المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مناقشة حجج ابن احزم في إعجاز القرآن



الجاحـظ
09-06-2008, 04:35 PM
السلام عليكم

إعجاز القرآن الكريم هو جوهر نبوة محمد ( ص )، وقد حظيت دراسة الإعجاز نصيبًا كبيرًا عند أعلام المسلمين قديمًا وحديثًا، وقد ظهرت أقوال كثيرة في الإعجاز من حيث وجهه ونوعه، إلا أنها تركزت في جانبين اثنين: البيان والصرفة.

ورغم جمع بعض العلماء للجانبين معًا، إلا أن المتمعن في الموضوع يرى أن الصرفة فكرة هادمة لغيرها، فما الحاجة للإعجاز البياني إذا كان الخلق مصروفين عن المعارضة؟ وما الحاجة لصرفهم إذا كانوا أصلاً عاجزين عن معارضة بلاغته؟

نجد جوابًا لطيفًا عند الجاحظ، خلاصته أن الصرفة جاءت تنزيهًا للقرآن وحفظًا له من مشاغبات الكفار، وحماية لضعاف العقول والإيمان من اختلاط الأمر عليهم وظنهم بصحة المعارضة.

ورغم أن هذا الرأي لا ينفي إعجاز القرآن البياني، إلا أننا نرفضه لسبب آخر، وهو وقوع المحاولة في المعارضة، فقد اتهم أناس بمعارضة القرآن في الماضي (مثل المتنبي وابن المقفع)، قد بجادل البعض أن كثرة أعداء هؤلاء تجلب شبهة في صحة ادعائهم المعارضة والنبوة.

إلا أن محاولة المعارضة تحققت في زماننا أيضًا على أيدي بعض الجهلة من النصارى.

لذلك فإننا نرد رأي الجاحظ في الصرفة.

لكن المشكلة ليست عند الجاحظ، بل هي عند من قال بأن الإعجاز صرفة فقط وأن الصرفة هي المنع الإجباري، ولم يصرح بمثل هذا ويدافع عنه أحد مثل ابن حزم رحمه الله.

ونحن برفضنا مذهب الصرفة في الإعجاز، كان حريًا بنا أن نستعرض كلام ابن حزم ونناقشه بموضوعية، سيما وأن المواقع الإلحادية تستشهد بكلامه في محاولتهم تجريد القرآن من إعجازه.

سأنقل كلام ابن حزم الذي دونه في كتابه الفصل في الملل والنحل، ثم نأتي على نقاشه.


الكلام في إعجاز القرآن


قال أبو محمد‏:‏ قد ذكرنا قيام البرهان عن أن القرآن معجز قد أعجز الله عن مثل نظمه جميع العرب وغيرهم من الإنس والجن بتعجيز رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من ذكرنا عن أن يأتوا بمثله وتبكيتهم بذلك في محافلهم وهذا أمر لا ينكره أحد مؤمن ولا كافر وأجمع المسلمون على ذلك ثم اختلف أهل الكلام في خمسة أنحاء من هذه المسالة فالنحو الأول قول روي عن الأشعري وهو أن المعجز الذي تحدى الناس بالمجيء بمثله هو الذي لم يزل مع الله تعالى ولم يفارقه قط ولا نزل إلينا ولا سمعناه وهذا كلام في غاية النقصان والبطلان إذ من المحال أن يكلف أحد أن يجيء بمثل لما لم يعرفه قط ولا سمعه وأيضا ًفيلزمه ولا بد بل هو نفس قوله أنه إذا لم يكن المعجز إلا ذلك فإن المسموع المتلو عندنا ليس معجزاً بل مقدوراً على مثله وهذا كفر مجرد لا خلاف فيه لأحد فإنه خلاف للقرآن لأن الله تعالى ألزمهم بسورة أو عشر سور منه وذلك الكلام الذي هو عند الأشعري هو المعجز ليس له سوراً ولا كثيراً بل هو واحد فسقط هذا القول والحمد لله رب العالمين‏.‏


