تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث انما الاعمال بالنيات



ابو مارية القرشي
04-18-2005, 05:32 PM
الباقيات الصالحات من فوائد حديث إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات.



- عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : (( إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ - وَفِي رِوَايَةٍ : بِالنِّيَّةِ - وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى , فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا , فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ )) متفق عليه .


الفائدة الاولى:

قال الحافظ في الفتج:"وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث قال أبو عبد الله ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائده من هذا الحديث واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني على أنه ثلث الإسلام".

قال العيني:" فإن قيل ما وجه قولهم إن هذا الحديث ثلث الإسلام قلت لتضمنه النية والإسلام قول وفعل ونية".

وقال ابن رجب: فإن الدين كله يرجع إلى فعل المأمورات وترك المحظورات والتوقف عن الشبهات وهذا كله تضمنه حديث النعمان بن بشير وإنما يتم ذلك بأمرين أحدهما أن يكون العمل في ظاهره على موافقة السنة وهذا هو الذي يتضمنه حديث عائشة من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد والثاني أن يكون العمل في باطنه يقصد به وجه الله عز وجل كما تضمنه حديث عمر الأعمال بالنيات.




الفائدة الثانية:

يستحسن الابتداء بهذا الحديث عند التصنيف.

قال ابن رجب في الجامع:

وبه صدر البخاري كتابه الصحيح وأقامه مقام الخطبة له إشارة منه إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لاثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي لو صنفت كتابا في الأبواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب في الأعمال بالنيات في كل باب وعنه أنه قال من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بحديث الأعمال بالنيات(انتهى كلامه). وبه صدر النووي أربعينيته و به أبتدأ الحافظ المقدسي كنابه المبارك عمدة الاحكام.وممن أبتدأ كتابه بهذا الحديث الجليل من المعاصرين الشيخ المجاهد عبد القادر بن عبد العزيز -فك الله أسره- في الجامع في طلب العلم الشريف.


الفائدة الثالثة :
قال شيخ الاسلام ابن تيمية:لفظ ‏[‏النية‏]‏ في كلام العرب من جنس لفظ القصد والإرادة، ونحو ذلك، تقول العرب‏:‏ نواك الله بخير، أي‏:‏ أرادك بخير، ويقولون‏:‏ نَوَي مَنْوِيه، وهو المكان الذين ينويه، يسمونه نوي، كما يقولون‏:‏ قبض بمعني مقبوض، والنية يعبر بها عن نوع من إرادة، ويعبر بها عن نفس المراد، كقول العرب‏:‏ هذه نيتي، يعني‏:‏ هذه البقعة هي التي نويت إتيانها، ويقولون‏:‏ نيته قريبة أو بعيدة، أي‏:‏ البقعة التي نوي قصدها، لكن من الناس من يقول‏:‏ إنها أخص من الإرادة؛ فإن إرادة الإنسان تتعلق بعمله وعمل غيره، والنية لا تكون إلا لعمله، فإنك تقول‏:‏ أردت من فلان كذا، ولا تقول‏:‏ نويت من فلان كذا‏.‏

الفائدة الرابعة:

قوله صلى الله وسلم" إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" فيه و جهان:
أ-" إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" إخبار عن الأعمال الاختيارية أنها لاتقع إلا عن قصد من العامل هو سبب عملها ووجودها.
"وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وإنما لكل امريء ما نوى" إخبار عن حكم الشرع وهو أن حظ العامل من عمله نيته فإن كانت صالحة فعمله صالح فله أجره وإن كانت فاسدة فعمله فاسد فعليه وزره.
ب-" إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ": صالحة أو فاسدة أو مقبولة أو مردودة أو مثاب عليها أو غير مثاب عليها بالنيات فيكون خبرا عن الحكم الشرعي وهو أن صلاحها وفسادها بحسب صلاح النية وفسادها.
"وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وإنما لكل امريء ما نوى": وإنما لكل امريء مانوى إخبار أنه لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به فإن نوى خيرا حصل له خير وإن نوى به شرا حصل له شر. فالجملة الأولى دلت على أن صلاح العمل وفساده بحسب النية المقتضية لإيجاده والجملة الثانية دلت على أن ثواب العامل على عمله بحسب نيته الصالحة وأن عقابه عليه بحسب نيته الفاسدة وقد تكون نيته مباحة فيكون العمل مباحا فلا يحصل له ثواب ولا عقاب(جامع العلوم و الحكم باختصار و تصرف)

ابو مارية القرشي
04-18-2005, 05:38 PM
الفائدةالخامسة: النية تميز:
أ- المقصود بالعمل وهل هو لله وحده لا شريك له أم لله وغيره وهذه هي النية التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه وهي التي توجد كثيرا في كلام السلف المتقدمين . ويعبر عنها في القران ب:
• الإرادة كما في قوله تعالى "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة" وقوله "تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة"
• الابتغاء كما في قوله تعالى" إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى الليل" وقوله تعالى" ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم".
مثال1 : عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش رواه الإمام أحمد.وذلك أنهم طلبوا الشهادة بصدق(ارادة جازمة) و اخلاص.
مثال2: عن أبي موسى أن أعرابياً جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: إن الرجل يقاتل للذِّكْر ويُقاتل ليحمد، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من قاتل حتَّى تكون كلمة اللّه هي أعلى فهو في سبيل اللّه [عزّ وجلّ]".رواه البخاري.
مثال3: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَ ضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ: " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ, وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِهِ, مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ .فالمراد بالتحديث العزم على الجهاد والعزيمة الصادقة والإرادة الجازمة(النية) التي يَجِبُ وُقُوعُ الْفِعْلِ مَعَهَا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ حَاصِلَةً،و ليس المراد خواطر النفس. و القدرة امر من قدر الله فمن لم تكن عنده القدرة المطلوبة أجر على نيته الصادقة كالمجاهد تماما.

فصل في بيان علاقة النية بالقدرة

قال الشيخ المجاهد عبد القادر بن عبد العزيز -فك الله أسره- في الجامع:
وذكر ابن تيمية رحمه الله أن الإرادة الجازمة إذا وُجِدت معها القدرة وقع المقدور، وإذا وُجدت الإرادة الجازمة فلا يمنع وقوع المقدور إلا العجز، وهنا ذكر ابن تيمية فائدة أخرى: وهى أن الإرادة الجازمة لابد أن تظهر على الجوارح في لفظ أو إشارة أو حركة تعبر عن الإرادة، وإن عجز العبد عن فعل المُراد الأصلي.
ويجمع ماسبق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز لأمتي عَمّا وَسْوست ــ أو حدَّثت ــ به أنفسها، مالم تعمل به أو تكلَّم) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ للبخاري (حديث 6664). فهذا الحديث جمع مراتب النية ومايؤاخذ به العبد منها وما لايؤاخذ به:
فكل ماهو دون العزم (الإرادة الجازمة) ــ من الخاطر وحديث النفس وهَمّ الخطرات ــ معفو عنه غير مؤاخذ به.
أما العزم (الإرادة الجازمة) فمؤاخذ به، ولابد أن يظهر على الجوارح في حركة أو لفظ وهذا هو السِّر في قوله صلى الله عليه وسلم (مالم تعمل به أو تكلّم). فكل عمل أو كلام يُعبِّر عن الإرادة الجازمة ــ وإن لم يكن هو العمل المقصود نفسه بتمامه ــ يجعل العبد في محل المؤاخذة إن خيراً فخير، وإن شراً فشرٌُ، إذ لم يمنعه عن العمل الأصلي إلا العجز.
ومما يدل على أن العبد يُجازى على الإرادة الجازمة إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد ٍ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي ربه فيه ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازلِ، وعبد ٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملتُ فيه بعمل فلان فهو بنيّته فأجرهما سواء، وعبد ٍ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم، لايتقي فيه ربه ولايصل فيه رحمه، ولايعلم لله فيه حقاً، فهو بأخبث المنازل، وعبد ٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته فوزرهما سواء) رواه الترمذي ــ واللفظ له ــ وابن ماجة عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه، وصححه الترمذي.
وفي هذا الحديث نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الرجلين الثاني والرابع استحقا الثواب والإثم ــ على الترتيب ــ بمجرد النيّة (فهو بنيّته....)، والمقصود بها الإرادة الجازمة التي ظهرت من كلا الرجلين في كلام تكلماه، وهو قول كل منهما (لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان)، فاستحقا الجزاء كاملا وإن لم يعملا العمل المراد بتمامه.


ب-العبادة عن العادة: مثاله :الوضوء نبردا و تنظفا(عادة) و الوضوء للصلاة(عبادة)، الصيد لعبا و لهوا(عادة) والصيد اعداد للجهاد(عبادة).
ج-العبادة عن العبادة:ركعتي الفجر(النافلة المؤكدة) عن ركعتي الفرض.

يتبع ان شاء الله عز وجل

ابو مارية القرشي
04-20-2005, 12:23 AM
الفائدة السادسة:

الحذر من الرياء.


