد فى شهادة الحواس المتغيرة أو أحكام الخيال الخادعة.. ولكنى أعنى لها تصور النفس السليمة المنتبهة تصورا هو من السهولة والتميز بحيث لا يبقى أى شك فيما نفهمه ، أى التصور الذى يولد فى نفس سليمة منتبهة عن مجرد الأنوار العقلية ))(11 ).
لكن التعبير الأكثر شيوعا والذى استعمل منذ أفلاطون وحتى الآن إنما هو ((الحدس))، يقول ابن سينا :((فصل في طرق اكتساب النفس الناطقة للعلوم واعلم أن التعلم سواء حصل من غير المتعلم أو حصل من نفس المتعلم متفاوت فإن من المتعلمين من يكون أقرب إلى التصور ولأن استعداده الذي قبل الاستعداد الذي ذكرناه أقوى فإن كان ذلك الانسان مستعدا للاستكمال فيما بينه وبين نفسه سمي هذا الاستعداد القوي حدسا - وهذا الاستعداد قد يشتد في بعض الناس حتى لا يحتاج في أن يتصل بالعقل الفعال إلى كبير شيء وإلى تخريج وتعليم بل يكون شديد الاستعداد لذلك كأن الاستعداد الثاني حاصل له. بل كأنه يعرف كل شيء من نفسه - وهذه الدرجة أعلى درجات هذا الاستعداد. ويجب أن تسمى هذه الحال من العقل الهيولاني عقلا قدسيا)) (12 )
والحدس لغة : الظن والتخمين يقال : هو يحدس بالكسر أي يقول شيئا برأيه وأصل الحدس : الرمي ومنه حدس الظن إنما هو رجم بالغيب ( 13)
ولكن الحدس يتضمن معنى السرعة يقول الليث(( الحدس : السرعة في السير قال العجاج :
حتى احتضرنا بعد سير حدس
إمام رغس في نصاب رغس
ملكه الله بغير نحس ))
فاستعاره المناطقة ((لوقوع على الحد الأوسط ، أي التنبه له في زمان يسير مثال ذلك : أنه إذا رأى الإنسان أن ما يلي الشمس من القمر هو المضيء دائما ، فهم بسرعة السبب في إضاءته ،وهو أنه يستنير من الشمس . وكذلك إذا رأى المرء إنسانا يخاطب إنسانا ، وأحدهما غني والآخر فقير ، حدس أنه إنما يخاطبه ليستقرض منه شيئا ))(14)
وقد تناول أفلاطون الحدس بمعنى ما يقع على الماهيات أو المبادئ الأولى أو عالم المثل، وابن سينا على أنه أنه فيض إلهى واتصال عقلى يكون بلا كسب البتة ( 15)
ولا تعارض بين تعريفهم للحدس بسرعة الوقوف على الحد الأوسط وبين قولهم إنه اتصال عقلى مع الفيض الإلهى؛ فالحدس وسيلة لاكتساب العلم من الله تعالى مطلقا، فإن كان من غير الضروريات فيفسر بسرعة الانتقال إلى الأوسط وإن كان من الضروريات فهو سرعة الربط بين طرفيها وإدراك العلاقة بين الموضوع والمحمول.. وبالتالى يمكن تصور الحدس على أنه التوصل إلى اليقين أو سرعة انتقال الذهن بين المقدمات وصولا للقضية لليقين بنسبة موضوع لمحمول .
لكن ما ذكر من اتفاق هنا لا يعنى مطلقا صحة اعتقاد الفلاسفة فى وجود الله تعالى، أو أنهم قد استدلوا على وجود الله تعالى وعلموا صفاته الواجبة عن طريق تأمل منهج تاسيس اليقين، أو عن طريق بحث طبيعة القوى الناطقة.. بل الواقع أن ذلك لم يؤثر كثيرا فى اعتقاداتهم الدينية وهذا شأن العقائد الدينية الباطلة قال تعالى (( وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم فاسقين ))(16 ) .