وله قول آخر كقول جميع المسلمين إن هذا المتلو هو المعجز والنحو الثاني هل الإعجاز متماد أم قد ارتفع بتمام الحجة به في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض أهل الكلام أن الحجة قد قامت بعجز جميع العرب عن معارضته ولو عورض الآن لم تبطل بذلك الحجة التي قد صحت كما أن عصا موسى إذ قامت حجته بانقلابها حية لم يضره ولا أسقط حجته عودها عصا كما كانت وكذلك خروج يده بيضاء من جيبه ثم عودها كما كانت وكذلك سائر الآيات وقال جمهور أهل الإسلام أن الإعجاز باق إلى يوم القيامة والآية بذلك باقية أبداً كما كانت‏.‏


قال أبو محمد‏:‏ وهذا هو الحق الذي لا يحل القول بغيره لأنه نص قول الله تعالى إذ يقول‏:‏ ‏"‏ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ‏"‏‏.‏


قال أبو محمد‏:‏ فهذا نص جرى على أنه لا يأتون بمثله بلفظ الاستقبال فصح يقيناً أن ذلك على التأبيد وفي المستأنف أبداً ومن ادعى أن المراد بذلك الماضي فقد كذب لأنه لا يجوز أن تحال اللغة فينقل لفظ المستقبل إلى معنى الماضي إلا بنص أخر جلي وارد بذلك أو بإجماع متيقن أن المراد به غير ظاهره أو ضرورة ولاسبيل في هذه المسألة إلى شيء من هذه الوجوه وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا ‏"‏ عموم لكل إنس وجن أبداً لا يجوز تخصيص شيء من ذلك أصلاً بغير ضرورة ولا إجماع‏.‏


قال أبو محمد‏:‏ ومن قال بالوقف وأنه ليس للعموم صيغة ولا للظاهر فلا حجة هاهنا تقوم له على الطائفة المذكورة فصح أن إعجاز القرآن باق إلى يوم القيامة والحمد لله رب العالمين‏.‏


والنحو الثالث ما المعجز منه أنظمه أم في نصه من الإنذار بالغيوب فقال بعض أهل الكلام أن نظمه ليس معجزاً وإنما إعجازه ما فيه من الأخبار بالغيوب وقال سائر أهل الإسلام بل كلا الأمرين معجز نظمه وما فيه من الأخبار بالغيوب وهذا هو الحق الذي ما خالفه فهو ضلال وبرهان ذلك قول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ فأتوا بسورة من مثله ‏"‏ فنص تعالى على أنهم لا يأتون بمثل سورة من سوره واكثر سوره ليس فيها أخبار بغيب فكأن من جعل المعجز الأخبار الذي فيه بالغيوب مخالفاً لما نص الله تعالى على أنه معجز من القرآن فسقطت


والنحو الرابع ما وجه إعجازه فقالت طائفة وجه إعجازه كونه في أعلى مراتب البلاغة وقالت طوائف إنما وجه إعجازه أن الله منع الخلق من القدرة على معارضته فقط فأما الطائفة التي قالت إنما إعجازه لأنه في أعلى درج البلاغة فإنهم شغبوا في ذلك بأن ذكروا آيات منه مثل قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولكم في القصاص حياة ‏"‏ ونحو هذا وموه بعضهم بأن قال لو كان كما تقولون من أن الله تعالى منع من معارضته فقط لوجب أن يكون أغث ما يمكن أن يكون من الكلام فكانت تكون الحجة بذلك أبلغ‏.‏


قال أبو محمد‏:‏ ما نعلم لهم شغباً غير هذين وكلاهما لا حجة لهم فيه أما قولهم لو كان كما قلنا لوجب أن يكون أغث ما يمكن أن يكون من الكلام فكانت تكون الحجة أبلغ فهذا هو الكلام الغث حقاً لوجوه أحدها أنه قول بلا برهان لأنه يعكس عليه قوله بنفسه فيقال له بل لو كان إعجازه لكونه في أعلى درج البلاغة لكان لا حجة فيه لأن هذا يكون في كل من كان في أعلى طبقة وأما آيات الأنبياء فخارجة عن المعهود فهذا أقوى من شغبهم‏.‏
وثانيها أنه لا يسأل الله تعالى عما يفعل ولا يقال له لم عجزت بهذا النظم دون غيره ولم أرسلت هذا الرسول دون غيره ولم قلبت عصا موسى حية دون أن تقلبها أسداً وهذا كله حمق ممن جاء به لم يوجبه قط عقل وحسب الآية أن تكون خارجة عن المعهود فقط‏.‏