فصل في الرياء:
(بحث ماتع للشيخ المجاهد علي الخضير- فك الله أسره- منقول بتمامه من الوجازة شرح الاصول الثلاثة)

" مسألة " مبحث في الرياء مصدر رأى يرائي وهو مشتق من الرؤية ، واصطلاحاً : هو عمل الصالحات يريد مدح الناس وثناءهم ومنه ما يسمى بالسمعة لكن السمعة مختصة بالمسموعات كتحسين القراءة أو يصلى لكي يمدحه الناس .
" مسألة " حكم الرياء : يختلف حكمه باختلاف أقسامه ، ولذا فهو على أقسام :
أولاً : ما يكون شركاً أكبر وهو أنواع :
أ ـ يدخل في الدين رياءا وهو أساس دخوله في هذا الدين ، وهذا الرياء الأكبر وهو مخرج من الملة ، قال تعالى ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) .
ب ـ أن يرائي في الأعمال التي تركها كفر كمن راءى في صلاة الفريضة كمن صلى الظهر مرائياً قال تعالى ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ) ، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم في أول حديث : وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام اهـ . وهذه المسألة بحثناها بحثا موسعا في كتاب الوسيط في شرح أول رسالة في مجموعة التوحيد .
ج ـ أن يكون الغالب على أعماله من حيث الكمية الرياء فيكون بهذا كفر مخرج من الدين وشرك أكبر ، وهذا غالباً لا يصدر إلا عن منافق أو علماني ، قال تعالى ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ). وقال تعالى ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ) .
ومن القضايا المعاصرة ما يفعله الحكام المبدلون من إظهار الشعائر الدينية من أجل مقاصد سياسية أو ما يفعلونه هم والعلمانيون من التدين تكتيكا أو مناورة من أجل مصالح انتخابية . وكذلك كل من أظهر الإسلام المزيف الإسلام الأمريكي أو الإسلام المخصب .
ثانياُ : ما كان شركاً أصغر وهو أنواع :
أ ـ أن يكون العمل معيناً عمله رياءا بشرط أن لا يكون هذا العمل مما تركه كفر ، كمن راءى في النوافل المعينة .
ب ـ ما يسمى بالرياء الطارئ ، وهو أن يبتدئ العمل المعين لله ثم يطرأ عليه الرياء فهذا على حالتين :
- أن يدافعه الشخص ولا يركن إليه ، فهذا لا يضره كما قال عليه الصلاة والسلام : [ إن الله عفا لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ] ، ونقل ابن رجب في جامع العلوم والحكم في أول حديث الإجماع على أنه إذا لم يسترسل معه فلا يضره .
- أن يسترسل معه ، فهذا ذكر ابن رجب الخلاف فيه فقال : وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره فإن كان خاطرا ودفعة فلا يضره بغير خلاف فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته ؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولي وهو مروي عن الحسن البصري وغيره ويستدل لهذا القول بما خرجه أبو داود في مراسيله عن عطاء الخراساني أن رجلا قال يا رسول الله إن بني سلمة كلهم يقاتل فمنهم من يقاتل للدنيا ومنهم من يقاتل نجدة ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله فأيهم الشهيد ؟ قال كلهم ) إذا كان أصل أمره أن تكون كملة الله العليا .
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية وكذلك روي عن سليمان بن داود الهاشمي أنه قال ربما أحدث بحديث ولي فيه نية فإذا أتيت على بعضه تغيرت نيتي فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى نيات ولا يرد على هذا الجهاد كما في مرسل عطاء الخراساني فإن الجهاد يلزم بحضور الصف ولا يجوز تركه حينئذ فيصير كالحج اهـ المقصود .
والصحيح الحبوط بالرياء الطارئ إذا استرسل معه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة : [ من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ] رواه مسلم .
" مسألة " لو طرأ عليه الرياء بعد العمل لا يضر لأنه بعد انتهاء العمل ، فالرياء ما كان في العمل أو قبله يدل عليه مفهوم حديث أبي هريرة : [ من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري ... ] فيه خرج بعده ما لم يكن يحدّث فيه لأجل أن يمدح فيكون سمعة
" مسألة " مدح الناس وثناؤهم عليه ليس من الرياء ، لما جاء في الصحيح في الرجل يعمل العمل فيمدحه الناس قال : [ تلك عاجل بشرى المؤمن ] . قال ابن رجب في جامع العلوم : فأما إذا عمل العمل لله خالصا ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بفضل ورحمة واستبشر بذلك لم يضره ذلك وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير يحمده الناس عليه فقال ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) خرجه مسلم وخرجه ابن ماجه وعنده الرجل يعمل العمل فيحبه الناس عليه ولهذا المعنى فسره الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وابن جرير الطبري وغيرهم وكذلك الحديث الذي خرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله الرجل يعمل فيسره فإذا اطلع عليه أعجبه فقال ( له أجران أجر السر وأجر العلانية ) اهـ .
" مسألة " لو عمل العمل ليس من عادته ولكن ليقتدي به الآخرون كاعتناء العالم ببعض السنن ليحث الناس فهذا ليس من الرياء لما جاء في حديث سهل المتفق عليه : [ أن النبي صلى الله عليه وسلم علي المنبر قال : فعلت هذا لتأتموا بي ] . قال ابن رجب في الجامع : ولو شرك بين نية الوضوء وبين قصد التبرد أو إزالة النجاسة أو الوسخ أجزأه في المنصوص عن الشافعي وهذا قول أكثر أصحاب أحمد لأن هذا القصد ليس بمحرم ولا مكروه ولهذا لو قصد مع رفع الحدث تعليم الوضوء لم يضره ذلك وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد أحيانا بالصلاة تعليمها للناس وكذلك الحج كما قال خذوا عني مناسككم اهـ .

ابو مارية القرشي
04-20-2005, 12:24 AM
" مسألة " لو ترك العمل لأجل الناس هل هو من الرياء والمقصود بالعمل أي العمل الذي اعتاده – كصوم الاثنين والخميس – أو حسّن القراءة في صلاته – ثم تركه من أجل الناس ؟ قولان لأهل العلم :
القول الأول : فيه تفصيل إن كان العمل المتروك واجباً فهذا من الرياء لأن ترك الواجب معصية وإن كان من السنن والتطوعات فلا ، قالوا ومثله لو ترك المعصية خشية الناس قال ابن رجب في الجامع : فأما إن هم بمعصية ثم ترك عملها خوفا من المخلوقين أو مراءاة لهم فقد قيل أنه يعاقب على تركها بهذه النية لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرم وكذلك قصد الرياء للمخلوقين محرم فإذا اقترن به ترك المعصية لأجله عوقب على هذا الترك وقد خرج أبو نعيم بسند ضعيف عن ابن عباس قال يا صاحب الذنب لا تأمنن من مدقق سوء عاقبته ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته وذكر كلاما وقال خوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا فعلته وقال الفضيل بن عياض كانوا يقولون ترك العمل للناس رياء والعمل لهم شرك اهـ .
القول الثاني : إنه رياء كما قال الفضيل بن عياض كانوا يقولون ترك العمل للناس رياء والعمل لهم شرك اهـ والشاهد العمل فهي للعموم تشمل العمل الواجب أو المستحب ، والذي تميل إليه النفس الثاني وأنه من الشرك بل يجب علي الإنسان أن يكون طبيعياً فيعمل أعماله لنفسه لا يعمل ولا يترك من أجل الناس فهاتان سيئتان .
" مسألة " إذا كان إنسان لم يعتد العمل الصالح ولكن حضره ناس اعتادوا الصيام فصام معهم هذا ليس من الرياء لحديث حنظلة الأسيدي قال لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا قال أبو بكر فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات رواه مسلم وهذا يُعدّ من النشاط .
" مسائل العمل لأجل الدنيا " تعريفه : أن يعمل العمل الصالح يريد الدنيا والمال والمنصب وهكذا ( والمرائي يريد أن يمدح ) وكلاهم يعمل صالحاً وحكمه ينقسم باعتبار أقسامه إلى :
أ ـ ما كان شركاً أكبر وهو أن يدخل في الدين من أجل الدنيا.
ب ـ أن يعمل العمل الذي تركه كفر من أجل الدنيا كن صلى من أجل الدنيا فحكمه أنه شرك أكبر ، مثلاً : يصلى لأن المدير يأمره بالصلاة ولو لم يصلى فسيفصله ، فهو كافر .
ج ـ أن يكون الغالب على أعماله إرادة المصالح الدنيوية ، فهذا شرك أكبر ، أما الذي هو شرك أصغر فهو أن يعمل المعين أو بعض الأعمال الصغيرة يريد الدنيا .
وكل الأقسام التي ذكرنا هنا هي نفس أقسام الرياء السابقة .
" مسألة " أمثلة للعمل من أجل الدنيا كالذي يجاهد لأجل الدنيا فقط ( فهذا شرك أصغر ) وكالذي يهاجر من أجل الدنيا فقط ، وكالأذان من أجل الراتب وقراءة القرآن من أجل المال فقط ، وكصلة الرحم يريد كثرة المال فقط ، وكالدراسة في كلية الشريعة ونحوها يريد المال فقط .
كلمة " فقط " مهمة أتينا بها بعد كل مثال ، فهناك فرق .. مثلاً :
1- من جاهد يريد الآخرة فقط .
2- من جاهد يريد الدنيا فقط هذا يقابل الأول . وهذا ليس له مقصد الدين وإنما يريد الدنيا والمغنم .
3- بينهما وهو الذي يريد الدنيا ويريد الآخرة : والحكم للغالب منهما فإذا كان 70% يريد الآخرة لكن 30% يريد مثلاً الغنيمة فالحكم أنه ليس من الشرك الأصغر وهذا جائز ولا يقال محرم لكن ينقص أجره عمن لم يرد ذلك ، والدليل : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } فنفا عنهم الحرج أن يتكسبوا في الحج ولو كان بالعكس الغالب عليه الدنيا فهذا من الشرك الأصغر .
4- لو تساوى : هذا من الشرك الأصغر . لعموم حديث ( أجعلتني لله ندا ) وهنا جعل الدنيا مساوية لله .
هذا ما ترجح لنا ، لكن ابن رجب رحمه الله له اختيار آخر فقد قال في جامع العلوم والحكم : فإن خالط نيته الجهاد مثل نية غير الرياء مثل أخذه أجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهاده ولم يبطل بالكلية وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي أجرهم فإن لم يغنموا شيئا تم لهم أجرهم )
وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث تدل على أن من أراد بجهاده عرضا من الدنيا أنه لا أجر له وهي محمولة على أنه لم يكن له غرض في الجهاد إلا الدنيا وقال الإمام أحمد التاجر والمستأجر والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزواتهم ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره وقال أيضا فيمن يأخذ جعلا على الجهاد إذا لم يخرج إلا لأجل الدراهم فلا بأس أن يأخذ كأنه خرج لدينه فإن أعطي شيئا أخذه وكذا روي عن عبد الله بن عمرو قال إذا ( جمع أحدكم على الغزو فعوضه الله رزقا فلا بأس بذلك وأما إن أحدكم إن أعطي درهما غزا وإن منع درهما مكث فلا خير في ذلك ) ، وكذا قال الأوزاعي ( إذا كانت نية الغازي على الغزو فلا أرى بأسا)
وهكذا يقال فيمن أخذ شيئا في الحج ليحج به إما عن نفسه أو عن غيره وقد روي عن مجاهد أنه قال في حج الحمال وحج الأجير وحج التاجر هو تام لا ينقص من أجورهم شيء ) وهذا محمول على أن قصدهم الأصلي كان هو الحج دون التكسب اهـ المقصود والله اعلم .
" مسألة " لماذا ذكرنا كلمة " فقط " في المسائل السابقة ؟ لأنه إذا أراد وجه الله مع الدنيا فهذا يختلف الحكم أما الأمثلة السابقة فهي إرادة دنيا فقط أما من أرادهما معاً فسبق تفصيله .

