المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة كشف الشخصيات (10) : تركى الحمد



حازم
04-19-2005, 01:54 PM
بقلم : سليمان الخراشى


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :

كنت قد كتبت قبل حوالي ثلاث سنوات رسالة مطولة عن فكر وأدب تركي الحمد، ولكن لم يتيسر طبعها في حينه، إنما وجدتْ الانتشار –ولله الحمد- على شبكة الإنترنت بناء على طلبٍ من إخوة كرام رأوا في ذلك حلاً مؤقتاً للتصدي لانحرافات هذا الرجل. ثم بعد ذلك اقترح البعض أن تُخْتصر تلك الدراسة ويُكتفى منها بما ذكرته عن "ثلاثيته" لسببين وجيهين؛ هما:

1- أن "ثلاثيته" هي سبب شهرته بين الناس، ولولاها لما راح ولا جاء.

2- أن تأثير القصص في الناس أشد من تأثير المقالات الفكرية التي يعسر فهمها على كثيرين.

لهذا قمت بالاقتصار في هذه الرسالة على الحديث عن "الثلاثية" وما فيها من مضامين خطيرة يُسْتغرب صدروها من رجل يدعي الإسلام.

أما فكر الرجل ففي ظني أنه لا يستحق مزيدًا من الاهتمام؛ لعدم ثباته على مبدأ واحد، بل هو يتقلب تقلب الليل والنهار! فبينا تراه بعثياً يعلي قيمة الفكر الاشتراكي، إذا بك تجده بعدها مفكرًا قومياً، ثم تفاجأ به عن قريب قد انقلب كاتباً ليبرالياً ! ثم رابعةً كاتباً نفعيًا يدور مع مصلحته الخاصة.. وهكذا؛ فهو كما قيل:

يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعـدناني!

والله يقول عن أصحاب هذا التلون والتردد: "مذبذبين" لا يثبتون على رأي بل يدورون مع أهوائهم.

والملاحظ في كتابات الدكتور تركي الحمد –هداه الله- استكباره عن الحق، ومراغمته لأهله، ورضاه بأن يتقلب بين تلك المذاهب والمبادئ دون أن يكون لدعوة الكتاب والسنة نصيب من ذلك.

ومن يتأمل تلك الكتابات يجدها تدور حول هذه الأفكار التي تتردد عنده كثيراً:

أولها: تشنيعه على العاملين للإسلام في هذا الزمان، وتسميتهم –ظلماً وزورًا- "بالإسلامويين"، ومحاولة إقامة الحاجز بينهم وبين عامة المسلمين. وتصويرهم بأنهم لا يمثلون الإسلام الصحيح. وكان الأولى به أن يعترف بفضلهم وبجهودهم ويشكرها لهم، ويقبل ما عندهم من الحق. أما ما خالفوا فيه الكتاب والسنة فيُرَدُّ عليهم.

ثانيها : ادعاؤه المتكرر بأن الحق المطلق لا يمتلكه أحد! وهذا –في ظني- من تأثير "الذبذبة" التي لازمت مواقفه. لأن هذا التنقل بين أهواء البشر أورثه شكاً فيها جميعاً، بعد أن خبرها وعرف المآخذ عليها. ثم نظر إلى دعوة الكتاب والسنة نظرته لتلك الأهواء ([1])!

ثالثها: أنه يخلط بين أمر "الدين" وأمر "الدنيا"، فمن كان متقدمًا في أموره "الدنيوية" كان عند الحمد المقدَّم في جميع الأمور ! وأصبحت "ثقافته" أو "حضارته" أولى بأن تحتذى من الآخرين.

وهذا الخلط جعله يهوي في دركات الضلال عندما فضل الثقافات الأخرى على دين "الإسلام" وإن كان يستر هذا الأمر العظيم بعدم استعماله كلمة "الإسلام" عند المفاضلة !

معارضاً بهذا حكم الله تعالى في قوله (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وأنه تعالى قد ارتضى هذا الدين لعباده. وختم رسله بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكتبه بالقرآن فمن ارتضى غير ذلك فهو لا شك من أكفر الكافرين.

أما تخلف المسلمين في أمر الدنيا فلا شأن للإسلام به، إنما هو من عند أنفسهم عندما انصرفوا عن الأخذ بأسباب العلم والقوة وغرقوا في الخرافات والخزعبلات؛ حتى فاتهم الدين الصحيح والدنيا المتقدمة، إلا من رحم الله.

فأمر الدنيا كلأٌ مباح لجميع البشر؛ كما قال تعالى: (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً). فمن بذل أسبابها حصّلها بإذن الله، ولهذا تجد المتقدمين دنيوياً في عالمنا أصحاب أديان ومشارب شتى لا يختص الأمر بدين أو ثقافة محددة.

وليعلم الحمد بعد هذا أن التقدم الدنيوي لا يغني عند الله شيئاً ما لم يقترن ذلك بالدين الصحيح، وقد أهلك سبحانه كثيرًا من الأمم السابقة التي أعرضت عن الحق وكفرت به مع إخباره عنها بأنها قد بلغت شأناً عظيماً في أمور الدنيا. قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم : (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم).

الخلاصة: أن من أراد دراسة فكر الرجل ورغب في الرد عليه فلعله لا يغفل عن هذه الأمور الثلاثة التي ذكرتها، وهي ما يمثل معالم فكره .

والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه (أجمعين) .









تعريف بتركي الحمد (1)



هو : تركي حمد التركي الحمد ، المشهور بـ( تركي الحمد ) من أسرة قصيمية انتقلت إلى المنطقة الشرقية ، وسكنت الدمام ، وكان والده يعمل في شركة (أرامكو ) .

ـ من مواليد 10 /3/1952م الأردن ، الكرك " العقيلات " .

ـ درس الإبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدينة الدمام .

ـ حصل على البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة الرياض عام 1975م .

ـ ثم سافر إلى الولايات المتحدة لمدة عشر سنوات كاملة ! حصل منها على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة ( كلورادو ) عام 1979م .

ـ ثم حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية ـ أيضاً ـ عام 1985م ، من جامعة جنوب كاليفورنيا .

ـ عمل أستاذاً للعلوم السياسية بجامعة الملك سعود منذ عام 1985م إلى عام 1995م.

ـ ثم طلب التقاعد المبكر ليتفرغ للكتابة. !(2)

مؤلفاته :

1- الحركات الثورية المقارنة عام 1986 م

2- دراسات أيدلوجية في الحالة العربية عام 1992م

3- الثقافة العربية أمام تحديات التغيير عام 1993م

4- عن الإنسان أتحدث 1995م

5- رواية ثلاثية بعنوان (أطياف الأزقة المهجورة )

أ ـ العدامة .

ب ـ الشميسي .

ج ـ الكراديب .

6- كتاب ( الثقافة العربية في عصر العولمة ) .

7- رواية بعنوان ( شرق الوادي ) (3)

8- السياسة بين الحلال والحرام، (مجموعة مقالات).

- له العديد من المشاركات الصحفية عبر المقالات ، كمقالاته الأسبوعية في جريدة الشرق الأوسط ، أو مقالاته في جريدة الحياة ، أو مجلة الاتصال، وغيرها من المجلات السعودية وغير السعودية .













ثلاثية تركي الحمد



‍ثلاثية تر كي الحمد تسمى ( أطياف الأزقة المهجورة ) وهي من ثلاث حلقات متسلسلة تحكي قصة بطل واحد هو ( هشام العابر ) .

الحلقة الأولى : بعنوان ( العدامة )([3])

الحلقة الثانية : بعنوان ( الشميسي )([4])

الحلقة الثالثة : بعنوان ( الكراديب )([5])



1 ـ العدامة :

بطل هذه الثلاثية هو ( هشام بن إبراهيم العابر ) شاب صغير السن يعيش مع والديه في مدينة الدمام في فترة الثمانينات الهجرية . وأما اصلهم فيعود إلى القصيم! .

وكان هذا الفتى الصغير مولعًا بالقراءة ومتابعة مايدور حوله من أحداث وأفكار في تلك الفترة الصاخبة بالشعارات ، فاعتنق لأجل هذا الفكر القومي الماركسي الذي كان متوهجاً ساحراً لكل متفتح على الحياة ، لا سيما بعد نجاح هذا الفكر ( على اختلاف درجاته ) في الاستيلاء على البلاد العربية، مما زاد من رصيد معتنقيه الذين رأوا فيه خير موحد للأمة العربية التي مزقها الاستعمار .

لهذا : اعتنق هشام هذا الفكر وآمن به ، ثم استطاع أفراد تنظيم ( حزب البعث بالسعودية !! ) أن يضموه إليهم كعضو جديد في الحزب بعدما أعجبوا به وبأفكاره .

استمر هشام يحضر اجتماعات الحزب ( السرية ) ، ويشارك في نقاشاتهم وفي إعداد التقارير لهم عن الأحوال السياسية الجارية .

كما أنه استطاع أن يضم صديقه ( عدنان العلي ) إلى هذا الحزب ، إلا أنه برغم كل هذا يود التخلص من الارتباط بعضوية الحزب ، مع البقاء على أفكاره دون أن يشعر بأي تقييد .

سافر هشام إلى الرياض لتقديم أوراقه إلى كلية التجارة مؤملاً أن يدرس شيئاً عن الأفكار والأنظمة السياسية المختلفة . فاضطر للسكن في بيت خاله (المتدين ‍) .

كان أولاد خاله يختلفون عنه كثيراً في أسلوب حياتهم وطريقة عيشهم ، حيث كانوا مقبلين على اللهو والتمتع بالحياة، ولم تكن الأفكار الفلسفية والأحداث السياسية تستهويهم لا سيما ( عبدالرحمن ) الذي تميز عنهم بحبه للمغامرات (النسائية‍) مع شربه للخمر ( أو العَرَق ‍ ) .

تغيرت أحوال هشام بسبب ابن خاله عبدالرحمن الذي أغراه بالتمتع بشبابه ومعاقرة الخمر والنساء، فانساق هشام معه تدريجياً إلى أن سقطت جميع المثل التي كان يراها في السابق من عينيه بفضل رعاية والديه له في الدمام . فأقبل على حياته الجديدة بنهم شديد وبعلاقات نسائية متتالية .

كان هشام قد سافر من قبل مع أهله إلى بلدهم الأصلي ( القصيم ) لزيارة جده وجدته .

وهناك تعرف هشام على (عبد المحسن التغيري ) الذي عرَّف هشاماً على بقية زملائه من خلال ( كشتات ) البر . وهم ( محمد الغبيرة ) و( دعيس الدعيس ) و(سليم السنور ) و ( صالح الطرثوث ) و( مهنا الطعيري ) وكانوا جميعاً من المهووسين بجمال عبد الناصر وبقوميته لا سيما ( مهنا الطعيري ) .

عاد هشام إلى الدمام مواصلاً ترقب أخبار الاعتقالات التي حدثت لأفراد الحزب والأحزاب والتنظيمات الأخرى المعارضة ( للحكومة السعودية ‍ ) ومواصلاً أيضاً غزله المتبادل مع بنت الجيران ( نورة ) .

وبهذا انتهت الرواية الأولى من ثلاثية تركي الحمد .

لتبدأ بعدها أحداث الرواية الثانية ( الشميسي ) .



2 ـ الشميسي :

تكاد تكون أحداث رواية الشميسي مخصصة لحال هشام في مدينة الرياض، وهذا مايوحي به اسمها ( الشميسي ) الذي هو اسم شارع شهير في مدينة الرياض .

سجل هشام في كلية التجارة وانتقل إلى السكن عند خاله في الرياض ، وكثرت ملابسته للمحرمات من شراب ونساء بواسطة ( عبد الرحمن ) ابن خاله.

ثم ارتبط بعلاقة غير شرعية مع جارة خاله ( سارة ) أو ( سوير‍ ) وأصبح يتردد عليها .

تفاجأ هشام بالتزام صديقه عدنان ، الذي اختار سبيل الخير مسلكاً له وارتبط مع شباب صالحين أثناء قدومه للدراسة الجامعية في الرياض ـ أيضاً ـ.

انتقل هشام للسكن في عزبة مع ( عبد المحسن التغيري ) الذي قدم الرياض من القصيم لكي يأخذ ـ أي هشام ـ حريته الكافية التي كانت مقيدة نوعاً ما في منـزل خاله .

انتهت امتحانات نصف العام فذهب هشام إلى الدمام لزيارة أهله مواصلاً علاقته العاطفية مع ( نورة ) بنت الجيران بعد أن علم بزواجها .

رجع هشام إلى الرياض مواصلاً ـ أيضاً ـ مغامراته النسائية لا سيما مع (سوير ) التي حملت منه ‍!

جاء والده فجأة لزيارة الرياض لإخباره بأنه مطلوب من قبل رجال الأمن (المباحث ‍) .

وبعد أخذ ورد قرر الوالد إخفاءه عن أعين الأمن عند أحد زملائه إلى حين استصدار جواز مزور له لكي يتمكن من الهرب إلى بيروت([6]) عن طريق البحرين ، ولكن رجال الأمن كانوا له بالمرصاد حيث قبضوا عليه وحققوا معه ثم قرروا ترحيله إلى جدة لمواصلة التحقيق ( الجاد ! ‍) معه .

بهذا الحدث انتهت رواية الشميسي وهي الحلقة الثانية من ثلاثية تركي الحمد ، لتبدأ بعدها أحداث الحلقة الأخيرة من الثلاثية وهي رواية ( الكراديب).



3ـ الكراديب :

هذه الرواية مخصصة لبيان أحوال هشام في السجن في جدة بعد أن حُقق معه ولكنه أبى الاعتراف بانتسابه إلى تنظيم ( حزب البعث ) ، فقرروا أن يلبث في السجن إلى حين ، حيث تعرف من خلال السجن على الشيوعي ( عارف)، فبدأت بينهما نقاشات حول أفكار بعضهما مع شد وجذب ، لأن كل واحد منهما يؤيد فكرته لتصحيح الأوضاع.

اعترف هشام بما يريده السجانون فنقلوه من مكانه إلى مكان آخر أفضل منه. حيث تعرف ـ أيضاً ـ على ( وليد ) الذي يؤمن بالقومية كحل لأفراد الأمة ، و (عبد الله ) الذي ينتمي إلى ( الجبهة الديمقراطية ) وهي جبهة منفصلة عن حزب البعث ، ( ولقمان ) الذي ينتسب إلى الإخوان المسلمين ‍! .

استمرت النقاشات بين هؤلاء الأربعة ، وكلٌ منهم يحاول أن يبين صحة نظرة واختياره هذا المسلك الذي سلكه ، وارتضاه دون غيره .

بعد مدة من الزمن تم الافراج عن هشام الذي عاد فوراً إلى الدمام ، ولكنه وجد كل شيء حوله قد تغير ولم يعد يحمل ذكرى الماضي لا سيما وأبوه قد انتقل إلى بيتٍ جديد بدل بيتهم القديم الذي عاش فيه سنيه الأولى .

بعد أخذ ورد قرر أهله أن يعود إلى مواصلة دراسته في الرياض ، فعاد إليها مندهشاً لمدى تغيرها عن عهده القديم بها ، في مبانيها وفي أفرادها ( وهو ينظر بعينين فقدتا بريقهما ، إلى أزقة كانت مأهولة ، فلم تعد إلا أزقة مهجورة تجوبها أطياف لاحياة فيها ، ولكنها لا تريد أن تموت ) ([7])، وبهذا انتهت أحداث الحلقة الأخيرة من ثلاثية تركي الحمد .



ملامح بطل الثلاثية : هشام العابر :

لنتبين ملامح ( هشام العابر ـ أو تركي الحمد ‍ ) في هذه الرواية سأقتطف بعض العبارات من الثلاثية تُكون لنا صورة متكاملة لشخصيته (صفاته وطموحاته):

1ـ هو شاب يحب القراءة : لاسيما قراءة الكتب ( المحرَّمة ‍) الفلسفية والماركسية .

( لقد خرج إلى الدنيا وهو لا يعرف إلا هواية واحدة ، ولذة واحدة هي القراءة، ويقرأ أي شيء ، وكل شيء تقع عليه يده ) ([8])

( أخذت القراءات الفلسفية والسياسية تجذبه كثيراً منذ أن أهداه أحد أصدقاء والده كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الإستعباد " لعبد الرحمن الكواكبي ، حتى أنه كان يقضي ليالي بطولها في قراءة النصوص الماركسية والقومية والوجودية وغيرها من التيارات الفلسفية والسياسية مما تقع عليه يده في المكتبات المحلية ، أو يحصل عليه مما هو غير متاح في المكتبات ) ([9])

( في المرحلة الثانوية أهمل الدراسة إهمالاً تاماً ، ولولا خشيته من جرح كبرياء والده وقلب أمه لما درس إطلاقاً ، وتفرغ لعالمه الجديد من القراءة واكتشاف النصوص المحرمة )([10])

( لم تعد الكتب المتوفرة في المكتبات المحلية ترضي شغفه بالعالم الجديد الذي اكتشف ، فكان في كل رحلة مع والديه إلى الدول المجاورة ، الأردن أو سوريا ولبنان يجلب معه بعضاً من تلك الكتب الممنوعة والمحرمة ، والتي تكون زاده المعرفي طوال الفترة اللاحقة ) ([11]) .

( كان ينفق كل مصروفه على الكتب الماركسية غير المتاحة في بلده ، وخاصة مؤلفات آرنستوتشي غيفارا ، وريجس دوبريه ، وفرانز فانون ، بالإضافة إلى مؤلفات ماركس وانجلز وبليخانوف ولينين وترو تسكي وستالين ، التي تشكل الزاد الفكري الرئيسي .أما ما كان يهزه من الداخل فعلاً ، فقد كانت مؤلفات غيفارا التي كانت تدغدغ شيئاً ما داخل ذاته . كانت هذه الكتب ، بالإضافة إلى الأعمال الأدبية والروائية العالمية الخالدة ، تباع بأرخص الأسعار على أرصفة الشوراع في عمان ودمشق وبيروت ، وعلى عربات أشبه بعربات الخضار . التهم خلال رحلاته ، وبعد العودة ، كل روايات مكسيم غوركي خاصة ، وأهم الروايات الخالدة في الأدب الروسي عامة . قرأ " آنا كرنينا " و " البعث " لليو تولستوي ، " والجريمة والعقاب " "والأخوة كارامازوف " لفيدور دوستويفسكي ، و"الدون الهاديء" لميخائيل تشولوكوف . وقد أثارت فيه رواية " الأم " لغوركي أحاسيس وانفعالات عنيفة متداخلة ، من الغضب إلى الحماس إلى البكاء إلى العطف إلى القسوة إلى الرقة ، مما جعله يعيد قراءتها مرات ومرات. بكى عدة مرات مع العم توم في كوخه ، وعاش مع لانغ وزوجته في أرضهما الطيبة ، وتعاطف كثيراً مع مدام بوفاري بنفس القدر الذي حنق فيه على سكارليت أوهايرا . وكان يختلس لحظات طويلة يقرأ فيها ألبرتو مورافيا وبلزاك واميل زولا ، لا حباً في ذات هذه الأعمال دائماً ، ولكن بحثاً عن مشهد جنسي هنا ، أو وصف لعلاقة حميمة هناك ويتصور في لحظة حلم يقظة أنه البطل في كل هذه العلاقات. أما ذلك الوصف الأخاذ للحياة الاجتماعية في هذه الأعمال ، فلم يكن يهمه كثيراً ، إذ كان يعتقد أن الأدب الروسي لا يعلى عليه في هذا المجال كما قرأ بعض روايات تشارلز ديكنز ، وأعجبته خاصة " قصة مدينتين " ، التي اعتبراها ، مع " الأم" أفضل أعمال يمكن كتابتها . كان ينفق مصروفه على هذه الكتب ) ([12]).

2ـ هو يريد أن يكون مفكراً طليقاً ، لا يتقيد بأي دين أو مذهب سوى (العلم!) .

( يذكر ذات مرة أنه دخل في مجادلة مع مدرس الدين حول نظرية النشوء والإرتقاء لدارون ، حين شتم هذا المدرس النظرية واصفاً إياها بالفكر والإلحاد ، وشتم صاحبها واصفاً إياه باليهودية والمؤامرة اليهودية على الإسلام والمسلمين . يذكر يومها أنه قال للمدرس إن هذه النظرية إنتاج علمي ، والعلم هو سيد العصر شئنا أم أبينا . قد يخطىء دارون وقد يصيب بشأن أصل الإنسان وأصل الأنواع ولكن التطور حقيقة تفرض نفسها ، كما أن دارون ليس يهودياً لا أباً ولا أماً . يومها اتخذ منه مدرس الدين موقفاً عدائياً ، واصبح لا يناديه إلا بالفاسق . ولكن ذلك لم يكن يهمه كثيراً بل لم يكن يهمه على الإطلاق، مع ذلك الحماس وذلك الإنطلاق الذي وجده في عالمه الجديد )([13]).

( أريد أن أكون مفكراً طليقاً ، لا مناضلاً سياسياً في تنظيم ) ([14]).

3ـ هو ماركسي المذهب ، ليس كالماركسيين ، بل يحب المزج بين الماركسية والقومية العربية :

( أعجبته كتابات ياسين الحافظ وكذلك المنطلقات ، إذ وجد فيها مزيجاً أخاذاً ومثيراً من الماركسية والقومية . وجد فيها شيئاً كان يشعر أنه ينقص الكتابات الماركسية التي قرأ ، وكذلك الكتابات القومية على اختلافها . فقد سبق له أن قرأ " في سبيل البعث" لميشيل عفلق ، وبعض كتابات منيف الرزاز وصلاح البيطار ، والكتابات الناصرية القليلة مثل فلسفة الثورة ، لجمال عبد الناصر ، وكتابات أنور السادات حول ثورة يوليو وعبد الناصر ، وكذلك " بصراحة " محمد حسنين هيكل التي ينشرها في جريدة الأهرام كل يوم جمعة ، ويستمع إليها من خلال إذاعة "صوت العرب " من القاهرة ، فقد كانت الأهرام ممنوعة من الدخول في بلده . كانت الكتابات الماركسية تركز على المسألة الاجتماعية والأممية ، وبقدر ما كان متحمساً للمسألة الاجتماعية ومؤمناً بها ، بقدر ما كان متردداً بشأن المسألة الأممية .إنه يشعر أنه قومي حتى النخاع ، والقومية تسري في عروقه . وتهزه خطابات جمال عبد الناصر ، وتثمله الشعارات القومية التي يطلقها البعثيون والناصريون والقوميون العرب . لكن رغم ذلك ، كان يحس أن هنالك شيئأ ناقصاً ، كان يشعر أن هؤلاء لم يعطوا المسألة الاجتماعية حقها من الإهتمام، وخاصة قضايا مثل الصراع الطبقي والإشتراكية العلمية والحتمية التاريخية . ولذلك اعتقد أن الفكر الماركسي ، رغم بعض التحفظات ، هو الذي من الممكن أن ينير الطريق ويعطي فلسفة متكاملة للحياة . أعجبته كتابات الحافظ والمنطلقات لأنها تمزج المسألة القومية بالإجتماعية . جامعة ما يشعر بميل إليه في فلسفة واحدة )([15])

( لا تعجبني أفكار عفلق والبيطار والرزاز . أعتقد أنها عاطفية أكثر من اللزوم ، رغم إيماني بإطارها العام . نحن بحاجة إلى فلسفة متكاملة . وأعتقد أن الماركسية هي الحل رغم النواقص التي من الممكن إكمالها ) ([16])

( إذا كان ما في المنطلقات هو فكر البعث ، فإني أجد نفسي فيه ، فهو يمزج القومية بالماركسية . . . وهذه هي قناعاتي ) ([17])

( أحس بالهلع والنفور من كل ما يمت إلى التنظيم وفكره بصلة . وبقيت علاقته الحميمية بالماركسية )([18])

هو يتبنى فكراً ماركسياً لا يعتقد بدور البطل في التاريخ ، بل هي التناقضات المادية والاجتماعية التحتية ، وانعكاساتها الفوقية السياسية والثقافية)([19])

( الماركسية . . . هي الفكر العلمي الشامل القادر على منحنا مفاتيح التاريخ والمجتمع والسياسة ، ومن لديه هذه المفاتيح لا خوف عليه ولا هو يحزن ) ([20])

( الحقيقة أني ميال إلى الفكر الماركسي )([21])

( سوف يتعلم الماركسية على أصولها )([22])

( من قال لك إني شيوعي ؟ . . . أنا اشتراكي )([23]) .

( أنا أميل إلى الماركسية ، ولكني لست شيوعياً )([24]).

ولكن هشاماً برغم هذا الحسم (الماركسي) لتوجهه إلا أنه بقي متردداً متحيراً في أمره تصارعه أفكار شتى حول هذا الكون ، وخالقه ، وأحداثه ، مما لم يستطع أن يستوعبه فأصبح ينادي بتفاهة هذه الحياة وأهلها ، وعبثية أحداثها وأقدارها ، مع ترقب وتوجس لهجوم الموت (الغادر!) عليه :

(ليست الحياة إلا حفلة ماجنة يُدخن فيها الحشيش ويؤكل الخبز مغموساً بالنبيذ والعرق الراشح من أجساد أدمنت الجنس ، وأدماها الهوى ، ومزقت نفسها بوحشة أخلاقية .نحاول أن نضفي المثال والجمال على هذه الحفلة العابثة ، ولكن كل شىء ينكشف ولو بعد حين ، وتقف الحقيقة عارية من جديد ، كما ولدت عارية من قديم … العدم يقف بالمرصاد ، والمجهول يتربص من بعيد ، والعجز يقيد المجتمع ) ([25])

(الموت قادم لا محالة .. إنه مصير ملموس ، وليس كمصير الأمة أو الطبقة، مشكوك فيه بقدر ما هو مشكوك في الأمة والطبقة ذاتهما . فلماذا الإحتياط ، ولماذا الخوف ؟ … ولماذا هذه اللعبة السمجة ، لعبة القط والفأر … ما نحن إلا ممثلون في مسرحية ، وسواء طال دور أحدنا في هذه المسرحية أم قصر ، فإنه لايلبث أن ينتهي ، وتنتهي كل المسرحية في النهاية …

ثم بعد تردد طفيف .



ـ ولو كان لي من الأمر شيئاً ([26]) في البداية ، لما اخترت الاشتراك في المسرحية من الأساس )([27]).

( هل ما يجري هو حكمة خافية لاندريها ، أو أنه مجرد عبث اعتدنا عليه فأصبح نظاماً ، أم هو مزيج منهما ، أم لا هذا ولا ذاك ؟ أين المعنى في كل ذلك وما هو النظام ؟ لا أحد يدري ، ولن يدري أحد )([28]).

( يالهذا الموت الجبان الغادر … إنه يأخذ أجمل ما في الحياة ويضحك ويهجرنا حين نريده ، ويحل ضيفاً ثقيلاً حين لانريده … ليت موسى لم يفقأ عين عزرائيل حين أتى لقبض روحه ، ولكنه قصم ظهره أو دق عنقه … ولكن حتى لو مات عزرائيل ، هل يموت الموت ؟ ويقلع عن أفكاره هذه ويقتنع بأهمية الموت لا ستمرار الحياة ، ولكنه يكرهه ، ولا زال يعتقد بجبنه وغدره )([29]).

(عليك الرحمة ياابن آدم . ظننت نفسك أكرم الكائنات ، الذي طرد من أجله عابد الأزل من الرحمة والملكوت ، فاكتشفت أنك أتفه من ذبابة وأحقر من بعوضة، يا لك من معتوه يا ابن آدم ، أردت أن تكون إنساناً كما أراد لك من أنسنك ، ولكنك وجدت نفسك في عالم تداس فيه كصرصار تائه ، وتسحق فيه كذبابة وقحة ) ([30]).