وثالثها أنه حين طردوا سؤالهم ربهم بهذا السؤال الفاسد لزمهم أن يقولوا هلا كان هذا الإعجاز في كلام بجمع اللغات فيستوي في معرفة إعجازه العرب والعجم لأن العجم لا يعرفون إعجاز القرآن إلا بأخبار العرب فقط فبطل هذا الشغب الغث والحمد لله رب العالمين‏.‏


قال أبو محمد‏:‏ وأما ذكرهم ‏"‏ ولكم في القصاص حياة ‏"‏ وما كان نحوها من الآيات فلا حجة لهم فيها ويقال لهم‏:‏ إن كان كما تقولون ومعاذ الله من ذلك فإنما المعجز منه على قولكم هذه الآيات خاصة وأما سائره فلا وهذا كفر لا يقوله مسلم فإن قالوا جميع القرآن مثل هذه الآيات في الإعجاز قيل لهم فلم خصصتم بالذكر هذه الآيات دون غيرها إذاً وهل هذا منكم إلا إيهام لأهل الجهل أن من القرآن معجزاً وغير معجز ثم نقول لهم قول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ‏"‏ أمعجز هو على شروطكم في كونه في أعلى درج البلاغة أم ليس معجزاً فإن قالوا ليس معجزاً كفروا وإن قالوا أنه معجز صدقوا وسألوا هل على شروطكم في أعلى درج البلاغة فإن قالوا نعم كابروا وكفوا مؤنتهم لأنها أسماء رجال فقط ليس على شروطكم في البلاغة فلو كان إعجاز القرآن لأنه في درج البلاغة لكان بمنزلة كلام الحسن وسهل بن هرون والجاحظ وشعر أمرئ القيس ومعاذ الله من هذا لأن كل ما يسبق في طبقته لم يؤمن إن يأتي من يماثله ضروة فلا بد لهم من هذه الخطة أو من المصير إلى قولنا أن الله تعالى منع من معارضته فقط وأيضاً فلو كان إعجازه من أنه في أعلى درج البلاغة المعهودة لوجب أن يكون ذلك الآية ولما هو أقل من آية وهذا ينقض قولهم أن المعجز منه ثلاث آيات لا أقل فإن قالوا فقولوا أنتم هل القرآن موصوف بأنه في أعلى درج البلاغة أم لا قلنا وبالله تعالى التوفيق إن كنتم تريدون أن الله قد بلغ به ما أراد فنعم هو في هذا المعنى في الغاية التي لا شيء أبلغ منها وإن كنتم تريدون هل هو في أعلى درج البلاغة في كلام المخلوقين فلا لأنه ليس من نوع كلام المخلوقين لا من أعلاه ولا من أدناه ولا من أوسطه وبرهان هذا أن إنساناً لو أدخل في رسالة له أو خطبة أو تأليف أو موعظة حروف الهجاء المقطعة لكان خارجاً عن البلاغة المعهودة جملة بلا شك فصح أنه ليس من نوع بلاغة الناس أصلاً وأن الله تعالى منع الخلق من مثله وكساه الإعجاز وسلبه جميع كلام الخلق برهان ذلك أن الله حكى عن قوم من أهل النار أنهم يقولون إذا سئلوا عن سبب دخولهم النار ‏"‏ لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ‏"‏ وحكى تعالى عن كافر قال‏:‏ ‏"‏ إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر ‏"‏ وحكى عن آخرين أنهم قالوا‏:‏ ‏"‏ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ‏"‏ فكان هذا كله إذ قاله غير الله عز وجل معجز بلا خلاف إذ لم يقل أحد من أهل الإسلام أن كلام غير الله تعالى معجز لكن لما قاله الله تعالى وجعله كلاماً له أصاره معجزاً ومنع من مماثلته وهذا برهان كافٍ لا يحتاج إلى غيره والحمد لله‏.‏