ابو مارية القرشي
04-20-2005, 12:27 AM
وتأتيكم بقية الفوائد تباعا ان شاء الله عز وجل

ابو مارية القرشي
04-21-2005, 02:02 AM
الفائدة السابعة: فضل الهجرة في سبيل الله.

الفائدة الثامنة:
اقتصر في جواب هذا الشرط(فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) على إعادته بلفظه لأن:
أ- حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا.
ب- الهجرة إلى الله ورسوله واحدة لا تعدد فيها فلذلك أعاد الجواب فيها بلفظ الشرط.(مختصر من جامع العلوم).

الفائدة التاسعة:

اقتصر في جواب الشرط الثاني على قوله" فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ" لانه:
أ-حقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به حيث لم يذكر بلفظه.
ب- والهجرة لأمور الدنيا لا تنحصر فقد يهاجر الإنسان لطلب دنيا مباحة تارة ومحرمة تارة وأفراد ما يقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر فلذلك قال فهجرته إلى ما هاجر إليه يعني كائنا ما كان. (مختصر من جامع العلوم).

ابو مارية القرشي
04-21-2005, 02:03 AM
وتاتيكم بقية الفوائد قريبا ان شاء المولى عز وجل

ابو مارية القرشي
04-23-2005, 03:53 AM
الفائدة التاسعة:

اقتصر في جواب الشرط الثاني على قوله" فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ" لانه:
أ-حقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به حيث لم يذكر بلفظه.
ب- والهجرة لأمور الدنيا لا تنحصر فقد يهاجر الإنسان لطلب دنيا مباحة تارة ومحرمة تارة وأفراد ما يقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر فلذلك قال فهجرته إلى ما هاجر إليه يعني كائنا ما كان. (مختصر من جامع العلوم).



فصل في الهجرة و أحكام الديار:

(مختصر من الإعلام بوجوب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام للشيخ المجاهد عبد العزيز الجربوع فك الله أسره)

أنواع الديار:

1- دار الإسلام هي : كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة . وقال الشافعي : هي كل أرض تظهر فيها أحكام الإسلام.
2- دار الكفر هي : كل بقعة تكون فيها أحكام الكفر ظاهرة وليس بينها وبين المسلمين حرب ، وفي حكمها دار المحاربين وقت الهدنة فكل دار حرب دار كفر لا العكس .
3- دار مركبة هي : التي فيها المعنيان ، ليست بمنزلة دار السلم التي يجري عليها أحكام الإسلام , لكون جندها مسلمين , ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار , بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه . كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ج4ص331والفتاوىج28ص142
4- دار الحرب هي : كل بقعة تكون فيها الحرب بين المؤمنين والكافرين ، فدار الحرب هي دار الكفار الذين بينهم والمسلمين الحرب.
5- دار العهـد وتسمى دار الموادعة ودار الصلح وهي : كل ناحية صالح المسلمون أهلها بترك القتال على أن تكون الأرض لأهلها .
6- دار البغي هي: ناحية من دار الإسلام تحيز إليها مجموعة من المسلمين لهم شوكة خرجت على طاعة الإمام بتأويل .

تعريف الهجرة في الشرع ، أو الاصطلاح : هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام . كما قال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن وقال ابن قدامة في المغني : هي الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام . وقال الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله - في الدرر السنية - هي : الانتقال من مواضع الشرك والمعاصي إلى بلد الإسلام والطاعة .

حالات المهاجر الأربع

1-أن لا يستـطيع إظـهار دينه في دار الكـفر ، ويمكنه الهجرة: اتفق أهل العلم اتفاقاً أشبه بالإجماع على أن الهجرة في هذه الحالة واجبة ومن لم يهاجر فإن الوعيد ينتظره ولذا كانت براءة الرسول منه ، بل إن كانت أنثى لا تجد محرما وكانت تأمن على نفسها في الطريق أو كان خوف الطريق أقل من خوف المقام في دار الحرب. وجبت عليها الهجرة ، لقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً } (النساء:97)
2-أن لا يستـطيع إظهار دينه في دار الكـفر ، ولا يمكنه الهجرة: فقد اتفق أهل العلم أيضاً في مثل هذه الحالة على عدم الهجرة ولا يعلم في ذلك مخالف لقوله تعالى{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} وعدم الاستطاعة هنا إما أن تكون لمرض , أو إكراه على الإقامة في دار الكفر أو ضعف كالنساء , والولدان . أو غير ذلك من أنواع العجز المسقط لحكم وجوب الهجرة . ولكن يجب أن يبقى المؤمن في حالة تأهب ، وتحفز ، واستعداد للتخلص من البقاء في هذه الدار ، ويتحين فرصة للهرب ، والنجاة بدينه ، ولا يغفل عن ذلك طرفة عين .

3-أن يستطيع إظهار دينه في دار الكفر ، ولا يمكنه الهجرة إن أراد: لا تجب عليه الهجرة ويجوز له البقاء إلى أن يجعل الله له مخرجا ولكن ينبغي أن يتحين وينتهز الفرصة ويحاول ويبذل جهده ويستفرغ وسعه في الهروب والهجرة من هذه الدار.

4-أن يستطيع إظهار دينه في دار الكـفر ، و يمكنه الهجرة إن أراد: وجوب الهجرة ويأثم القادر عليها ولم يهاجر لأن الله لم يعذره. وهذا مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة . هو اختيار أئمة الدعوة السلفية قاطبة والمطالع للدر السنية ، والرسائل والمسائل النجدية ، ومجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب علم ذلك علم اليقين ، حتى شدد الشيخ عبدالرحمن بن حسن وقال : ذكر ابن حجر عن صاحب المعتمد : أن الهجرة كما تجب من بلاد الكفر ، تجب من بلاد الإسلام إذا أظهر المسلم بها واجباً ، ولم يقبل منه ، ولا قدر على إظهاره .
ثم أضاف الشيخ عبد الرحمن بن حسن وقال : وكذلك يجب على كل من كان ببلد يعمل فيها بالمعاصي ، ولا يمكنه تغييرها ، الهجرة إلى حيث تتهيأ له العبادة لقوله تعالى : { فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ......... إلى آخر ما قال في الدرر السنية ج8ص291ط5 .