قلت : هذه أبرز ملامح (هشام العابر) : فهو يحب القراءة منذ صغره في الكتب (المحرّمة) الفلسفية والماركسية ، التي كانت ممنوعة ـ لضررها ـ في بلاده (السعودية) ولهذا كان يحرص على تحصيلها من عدة منافذ .

ولأجل قراءته هذه فقد تعلق قلبه بالفكر الماركسي والفكر القومي الذي كان عالياً صوته شديداً هيجانه في تلك الفترة ، فحاول أن يمزج بين (القومية والماركسية) متأثراً ببعض قيادات ومنظري (حزب البعث) .

ولأجل هذا انضم (هشام) ـ على كرهٍ وتمنع ـ إلى هذا الحزب ، لأنه يود أن يكون مفكراً طليقاً ، بدلاً من حصره في صرامة التنظيمات .

وكانت نظرته إلى الحياة سوداوية تشاؤمية ، لأنه لم يعرف لها هدفاً ، ولم يفقه حكمة الله من خلقها ، وجعل الخلق يتوارثونها ، لم يعد يرى منها سوى أنها حياة لا قيمة لها ، تجري أحداثها وأقدارها بعبثٍ لا حكمة فيه .

ويتضح بعد هذا الموجز عن هشام العابر (أو تركي الحمد !) وأفكاره أن الحديث ـ دون تطويل ـ سيكون حول :

6 ـ بيان تنقص الحمد في ثلاثيته :

أ ـ لله .

ب ـ وملائكته .

جـ ـ وكتبه .

د ـ ورسله .

هـ ـ ودينه .

و ـ وعباده الصالحين .

7 ـ مباحث أخرى .











تركي الحمد يتنقص في ثلاثيته :

الله وملائكته وكتبه ورسله ودينه وعباده الصالحين



تنقص الحمد لله ـ عز وجل ـ :

لم يقدر تركي الحمد الله ـ عز وجل ـ حق قدره ولم يعظمه كما يعظمه عباده المؤمنون ، بل تحدث عنه في روايته وكأنه يتحدث عن بشرٍ مثله حديث الند للند بعبارة مملوءة بالتحدي والسخرية ـ والعياذ بالله ـ ، وإن كان قد أخفى أشدها بالأسلوب الرمزي الذي عهدناه من هذا الصنف من البشر عندما يخوضون في مثل هذه الأمور .

فالحمد جاء في روايته بلهجة غريبة شاذة عن أهل هذا المجتمع في حديثهم عن ربهم ـ سبحانه وتعالى ـ حيث تجرأ في ذلك بصورة وقحة فاجرة .

وهو مشابه في هذه الجرأة لتيار الحداثة في ديار المسلمين الذين كانوا أول من ترددت هذه الظاهرة ( الكفرية ) في أشعارهم وأحاديثهم ، حيث لم يتورعوا عن الحديث عن الله ـ عز وجل ـ بألفاظ سوقية بشرية ، فمن ذلك على سبيل المثال :

قول صلاح عبد الصبور في قصيدته ( الناس في بلادي )

( يا أيها الإله ،

كم أنت قاسٍ موحش

يا أيها الإله ) ([31]).







وقول الشاعر (الماركسي) البياتي :

( الله في مدينتي يبيعه اليهود

الله في مدينتي مشرّد طريد )([32]) !!

وقول معين بسيسو :

( وطرقت جميع الأبوا ب

أخفتني عاهرة

ووشى بي قديس

كان الله معي

لكن الله هناك

يدلي بشهادته .. في مركز بوليس ) ([33]) !!

وقول توفيق زياد :

( ومداخن الأفران

قائمة .. كآلهة المنايا )([34])!!

وقول محمود دريش :

( نرسم القدس

إلهً يتعرى فوق خطٍ داكن الخضرة

أشباه عصافير تهاجر ) ([35])!!

وهكذا .. في عبارات (كفرية) كثيرة تتناثر في أشعارهم القذرة ([36])

وفي ظني أن هذه الظاهرة السيئة قد وفدت إلى ديار المسلمين عبر شعراء اليهود والنصارى وكتابهم ، الذين تُرجمت أشعارهم وعباراتهم وكانت مصدراً رئيساً لشعراء المسلمين .

وأولئك اليهود والنصارى ـ كما هو معلوم ـ لا يعظمون الله حق تعظيمه ، ولا ينزهون اسمه عن لغوهم وباطلهم .

وسبب ذلك ـ والعلم عند الله ـ هو تأثرهم بما جاء في كتبهم الدينية المحرّفة (لا سيما التوراة) عند الحديث عن الله ـ عز وجل ـ وصفاته حيث تتحدث تلكم الكتب ( المقدسة !) عن الله وصفاته كحديثها عن الخلق وصفاتهم، فجعلوا ( المولى سبحانه وتعالى في صورة بشر حقود ، سريع الغضب، كثير الندم ) ([37]).

فمن ذلك قولهم في ( سفر التكوين ، الإصحاح الثاني ) عن الله ـ عز وجل ـ : ( وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل ، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمله … )([38])!

ومن ذلك إخبارهم عن الله ـ عز وجل ـ بأن اليهود عندما تاهوا نزل الله ـ عز وجل ـ فهداهم إلى طريق الخروج ! (جاء في سفر الخروج "وارتحلوا من سكوت ، ونزلوا في إيثام في طرف البرية . وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب ليهديهم في الطريق ، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم …)([39]).





ومن ذلك زعمهم أن الله يبكي ويلطم وجهه ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ ([40])وأنه ـ تعالى ـ يصارع يعقوب عليه السلام ـ ([41])!! وأنه ـ تعالى ـ اعترف بخطئه أمام كبير الأحبار([42])!! وأنه ـ تعالى ـ يندم ويحزن وينسى([43])!!

إلى آخر تلك الصفات السيئة التي ألصقها اليهود ـ لعنهم الله ـ برب العالمين ـ سبحانه وتعالى ـ

يقول الدكتور محمد البار بعد أن ذكر هذه الافتراءات :

(ومما تقدم نخلص إلى أن صفات الله سبحانه وتعالى في التوراة والتلمود ، لا يمكن أن تكون صفات الله خالق الأكوان ومدبرها .. بل لا يمكن أن تكون إلا من صفات أراذل البشر .

هذا قليل من كثير من هذه الافتراءات والغثاء والكذب ، والتجديف في وصف المولى سبحانه وتعالى .. والتوارة والعهد القديم والتلمود كلها مليئة بهذه الأوصاف المنكرة والسجايا الخبيثة التي لا يمكن أن يوصف بها إلا أحط البشر وأراذلهم ، فكيف يمكن أن يوصف بها المولى سبحانه وتعالى؟!)([44]) .

وقال الدكتور سعود الخلف ـ حفظه الله ـ بعد أن أورد شيئاً من تلكم الأكاذيب :

(فهذه الأمثلة من أوضح الأدلة على التحريف ، فإن الله عز وجل موصوف بصفات الكمال المطلق وكل ما يشعر بالنقص فالله عز وجل منزه عنه، فتضمين اليهود كتابهم صفات تشعر بوصف الله بصفات لا تليق بمقام الألوهية والربوبية والكمال المطلق ، دليل واضح على التحريف والتبديل إذ لا يمكن أن يتضمن الكتاب الذي نزل من عند الله ما يطعن فيه جل وعلا .

وبأمثال هذه الافتراءات من قبل متقدميهم تجرأ متأخروهم على الافتراء على الله ، واعتقادهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأن الله لا يعذبهم، وفي هذا يقول الله عز وجل: {وقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} ([45])) ([46]).

قلت : فهذه العقيدة الفاسدة قد أخذها كتاب وشعراء أهل الكتاب من كتبهم ( المحرفة ) فأضحوا يرددونها في نثرهم وأشعارهم دون أي خوف أو خجل من رب العالمين ، لأن كتبهم ( المقدسة !) قد جرأتهم على نقل وترديد هذا الاستخفاف والطعن بربهم ـ عز وجل ـ وأسقطت هيبته من نفوسهم .

ثم جاء من بعدهم ( نصارى ) العرب ([47]) فنقلوا تلك العقيدة في كتاباتهم ونظمهم .

وعن هؤلاء الكفرة أخذها كتابنا وشعراؤنا الذين ( يدعون ) الإسلام ، فخاضوا فيها تقليدا لأولئك دون أن يعصمهم عن هذا الخوض المنكر رهبة من الله ـ عز وجل ـ

فأصبحنا نسمع ونقرأ عبارات لبعض الشعراء ( المسلمين ! ) تضاهي في كفرها عبارات اليهود والنصارى ، ويندى لها جبين المسلم الموحد ، ويأسى على حال إخوانه الذين تابعوا الكافرين في طعنهم برب العالمين ، مصداقاً لقولe في هذا الصنف " لتتبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو القذة بالقذة . حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قيل : اليهود والنصارى ؟ قال e " فمن ؟ "([48]) أي ليس إلا هم .

وقد دخل شرذمة من كتابنا وشعرائنا هذا الجحر الذي أخبر عنه الرسولe بل زادوا عليه بأن طعنوا في خالقهم ـ عز وجل ـ متابعة لمن هم شر البرية ـ كما سبق

يقول الدكتور أنس داود في كتابه ( الاسطورة في الشعر العربي الحديث):

(لجأ شعراؤنا إلى الكتب المقدسة وبخاصة التوراة والإنجيل وقلما استفادوا من القرآن في هذا السبيل ، ربما لأنهم يعيشون في أمة إسلامية لا تستسيغ مثل هذه النظرة الفنية إلى أقدس مقدساتها الدينية ، ولأن الكتاب المقدس كان مصدر استلهام فني في الشعر الأوربي بمثل ما استلهم هؤلاء الشعراء أساطير الأقدمين . ولأن ثمة نسباً ـ كما نرى ـ بين كتاب كالتوراة ومجموعات الأساطير المتوارثة في قوة تصويرها لنوازع الإنسان ، وتجسيدها للأهواء البشرية حتى حين تتحدث عن الأنبياء لا تتحدث عنهم هذا الحديث المتطهر الذي تجده في القرآن ، بل نجد لديهم فيضاً من الغرائز ، وغلبة للشهوات أحياناً ولجوءً إلى الحيل والخديعة ، وغير ذلك مما نجده في الحديث عن داود وعن سليمان وغيرهما من الأنبياء مما يقربهم من الشخصيات الأسطورية في نوازعها الجارفة وسلوكها كل مسلك)

قلت : ثم جاء ( الحمد ) منضماً إلى هذا الركب ومتحدثاً في ثلاثيته عن ربه عز وجل بعبارات بشعه لا تصدر عن مؤمن فمن ذلك :

قوله على لسان هشام : (أراد أن يتحدث مع عارف ، لكنه فقد الرغبة في الحديث . الله ، الحتمية ، الجبرية ، العلم .. كلها أشياء يتعلق بقشة منها . يريد الخروج ، فمن يوفر له ذلك ، فهو الله)([49]).

وقوله عنه : (يحس أنه هنا منذ أن حشر الإله الروح في جسد آدم) ([50]).

وقوله : (دائماً المستقبل الذي لا يجئ ، والتاريخ الذي لا نعيه ، والله الذي لا نراه، يقفون وراء كل شيء ، ويبررون كل شيء) ([51]).

وقوله : (واستسلم لحلم يقظة جميل … تصور نفسه من بني إسرائيل أو سام ، وود لو كان أسيره إلى الأبد . تصور أنه يوشع نفسه ، أو سوبرمان ذاته . قادر على إيقاف الزمن ذاته . لا شيخوخة ولا موت ولا ألم ولا … تحقيق . تصور أنه الله ذاته … ولم لا … ما فرقه عن الحلاج والسهروردي وابن العربي ؟ ([52]) نحن الله والله نحن … كانت تلك رسالة موسى والمسيح ومحمد ، ولكن أكثر الناس لا يدركون ، فجعلوه ابن الله إنه ذات الله الآن ، فماذا يفعل ؟ هل يجعل الكون أكثر راحه ، وينشر السعادة بين البشر ؟ ولكن … ما هي السعادة ؟ ! سعادة سقراط أم أفلاطون أم أرسطوا أم ديوجين أم أبقور أم زينون أم كونفيشيوس أم بوذا أم وأم ، وأم … جملة أمَّات لا نهاية لها . كالحياة ذاتها . ثم لو نشر السعادة وقضى على الألم ، فهل يكون للسعادة نقيض الشقاء أو نقيض الألم ، فكيف يمكن إدراك السعادة إذا ختفى الألم ؟ حتى الجنة بدت له عديمة اللذة في تلك اللحظة كما بدت جهنم عديمة الألم . الخمرة لا تسكر ذاتها ، والجمرة لا تحرق نفسها … البراز لا يتأذى من رائحة نفسه ، والفل لا يستمتع بريح ذاته . لابد من البراز لاكتشاف لذة الفلة ، ولا بد من الفلة لاكتشاف قذارة البراز . ولذلك كان هناك جنة ونار معاً ، الله وشيطان ، نبي وفرعون ، وكل في قدر يسبحون… تحقيق السعادة وحدها ، يعني توحيد الألوان . وعندما تتوحد الألوان ، تختفي … المعنى في الاختلاف ، والعماء في التجانس . مشكلة … وجود الحياة بشكلها الحالي مشكلة … وجعلها أجمل وأحلى وأعدل مشكلة، لم لا تكون ذات الحياة هي المشكلة ؟ لو كان ذات الله ، لألغى الحياة ذاتها . لألغى هذه المسرحية المملة ، وصرف ممثليها وألغى تلك الأدوار المقررة المعروفة . لا حرية مع الوجود ، فكل الحرية في العدم …) ([53]).

وقوله : (الله أعلم ! مسكينٌ أنت يالله … دائماً نُحَملك مانقوم به من أخطاء) ([54]).

وقوله على لسان ( الشيوعي ) عارف : (إن الانتحار هو تحد للإله نفسه .

ثم وهو يضحك بسرعة :

ـ هذا إن كان هناك إله … الانتحار يا صديقي يعني أني قد اخترت الجحيم ورفضت النعيم بملء إرادتي … فالنعيم الحق هو ما أختاره أنا ، لا ما يختاره لي ما ليس أنا … الجحيم هو النعيم حين أختاره أنا ، والنعيم هو الجحيم حينما بختاره غيري لي أنا .

ويضحك عارف مرة أخرى ، ثم يعتدل في جلسته ، وقد اتسعت عيناه ، وبرقت عينه السليمة ، وقال وهو ينظر إلى هشام وقد اكتسى وجهه بعلامات نصر ما :

ـ الانتحار نصر على الله . ففي الانتحار تفوت الفرصة على الله أن يختار لك مصيرك . فأنت تدخل النار بإرادتك حين تنتحر وتعلم أن مصيرك هو النار . ليس الله هو من أدخلك النار ، بل أنت من فعل …

وابتسم هشام وهو يقول :

ـ ولكن افرض أن الله أدخلك الجنة بالرغم من انتحارك ، ألا يكون قد فوت عليك الفرصة واختار لك بالرغم منك ؟

وضحك عارف بحبور وهو يقول :

ـ كلا … فإذا دخلت النار فبإرادتي ، وإذا أدخلني الله الجنة فأكون قد فرضت إرادتي عليه … لقد توعدني بالنار فيما لو انتحرت ، ولكنه أدخلني الجنة برغم الوعيد . لقد فرضت إرادتي عليه ، وجعلته يغير وعيده ، لقد أصبحت نداً له . أبعد هذا الانتصار انتصارا؟ …

ـ ولماذا لا يكون هو قَدَّر عليك الاختيار منذ البدء ؟

ـ أكون قد فضحت اللعبة كلها حينذاك .

وعاد عارف إلى الاسترخاء وهو يردد :

ـ الانتحار هو النصر النهائي على كافة أشكال السلطة وأنواعها) ([55]).



الحمد يصرف ( العبادة ) لغير الله :

ومن تنقصه لخالقه ـ عز وجل ـ أنه امتهن لفظ ( العبادة ) وجعلها في غير موضعها ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإنما جعلها في عبادة البشر بعضهم لبعض .

حيث قال على لسان ( عشيقته !) سويّر :

( أنا أعبدك يا هشام ، والعبد لا يشرك مع معبوده شيئاً .

وبدون هدف أو غاية أوقصد قال بشيء من المزاح ، وقد أحس بالزهو يسيطر عليه من الداخل :

ـ ولكن الشرك لا يكون إلا بالله . هو المعبود الوحيد .

وكنمرة متوحشة ، نظرت إليه بعينيها المبللتين ، وقد زادتا اتساعاً على اتساعهما ، وهي تقول :

ـ إذا أنت ربي … ترحمني وتعذبني .وكل شيء منك مقبول ومحمود .

ولم يستطع الإحتمال فعلاً ، فقال بتلقائية :

ـ أستغفر الله العظيم … أستغفر الله العظيم .

ردّد ذلك وشعور من الزهو وشيء لا يعرفه ، أشبه ما يكون بالذنب ، يمتزجان في داخله . كانت يدها قابضة على يده ، فمدَّ يده الأخرى وأخذ يربت على خدها ويتحسسه بلذَّة ، فيما ارتمت هي في أحضانه بعنف ، وأخذت تشمه بصوت مسموع ، وهي تردد :

ـ أحبُّك … أحبُّك يا هشام … أعشقك … أعبدك ) ([56]).



تنقص عظيم :

ومن تنقصه لله ـ عز وجل ـ

قوله متحدثاً عن هشام وهو يحلم في منامه :

( وأخذ يسير على غير هدى في الصحراء ، وقشعريرة البرد تستولي عليه . كل شيء يوحي أنه لا يسير ، رغم أنه يسير . النجوم هي النجوم ، والصحراء والظلام عديمة الأبعاد لا يريد أن تنجلي ، واختفت البداية ، وتلاشت النهاية، فلا يدري أهو يسير أم يهيأ له أنه يسير . ولاح له بصيص نور من بعيد ، وأحس بالفرح الغامر رغم أنه يعلم أنه يحلم . وأخذ يغذ السير ، فيما النور يزداد سطوعاً وتتعدد ألونه ، أخضر وأحمر و أصفر ، ويتخللها لون أزرق باهت . وأخيراً وصل إلى حيث النور ، ثم فجأة أشرقت الشمس وهي تضحك بشكل هستيري لم تكن ذات الشمس التي يعرف ، فقد كانت شديدة الحرارة عديمة النور ، فرغم سطوعها ، إلا أن الظلام الحالك ما زال سائداً . وأخذ دماغه يغلي من الحرارة الشديدة ، إلا أن جسمه كان يرتعش برداً ، وأخذت النجوم ترسل سهاماً فضية في كل مكان ، حيث تتكسر بصوت أقرب إلى الرنين على صخور لا يراها ، ولكنه يعلم أنها هناك .

وفي خضم كل ذلك ، كانت نسمات هواء منعش تأتي من واحة وارفة الظلال تنبعث منها تلك الأضواء التي رآها من بعيد .كانت محاطة بأسلاك شائكة من كل جوانبها ، فلم يستطع الدخول . وأخذ يحوم حولها ، حتى تبين له الباب من بعيد .أتجه إليه ، وأراد الدخول بعجلة ، إلا أنه في اللحظة تلك ، برز له شخص من حيث لا يدري ، يحمل سوطاً طويلاً ، وملامح غريبة ، فقد كان له وجه ثور ، في رأس وجسم بشريين ، له مخالب في يديه ورجليه أشبه بمخالب الكلب ، وفي مؤخرته يبرز ذيل لولبي أشبه بذيل الخنزير ، استوقفه هذا الكائن وهو يخور قائلاً :

ـ إلى أين أيها الإنسان ؟

ـ أريد المأوى والطعام والسلام … هل هذا كثير ؟

ـ وهل تعتقد أن الدخول بهذه البساطة ؟ … الواحة واحتي ، ولا يدخلها إلا من يدفع الثمن . وثمنها بخس جداً … قبول شروطي .

ـ واحتك ؟ … شروطك ؟ … من أعطاك إياها ؟

ـ قوتي هي من أعطاني إياها … إنها لي وحدي .

ـ القوة لا تصنع حقاً.

ـ الحاجة أساس الحق .

ـ ونخر الكائن الغريب ، ثم قال بنفاد صبر :

ـ قوتي هي الحق هنا ، وإن كنت في شك من ذلك ، فحاول الدخول رغماً عني.

ولم يجد بداً من الاستسلام ، فقد كانت الحرارة والبرودة والظلام والصحراء لا تطاق ، فقال :

ـ حسنا … وما هي شروطك ؟

وافتر وجه الكائن عن بسمة رضا واسعة ، وأخذ اللعاب اللزج يسيل من بين أسنانه الضخمة ، فيما تحول أنفه إلى اللون الأرجواني وهو يقول :

ـ الآن أصبحت عاقلاً وحكيماً .

ثم استطرد :

ـ ليس لي إلا شرط واحد لا غير … أن تطيعني في كل ما آمرك به ، ولك أن تتمتع بالماء والهواء والثمار والسلام .

ـ ياله من سعر باهظ !

ـ ويالها من ثمار طيبة !

ـ وإن رفضتُ؟

ـ ليس لك إلا الصحراء والجوع والعطش وكلاب الطريق .

ـ ولكني لا أستغني عن الحرية …

ـ ونخر الكائن مرة أخرى وهو يقول :

ـ الحرية … ماهي الحرية ؟ مجرد كلمة .

ـ ولكن في البدء كان الكلمة .

ـ وما نفع الكلمة مع الجوع والقلق .

ـ وما نفع الشبع والسكينة مع العبودية ؟

وأخذ الكائن ينخر ويهز سوطه في الهواء ، وهو يقول :

ـ دعك من هرائك هذا … أمامك خياران ، إما أن تقبل شرطي وتدخل واحتي ، أو أن تعود إلى الضياع في الصحراء .

وأخذ يفكر في الخيارين وهو يختلس النظرات إلى داخل الواحة لقد كانت مظلمة مثل الصحراء حوله ، رغم الألوان التي كانت تحيط بها ، وتلك الأضواء التي يراها من هو بعيد ، ولكنها تختفي حالما يصلها أحدهم . ومن الداخل كانت تتراءى أشباح أهل الواحة رغم الظلام … وجوه حمراء ، وكروش منتفخه ، وأعين فقدت بريق الحياة ، وهم يأكلون طوال الوقت . وهيئ له أن وجوههم قد بدأت تتحول إلى شيء أقرب إلى وجه الكائن الذي يقف أمامه .

ـ ولكن قل لي …

قال هشام موجها حديثه للكائن :

ـ لماذا الظلام دامس في الواحة رغم الألوان والأنوار التي تتراءى من بعيد ؟

وضحك الكائن ، وهو يمتص بعض لعاب سال من جانب فمه ، قال :

ـ الظلام في كل مكان ، ولكن الطعام هنا فقط .

ـ ولكني أرى بصيص نور في الأفق يوحي بانبلاج الفجر في الصحراء ، ولا أرى ذلك البصيص في الواحة !

ـ النور مزعج للعين ، ونحن لا نحبه هنا فهو مفسد للسكينة والطمأنينه . ليس ألذ وأجمل من هدوء الليل ، وصمت الظلام .

ـ لم لا تقول إنك أنت من يكره النور ، كي لا يرى أحد وجهك المسخ .

وهناك ثار الكائن ، وأخذ ينخر بشدة ، ورفع السوط في الهواء يريد أن يهوي به على جسد هشام ، الذي فر من أمامه وهو يقول :

ـ سأضرب في الصحراء غير آبه بالشقاء … فلابد للصحراء من نهاية ، ولا بد لليل من فجر ، ولا بد أني واجد واحتي مهما طال الزمان … واحتي سوف تكون بلا سياج ولا ظلام ، ولا أمساخ بشر … وإن مت قبل ذلك ، فسوف أموت وأنا حر .

وتابع طريقه إلى عمق الصحراء فيما الشمس توقفت عن ضحكها ، وانكفأت على نفسها ، والكائن يضحك من بعيد ويقول بصوت كالرعد :

ـ لن تجد أفضل من واحتي هذه ، كل الواحات مثل واحتي … سوف تعود إلي مهما طال بكل التجوال ، طالباً الصفح والغفران ، مستجدياً أن أقبلك عبداً من عبيدي ، وساعتئذ … ستعرف من أنا .

وصاح هشام من بعيد :

ـ كلا … كلا لن أعود إلى واحتك إلا بعد أن يشرق فيها النور ويخلع السياج وتعود إلى الناس وجوههم .

وابتلعته الصحراء ، وقهقهة الكائن تدوي وراءه كالرعد ، والشمس عادت إلى ضحكها وحرقتها ، ولكنه يسير وهو يرى خيوط الفجر من بعيد)([57]).

قلت : تأمل ـ أخي المسلم ـ هذا الحلم الذي صاغه الحمد على لسان هشام جيداً ، ثم تساءل معي كما تساءلت :

ـ ماهي هذه الواحة المحاطة بالأسلاك الشائكة ؟

ـ من هو هذا الشخص ( البشع !) الذي ساومه هشام على دخول الواحة ؟

لقد صاغ الحمد فكرته التي يريد إيصالها للقارئ بأسلوب رمزي شأنه في ذلك شأن أهل الرمزية الذين يروجون لفكرهم بتلك العبارات الغامضة خوفاً من عاقبة التصريح ( بالكفر) لا سيما في ديار التوحيد . وقد تابع الحمد هنا (شيخه) نجيب محفوظ في كفره عندما تحدث في روايته الشهيرة ( أولاد حارتنا ) عن الله ـ عز وجل ـ وعن أنبيائه بأسلوب رمزي([58]) قاء من خلال بما يحمله قلبه من كفر وحقد تجاه رب العالمين ـ تبارك وتعالى ـ وتجاه أنبيائه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ

فجاء الحمد يهرع من ورائه مستعرضاً قدراته في ( تمرير ) كفرياته في مثل هذا الحلم .

فالشخص البشع في نظر الحمد ـ هو الله ـ عز وجل ، وتعالى عن قول الحمد علواً كبيراً ـ . !!

والواحة المحاطة بالأسلاك الشائكة هي الجنة ومافيها من سعادة واطمئنان .

فالحمد يريد أن يقول لنا بأن من أراد دخول الجنة فليلتزم بعبودية الله ـ عز وجل ـ وطاعة أوامره ، وأما من أنف من هذه العبودية واختار الحرية ! كما يزعم الحمد فلا بد أن يزهد في هذه الجنة ( أو الواحة ) ويضرب في أعماق الصحراء لعله يجد مصدراً آخر للسعادة لا تكون ضريبته فقدان الحرية !

وقد اختار الحمد الطريق الثاني وهو الاستنكاف عن عبادته سبحانه وتعالى، وقد قال تعالى في كتابه الحكيم عن هذا الصنف من البشر : {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا(172)فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}([59]).

فمن استنكف عن عبادة الله وفرَّ منها طالباً الحرية كما يزعم ! فإنه لن يجد من دون الله ولياً ولا نصيراً ، فالمرد ـ وإن طال الزمان ـ إلى الله الذي : {إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ([60]).

ونحن نقول للحمد : من لم يرض بعبادة الله سبحانه وتعالى فإنه لا شك سيعبد غيره؛ لأن الإنسان لا يخرج عن العبودية بأي حال . فمن لم يعبد الرحمن عبد الهوى والشيطان ، ولذلك قال تعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} ([61]).

قال ابن كثير : ( أي إنما يأتمر بهواه ، فما رآه حسناً فعله ، وما رآه قبيحاً تركه ) –([62]).

فهو وإن ادعى أنه قد ترفع عن ( عبودية ) الله المستحق لها فإنه قد جعل تلك العبودية في غير محلها باتخاذه إلهه هواه .

وقال تعالى{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}([63]) .