والنحو الخامس ما مقدار المعجز منه فقالت الأشعرية ومن وافقهم أن المعجز إنما هو مقدار أقل سورة منه وهو إنا أعطيناك الكوثر فصاعداً وإن ما دون ذلك ليس معجزاً واحتجوا في ذلك بقول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ فأتوا بسورة من مثله ‏"‏ قالوا ولم يتحد تعالى بأقل من ذلك وذهب سائر أهل الإسلام إلى أن القرآن كله قليله وكثيره معجز وهذا هو الحق الذي لا يجوز خلافه ولا حجة لهم في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فأتوا بسورة من مثله ‏"‏ لأنه تعالى لم يقل إن ما دون السورة ليس معجزاً بل قد قال تعالى على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولا يختلف اثنان في أن كل شيء من القرآن قرآن فكل شيء من القرآن معجز ثم تعارضهم في تحديدهم المعجز بسورة فصاعدا فنقول أخبرونا ماذا تعنون بقولكم أن المعجز مقدار سورة أسورة كاملة لا أقل أم مقدار كوثر في الآيات أم مقدارها في الكلمات أم مقدارها في الحروف ولا سبيل إلى وجه خامس فإن قالوا المعجز سورة تامة لا أقل لزمهم أن سورة البقرة حاشا آية واحدة أو كلمة واحدة من آخرها أو من أولها ليست معجزة وهكذا كل سورة وهذا كفر مجرد لا خفاء به إذ جعلوا كل سورة في القرآن سوى كلمة من أولها أو من وسطها من آخرها فمقدور على مثلها وإن قالوا بل مقدارها من الآيات لزمهم أن آية الدين ليست معجزة لأنها ليست ثلاث آيات ولزمهم مع ذلك أن والفجر وليال عشر والشفع والوتر معجز كآية الكرسي وآيتان إليها لأنها ثلاث آيات وهذا غير قولهم ومكابرة أيضاً أن تكون هذه الكلمات معجزة حاشا كله غير معجزة ولزمهم أيضاً أن والضحى والفجر والعصر هذه الكلمات الثلاث فقط معجزات لأنهن ثلاث آيات فإن قالوا هن متفرقات غير متصلات لزمهم إسقاط الإعجاز عن ألف آية متفرقة وإمكان المجيء بمثلها ومن جعل هذا ممكناً فقد كابر العيان وخرج عن الإسلام وأبطل الإعجاز عن القرآن وفي هذا كفاية لمن نصح نفسه ولزمهم أيضاً أن ‏"‏ ولكم في القصاص حياة ‏"‏ ليس معجزاً وهذا نقض لقولهم في أنه في أعلى درج البلاغة وكذلك كل ثلاث آيات غير كلمة وهذا خروج عن الإسلام وعن المعقول وإن قالوا بل في عدد الكلمات أو قالوا عدد الحروف لزمهم شيئان مسقطان لقولهم أحدهم إبطال احتجاجهم بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ بسورة من مثله ‏"‏ لأنهم جعلوا معجزاً ما ليس سورة ولم يقل تعالى بمقدار سورة فلاح تمويههم والثاني أن سورة الكوثر عشر كلمات اثنان وأربعون حرفاً وقد قال تعالى‏:‏ ‏"‏ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ‏"‏ اثنتا عشرة كلمة اثنان وسبعون حرفاً وإن اقتصرنا على الأسماء فقط كانت عشر كلمات اثنين وستين حرفاً فهذا أكثر كلمات وحروفاً من سورة الكوثر فينبغي أن يكون هذا معجزاً عندكم ويكون ‏"‏ ولكم في القصاص حياة ‏"‏ غير معجز فإن قالوا إن هذا غير معجز تركوا قولهم في إعجاز مقدار أقل سورة في عدد الكلمات وعدد الحروف وإن قالوا بل هو معجز تركوا قولهم في أنه في أعلى درج البلاغة ويلزمهم أيضاً أننا إن أسقطنا من هذه الأسماء اسمين ومن سورة الكوثر كلمات أن لا يكون شيء من ذلك معجز فظهر سقوط كلامهم وتخليطه وفساده وأيضاً فإذا كانت الآية منه أو الآيتان غير معجزة وكانت مقدوراً على مثلها وإذا كان ذلك فكله مقدور على مثله وهذا كفر فإن قالوا إذا اجتمعت ثلاث آيات صارت غير مقدور عليها قيل لهم هذا غير قولكم إن إعجازه إنما هو من طريق البلاغة لأن طريق البلاغة في الآية كهو في الثلاث ولا فرق والحق من هذا هو ما قاله الله تعالى‏:‏ ‏"‏ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ‏"‏ وإن كل كلمة قائمة المعنى يعلم إذا تليت أنها من القرآن فإنها معجزة لا يقدر أحد على المجيء بمثلها أبداً لأن الله تعالى حال بين الناس وبين ذلك كمن قال إن آية النبوة إن الله تعالى يطلقني على المشي في هذا الطريق الواضحة ثم لا يمشي فيها أحد غيري أبداً أو مدة يسميها فهذا أعظم ما يكون من الآيات وإن الكلمة المذكورة أنها متى ذكرت في خبر على أنها ليست قرآناً فهي غير معجزة وهذا هو الذي جاء به النص والذي عجز عنه أهل الأرض مذ أربعمائة عام وأربعين عاماً ونحن نجد في القرآن إدخال معنى بين معنيين ليس بينهما كقوله تعالى ‏"‏ وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ‏"‏ وليس هذا من بلاغة الناس في ورد ولا في صدر ومثل هذا في القرآن كثير والحمد لله رب العالمين‏.‏