فلم يكن الفلاسفة على يقين وتثبت بل كانوا يحومون ولا يصرحون، ولذلك لما كان تصور الأمر بالنسبة لهم على قلق واضطراب وعدم وضوح لم يجزموا بنسبة الأحكام، فإن النفس متى جزمت بحقيقة الأمر وتثبتت منه استطاعت أن تطلق أحكامها بقوة وبثقة وإلا فإنما تقف دائما عند حقيقة ذلك الأمر ولا تتخطاها، هذا هو الفرق بين حال المتكلمين وحال الفلاسفة، فالفلاسفة علموا أنه لا بد وأن يكون شىء ما وراء العقل لكنهم اضطربوا فى حقيقة ذلك الشىء، بل وفى إثباته؛ فتارة يقولون إنه الله، وتارة يسمونه عقلا، وتارة يقولون إن هذا العقل متوسط بين العقل والإله.. ونجد الباحثين فى حيرة من أمرهم هل يقصد أرسطو الإله، أم العقل الإنسانى، أم شىء متوسط، أو لا يقصد لا هذا ولا ذاك، أم يقصد كل ذلك مجتمعا ؟ وهل حرفوا مذهب أرسطو؟ وهل الفلاسفة يسمون الله عقلا؟ أو هو جبريل؟ وتشيع فى الفلسفات والمعتقدات أشياء من قبيل : إن الله عقل مجرد، وهناك عقول متوسطة تتحكم فى الأفلاك، أو هى نفسها الأفلاك، ويربط بين ذلك وعبادة الكواكب ، ويرتبط الأمر بالصابئة الذين نقلوا منطق أرسطو وفلسفته..
وتكاد الحقيقة تبرز وتختفى فى نفس الوقت كالسهل الممتنع، بين لحظات الإيمان والتنوير ومصارحة النفس والفطرة، وبين لحظات الغى والضلال والتأثر بمعتقدات البيئة المنحرفة عن الفطرة ((كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ))( 17) حتى صارت من أعقد المسائل، وأكثرها اضطرابا، بحيث تتضارب فيها جميع الأقوال، ولا يكاد الباحث فيها يصل إلى شىء ،حتى إنه لا يستطيع أن ينسب فيها قولا لقائل، ويكفى للدلالة على ذلك ما فعله ابن رشد فى شرحه لكتاب النفس .
------
(1) انظر رينيه ديكارت : مقال عن المنهج ، ترجمة محمود محمد الخضيرى ، تقديم الدكتور محمد مصطفى حلمى ،دار الكتاب العربى للطباعة والنشر القاهرة ، ط2 1968.ص131
(2) أبو حامد الغزالى: المنقذ من الضلال ، تحقيق محمد أبو شادى ، دار القلم للتراث ، القاهرة ، ص 10
(3)انظر مثلا إلى الفصل الذى عقده ابن سينا فى كتاب النجاه بعنوان فصل في الاستدلال بأحوال النفس الناطقة على وجود العقل الفعال .
(4) ابن رشد : تلخيص كتاب النفس 129
(5) السابق 130-131
(6)السابق ص 130
(7) الدكتور مصطفى النشار : نظرية المعرفة عند أرسطو ص 100
(8) السابق ص 117
(9)انظر الدكتور محمد السيد الجليند : منهج السلف بين العقل والتقليد ص 28-29
(10) ابن تيمية : مجموع الفتاوى 2/76
(11) ديكارت : مقال عن المنهج ص 93
(12)ابن سينا : النجاة ص 138
(13) تاج العروس مادة (ح د س )
(14) ابن رشد : شرح البرهان ف 90 ص236
(15)انظر الدكتور مصطفى النشار : نظرية المعرفة عند أرسطو ص 112
(16)سورة النمل :43
(17) سورة البقرة :20