فمن لم يعبد الله عبد الشيطان ، وعبادته ـ أي الشيطان ـ تكون باتخاذ الشيطان نفسه إلها ([64])، أو بعبادة ما يزين عبادته من الأصنام والأحجار والصور و… الخ ، حتى وصل بأتباع الشيطان أن يعبدوا فرج المرأة ـ والعياذ بالله ـ

الحاصل : أن من تكبر عن عبادة الله أذله الله بأن صيره عبداً لهوىً أو شيطان أو مخلوق مثله .

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ( وكذلك من رفه بدنه وعرضه وآثر راحته على التعب لله وفي سبيله ، أتعبه الله سبحانه أضعاف ذلك في غير سبيله ومرضاته ، وهذا أمر يعرفه الناس بالتجارب .

قال أبو حازم : " لما يلقى الذي لا يتقي الله من معالجة الخلق أعظم مما يلقى الذي يتقي الله من معالجة التقوى "

واعتبر ذلك بحال إبليس . فإنه امتنع من السجود لآدم فراراً أن يخضع له ويذل ، وطلب إعزاز نفسه ، فصيره الله أذل الأذلين ، وجعله خادماً لأهل الفسوق والفجور من ذريته ، فلم يرض بالسجود له ، ورضي أن يخدم هو وبنوه فساق ذريته.

وكذلك عباد الأصنام ، أنفوا أن يتبعوا رسولاً من البشر ، وأن يعبدوا إلهاً واحداً سبحانه ، ورضوا أن يعبدوا آلهة من الأحجار .

وكذلك كل من امتنع أن يذل لله ، أو يبذل ماله في مرضاته ، أو يتعب نفسه وبدنه في طاعته ، لابد أن يذل لمن لا يسوى ، ويبذل له ماله ، ويتعب نفسه وبدنه في طاعته ومرضاته ، عقوبة له ، كما قال بعض السلف " من امتنع أن يمشي مع أخيه خطوات في حاجته أمشاه الله تعالى أكثر منها في غير طاعته")([65]).

وقال ـ رحمه الله ـ مبيناً أهمية عبادة الله وحده للعبد :

( اعلم أن حاجة العبد أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً في محبته ولا في خوفه ولا في رجائه ، ولا في التوكل عليه ، ولا في العمل له ، ولا في الحلف به ، ولا في النذر له ، ولا في الخضوع له ، ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرب؛ أعظم من حاجة الجسد إلى روحه والعين إلى نورها بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به ، فإن حقيقة العبد روحه وقلبه ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو ، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره ، وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيته ، ولا بد لها من لقائه ، ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعبوديتها له ورضاه وإكرامه لها ، ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل لم يدم له ذلك ، بل ينتقل من نوع إلى نوع ومن شخص إلى شخص إلى شخص ويتنعم بهذا في وقت ثم يعذب ولا بد في وقت آخر ، وكثيراً ما يكون ذلك الذي يتنعم به ويلتذ به غير منعم له ولا ملذ بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده ويضره ذلك . وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأظفار التي تحكه ، فهي تدمي الجلد وتخرقه وتزيد في ضرره ، وهو يؤثر ذلك لما له في حكها من اللذة ، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه ومضرة وألم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب ، والعقل يوازن بين الأمرين ويؤثر أرجحهما وأنفعهما ، والله الموفق المعين ، وله الحجة البالغة كما له النعمة السابغة)([66]).

وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ مفصلاً هذا المعنى :

( " العبادة " هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه : من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، فالصلاة والزكاة ، والصيام ، والحج ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والوفاء بالعهود ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . والجهاد للكفار والمنافقين ، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم .والدعاء والذكر والقراءة ، وأمثال ذلك من العبادة .

وكذلك حب الله ورسوله ، وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه ، والشكر لنعمه ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف لعذابه ، وأمثال ذلك هي من العبادة لله .

وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له والمرضية له ، التي خلق الخلق لها، كما قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح لقومه : {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .

وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم لقومهم وقال تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ}([67]) وقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}([68]) وقال تعالى {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}([69]) كما قال في الآية الأخرى {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }([70]) وجعل ذلك لازماً لرسوله إلى الموت كما قال {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}([71]) .

وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال تعالى : {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ(19)يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}([72])وقال {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}([73])وذم المستكبرين عنها بقوله : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}([74])ونعت صفوة خلقه بالعبودية له فقال تعالى : {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا}([75])وقال {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} ([76])الآيات ولما قال الشيطان {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} قال الله تعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}([77]).

وقال في وصف الملائكة بذلك : {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ(26)لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} إلى قوله {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}([78]). وقال تعالى : {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا(88)لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا(89)تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا(90)أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا(91)وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا(92)إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا ءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا(93)لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا(94)وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} ([79]).

وقال تعالى عن المسيح ـ الذي ادعيت فيه الإلهية والنبوة { إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} ([80])، ولهذا قال النبي e في الحديث الصحيح : ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله )([81]).

وقد نعته الله " بالعبودية " في أكمل أحواله فقال في الإسراء : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا}([82])قال في الإيحاء:{ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}([83]). وقال في الدعوة :{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}([84]). وقال في التحدي :{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } ([85]). فالدين كله داخل في العبادة .

وقد ثبت في الصحيح ([86])أن جبريل لما جاء إلى النبي e في صورة أعرابي وسأله عن الإسلام قال : " أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً". قال : فما الإيمان ؟ قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره " . قال : فما الإحسان ؟ قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ثم قال في آخر الحديث " هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم " فجعل هذا كله من الدين .

" والدين " يتضمن معنى الخضوع والذل . يقال : دنته فدان أي : ذللته فذل ويقال يدين الله ، ويدين لله أي : يعبد الله ويطيعه ويخشع له ، فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له .

و" العبادة " أصل معناها الذل أيضاً ، يقال طريق معبد إذا كان مذللاً قد وطئته الأقدام .

لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب ، فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له ، فإن آخر مراتب الحب هو " التتيم " وأوله " العلاقة " لتعلق القلب بالمحبوب ، ثم " الصبابة " لانصباب القلب إليه ، ثم " الغرام " وهو الحب اللازم للقلب ، ثم " العشق " وآخرها " التتيم " يقال : تيم الله أي : عبد الله ، فالمتيم المعبد لمحبوبه .

ومن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابداً له ، ولو أحب شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له ، كما قد يحب ولده وصديقه ، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى ، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء ، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء ، بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا الله .

وكل ما أُحب لغير الله فمحبته فاسدة ، وما عُظم بغير أمر الله كان تعظيمه باطلاً ، قال الله تعالى : {قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ([87])، فجنس المحبة تكون لله ورسوله ، كالطاعة فإن الطاعة لله ورسوله ) ([88]).

قلت : وأما ادعاء الحمد بأن عبودية الله وجنته ليس فيها نور ، وإنما النور والفجر ! في حريته ( المزعومة ) فهو من تلبيس الشيطان عليه ، ومن انتكاس قلبه حتى أصبح يبصر الأشياء على خلاف حقيقتها فغدا النور عنده ظلاماً ، والظلمة نوراً، وهذا حال أهل الباطل الذين يرون باطلهم حقاً والحق باطلاً منذ العهود القديمة . ولا أملك أن أقول للحمد في هذا المقام إلا ما قاله ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ( فأهل الأرض كلهم في ظلمات الجهل والبغي إلا من أشرق عليه نور النبوة ، كما في المسند وغيره من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي e قال : " إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل " ([89]) فكذلك أقول : ولذلك بعث الله رسله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، فمن أجابهم خرج إلى الفضاء والنور ، ومن لم يجبهم بقي في الضيق والظلمة التي خلق فيها ، وهي ظلمة الطبع وظلمة الجهل والهوى وظلمة الغفلة عن نفسه وكمالها وما تسعد به في معاشها ومعادها .

فهذه كلها ظلمات ، خلق فيها العبد ، فبعث الله رسله لإخراجه منها إلى نور العلم والمعرفة والإيمان والهدى الذي لا سعادة للنفس بدونه البته . فمن أخطأه هذا النور أخطأه حظه وكماله وسعادته ، وصار يتقلب في ظلمات بعضها فوق بعض ، فمدخله ظلمة ومخرجه ظلمة وقوله ظلمة وعمله ظلمة وقصده ظلمة، وهو متخبط في ظلمات طبعه وهواه وجهله ، ووجهه مظلم وقلبه مظلم، لأنه مبقى على الظلمة الأصلية ، ولايناسبه من الأقوال والأعمال والإرادات والعقائد إلا ظلماتها ، فلو أشرق له شيء من نور النبوة لكان بمنزلة إشراق الشمس على بصائر الخفاش .

بصائر غشاها النهار بضوئه
ولاء مها قطع من الليل مظلم

يكاد نور النبوة يلمع تلك الأبصار ، ويخطفها لشدته وضعفها ، فتهرب إلى الظلمات لموافقتها لها ، وملاءمتها إياها .

والمؤمن علمه نور وقوله نور ، ومدخله نور ومخرجه نور وقصده نور ، فهو يتقلب في النور في جميع أحواله ، قال الله تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ([90])) ([91]).



الحلف بغير الله في روايته :

ومن تنقصه لله ـ عز وجل ـ أنه استهان بالحلف بغيره ـ عز وجل ـ فذكره في روايته متغافلاً عن قدحه في عقيدة الإنسان وأنه من الشرك الأصغر([92])، مصداقاً لقوله e: "من حلف بغير الله فقد أشرك " ([93])وقال e : " من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" ([94]).

قال الحمد على لسان عبد الرحمن مخاطباً ابن عمته هشام ( أخبره أن ما يشعر به شيء طبيعي لشخص يشرب لأول مرة ، وأنه سوف يعتاد الشراب ولن يفعل به شيئاً بعد ذلك .إلا أن هشام صاح : " أول وآخر مرة ورأس أبوك…")([95]).



الحمد يعتقد أن الله في كل مكان !!!

ومن طوام تركي الحمد في روايتة أنه -وهو الذي درس عقيدة السلف في بلاد التوحيد- يعتقد عقيدة الأشاعرة في أن الله موجود في كل مكان ! ! ! وهذا من أغرب الأمور التي مرت علي أثناء دراستي لثلاثيته . مما جعلني أتفكر كثيراً في كيفية تسرب هذه البدعة الغريبة على بلادنا إلى ذهن الحمد وروايته ، ثم اكتشفت أنه قد نقلها ـ بغباء ـ من ثلاثية نجيب محفوظ ، دون أي تفكير بمدى صحتها !!! وهذا من الأدلة على أن الحمد مجرد ببغاء لنجيب محفوظ يردد ما يقوله في ثلاثيته ولو كان مخالفاً للنقل والعقل كهذه المسألة .







قال الحمد متحدثاً عن والد هشام :

( وضحك أبوه إحدى ضحكاته النادرة ، ثم عاد إلى وقاره وهدوئه المعتادين وهو يقول بحزم : اسمع يا ولدي … إن الله موجود في كل مكان ، والتقوى في النية الطيبة والسلوك الطيب مع الناس ، … ) ([96])

قلت :هذه عقيدة باطلة يدين بها متأخرو الأشاعرة ، والذي عليه سلف الأمة أن الله مستوٍ على عرشه فوق سماواته ، كما قال تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ([97]) وقال : {ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ}([98]) وقال:{ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ([99])… والأدلة على هذا كثيرة ليس هذا موضع التوسع فيها . فانظرها في كتاب ( العلو ) للذهبي و (مختصره ) اللألباني ، و( علو الله على خلقه ) للدكتور موسى الدويش ، و(إثبات علو الله … ) للشيخ حمود التويجري ـ رحمه الله ـ ، و ( الرحمن على العرش استوى ) للشيخ عبد الله السبت ، و( الرحمن على العرش استوى بين التنـزيه والتشويه ) للدكتور عوض منصور.

أما أن الحمد قد أخذ هذه العقيدة البدعية من نجيب محفوظ فلأن هذا الآخر قد ذكرها في ثلاثيته ـ التي هي عمدة الحمد ـ على لسان أحمد عبد الجواد .

حيث قال له الحمزاوي : ( ربنا موجود ) فرد عليه أحمد عبد الجواد : (نعم! -ومشيراً إلى الجهات الأربع- في كل مكان ) ([100]).



الحمد يرى أن عبودية الله كالأغلال !!

من تنقص الحمد لله عز وجل ، أنه لم يرض بعبوديته ، وإنما آثر عليها (الحرية) كما يدعي ! وهي في حقيقتها ليست ( حرية ) وإنما ( عبودية ) من نوع آخر ، إما للهوى أو الشيطان كما سبق .

يقول الحمد متحدثاً عن هشام : ( وطافت في ذهنه تجربته الدينية العميقة حين ذهب إلى المسجد مع ا لفجر ، وصلى بعمق غريب ولذيذ لأول مرة في حياته ، بعد تجربته الجسدية مع رقية فقد كانت صلواته السابقة مجرد حركات جسدية لا روح فيها ، ومجاملات اجتماعية بعض الأحيان . ورغم أنه يشعر بالضآلة حين يجامل في مثل هذه الأمور ، إلا أنه لا يستطيع إلا أن يجامل ، فالله غفور رحيم ، ولكن عباده لا يعرفون الرحمة والغفران ، لقد أحس بعد تلك التجربة العنيفة بتمزق لم يستطع إحتماله ، فكان بحاجة إلى أب رؤوف رؤوف يلقي بحمله عليه … أب ليس ككل الآباء . أب يسامح على الخطأ والخطيئة ، ويأخذ بيده إلى الراحة بعد العذاب ، والصفاء بعد القلق وذاك الوخز المؤلم في الداخل … ولكن شتان بين حاله مع رقية ، وهذا الإنقلاب العجيب في حال عدنان … كل إنسان يبحث عن أب رحيم قادر ، وأم حنون في الأزمات والملمات، والكل يبحث عن كتف عطوف عطوف قوي يبكي عليه ويلقي عليه بأحماله ، ولكن القليل هو من يريد أن يبقى باكياً على ذلك الكتف ، فهو لذيذ حقاً ، ولكن الألذ منه أن تخطئ وتصيب، فاللذة في وجود نقيضها وليس في مجرد وجودها .شيء لذيذ وجميل أن تجد من يكون مسؤولاً عنك طوال الوقت ، ولكن السعر باهظ جداً … إنه الحرية ذاتها . الطفل وحده من يدفع هذا السعر بالرغم منه ، ولكن من يريد أن يبقى طفلاً طوال الوقت ؟! الكل يجد الدفء في حضن الأم ، والقوة في الأب ، ولكن قلةً من يريدون البقاء في ذلك الحضن وعلى الكتف … ويبدو أن عدنان واحد من هؤلاء ) ([101]).

قلت : ومقصوده واضح لا يحتاج إلى إعمال ذهن ، وهو دليل استكباره عن عبادة ربه ـ كما سبق ـ وقد قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) ([102]) .



تنقصه للملائكة الكرام :

أما تنقص الحمد واستخفافه بالملائكة المكرمين؛ فمن ذلك قوله متحدثاً عن هشام في السجن :

( ثم نظر إلى النافذة ، وتلك النجوم التي تتبدى من ورائها على استحياء ، وهو يتصور أن يأتي ملاك رحمة من هنا أو هناك فينقله على جناحيه إلى حيث نسمة هواء طليقة . ولكن حتى الملائكة اختفت في هذه اللحظة ، ويبدو أنها نفسها تخاف الدخول إلى هذا المكان ، وليس إلا الرعب والسكون والانتظار)([103])!!

قلت : كيف تخاف الملائكة الدخول في هذا المكان أو غيره ، وهي معك أينما سرت . قال تعالى عن الإنسان : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)([104]).

وقال سبحانه : (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) ([105]).



وقال تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ )([106]) .

فالملائكة المكرمون قد خُصََّ بعضهم بأنه لا يفارق الإنسان في جميع أحواله ـ كما سبق ـ ولكن الحمد لا يفقه هذا بعد أن اعتاد لسانه على الجرأة عند حديثه عن كل شيء مقدس، متأثراً بالكفرة الفجرة ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ .



تنقص الحمد للقرآن :

أما سخريته بالقرآن ، وبآيات الله ، فهو أنه يضعها في غير موضعها ، بأسلوب هازل .

فمن ذلك قوله :

( حانت التفاتة من عبد الرحمن نحو الكيس الذي يحمله هشام ويشد عليه بقوة ، فقال وهو يضحك : " ما تلك بيمينك يا هشام ؟ " وابتسم هشام …)([107]) فهو يشير إلى قوله تعالى لموسى ـ عليه السلام (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى) ([108])

وقوله : ( وهز هشام رأسه وهو يبتسم محيياً ، فيما أخذ الآخرون يتضاحكون ويتغامزون فيما بينهم ويقولون : "شرَّفت الكراديب " "وما منكم إلا واردها " ) ([109]).

وهو يشير إلى قوله تعالى عن النار : ( وإن منكم إلا واردها ) ([110]).

قلت : لا يجوز أن يُنزل القرآن في غير منزله الذي أراده الله له ، وأن يُسْتدل به بهذه السخرية ([111]).

وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء عن ( استعمال بعض آيات القرآن في المزاح ما بين الأصدقاء ؟ ) فأجابت بأنه ( لا يجوز استعمال آيات القرآن في المزاح ) ([112]).



بغضه للقرآن :

يقول الحمد متحدثاً عن ذكريات هشام ، وصديقه عدنان : ( كانا في الصف الرابع الابتدائي ، وكانت مادتي القرآن الكريم والتجويد أصعب وأبغض المواد عند التلاميذ ) ([113])!!

قلت : أما ( أصعب ) فقد قال تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ([114]).

وأما ( أبغض ) فهذه التي يريد الحمد ! والسؤال : لماذا كان كلام الله الذي فيه الهدى والنور أبغض المواد !؟ وكان الحب كله للكتب الفلسفية والماركسية و(المحرَّمة ) ؟!

وصدق الله إذ يقول : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا) ([115]).



تنقصه للأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ :

لقد أسرف الحمد على نفسه كثيراً واقتحم لجة الكفر والضلال عندما تعرض لأنبياء الله تعالى ـ عليهم الصلاة والسلام ـ واصفاً إياهم بكل منقصة جرياً وراء أكاذيب اليهود والنصارى التي استولت على ذهنه عند حديثه عنهم ـ عليهم السلام ـ فقد نسخت قراءاته لكتب اليهود والنصارى والملاحدة كل تعظيم غرسه القرآن في صدره حول الأنبياء والرسل .

ولنستمع إلى ( هرائه ) مع التعليق عليه بما تيسر .

قال الحمد على لسان هشام :

( قتل قابيل هابيل من أجل المرأة ، وخرج آدم من الجنة من أجل المرأة ، وأذنب من أجل المرأة ، وسخر سليمان الجن من أجل المرأة ، وقال رسولنا الكريم ([116]):" حُبب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء وجُعلت الصلاة قرة عيني " ومزامير داود كلها عن المرأة ، وسكر لوط في التوراة من أجل المرأة ، وأبطل المسيح حد اليهود من أجل مريم المجدلية ، وخاف إبراهيم من فرعون مصر من أجل المرأة ، وكانت المرأة وراء مباركة يعقوب بدلاً من عيسو … )([117]) .

قلت : لقد تضمن هذا النص من الحمد عدة فتراءات على أنبياء الله ـ عليهم السلام ـ حيث لم يتورع ـ هداه الله ـ عن متابعة اليهود والنصارى في تلفيق التهم والنقائص لخير البشر ـ عليهم السلام ـ ولتفنيد ذلك أقول :

ـ أما قابيل وهابيل فإنهما لم يكونا من الأنبياء، هم بشر كغيرهم ، فلا شأن لنا بهما . ومع هذا فإن تركي الحمد لم يذكر إلا قولاً واحداً في قصتهما ولم يذكر القول الثاني .

فهو ألمح إلى القول الأول الذي يفيد بأن قابيل قتل أخاه هابيل بسبب المرأة فقررا أن يتقربا إلى الله بقربان فمن تقبل منه كانت المرأة من نصيبه فتقبل من هابيل ولم يُتقبل من قابيل ، فقام قابيل بقتل هابيل .

والقول الثاني الذي لم يذكره الحمد هو أنهما قررا أن يقوما بتقديم قربان إلى الله ـ عز وجل ـ فعمد قابيل إلى أسوأ ماله فقدمه قرباناً ، وعمد هابيل إلى أحسن ماله فقدمه ، فتقبل منه ولم يتقبل من أخاه قابيل ، فحسده قابيل وقام بقتله .

وفي هذا يقول ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ : ( عن ابن عباس قال : كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه وإنما كان القربان يقربه الرجل، فبينما ابنا آدم قاعدان إذ قالا : لو قربنا قرباناً ! وكان الرجل إذا قرب قرباناً فرضيه الله عز وجل أرسل إليه ناراً فأكلته ، وإن لم يكن رضيه خبت النار ، فقربا قرباناً . وكان أحدهما راعياً وكان الآخر حراثاً ، وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه وأسمنها . وقرب الآخر أبغض زرعه ، فجاءت النار فنزلت بينهما ، فأكلت الشاة وتركت الزرع . وإن ابن آدم قال لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قرباناً فتقبل منك ورد عليّ ؟ فلا والله لاتنظر الناس إلي وإليك وأنت خير مني فقال : لأقتلنك ! فقال أخوه : ماذنبي ؟ إنما يتقبل الله من المتقين)([118]) .

قلت : فهذا القول الثاني لم يشر إليه الحمد هو الذي يشهد له القرآن العظيم عندما تحدث عن قصة ابني آدم حيث قال تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(27)لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لاَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28)إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ(29)فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ(30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ(31) ) ([119]).

ولذا قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ بعد سياقه الأثر السابق عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : (فهذا الأثر يقتضي أن تقريب القربان كان لاعن سبب ولا عن تدارئ في امرأة كما تقدم عن جماعة ممن تقدم ذكرهم ، وهو ظاهر القرآن )([120]) .

فالحمد لم يسق إلا القول الذي يتماشى مع هواه ، علماً بأن هذه الروايات جميعها لم تصح مرفوعه إلى النبي e ، وإنما هي تنقل عن أهل الكتاب الذين أمرنا بعدم تصديقهم أو تكذيبهم إلا ما عارض شرعنا فإننا نكذبهم فيه ـ ولا كرامةـ.

بل إن القرآن والسنة الصحيحة لم تذكر ( قابيل وهابيل ) وإنما ذكرت بأن القصة حدثت لابني آدم فقط دون تفصيلات . كما في سورة المائدة ، وكما في قوله e في الصحيحين : " لا تُقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفْل من دمها ، لأنه أول من سنَّ القتل " .

ـ أما قول الحمد بأن آدم ـ عليه السلام ـ قد خرج من الجنة من أجل المرأة فالذي في القرآن أن ( الشيطان ) قد وسوس لآدم وحواء جميعاً بالأكل من الشجرة ، وفي آيات أخرى يخبر الله بأن الشيطان قد وسوس لآدم بذلك دون ذكر لحواء .

قال تعالى : (وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35)فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)([121]).

وقال سبحانه : (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ(18)وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظالمين) ([122]).

وقال عز وجل : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا(115)وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى) ([123]).

فهذه الآيات فيها أن الشيطان وسوس لهما جميعاً (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ) (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ)؛ وفي سورة طه أنه وسوس لآدم أولاً (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ) .فهي تشهد لمن قال بأن الوسوسة كانت لهما جميعاً حيث أغراهما الشيطان بنيل الخلد في الجنة وأن يكونا كسائر الملائكة . ولم يذكر فيها أن حواء هي التي أغرت آدم على الأكل من الشجرة كما تقول ذلك الروايات الإسرائيلية. ولهذا قال الشيخ أحمد شاكر ـ رحمه الله ـ : ( دأب الكتاب والأدباء في عصرنا هذا على فرية أن آدم عليه السلام خدعته حواء حتى أكل من الشجرة ، يصطنعون قول الكاذبين المفترين من أهل الكتاب ، بما حرفوا وكذبوا)([124]).

قلت : ولكن من يقول بأن حواء أكلت من الشجرة قبل آدم ، أو أنها سهلت له الأكل منها يستشهد بحديث رواه البخاري في صحيحه ويحمله على هذه القصة ، وهو أنه e قال : " لولا حواء لم تخن انثى زوجها " . قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث : ( وقوله " لم تخن انثى زوجها " فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك ، فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها ابليس حتى زينته لآدم ، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهنها بالولادة ونزع العرق فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له ، وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها ، وقريب من هذا الحديث " جحد آدم فجحدت ذريته " وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى ، وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه أو على سبيل الندور ، وينبغي لهن أن لا يتمكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن ، والله المستعان ) ([125]).

وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ( وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم وهي التي حدته على أكلها ، والله أعلم ، وعليه يحمل الحديث الذي رواه البخاري …) ثم ذكر الحديث السابق([126]) .

قلت : ومع هذا فلا يحسن أن يقال بأن آدم خرج من الجنة بسبب المرأة ، وإنما يقال بأنه ـ عليه السلام ـ خرج من الجنة بسبب مخالفته لنهي الله ـ عز وجل ـ بوسوسة من الشيطان مما ترتب عليه ابتلاؤه وذريته من بعده . وكان هذا قبل أن يتوب الله عليه ، ويصطفيه كأول نبي على وجه الأرض .

ـ أما قول الحمد بأن داود ـ عليه السلام ـ أذنب من أجل المرأة فهذا من افترائه متابعة لأشياخه اليهود الذين افتروا على داود ـ عليه السلام ـ في توراتهم المحرفة بأنه عليه السلام قتل أحد قواده بواسطة الخدعة حيث جعله في مقدمة الجيش لكي يتزوج بامرأته التي أُعجب بها داود ـ عليه السلام ـ بعد أن رآها عريانه !!! كما جاء في ( سفر صموئيل الثاني ، الاصحاح 11) .

وقد تسللت هذه الكذبة الشنيعة من اليهود إلى تفاسير المسلمين عبر الاسرائيليات التي أخذوها منهم دون تمحيص لها .

حيث تذكر هذه القصة المكذوبة في تفسير قوله تعالى : (وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ )([127]) .

وقد أجاد ابن كثير ـ رحمه الله ـ عندما قال عند هذه الآية : ( قد ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ) ([128]) ثم ضعف القصة السابقة بأن في سندها ( يزيداً الرقاشي ) أحد الضعفاء في الحديث عند الأئمة .

وقبله قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ :

( قد عرف كلام اليهود في الأنبياء وغضهم منهم ، كما قالوا في سليمان ما قالوا ، وفي داود ما قالوا )([129]) .

وقال القاضي عياض: ( لا تلتفت إلى ما سطره الإخباريون من أهل الكتاب ، الذين بدلوا وغيروا ، ونقله بعض المفسرين ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك في كتابه ، ولا ورد في حديث صحيح ) قال: ( وليس في قصة داود وأوريا خبر ثابت ) ([130]).

وقال الشيخ محمد أبو شهبه في كتابه ( الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ) : ( والمحققون ذهبوا إلى ما ذهب إليه القاضي . قال الداودي : ليس في قصة داود وأوريا خبر يثبت ، ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم )([131]) .

وقال الدكتور البار بعد أن ذكر هذه القصة المكذوبة : ( يالها من جريمة بشعة حقيرة تزعم التوراة ( المحرفة ) أن داود عليه السلام ارتكبها ، وهو لاريب منها برئ)([132]).

قلت : شتان بين هذه القصة التي تصف نبي الله داود ـ عليه السلام ـ بالقتل والمخادعة في سبيل امرأة ، وبين قول الله تعالى عنه (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ(17)إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ(18)وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ(19)وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)([133]) .

فقد وصفه تعالى بالقوة في العلم والعمل وأبان ذلك e بقوله عنه بأنه " كان يصوم يوماً ويفطر يومأ ، ولا يفر إذا لاقى "([134]). وقال عنه " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه ، وينام سدسه " ([135])

فأين هذا الوصف العالي من و صف التوراة المحرفة التي استساغ الحمد أن يتأثر بها وينقلها تشويهاً لصورة نبي الله ـ عليه السلام ـ !؟

ـ أما قول الحمد بأن سليمان ـ عليه السلام ـ قد سخَّر الجن من أجل المرأة ، فهذا من كذبه الذي يعرفه صغار المسلمين الذي يقرأون القرآن .