الجاحـظ
09-06-2008, 05:14 PM
نبدأ من النحو الرابع

والنحو الرابع ما وجه إعجازه فقالت طائفة وجه إعجازه كونه في أعلى مراتب البلاغة وقالت طوائف إنما وجه إعجازه أن الله منع الخلق من القدرة على معارضته فقط فأما الطائفة التي قالت إنما إعجازه لأنه في أعلى درج البلاغة فإنهم شغبوا في ذلك بأن ذكروا آيات منه مثل قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولكم في القصاص حياة ‏"‏ ونحو هذا وموه بعضهم بأن قال لو كان كما تقولون من أن الله تعالى منع من معارضته فقط لوجب أن يكون أغث ما يمكن أن يكون من الكلام فكانت تكون الحجة بذلك أبلغ‏.‏
قال أبو محمد‏:‏ ما نعلم لهم شغباً غير هذين وكلاهما لا حجة لهم فيه أما قولهم لو كان كما قلنا لوجب أن يكون أغث ما يمكن أن يكون من الكلام فكانت تكون الحجة أبلغ فهذا هو الكلام الغث حقاً لوجوه أحدها أنه قول بلا برهان لأنه يعكس عليه قوله بنفسه فيقال له بل لو كان إعجازه لكونه في أعلى درج البلاغة لكان لا حجة فيه لأن هذا يكون في كل من كان في أعلى طبقة وأما آيات الأنبياء فخارجة عن المعهود فهذا أقوى من شغبهم‏.‏


قوله أن هذا كلام بلا دليل فيرد عليه بأنه لو كان القصد بالإعجاز الصرفة فقط لكان في براعة النظم والبلاغة تمويهًا وخداعًا لهم بالمراد من التحدي، ويكون قد فوَّت مصلحة لهم في الإيمان به، فعدم القدرة على مضارعة الغث أوضح وأبين وأكثر إعجازًا من العجز عن مضارعة المتفوق.

أما قوله بأن بلاغة القرآن هي من قبيل التفوق فقط كما في العلوم والفنون الأخرى وليست خرقًا للعادة، فهو ضعيف عندنا، فتميز القرآن في نظمه وبلاغته ليس كالفرق بين البليغ والأبلغ، أو الحسن والأحسن فقط، ولا شك أن هذا العلو إن حال بين العرب وبين المجيء بمثل القرآن كله، لم يكن ليحول بينهم وبين قطعة واحدة منه، ولئن أعجزهم هذا القدر اليسير أن يحتذوه على التمام لم يكن ليعجزهم أن ينزلوا منه بمكان قريب.

ثم إن النابغ لا يخلو من مواطن الفتور، والضعف والقصور، حتى ترى من يقومه ويكشف مساوئه، أو يلحقه ويتجاوزه، وليس هذا في القرآن.


وثانيها أنه لا يسأل الله تعالى عما يفعل ولا يقال له لم عجزت بهذا النظم دون غيره ولم أرسلت هذا الرسول دون غيره ولم قلبت عصا موسى حية دون أن تقلبها أسداً وهذا كله حمق ممن جاء به لم يوجبه قط عقل وحسب الآية أن تكون خارجة عن المعهود فقط‏.‏


لم نسلم بأن الله فعل هذا الشيء لنسأله لم فعلته على هذا الشكل وليس ذاك؟ لم نسلم أن الله جعل الإعجاز في الصرفة لنعترض فنقول بأن الأولى أن يكون غث الأسلوب.