[COLOR=Red]يتبع ان شاء الله

ابو مارية القرشي
04-23-2005, 04:28 PM
فصل في بيان المقصود بإظهار الدين

يعتقد كثير من الناس أن المقصود من إظهار الدين هو أن تصلي ، وتصوم وتقرأ القرآن في الديار الكافرة ، أو الحربية ، ولا أحد يعترضك ، أو يؤذيك ، فإذا فعلت هذا فقد أظهرت دينك بينهم ، وهذا غلط فاحش وهوة سحيقة لا بد من ردمها حيث يقول جل ذكره :{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} إذاً إظهار الدين يكون بإعلان الكفر بهذه الأنظمة ، والتصريح لهم بالعداوة ، وأن يعرف هؤلاء الكفرة ، والمرتدون كفرنا بهم ، وعداوتنا لهم ، وأن لو ظفرنا بهم ما تركناهم على ظهرها ، كما قال عمر رضي الله عنه عندما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب – يقصد رأيك في أسرى بدر - قال : قلت والله ما أرى ما رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم ، وأئمتهم ، وقادتهم ، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهوى ما قلت ، وأخذ منهم الفداء ، فلما كان من الغد قال عمر  فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر  وهما يبكيان ، فقلت : ما يبكيك أنت ، وصاحبك ،فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة ........ )وأنزل الله عز وجل { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض }إلى قوله { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فأحل لهم الغنائم فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صدوا يوم بدر من أخذهم الفداء ، فقتل منهم سبعون وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، فأنزل الله {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} بأخذكم الفداء ورواه مسلم 1763 وأبو داود 2690 والترمذي.
وما أجمل ما سطره الطبري في تفسيره في هذا المعنى المذكور سلفاً حيث يقول :
في هذه الآية:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان لكم أيها المؤمنون أسوة حسنة ، يقول : قدوة حسنة في إبراهيم خليل الرحمن تقتدون به ، والذين معه من أنبياء الله ، كما حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله عز وجل قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه قال الذين معه الأنبياء ، وقوله إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله يقول حين قالوا لقومهم الذين كفروا بالله وعبدوا الطاغوت أيها القوم إنا برآء منكم ومن الذين تعبدون من دون الله من الآلهة والأنداد ، وقوله : كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ، يقول جل ثناؤه مخبرا عن قيل أنبيائه لقومهم الكفرة كفرنا بكم ، أنكرنا ما كنتم عليه من الكفر بالله وجحدنا عبادتكم وما تعبدون من دون الله ، أن تكون حقا ، وظهر بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبدا على كفركم بالله وعبادتكم ما سواه ، ولا صلح بيننا ولا هوادة حتى تؤمنوا بالله وحده يقول حتى تصدقوا بالله وحده فتوحدوه وتفردوه بالعبادة ، وقوله إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء يقول تعالى ذكره قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه في هذه الأمور التي ذكرناها ، من مباينة الكفار ومعاداتهم وترك موالاتهم إلا في قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك فإنه لا أسوة لكم فيه . أ.هـ وقال ابن كثير رحمه الله : يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه أي وأتباعه الذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم أي تبرأنا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم أي بدينكم وطريقكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا يعني وقد شُرعت العداوة ، والبغضاء من الآن بيننا ، ما دمتم على كفركم فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم حتى تؤمنوا بالله وحده أي إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد . أ.هـ
وفي الدرر السنية قال أبنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب : وإظهار الدين تكفيرهم وعيب دينهم ، والطعن عليهم ، والبراءة منهم ، والتحفظ من مودتهم والركون إليهم واعتزالهم ، وليس فعل الصلوات فقط إظهاراً للدين ، وقول القائل إنا نعتزلهم في الصلاة ولا نأكل ذبيحتهم حسن ، لكن لا يكفي في إظهار الدين وحده بل لا بد مما ذكر
وقال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى: والمراد التصريح باستمرار العداوة والبغضاء لمن لم يوحد ربه ، فمن حقق ذلك علماً وعملاً ، وصرح به حتى يعلمه منه أهل بلده ، لم تجب عليه الهجرة من أي بلد كان . وأما من لم يكن كذلك ، بل ظن أنه إذا ترك يصلي ويصوم ويحج ، سقطت عنه الهجرة ، فهذا جهل بالدين ، وغفول عن زبدة رسالة المرسلين ، فإن البلاد إذا كان الحكم فيها لأهل الباطل ، عباد القبور ، وشربة الخمور وأهل القمار ، فهم لا يرضون إلا بشعائر الشرك ، وأحكام الطواغيت ، وكل موطن يكون كذلك لا يشك من له أدنى ممارسة للكتاب والسنة ، أن أهله على غير ما كان عليه رسول الله . الدرر ج السنية1ص413و418ط5
ويبقى هنا أمر لم يتضح لي-القائل هو الشيخ عبد العزيز فك الله أسره- حتى الآن ألا وهو : هل يكفي في مسألة إعلان العداوة أن يعرف منك ذلك فقط ، لقوله تعالى {قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} حتى ولو لم تتكلم بحضرتهم ، أو حضرة الذين يوصلون لهم الحديث ؟ أو لا بد من إعلان ذلك بصوت مرتفع ومسموع في كل مكان ؟ حيث المتأمل للنصوص السنة يجد الأمرين ، مع الاتفاق في أن الذي لا يُعرفُ عنه من قبل أعدائه ،و من قبل المؤمنين ، تبريه من الكافرين ، والمرتدين ودينهم ، أنه يجب عليه وجوباً حتمياً ، إظهار ذلك بأي طرق الإظهار التي تؤدي الغرض بأوضح صورة وأبينها وإلا فالهجرة فرض عليه مع القدرة ويأثم بتركها .

يتبع ان شاء الله

ابو مارية القرشي
04-25-2005, 07:18 PM
[
أسس على طريق الهجرة
أولاً : ينبغي للمهاجر احتساب الأجر في الهجر وإخلاص النية لله تعالى ، وأنه هاجر نصرة لدينه وفراراً به من الفتن، مع الاستعداد لمتاعب الطريق و الموت{ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}.
ثانياً : أن يتحقق من مسألة دار الكفر ، ودار الحرب ، وهنا لا ينبغي أن نوجب الهجرة على المسلمين في الدار التي لم يتبين حالها ( المركبة ) كبلد ماردين - إلا إذا لم يستطع المرء إظهار دينه فيها - حيث سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عنها فقال : الحمد لله دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة , سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم والمقيم بها إن كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه , وإلا استحبت ولم تجب ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال , محرمة عليهم , ويجب عليهم الامتناع من ذلك بأي طريق أمكنهم من تغيب , أو تعريض , أو مصانعة , فإذا لم يمكن إلا بالهجرة تعينت , ولا يحل سبهم عموما ورميهم بالنفاق , بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة , فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم . وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التي يجري عليها أحكام الإسلام , لكون جندها مسلمين , ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار , بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه أ.هـ
وفي هذه الحالة المذكورة آنفا ًيستطيع المرء أن يقول باستحباب الهجرة دون الوجوب ، إن كان مستطيعاً إظهار دينه ، كي لا يؤثم الآخرين بلا دليل صحيح صريح وإن لم يستطع إظهار دينه فالهجرة واجبة ولا شك .
ثالثاً : يجب على العالم ما لا يجب على العامي ويجب على من تقوم به مصلحة الدعوة ما لا يجب على من ليس كذلك ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، لذا إيجاب الهجرة على الجماعات ليس كإيجابها على الأفراد ، وإيجابها على الأفراد الذين تكمن من وراء مجيئهم مصلحة الإسلام والمسلمين ليس كايجابها على الأفراد الذين ليس من وراء مجيئهم إلا التعب والعناء ، وإرهاق الآخرين بهم . والعبرة بالدليل الشرعي لا العواطف الإيمانية فالمسألة دين وشرع .

رابعاً : لا نغفل عن النوع الذي قرره ابن قدامة في المغني قائلاً : من تستحب له ولا تجب عليه . وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه , وإقامته في دار الكفر فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم . ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة . وقد كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة مع إسلامه أ.هـ لكي لا يشدد على من رأى عدم وجوب الهجرة وإنما الندب المؤكد .
خامساً : ينبغي أن يهاجر المؤمن من المكان الذي هو فيه إلى ما هو أفضل منه وإلا لم تجب الهجرة عليه ، إلا إلى موضع خلى عما هاجر لأجله من المعاصي فيهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام ، ومن دار ظلم وعصيان إلى دار إنصاف وإحسان.