فسليمان ـ عليه السلام ـ لم يسخر الجن بنفسه ، وإنما الذي سخرها الله ـ عز وجل ـ .

قال تعالى عن سليمان : (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ(35)فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ(36)وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ(37)وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ(38)هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(39)وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) ([136]).

وأما قصته ـ عليه السلام ـ مع ( بلقيس ) ملكة اليمن التي يلمح إليها الحمد فهي أن سليمان غضب منها ومن قومها عندما أرسلوا له المال والهدايا لعله يكف عنهم . فأمر من حوله من الجن والإنس بأن يحضروا له عرش بلقيس الذي لا يكاد يوجد مثله في عظمته ، فقال : (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) ولكن سليمان لم يقنع بهذا ، فقال (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ) وهو كاتبه آصف بن برخيا كما يُروى عن ابن عباس : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) أي : أن تنظر مد بصرك فلا تكل إلا والعرش عندك : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ) أي سليمان : (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ءأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )([137]) .

أما سبب احضار العرش فليس لأجل المرأة كما يزعم الحمد ـ كذباً وافتراءً ـ وإنما لأجل أن يظهر سليمان عظمة ملكه لها ، وأنه نبي من عند الله ، قد سخر له الإنس والجن فتستجيب لدعوته لها إلى دين التوحيد بعد أن كانت تسجد هي وقومها للشمس .

قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ( إن سليمان أراد باحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهب الله له من الملك وما سخر له من الجنود الذي لم يعطه أحد قبله ولا يكون لأحد من بعده وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها لأن هذا فارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه )([138]).

ـ أما قول الحمد بأن نبينا قد حُبب إليه النساء ، فهذا صحيح ، وقد ورد في هذا قوله : (( حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني الصلاة ))([139]).

وليس معنى هذا ما قد يظنه الحمد أو غيره من الجهلة أن هذه المحبة لأي امرأة ولو لم تحل له ـ والعياذ بالله ـ وإنما هذا خاص بزوجاته وما ملكت يمينه، وليس في هذا أي نقص لمرتبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ بل هو بيان لكمال رجولته .

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ( أما محبة الزوجات فلا لوم فيها ، بل هي من كماله ، وقد امتن سبحانه على عباده فقال : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)([140]).فجعل المرأة سكناً للرجل يسكن قلبه إليها ، وجعل بينهما خالص الحب ، وهو المودة المقرونه بالرحمة ) قال : ( ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حُبب إليه النساء ، كما في الصحيح عن أنس عن النبي : "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة" قال : ( فمحبة النساء من كمال الإنسان ، قال ابن عباس : خير هذه الأمة أكثرها نساء ) قال : (فعشق النساء ثلاثة أقسام : قسم هو قُربة وطاعة ، وهو عشق امرأته وجاريته ، وهذا العشق عشق نافع ، فإنه أدعى إلى المقاصد التي شرع الله لها النكاح ، وأكف للبصر والقلب عن التطلع إلى غير أهله ، ولهذا يُحمد هذا العاشق عند الله، وعند الناس )([141]).

ـ أما قول الحمد بأن مزامير داود ـ عليه السلام ـ كلها عن المرأة ، فهذا كذب منه ، يريد به التهويل. قال الدكتور محمد البار ـ حفظه الله ـ وهو ممن اعتنى بدراسة المزامير :

( تنسب المزامير إلى مجموعة من أنبياء بني اسرائيل وأدبائهم وشعرائهم ، وتشتمل على 150 مزموراً ، منها 73 منسوبة إلى داود عليه السلام ، والأخرى منسوبة إلى موسى وسليمان ـ عليهما السلام ـ وإلى آساف وبني قورع وراجح وهيمان وأتيان ويدوتون )

وقال : ( رغم أنه لم تثبت نسبة أي من هذه المزامير الموجودة لداود أو غيره، إلا أنها أصبحت جزءً من الفولكلور الشعبي اليهودي )([142]).

وقال : ( تُقسم المزامير إلى ثلاث مجموعات أساسية تندرج تحتها مجموعات أصغر . وهذه المجموعات الثلاث هي :

1 ـ مجموعة التسابيح .

2 ـ مجموعة صلوات الاستغاثة .

3 ـ مجموعة التعليم )([143]) .

قلت : يتضح من هذا أن المزامير كلها عن دين اليهود وتسابيحهم وصلواتهم، وليست كما يزعم الحمد بأنها ( كلها عن المرأة ) !!!

والذي نعتقده ـ كمسلمين ـ هو ماجاء في القرآن الكريم أن الله قد آتى داود ـ عليه السلام ـ كتاباً مقدساً هو ( الزبور ) قال تعالى : (وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا) ([144]).

ونعتقد أن داود ـ عليه السلام ـ قد وهبه الله صوتاً جميلاً يترنم به عند تسبيحه الله فتردد الجبال والطير معه .

قال تعالى : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ)([145])، وقال: (يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)([146])، وأما قوله لأبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ : "يا أبا موسى ، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود"([147]).

فقد قال الخطابي : ( قوله (آل داود ) يريد داود نفسه ، لأنه لم ينقل أن أحداً من أولاد داود ولا من أقاربه كان أعطي من حسن الصوت ما أعطي)([148]) وقال الحافظ ابن حجر : ( المراد بالمزمار الصوت الحسن ، وأصله الآله ، أطلق اسمه على الصوت للمشابهة )([149]).

ـ أما قول الحمد ( وسكر لوط في التوراة من أجل المرأة ) !!

فهذا من أقبح تشنيعاته على أنبياء الله ، والتعريض بهم بخُبثٍ وسوء طوية ، حيث لم يُعقب على هذا الكذب بما يبينه ، وإنما ساقه متأثرًا به متابعةً لأحفاد القردة .

ثم أعاده في موضع آخر من روايته مبيناً قصده ، حيث قال على لسان هشام ـ كما سيأتي ـ ( وزنت بنات لوط مع أبيهم )!!

وهذا الكذب الفاحش قد أخذه الحمد من التوراة ( المحرّفة ) حيث جاء فيها ـ كما في سفر التكوين ، الاصحاح 19: 30ـ 38 ـ أن ابنتي لوط ـ عليه السلام ـ قامتا بإسقائه خمراً حتى سكر ، ثم اضطجعتا معه ، فحبلتا منه !!!

وهذه الكذبة لا يُستغرب صدورها من قوم قد قال الله ـ تعالى ـ عنهم: ((أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ))([150]) فمن كذب بعض الرسل وقتل بعضهم الآخر لا يستغرب عليه أن يفتري الكذب عليهم .

قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ بعد أن ذكر هذه القصة المفتراة: ( هذه فضائح الأبد، وتوليد الزنادقة والمبالغين في الاستخفاف بالله تعالى وبرسله عليهم السلام)([151])

وقال ابن القيم رحمه الله ـ:

( ومن قدحهم ([152])في الأنبياء : ما نسبوه إلى نص التوراة ، أنه لما أهلك الله أمة لوط لفسادها ، ونجى لوطاً بابنتيه فقط ، ظن ابنتاه أن الأرض قد خلت ممن يستبقين منه تسلاً . فقالت الصغرى للكبرى : إن أبانا شيخ ، ولم يبق في الأرض إنسان يأتينا كسبيل البشر ، فهلمي نسقي أبانا خمراً ونضاجعه ، لنستبقي من أبينا نسلاً ، ففعلتا ـ بزعمهم ـ فنسبوا لوطاً النبي عليه السلام إلى أنه سكر حتى لم يعرف ابنتيه ثم وطئهما وأحبلهما وهو لا يعرفهما … )([153]).

ـ أما قول الحمد بأن المسيح ـ عليه السلام ـ أبطل حد اليهود من أجل مريم المجدلية ، فلعله يشير إلى اتهام اليهود لمريم ـ رضي الله عنها ـ بالزنا من أجل حملها بعيسى ـ عليه السلام ـ دون زوج ، ومن ثمّ تكلم عيسى في المهد مبرئاً أمه من هذه التهمة الشنيعة التي وبخ الله اليهود لأجلها بقوله ـ تعالى ـ (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا)([154]) فما دخل هذه الحادثة بما يتحدث عنه الحمد ؟!

ـ أما قول الحمد ( وخاف إبراهيم من فرعون مصر من أجل المرأة ) فيشير إلى ما ما أخرجه البخاري في صحيحه عن النبي e متحدثاً عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ : (( بينما هو ذات يوم وسارة إذ أتى إلى جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن ها هنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إليه فسأله عنها فقال : من هذه ؟ قال : أختي . فأتى سارة قال : ياسارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني عنك فأخبرته أنك أختي ، فلا تكذبيني . فأرسل إليها ، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأُخذ : فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت الله فأطلق . ثم تناولها الثانية فأُخذ مثلها أو أشد ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت فأطلق . فدعا بعض حجبته فقال : إنكم لم تأتوني بإنسان ، إنما أتيتوني بشيطان ، فأخدمها هاجر. فأتته وهو قائم يصلي ، فأومأ بيده : مهيم ؟ قالت : رد كيد الكافر ـ أو الفاجر ـ في نحره ، وأخدم هاجر )) ([155])

قلت : وفي هذا الحديث بيان عصمة الله لابراهيم وزوجه أن تمسهما يد ظالم ، حيث كف سبحانه كيد هذا الملك عنهما .

ـ أما قول الحمد بأن المرأة كانت ( وراء مباركة يعقوب بدلاً من عيسو) فيشير إلى ما جاء في الإسرائيليات التي دخلت علينا من أهل الكتاب وقد ذكرها المؤرخون في قصة يعقوب ـ عليه السلام ـ

قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في البداية والنهاية :( ذكر أهل الكتاب أن اسحق لما تزوج رفقا بنت بتواييل في حياة أبيه كان عمره أربعين سنة وأنها كانت عاقراً فدعا الله لها فحملت فولدت غلامين توأمين أولهما سموه عيصو وهو الذي تسميه العرب العيص وهو والد الروم ، والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل .

قالوا : وكان اسحق يحب العيصو أكثر من يعقوب لأنه بكره وكانت أمهما رفقا تحب يعقوب أكثر لأنه الأصغر .

قالوا : فلما كبر اسحق وضعف بصره اشتهى على ابنه العيص طعاماً وأمره أن يذهب فيصطاد له صيداً ويطحنه له ليبارك عليه ويدعو له ، وكان العيص صاحب صيد فذهب يبتغي ذلك فأمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح جديين من خيار غنمه ويصنع منهما طعاماً كما اشتهاه أبوه ويأتي إليه به قبل أخيه ليدعو له ، فقامت فألبسته ثياب أخيه وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين لأن العيص كان أشعر الجلد ويعقوب ليس كذلك ، فلما جاء به وقربه قال : من أنت ؟ قال : ولدك . فضمه إلى وجهه وجعل يقول : أما الصوت فصوت يعقوب وأما الجس والثياب فالعيص ، فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدراً وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده وأن يكثر رزقه وولده .

فلما خرج من عنده جاء أخوه العيص بما أمره به والده فقربه إليه فقال له: ما هذا يا بني ؟ قال : هذا الطعام الذي اشتهيته فقال : أما جئتني به قبل الساعة وأكلتُ منه ودعوتُ لك ؟ فقال : لا والله . وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك)([156]).

قلت : فهذه من أحاديث أهل الكتاب ، لاتصدق ولا تكذب ، وإن صحت ففيها بيان محبة الأم لابنها وحرصها على أن يكون محظياً عند والده ، ولاحرج في هذا.



تنقصات أخرى :

وقال الحمد في موضع آخر من روايته : ( رحماك يارب الكون … لماذا

خلقت حام طالما أن سام هو الحبيب ؟ ولماذا فضلت سام وصببت اللعنة على حام ؟ ما ذنبه إذا سكر نوح ، وزنت بنات لوط مع أبيهم ، في كتاب يقولون إنه كلماتك وإرادتك ؟ )([157]).

وفي قول الحمد مخاطباً ربه ( لماذا خلقت حام ؟ ) سوء أدب ، ووقاحة ، وعدم تعظيم له سبحانه ، حيث وجه إليه سؤاله تعنتاً واعراضاً ، وقد قال تعالى : (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)([158]).

وهو يشير بقوله : ( لماذا فضلت سام وصببت اللعنة على حام ؟ ما ذنبه إذا سكر نوح ؟ ) إلى ما ورد في التوراة ( المحرّفة )([159]) التي هي عمدة الحمد في قدحه بأنبياء الله ! من أن نوحاً ـ عليه السلام ـ شرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه ، فأبصره ابنه حام ( أبو كنعان ) ، وأخبر أخويه ( سام ويافث ) ، فأخذ ( سام ويافث ) الرداء وسترا عورة أبيهما دون أن ينظرا إليها ، فلما أفاق نوح وعلم بذلك لعن حاماً وابنه كنعان ، ودعا أن يكون عبداً لأخويه، ودعا لسامٍ بالبركة من الله .

وهذه احدى كذبات اليهود وتشويههم لصورة الأنبياء في كتبهم المحرفة ، التي نقل منها الحمد دون تورع أو خجل ، ولكن بمكرٍ وخبث ، ومحاولة منه لا سقاط المثل والرموز ـ كما سبق ـ بأسلوب حقير يناسب طبعه وعقليته التي لا تقيم وزناً لأي شيء مقدس ـ كما يحاول أن يدّعي ـ !

قال الدكتور سعود الخلف ـ حفظه الله ـ بعد إيراده هذه القصة المكذوبة على نوح ـ عليه السلام ـ : ( وهذا محض كذب وافتراء ، فإن الله عز وجل قد وصف عبده نوحاً في كتابه المهيمن بقوله : ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)([160]))([161]).

ـ وأما قوله القبيح ( وزنت بنات لوطٍ مع أبيهم) فقد بينت كذبه ـ فيما سبق ـ وأنه مُتلقىً عن أبناء القردة ، من الذين جعلهم الحمد قدوته ، واتبع آثارهم في تعريضه بأنبياء الله ـ عليهم السلام ـ دون خوف من الله ـ عز وجل ـ الذي قال عن أنبيائه ـ عليهم السلام ـ (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)([162]).

ـ وقال الحمد على لسان هشام في السجن: ( يحس أنه هنا منذ أن حشر الإله الروح في جسد آدم . إنه يحس في داخله أنه كان معاصراً لقابيل وهو يقتل أخاه ، ولنوح وهو يصارع أمواج الطوفان ، وليونس وهو يصيح في بطن الحوت، ولأيوب والدود ينخره ، وليوسف في الجب ، والمسيح هو يصيح مصلوباً ، والنبي الأمي وهو يشكو )([163]).

قوله ( حشر الإله الروح في جسد آدم ) هو من سوء أدبه مع ربه، وفيه اعتراض خفي على خلق آدم _ عليه السلام _ وكان الأولى به أن يقول : (نفخ الإلة الروح في آدم ) كما أخبر القرآن : (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ(71)فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ([164]).



الحمد يعتقد صلب المسيح ـ عليه السلام ـ !!!

وكل هذا يهون أمام الطامة العظمى التي فاه بها الحمد ، وهي قوله : (والمسيح وهو يصيح مصلوباً ) !!! فهو يخالف بقوله هذا نصوص الشريعة واجماع المسلمين من أن المسيح ـ عليه السلام ـ لم يصلب بل رفعه الله إليه وألقى شبهه على غيره ممن صلب ، قال تعالى : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) ([165]).

والذي دعا الحمد إلى هذه الزلة العظيمة هو ـ كما سبق ـ متابعته لليهود والنصارى الذين يزعمون أن المسيح ـ عليه السلام ـ قد صلب ، وقد رد الله عليهم قولهم هذا في القرآن الذي يفترض أن يكون الحمد قد قرأه وآمن به! قال تعالى عن اليهود : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) ([166]). وهذه العقيدة وهي عدم صلب المسيح ـ لا يخالف فيها أي مسلم ، عامياً كان او عالماً ، وإنما خلاف بعضهم في أنه هل رفع ـ عليه السلام ـ بجسده كما عليه الجمهور وهو الصحيح لأنه موافق لقوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ )([167]).

أم أنه تعالى توفاه بالنوم ثم قبض روحه كما يقبض أرواح البشر ، كما يختاره بعض العقلانيين من أمثال محمد عبده ومدرسته ([168]).

أما أنه عليه السلام قد صلب فهذا لم يفه به سوى المغضوب عليهم والضالين (وأذنابهم ! ) لأنه مصادم لما علم بالضرورة من دين الإسلام ، وهو تكذيب لله ـ عز وجل ـ

فهل يعي الحمد خطورة قوله هذا ؟! أم يتمادى في تجاوزه كل ما هو قطعي تحت دعاوى ( الحرية ! )؟ عندها نقول له : (يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)([169]).



تنقص آخر لأنبياء الله :

قال الحمد على لسان هشام :

( نحن نحاول أن نفهم سر ما يجري ، ولكننا ننتهي إلى صخرة سيزيف ، ويبقى السر طلسماً قاتلاً من طلاسم سليمان الحكيم ، وتعويذات وزيره آصف بن برخيا العابثة … ) ([170]).

قلت : أما صخرة سيزيف فهي أسطورة يونانية لا شأن لنا به ولا بصخرته التي يحاول الصعود بها .

ـ أما قوله : ( ويبقى السر طلسماً قاتلاً من طلاسم سليمان الحكيم ) ! فهو افتراء منه تابع فيه اليهود الذين اتخذهم قائده ودليله في روايته ، فالقول ما قالوا ، والرأي ما رأوا ، والرواية مارووا ، وإن كان فيها تنقص أو شتيمة لأنبياء الله ورسله ، فكل هذا لا يهم ( التوراتي ) تركي الحمد ! الذي شابه قلبه قلوبهم في حملها الغل على أكرم الخلق فأصبح يهذي بما تهذي به يهود .

ومن ذلك متابعته لهم في اتهام سليمان ـ عليه السلام ـ بأنه ساحر !!! وقد رد الله هذا الكفر بقوله تعالى مدافعاً عن نبيه سليمان : (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا)([171]) .

قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ( ان سحرة اليهود ـ فيما ذكر ـ كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود ، فأكذبهم الله بذلك واخبر نبيه محمداً e أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر ، وبرأ سليمان ـ عليه السلام ـ مما نحلوه من السحر ، وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين ) ([172]).

ـ وأما قوله( وتعويذات وزيره آصف بن برخيا العابثة ) ! فلا أدري ما الداعي لكلمة ( العابثة ) ! أم أن الحمد أصبح لا يرى في كل شيء إلا العبث ؟

والذي ورد في تفسير قوله تعالى: ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) ([173]) أن آصف بن برخيا وكان يعلم اسم الله الأعظم دعا الله به فاستجاب دعاءه، وليس ذلك تعويذات عابثة كما يزعم (العابث) تركي الحمد .









سخرية الحمد وتنقصه شعائر الإسلام :

أما سخريته بشعائر الدين ، وتهوينه من أمرها؛ فمن ذلك أنه أخبر عن هشام بأنه ( صلى الفجر مع خاله دون اغتسال ) ([174])!!

وقوله مهوناً أمر الصلاة : ( حتى والده لم يكن يؤدي الفروض في المسجد أكثر الأحيان ، كأكثر أهل الدمام ، بل كان يؤديها في المنـزل غالباً ، وذلك على عكس أهل الرياض والقصيم .. ) ([175]) .

وقوله : ( وبقي هشام وحيداً لا يدري ما يفعل ، هل يلحق خاله إلى المسجد ، أم يواصل النوم مثل أبناء خاله .. وأخيراً عزم على مواصلة النوم ، فلا ريب أن الأبناء أدرى بحال الدار ، واستلقى على فراشه ، وأخذ النسيم البارد ورطوبة السحر يداعبان أجفانه . وعندما كان المؤذن ينادي : " الصلاة خير من النوم … الصلاة خير من النوم " ، كان قد أغفى تماماً) ([176]).

وقوله : ( إنه لا يحب القصيم كثيراً . ففي الدمام أصحابه والأجواء التي اعتاد عليها والبحر ، وفي القصيم لا أصداء ولا بحر ، وفوق كل ذلك صلاة الفجر التي لا بد أن يؤديها جماعة في المسجد مع جده .عندما يلذ للعين الرقاد)([177]).



سخريته وتنقصه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم :

فمن ذلك قوله على لسان وليد مخاطباً هشاماً :

( أنت تتحدث عن الموت وكأنه كائن مجسد ، وليس حادثه أو حالاً .

وضحك هشام باقتضاب وهو يقول :

ـ وما أدراك أنه ليس كائناً ؟ .. ألا يقولون إن الملاك عزرائيل هو قابض الأرواح ؟ أوليس ذاك الهيكل العظمي الأسود هو الموت بعينه ؟ ألا يقولون إنه بعد انتهاء الحساب يوم القيامة يؤتى بالموت على شكل خروف فيذبح على الحدود بين الجنة والنار ؟

ثم وهو يضحك :

ـ لقد ذكرتني بنزار وقصائده المتوحشة .

ثم وهو يعتدل في جلسته :

ـ ولكن أتدري ما يحيرني يا وليد … هل يمكن للموت أن يموت ؟ كيف يموت من هو ميت أصلاً ؟ وإذا كان الموت يميتنا ، فمن يميت الموت ؟ … الله ؟ .. هو الحياة ذاتها فكيف يمكن للحياة أن تميت ؟ .. حقاً يا لها من حيرة ) ([178]).

قلت : أما تسميته ملك الموت بعزرائيل فهو من جهله ، لأنه لم تصح هذه التسمية في أي من الأحاديث الصحيحة ([179])، و الله ـ عز وجل ـ سماه في القرآن ملك الموت ولم يذكر له اسماً غيره .

قال تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) ([180]).

وأما قوله : ( ألا يقولون إنه بعد انتهاء الحساب يؤتى بالموت على شكل خروف …الخ ) فهو من سخريته بأحاديث النبي e ، وإلا فإنه يعلم أنهم لا يقولون ، وإنما القائل هو محمد e ([181])، الذي قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم : " يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار فيقال : يا أهل الجنة! هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت . ثم يقال : يا أهل النار ! هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم هذا الموت . قال : فيؤمر به فيذبح ، ثم يقال :يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت " ثم قرأ رسول الله e : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) ([182]).

أما تحيره : كيف يموت الموت ؟ فقد أجاب عنه العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ بقوله تعليقاً على الحديث السابق : ( وهذا الكبش والاضجاع والذبح ومعاينة الفريقين ذلك حقيقة لا خيال ولا تمثيل ، كما أخطأ فيه بعض الناس خطأ قبيحاً وقال : الموت عرض والعرض لا يتجسم ، فضلاً عن أن يذبح .

وهذا لا يصح ، فإن الله سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح ، كما ينشئ من الأعمال صوراً معاينة يثاب بها ويعاقب ، والله ينشئ من الأعراض أعراضاً ومن الأجسام أجساماً ، فالأقسام الأربعة ممكنة مقدورة للرب تعالى ، ولا يستلزم جمعاً بين النقيضين ولا شيئاً من المحال ، ولا حاجة إلى تكلف من قال: إن الذبح لملك الموت! فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله ورسوله والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل ، وسببه قلة الفهم لمراد الرسول e من كلامه ، فظن هذا القائل أن لفظ الحديث يدل على أن نفس العرض يذبح ، وظن غالط آخر أن العرض يعدم ويزول ويصير مكانه جسم يذبح ، ولم يهتد الفريقان إلى هذا القول الذي ذكرناه ، وأن الله سبحانه ينشئ من الأعراض أجساماً ويجعلها مادة لها ، كما في الصحيح عنه e " تجي البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان " الحديث ، فهذه هي القراءة التي ينشئها الله سبحانه غمامتين ) ([183]).



بغض الحمد لعباد الله الصالحين :

كما أن الحمد أبغض ربه ـ عز وجل ـ وملائكته ، وأنبياءه وكتبه ، وشرائعه ، فإنه حتماً سيبغض عباده الصالحين ، وسيبغض ما يصدر عنهم من أقوال أو كتابات .

وإليك ما يشهد لهذا :

يقول الحمد متحدثاً عن هشام :

( أخذ يقلب الكتاب الذي أعطاه إياه عدنان ، " المنقذ من الضلال " للغزالي كان لا يحب هذا النوع من الكتب )([184]) .

وهذا النوع من الكتب يعني به الكتب الإسلامية التي تقربه من الخير ، وتباعده من الشر فهو لا يطيقها ، ولا يحبها ، بل يهرع إلى كتب أحبابه من الفلاسفة والماركسيين الذين يجد عندهم ما يروي ظمأه ، ويوافق طبعه فالطيور على أشكالها تقع.

ويقول الحمد على لسان مهنا :

( أرجو أن لا تتحدث عن البعثيين أو القوميين العرب أو حتى الدراويش من الاخوان المسلمين … كل هؤلاء سذج ومزيفون ) ([185]).

ويقول على لسان والد هشام متحدثاً مع ابنه :

( ولكن ما لقيت إلا البعثيين كي تصبح منهم … أطقع ناس … ولا أخرط منهم إلا الشيوعيين والإخوان )([186]) !!

ويقول عن ( الاخواني ) لقمان :

( يا لك من منافق يالقمان … تخدم ألف إله وإله ، ثم تقول لا إله إلا الله … قاتل الله الحياة ، فهي النفاق بعينه قاتل الله الحياة فهي التي تجعلنا عبيداً دون أن نريد ، وأسياداً ونحن نريد ولا نريد . قاتل الله حياة تذلنا فيها لقمة ، وتأسرنا كلمة ، وتستعبدنا شهوة ، ويموت فيها الطيبون .. ثم نقول لا إله إلا الله )([187]) .

قلت : جماعة الإخوان إحدى الجماعات الإسلامية الشهيرة التي يعرفها معظم الناس، نشأت في مصر ثم امتدت إلى معظم بلاد العالم . وهي جماعة عليها مؤاخذات كثيرة من عدم اهتمام بنشر العقيدة السلفية ، أو تعليم للعلم الشرعي النافع ، وإنما همها ( التجميع ) والوصول إلى الحكم بأي طريقة([188]).

ومع هذا فلا نؤيد ( الماركسي ) ( البعثي ) تركي الحمد في طعنه بها ، فشتان بين جماعة إسلامية ( مقصرة ) وبين جماعات ومذاهب ( كافرة ) عدوة للإسلام والمسلمين .

هذا عن نقده واستهزائه بجماعة الإخوان المسلمين، أما غيرهم من عباد الله ( الملتزمين ) فقد نالهم ما نال أولئك من سخرية لاذعة بأسلوب مبطن . يقول الحمد عن ( عدنان العلي ) صديق هشام : ( لم يكن عدنان يأتي إلى المقصف وحده ، فغالباً ما كان يرافقه زميلان من ذوي اللحى المتروكة وشأنها دون تهذيب ، وبعض الأحيان يزدادون إلى خمسة ، يشربون الشاي ويتحدثون بهمس لا يكاد يسمع ، وكان أكثر ما أثار استغراب هشام هو أنهم لا يبتسمون أبداً ، وإذا حدث ذلك من أحدهم ، غطى فمه بطرف غترته وكأنه يعتذر ، ثم يعود إلى تلك الملامح التي لا توحي بشيء ) ([189]).