والآيات ليست موضع شبهة، وإلا فقدت حجيتها.


وثالثها أنه حين طردوا سؤالهم ربهم بهذا السؤال الفاسد لزمهم أن يقولوا هلا كان هذا الإعجاز في كلام بجمع اللغات فيستوي في معرفة إعجازه العرب والعجم لأن العجم لا يعرفون إعجاز القرآن إلا بأخبار العرب فقط فبطل هذا الشغب الغث والحمد لله رب العالمين‏.‏


القول: "لأن العجم لا يعرفون إعجاز القرآن إلا بأخبار العرب فقط" فرض خاطئ، فكم من أعجمي درس العربية وعرف إعجاز القرآن وآمن،
ولو سلمنا بكلامه للزمه هو الآخر.


قال أبو محمد‏:‏ وأما ذكرهم ‏"‏ ولكم في القصاص حياة ‏"‏ وما كان نحوها من الآيات فلا حجة لهم فيها ويقال لهم‏:‏ إن كان كما تقولون ومعاذ الله من ذلك فإنما المعجز منه على قولكم هذه الآيات خاصة وأما سائره فلا وهذا كفر لا يقوله مسلم فإن قالوا جميع القرآن مثل هذه الآيات في الإعجاز قيل لهم فلم خصصتم بالذكر هذه الآيات دون غيرها إذاً وهل هذا منكم إلا إيهام لأهل الجهل أن من القرآن معجزاً وغير معجز

وهذا كلام باطل جدًا فلم يقل مسلم بأن الإعجاز يختص بآية دون أخرى وجعل الإعجاز خاصًا بجزء من القرآن، وإنما اختصت هذه الآية وغيرها لقيود الزمان، فالكشف عن مظاهر الإعجاز لا يأتي ضربة واحدة وإنما هو مستمر إلى يوم الدين بإذن الله، وهذا من عجائب القرآن فلا يصيبه الملل ولا البرود.

وإن المتتبع لتاريخ إعجاز القرآن سيجد توسع مظاهر الإعجاز ضمن الإعجاز البياني نفسه، فهناك الفصاحة، والبلاغة، والنظم، والأسلوب، ثم لوحظت أشكال أخرى للإعجاز مثل الإيقاع الصوتي، والصورة الفنية.



يتبع...

الجاحـظ
09-08-2008, 12:09 AM
يثير الشيخ رحمه الله مسألة مهمة وعميقة في أبعادها، ولا تقتصر على قضية إعجاز القرآن بل تمتد لأبعاد كلامية وفلسفية أخرى في تحديدها لمعنى القرآن وحدوده، فهل القرآن هو ما بين دفتي المصحف؟ أم أنه جزء منه؟ وما الحد الأدنى الذي يصح معه تسمية القرآن قرآنًا؟ وهل يرادف الحد الأدنى من الإعجاز؟

يقول الشيخ: النحو الخامس ما مقدار المعجز منه فقالت الأشعرية ومن وافقهم أن المعجز إنما هو مقدار أقل سورة منه وهو إنا أعطيناك الكوثر فصاعداً وإن ما دون ذلك ليس معجزاً واحتجوا في ذلك بقول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ فأتوا بسورة من مثله ‏"‏ قالوا ولم يتحد تعالى بأقل من ذلك وذهب سائر أهل الإسلام إلى أن القرآن كله قليله وكثيره معجز وهذا هو الحق الذي لا يجوز خلافه ولا حجة لهم في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ فأتوا بسورة من مثله ‏"‏ لأنه تعالى لم يقل إن ما دون السورة ليس معجزاً بل قد قال تعالى على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولا يختلف اثنان في أن كل شيء من القرآن قرآن فكل شيء من القرآن معجز.

يقرر الشيخ أن كل شيء من القرآن قرآن، وهذا ما لا نختلف معه فيه.
إلا أننا نختلف معه في تقريره الثاني: (فكل شيء في القرآن معجز).
وهذا نابع من تصور الإعجاز عند كل فريق.

فالشيخ قائل بالصرفة، ويلزم قوله أن الله صرف القوم عن الإتيان بمثل القرآن أيًا كان، كاملاً أو جزءًا، سورة أو كلمة، وهذا ما قرره الشيخ في موضع آخر عندما قال: ( وأن كل كلمة قائمة المعنى ، يعلم إذا تليت أنها من القرآن ، فإنها معجزة ، لا يقدر أحد على المجيء بمثلها أبدا ، لأن الله تعالى حال بين الناس وبين ذلك).