سادساً : لا يجوز لمن هاجر أن يرجع من مهاجره لغير عذر شرعي وإلا فهو مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

سابعاً : من لوازم عدم الهجرة غالباً ، مشاهدت المنكرات ، ومداهنة أرباب المعاصي والسيئات ، وموادتهم ، وانشراح الصدر لهم ، فإن الشر يتداعى ، ويجر بعضه بعضاً ، فلا يرضون عمن هو بين أظهرهم بدون هذه الأمور ، ولا بد من رضاهم والمبادرة في هواهم . ولو هاجر فإن من لوازم هجرته أن يفارق هذه الأمور المذكورة آنفاً وإلا ما فائدة هجرته.

ثامناً : كون الأرض دار كفر ، أو دار إيمان ، أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها بل هي صفة عارضة بحسب سكانها ، والحكم الذي تحكم به ، فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون ، وحكمت بشرع الله تعالى فهي دار أولياء الله في ذلك الوقت وكل أرض سكانها الكفار ، أو حكمت بغير الإسلام فهي دار كفر في ذلك الوقت وكل أرض سكانها الفساق فهي دار فسق في ذلك الوقت فإن سكنها غير ما ذكرنا وتبدلت بغيرهم فهي دارهم .

مسالة في حكم البلاد العربية:فمثلاً لو أخذنا أحد البلدان العربية ، الشعب كله مسلم ، بل المساجد تغص بهم ويشهدون الجمع والجماعات ، وصوت الأذان في كل وقت يملا الأجواء ، ولكن الحكام يحكمون هذا الشعب بالقوانين الوضعية ، المسماة زوراً وبهتاناً إسلامية ، أو مستمدة من الإسلام كما يزعمون ، المحاكم كذلك وضعية ، و مناهج التعليم معلمنة وإعلان كره الكافرين والتبري منهم ، ومن دينهم جريمة يمنع النظام منها ، والجهاد معطل ، ويعاقب من يضبط أنه جاهد يوماً من الأيام ، ومولاة للكافرين ونصرتهم على المسلمين و…. و…. و…. مما يعجز اللسان عن وصفه ، ومما يزيد الطين بلة وضغثاً على إبالة ، أن ويقوم ثلة وحثالة من علماء السلطة ينعقون صباح مساء ، قائلين : إن هؤلاء ولاة أمر يجب طاعتهم والسير خلف ركابهم ومن لم يسر فسوف يموت ميتة جاهلية ‍‍‍‍!!!! هنا يأتي السؤال الكبير القائل ما حكم هذه الديار التي هذا وصفها ؟ وما حكم الهجرة من هذه الديار والحالة كذلك ، إذا لم يستطع المسلم إظهار دينه في هذه الديار ؟ .
والجواب : لا شك أن حكم هذه الدار ليست مسلمة ، وإنما ديار كفر ، أو دار مركبة كما ، قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ،عن بلد ماردين ،كما مر معنا قبل قليل وإن كنت أميل إلى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث ، إن هذه الدار حصلت في عهده فكان وضعها وضع النوازل ، فاجتهد رحمه الله في استحداث هذا الوصف لمثل هذه الدار ، وعلى كلٍ فإن الخلاف لفظي لو ما نظرنا إلى حكم الهجرة من هذه الدار إذ إن من يقول أنها دار كفر أو يقول إنها دار مركبة يتفقون على القول بوجوب الهجرة على من لم يستطع إظهار دينه ، وما خالف في ذلك إلا نزر يسير من الحنفية.

وبهذا يتم المراد من اختصار كتاب الاعلام للشيخ عبد العزيز الجربوع فك الله أسره

ابو مارية القرشي
04-25-2005, 07:20 PM
الفائدة العاشرة
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:
والجهر بالنية لا يجب ولا يستحب باتفاق المسلمين، بل الجاهر بالنية مبتدع مخالف للشريعة، إذا فعل ذلك معتقدًا أنه من الشرع فهو جاهل ضال، يستحق التعزير، وإلا العقوبة على ذلك، إذا أصر على ذلك بعد تعريفه والبيان له، لا سيما إذا آذى من إلى جانبه برفع صوته، أو كرر ذلك مرة بعد مرة، فإنه يستحق التعزير البليغ على ذلك، ولم يقل أحد من المسلمين‏:‏ إن صلاة الجاهر بالنية أفضل من صلاة الخافت بها، سواء كان إماما أو مأمومًا، أو منفردًا‏.‏

وأما التلفظ بها سرًا فلا يجب ـ أيضًا ـ عند الأئمة الأربعة، وسائر أئمة المسلمين، ولم يقل أحد من الأئمة‏:‏ إن التلفظ بالنية واجب، لا في طهارة ولا في صلاة، ولا صيام، ولا حج‏.‏
ولا يجب على المصلى أن يقول بلسانه‏:‏ أصلي الصبح، ولا أصلي الظهر، ولا العصر، ولا إماما ولا مأمومًا، ولا يقول بلسانه‏:‏ فرضًا ولا نفلا، ولا غير ذلك، بل يكفي أن تكون نيته في قلبه، واللّه يعلم ما في القلوب‏.‏
وكذلك نية الغسل من الجنابة والوضوء، يكفي فيه نية القلب‏.‏
وكذلك نية الصيام في رمضان، لا يجب على أحد أن يقول‏:‏ أنا صائم غدًا، باتفاق الأئمة، بل يكفيه نية قلبه‏.‏
والنية تتبع العلم، فمن علم ما يريد أن يفعله فلابد أن ينويه، فإذا علم المسلم أن غدًا من رمضان ـ وهو ممن يصوم رمضان ـ فلابد أن ينوي الصيام، فإذا علم أن غدًا العيد لم ينو الصيام تلك الليلة‏.‏
وكذلك الصلاة‏:‏ فإذا علم أن الصلاة القائمة صلاة الفجر، أو الظهر ـ وهو يعلم أنه يريد أن يصلي صلاة الفجر، أو الظهر ـ فإنه إنما ينوي تلك الصلاة، لا يمكنه أن يعلم أنها الفجر، وينوي الظهر‏.‏
وكذلك إذا علم أنه يصلي إماما أو مأمومًا، فإنه لابد أن ينوي ذلك، والنية تتبع العلم والاعتقاد اتباعا ضروريًا، إذا كان يعلم ما يريد أن يفعله، فلابد أن ينويه‏.‏ فإذا كان يعلم أنه يريد أن يصلي الظهر ـ وقد علم أن تلك الصلاة صلاة الظهر ـ امتنع أن يقصد غيرها، ولو اعتقد أن الوقت قد خرج أجزأته صلاته، باتفاق الأئمة‏.‏
ولو اعتقد أنه خرج فنوى الصلاة بعد الوقت، فتبين أنها في الوقت، أجزأته الصلاة باتفاق الأئمة‏.‏
وإذا كان قصده أن يصلي على الجنازة ـ أي جنازة كانت ـ فظنها رجلا، وكانت امرأة، صحت صلاته بخلاف ما نوى‏.‏ وإذا كان مقصوده ألا يصلي إلا على ما يعتقده فلانًا، وصلى على من يعتقد أنه فلان، فتبين غيره، فإنه هنا لم يقصد الصلاة على ذلك الحاضر‏.‏
والمقصود هنا أن التلفظ بالنية لا يجب عند أحد من الأئمة، ولكن بعض المتأخرين خرج وجهًا في مذهب الشافعي بوجوب ذلك، وغلطه جماهير أصحاب الشافعي، وكان غلطه أن الشافعي قال‏:‏ لابد من النطق في أولها، فظن هذا الغالط أن الشافعي أراد النطق بالنية، فغلطه أصحاب الشافعي جميعهم، وقالوا‏:‏ إنما أراد النطق بالتكبير، لا بالنية‏.‏ ولكن التلفظ بها هل هو مستحب، أم لا ‏؟‏ هذا فيه قولان معروفان للفقهاء‏.‏
منهم من استحب التلفظ بها، كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبى حنيفة والشافعي وأحمد، وقالوا‏:‏ التلفظ بها أوكد، واستحبوا التلفظ بها في الصلاة والصيام والحج، وغير ذلك‏.‏
ومنهم من لم يستحب التلفظ بها، كما قال ذلك من قاله من أصحاب مالك، وأحمد، وغيرهما وهذا هو المنصوص عن مالك، وأحمد، سئل‏:‏ تقول قبل التكبير شيئًا ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
وهذا هو الصواب فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقول قبل التكبير شيئًا، ولم يكن يتلفظ بالنية، لا في الطهارة، ولا في الصلاة، ولا في الصيام، ولا في الحج، ولا غيرها من العبادات، ولا خلفاؤه، ولا أمر أحدًا أن يتلفظ بالنية.