قلت : تأمل هذه السخرية المتكلفة التي أراد الحمد إيصالها إلى ذهن قارئه، بأن كل من التزم بدين الله ، فهو لا شك سيكون متجهماً لا يبتسم ، وإذا ابتسم فإنه سيعتذر من ابتسامته !! ونسي أن هؤلاء الملتزمين هم أول من يعمل بحديث النبي e ، " تبسمك في وجه أخيك لك صدقه " ([190]) ولا يجدون غضاضة في هذا التبسم لأنه سنة نبيهم محمد e ، فلماذا تعمد الحمد قلب الحقائق ، الأجل أنهم لم يبتسموا في وجه ( ماركسي ) ( بعثي ) !؟ أم أنه الحقد الذي يحمله في صدره على كل ( ملتزم ) فأراد تفريغ بعضه في روايته هذه عبر هذا الأسلوب المبطن ؟ ثم تأمل ـ أخي القارئ ـ سخريته بسنة محمد e ( اللحية ) بهذا الأسلوب الحقير( اللحى المتروكة وشأنها دون تهذيب ) !! وهو تهويل منه ومبالغة ، لأن الجميع لا يكاد يجد مثل هذا الصنف المتخيل ، فلماذا تقليل الكثير وتكثير القليل يا تركي !؟ ولم يكتف الحمد بهذه السخرية السابقة باللحية لأنها لم تشف غيظه من أهل الإسلام ، فرددها مرة أخرى عندما قال متحدثاً عن هشام :

( ثم فتح الباب عن وجه أحد زملاء عدنان بلحيته الكثه ، ورأسه الحليقة تماماً) ([191]).

فزاد على سخريته باللحية اتهام الصالحين بأنهم يرون السنة حلق الرأس ، ولهذا هم يحلقون رؤسهم اتباعاً لها ، وهذا كذب عليهم وهو اتهام قديم قال به أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ عندما اتهموه وأتباع دعوته بأنهم يحلقون رؤسهم ، ويأمرون من اتبعهم بحلق رأسه ! ، ولهذا فهم من الخوارج الذين قال فيهم النبي e : "سيماهم التحليق " ([192])! ثم جاء الحمد مردداً هذه التهمة الباطلة متابعة منه لأعداء الدعوة التي شرق بها العلمانيون والملحدون.

وهذا الاتهام باطل ، لأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدعوة وأتباعها يتبعون في هذه المسألة أحاديث النبي e التي تجعل أمر الشعر من أمور العادات التي يتبع فيها المرء عادة بلده في ابقاء الشعر أو حلقه . وإنما ينهى عن القزع ، وهو حلق بعض الشعر وترك بعضه لنهي النبي e عن ذلك .

قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ راداً على من ادعى بأن علماء الدعوة يكفرون من لم يحلق شعر رأسه !! : (إن هذا كذب وافتراء علينا ، ولا يفعل هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر ، فإن والردة لا تكون إلا بإنكار ما علم بالضرورة من دين الإسلام ، وأنواع الكفر والردة من الأقوال والأفعال معلومة عند أهل العلم ، وليس عدم الحلق منها ، بل ولم نقل أن الحلق مسنون ، فضلاً عن أن يكون واجباً ، فضلاً عن أن يكون تركه ردة عن الإسلام !

والذي وردت السنة بالنهي عنه هو القزع ، وهو : حلق بعض الرأس وترك بعضه ، وهذا الذي نهينا عنه ، ونؤدب فاعله)([193]) .




مباحث أخرى
ـ تنقص الحمد قبيلة النبي e

ـ حقده على حكومة المملكة العربية السعودية

ـ محبته للرافضة .

ـ المواقف الجنسية في ثلاثيته .

ـ العبارات الوقحة .



تنقص الحمد قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم :

لم تسلم قبيلة قريش ـ وهي أفضل القبائل ـ من لمز الحمد في روايته حيث قال على لسان عارف:

( طز في قريش يا صاحبي … ولماذا يجعل نزار قريشاً مثلاً أعلى ؟.. ألأنها قبيلة النبي ؟ … والنعم بأبي القاسم ولكن قريشاً لا .. لقد جعلوا كل تاريخنا تاريخاً لقريش . ألم يكن هناك غير قريش في الساحة ؟ ) ([194]).

قلت : قبحك الله وأخزاك ! فقبيلة قريش التي تطعن فيها هي قبيلة محمدe (الذي تدعي الفخربه !!) ([195]) هي القبيلة التي كان منها أفضل الخلق بعد الأنبياء ـ عليهم السلام ـ وهم صحابة رسول الله e ، من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وطلحة وعبد الرحمن والزبير … وغيرهم ـ رضوان الله عليهم ـ وهي القبيلة التي قال فيها e : "إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانه ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم " ([196]).

وأما ادعاؤك بأنهم جعلوا تاريخنا تاريخاً لقريش ، فكأنك تعرض بتوليهم أمر الأمة منذ الخلفاء الراشدين مروراً بالدولة الأموية وانتهاء بالعباسيين ، وهذا ليس مغمزاً فيهم وإنما فخر لهم أن قادوا الأمة ، ونشروا الإسلام ـ على تفاوت بينهم في ذلك ـ متبعين قول الرسول e : " إن هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم إلا كبه الله على وجهه ، ما أقاموا الدين " ([197]).

قال الإمام أبو عمرو الداني حاكياً أقوال أهل السنة :

( ومن قولهم إن الإمامة في قريش مقصورة عليهم دون غيرهم من سائر العرب والعجم ، لقوله e : " الأئمة من قريش ، ولا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان " ولإجماع المسلمين بعده e على أن ولوا قريشاً ) ([198]) .

أي ما أقاموا الدين كما في الحديث الذي قبله .



حقد الحمد على حكومة المملكة العربية السعودية :

لم يعد خافياً على أحد أن التيارات الماركسية والشيوعية وما سار في ركبها هي جميعها حاقدة على الدولة السعودية المسلمة ، حيث كانوا يعدونها ـ في زمن الشعارات ـ أم الدول المتخلفة الرجعية !! لأنها لا زالت تحكم بالإسلام. فكانوا يُسَخرون كل طاقاتهم في سبيل محاربتها أو تغيير حكومتها إن استطاعوا . ولذا فقد سخروا إعلامهم للنيل منها ، والسخرية بها وبحكامها ، وسخروا كوادرهم لمحاولة تجنيد عملاء لهم فيها ( كهشام العابر !! ) لعلهم يقومون بانقلاب فيها ويسقطون حكومتها ، كما فعلوا في بعض الدول العربية .

كل هذا فعلوه لكن الله ـ عز وجل ـ رد كيدهم في نحرهم ، وأرجعهم خائبين خاسرين بفضله تعالى ثم بفضل جهود الملك فيصل ـ رحمه الله ـ وإخوانه الذين حاربوا ( شراذم ) الشيوعيين والبعثيين والقوميين ، وشردوهم ، ومزقوهم شرَّ ممزق ، واستماتوا في سبيل حماية دينهم وبلادهم من عبث العابثين وإن غلفوا ذلك بدعوى ( التقدم ) و ( والتحضر ) .

ثم دار الزمان دورته ، فإذا بهذه الدولة ( الرجعية ) ـ عند هؤلاء المنحرفين ـ ـ أعني السعودية ـ تصبح أعز دولة في عالمنا ديناً ودنيا ، حيث جمعت بين الدين الصحيح وهو (الدعوة السلفية ) وبين التطور الدنيوي (المتواصل ) ([199]).

أما تلكم الدول ( التقدمية ) ! ـ في نظر الحمد ـ فإنها حين أفاقت من سكرة الشعارات ، وجدت نفسها بلادين ( صحيح ) ولا دنيا ( متقدمة ) ، فدينها التقليد والخرافة([200])، ودنياها البؤس ، والشقاء . كما هو مشاهد لكل أحد. فبدأ الذين اساؤا للسعودية يعيدون النظر في حساباتهم ويتراجعون عن مواقفهم الخاطئة معها بعد أن انقشعت غشاوة الغوغاء والشعارات عنهم .

ولم يبق منهم على طريقته الأولى سوى ( حزب البعث ) الذي لا زال يعيش أسيراً لتلك الفترة السابقة ، ولا زال يحاول النيل بما استطاع من الدولة السعودية : (حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) ([201]) .

كل هذا أقوله مقدمة لما جاء في ثلاثية الحمد من نيل من الدولة السعودية، حيث صاغ كيده بأسلوب غير مباشر لأنه يعلم أنه لا يستطيع (المواجهة!).

يقول الحمد متحدثاً عن أحد اجتماعات ( حزب البعث ) في السعودية !

( ثم فجأة قال منصور بهدوء ودون أن ينظر إليه :

ـ ما رأيك في الحكومة يا هشام … ؟

سؤال مباغت لم يكن يتوقعه ، مثل قنبلة ألقيت فجأة . لم يحر جواباً ، أحسّ بالاضطراب ، ولاذ بالصمت . غير أن منصور عاود إلقاء قنابله ، موجهاً عينيه الثاقبتين إلى عين هشام مباشرة وهو يقول :

ـ لا داعي للإجابة . . . أنا أجيب عنك . . . إنها حكومة فاسدة لا هم لها إلا مصلحتها ، ونهب خيرات الشعب الذي لا حقوق له . . . إن الشعب مجرد عبيد أو رعايا على أفضل الأحوال ليس إلا . . . )([202]).

قلت : لا يستطيع الحمد أن يطعن في ( الحكومة السعودية ) صراحة ، ولذا فقد صاغ طعنه ـ بهدف إيصاله إلى القراء ـ على لسان منصور (البعثى) .

فحكومتنا عند الحمد ( حكومة فاسدة لا هم لها إلا مصلحتها ، ونهب خيرات الشعب الذي لا حقوق له . . إن الشعب مجرد عبيد أو رعايا على أفضل الأحوال) !

ولهذا فالمطلوب ليس مناصحتها، إنما إسقاطها واستلام ( حزب البعث ) للسلطة بدلاً منها، حيث سيقوم هذا الحزب ( العادل ! ) بإقامة حكومة (ديمقراطية ! ) تساوي بين الناس دون نظرٍ إلى ( أديانهم ! ) ، وتوزيع الثروة بينهم بالتساوي !!

وسوريا والعراق خير شاهد على هذا !!!

وقال الحمد في روايته على لسان ( الرفيق حديجان ! )

( يا رفيق فهد . . . لقد تحدثنا عن الأمة كثيراً ، ولكن ماذا بشأن قطرنا هذا ، كيف السبيل إلى تحرره ؟ )([203])

فالهدف هو تحرير ( السعودية ) واسقاط راية التوحيد ، ورفع راية (البعث) بدلاً منها ! (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ)([204]).

حازم
04-19-2005, 01:57 PM
محبة الحمد للرافضة :

من أغرب الأمور في ثلاثية الحمد أنه يدعي أن الشيعة ( الرافضة) كانوا على الحق ! ويوافق الروافض ـ الذين تربى في أحضانهم ـ في زعمهم أن أبا بكر وعمر عثمان ـ رضي الله عنهم ـ قد غصبوا الخلافة من على ـ رضي الله عنه ـ !! رغم أنه ـ كما يقول ـ لا يهتم بهذه المسألة التاريخية .

يقول الحمد : ( قال منصور وهو يضحك بعصبية ، ثم أضاف : على فكرة ! ما رأيك في مسألة السنة والشيعة ؟

وبدون تردد أجاب : الحقيقة لا تهمني المسألة كثيراً ، ولا حتى قليلاً ، أنا أعتقد أنها شيء من مخلفات الماضي . مالنا ولعلي وعثمان ومعاوية . نحن أبناء اليوم ، ولدينا من الهموم ما يكفي )([205]).

ويقول في موضع آخر : ( نظر إلى راشد قائلاً :

ـ على فكرة يا أستاذ راشد . . . هل أنت شيعي ؟

وانتفض راشد ، وكأن ماساً كهربائياً أصابه ، قائلاً بحدة :

ـ كلا . كلا ، لماذا ؟

ـ لاشيء .لا شيء . أرجو المعذرة …







وندم على طرحه مثل هذا السؤال ، وحاول الاعتذار مرة أخرى قائلاً:

ـ أرجو ألا تفهمني خطأ . لا فرق عندي بين هذا المذهب أو ذاك . بل إني لا أهتم بكل المذاهب الدينية ) ([206]).

ويقول على لسان ( الشيوعي ) عارف :

( كان الشيعة مع الحق . كانوا مع علي بن أبي طالب ، في مواجهة عمر وأبي بكر وعبيدة ، أصحاب المؤامرة لنزع الحق من أهله . عليك بمناقشات السقيفة وأنت تعلم أين الحق

ـ معك حق .

قال هشام :

ـ معك حق من الناحية التاريخية )([207]) !!

فالحمد لا يهتم بمسألة الخلاف بين السنة والشيعة ، وإن تحدث فيها فإنه سيؤيد (الرافضة ) !

فما أجمل أن نقول له : ( الصمت حكمة ) !! ([208]) .

وأنا لم أطل في دحض هذه المقولة من الحمد ، لأنه يكفي ذكرها للناس لبيان بطلانها ، وبيان ما يكنه الحمد نحونا ( أهل السنة ) من شنآن .









المواقف الجنسية :

من الأمور التي تلفت الأنظار في ثلاثية تركي الحمد هو طغيان المواقف (الجنسية ) فيها ، فهي تزكم أنف القارئ بتكرارها وتتاليها ، بل وتكلفها الواضح من قبل الحمد ، ولهذا فقد أخذت حيزاً كبيراً من الثلاثية ! فمن ذلك :

1ـ إبراز موقف ( عبد الرحمن ) ابن خال ( هشام ) وكأنه لا هم له في الدنيا إلا شرب الخمر والزنا بالمومسات وعلى رأسهن المومس (رقية). حيث تكررت أحاديث عبد الرحمن مع هشام حول مغامراته معهن هادفاً استدراجه إلى الوقوع في شباكهن كما وقع هو ، وهذا ما حدث .

2ـ قيام ( عبد المحسن التغيري ) رفيق هشام في العزبة بالزنا بإحدى جاراته واكتشاف هشام لهذا الحدث بعد مراقبته للعزبة حيث رأى إحدى النساء تخرج من عند عبد المحسن ، وتدخل ( أحد المنازل المقابلة )([209]) .

3ـ تصوير هشام في الرياض بعد وقوعه في المحرمات وكأنه ( زير) نساء ، فهو قد زنا برقية ، ثم أتبعها بإحدى جارات خاله وهي سارة أو سويَّر ! ثم مثلثاً ببنت جيرانهم في الدمام : نورة !! وهذه المواقف مع تفاصيلها الدقيقة ! قد استهلكت صفحات كثيرة من رواية الشميسي.

4ـ تصوير علاقة هشام ببنت خاله ( موضي ) بأنها علاقة إعجاب من جانبها ثم نفاجأ بأن موضي المتحجبة ، العاقلة ، الرصينة . . . . الخ الصفات المثالية تقوم بحركة (غريبة) مع ابن عمتها بعد أن علمت بعلاقته مع سويِّر ، بعد أن قرر الذهاب إلى الدمام ، فلنستمع إلى الحمد وهو يقول متحدثاً عن موضي :

( ثم نهضت وهي تمسح عينيها بطرف غدفتها ، واتجهت إلى الباب وهي تقول : " المهم أن تعود إلينا سالماً … ليحفظك الله … " ، وأسرعت في الخروج . ولكنها ما لبثت أن عادت مرة ثانية ، ووقفت عن الباب وهي تقول :

ـ هشام … هل لو كشفت لك وجهي أكون قد تجاوزت حدودي ؟

ـ ليس بيننا حدود يا موضي … ستبقين موضي العزيزة سواء تحجَّبت أو كشفت…

وبحركة مفاجئة ، أزالت موضي غدفتها كاشفة عن وجهها ، ثم تقدمت منه ، وطبعت قبلة سريعة على خدَّه ، ونظرت إليه بعينين حمراوين مبتلتين ، وغادرت بخطوات مرتبكة )([210]) .

قلت : فحتى موضي التي صُورت في الثلاثية وكأنها محافظة وابنة عائلة تسقط في مقدمات الرذيلة مع ابن عمتها ، حيث كشفت له عن وجهها ، ثم تجرأت ـ ( لاحظ : هي لا هو !!) بتقبيله ! ولا نعلم ماذا سيحدث لو بقي هشام … أو تبعها !! .

5ـ الوصف الدقيق منه للمواقف ( ا لجنسية ) السابقة بشكل مقزز ، كما في وصفه لزنا عبد الرحمن وهشام بالمومس ( رقية ) في طريق خريص !

وكما في وصفه لرؤية هشام لعليان زوج سوير وهو يجامعها !

6ـ تصويره لأفراد شلته بأنهم أصحاب تمرس بالعلاقات النسائية ، يقول تركي عنهم: ( كانوا يتحدثون عن مزنة وبدرية وهيلة وعائشة وعواطف وابتسام ومنى، وهو لا يجد ما يقول … كان يود الحديث عن نورة وعن رقية ، وقصص عن موضي يؤلفها… ولكن شيئاً كانت يمنعه ، فكان يصمت ، ويغرق نفسه في مبادئ القانون والإقتصاد ، حتى أصبح يسمى بفأر الكتب ، أبو أربع عيون … ورغم الوصف الذي كان يضايقه ، فقد كان محل ثقة الجميع وحبهم . كانوا يقصدونه لفهم ما استغلق عليهم فهمه من مواد ، أو في حل مشاكلهم العاطفية ، وكانوا يستشيرونه في جمال فتياتهم وهم يجلبون صورهن في الجيوب …)([211]) .

7ـ وصفه لنساء شارع ( الحب ) في الدمام ، حيث يقول: ( ولفت نظره إحداهن ، كانت تسير الهوينا وقد التفت بعباءتها ، ووضعت حجاباً رقيقاً على وجهها لا يستر شيئاً منه .لم تكن جميلة الوجه ، ولكنها كانت ممتلئة إلى حد البدانة ، بردفين ضخمين يفرِّق بينهما فج واضح وعميق ، يجعلهما في حالة من التأرجح الدائم . وأثار منظر عجيزتها المترجرجة جوارح هشام ، وارتفعت حرارته وأخذ ينظر إليها بشبق ، وهو يدخن سيجارة بعمق ، وأحست المرأة بنظراته ، فنظرت إليه بدورها وابتسمت بإغراء ، ولكنه عدل عن مغازلتها في آخر لحظة ، وسار في طريقه على عجل . لكم غيرته الرياض … لقد عاش في الدمام طوال حياته ، وجاء إلى شارع الحب أكثر من مرة ، ولكنه لم يلاحظ ما لا حظه اليوم ، ولم يدر في خلده ما دار )([212]) .

8ـ قوله في وصف رؤية هشام لموضي ابنة خاله :

( وعادت موضي مرددة : " زين … زين … اتبعني " واخذت في صعود درجات السلم المقابل للمجلس وهو يتبعها … لم يستطع إلا ملاحظة استدارة عجيزتها وهي تصعد الدرج أمامه … أثاره المنظر ولكنه أشاح بوجهه عن ردفيها اللذين كانا في حالة اهتزاز شديد مع كل درجة تصعدها ، فحاول تشتيت ذهنه ) ([213]).

قلت : فهذه المواقف ( الجنسية ) الكثيرة ، مع محاولة تضخيمها وتكلفها (أحياناً ) توحي للقارئ بأحد أمرين متلازمين :

الأمر الأول : أن تركي الحمد يتكلم عن واقع عاشه أو رآه خلال حياته الماضية فانطبع في ذهنه ومخيلته فارتبط كل حديث عن الماضي بتلك الأحداث والمغامرات (الجنسية ) لأن الإنسان لا يستطيع مهما فعل أن ينفصل كلياً عن ماضيه بل تبقى صور كثيرة ( يراها مهمة ) تتخايل بين عينيه عند كل ذكرى ماضية .

فإذا قلنا بهذا الأمر فإن الحمد لم يعد يرى أثناء دراسته في الرياض سوى هذه المواقف ( الجنسية ) التي أثرت فيه، واستهلكت منه وقتاً ( وجهداً ! ) .

الأمر الثاني : الذي يهدف إليه الحمد من خلال تضخيم هذه المواقف ، وإبرازها، وتكلف بعضها ـ كما سبق ـ هو محاولةٌ لا سقاط جميع المثل التي يعتقدها الناس ، وأن الإنسان مهما ادعى الصلاح أو المثالية فإنه مجرد حيوان يجري خلف شهواته مهما حاول اضفاء هالة الشرف والعفة على شخصيته ، وما هذه الهالات المفتعلة التي يعيشها الناس مع بعضهم إلا ستار وقناع يخفون وراءه ألواناً عديدة من الآثام والسقوط ، فلو تأملنا الثلاثية جيداً للمحنا فيها هذا الهدف الذي يسعى إليه الحمد، بل تجرأ فيه كثيراً .

نلمح ذلك في التالي :

1ـ سقوط هشام في الإثم خلال عيشته بالرياض بعد أن كان يعيش مثاليات زائفة في الدمام مع والديه .

2ـ سقوط سوير زوجة عليان في الرذيلة مع هشام .

3ـ سقوط نورة ابنة جيرانهم في الدمام في الرذيلة معه .

4ـ سقوط موضي ابنة خاله في أول درجات الرذيلة .

5ـ عبارات كثيرة يطلقها الحمد في ثلاثيته تنبئ عن هذا الهدف ، ومن ذلك :

أ ـ قول الحمد على لسان عبد الرحمن ابن خال هشام بعد أن وصف له زناه بإحدى النساء : ( من قال لك إن كل من تسكن عند أهلها عذراء ) ([214]).



ب ـ قوله واصفاً حال هشام في الرياض : ( وفي الرياض سقطت باقي المثل التي زرعتها أمه في ذاته) ([215]).

ج ـ قوله واصفاً مدينة الرياض على لسان عبد الرحمن : (كل شيء ممكن في الرياض) ([216]) بعد أن قال هشام : ( كنت أظن أن الخمر غير موجود في الرياض).

د ـ قوله ـ على لسان عبد الرحمن موجهاً خطابه إلى هشام : ( سأجعلك تكتشف الرياض كما لم تكتشفها من قبل . ساريك رياضاً غير الرياض ) ([217]).

هـ ـ قوله ـ أيضاً ـ : ( في الرياض كل شيء ممنوع ، وكل شيء مباح)([218]).

و ـ وقوله ـ أيضاً ـ على لسان عبد الرحمن : ( ديرة عجيبه فعلاً … كل شيء حرام وممنوع . وكل شيء مباح بشكل لا يتصور ) ([219]).

ز ـ قوله على لسان هشام متحدثاً مع نفسه : ( عليك الرحمة يا ابن آدم . ظننت نفسك أكرم الكائنات ، الذي طرد من أجله عابد الأزل من الرحمة والملكوت ، فاكتشفت أنك أتفه من ذبابة ، وأحقر من بعوضة ) ([220]).

ح ـ قوله : ( لقد مات أبوك آدم ، ولم يبق إلا إبليس ذو الصولجان ، كلهم اليوم لإبليس ساجدون ، ومن أجله يسعون ) ([221]).

إذن فتركي الحمد يريد أن يقول لنا بأن جميع البشر سقطة منحرفون فاسدون فلا نغتر بالمثاليات الزائفة والأقنعة المخترعة يخفون وراءها حقيقتهم ، فهو يريد منا أن لا نتمسك بأي فضائل أو مثاليات .

فهي فلسفة ( معرّية ) ([222]) شابه بها رهين المحبسين حينما يقول :

وزهدني في الخلق معرفتي بهم

وعلمــي بأن العالمــين هبـاء

فالفكرة واحدة وهي عدم الاغترار بأي فضيلة أو مثاليات يتنكر الناس وراءها ، لأننا إذا دققنا في الأمر لم نجد إلا شياطين وأبالسة في مسوح بشر ، مما ينتج عنه أن تسقط من أعيننا كل الصور الجميلة والمثالية والشريفة والعالية التي رسمناها في مخيلتنا عن أفضل البشر سواء أكانوا من الأنبياء أم من أفضل القرون بعدهم ، أي الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأخزى من أبغضهم ! ـ

فإذا سقطت صور الأفراد المثالية من أعيننا سقطت تبعاً لها مجتمعاتهم التي كنا نظنها فاضلة !! حتى جاء الدكتور الفيلسوف ليحذرنا من الاغترار بهذا الوهم ، ويبين لنا أن لا فضيلة ترجى من ( بني آدم ) ! فهم ما داموا من أبناء آدم لا شك مخادعون منافقون يخفون حقيقتهم خلف حجاب من الفضيلة والمثالية المزيفة .

إذن : لا تطالبونا بأن نترسم خطى القرون الثلاثة المفضلة التي أثنى عليها رسول الله e ولا تنخدعوا بمظاهر الصلاح التي يبديها بعض الناس لكم سواء أكانوا من العلماء أو الدعاة أو الصالحين ، فإنها قد تتكشف عن انحرافات ومفاسد لا تتخيلونها .

ومما يثير العجب تركيزه على إظهار مدينة ( الرياض) وكانها من مدن الفجور والفاحشة أمثال: بانكوك أو .. أو .. من المدن التي يعرفها أهل الفساد ! وكأنه يقول لنا بأن هذه المدينة التي هي قاعدة بلادنا وعاصمتها ومنبع الخير فيها بما تضمه بين جنباتها من رجال ونساء صالحين إن هي إلا مدينة كغيرها من المدن ( الفاسدة ) التي يعرفها الناس ويزدرونها .

فكما أسقط الحمد الرموز البشرية من أفراد ومجتمعات من مخيلتنا فهو سيتبع ذلك باسقاط مثاليات المكان … ليخبرنا بأن لا مكان مقدَّس أو مطهَّر . ويضرب لذلك مثلاً بمدينة الرياض، التي نحسن الظن فيها وفي أهلها .

قد يقول قائل بأن سياق الثلاثية هو الذي اضطر الحمد إلى ذلك ، لأن هشاماً لم يتعرف على حياة المعصية إلا في الرياض ، فهو في الدمام صغير ، وفي جدة في السجن ، فلم يبق إلا الرياض .

قلت : قد: قال هذا فنعذر الحمد لو كان موقفاً واحداً أو عبارة واحدة ذم فيها الرياض. أما وهو قد كرر هذا الذم وألح عليه بشكل غريب ومفتعل فإن وراء الأكمه ما وراءها ، وحق لمدينة الرياض أن تقول له :

ولو كان سهماً واحـداً لا تقيته

ولكنـه سهمــان ثـانٍ وثالث

الحاصل : أن الحمد قد هوَّن جانب الانحراف ، والسقوط في الرذيلة ، وجعله يهيمن على أبرز شخصيات ثلاثيته ، شأنه في ذلك شأن نجيب محفوظ في ثلاثيته ـ كما سبق ـ ([223]) لأنهما جميعاً يصدران من مصدر واحد هو مصدر (الماركسية!) الذي لا يقيم معتنقوها أي وزن للأخلاق ، بل يسعون إلى هدمها في نفوس الناس ، حتى يتساوى ـ في نظرهم الزنا بالنكاح ـ ، والفضيلة بالرذيلة . يقول الشيخ عبد القادر شيبة الحمد : ( الخُلُق الوحيد الذي آمن به الشيوعيون هو وجوب مخالفة سائر الأنظمة الأخلاقية ، ومحاربة عموم أنواع الآداب المرعية في المجتمعات الإنسانية ، وبخاصة ما كان منها نتيجة للأوامر الإلهية، وقد قادهم هذا الشذوذ الخلقي إلى هتك الأسرة ، ومحاربة ناموس الزواج، ورأوا أن هدم ذلك من أقوى دعائم الشيوعية فتساوي الزواج والزنا في نظامهم ) ([224]).

نسأل الله العفو والعافية ، أن لا يجعلنا ممن قال فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ([225])



العبارات الوقحة :

استخدم الحمد في ثلاثيته عبارات ( وقحة ) لم تتعود آذاننا على سماعها ممن تأدب بآدبنا .

فمن ذلك أنه يتحدث عن مخلوقات الله ـ وهي الشمس ـ واصفاً إياها بالوقاحة ! وهو أولى بهذا الوصف ، لأن الشمس مخلوق مسخَّر في جو السماء يسير بانتظام ويدل على عظمة الخالق ـ سبحانه ـ فكان الأحرى بالحمد أن يتفكر في خلقها ، ويستدل به على عظمة ربه ، لا أن يتفاحش بهذا الكلام البذيء .