ونحن نختلف مع الشيخ في تقريره وكلامه هذا من عدة وجوه:

1) تناقضه في كلامه، فقد قرر أولاً أن كل شيء من القرآن معجز، وهذا الإطلاق والتعبير بـ"الشيء" يفتح المصراع أمام احتمالات لا تنتهي، وما يهمنا هو ما يتعلق بموضوعنا، فالحرف الواحد شيء وهو من القرآن، فيصير معجزًا على كلامه، ثم يغير رأيه فيقول إن الإعجاز هو في الكلمة لا في الحرف، وهذا تناقض في رأيه. ثم يشترط أن تعلم الكلمة أنها قرآن إذا تليت، وهذا خطأ آخر، فالكلمة لوحدها لا تعرف أنها قرآن أبدًا ولو كانت قائمة المعنى، لأن معرفة القرآن لا تتأتى من كلمة واحدة بل من كلام متعدد الكلمات، فلو قلنا "الله" أو "محمد" أو "زيد" لما عرف أحد أنها قرآن مع أنها قائمة المعنى، وهذا ينصرف لكل كلمات القرآن منفردة.

2) لا يبين الشيخ كيف يمنع الله الناس من الإتيان بمثل كلمة من القرآن وهو بمقدورنا التلفظ بمثلها وكتابتها واستعمالها، إلا إذا اعتبر القرآن كلامًا من جنس غير جنس كلامنا كما يقول (إن الكلمة المذكورة أنها متى ذكرت في خبر على أنها ليست قرآناً فهي غير معجزة) ، لكن هذا المطلوب إثباته وليس بمسلمة نسلم له بها.

3) إن الحول بين القرآن والإتيان بمثله لا يوجب الإعجاز لذات القرآن، بل يكون المعجز هو فعل المنع، فعصمة الرسول من الناس لا تعني أن الرسول معجِز في ذاته بل المعجز هو في فعل عصمته.

وثب أن نوضح المقدار المعجز من القرآن، نكمل مع الشيخ:

ثم تعارضهم في تحديدهم المعجز بسورة فصاعدا فنقول أخبرونا ماذا تعنون بقولكم أن المعجز مقدار سورة أسورة كاملة لا أقل أم مقدار كوثر في الآيات أم مقدارها في الكلمات أم مقدارها في الحروف ولا سبيل إلى وجه خامس فإن قالوا المعجز سورة تامة لا أقل لزمهم أن سورة البقرة حاشا آية واحدة أو كلمة واحدة من آخرها أو من أولها ليست معجزة وهكذا كل سورة وهذا كفر مجرد لا خفاء به إذ جعلوا كل سورة في القرآن سوى كلمة من أولها أو من وسطها من آخرها فمقدور على مثلها وإن قالوا بل مقدارها من الآيات لزمهم أن آية الدين ليست معجزة لأنها ليست ثلاث آيات ولزمهم مع ذلك أن والفجر وليال عشر والشفع والوتر معجز كآية الكرسي وآيتان إليها لأنها ثلاث آيات وهذا غير قولهم ومكابرة أيضاً أن تكون هذه الكلمات معجزة حاشا كله غير معجزة ولزمهم أيضاً أن والضحى والفجر والعصر هذه الكلمات الثلاث فقط معجزات لأنهن ثلاث آيات فإن قالوا هن متفرقات غير متصلات لزمهم إسقاط الإعجاز عن ألف آية متفرقة وإمكان المجيء بمثلها ومن جعل هذا ممكناً فقد كابر العيان وخرج عن الإسلام وأبطل الإعجاز عن القرآن وفي هذا كفاية لمن نصح نفسه ولزمهم أيضاً أن ‏"‏ ولكم في القصاص حياة ‏"‏ ليس معجزاً وهذا نقض لقولهم في أنه في أعلى درج البلاغة وكذلك كل ثلاث آيات غير كلمة وهذا خروج عن الإسلام وعن المعقول وإن قالوا بل في عدد الكلمات أو قالوا عدد الحروف لزمهم شيئان مسقطان لقولهم أحدهم إبطال احتجاجهم بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ بسورة من مثله ‏"‏ لأنهم جعلوا معجزاً ما ليس سورة ولم يقل تعالى بمقدار سورة فلاح تمويههم والثاني أن سورة الكوثر عشر كلمات اثنان وأربعون حرفاً وقد قال تعالى‏:‏ ‏"‏ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ‏"‏ اثنتا عشرة كلمة اثنان وسبعون حرفاً وإن اقتصرنا على الأسماء فقط كانت عشر كلمات اثنين وستين حرفاً فهذا أكثر كلمات وحروفاً من سورة الكوثر فينبغي أن يكون هذا معجزاً عندكم ويكون ‏"‏ ولكم في القصاص حياة ‏"‏ غير معجز فإن قالوا إن هذا غير معجز تركوا قولهم في إعجاز مقدار أقل سورة في عدد الكلمات وعدد الحروف وإن قالوا بل هو معجز تركوا قولهم في أنه في أعلى درج البلاغة ويلزمهم أيضاً أننا إن أسقطنا من هذه الأسماء اسمين ومن سورة الكوثر كلمات أن لا يكون شيء من ذلك معجز فظهر سقوط كلامهم وتخليطه وفساده وأيضاً فإذا كانت الآية منه أو الآيتان غير معجزة وكانت مقدوراً على مثلها وإذا كان ذلك فكله مقدور على مثله وهذا كفر فإن قالوا إذا اجتمعت ثلاث آيات صارت غير مقدور عليها قيل لهم هذا غير قولكم إن إعجازه إنما هو من طريق البلاغة لأن طريق البلاغة في الآية كهو في الثلاث ولا فرق والحق من هذا هو ما قاله الله تعالى‏:‏ ‏"‏ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ‏"‏