ابو مارية القرشي
04-25-2005, 07:27 PM
ونختم هذه الفوائد الطيبة بالدعاء للمجاهدين الابطال
اللهم انصر المجاهدين
اللهم سددهم
اللهم احفظهم
اللهم انتقم ممن عاداهم
اللهم احفظ شيوخهم وقادتهم
اللهم فك اسراهم
اللهم فك اسر المشايخ الكرام ابي محمد المقدسي و ابي قتادة الفلسطيني و عمر عبد الرحمن و عبد العزيز الجربوع و علي الخضير و ناصر الفهد و احمد الخالدي وسليمان بن ناصر العلوان و سعيد بن زعير و عبد القادر عبد العزيز وابي جندل الازدي وكل مشايخنا الاسارى في ايدي الطواغيت.
اللهم انصر امير المجاهدين في العراق ابا مصعب الزرقاوي
اللهم احفظه و سدده ويسر له البطانة الصالحة
اللهم احفظ الشيخين الكريمين الامامين العلمين اسامة واخاه ايمن
اللهم امين
اللهم امين
اللهم امين

عبد الله المزروع
04-27-2005, 02:30 AM
جزاك الله خيراً ، وهذا شرح للحديث الأول من رياض الصالحين ( ويعوزه كثيرٌ من التحرير ) .

1- وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَي بنِ غَالِبٍ الْقُرَشِيّ الْعَدَوِيَّ – رَضِيَ الله عَنهُ – ، قَالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يقُولُ : " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِيءٍ مَا نَوَى ؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " . مُتفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ . رَوَاهُ إِمَاما الْمُحَدثِينَ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُغِيرَةِ بْنِ بَرْدِزْبَه الْجُعْفيُّ الْبُخَارِيُّ ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – فِي صَحِيحيهِما اللَّذَيْنِ هُمَا أَصَحُّ الْكُتُبِ الْمُصَنَفَةِ .
تخريج الحديث :

الشرح :
أولاً : منزلة هذا الحديث ، وأهميته :
هذا الحديث عظيمُ الموقع ، كبير الفائدةِ ، وأصلٌ من أصول الدين ؛ قال النووي في المجموع ( 1 / 36 ) : مجمعٌ على عظم موقعه وجلالته ، وهو أجدى قواعد الإيمان ، وأول دعائمه ، وآكد الأركان . اهـ ، فلذلك عظَّمَ الأئمة أمر هذا الحديث ، واهتموا بشرحه ، والكلام عنه ؛ حتى بلغت المصنفات الخاصة في شرح هذا الحديث فقط أكثر من ستةَ عشر مصنفاً ، هذا فضلاً عن الكتب التي شرحته مع غيره من الأحاديث ، وغير الكتب التي تتكلم عن النية وأحكامها ، والإخلاص وما يتعلق به ...
فمما تقدم ، يتبين لنا اهتمام أهل العلم – رحمهم الله – بهذا الحديث ، وسأذكر طرفاً من كلامهم الذي يبين عِظَمَ منزلةِ هذا الحديث ؛ فمن ذلك :
1 – ما قاله الشافعي – رحمه الله – : حديث النية يدخل في سبعين باباً من أبواب الفقه ، وما تركَ لمبطلٍ ولا مضار ولا محتالٍ حجة إلى لقاء الله – تعالى – .
قال النووي – رحمه الله – مبيِّناَ كلام الشافعي السابق : لم يُرِدِ الشافعي – رحمه الله – انحصار أبوابه في هذا العدد ، فإنها أكثر من ذلك ! .
2 – وما قاله جماعةٌ من أهل العلم كالشافعي وأحمد – رحمهما الله – وغيرهما : أنَّ هذا الحديث ثلث العلم .
وقد بيَّن البيهقي –رحمه الله – معنى هذا الكلام بقوله : إن كسب العبد بقلبه ، ولسانه ، وجوارحه ؛ فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحِهَا ، لأنه يكون عبادةً بانفراده بخلاف القسمين الآخرين ، ولهذا كانت " نية المؤمن خيرٌ من عمله " ، ولأن القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء ونحوه ؛ بخلاف النية . اهـ .
3 – ومن ذلك ما قاله أبو عبيد – رحمه الله – : ليس شيءٌ من أخبار النبي – صلى الله عليه وسلم – حديثاً أجمع ، وأغنى ، وأكثر فائدةً ، وأبلغ من هذا الحديث .
4 – ومن ذلك ما قاله ابن دحية – رحمه الله – : لم أجد فيما أرويه من الدينيات أنفع من قوله : " إنما الأعمال بالنيات " فإذا مدار العلم عليه ، وهو نورٌ يسعى بين يديه .
5 – ومن ذلك ما قاله الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي – رحمه الله – : هذا الحديث أصلٌ كبيرٌ في صحة الأعمال الدينية ، وأنها موقوفةٌ على خلوص النية ، وهي بالإضافة إلى الأفعال والأقوال بمنزلة الأرواح للأشباح ؛ والأعمال كالأجسام الموات ، والنية الصالحة لها كالحياة ، فمتى لم يقصد العامل بعمله وجهَ الله دون ما سواه كان سعيه خائباً ، وأمله كاذباً ، قال تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " .
6 – ومن ذلك ما قاله عبد الرحمن بن مهدي – رحمه الله – : من أراد أن يصنف كتاباً ؛ فليبدأ بهذا الحديث .
وقد قال المصنف – رحمه الله – في المجموع ( 1 / 36 ) : وإنما بدأتُ بهذا الحديث تأسياً بأئمتنا ، ومتقدمي أسلافنا من العلماء – رضي الله عنهم – ، وقد ابتدأ به إمام أهل الحديث بلا مدافعةٍ أبو عبد الله البخاري صحيحه ، ونقل جماعةٌ أنَّ السلف كانوا يستحبون افتتاح الكتب بهذا الحديث تنبيهاً للطالب على تصحيح النية ، وإرادته وجهَ الله – تعالى – بجميع أعماله البارزة والخفية .
فلهذا بدأ المصنف – رحمه الله – وغيره كتبهم بهذا الحديث .
ثانياً : سبب ورود هذا الحديث :
قال الحافظ ابن رجب –رحمه الله في جامع العلوم والحكم ( 1 / 74 ط . الرسالة ) : وقد اشتهر أن قصة ( مهاجر أم قيس ) هي كانت سبب قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : " من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها " وذكر ذلك كثيرٌ من المتأخرين في كتبهم ، ولم نرَ لذلك أصلاً بإسنادٍ يصح ، والله أعلم . اهـ .
واستدلَّ من قال أن سبب ورود هذا الحديث قصةُ ( مهاجر أم قيس ) : بما رواه سعيد بن منصور في سننه ( ) ، ومن طريقه الطبراني في الكبير ( ) من حديث ابن مسعودٍ – رضي الله عنه – قال : كان فينا رجلٌ خَطَبَ امرأةً يقال لها : أمَّ قيسٍ ؛ فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر ، فهاجر ، فتزوجها ؛ فكنَّا نسميه ( مهاجر أم قيس ) .
قال ابن حجر في الفتح ( 1 / 16 ) : وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين .
وقال الهيثمي في المجمع ( 2 / 101 ) : رجاله رجال الصحيح .
لكن قال ابن حجر – رحمه الله – : ليس فيه أنَّ حديثَ الأعمال سيق بسبب ذلك ، ولم أرَ في شيءٍ من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك . اهـ .
مسألة : ما سبب الوهم في أنَّ هذا الحديث سيق بسبب قصة ( مهاجر أم قيس ) ؟
سبب الوهم – والله أعلم – : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكر في حديث : " إنما الأعمال بالنيات " من هاجر لامرأة ينكحها ، وفي أثر ابن مسعود – رضي الله عنه – ذكر قصة الرجل الذي هاجر من أجل أن يتزوج امرأةً ؛ فسمي ( مهاجر أم قيس ) .
ثالثاً : بيان معاني ألفاظ الحديث :
قوله : ( الأعمال ) : المقصود بالأعمال في هذا الحديث : عمل وحركات البدن ، وعمل وحركات اللسان التي هي : الأقوال .
قال ابن دقيق العيد – رحمه الله – في إحكام الأحكام ( 1 / 70 ) : ولا تردد عندي في أنَّ الحديث يتناول الأقوال أيضاً . اهـ ، أي : مع الأفعال .
قال ابن حجرٍ – رحمه الله – : لفظ العمل يتناول فعل الجوارح حتى اللسان ، فتدخل الأقوال . اهـ .
مسألة : هل يدخل في قوله – صلى الله عليه وسلم – : " الأعمال " التروك ؟
ذكر الصنعاني – رحمه الله – في حاشيته على إحكام الأحكام ( 1 / 71 ) : أنَّ الأشياء المتروكة لا تدخل في ( الأعمال ) لأن التروك مقابلة للأعمال لغةً ، وقسيمةٌ لها ، لا قسماً منها .
فإدراج التروك في ( الأعمال ) في غاية البعد .
والمقصود : أن الصنعاني وغيره من الشراح والعلماء ممن لم يدخل التروك في الأعمال ، يتفقون في أنَّ التروك لها حكم الأعمال من إثابةٍ وعقوبةٍ ، ومما يدل على ذلك :
1 – ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – في الحديث القدسي ، قال : " فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها ، كتبها الله عنده حسنةً كاملةً – إلى أن قال – وإن همَّ بسيئةٍ فلم يعملها ، كتبها الله عنده حسنةً كاملةً " الحديث .
2 – ما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " .
قوله : ( وإنما لكل امرئٍ ما نوى ) : قال ابن الملقن – رحمه الله – قوله : " وإنما لكل امرئٍ ما نوى " مقتضاه : أنَّ من نوى شيئاً يحصل له ، وما لم ينوه لا يحصل له .
ولهذا عظَّموا هذا الحديث ، وجعلوه ثلث العلم .
والمراد بالحصول وعدمه : بالنسبة إلى الشرع ، وإلا فالعمل قد حصل ؛ لكنه غيرُ معتدٍّ به ... اهـ .
قال ابن رجب – رحمه الله – : وقوله – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك : " وإنما لكل امرئٍِ ما نوى " إخبارٌ أنه لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به ، فإن نوى خيراً حصل له خير ، وإن نوى شراً حصل له شر ، وليس هذا تكريراً محضاً للجملة الأولى ، فإن الجملة الأولى دلَّت على أنَّ صلاح العمل وفساده بحسب النية المقتضيةِ لإيجاده ، والجملة الثانية دلَّت على أنَّ ثواب العامل على عمله بحسب نيته الصالحة ، وأنَّ عقابه عليه بحسب نيته الفاسدة ، وقد تكون نيته مباحةً ، فيكون العمل مباحاً ؛ فلا يحصل له ثوابٌ ولا عقاب ، فالعمل في نفسه صلاحه وفساده وإباحته بحسب النية الحاملة عليه المقتضيةِ لوجوده ، وثواب العامل وعقابه وسلامته بحسب نيته التي صار العمل صالحاً أو فاسداً أو مباحاً . اهـ .
قال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 3 / 123 أي طبعة ؟! ) : والنيةُ روح العمل ، ولُبُّهُ ، وقِوامه ، وهو تابعٌ لها ، يصح بصحتها ، ويفسد بفسادها .
والنبي – صلى الله عليه وسلم – قد قال كلمتين كفتا وشفتا ، وتحتهما كنوزُ العلم ، وهما قوله : " إنما الأعمال بالنيات " وتحتهما كنوز العلم ، وهما قوله : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " فبيَّن في الجملة الأولى : أنَّ العمل لا يقع إلا بالنية ؛ ولهذا لا يكون عملٌ إلا بنية .
ثم بيَّن في الجملة الثانية : أنَّ العامل ليس من عمله إلا ما نواه ، وهذا يَعُمُّ العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال ، وهذا دليلٌ على أنَّ من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا ، ولا يعصم من ذلك صورة البيع ، وأنَّ من نوى بعقد النكاح التحليل كان مُحَلِّلاً ، ولايخرجه من ذلك صورة عقد النكاح . اهـ .
قوله : ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ) : قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ( 18 / 279 ) : ليس هو تحصيلٌ للحاصل ، لكنه إخبارٌ بأنَّ من نوى بعمله شيئاً ، فقد حصل له ما نواه ، أي : من قَصَدَ بهجرته الله ورسوله ، حَصَلَ له ما قصده ، ومن كان قصده الهجرة إلى دنيا أو امرأة ، فليس له إلا ذلك ؛ فهذا تفصيلٌ لقوله : " إنما الأعمال بالنيات " ولمَّا أخبر أنَّ لكل امرئٍ ما نوى ، ذكر أنَّ لهذا ما نواه ، ولهذا ما نواه .
مسألة : ما معنى الهجرة ، وما هي أقسامها ؟
الهجرة في اللغة : الترك .
وتطلق في الشرع على معانٍ عدة ؛ والمراد بها في الحديث : ترك الوطن والانتقال إلى غيره .
وأقسام الهجرة كثيرة ، ومنها :
1 – الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام خوفَ الفتنة وطلباً لإقامة الدين .
2 – الهجرة من المكان الذي يعج بالمعاصي والمنكرات والموبقات إلى المكان الذي يعين على الطاعة ، ودليل ذلك : حديث الرجل الذي قتل مائة نفس ، فنصحه العالم ..... ( يذكر نص الحديث ") .
3 – هجرة ما نهى الله عنه ، وهي المشار إليها بقوله – عليه الصلاة والسلام – : " المجاهد من جاهد نفسه ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " .
وذكر بعض العلماء أنَّ هذه الهجرة هي الهجرة العظمى ! .
قوله : " ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ... " قال ابن الملقن – رحمه الله – ( 1 / 206 ) : إنْ قلتَ : لِمَ ذُمَّ على طلب الدنيا وهو أمر مباح ، والمباح لا ذمَّ فيه ولا مدح ؟!
فالجواب : إنه لم يخرج في الظاهر لطلب الدنيا ، وإنما خرج في صورة طلب فضيلة الهجرة ، فأبطن خلاف ما أظهر ، فلذلك توجه عليه الذم . اهـ .
رابعاً : فوائد الحديث :
1 – فيه أنَّ مدار الأعمال على النيات صحةً وفساداً ، وكمالاً ونقصاً ، وطاعةً ومعصيةً .
2 – فيه أنَّ النية شرطٌ أساسي في العمل ؛ ولكن بلا غلوٍ في استحضارها يفسد على المتعبد عبادته .
3 – فيه أنَّ الإخلاص لله شرطٌ أساسي في قبول العمل ، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لله ، صواباً على وفق سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – .
4 – وفيه التنبيه على الاعتناء بأعمال القلوب ومراقبتها .
5 – وفيه التحذير من الرياء والعمل لأجل الدنيا .
6 – وفيه أنَّ الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام من أفضل العبادات إذا قُصِدَ بها وجه الله .