يقول الحمد :

( عندما كانوا يهبطون طلعة ديراب على خط الحجاز ، كانت الشمس قد بدأت تبزغ على استحياء ، وعندما وصلوا إلى مرات كانت قد بدأت في ممارسة وقاحتها وإرسال تلك الأشعة النارية الرهيبة ) ([226])!





ويقول :

( وأخذت الشمس في ممارسة وقاحتها ، وتتحول إلى جحيم لا يُطاق)([227])!

ومن وقاحة الحمد أنه تحدث عن أمه ( أي أم هشام !) في روايته بحديث لا يصدر عن عاقل .. فتأمله وتعجب من سخافته حين يقول : ( وصب هشام ربع البيالة عَرَقاً ، ثم أضاف إليه الكولا ، وأخذ رشفة سريعة استطعمها في فمه ، ثم تجرع ربع البيالة تقريباً ، ولم يحس إلا وقد اشتعل حلقه بالنار انتقلت إلى جوفه ، وأخذ اللعاب ينساب بشدة في فمه ، والرغبة في التقيؤ ، ولكنه تمالك نفسه ، وازداد إفراز اللعاب في فمه ، ثم أحس ببعض الراحة في جوفه ، ودوار في غاية اللذة يغزو رأسه من الداخل . وشرب ربعاً آخر فأحس أن نهراً يجري في فمه ، لم يكن الحريق بالشدة الأولى . دفع البيالة إلى عبد الرحمن ، ولكنه رفض قائلاً : " السجائر أقصى ما يمكن أن أصل إليه " فتجرع هشام بقية البيالة ، دون أن يحس بأي حريق هذه المرة ، وأخذ ينظر إلى رقية . لقد كانت في غاية الجمال والفتنة ، بل كان كل شيء في غاية الجمال . ذهب الذنب وأحاسيسه المؤلمة ، وانتفى الخجل ، وكان وجه أمه يبدو له واضحاً ، ولكنه كان ينظر إليها ببلادة ولا مبالاة ، وكان يود لو كان قادراً علىصفعها ، لكنه يشعر بمغص في الداخل ، فيزيح صورتها ويغرق في رقية)([228])!!

فهل يقول عاقل عن أمه ـ ولو كان على سبيل القصص ـ مثل هذا الكلام البذيء الذي يدل على تمردٍ دفين في نفس الكاتب على كل من يستحق (الطاعة ) ولو كان أمه !؟

نسأل الله العافية .



أوجه التشابه بين ثلاثية تركي الحمد

و

ثلاثية نجيب محفوظ

عندما تطلق ( الثلاثية ) في الرواية العربية فإنها تنصرف حتماً إلى ثلاثية نجيب محفوظ المشهور ( بين القصرين ـ قصر الشوق ـ السكرية ) فقد أصبحت علماً عليها ، وهي ـ تقريباً ـ التي شهرته على مستوى العالم ، وعرفتهم به ، نظراً لتفردها وتميزها عن رواياته الأولى .

وعندما أصدر تركي الحمد ثلاثيته انصرفت الأنظار والأذهان إلى المقارنة بين الثلاثيتين لمعرفة أوجه التشابه والتمايز بينهما . وكنت أحد هؤلاء الذين اهتموا بهذا الأمر عند دراستي لفكر تركي الحمد ، فعدت إلى أوراقي القديمة التي دونت فيها الخطوط الرئيسة لثلاثية نجيب محفوظ لمقارنتها بثلاثية الحمد ، لمعرفة هل جاء بجديد عليها ، أم أنه يقول مكرراً من القول ؟

فاتضح لي بالمقارنة أن الحمد قد سار في ثلاثيته مقتفياً أثر نجيب محفوظ في أمور رئيسة وجزئية من الثلاثية ، نظراً لتشابه فكريهما ـ كما سيأتي ـ ومما أكد لي هذا أن الحمد قد أكثر من ذكر قصص نجيب محفوظ في ثلاثيته ، وجعلها جزءً من ثقافة هشام العابر .. فمن ذلك :

1ـ أنه ذكر ثلاثية نجيب محفوظ نفسها في قوله عن أحلام هشام : ( يأتيه صوت سي السيد أحمد عبد الجواد زاجراً وزبيدة تقهقه أمامه ، وكمال يرقص بينهما ، فيما ياسين يعض أرداف زنوبه )([229]) .

ومعلوم أن هذه الأسماء هي الشخصيات الرئيسة لثلاثية محفوظ .



2ـ قوله عن هشام : ( هو الفتى المثقف الذي يقرأ لماركس وماوتسي تونع ودوستوفيسكي ونجيب محفوظ … )([230]) .

3ـ قوله عن هشام : (كان يذاكر ذات يوم هو وعدنان كعادتهما كل عام قبل الامتحانات بفترة ، ويختلس بعض اللحظات ليقرأ فيها رواية نجيب محفوظ الجديدة " أولاد حارتنا " ) ([231]).

4ـ قوله عن هشام عند سفره إلى الدمام : ( وعندما تحرك القطار أخيراً ، كان بدأ في قراءة " الطريق " لنجيب محفوظ )([232]) .

5ـ قوله عن هشام في السجن : ( أخذ ينظر إلى حركة الأشباح من حوله وهو يفكر ولا يفكر . وطاف بذهنه جحيم دانتي وأبي العلاء . وباربوس ، وغريب كامو ، وذباب سارتر ، وشحاذ محفوظ ) ([233])

ولكي نعرف مدى التشابه بين الثلاثيتين وكيفية استفادة الحمد من محفوظ لابد من عرض موجز لأحداث ثلاثية نجيب محفوظ ، ثم ذكر نقاط التشابه بينهما، لكي يتضح أن الحمد قد صاغ ثلاثية محفوظ بنفس مناسب لبلادنا ـ كما سيأتي ـ .













أحداث ثلاثية نجيب محفوظ .

1ـ بين القصرين :

-يعيش أحمد عبد الجواد في بيته بشخصية قوية متسلطة ـ كما سبق ـ أمام زوجته الضعيفة (أمينة) وأولاده ، ولكنه خارج البيت يمارس أنواع المحرمات من شرب خمر وزنا دون أن يعلم أولاده ، بحيث تبقى هيبته بينهم . يذهب أحمد عبدالجواد لدكانه الذي يشرف عليه وكيله (الحمزاوي) فيأتيه الشيخ الصوفي ! (متولي عبد الصمد ) صاحب الكرامات !! الذي يعمل الحجب والتمائم للناس ، لينصحه عن ولعه بالنساء .

ـ كمال يدرس ويحب درس ( الديانة ) الذي يشارك فيه لأنه يراجع الدروس مع أمه ، الذي يلتقي معها في حب ( الحسين ) .

ـ فهمي يحب بنت الجيران ( مريم )، يتفرج عليها من السطح .

ـ ياسين يدور في الشوارع ويلتهم النساء بنظراته الشهوانية يتفرج على العالمة زبيدة وربيبتها زنوبة ويتأمل محاسنها ويتذكر خيانة أمه لأبيه مع ( الفاكهاني ) !

ـ أحمد عبد الجواد يتأمل جسد ( زبيدة ) العالمة عندما جاءته إلى الدكان . يحاول استدراجها ،ثم لا يدعها تدفع ( الحساب ) وفي المساء ذهب لزيارتها مع رفاقه .

ـ أحمد عبد الجواد يخبر ابنه ياسين بأن أمه ـ أي أم ياسين ـ ستتزوج من صاحب مخبز صغير السن . يغضب ياسين ، لأنه يطمع في فلوسها ، ذهب ياسين إليها ولامها وغضب عليها .

ـ فهمي يريد الزواج من ( مريم ) لكن والده يرفض بشدة .

ـ عائشة تغازل أحد الضباط من النافذة فتراها خديجة ، فتطلب منها عائشة أن لا تخبر أحدًا .

ـ ( حسن أفندى ) ضابط الجمالية يخطب عائشة ، فيرفض الأب !

ـ سافر أحمد عبد الجواد إلى ( بور سعيد ) في مهمة عمل ، فاستغل أهل البيت الفرصة ليتمتعوا بالحرية قليلاً ، خرجوا بأمهم لزيارة ( الحسين ) الذي تهيم به ، صدمتها سيارة ، فعادوا بها .

ـ عندما عاد أحمد عبد الجواد اعترفت له زوجته بما حصل بعد أن ألح عليها فطردها من المنزل ، فذهبت لبيت أمها .

ـ أم مريم تقوم بزيارة العائلة لتتشفع في إرجاع ( أمينه ) ، فيشعر أحمد عبد الجواد بأنها تهواه وتستدرجه لإقامة علاقة معها .

ـ حرم ( شوكت ) تزور أحمد عبد الجواد وتخطب عائشة لابنها ، فيوافق .

ـ عادت ( أمينة ) إلى البيت بعد أن عفا عنها زوجها .

ـ ياسين يقيم علاقة ( غير شرعية ) مع ( زنوبة ) فلما دخل عندها أخبرته بأن هناك رجلاً مع ( زبيدة ) هو أحمد عبد الجواد ! فتفاجأ ياسين لهذا الخبر ، وقد كان عهده بأبيه أنه جاد وصارم .

ـ ذهبت العائلة إلى بيت ( آل شوكت ) لزواج عائشة. ( جليلة ) العالمة تحضر الحفل وتسلم على أحمد عبد الجواد مع تضايقه منها خشية انكشاف علاقته السابقة بها . ياسين يخبر فهمي بحال أبيه ، فيندهش فهمي .

ـ ياسين يحاول اغتصاب ( أم حنفي ) الشغالة وهو سكران، فيغضب أبوه عليه، ثم يقرر أن يزوجه .

ـ زواج ياسين من ( زينب )

ـ آل شوكت يخطبون ( خديجة ) لابنهم ( إبراهيم ) فيوافق أحمد عبد الجواد.

ـ مات ( محمد رضوان ) والد ( مريم ) فعزاهم أحمد عبد الجواد .

ـ أحمد عبد الجواد يتحدث مع رفاقه في الدكان عن ( سعد زغلول ) زعيم الأمة ! وجهوده ضد الاحتلال .

ـ ياسين يعود للخمر والنساء .

ـ أم مريم تزور أحمد عبد الجواد في الدكان لتستشيره .

ـ فهمي يشارك في ( المظاهرات ) ضد الانجليز المحتلين لمصر .

ـ ياسين يقيم علاقة ( غير شرعية ) مع الخادمة السوداء ( نور ) ! التي تعمل عند زوجته . فتكتشفهما الزوجة وتغضب وتهجره .

ـ أحمد عبد الجواد ينصح فهمي بعدم الاشتراك في المظاهرات ، أو توزيع المنشورات . خوفاً عليه .

ـ أم ياسين تتوفى .

ـ أحمد عبد الجواد يعود من بيت ( أم مريم ) فيوقفه جندي انجليزي فيجعله يساعد المصريين المسخرين لردم الحفر التي يحفرها المتظاهرون ، فتكون إهانة قاسية له .

ـ عائشة تنجب .

ـ فهمي يشارك في مظاهرة ( سلمية ) ، ولكنه يقتل برصاص الانجليز .

بهذا الحدث ، وهو موت فهمي انتهت أحداث الحلقة الأولى من حلقات ثلاثية نجيب محفوظ .

2ـ قصر الشوق ([234]):

ـ كمال يصاحب ( فؤاد الحمزاوي ) ابن وكيل والده ، مع شعوره بالاستعلاء عليه .

ـ كمال يقيم علاقة غيرشرعية مع ( قمر ) ابنة ( أبو سريع ) صاحب المقلى ! مع شعوره بتأنيب الضمير .

ـ أحمد عبد الجواد يعود إلى اللهو بعد موت ابنه ( فهمي ) ، ويقيم علاقة مع (زنوبة) التي تستعلي عليه .

ـ ياسين يقرر الزواج من ( مريم ) .

ياسين يقيم علاقة غير شرعية مع أم مريم !!

ـ الحمزاوي ينصح أحمد عبد الجواد بعدم تبذير أمواله على اللهو .

ـ كمال يحب ( عايدة ) أخت زميله ( حسين شداد ) وهي من طبقة عالية متحررة ، ويغلو في حبها إلى حد العبادة !

ـ ياسين يتزوج مريم .

ـ ( بهيجة ) تتزوج ( بيومي الشربتلي ) ، ثم تموت بعد أسبوع !

ـ خديجة تسبب مشاكل لأهل زوجها ، فيصلح بينهم أحمد عبد الجواد .

ـ عائشة تنساق مع حياة زوجها المتحررة ، فتدخن .

ـ ( عايدة ) يخطبها أحد زملاء أخيها ( حسين ) واسمه ( حسن ) فيتفاجأ كمال بهذا الخبر !

ـ ياسين يطلق ( مريم ) بعد أن اكتشفت علاقته بزنوبة .

ـ زنوبة تطلب الزواج من أحمد عبد الجواد ، فيرفض أن يتزوج من عاهرة !

ـ كمال يحضر حفل زواج عايدة .

ـ ياسين يتزوج زنوبة ، فيطلب منه أبوه أن يطلقها .

ـ كمال يغرق في الخمر والنساء .

ـ أحمد عبد الجواد يحاول اقناع ياسين بطلاق زنوبة فيخبره ياسين بأنها حامل منه .

ـ زوج عائشة وولدها يصيبهم المرض .

ـ موت سعد زغلول .

وبهذا الحدث انتهت الحلقة الثانية من ثلاثية نجيب محفوظ .





3ـ السكرية ([235]) :

ـ كمال يحب القراءة في الفلسفة ، ومجتهد في دروسه .

ـ الحمزاوي يطلب اعفاءه من العمل مع أحمد عبد الجواد لأنه تعب .

ـ زبيدة تدمن الكوكايين ، وتفتقر بعد العز !

ـ متولي عبد الصمد يصبح شيخاً رثاً وسخاً يدور على الناس .

ـ فؤاد يرغب الزواج من نعيمة ابنة عائشة .

ـ أحمد عبد الجواد هجر الخمر بسبب نصيحة الطبيب .

ـ شداد أفلس ثم انتحر .

ـ ياسين مستمر على عادته في الخمر والنساء .

ـ احمد ابن خديجة يعتنق الماركسية، وأما أخوه عبد المنعم فهو من جماعة (الإخوان المسلمين ) ! وتحصل بينهما مناقشات ومشادات . برغم أنهما جميعاً لا يحبان (الطغاة!) .

ـ عبد المنعم ( الإخواني ! ) يقع في الزنا بجارته !!

ـ أحمد يشارك في تحرير مجلة ( الإنسان الجديد ) ، ويحب السكرتيرة في المجلة (سوسن حماد )

ـ أحمد يتعرف على الكاتب ( رياض قلدس ) الذي يوافقه في الميول .

ـ كمال مستمر في الشهوات .

ـ عبد المنعم يتزوج نعيمة ابنة عائشة .

ـ حوارات فكرية وسياسية بين أحمد وخاله كمال ، لتوافقهما في الهوى !

ـ أحمد عبد الجواد يبيع دكانه .

ـ حوارات فكرية بين كمال وقلدس .

ـ نعيمة تموت .

ـ احمد يخطب ( علوية صبري ) فتطالبة بمصروف يومي ، فيرفض مشروع الخطبة .

ـ رفاق أحمد عبد الجواد يموتون واحداً إثر الآخر ، وهو يتفكر في حال الدنيا .

ـ موت أحمد عبد الجواد .

ـ عبد المنعم يخطب كريمة ابنة ياسين مع معارضة والدته خديجة لأن كريمة تكون ابنة زنوبة .

ـ زبيدة تتحول إلى شحاذة ، بعد العز !

ـ أحمد يتزوج سكرتيرة المجلة ( سوسن حماد ) .

ـ عبد المنعم يتزوج كريمة ويجعل من بيته بيتاً إسلامياً .

ـ كمال يعلم بموت ( عايدة ) .

ـ القبض على أحمد ( الماركسي ) ، واخوه عبد المنعم ( الإخواني ) ووضعهم في السجن بتهمة المعارضة .

ـ أمينة تصاب بالشلل فتنتظر الوفاة .

وبهذا الحدث انتهت الحقلة الثالثة من ثلاثية نجيب محفوظ .



شخصيات ثلاثية نجيب محفوظ :

1ـ احمد عبد الجواد : أحد أفراد الطبقة المتوسطة يتميز بشخصية متسلطة داخل بيته ، ويد حديدية يحكم بها أسرته . مع تدين تقليدي يحافظ من خلاله على أداء الصلوات في ( البيت ! ) ، دون أن يؤثر هذا ( التدين !) على سلوكه الخارجي ، أو أن ينهى زوجته عن الانجراف وراء البدع والشركيات ـ كما سيأتي ـ .

وهو في الجانب الآخر ، أي خارج بيته ، يتصف بصفة أوصفات أخرى تختلف عن تلك الأولى ، فهو يحب اللهو والشهوات ، والسهرة مع الغواني والمومسات ، في جلسات طرب وأنس .

ولكن هذا التناقض وإخفاء الشخصية الأخرى عن أولاده سرعان ما انكشف ، ولكنه لم يؤثر في سقوط هيبته الأولى .

أسرة ( أحمد عبد الجواد ) تتكون من :

1ـ زوجته ( أمينه ) الخاضعة له ، التي هي على النقيض من زوجها ، حيث تتميز بالسماحة والطيبة مع أولادها ، ولكنها غارقة حتى أذنيها في البدع والشركيات التي تعتقدها ديناً ! ، حيث أدمنت على زيارة قبر الحسين (المزعوم!) في القاهرة ([236]) ودعائه من دون الله ([237]) ، بل والطواف بقبره ([238])!!

وقولها لابنتها عائشة : ( تعالي معي إلى الحسين ، ضعي يدك على الضريح واتلي الفاتحة ، تتحول نارك إلى برد وسلام كنار سيدنا إبراهيم ) ([239])!!

وكانت تلقن كل هذا ابنها الصغير ( كمال ) بطل الرواية .

وأما أبناؤه فهم :

1ـ ياسين : وهو الابن الأكبر من زوجة سابقة ، انتقل إلى العيش مع أبيه وزوجة أبيه ( أمينة ) ، وقد ورث عن أبيه ولعه بالملذات والشهوات ، ولكنه لم يستطع أن يكون كأبيه يعب من تلك الملذات ويحظى باحترام الناس !! مثلما كان أبوه .

2 ـ فهمي : الابن الأوسط لأحمد عبدالجواد ، وهو طالب بمدرسة الحقوق ، يجمع بين خصال أمه من رقة ومودة ورحمة لذويه ، إلى جانب وطنيته وثوريته ، التي انتهت به إلى الموت في مظاهرة وطنية .

3 ـ عائشة : الابنة الصغرى لأحمد عبدالجواد ، تتميز بجمال ورقة ومودة ، مما حببها إلى ذويها . بعد زواجها انساقت مع حياة زوجها المتحررة ، وبعد وفاة زوجها وابنيها ساءت أحوالها وأصبحت تُكثر من الاعتراض على القدر .

فمن ذلك : قولها عند وفاة ابنتها ( نعيمة) : ( ما هذا يا ربي ؟ ما هذا الذي تفعله ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ أريد أن أفهم )([240]).

أو قولها عندما تذكرت أولادها : ( الرحـمة ! أين الرحـمة أين؟)([241]).

4 ـ خديجة : الابنة الكبرى لأحمد عبدالجواد ، وكان حظها من الجمال ضئيلاً، وقد ورثت عن أبيها سلاطة لسانه وقوة شخصيته . كثيرة المتاعب مع زوجها ، وكان لأولادها نصيبهم الأكبر من أحداث الرواية .

5 ـ كمال : وهو ( بطل الثلاثية ) ، الابن الأصغر لأحمد عبدالجواد ، عاش في أحضان أمه ، التي لقنته البدع والخرافات والشركيات منذ صغره ، حيث لم يتعرف على الدين إلا من خلال أحاديثها وقصصها ، فانطبع الدين في ذهنه بتلك الخرافات .

فهو ـ مثلاً ـ يقول عن ضريح الحسن : ( كم وقف حيال الضريح حالماً مفكراً ، ويود لو ينفذ ببصره إلى الأعماق ليطلع على الوجه الجميل الذي أكدت له أمه أنه قاوم غِيَر الدهر بسره الإلهي ، فاحتفظ بنضارته ورونقه ، حيث يضيء ظلمة المثوى بنور غرته ، ولما يجد إلى تحقيق أمنيته سبيلاً قنع بمناجاته في وقفات طويلة ، مفصحاً عن حبه ، شاكياً إليه متاعبه الناشئة من تصوراته عن العفاريت وخوفه من تهديد أبيه ، مستنجداً به على الامتحانات التي تلاحقه كل ثلاثة أشهر ، ثم خاتماً مناجاته عادة بالتوسل إليه أن يكرمه بالزيارة في منامه)([242])!!

نشأ كمال متحيراً كثير الاضظراب الفكري ، لم يستقر على قرار ثابت ، كان وفدياً([243]) ثم ما لبث أن مال ميلاً شديد إلى ( الماركسية ) التي تقتلع الطبقات التي أبغضها عندما أحب ( عايدة ) التي تنتمي إلى طبقة عليا .

تكثر في أحاديثه الشكوك والطعن في الدين وعبارات الإلحاد والادعاء بأن (العلم ) سوف يحل مشاكلنا جميعاً . ولهذا كان من أقرب الناس إلى ابن أخته (أحمد ) الذي كان ( ماركسياً ) متحمساً .

فمن أقواله ـ على سبيل المثال ـ :

ـ ( إن مطلبي الأول الحقيقة : ما الله ؟ ما الإنسان ؟ ما الروح ؟ ما المادة؟ الفلسفة هي التي تجمع كل أولئك في وحدة منطقية مضيئة كما عرفت أخيراً)([244]).

قوله : ( لفه شعور بأنه ضحية اعتداء منكر تآمر به عليه القدر وقانون الوراثة ونظام الطبقات )([245]).

( طالما نازعته النفس إلى النقيضين وكر الشهوات والتصوف ، ولكنه لم يكن ليطيق حياة خالصة للدعة والشهوات ، ومن ناحية أخرى كان ثمة شيء في أعماقه ينفر من فكرة السلبية والهروب ) ([246]).

6ـ عبد المنعم ابن خديجة :

من جماعة الإخوان المسلمين ، يحمل أفكارهم وينافح عنها أمام أخيه أحمد (الماركسي ) ولكنه يتسم بالعنف في الجدال !! وهكذا أراد له نجيب محفوظ أن يكون !! فمن ذلك أنه قال لأخيه : ( صه يازنديق ) ([247]) !! وقال له أيضاً ( يا عدو الله ) ([248]).

ولكنه برغم هذا ( الإيمان ) و ( الحماس ) يقيم ـ كما سبق علاقة غير شرعية مع بنت الجيران !! وهذا من التناقض المفتعل لتشويه جماعة الإخوان المسلمين من نجيب محفوظ ـ هداه الله ـ .

7ـ أحمد ابن خديجة :

شاب متحمس للماركسية ، يدخل مع أخوه ( الإخواني ) عبد المنعم في مجادلات متتالية دون نتيجه .

من أقواله التي تدل على توجهه :

ـ أنه بعد أن تزوج سأله خاله كمال هازئاً : ( هل تزوجت على سنة الله ورسوله ؟) قال : ( طبعاً ، الزواج والدفن على سنن ديننا القديم ، أما الحياة فعلى دين ماركس)([249])!!

ـ قوله في التحقيق : ( إني اشتراكي ) ([250]).

أوجه التشابه بين الثلاثيتين :

1ـ أن الثلاثيتين كلتيهما تتكونان من ثلاثة أجزاء أو حلقات بأسماء مختلفة (بين القصرين ـ قصر الشوق ـالسكرية ) ،( العدامة ـ الشميسي ـ الكراديب ).

2ـ أن البطل في الثلاثية شخص واحد تدور الأحداث من حوله .ففي ثلاثية محفوظ تدور الأحداث حول (كمال) وفي ثلاثية الحمد تدور حول ( هشام ) .

3ـ أن ( كمال عبد الجواد ) هو نفسه مؤلف الثلاثية ، أي هو نجيب محفوظ ، وهذا أمر لا ينكره نجيب محفوظ ، الذي يردد دائماً : "أنا كمال عبد الجواد في الثلاثية"([251]) ويقول : "الأزمة الخاصة بكمال هي أزمتي" ([252]).

أما تركي الحمد فقد اعترف بهذا في مقابلة له مع جريدة اليوم ([253]) عندما قال عن ثلاثيته بأنها " فيها الكثير مني … فالبطل أنا من صنعه وأنا من وضع له العواطف والتجارب " .

وقد أكد الدكتور غازي القصيبي أستاذ الحمد في الجامعة ! هذه الحقيقة . فقال في كتابه ( حياة في الإدارة ) : ( كان المفكر السعودي البارز (!!) الدكتور تركي الحمد أحد طلبتي . وعلى الذين يرغبون أن يعرفوا رأي الطلبة فيَّ أن يعودوا إلى رواية تركي (الشميسي)، ماكتبه عن ( الدكتور محارب الخيزراني)([254])

فهذا تأكيد من غازي أن هشام العابر لم يكن إلا تركي الحمد .

وليس معنى أن كمال عبد الجواد هو نجيب محفوظ وأن هشام العابر هو تركي الحمد أن يكون كلاً منهما قد نقل ( جميع ) تفاصيل حياته بجميع أشخاصها إلى القراء دون نقص أو زيادة ، فهذا مالا يقوله عاقل ، بل المقصود أن كلاً منهما كان يحكي عن ماضيه ، وتفكيره ، وتطلعاته ، وآماله ، وآلامه ، وبعضاً ممن عاصروه في اختلاف توجهاتهم . ولكن تبقى الفكرة الرئيسة التي تدور حولها الثلاثية هي ما كانت تقلق بال مؤلفها في فترة مضت ، أولا زالت!، كالحيرة والاضطراب ، أو اعلاء شأن الماركسية ، وهكذا .

4ـ أن كلاً من ( كمال عبد الجواد ) و ( هشام العابر ) ماركسي التوجه ، أو يميل إليها على أقل تقدير ـ .

5ـ أن كلاً منهما ـ برغم هذا الميل ـ متردد ، متحير ، مذبذب. يقول رياض قلدس أحد أصدقاء كمال في الثلاثية عن كمال بأنه : ( الذي دار حول نفسه كثيراً حتى أصابه الدوار ) ([255]).

ويقول هشام العابر عن نفسه بعد أن ذكر توجهات زملاء السجن : ( أما هشام فلم يعد يدري ما هو ) ([256]).

6 ـ تكثر الطعون في الله ـ عز وجل ـ وملائكته وكتبه ورسله وعباده الصالحين في كلا الثلاثيتين، ولعل للتوجه الماركسي لصاحبيها دوراً في ذلك ، حيث لا ترى الماركسية في الأديان والمقدسات إلا أفيوناً للشعوب يجب أن يهدم، وإن لم نستطع الهدم فلا أقل من اللمز والسخرية وإسقاط هيبة الدين ومحتوياته (أي الإسلام !) من نفوس الناس . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أما طعون الحمد فقد قرأناها سابقاً ، وأما طعون نجيب محفوظ ، فإليك شيئاً منها بالأرقام ، لكي لا أطيل ولكي لا أتهم بالتجني عليه : ( بين القصرين : ص 122، 227) ( قصر الشوق : 90، 91، 119، 153، 216، 229، 236، 260، 294، 314، 428، 434 ) ( السكرية : 88 ،253 ، 260، 275، 280) .

7ـ تكثر في الثلاثيتين ألفاظ ومعاني الاعتراض على القدر ، واتهام الحياة والموت والقدر بالعبث .

أما في ثلاثية الحمد فقد علمنا ذلك سابقاً ، وأما في ثلاثية نجيب محفوظ ، فهذه بعض المواقف والعبارات تؤكد هذا :

ـ اعتراض خديجة على زواج عائشة قبلها: ( إني أحافظ على الصلاة أما هي فلم تُطق المحافظة عليها … ) ([257]) أي : لماذا تتزوج قبلي ؟

ـ اعتراض عائشة على وفاة زوجها وأبنائها . وقولها ـ مثلاً ـ : ( ما هذا يا ربي ؟ ما هذا الذي تفعله ؟ ) ([258])

ـ قول كمال عن نفسه : ( لفه شعور بأنه ضحية اعتداء منكر تآمر به عليه القدر)([259]) .

ـ قوله : ( هذا الموت عبث ) ([260]).

8ـ تكثر في الثلاثيتين المواقف الجنسية بكافة أنواعها ! أما الحمد فقد علمنا شيئاً من مواقفه ( البطولية !! ).

وأما نجيب محفوظ فيكفينا من ثلاثيته شخصية أحمد عبد الجود ، والغواني، وشخصية ياسين .

وهاهنا ملاحظة : هي أن تركي الحمد اقتصر في مواقفه الجنسية على ( الزنا) وتوابعه ، أما نجيب محفوظ فقد تجاوز ذلك إلى ( اللواط )!!

كما في علاقة ( رضوان بن ياسين ) مع عبد الرحمن باشا عيسى([261]) .

وسبب ذلك ـ والله أعلم ـ أن محفوظاً تميز في ثلاثيته بالجرأة أكثر من الحمد ، الذي لا زال يحمل بقية من الحياء !



9ـ أن المتمسكين بأحكام الإسلام في الثلاثيتين :

إما مخرف ساذج ، أو من الاخوان المسلمين ،ولا ثالث لهما .

فالدين عند محفوظ : إما أن يتمثل في شخصية ( متولي عبد الصمد ) الصوفي ، المخرف ، الوسخ ! ، صاحب البدع والشركيات ، أو في شخصية (عبد المنعم ) الإخواني .

والدين عند الحمد :

إما أن يتمثل في شخصية خال هشام المتدين الساذج الذي يقول عنه ابنه :

( خالك لا يشك بوجود الخمر أصلاً في هذا البلد ، فكيف في بيته وابنه .. حتى لو رأى حمد مترنحاً فهو لن يشك بمثل هذه الأمور )([262]) .

ويقول عنه هشام : ( ياله من رجل طيب تخدعه المظاهر ) ([263]).

ولم يجعله الحمد مخرفاً كمتولي عبدالصمد لأنه يعلم أن لامكان للخرافة في بلاد التوحيد ـ ولله الحمد ـ .

أو في شخصية ( لقمان ) الإخواني ([264]).

فإن كان محفوظ معذوراً في تجسيد شخصية ( الإخواني ) التي كان يعج بها مجتمع مصر تلك الأيام ، فكانت آراؤهم مطروحة في الساحة المصرية ، ولم تكن خافية على أحد .

فالحمد لا يعذر في تجسيده لهذه الشخصية الغريبة على مجتمعنا ، إلا أن تكون ـ وهو ما أراه ـ تقليداً لمحفوظ ، كما تعودنا من الحمد !

قد تقول : ولكن الاخوان موجودون في السعودية ، وقد وفدوها بعد اضطهادهم في دولهم .

فأقول : نعم هم موجودون ، وقد يكون قلائل من السعوديين تأثروا بهم ، ولكن هذا لا يجيز للحمد أن يصور بلادنا بهذه الصورة الحزبية التي عرفتها مصر وغيرها من الدول العربية .

ثم يجعل (الاخوان ) هم الممثلين للتيار الإسلامي ! وكأننا في بلد علماني النزعة لايمثلنا فيه سوى الإخوان !!

فهل نسي الحمد أننا ـ بحمد الله ـ نعيش في دولة إسلامية سلفية منذ نشأتها ([265])، لم تعرف الأحزاب يوماً ما ؟ وهل من العقل أن يُجْعل أفراد قلائل مستخفون هم الممثلين للتيار الإسلامي ؟! وننسى الكثرة الغالبة من أهل البلاد الذين لا يعرفون سوى الإسلام ديناً لهم ، على تفاوت بينهم في الالتزام به .

أقول: إن كان محفوظ معذوراً ، فالحمد لايعذر في هذا ، لأنه كثر القليل وقلل الكثير .

وأنا لا أقول هذا بخساً لجهود جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي والإسلامي ، فهي جماعة قد اجتهدت في الدعوة إلى الإسلام ، ولكن شاب جهودها شيء من الأخطاء ، منها :

1ـ أنها جماعة تعنى بالتجميع كيفما كان ، فتجد فيها البدعي والسني جنباً إلى جنب .

2ـ وهي جماعة لا تحرص على نشر عقيدة السلف الصالح بل تجد من أفرادها الكثير ممن يعتقد عقيدة الأشاعرة ، ويزعم انها عقيدة السلف !

3ـ وهي جماعة حرصت على الدولة أكثر من حرصها على التربية والدعوة .

4ـ وهي جماعة يقل فيها الالتزام بالسنن النبوية الظاهرة .

5ـ وهي جماعة لا تراجع نفسها ، بل ظلت مأسورة في شخصية ( حسن البنا ) ـ رحمه الله ـ الذي كانت شخصيته تطغى على غيره من الإخوان ، ولا زالت!

6ـ أخيراً : هي جماعة لا مبرر لقيامها في بلادنا ( السعودية ) لأننا ـ ولله الحمد ـ مسلمون قبل قيامها ، فالذي نحتاجه هو الجد في نشر الدعوة ، والالتزام الصادق بالإسلام([266]) .

إذن : أخطأ الحمد خطأ فاحشاً عندما لم ير في الملتزمين بالإسلام سوى :

1ـ الرجل الساذج .

2ـ الاخواني .

3ـ المتشدد .

وبقي صنف رابع لم يذكره ، أو لم يرد أن يذكره ! ، وهو الشاب المسلم الملتزم بدينه ، صاحب العقيدة السلفية ، والخلق الحسن في التعامل ، والمبرز في دراسته الشرعية أو العلمية ، قاصداً خدمة بلاده الإسلامية ورفعتها من هذا التخلف الذي تعيش فيه .

فبالعقيدة السلفية نرفع التخلف ( الديني ) ـ بدعاً وشركيات ـ الذي يعج في أوطاننا ، ويفرق بيننا ويضيع كثيراً من طاقاتنا .

وبالعلم الدنيوي النافع نرفع من شأن بلاد الإسلام ونجعلها تنافس الآخرين، بل تفوقهم ، وما ذلك على الله بعزيز .

كنت أود للحمد لكي يكون عادلاً أن يذكر هذا الصنف في ثلاثيته ، ولكن (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) ([267]).

10 ـ يبرز في الثلاثيتين جانب خبيث؛ هو محاولة إفحام الدين ، أو التشكيك في بعض مسائله بأسلوب ماكر ، كما في تحير هشام في مسألة : كيف يموت الموت؟

أما نجيب محفوظ فقد صاغ تشكيكه وتحيره على هيئة سؤال وجهه كمال إلى مدرسه ، حيث يقول عن الجن ( وسألت الشيخ : هل يدخل المسلمون منهم الجنة ؟ فقال : نعم . فسألته مرة أخرى : كيف يدخلونها بأجسام من نار !؟ فأجابني بحدة قائلاً : أن الله قادر على كل شيء ) ([268]) ولا حظ قوله ( بحدة )! تفهم مقصده . مع أن جواب شيخه مقنع ، وهو أن الذي خلقهم ـ سبحانه ـ قادر على أن يجعل مسلميهم يدخلون الجنة ،إما بطبيعتهم أو بطبيعة أخرى ، كما أنه سبحانه قد أخبر عن النار بأن فيها شجرة الزقوم ، فهل يقول : كيف لا تحرقها النار ؟ فهل هذا إلا سؤال متعنت، يحاكم ربه بعقله القاصر . كما كان مشركو الجاهلية يفعلون مع محمدe .

ولهذا جعل الله ـ سبحانه ـ الإيمان بالغيب أحد الصفات الرئيسة للمؤمنين فقال : (آلـم(1)ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2)الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) ([269]).

لأنه سبحانه يعلم أن مسائل الغيب قد لايستوعبها عقل الإنسان في الدنيا، فلهذا جعل الفارق بين المؤمنين والمذبذبين المرتابين هو الإيمان بالغيب، فعلى المسلم إذا جاءه الدليل من القرآن أوالسنة الصحيحة بأمر من أمور الغيب أن يؤمن ويسلم دون اعتراض أوتشكيك كما فعل ( تركي ) أو ( نجيب ) !

11ـ يكثر الحلف بغير الله في الروايتين ، أما في ثلاثية تركي فقد مضي التدليل عليه . وأما ثلاثية محفوظ فإليك المثال :

ـ ( ورسول الله ) ( بين القصرين ص 253 ) .

ـ ( ورأس أمي ) ( بين القصرين ص 257 ) .

ـ ( حلفتك بالحسين ) ( بين القصرين ص257 ) .

ـ ( وحياة أمك ) (بين القصرين ص 268 ) .

ـ ( وحياتك ) ( بين القصرين ص 435 ) .

ـ ( والنبي ) ( بين القصرين ص 439 ) .

أخيراً : ما سبق هو أبرز المتشابهات في ثلاثيتي ( محفوظ والحمد ) وهي تبين أن الحمد قد بنى ثلاثيته على أعمدة سابقة كان قد أقامها نجيب محفوظ ، فلم يكن له في ثلاثيته سوى صياغتها لتناسب طبيعة وظروف الشاب السعودي بدلاً من المصري .

وإلا فإنهما قد اجتمعا على :

ـ الماركسية .

ـ والاجتراء على الله ـ عز وجل ـ وملائكته وكتبه ورسله وعباده الصالحين .

ـ والاعتراض على القدر ، وتصويره في صورة العدو المتربص أو العابث .

ـ والنظر إلى الحياة والموت بنظرة عباثة .

ـ والإغراق في الجنس .

ـ والشك والحيرة والاضطراب .

فكلاهما ـ ثلاثية محفوظ والحمد ـ مجرد رواية ( هدم ) لا ( بناء )، و (تشكيك ) لا ( يقين ) ، فمن قرأها ثم فرغ منها لم يحصل سوى الحيرة التي لا تقود إلى ثبات واطمئنان .

ثم يكتشف أن راويها لم يقدم له أي بديل لما قد تم هدمه في هذه الثلاثية . فهي شبيهة بأدب الحداثيين الذين حملوا معاولهم لهدم الإسلام والمعاني السامية دون أن يقدموا لها بديلاً سوى الحيرة والشكوك والبؤس والشقاء ، زاعمين أنهم سوف يقدمون لبني قومهم كل جميل ، وكل مبهج، ولكن بعد أن يفرغوا من هدمهم !



قال تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ([270])، وقال سبحانه : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) ([271]).

وقد أصلح الله بلادنا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ التي ناصرها آل سعود ، فلا مستقر فيها لكل مفسد هادم مهما غلَّف هدمه ذاك بشعارات ( التطور) و( التحضر ) و( التقدم ) … الخ زخارف الشيطان :

وليتق الله ربه وليتب من ( هدمه ) ، وليشارك إخوانه في ( البناء ) فإن خير الخطآئين التوابون .

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ([272]).





خاتمة موجزة


بعد هذه الجولة العجلى في أبرز مؤلفات تركي الحمد وفي ثلاثيته يتبين لنا:

1 ـ أن الحمد يدعو إلى " الشك " و " الريبة " في كل شيء ، ولو كان نصاً من الكتاب أو السنة الصحيحة ([273])، وهو لم يبين لقرائه ما هو الميزان الذي سيحتكم إليه بعد أن " يشك " و " يرتاب " ليقضي لنا بصحة القضية المطروحة أو بطلانها ، هل هو " عقله " ام " عقلي " أم " عقل فلان من البشر " أم ماذا ؟ كما سبق .

2ـ أنه عندما " شك " و " ارتاب " ودعا المسلمين إلى هذا ، لم يقدم لهم أي بديل واقعي ( واضح ) يأخذون به بعد أن يهدموا ( كل شيء حولهم ) بالشك والريب . ففكر الحمد ( هدمي ) ليس ( بنائياً ) ـ كما سبق ـ لأنه يهدم ويهدم ويهدم تحت دعوى ( الشك ) و( الارتياب ) الذي يدعو إليه ، دون أن نجد عنده ما يبنى أو يشيد لنفع أمته([274]).

3ـ أن الحمد يتظاهر في كتبه ( بالعقلانية ) التي تخفي وراءها نفساً طافحة بالشهوات الحقيرة ـ كما رأينا ذلك في ثلاثيته التي تعبر عن شخصه([275]) ـ

4 ـ أن شخصية الحمد ـ كما يظهر من مؤلفاته وثلاثيته ـ شخصية قلقة مضطربة لا تريد أن تركن إلى شيء يسندها في هذه الحياة ، وهي شخصية (شاكة) (مرتابه) تحقد على كل من لم يكن مثلها في شكها وحيرتها وارتيابها ، كما قد رأينا في حقده وحمله الظغينة على رسل الله ـ عليهم السلام ـ وعباده الصالحين ، وبلاد التوحيد (السعودية) . . . الخ .

5 ـ أن الحمد يدعو إلى عدم ثبات الحق ، فما كان بالأمس حقاً قد يصبح اليوم باطلاً، وما يحمله فلان من الحق قد ينقلب باطلاً في حق فلان . . . في دائرة لا تنتهي ، تهرباً من قيام الحجة عليه ، أو توهمه أنه بهذه الدعوى يُفحم أهل الحق .

6 ـ أن الحمد يدعو إلى مساواة ( الإسلام ) بغير من الأديان والثقافات الأخرى، بل هو يُفضلها عليه ـ والعياذ بالله ـ، وهذا من أعظم ( الكفر ) الذي يُستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه([276]).

7 ـ أنه من دعاة ( تحرير )([277]) المرأة في بلادنا ، وذلك بدعوته إلى سفرها ، واختلاطها بالرجال في الدراسة والعمل ، وقيادتها للسيارة . . . الخ جزئيات هذه الدعوة التي تجرعت مرارتها المجتمعات الإسلامية الأخرى ، فنبتت عندنا نابتة ـ من ضمنهم الحمد ـ يرددون في بلادنا ما ردده شياطين هذه الفكرة الغربية في البلاد الأخرى في مقالات وكلمات متكررة بين الحين والآخر من دعاة وداعيات ( الشهوة ) و(نبذ حكم الإسلام ) .

فنسأل الله أن يقضي على هذه الفتنة في مهدها ، كما قد قضى على غيرها ، وأن يسلط ولاة أمر هذه البلاد لا جتثاث عروق الفساد من وسائل إعلامنا لكي لا تتجذر هذه الدعوة المفسدة في بلاد التوحيد .

8 ـ أنه عدو لدود للحكم السعودي الذي قام على تحكيم شرع الله ، والدفاع عنه ضد أعدائه من أصحاب التيارات ( الكافرة ) من ديمقراطيين وشيوعيين ومنحلين . وقد سبق نقل ما يُكنه صدره ضد ولاة أمرنا .

9 ـ أنه يسرق جُلَّ أفكاره من كتابات وجهود الآخرين عرباً كانوا أم عجماً . كما في ثلاثيته التي بناها على ثلاثية نجيب محفوظ ، وكما في ( عقلانيته ) التي اكتسب أفكارها من الجابري والعروي .

10ـ أنه بعد هذا البيان عن الفكر ( الهدمي ) للدين والدولة من هذا الرجل ؛ فإنه لا يجوز شرعاً لوسائل إعلامنا أن تحتفي به ، أو أن تُسهل له مهمة بث هذا الهدم بين المسلمين ، عبر مقالات أو برامج مسموعة أو مرئية ؛ لأن الشريعة قد جاءت بالحجر على السفهاء، فكيف بمن يكيدون لدين الله وللفضائل ولهذه الدولة المسلمة !؟

ختاماً : أسأل الله أن يحمي بلادنا من شرور الحاسدين والحاقدين الذين لا يرتضون لها أن ترفع راية لا إلة إلا الله محمد رسول الله في هذا الزمان ، والذين يتربصون بها الدوائر ممن ارتضوا ما في زبالات الغرب بديلاً للهدى والنور الذي جاءهم به خير الرسل محمد e، وأسأله تعالى أن يُعجل بكبتهم وتشريدهم وتمزيقهم كلَّ ممزق ، وأن يوفق ولاة أمرنا للقضاء عليهم كما هو دأب حكام المسلمين على مرّ الأزمان ([278]) ، فإن الله قال في هذه الشرذمة من رجال ونساء (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ )([279]).

وصـلى الله عـلى نبينـا محمد وآله وصحبـه وسـلم .



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) مقولة "الحق المطلق لا يمتلكه أحد" هي من المقولات "الكفرية" المعاصرة التي تسربت إلى عقول بعض المسلمين من مفكري الغرب، وقد وضحت ذلك في بحث بعنوان "أفكار عصرانية" أسأل الله أن ييسر نشره قريباً.

(1) نقلاً عن المقابلة التي أجرتها معه قناة اقرأ الفضائية في يوم 13/8/1419هـ ، ومجلة "فواصل "( العدد 50 ) وقد وصفته هذه المجلة ـ هدى الله القائمين عليها ـ بأنه " أحد الذين بنور أفكارهم تستضيئ العقول ، وأحد الذين بلمعان جواهرهم تنير الآفاق " !!! ومن كتب هذا الكلام حريّ به أن يقرأ هذا الكتاب الذي يبين له حقيقة هذا المفكر المنير للعقول ! لعله يتراجع عن مدحه السابق امتثالاً لقوله تعالى : { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حآد الله ورسوله }

(2) سألت مجلة "فواصل " تركي الحمد عن سبب طلبه للتقاعد المبكر من الجامعة وتفرغه للكتابة ، فقال : "لأني شعرت أنني أستطيع أن أنتج فكرياً خارج الجامعة أكثر مما لو بقيت داخل الجامعة ، وأنا أقول لكم بصراحة شديدة جداً : إن الجامعات العربية بشكل عام تحولت إلى نوع من القيد على الفكر … " !! فما هو هذا ( الفكر المقيد) الذي يريد تركي التفرغ له ونشره بين الناس !؟ هذا ما ستعرفه ـ إن شاء الله ـ.

([2]) صدرت قريباً وهي رواية رمزية مغرقة في الغموض، ولأجل هذا لم يستطع الدكتور غازي القصيبي نفسه فهمها! كما صرح بذلك للمجلة العربية .

([3]) وسأعتمد على الطبعة الثانية الصادرة عام ( 1998م ) عن دار الساقي بلبنان . والعدامة حي مشهور من أحياء مدينة الدمام .

([4]) وسأعتمد على الطبعة الأولى ، الصادرة عام ( 1997م )عن دار الساقي بلبنان . والشميسي شارع وحي مشهور في مدينة الرياض .

([5]) وسأعتمد على الطبعة الأولى ، الصادرة عام ( 1998م ) عن دار الساقي بلبنان ، والكراديب رمز للسجن .

([6]) كانت ملجأ للمعارضين ذاك الزمان ‍

([7]) الكراديب ( ص288)

([8]) العدامة ( ص9 ) .

([9]) العدامة ( ص9 ).

([10]) العدامة ( ص10) .

([11]) العدامة (ص12)

([12]) العدامة ( 12-13) .

([13]) العدامة (ص 14-15)

([14]) العدامة ( ص26) .

([15]) العدامة ( 61-62) .

([16]) العدامة ( 63 ).

([17]) العدامة ( ص64 ) .

([18]) العدامة ( ص 224 )

([19]) العدامة ( ص 278 )

([20]) العدامة ( 283)

([21]) العدامة (ص 57 )

([22]) العدامة ( ص105)

([23]) الشميسي (ص123) .

([24]) الشميسي (ص24) .

([25]) الكراديب (ص186)

([26]) هكذا ! والصحيح : شيءٌ .

([27]) الكراديب (ص193) .

([28]) الكراديب (ص215) .

([29]) الكراديب (242) . وسيأتي خطاً تسمية ملك الموت بعزرائيل .

([30]) الكراديب ، (252) .

([31]) ديوانه (ص30ـ31) .

([32]) ديوانه ( ص 526 ).

([33]) ديوان ( ص 440 ) .

([34]) ديوانه (ص184) .

([35]) ديوانه (ص398) .

([36]) انظر لفضح شعراء الحداثة كتاب (الحداثة : مناقشة هادئة لقضية ساخنة ) للدكتور محمد خضر عريف . وكتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) للشيخ عوض القرني .

([37]) (( الله جل جلاله والأنبياء عليهم السلام في التوراة والعهد القديم )) للدكتور محمد البار ، (ص5) .

([38]) المصدر السابق (ص21) .

([39]) المصدر السابق (ص23) .

([40]) المصدر السابق (27) .

([41]) المصدر السابق ( 30 ) .

([42]) المصدر السابق (30)

([43]) المصدر السابق ( 31) .

([44]) المصدر السابق (41)

([45]) سورة آل عمران ، الآية 24.

([46]) دراسات في الأديان : اليهودية والنصرانية ( ص93 ) .

([47]) كيوسف الخال ، وجورج شحاده ، وجبرا إبراهيم جبرا ، وإيليا حاوي وغيرهم .

([48]) أخرجه البخاري ومسلم .

([49]) الكراديب ( ص154) .

([50]) الكراديب ( 213).

([51]) الكراديب ( ص 130 ).

([52]) الصواب ( ابن عربي ) بدون ( أل ) وهو الصوفي الملحد المشهور ، أما ( ابن العربي ) فهو الفقيه المالكي صاحب كتاب " العواصم " .

([53]) الكراديب ( ص137ـ 138) .

([54]) الكراديب ( ص62 ) .

([55]) الكراديب ( ص 78ـ 79 ) .

([56]) الشميسي ( ص169) .

([57]) الكراديب ( ص22ـ 26) .

([58]) حيث رمز إلى الله ـ عز وجل ـ بالجبلاوي ، وإلى آدم عليه السلام بأدهم ، وإلى موسى عليه السلام بجبل ، وإلى عيسى عليه السلام برفاعة ، وإلى محمد e بقاسم ، إلى ( العلم ) الذي يدعو إليه نجيب محفوظ بديلاً عن الدين ! بعرفة . انظر : ( دراسة المضمون الروائي في أولاد حارتنا ) لعبد الله المهنا .

([59]) سورة النساء ، الآيات : 172-173 .

([60]) سورة الأنعام ، الآية 72 .

([61]) سورة الجاثية ، الآية 23 .

([62]) تفسير ابن كثير ( 4/ 162 )

([63]) سورة يس ، الآية : 60 .

([64]) كعبدة الشيطان الذين ظهر أمرهم قريباً .

([65]) إغاثة اللهفان ( 2/ 194ـ 195) وقد قال ـ رحمه الله ـ في نونيته عن مدعي الحرية !

فروا من الرق الذي خلقوا له

وبلوا برق النفس والشيطان

([66]) طريق الهجرتين ( ص103ـ 104 ) .

([67]) سورة النحل ، والآية : 36.

([68]) سورة يوسف ، الآية : 109

([69]) سورة الأنبياء ، الآية : 92 .

([70]) سورة المؤمنون : الآية 51

([71]) سورة الحجر ، الآية 99

([72]) سورة الأنبياء ، الآية 20 .

([73]) سورة الأعراف ، الآية 206

([74]) سورة غافر ، الآية 60 .

([75]) سورة الأنسان ، الآية 6

([76]) سورة الفرقان ، الآية 63

([77]) سورة الحجر ، الآيتان ، 39، 40 .

([78]) سورة الحجر ، الآية 42 .

([79]) سورة مريم ، الآيات 88ـ 95

([80]) سورة الزخرف ، الآية : 59 .

([81]) أخرجه البخاري ومسلم .

([82]) سورة الإسراء ، الآية ، 1.

([83]) سورة النجم ، الآية : 10 .

([84]) سورة الجن ، الآية : 19 .

([85]) سورة البقرة ، الآية : 23 .

([86]) أخرجه البخاري ومسلم .

([87]) سورة التوبة ، الآية : 24 .

([88]) الفتاوي (10/ 149ـ 153 ) .

([89]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده : ( 2/176 ـ 197 ) ، وأخرجه الترمذي في كتاب الإيمان : ( ص18) .

([90]) سورة النور ، الآية : 35 .

([91]) هداية الحيارى ( ص591ـ 593) .

([92]) قال الشيخ ابن باز –رحمه الله-: "الحلف بغير الله من الشرك الأصغر .. ، وقد يكون شركاً أكبر إذا قام بقلب الحالف أن هذا المحلوف به يستحق التعظيم كما يستحقه الله" . ( فتاوى ابن باز ـ 2/ 727 ـ ط دار الوطن .

([93]) أخرجه أبو داود والترمزي . قال الشيخ ابن باز في فتواه السابقة "بإسناد صحيح" .

([94]) أخرجه البخاري ومسلم .

([95]) الشميسي ( ص45 ) .

([96]) الشميسي ( ص 136 ) .

([97]) سورة طه ، الآية : 5 .

([98]) سورة الملك ، الآية : 16 .

([99]) سورة النحل ، الآية : 50 .

([100]) بين القصرين ( ص448 ) .

([101]) الشميسي ( ص70 ـ 71 ) .

([102]) سورة غافر ، الآية : 60 .

([103]) الكراديب ( ص19) .

([104]) سورة ق ، الآية :18 .

([105]) سورة الرعد ، الآية ، 11 .

([106]) سورة الزخرف ، الآية : 80 .

([107]) الشميسي ( ص39 ) .

([108]) سورة طه ، الآية : 17 .

([109]) الكراديب ( ص 37 ) .

([110]) سورة مريم ، الآية : 71 .

([111]) للسيوطي رسالتان حول هذا الموضوع بعنوان ( تنزيه الأغبياء عن تسفيه الأنبياء ) و( رفع البأس وكشف الالتباس في ضرب المثل من القرآن والاقتباس ) انظرها في ( الحاوي ) ( 1/309) و ( 1/344) . وهي في من اقتبس من القرآن جاداً لا هازلاً .

([112]) فتاوى اللجنة ( 4/ 56) .

([113]) الشميسي ( ص( 68) .

([114]) سورة القمر ، الآية : 17 .

([115]) سورة الإسراء : الآية ، 82 .

([116]) لا لزوم لهذه المخادعة بعد الذي خطته يمينك !

([117]) الكراديب ( ص122) .

([118]) تفسير الطبري ( 10/ 203 شاكر ) .

([119]) سورة المائدة ، الآيات : 27-31 .

([120]) تفسير ابن كثير ( 2/ 45) .

([121]) سورة البقرة ، الآية 35، 36 .

([122]) سورة الأعراف ، الآية : 18-19 .

([123]) سورة طه 115، 116 .

([124]) عمدة التفسير ( 1/ 136) .

([125]) فتح الباري ( 6/ 424) .

([126]) البداية والنهاية ( 1/ 78) .

([127]) سورة ص ، الآية : 24 .

([128]) تفسير ابن كثير ( 4/ 34 ) .

([129]) الفتاوى ( 15/ 149 ) .

([130]) الشفا ( 2/158)

([131]) ص 268 .

([132]) الله جل جلاله والأنبياء عليهم السلام في التوراة ( ص361) .

([133]) سورة ص ، الآية : 17-20

([134]) أخرجه البخاري ( 3419) .

([135]) أخرجه البخاري ( 3420) .

([136]) سورة ص ، الآيات : 35-40 .

([137]) سورة النمل ، الآيتان : 39-40 .

([138]) تفسير ابن كثير (3/376) .

([139]) أخرجه أحمد والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3124) .

([140]) سورة الروم ، الآية : 21.

([141]) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ( ص393ـ395 ـ 399 ) .

([142]) المصدر السابق (ص386) .

([143]) المصدر السابق (ص388 ـ 392 ) .

([144]) سورة الإسراء ، الآية : 55 .

([145]) سورة ص ، الآية :18 .

([146]) سورة سبأ ، الآية : 10 .

([147]) أخرجه البخاري (5048) .

([148]) فتح الباري (8/ 711) .

([149]) فتح الباري ( 8/ 712) .

([150]) سورة البقرة ، الآية : 87.

([151]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 224 ) .

([152]) أي اليهود عليهم لعنة الله .

([153]) إغاثة اللهفان (2/ 342ـ 343 ) .

([154]) سورة النساء ، الآية : 156 .

([155]) أخرجه البخاري (3358) .

([156]) البداية والنهاية (1/194) .

([157]) الكراديب (ص137) .

([158]) سورة الأنبياء ، الآية : 23 .

([159]) ( سفر التكوين ـ الإصحاح 9 : 20 ـ 27 ) ، وانظر ( الفِصَل … ) لابن حزم ( 1/ 211 ) .

([160]) سورة الإسراء ، الآية : 3 .

([161]) دراسات في الأديان : اليهودية والنصرانية (ص94) .

([162]) سورة الأنعام ، الآية : 90 .

([163]) الكراديب (ص213) .

([164]) سورة ص : الآية : 71، 72 .

([165]) سورة النساء ، الآية : 157 .

([166]) سورة النساء ، الآية : 157 .

([167]) سورة النساء ، الآية : 158 .

([168]) انظر : تفسير المنار ( 6/ 18) .

([169]) سورة المائدة ، الآية : 41 .

([170]) الكراديب ( ص214 ).

([171]) سورة البقرة ، الآية : 102 .

([172]) تفسير ابن كثير ( 1/ 141) .

([173]) سورة النمل ، الآية : 40 .

([174]) الشميسي ( ص 44 ) .

([175]) الشميسي ( ص 136 ).

([176]) العدامة ( ص93 ) .

([177]) العدامة ( ص 252 ) .

([178]) الكراديب ( ص192) .

([179]) قال الشيخ الألباني في ( أحكام الجنائز ـ ص156) : "أما تسميته ـ أي ملك الموت ـ بعزرائيل فمما لا أصل له ، خلافاً لما هو المشهور عند الناس ، ولعله من الإسرائيليات !" وقال الشيخ بكر أبو زيد في ( معجم المناهي اللفظية ـ ص238) : "لا يصح في تسمية ملك الموت بعزرائيل حديث".

([180]) سورة السجدة ، الآية : 11 .

([181]) ومن جهله بحديث النبي e أنه يعزو إليه حديثاً لا أصل له وهو قوله : " السلام سنة ورده واجب " !!! وهذا من أقوال ( بعض ) الفقهاء ، وليس هو من حديث النبي e كما يتوهم الحمد !

([182]) سورة مريم ، الآية : 39 .

([183]) حادي الأرواح ( ص344ـ 345) .

([184]) الشميسي ( ص66 ) .

وليعلم أن كتب الغزالي عليها مؤخذات كثيرة من إسراف في علم الكلام ، وترغيب في التصوف ، واستشهاد بالضعيف . وقد بين هذا العلماء المحققون ، ( انظر : أبو حامد الغزالي لعبد الرحمن دمشقية ، والعقيدة السلفية في مسيرتها التاريخية للشيخ محمد المغراوي ) ،والحمد لا يفرق في بغضه للكتب الإسلامية بين الغث والسمين، فهو يعمم حكمه ذلك دون أي تفريق كما قد يفهم ( البعض ) .

([185]) العدامة ( ص283 ) .

([186]) الشميسي ( ص385ـ 386 ) .

([187]) الكراديب ( ص184 ) .

([188]) انظر للزيادة : ( دعوة الإخوان المسلمين في ميزان الإسلام ) لفريد الثبيت ، و وقفات مع كتاب للدعاة فقط ) لمحمد العجمي و ( حوار هادئ مع إخواني ) لأحمد الشحي .

([189]) الشميسي ( ص73) .

([190]) أخرجه الترمذي ( 1/ 354) وصححه الألباني في الصحيحة ( 572) .

([191]) الشميسي ( ص194 ) .

([192]) أخرجه مسلم

([193]) الدرر السنية ( 10/275ـ 276 ) ط 5.

([194]) الكراديب ( ص125 ).

([195]) ولولا الخوف لطعن فيه !!!

([196]) أخرجه مسلم ( 2276 ) .

([197]) أخرجه البخاري ( 3500) .

([198]) الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة .. ( ص 134 ) .

([199]) ونسأل الله أن يستمر هذا الجمع بين ( الدين والدنيا ) وهو سهل على من اتقى الله . وأن نتخلص مما يخالف شرع الله ـ ولو كان قليلاً ـ ليستمر تألقنا.

([200]) إلا بقية من المخلصين في تلك البلاد الذين ساروا على طريقة السلف الصالح في دينهم ، وهم الآن في ازدياد ـ بحمد الله ـ

([201]) سورة البقرة ، الآية : 109 .

([202]) العدامة (ص23) .

([203]) العدامة ( ص120) .

([204]) سورة البقرة ، الآية : 111 .

([205]) العدامة (ص37 ـ 38 ) .

([206]) العدامة ( ص 51 ) .

([207]) الكراديب ( ص125ـ 126) .

([208]) الكتب التي تحدثت عن بطلان مذهب ( الرافضة ) كثيرة جداً . من أبرزها كتاب ( منهاج السنة ) لشيخ الإسلام ابن تيمية، الذي فند شبهاتهم العقدية و( التاريخية ) المزعومة ، التي يرددها المعاصرون منهم وممن وافقهم !

([209]) الشميسي ( ص34) .

([210]) الشميسي ( ص202ـ 203 ) .

([211]) الشميسي ( ص 72 ) .

([212]) الشميسي ( ص 129 ) .

([213]) العدامة ( ص107 ) .

([214]) العدامة ( ص79) .

([215]) العدامة (ص167).

([216]) العدامة ( ص88) .

([217]) العدامة ( ص 100 ) .

([218]) العدامة ( ص169) .

([219]) الشميسي ( 39) .

([220]) الكراديب ( ص252) .

([221]) الكراديب ( ص253) .

([222]) نسبة إلى أبي العلاء المعري أعمى القلب والبصر ! الذي ألح على هذه المسألة في أشعاره التشاؤمية .

([223]) مع فارق واحد بينهما ، هو أن محفوظاً يتعذر عن مومساته ، بأن الظروف الاقتصادية أجبرتهم على ذلك ، فلا تلوموهنَّ ، شأنه في ذلك شأن الماركسيين الأقحاح !

([224]) مقال بعنوان ( الشيوعية ) في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة السنة الثانية ( عدد3 ) .

([225]) سورة النور ، الآية : 19 .

([226]) العدامة ( ص 254 ).

([227]) العدامة ( ص258) .

([228]) الشميسي ( ص42 ) .

([229]) العدامة ( ص90) .

([230]) العدامة ( ص106 ).

([231]) العدامة ( ً224 ) .

([232]) الشميسي ( ص122).

([233]) الكراديب ( ص181 ) .

([234]) وهو اسم الشارع الذي يسكنه ياسين بعد زواجه .

([235]) وهو اسم الشارع الذي يسكنه آل شوكت .

([236]) بين القصرين ( ص36 ) .

([237]) بين القصرين ( ص162 ) .

([238]) السكرية ( ص11) .

([239]) السكرية ( ص197 ).

([240]) السكرية (ص159) .

([241]) السكرية (ص197) .

([242]) بين القصرين (ص49) .

([243]) حزب الوفد الذي أنشأه سعد زغلول ، حزب علماني لا يقوم على الإسلام ، يدعو إلى مساواة المسلم بالكافر، والدعوة إلى انسياق البلاد الإسلامية نحو تقليد الغرب الكافر (في كل شيء ) ، وخاصة في مجال ( تحرير المرأة)، انظر (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ) للندوة العالمية للشباب الإسلامي (1/ 454 ) .

([244]) قصر الشوق (ص242 ) .

([245]) قصر الشوق ( ص369) .

([246]) السكرية ( ص194) .

([247]) السكرية ( ص32) .

([248]) السكرية ( ص 76 ) .

([249]) السكرية ( ص271).

([250]) السكرية ( ص320 ) .

([251]) المنتمي ، للنصراني ! غالي شكري ( ص17 ) .

([252]) أتحدث إليكم ، نجيب محفوظ ( ص34) .

([253]) بتاريخ 8/ 8/ 1419هـ.

([254]) ص ( 53 ) من الطبعة الثانية : وعند عودتنا لكلام تركي في ( الدكتور محارب ) وجدناه يكيل له المديح ، فعلمنا سر هذه الإحالة !

([255]) السكرية ( ص191) .

([256]) الكراديب ( ص 180 ) .

([257]) بين القصرين ( ص 230 ) .

([258]) السكرية ( ص159).

([259]) قصر الشوق ( ص369 ).

([260]) قصر الشوق ( ص485).

([261]) السكرية ( ص 66) .

([262]) العدامة ( ص 99).

([263]) الشميسي ( ص51 ).

([264]) وزاد الحمد نوعية ثالثة للملتزمين وهي شخصية أصدقاء زميله عدنان ، حيث اللحى غير المسرحة والرؤس المحلوقة!!

([265]) والكمال لله وحده ، وكل تقصير يزول بالتناصح .

([266]) انظر لبيان هذا : ( الدعوة إلى الله في جزيرة العرب ) للشيخ الحصين و( حكم الانتماء ) للشيخ بكر أبو زيد .

([267]) سورة البقرة ، الآية : 148 .

([268]) بين القصرين ( ص64 ) .

([269]) سورة البقرة ، الآية : 1-3.

([270]) سورة البقرة ، الآية 11.

([271])سورة الأعراف ، الآية : 56 .

([272]) سورة التوبة ، الآية : 119 .

([273]) وهو لا يستطيع التصريح بهذا ( بحرفية ) كما قد يتوهم حسنو النية ، فكتاباته الماضية خير شاهد لهذا عند عقلاء الناس.

([274]) بل لنفع نفسه التي أشرفت على الرحيل

([275]) وراء ( الفكر ) و ( العقلنة ) .

([276]) كما نص على ذلك علماء الإسلام فيمن لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو فضل دينه على دين الإسلام، انظر : مجلة البحوث (العدد 49، ص126).

([277]) بل تدمير المرأة ، وقد صرَّح بذلك ـ على حذر ـ في مقابلته مع قناة ( اقرأ )، وفي مقاله الشهير "وخلق الله المرأة".

([278]) اقرأ إن شئت سيرة من رفع الله ذكرهم من حكام المسلمين ؛ كهارون الرشيد أو المعتصم أو المتوكل أو محمود بن سبكتكين أو يوسف بن تاشفين وابنه أو المهدي العباسي الذي جعل رجلاً مسؤلاً عن أمر الزنادقة يتتبعهم ويقوم بتنفيذ حكم الله فيهم ، تعظيماً لشرع الله ، وحفاظاً على وحدة المسلمين و((أمنهم الفكري )) . . . لتعلم كيف كانت سيرة ولاة الأمور مع ( الزنادقة ) و ( مبغضي ) شرع الله .

([279]) سورة المنافقون ، الآية : 4 .

ابو مارية القرشي
04-19-2005, 02:20 PM
فتوى في تكفير ملحد
" تركي الحمد "
[الكاتب: علي بن خضير الخضير]

فضيلة شيخنا الشيخ علي بن خضير الخضير - حفظه الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نبعث إليكم صورة من جريدة "اليوم" الأسبوعية [العدد 10276 | يوم الجمعة 13/5/1422 هـ]، وفيها اعتراف تركي الحمد، حيث قال: (رواياتي كلها حقيقة، وسيرة ذاتية لا تخيلا روائيا، أنا بطل أعمالي الروائية، لقد تعبت من الإنكار، مللت المواربة، سئمت ليّ عنق الحقيقة، وها أنا - في هذا الاستجواب - اعترف بكل شيء).

نبعث لك ذلك تأييدا لكم، حيث كنت تحدثنا عن حكم هذا الرجل في الشريعة بعدما ذكر ما ذكر في رواياته المعروفة، وقد سمعنا من بعض الناس من يتهمكم في هذا الأمر بالاستعجال والتهور في أمر التكفير وعدم التثبت، وغيره من الأقاويل التي قيلت فيكم وليست بصحيحة، والآن حصحص الحق، وفي هذا رد أيضا على المتميعين والانهزاميين الذين عندهم جهل وقلة علم بهذه المسائل. كما نأمل بيان مسألة إقامة الحجة، وبيان قول من فرق بين القول و القائل في هذه المسألة.

وفقكم الله يا شيخنا وأعانكم، وبقية الطلاب يبلغونكم السلام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


بعض طلابكم.


* * *

الجواب:

الحمد لله وحده و أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وصلت رسالتكم وفقكم الله، واطلعت على ما فيها، وليس هذا بغريب، وقد سبقني في الحكم عليه أئمة معاصرون، أمثال شيخنا العلامة حمود بن عقلاء الشعيبي وفقه الله وتجدون فتواه برفقة هذه الرسالة، وأيضا شيخنا محمد بن صالح المنصور رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وتجدون فتواه برفقة هذه الرسالة.

والحكم عليه وعلى أمثاله هو محل إجماع، لاسيما وهو الآن يقر على نفسه بما قاله في رواياته فزاد في ذلك الجهر وعدم المبالاة، والاستخفاف بالمسلمين وعلمائهم، حيث قال في بعض كتبه - وهي مذكورة في فتوى المشايخ -

1) (مسكين أنت يا الله نحملك ما نقوم به من أخطاء).

2) ويقول: (الله والشيطان واحد هنا، وكلاهما وجهان لعملة واحدة).

3) والاستهزاء بالملائكة.

أما الأدلة على حكم هذا وأمثاله من الكتاب والسنة فهي:

1) قوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم... الآية}.

2) وقال تعالى: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم... الآية}, فوصفهم بأنهم أئمة كفر لما طعنوا في ديننا.

3) ومن السنة: قوله عليه الصلاة والسلام: (من بدل دينه فاقتلوه).

أما الإجماع فهو كالتالي:

1) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: (لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم).

2) قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: (ومن شتم الله تبارك وتعالى أو شتم رسوله صلى الله عليه وسلم أو شتم نبيا من أنبياء الله صلوات الله عليهم قتل إذا كان مظهرا للإسلام بلا استتابة).

3) وقال ابن حزم رحمه الله تعالى: (أما سب الله تعالى فما على ظهر الأرض مسلم يخالف أنه كفر مجرد).

4) قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وإن من سب الله أو رسوله كفر ظاهرا وباطنا سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا أو كان ذاهلا عن اعتقاده هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل) [1].

5) وقال سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله تعالى في "تيسير العزيز الحميد": (فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه كفر، ولو هازلا لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعا) اهـ

ومن كانت هذه أقواله وقد اعترف بها فيجب محاكمته بها وأخذه بإقراره.

وأما دعوى؛ لابد من إقامة الحجة عليه - ويقصدون بالحجة هنا الحوار معه وتنبيهه وتحذيره، هذا قصدهم في الحجة فقط –

وأيضا دعوى؛ التفريق بينه وبين أقواله، فيقولون؛ "قوله كفر، أما هو فليس بكافر حتى تُقام عليه الحجة"، ويقصدون بالحجة ما قاله مَنْ قبلهم؟

هاتان الدعوتان في هذا الشخص باطلة وزلة وطامة وخيمة لأسباب:

1) أن ما وقع منه مناقض لأصل الرسالة، فإن أصل الرسالة هو الشهادتان، وهذا لا يُقبل فيه الجهل ولا التأويل أصلا.

2) ولو تنزلنا معهم وقلنا بالعذر بالجهل في ذلك وأنه يحتاج لإقامة الحجة التي وصفوا، فإن هذا الشخص عائش بين المسلمين ومتمكن من العلم، ومن كان عائشا بين المسلمين متمكنا من العلم فقد قامت عليه الحجة بالمكان، ومن الباطل جعل الحجة هي الحوار والنقاش فقط، فهذا نوع وهناك نوع آخر وهو المكان والتمكن.

وسبب الخطأ في مثل هذه المسائل راجع إلى عدم إتقان مسألة الأسماء والأحكام الدينية والخلط فيهما، وعدم فهم علاقة الأسماء والأحكام بالحجة، وهل كلها مرتبطة بالحجة أم هناك تفصيل؟

ومن الأدلة على أن المكان والتمكن حجة في المسائل الظاهرة - ومنها أصل تعظيم الله ومحبته وأصل احترام الرسول وتوقيره وأن الساب لهما يُناقض ذلك - ما يلي:

1) قال ابن تيمية رحمه الله: تعليقا على قوله تعالى {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه}: (والحجة قامت بوجود الرسول المبلغ وتمكنهم من الاستماع والتدبر لا بنفس الاستماع ففي الكفار من تجنب سماع القرآن واختار غيره) [2] اهـ.

2) وقال ابن تيمية رحمه الله أيضا: (حجة الله برسله قامت بالتمكن من العلم فليس من شرط حجة الله علم المدعوين بها ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانع من قيام حجة الله عليهم) [3].

3) وقال ابن تيمية رحمه الله أيضا: (ليس من شرط تبليغ الرسالة أن يصل إلى كل مكلف في العالم بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم ثم إذا فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه كان التفريط منهم لا منه) [4].

4) قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالة له بعدما ذكر من كفره السلف قال: (واذكر كلامه في الإقناع وشرحه - أي منصور البهوتي - في الردة كيف ذكروا أنواعا كثيرة موجودة عندكم ثم قال منصور؛ "وقد عمت البلوى في هذه الفرق وأفسدوا كثيرا من عقائد أهل التوحيد نسأل الله العفو والعافية"، هذا لفظه بحروفه ثم ذكر قتل الواحد منهم وحكم ماله، هل قال واحد من هؤلاء من الصحابة إلى زمن منصور إن هؤلاء يكفر أنواعهم لا أعيانهم) [5]، والطوائف التي ذكرها هي أهل الاتحاد و أهل الحلول وغلاة الصوفية والرافضة والقرامطة والباطنية، فانظر إلى نقل الشيخ محمد للإجماع على عدم التفريق بين القول والقائل في الطوائف التي ذُكرت.

5) قصة المرتدين زمن أبي بكر، لأنهم أنكروا معلوما ظاهرا، فلم يفرق الصحابة بينهم وبين أقوالهم.

6) وقال الشيخ أبا بطين رحمه الله في "الدرر" [6]: (نقول في تكفير المعين ظاهر الآيات والأحاديث وكلام جمهور العلماء تدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره، قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}، وقال تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}، وهذا عام في كل واحد من المشركين).

7) وقال أيضا رحمه الله في "الدرر" [7]: (العلماء يقولون: فمن ارتد عن الإسلام قتل بعد الاستتابة، فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته، فالاستتابة بعد الحكم بالردة والاستتابة إنما تكون لمعين ويذكرون في هذا الباب حكم من جحد وجوب واحدة من العبادات الخمس أو استحل شيئا من المحرمات كالخمر والخنزير ونحو ذلك أو شك فيه يكفر إذا كان مثله لا يجهله ولم يقولوا ذلك في الشرك ونحوه مما ذكرنا بعضه، بل أطلقوا كفره ولم يقيدوه بالجهل، ولا فرقوا بين المعين وغيره، وكما ذكرنا أن الاستتابة إنما تكون لمعين) اهـ.

وقوله: "إذا كان مثله لا يجهله"؛ يُريد بهذا التعبير غير من كان عائشا مع المسلمين مثل من عاش في بادية بعيدة أو بلاد كفر أو حديث عهد بكفر، أما من كان عائشا بين المسلمين فلا يُقبل منه العذر في الصلاة ولا الزكاة ونحوه، فكيف بسب الله ورسوله؟ هذا من باب أولى.

8) قال صاحب "المغني" رحمه الله في كتاب الزكاة فيمن أنكر وجوبها: (وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين).

9) وقال ابن تيمية رحمه الله: (اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول) [8] اهـ.

أما إذا كان عائشا بين المسلمين فلا يعذر، وهذا إذا كان في الأحكام الظاهرة فكيف بسب الله ورسوله ولو كان هازلا؟ ولو كان روائيا مقررا؟

10) قال إسحاق بن عبد الرحمن رحمه الله: (كلام أئمة الدين أن الأصل عند تكفير من أشرك بالله، فإنه يُستتاب فإن تاب وإلا قتل، لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول، إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض المسلمين، كمسائل نازع فيها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسالة خفية) [9] اهـ.

ابو مارية القرشي
04-19-2005, 02:21 PM
والكلام السابق يدل على أن مسائل الأصول لا تحتاج للتعريف لمن كان عائشا بين المسلمين لوجود التمكن من التعريف، فإن تعظيم الله وتوقير واحترام رسوله من مسائل الأصول الظاهرة فلا تعريف فيها لمن ناقضها وكان في مكان التعريف.

أما الأدلة على أن من سب الله ورسوله لا يفرق بينه وبين أقواله، ولا يدخل في قاعدة التفريق بين النوع والعين، ما يلي:

1) قال ابن تيمية رحمه الله: (وإن من سب الله أو رسوله كفر ظاهرا وباطنا سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا أو كان ذاهلا عن اعتقاده هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل) [10].

فأجرى عليه الكفر في الظاهر والباطن حتى ولو كان ذاهلا لم يقصد أو يعتقد، بل ولو كان روائيا مقررا ولم يقصد الكفر.

2) وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله: (إن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل ولا عبرة باعتقاده) [11].

ومن سب الله ورسوله فقد تكلم بكلمة الكفر، فلا عبرة باعتقاده , بل كيف يقال إن قوله الذي هو السب كفر,أما القائل فلا، مع أنه هنا قال فلا عبرة باعتقاده.

3) وقال ابن تيمية رحمه الله: (اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول) [12].

4) قال صاحب "المغني" رحمه الله في كتاب الزكاة فيمن أنكر وجوبها: (وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين).

وهنا لم يعذر من كان عائشا بين المسلمين في إنكار الزكاة فكيف بالسخرية بالله ورسوله؟

5) وعن البراء: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد له راية وبعثه إلى رجل نكح امرأة أبيه أن اضرب عنقه وخذ ماله) [13]، لأنه استحل أمرا معلوما بالضرورة تحريمه وكان عائشا بين المسلمين متمكنا من العلم، فلم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم؛ أقم الحوار معه! لأن الحجة قامت بالمكان في المسائل الظاهرة.

6) وقال ابن أبي عمر رحمه الله في "الشرح الكبير" فيمن جحد الصلاة: (وإن كان ممن لا يجهل ذلك كالناشئ بين المسلمين في الأمصار لم يُقبل منه ادعاء الجهل، وحكم بكفره، لأن أدلة الوجوب ظاهرة), فكيف بمن سب الله ورسوله؟

7) قال الشافعي رحمه الله: (العلم علمان: علم عامة لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله مثل الصلوات الخمس وأن لله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يعقلوه ويعلموه, ويعطوه من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه ما حرم عليهم منه,وهذا الصنف كله من العلم موجود نصا في كتاب الله وجودا عاما عند أهل الإسلام ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم يحكونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم وهذا العلم الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر والتأويل ولا يجوز فيه التنازع) [14] اهـ.

ومن العلم العام تعظيم الله وهو من أعظم الأصول، فلا يمكن الغلط فيه ولا التأويل أو الجهل.

8) وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (ابن تيمية لا يعذر في المسائل الظاهرة) [15], أي يُجرى عليه ما يستحقه فيها، ومن ذلك إجراء اسم الكفر والردة فيمن وجد فيه ذلك.

9) ونقل ابا بطين رحمه الله من كلام ابن تيمية: (إن الأمور الظاهرة التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنها من دين الإسلام، مثل الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين، ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك فيكفر مطلقا) [16].

ونقل عن ابن تيمية رحمه الله: (ما ظهر أمره وكان من دعائم الدين من الأخبار والأوامر فإنه لا يعذر) [17].

10) وقال مثل ذلك عبد اللطيف رحمه الله في المنهاج [18].

11) وفي الدرر [19]: (والعلماء رحمهم الله تعالى سلكوا منهج الاستقامة وذكروا باب حكم المرتد، ولم يقل أحد منهم إنه إذا قال كفرا أو فعل كفرا وهو لا يعلم أنه يضاد الشهادتين أنه لا يكفر بجهله، وقد بين الله في كتابه أن بعض المشركين جهال مقلدون فلم يرفع عنهم عقاب الله بجهلهم، كما قال تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد...}، إلى قوله: {... إلى عذاب السعير}).

والخلاصة:

أن من سب الله أو رسوله أو آياته ونحوه، فهذا كافر باطنا وظاهرا، ولا يصح فيه العذر بالجهل ولا التأويل، ولو كان هازلا أو روائيا مقررا، وأن دعوى إقامة الحجة معه - التي هي الحوار والنقاش والتنبيه فقط لاغير - وأن كونه عائشا بين المسلمين لا يكفي وليس حجة، أو أن يُفرق بين القول والقائل في باب سب الله ورسوله، فكل ذلك من الدعاوى الباطلة التي ليس عليها دليل كما سبق ذكره.

وبلغوا سلامنا للإخوان عندكم، وجزاكم الله خيرا على ما قلتم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[أخوكم؛ علي بن خضير الخضير | 25/5/1422 هـ | القصيم / بريدة]


--------------------------------------------------------------------------------

[1] الصارم: ص 512.
[2] الفتاوى 16/166
[3] كتاب الرد على المنطقيين، ص113، في المقام الثالث
[4] بتصرف، الفتاوى 28/125
[5] الدرر:10/69
[6] 10/401 - 402
[7] 10/402
[8] الفتاوى: 11/407
[9] رسالة تكفير المعين
[10] الصارم: 512
[11] البحر الرائق: 5/134
[12] الفتاوى: 11/407
[13] رواه أبو داود والنسائي والدارمي والبيهقي وابن الجارود في صحيحه
[14] الرسالة: ص 359، 357
[15] الدرر 9/405
[16] ملخصا من الدرر: 10/372-373
[17] الدرر: 10/388
[18] ص 101
[19] 11/479، 478

ياسرالعمراني
05-31-2005, 11:20 PM
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد.
ألا ترون اخواني المسلمين أننا نبالغ بعض الشيئ ؟؟؟؟
لماذا ننتضر حتى يطلع لنا ذالك الكاتب هداه الله لماذا لايفتي علماءنا الكرام والاجلاء بضرورم الرد عليه عن طريق تشجيع الرواية الإسلامية.والله إنه من حقه ان يكتب هن الإسلام ويسفهه لانه يعاديه وانا احترمه لأنه قام بدوره الذي هو إغاضة المسلمين .إذا لماذا لانشجع الرواية الإسلامية ونرد عليه بها بدل ان نكفر ونسعه أنا هنا أحترم رأيكم أخي القرشي لكننا علينا بنقد ذاتي لانفسنا شيئا ما أنا لاأدعوا هنا الى السير معه ولكن لماذا نحن المسلمون ننتضر ختى يخرج من أمتاله من الكتاب ثم نعطي الإستنتاجات الكلاسيكية (لعنة الله عليه...إنه كافر ....ملح...الخ).
لكن علينا اتباه ما أمر به الرسول عليه السلام فالعرب لما كانت لهم من فصاحة شعرية أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام حسان بن تابت رضي الله عنه بالشعر فيما يغيض الكفار فوالذي نقسي بيده ان من أمتاله من يحبون فينا هذا التقاعس أن نصدر الأحكام والفتاوى دون أن نعطي شيئا وهذا خطأ
والسلام عليكم ورحمة الله
أخوكم ياسر العمراني 16سنة الإسلامي اللى النخاع