وهنا نقطة الخلاف مع مذهبه في الإعجاز، فالحد الأدنى من الإعجاز لا يتعلق بالكم كما حاجج وكما فهم البعض، بل المعنى، فالبلاغة مبحث في المعاني وليس العدد، والمعنى لا يقوم بكلمة واحدة بل أكثر، إذ قد يقوم بجملة، أو جملتين، أو أكثر.
فالحد الأدنى من الإعجاز هو المقدار الذي يؤدي فكرة كاملة وموضوعًا مستقلاً من آيات القرآن، فأقل سورة أدت معنى في موضوع متكامل، وأجزاء من سور تكلمت في موضوع دون آخر، منها ما يكون في آية واحدة أو أكثر.
لذلك فلا معنى لمقارنة سورة الكوثر بآيات أطول من حيث العدد، بل المهم هو الموضوع الذي أدته هذه الآية.
هذا أوجه كلام الشيخ رحمه الله وقد تمت الإجابة عليه والحمد لله رب العالمين.

ناصر التوحيد
09-08-2008, 01:05 AM
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا

الجاحـظ
09-08-2008, 08:55 PM
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا

لعلك أخي تقصد أننا لم نعط الآية حقها من الرد.
لي تعليقات نهائية بسيطة إن شاء الله.
أما الرد على كلام ابن حزم في الآية الكريمة،
فإننا نقول إن الإعجاز والتحدي البياني لا يقوم على أساس عدد الحروف والكلمات كما بيَّنا سابقًا، بل يقوم على أساس المعنى المتكامل في الموضوع المطروح،
وبالرجوع إلى الآية، نجد أن لها سياقًا يؤدي موضوعًا محددًا، وهو الإخبار عن وحي الله لنبيه ( ص )،
يقول تعالى:



لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا 163


إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا 164


وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا 165


رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا 166


لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا 167


فموضوع الآيات هذه في الإخبار عن الوحي لنبيه محمد ( ص )،
بل إن موضوع إثبات الوحي جاء امتدادًا للرد على اليهود والنصارى، في تكذيبهم للنبي ( ص )، وهكذا يزداد عدد الآيات.
وبهذا يقوم الخطاب القرآني الذي يؤدي معنى ويكون قابلاً للتحدي البياني،
واكتشاف مواطن التفوق البياني فيها يحتاج إلى دراسة بلاغية على أيدي المتخصصين، ربما لا يسعني التحدث عنها بوحدي وبإمكاناتي.

هذا ما تيسر وبان لي من خلال قراءتي لرأي ابن حزم وحججه رحمه الله، وأتمنى سماع رأيكم أيضًا.