ابو مارية القرشي
05-02-2005, 04:39 AM
بارك الله في الشيخ عبد الله المزروع على هذه الفوائد الطيبة.

أبوأنس
02-08-2006, 11:02 PM
السلام عليكم ورحمة الله
جزاكم الله خير الجزاء
لدي سؤال حول كلام الشيخ علي فك الله أسره الآتي:
" ما كان شركاً أصغر وهو أنواع :
أ ـ أن يكون العمل معيناً عمله رياءا بشرط أن لا يكون هذا العمل مما تركه كفر ، كمن راءى في النوافل المعينة "
هل يقصد الشيخ من يصلي النافلة لا يريد إلا رياء الناس، من الابتداء.
وبارك الله فيك السلام عليكم ورحمة الله

ابو مارية القرشي
02-12-2006, 04:05 AM
الحمد لله وبعد،
فبارك الله فيكم أخي الكريم وزادك حرصا.
قبل الإجابة على السؤال يجب التذكير بمعنى الشرك الأصغر، قال الشيخ علي في الوسيط:
الشرك الأصغر هو أن تجعل لغير الله نصيباً مع الله ما لم يبلغ الشرك الأكبر أو بعبارة أخرى أن تجعل نصيباً لغير الله مع الله بشيء لا يخرج من الملة .
أي أن الإنسان الله يقصد عزّ وجلّ بعملٍ ويقصد به غيره لا أنه يقصد به غير الله خالصا.
فالرجل الذي يتنفل ويرائي اي يقصد الله بنافلته ويقصد غيره لا يكفر بذلك ، لأن العبادة التي صارت باطلة لا يترتب على تركها الحكم بكفره بخلاف الصلاة المفروضة التي يكفر تاركها، وهذا هو جواب سؤالك إن شاء الله.

وكذلك يجب التنبيه أنه إذا كان الغالب على رجلٍ الرياء في النوافل وما شابهها فإنه يكفر، يقول الشيخ علي:
أن يكون الغالب على أفعاله الرياء بغض النظر عن الفعل لكن في غير الأركان مثل أن يرائي في السنن الرواتب ويرائي في صيام التطوع لكن يغلب عليه ذلك مثل أن يكون 60% أو 50% من الطاعات يرائي فيها ( والمسألة للتقريب وليست حسابية ) هذا فيه خلاف فمن فرق بين الرياء من حيث الكمية وجعل يسيره أصغر فإنه يجعل كثيره أكبر ـ وهذا هو الشاهد ـ كما هو اختيار ابن القيم ومال إليه الحفيد سليمان في كتاب تيسير العزيز الحميد في باب الخوف من الشرك ، أما من لم يفرق بين يسير الرياء وكثيره أو أكثره فلا يرى هذا القسم أنه من الأكبر ، ولكن الصحيح أنه كافر لأنه لا يفعله إلا منافق كما قال تعالى ( يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً) وقولنا 60 % و 50% ليس تحدياً لكن هذا مثال للتوجيه ، وإلاّ فبعض أهل العلم يرى أن كثير الرياء شرك أكبر مثـل 40% أو 30% هذا كثير ولذا يقولون يسير الرياء شرك أصغر وكثير الرياء شرك أكبر ولا يقولون أكثر الرياء (المصدر السابق)

والله أعلم وأحكم

أبوأنس
02-13-2006, 02:52 AM
السلام عليكم و رحمة الله
بارك الله فيكم، فعلى ما فهمت لو كان ظاهر صلاته لله، و الحقيقة أنه لم يقصد من هذه الصلاة إلا رياء الناس، ولو لا هؤلاء الناس لما قام يصلي؟ ففي هذه الحالة لافرق بين النافلة و الفريضة، لأن عمله في هذه الحالة كان خالصا لغير الله؟
وإن كان الأمر كذلك، فما حكم الابتسامة في وجه أخيه و برالوالدين و إزالة الأذى عن الطريق، إن كانت خالصة لغير الله، أي إن لم يقصد بها إلا رياء الناس فقط؟
وإن كان هناك فرق فما هو؟ جزاكم الله خير الجزاء
أرجو بسط المسلة قدر المستطاع، فهي مشكلة علي من أزمنة طويلة
وأجركم عند الله.
والسلام عليكم و رحمة الله

أبوأنس
02-13-2006, 04:31 PM
السلام عليكم ورحمة الله
أرجو أن تكونوا بخير و على أحسن حال
وأنا في انتظار جوابكم الكريم، لي سؤال حول نفس المسءلة

قال الشيخ حافظ حكمي:
رحمه الله -: "ثم اعلم أن الرياء قد أطلق في كتاب الله كثيراً، ويراد به النفاق الذي هو أعظم الكفر، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار كما قال تعالى: [كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر … ] الآية ) ( وقال تعالى: [والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قرينا] ) ( … والفرق بين هذا الرياء الذي هو النفاق الأكبر وبين الرياء الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم شركاً أصغر خفياً هو حديث "الأعمال بالنيات"  فإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله والدار الآخرة وسلم من الرياء في فعله، وكان موافقاً للشرع فذلك العمل الصالح المقبول، وإن كان الباعث على العمل هو إرادة غير الله عز وجل فذلك النفاق الأكبر، سواء في ذلك من يريد به جاهاً ورئاسة وطلب دنيا، ومن يريد حقن دمه وعصمة ماله وغير ذلك، فهذان ضدان ينافي أحدهما الآخر لا محالة  وإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله عز وجل والدار الآخرة، ولكن دخل عليه الرياء في تزيينه وتحسينه فذلك هو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر،... وهذا لا يخرج من الملة، ولكنه ينقص من العمل بقدره، وقد يغلب على العمل فيحبطه كله والعياذ بالله" معارج القبول 1/453،454

هل يفهم من هذه العبارة أن من تصدق، وكان الباعث على عمله هو إرادة غير الله فقط، فهذا شرك أكبر، ولا فرق حينءذ بين النوافل و الفراءض؟
فيكون المقصود بتفصيل شيخ علي فك الله أسره، هو العمل الذي كان لله ولغيره؟ وبارك الله فيكم
و السلام عليكم ورحمة الله

ابو مارية القرشي
02-13-2006, 08:23 PM
أخي الغالي ابا أنس حفظه الله،
عذرا فلم أنتبه الى سؤالكم الأول إلا اليوم .
أخي الكريم، تأمل في الأعمال التي ذكرتها وستعلم الجواب إن شاء الله.
قلت:

فما حكم الابتسامة في وجه أخيه و برالوالدين و إزالة الأذى عن الطريق، إن كانت خالصة لغير الله، أي إن لم يقصد بها إلا رياء الناس فقط؟
وهل هذه عبادات أخي الكريم؟ هل هي كالصلاة أو الحج؟
لا بالطبع ، وقد تصير عبادة ويؤجر الإنسان عليها اذا أخلص النية لله ، ولكن قد يتبسم الإنسان عادةً أو كطبيعة خلقية فيه ، وقد يفعلها خالصا مريدا الدنيا ، ولكن هل يكون مشركاً بذلك؟!! بالطبع لا، لانها عادات وأخلاق طبعية أو مكتسبة تكون من الكافر ومن المسلم .
أما الصلاة نافلة أو فرضا فهي عبادة خاصة ، فلا يتصور ان يقوم إنسان فيقوم بأعمال الصلاة فيسجد ويركع وهو لا يقصدبذلك الله ألبتة الا ان يكون الرجل منافقا والعياذ بالله.
أما الصدقة النافلة، فهي ليست كالزكاة ، بل قد يتصدق الإنسان رحمة وطيبة دون نية وترى هذا من الكافر وغيره ، وربما أراد أن يظهر كرمه وإحسانه فيؤثم بذلك لمنّه ولكن لا يكفر ، وقد يعطي الانسان زوجه لا يريد الا رضاها ولا يكفر بذلك لأنها ليست كعبادة الصلاة المعينة بصفة خاصة أو كالزكاة ، بل هو تصرف بماله ، فإن أحسن النية أجر وإن أساءها فبحسابها.
ولعل الإخوة هنا يراجعون المسألة معنا في كتب أهل العلم ، وعذرا على أجوبتي المختصرة أخي الحبيب ولكن المشاغل والهموم كثيرة.

أبوأنس
02-14-2006, 02:57 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
شكر الله جهودكم فالمسءلة بحمدالله أكثر وضوحا.
فلو سمحتم ما الفرق في حالتنا هذه بين الصدقة و الزكاة، لأنها تجتمع مع الصدقة في كونها"تصرف في المال"؟
وهل الفرق متعلق بمسءلة كفر مانع الزكاة؟
و إن استطعتم تلخيص المسءلة في قاعدة جامعة مانعة شاملة، فهو خير معين لي ولجميع الموحدين؟ رفع الله درجتكم في العليين و جزاكم المولى خير الجزاء. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ابو مارية القرشي
02-14-2006, 03:29 AM
بارك الله فيكم اخي الكريم،
بالنسبة للزكاة ففيها حالتان:
1- أن يقصد الانسان الله عز وجل ويقصد أن يرائي بها ، فالله أغنى الشركاء ، وزكاته باطلة ، ويكفر بذلك عند من يقول بكفر تارك الزكاة.

2- ان لا يقصد الإنسان وجه الله البتة بل يرائي رياءً محضاً ، فهذا لا يصدر الا من منافق ، لأن الزكاة عبادة مفروضة في أموال خاصة بشروط خاصة ، ولا يمكن أن تكون عادة أو تصرفا محضاً بالمال، فهي أشبه بالصلاة والحج منها بالصدقة.

3- لعلك تبحث لنا أخي الكريم في كتب ابن القيم عن هذه المسألة وتنقل لنا قوله وتفصيله لتعم الفائدة.

أبوأنس
02-14-2006, 04:03 AM
السلام عليكم و رحمة الله
أخي الفاضل هل يمكننا أن نلخص المسءلة بالكلام الآتي:
"من صرف العبادة المحضة، التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون عادة و لا تصرفا محضا، لغير الله فقد أشرك الشرك الأكبر"
وهلا دللتموني على تلك الكتب
بارك الله فيكم
وبارك في علمكم
أخوكم الصغير
و السلام عليكم و رحمة الله

ابو مارية القرشي
02-15-2006, 02:45 AM
أخي المكرم أبا أنس آنسه الله بذكره
حقيقة لا أريد أن أضع قاعدة عامة في الموضوع فلست أهلا لذلك والواجب علينا أن نتعب أنفسنا ونبحث في كتب أهل العلم رحمهم الله، فهذه مسألة عظيمة أشبعوها بحثاً ، زكلامهم أزكى وأبرك وأكثر اخلاصاً ،وعندك اليوم ولله الحمد موسوعات عظيمة على الشبكة يمكنك استعمالها للبحث.
أخي الكريم لعل من أهم الكتب في هذا الموضوع كتب ابن القيم أمثال مدارج السالكين وإغاثة اللهفان ، وإن استطعت مراجعة الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام والبحث فيها فلا يفوتنك ذلك ، وستستفيد كثيراً من البحث بنفسك إن شاء الله.

أبوأنس
02-15-2006, 03:27 AM
السلام عليكم و رحمة الله
شكرا جزيلا لكم و رزكم الله جنة الفردوس الأعلى
سأسعى إن شاء الله في البحث.
شكرا على صبركم معي، فالجهل أعظم مصيبة، أزاله الله عني
وبارك الله فيكم و السلام عليكم و رحمة الله
أخوكم و محبكم الفقير إلى عفو ربه

ابو مارية القرشي
02-15-2006, 03:42 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وفيكم بارك الله أخي الكريم ، وقد سعدت بالحوار معك وقد استفدت من ذلك و لله الحمد. ولا تظن أني قلت ما قلت في مشاركتي السابقة ضجراً من اسئلتكم بل يعلم الله أني ما قلته الا نصحاً لكم وحباً لفائدتكم ، وباب الحوار والمذاكرة في هذه المسائل ما زال مفتوحاً إن شاء الله.

أبوأنس
02-15-2006, 04:02 AM
السلام عليكم و رحمة الله
شكرا كم على تلك النصاءح الغالية
فلا خير في قوم لا يتناصحون و لا في قوم لا يقبلون النصيحة. وليتكم إن كان في الوقت متسع، ذكرتم لنا بعض الفواءد من حديث:"الدين النصيحة"
و بارك الله في علمكم
و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته