مروان
10-04-2008, 11:53 AM
لماذا إستبدلتم كتاب الله تعالى بالذي هو أدنى؟
مروان محمد عبدالهادي
بسم الله الرحمن الرحيم
يتكئ أصحاب الفهم المغلوط للسُنة النبوية على ما يُسمى بالحديث النبوي الشريف الظني، والمُمتلئ بالإسرائليات، والطم والرم، والغث والسمين، والصحيح القليل، والموضوع الكثير، ولن نُعيد.. كمصدر للدين والعلم.. حتى وقع السواد الأعظم من المسلمين في المحظور، وأوقع العُلماء الأفاضل انفسهم في الحرام. لقد قيد (البعض) ايآت التنزيل الحكيم بتأويلات وتفسيرات بشرية من خارج النص، بأحاديث خبيثة وخشبية، دُست ونُسبت للرسول الكريم (ص) حتى باتت هذه الأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) “تلموذا” سُنة مُبتدعة ودين جديد للمسلمين، وسيفاً مُسلطاً على رقابهم، حولتهم من موحدين بالله الواحد الأحد إلى مُشركين، كما كانوا في جاهليتهم الأولى وهم لا يشعرون.. فصار الرسول (ص) البشر المخلوق، شريكاً يُشرع مع خالقه! وينسخ تشريعاته وأحكامه.. ويُحرم الحلال الذي أحله الله سُبحانه وتعالى، لجهلهم أو تجاهلهم بأن تحريم الحرام هو من إختصاص الله تعالى حصراً، وأن الحرام شمولي وأبدي، لقوله سُبحانه وتعالى في كتابه العزيز
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ - الأنعام 151
قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ -الأنعام145
وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ - الأنعام119
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَـذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ -الأنعام150
إن المُحرمات الأساسية في التنزيل الحكيم لا تتجاوز (13) مُحرماً تسع منها في سورة الأنعام (الأيآت 151 – 152 – 153) مُضافاً إليها محارم النكاح وربا الصدقات والأطعمة المُحرمة، وأن الأصل في الأشياء الحِلية، وأن الحرام هو الأستثناء. سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ النحل1
للأسف الشديد، إن المسلمين وبعد أن هجروا كتاب الله تعالى، مستعدون للدفاع بدمائهم وأنفسهم عن هذه السُنة المُبتدعة، المُغلفة بالأحاديث التي تُعارض كتاب الله تعالى تارة، وتُسقط العقل والعلم، والتاريخ والمكان والزمان تارة آخرى، لإيمانهم العاطفي وتعلقهم بها منذ نعومة أظفارهم، وإعتقادهم بأنها أحاديث صحيحة لا تشوبها شائبة.. دون أن يكون لهم القدرة على نقدها وإن كانت مكذوبة على رسول الله (ص) ويرفضون ويُحاربون كل من يُحاول كشفها لهم بشتى الوسائل، حيناً بتوجيه تهم باطلة جاهزة ومُُعلبة، وحيناً آخر بالتكفير والقمع والأعتداء، وفي كثير من الأحيان ببذآءة اللسان.. حتى أصبحت تقليداً مُتبعاً عند الذين نصبوا أنفسهم وكلاء حصرييين عن الله سُبحانه وتعالى، بأسم الدفاع عن السُنة النبوية والأحاديث الأموية.. لأن الكشف عن حقيقة هذه الأحاديث ستكشف سذاجتهم بدينهم، وغفلتهم عنه لأكثر من الف وأربعمائة من السنين
حتى لا أُتهم بالكذب والإقتراء أو بأنني أهرف بما لا أعرف، فسوف أستشهد بما كتبه بعض عُلماء السُنة.. ومنهم الدكتور الشيخ مُصطفى السباعي، أحد العلماء البارزين والدعاة المشهورين والمصلحين المعدودين على أهل السُنة، رحمه الله في كتابه: السُنة ومكانتها في التشريع، طُبع في دار الوراق/ المكتب الإسلامي عام2000دفاعاً عن المفهوم الفقهي للسُنة النبوية تحت عنوان: كيف نشأ الوضع؟ ومتى؟ وأين؟ وبما كتبه أيضاً الدكتور الشيخ محمد عجاج الخطيب، وكيل كلية الشريع بجامعة دمشق ورئيس قسم علوم الحديث والسُنة في كتابه (السُنة قبل التدوين) ومُقتطفات من كتابات الشيخ يوسف القرضاوي، لنلقي الضوء بعد ذلك على ما أورده الشيخ محمود أبو رية، في كتابه أضواء على السُنة المُحمدية
إقتباس: كتب الشيخ السباعي – رحمه الله: كانت سنة أربعين من الهجرة هي الحد الفاصل بين صفاء السُنة وخلوصها من الكذب والوضع.. وبين التزيد فيها وإتخاذها وسيلة لخدمة الأغراض السياسية والأنقسامات الداخليه، بعد أن أتخذ الخلاف بين معاوية شكلاً حربياً سالت به دماء وأزهقت منه أرواح، وبعد أن إنقسم المسلمون إلى طوائف مُتعددة. فلقد حاول كلُ حزب أن يؤيد موقفه بالقرآن وبالسُنة، وطبيعى أن لا يكونا مع كل حزب يؤيدانه في كل ما يدعي، فعمل بعض الأحزاب على أن يتأولوا القرآن على غير حقيقته، وأن يُحمَلوا نصوص السُنة ما لا تحتمله، وأن يضع بعضهم على لسان الرسول أحاديث تؤيد دعواهم، بعد أن عزَ عليهم مثل ذلك في القرآن لحفظه وتوفر المسلمين على روايته وتلاوته، ومن هنا كان وضع الحديث وإختلاط الصحيح منه بالموضوع. وأول معنى طّرّقه الوضاع في الحديث هو فضائل الأشخاص، فقد وضعوا الأحاديث الكثيرة في فضل أئمتهم ورؤساء أحزابهم، ويُقال: أن أول من فعل ذلك الشيعة على إختلاف طوائفهم، كما قال إبن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" – أعلم أن أصل الكذب في أحاديث الفضائل جاء من جهة الشيعة...الخ، وقد قابلهم جهلة أهل السُنة بالوضع أيضاً.. ** إنتهى – السُنة ومكانتها في التشريع ص 93-94
وكتب الدكتور الشيخ محمد عجاج الخطيب تحت عنوان إبتداء الوضع وأسبابه قائلاً:
إقتباس: بقي الحديث النبوي صافياً لا يعتريه الكذب ولا يتناوله التحريف والتلفيق طوال إجتماع كلمة الأمة على الخلفاء ألأربعة الراشدين، قبل أن تنقسم إلى شيع وأحزاب، وقبل أن يندس في صفوفها أهل المصالح وألأهواء – إنتهى.السُنة قبل التدوين ص187
ونقبتس من نفس المصدر ص 188 ما كتبه الشيخ محمد عجاج الخطيب
وهكذا نشأت الأحزاب والفرق التي إتخذت شكلاً دينياً له أبلغ الأثر في قيام المذاهب الدينية في الإسلام. وقد حاول كل حزب أن يدعم ما يدعي بالقرآن والسُنة، ومن البديهي أن لا يجد كل حزب ما يؤيد دعواه في نصوص القرآن والسُنة الشريفة، فتأول بعضهم القرآن وفسروا بعض نصوص الحديث بما لا تحتمله، إلا أن هذا لم يُحقق ما يرمون إليه ولم يجد بعضهم إلى تحريف القرآن أو تأويله سبيلاً، لكثرة حُفاظه، فتناولوا السُنة بالتحريف وزادوا عليها، ووضعوا على رسول الله ما لم يقل ونشطت حركة الوضع مع الزمن، حتى إختلط الحديث الصحيح بالموضوع، وظهرت أحاديث موضوعة في فضائل الخُلفاء الأربعة وغيرهم من رؤساء الفرق الدينية، وكانت الأحاديث الموضوعة تولد مع ظهور الفرق – إنتهى
ومن نفس المصدر ص 189 يُتابع الدكتورالشيخ محمد عجاج الخطيب قائلاً: ولم يقتصر الوضع على فضائل الأشخاص، ودعم الآراء والأفكار العقائدية والمذاهب السياسية، بل تعداها إلى مُختلف أبواب الحديث، وكادت الأحاديث الموضوعة تتناول جميع جوانب الحياة الخاصة والعامة، فوضعت أحاديث في الفضائل والمثالب، وأحاديث في مناقب البُلدان والأيام، وآخرى في العبادات المُختلفه وفي المُعاملات والأطعمة والأدب والزهد، والذكر والدعاء، وفي الطب والمرض والفتن والمواريث وغيرها - إنتهى
كنب الدكتور يوسف القرضاوي على صفحات موقعه الآتي
إفتباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للقرآن كتابا يكتبونه منذ نزل به جبريل عرفوا باسم "كتاب الوحي"، ولم يجعل ذلك للسنة، بل صح عنه قوله: "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن"
أن السنة من أجل ذلك دخلها المنكر والموضوع، وما لا أصل له من الحديث، فضلا عن الضعيف والواهي وما لا يصلح للاحتجاج به، واختلط الحابل بالنابل، فلم يعد في الإمكان التمييز بين ما يصح وما لا يصح، وصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل للسنة كتابا يكتبونها كالقرآن، بل نهى عن كتابة غير القرآن في أول الأمر، لتتوفر الهمم على كتابة القرآن، لقلة الكاتبين، وقلة مواد الكتابة وتنوعها، وعسرها، وخشية اختلاط القرآن بغيره. ولكنه كتب أشياء مهمة لتبلغ عنه وتنفذ، مثل كتبه في الصدقات والديات وغيرها، وأذن لبعض الصحابة أن يكتبوا، مثل عبد الله بن عمرو وغيره. وحث على تبليغ الأحاديث لمن لم يسمعها بدقة وأمانة، وجاء في ذلك حديثه المستفيض، بل المتواتر عند بعض العلماء: "نضر الله امرءا سمع مقالتي، فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع"، وفي رواية: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"
ومن الثابت بيقين لدى الباحثين المتخصصين اليوم (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=2144&version=1&template_id=29&parent_id=1): (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=2144&version=1&template_id=29&parent_id=1)أن تدوين السنة لم يبدأ في رأس المائة الأولى للهجرة، كما قيل يوما، بل إن للتدوين أطورا بدأت منذ عصر النبوة، ونمت بعد ذلك في عصر الصحابة فمن بعدهم، كما دلت على ذلك الدراسات العلمية الموضوعية (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=2144&version=1&template_id=29&parent_id=1). - (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=2144&version=1&template_id=29&parent_id=1)إنتهى (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=2144&version=1&template_id=29&parent_id=1)
لقد أورد االشيخ محمود أبو رية – رحمه الله في كتابه (أضواء على السُنة المُحمدية) ص 6-7 عدة أمور منها
إقتباس: إن للحديث النبوي من جلال الشأن وعلو القدر ما يدعو إلى العناية الكاملة به، والبحث الدقيق عنه. لكن العُلماء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس، وتركوا أمره لمن وقفوا بعلمهم عندما يتصل بالسند فحسب، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيئ، وعلى أنهم قد بذلوا أقصى جهدهم في دراسة علم الحديث من حيث العناية بسنده فإنهم قد أهملوا جميعاً أمراً خطيراً، هو البحث عن حقيقة النص الصحيح لما تحدث به النبي – صلوات الله عليه. وقد حفزني حب عِرفان الحق أن أبحث عن أصل الحديث وروايته، وتاريخ حياته من المصادر الصحيحة، والأسانيد الوثيقة، وإنتهيت إلى نتائج خطيرة! ذلك أني وجدت أنه لا يكاد يوجد في كتب الحديث كُلها ما سموه صحيحاً، أو ما جعلوه حسناً - حديث- قد جاء على حقيقة لفظه ومُحكم تركيبه كما نطق به الرسول، ووجدت أن الصحيح منه على إصطلاحهم إن هو إلا معانٍ بما فهمه بعض الرواة!وقد يوجد بعض الفاظ مُفردة بقيت على حالتها في بعض الأحاديث القصيرة وذلك في الفلتة والنُدرة، وتبين لي أن ما يُسمونه في إصطلاحهم حديثاُ صحيحاُ، إنما كانت صحته في نظر رواته!، لا أنه صحيح في ذاته، وأن ما يُقال عنه "مُتفق عليه" ليس المُراد أنه مُتفق على صحته في الأمر، وإنما المُراد أن البُخاري ومُسلم قد إتفقا على إخراجه – وليس من شروط الحديث أن يكون مقطوعاً في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان والسهو على الثقه.** إنتهى
لماذا لم تُدون السُنة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم
يُجيب الدكنور الشيخ السباعي رحمه الله، على هذا السؤال
إقتباس: لا يختلف إثنان من كتاب السيرة وعُلماء السُنة وجماهير المسلمين في أن القرآن الكريم قد لقي من عناية الرسول (ص) والصحابة ما جعله محفوظاً في الصدور ومكتوباً في الرقاع والسعف والحجارة وغيرها، حتى إذا توفي رسول الله كان القرآن محفوظاً مُرتباً لا ينقصه إلا جمعه في مُصحف واحد
أما السُنة فم يكن شأنها كذلك، رغم أنها مصدر هام من مصدر التشريع في عهد الرسول.. ولا يختلف أحد في أنها لم تُدون تدويناً رسمياً كما دون القرآن، ولعل مرجع ذلك إلى أن الرسول (ص) عاش بين الصحابة ثلاثاً وعشرين سنه، فكان تدوين كلماته وأعماله ومُعاملاته تدويناً محفوظاً بالصحف والرقاع من العسر بمكان، لما يجتاح ذلك إلى تفرغ إناس كثيرين من الصحابة لهذا العمل الشاق، ومن المعلوم أن الكاتبين كانوا من القلة في حياة الرسول بحيث نُعدون على الأصابع، وما دام القرآن المصدر الأساسي الأول للتشريع، والمُعجزة الخالدة لرسول الله (ص) فليتوفر هؤلاء الكُتاب على كتابته دون غيره من السُنة، حتى يؤدوه لمن بعدهم مُحرراً مضبوطاً تاماً لم ينقص منه حرف
وشيئ آخر أن العرب لأميتهم كانوا يعتمدون على ذاكرتهم وحدها فيما يودون حفظه وإستظهاره، فالتوفر على حفظ القرآن مع نزوله مُنجماً على آيات وسور صغيرة، ميسور لهم وداعية إلى إستذكاره والأحتفاظ به في صدورهم، فلو دونت السُنة كما دون القرآن وهي واسعة كثيرة النواحي شاملة لأعمال الرسول التشريعية وأقواله منذ بدء رسالته إلى أن يلحق بربه، للزم إكبابهم على حفظ السُنة مع حفظ القرآن، وفيه من الحرج ما فيه، عدا خوف إختلاط بعض أقوال النبي الموجزة الحكيمة بالقرآن سهواً من غير عمد، وذلك خطر على كتاب الله يفتح باب الشك فيه لأعداء الإسلام، مما يتخذونه ثغرة ينفذون منها لى المُسلمين لحملهم على التحلل من أحكامه والتفلت من سُلطانه، كل ذلك وغيره – مما توسع العُلماء في بيانه – من أسرار عدم تدوين السُنة في عهد الرسول، وبهذا نفهم سر النهي عن كتابتها الوارد في صحيح مُسلم عن ألي سعيد الخدري عن رسول الله (ص) لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه- إنتهى. السُنة ومكانتها في التشريع ص رقم 77
يُجيب على نفس السؤال الشيخ محمود أبو رية في كتابه أضواء على السُنة المُحمدية، ص 18 فيقول:
إقتباس: كان رسول الله – صلوات الله عليه - كما قلنا مُبيناً ومُفسراً للقرآن بفعله، ولكن أقواله في هذا البيان أو في غيره لم تُحفط بالكتابة كما حُفظ القرآن، فقد تتضافرت الأدلة النقليه الوثيقة، وتواتر العمل الثابت الصحيح على أن أحاديث الرسول صلوات الله عليه لم تُكتب في عهده كما كان يُكتب القرآن ولا كان لها كتّاب يُقيدونها عند سماعها منه وتلفظه بها كما كان للقرآن كُتّاب معروفون يُقيدون ايآته عند نزولها، وقد جاءت أحاديث صحيحة وأثار ثابته تنهى كلها عن كتابة أحاديثه، صلى الله عليه وسلم، نجتزئ هنا بذكر منها
روى أحمد ومُسلم والدرامي، (الدرامي شيخ البُخاري) والترمذي والنسائي، عن أبي سعيد الخدري (إن صحَ) قال رسول الله: (لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه) وأخرج الدرامي عن أبي سعيد كذلك: إنهم إستئذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتبوا عنه فلم يأذن لهم. ورواية الترمذي عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: إستأذنا النبي (ص) في الكتابه فلم يأذن لنا (لهذا الحديث صيغ آخرى كلها تتفق في المعنى) ومن مراسيل إبن أبي ملكية أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تُحدثون عن رسول الله صلى، والناس الله عليه وسلم، أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد إختلافاً، فلا تُحدثواعن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فإستحلوا حلاله وحروا حرامه * تذكرة الحُفاظ الذهبي جزء 1
إن صَحَ - ما ورد في المنع من كتابة الحديث هو ما رواه أحمد في مُسنده ومُسلم في صحيحه وإبن عبد البر في كتاب العلم وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: (لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن فمن كتب غير القرآن فليمحه) وإن أصح ما ورد في الأذن، حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما مرفوعاً: (إكتبوا لأبي شاه) وهو لا يُعارض حديث أبي سعيد الخدري وما في معناه على قاعدتنا التي مدارها على أن نهيه – صلى الله عليه وسلم عن كتابة حديثه مُراد به ألا تتخذ دينا عاماً كالقرآن، وذلك أن ما أمر بكتابته لأبي شاه هو خُطبة خطبها (ص) يوم فتح مكة موضوعها تحريم ولقطة الحرم، وهذا في بيانه – صلى الله عليه وسلم للقرآن الذي صرح به يوم الفتح وصرح به في خُطبة الوداع وأمر بتبليغه - فهو خاص مُستثنى من النهي العام وقد صرح البُخاري في باب اللقطة من صحيحه بأن أبا شاه اليمني طلب أن تُكبت له الخُطبة المذكورة فأمر – صلى الله عليه وسلم بإجابة طلبه – إنتهى
جهود العُلماء لمقاومة حركة الوضع
كتب الشيخ السباعي – رحمه الله في الفصل الثالث من كتابه السُنة ومكانتها في التشريع: تحت عنوان: في جهود العُلماء لمقاومة حركة الوضع ص
108
إقتباس: لا يستطيع من يدرس موقف العُلماء – منذ عصر الصحابة إلى أن تم تدوين السُنة – من الوضع والوضاعين وجهودهم في سبيل السُنة وتمييز صحيحها من فاسدها، إلا أن يحكم بأن الجهد الذي بذلوه في ذلك لا مزيد عليه، وأن الطرق التي سلكوها هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، حتى لنستطيع أن نجزم بأن عُلمائنا رحمهم الله، هم أول من وضع قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض كلها، وأن جهدهم في ذلك جهد تُفاخر به الأجيال وتتيه به على الأمم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. إنتهى
للأنصاف، أشهد للعُلماء.. بأن هذا الجهد الذي بُذل كان مضيعة للوقت الثمين ولم يوجه إلى الوجهة التي تستحق هذا الجهد، وهي تدبر كتاب الله تعالى الذي أُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير، وأشهد بأن الطرق التي سلكوها هي أبعد ما تكون عن الطرق العلمية للنقد والتمحيص بعدما تم الإستغناء عن كتاب الله تعالى!! الذي حوله أصحابه إلى أشرطة تتُلى في ألافراح والأتراح.. واستبدلوه بكتب الحديث والرويات التي تطفح بالإسرائيليات وكتب الناسخ والمنسوخ. إن السؤال الأول المُلح الذي يطرح نفسه بشده، لماذا تم إستبعاد كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه للحكم على صدق الحديث أو كذبه؟ هل الأهتمام بدراسة أحوال الرواة، ومعرفة سنوات ولادتهم، وسنوات وفياتهم، وأسماء شيوخهم وتلاميذهم، ورحلاتهم، ودرجات ضبطهم لمروياتهم أدق وأصدق من كتاب الله تعالى؟؟
لربما خفي على البعض ولم يخفى على البعض الآخر، من أن عُلماء السُنة هم الذين كتبوا تاريخ المسلمين لأنفسهم حين كانت السُلطة الشرعية بيدهم، وما زالوا.. والذي يكتب التاريخ بنفسه ولنفسه لا يمكن إلا أن يكونوا متحيزاً، والدكتور الشيخ السباعي رحمه الله، لم يشذ عن هذه القاعدة، فسنة أربعين من الهجرة لم تكن هي الحد الفاصل بين صفاء السُنة وخلوصها من الكذب والوضع، وبين التزيد فيها وإتخاذها وسيلة لخدمة الأغراض السياسية والأنقسامات الداخليه.. لقد إستمر الوضع، وإشتدت شوكة الكذابين المُفترين (الوضاعين كما يصفهم أهل السُنة والجماعة للتلطيف..) وبواعزٍ من الولاة طيلة العهد العباسي، والأهم من ذلك كله إعتراف الشيخ السباعي رحمه الله، والشيخ الخطيب، والشيخ يوسف القرضاوي، بأن السُنة لم تدون في عهد الرسول (ص) والأسباب التي وردت في هذه الكتب القيمة.. لم ولن تغير من حقيقة الأمر شيئ.. ويبقى هذا السؤال المُحير للمُحدثين والعُلماء الأفاضل للإجابة عليه: لماذا ضُرب بعرض الحائط بحديث رسول الله (ص) إن صَححَ عنه، الذي رواه مُسلم في صحيحه: لا تكتبوا عني، من كتب عني غير القرآن فليمحه؟ والله سُبحانه وتعالى يقول:
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا - الأحزاب66
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ - الحشر7
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ - محمد33
مروان محمد عبدالهادي
بسم الله الرحمن الرحيم
يتكئ أصحاب الفهم المغلوط للسُنة النبوية على ما يُسمى بالحديث النبوي الشريف الظني، والمُمتلئ بالإسرائليات، والطم والرم، والغث والسمين، والصحيح القليل، والموضوع الكثير، ولن نُعيد.. كمصدر للدين والعلم.. حتى وقع السواد الأعظم من المسلمين في المحظور، وأوقع العُلماء الأفاضل انفسهم في الحرام. لقد قيد (البعض) ايآت التنزيل الحكيم بتأويلات وتفسيرات بشرية من خارج النص، بأحاديث خبيثة وخشبية، دُست ونُسبت للرسول الكريم (ص) حتى باتت هذه الأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) “تلموذا” سُنة مُبتدعة ودين جديد للمسلمين، وسيفاً مُسلطاً على رقابهم، حولتهم من موحدين بالله الواحد الأحد إلى مُشركين، كما كانوا في جاهليتهم الأولى وهم لا يشعرون.. فصار الرسول (ص) البشر المخلوق، شريكاً يُشرع مع خالقه! وينسخ تشريعاته وأحكامه.. ويُحرم الحلال الذي أحله الله سُبحانه وتعالى، لجهلهم أو تجاهلهم بأن تحريم الحرام هو من إختصاص الله تعالى حصراً، وأن الحرام شمولي وأبدي، لقوله سُبحانه وتعالى في كتابه العزيز
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ - الأنعام 151
قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ -الأنعام145
وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ - الأنعام119
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَـذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ -الأنعام150
إن المُحرمات الأساسية في التنزيل الحكيم لا تتجاوز (13) مُحرماً تسع منها في سورة الأنعام (الأيآت 151 – 152 – 153) مُضافاً إليها محارم النكاح وربا الصدقات والأطعمة المُحرمة، وأن الأصل في الأشياء الحِلية، وأن الحرام هو الأستثناء. سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ النحل1
للأسف الشديد، إن المسلمين وبعد أن هجروا كتاب الله تعالى، مستعدون للدفاع بدمائهم وأنفسهم عن هذه السُنة المُبتدعة، المُغلفة بالأحاديث التي تُعارض كتاب الله تعالى تارة، وتُسقط العقل والعلم، والتاريخ والمكان والزمان تارة آخرى، لإيمانهم العاطفي وتعلقهم بها منذ نعومة أظفارهم، وإعتقادهم بأنها أحاديث صحيحة لا تشوبها شائبة.. دون أن يكون لهم القدرة على نقدها وإن كانت مكذوبة على رسول الله (ص) ويرفضون ويُحاربون كل من يُحاول كشفها لهم بشتى الوسائل، حيناً بتوجيه تهم باطلة جاهزة ومُُعلبة، وحيناً آخر بالتكفير والقمع والأعتداء، وفي كثير من الأحيان ببذآءة اللسان.. حتى أصبحت تقليداً مُتبعاً عند الذين نصبوا أنفسهم وكلاء حصرييين عن الله سُبحانه وتعالى، بأسم الدفاع عن السُنة النبوية والأحاديث الأموية.. لأن الكشف عن حقيقة هذه الأحاديث ستكشف سذاجتهم بدينهم، وغفلتهم عنه لأكثر من الف وأربعمائة من السنين
حتى لا أُتهم بالكذب والإقتراء أو بأنني أهرف بما لا أعرف، فسوف أستشهد بما كتبه بعض عُلماء السُنة.. ومنهم الدكتور الشيخ مُصطفى السباعي، أحد العلماء البارزين والدعاة المشهورين والمصلحين المعدودين على أهل السُنة، رحمه الله في كتابه: السُنة ومكانتها في التشريع، طُبع في دار الوراق/ المكتب الإسلامي عام2000دفاعاً عن المفهوم الفقهي للسُنة النبوية تحت عنوان: كيف نشأ الوضع؟ ومتى؟ وأين؟ وبما كتبه أيضاً الدكتور الشيخ محمد عجاج الخطيب، وكيل كلية الشريع بجامعة دمشق ورئيس قسم علوم الحديث والسُنة في كتابه (السُنة قبل التدوين) ومُقتطفات من كتابات الشيخ يوسف القرضاوي، لنلقي الضوء بعد ذلك على ما أورده الشيخ محمود أبو رية، في كتابه أضواء على السُنة المُحمدية
إقتباس: كتب الشيخ السباعي – رحمه الله: كانت سنة أربعين من الهجرة هي الحد الفاصل بين صفاء السُنة وخلوصها من الكذب والوضع.. وبين التزيد فيها وإتخاذها وسيلة لخدمة الأغراض السياسية والأنقسامات الداخليه، بعد أن أتخذ الخلاف بين معاوية شكلاً حربياً سالت به دماء وأزهقت منه أرواح، وبعد أن إنقسم المسلمون إلى طوائف مُتعددة. فلقد حاول كلُ حزب أن يؤيد موقفه بالقرآن وبالسُنة، وطبيعى أن لا يكونا مع كل حزب يؤيدانه في كل ما يدعي، فعمل بعض الأحزاب على أن يتأولوا القرآن على غير حقيقته، وأن يُحمَلوا نصوص السُنة ما لا تحتمله، وأن يضع بعضهم على لسان الرسول أحاديث تؤيد دعواهم، بعد أن عزَ عليهم مثل ذلك في القرآن لحفظه وتوفر المسلمين على روايته وتلاوته، ومن هنا كان وضع الحديث وإختلاط الصحيح منه بالموضوع. وأول معنى طّرّقه الوضاع في الحديث هو فضائل الأشخاص، فقد وضعوا الأحاديث الكثيرة في فضل أئمتهم ورؤساء أحزابهم، ويُقال: أن أول من فعل ذلك الشيعة على إختلاف طوائفهم، كما قال إبن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" – أعلم أن أصل الكذب في أحاديث الفضائل جاء من جهة الشيعة...الخ، وقد قابلهم جهلة أهل السُنة بالوضع أيضاً.. ** إنتهى – السُنة ومكانتها في التشريع ص 93-94
وكتب الدكتور الشيخ محمد عجاج الخطيب تحت عنوان إبتداء الوضع وأسبابه قائلاً:
إقتباس: بقي الحديث النبوي صافياً لا يعتريه الكذب ولا يتناوله التحريف والتلفيق طوال إجتماع كلمة الأمة على الخلفاء ألأربعة الراشدين، قبل أن تنقسم إلى شيع وأحزاب، وقبل أن يندس في صفوفها أهل المصالح وألأهواء – إنتهى.السُنة قبل التدوين ص187
ونقبتس من نفس المصدر ص 188 ما كتبه الشيخ محمد عجاج الخطيب
وهكذا نشأت الأحزاب والفرق التي إتخذت شكلاً دينياً له أبلغ الأثر في قيام المذاهب الدينية في الإسلام. وقد حاول كل حزب أن يدعم ما يدعي بالقرآن والسُنة، ومن البديهي أن لا يجد كل حزب ما يؤيد دعواه في نصوص القرآن والسُنة الشريفة، فتأول بعضهم القرآن وفسروا بعض نصوص الحديث بما لا تحتمله، إلا أن هذا لم يُحقق ما يرمون إليه ولم يجد بعضهم إلى تحريف القرآن أو تأويله سبيلاً، لكثرة حُفاظه، فتناولوا السُنة بالتحريف وزادوا عليها، ووضعوا على رسول الله ما لم يقل ونشطت حركة الوضع مع الزمن، حتى إختلط الحديث الصحيح بالموضوع، وظهرت أحاديث موضوعة في فضائل الخُلفاء الأربعة وغيرهم من رؤساء الفرق الدينية، وكانت الأحاديث الموضوعة تولد مع ظهور الفرق – إنتهى
ومن نفس المصدر ص 189 يُتابع الدكتورالشيخ محمد عجاج الخطيب قائلاً: ولم يقتصر الوضع على فضائل الأشخاص، ودعم الآراء والأفكار العقائدية والمذاهب السياسية، بل تعداها إلى مُختلف أبواب الحديث، وكادت الأحاديث الموضوعة تتناول جميع جوانب الحياة الخاصة والعامة، فوضعت أحاديث في الفضائل والمثالب، وأحاديث في مناقب البُلدان والأيام، وآخرى في العبادات المُختلفه وفي المُعاملات والأطعمة والأدب والزهد، والذكر والدعاء، وفي الطب والمرض والفتن والمواريث وغيرها - إنتهى
كنب الدكتور يوسف القرضاوي على صفحات موقعه الآتي
إفتباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للقرآن كتابا يكتبونه منذ نزل به جبريل عرفوا باسم "كتاب الوحي"، ولم يجعل ذلك للسنة، بل صح عنه قوله: "لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن"
أن السنة من أجل ذلك دخلها المنكر والموضوع، وما لا أصل له من الحديث، فضلا عن الضعيف والواهي وما لا يصلح للاحتجاج به، واختلط الحابل بالنابل، فلم يعد في الإمكان التمييز بين ما يصح وما لا يصح، وصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل للسنة كتابا يكتبونها كالقرآن، بل نهى عن كتابة غير القرآن في أول الأمر، لتتوفر الهمم على كتابة القرآن، لقلة الكاتبين، وقلة مواد الكتابة وتنوعها، وعسرها، وخشية اختلاط القرآن بغيره. ولكنه كتب أشياء مهمة لتبلغ عنه وتنفذ، مثل كتبه في الصدقات والديات وغيرها، وأذن لبعض الصحابة أن يكتبوا، مثل عبد الله بن عمرو وغيره. وحث على تبليغ الأحاديث لمن لم يسمعها بدقة وأمانة، وجاء في ذلك حديثه المستفيض، بل المتواتر عند بعض العلماء: "نضر الله امرءا سمع مقالتي، فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع"، وفي رواية: "فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"
ومن الثابت بيقين لدى الباحثين المتخصصين اليوم (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=2144&version=1&template_id=29&parent_id=1): (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=2144&version=1&template_id=29&parent_id=1)أن تدوين السنة لم يبدأ في رأس المائة الأولى للهجرة، كما قيل يوما، بل إن للتدوين أطورا بدأت منذ عصر النبوة، ونمت بعد ذلك في عصر الصحابة فمن بعدهم، كما دلت على ذلك الدراسات العلمية الموضوعية (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=2144&version=1&template_id=29&parent_id=1). - (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=2144&version=1&template_id=29&parent_id=1)إنتهى (http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=2144&version=1&template_id=29&parent_id=1)
لقد أورد االشيخ محمود أبو رية – رحمه الله في كتابه (أضواء على السُنة المُحمدية) ص 6-7 عدة أمور منها
إقتباس: إن للحديث النبوي من جلال الشأن وعلو القدر ما يدعو إلى العناية الكاملة به، والبحث الدقيق عنه. لكن العُلماء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس، وتركوا أمره لمن وقفوا بعلمهم عندما يتصل بالسند فحسب، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيئ، وعلى أنهم قد بذلوا أقصى جهدهم في دراسة علم الحديث من حيث العناية بسنده فإنهم قد أهملوا جميعاً أمراً خطيراً، هو البحث عن حقيقة النص الصحيح لما تحدث به النبي – صلوات الله عليه. وقد حفزني حب عِرفان الحق أن أبحث عن أصل الحديث وروايته، وتاريخ حياته من المصادر الصحيحة، والأسانيد الوثيقة، وإنتهيت إلى نتائج خطيرة! ذلك أني وجدت أنه لا يكاد يوجد في كتب الحديث كُلها ما سموه صحيحاً، أو ما جعلوه حسناً - حديث- قد جاء على حقيقة لفظه ومُحكم تركيبه كما نطق به الرسول، ووجدت أن الصحيح منه على إصطلاحهم إن هو إلا معانٍ بما فهمه بعض الرواة!وقد يوجد بعض الفاظ مُفردة بقيت على حالتها في بعض الأحاديث القصيرة وذلك في الفلتة والنُدرة، وتبين لي أن ما يُسمونه في إصطلاحهم حديثاُ صحيحاُ، إنما كانت صحته في نظر رواته!، لا أنه صحيح في ذاته، وأن ما يُقال عنه "مُتفق عليه" ليس المُراد أنه مُتفق على صحته في الأمر، وإنما المُراد أن البُخاري ومُسلم قد إتفقا على إخراجه – وليس من شروط الحديث أن يكون مقطوعاً في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان والسهو على الثقه.** إنتهى
لماذا لم تُدون السُنة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم
يُجيب الدكنور الشيخ السباعي رحمه الله، على هذا السؤال
إقتباس: لا يختلف إثنان من كتاب السيرة وعُلماء السُنة وجماهير المسلمين في أن القرآن الكريم قد لقي من عناية الرسول (ص) والصحابة ما جعله محفوظاً في الصدور ومكتوباً في الرقاع والسعف والحجارة وغيرها، حتى إذا توفي رسول الله كان القرآن محفوظاً مُرتباً لا ينقصه إلا جمعه في مُصحف واحد
أما السُنة فم يكن شأنها كذلك، رغم أنها مصدر هام من مصدر التشريع في عهد الرسول.. ولا يختلف أحد في أنها لم تُدون تدويناً رسمياً كما دون القرآن، ولعل مرجع ذلك إلى أن الرسول (ص) عاش بين الصحابة ثلاثاً وعشرين سنه، فكان تدوين كلماته وأعماله ومُعاملاته تدويناً محفوظاً بالصحف والرقاع من العسر بمكان، لما يجتاح ذلك إلى تفرغ إناس كثيرين من الصحابة لهذا العمل الشاق، ومن المعلوم أن الكاتبين كانوا من القلة في حياة الرسول بحيث نُعدون على الأصابع، وما دام القرآن المصدر الأساسي الأول للتشريع، والمُعجزة الخالدة لرسول الله (ص) فليتوفر هؤلاء الكُتاب على كتابته دون غيره من السُنة، حتى يؤدوه لمن بعدهم مُحرراً مضبوطاً تاماً لم ينقص منه حرف
وشيئ آخر أن العرب لأميتهم كانوا يعتمدون على ذاكرتهم وحدها فيما يودون حفظه وإستظهاره، فالتوفر على حفظ القرآن مع نزوله مُنجماً على آيات وسور صغيرة، ميسور لهم وداعية إلى إستذكاره والأحتفاظ به في صدورهم، فلو دونت السُنة كما دون القرآن وهي واسعة كثيرة النواحي شاملة لأعمال الرسول التشريعية وأقواله منذ بدء رسالته إلى أن يلحق بربه، للزم إكبابهم على حفظ السُنة مع حفظ القرآن، وفيه من الحرج ما فيه، عدا خوف إختلاط بعض أقوال النبي الموجزة الحكيمة بالقرآن سهواً من غير عمد، وذلك خطر على كتاب الله يفتح باب الشك فيه لأعداء الإسلام، مما يتخذونه ثغرة ينفذون منها لى المُسلمين لحملهم على التحلل من أحكامه والتفلت من سُلطانه، كل ذلك وغيره – مما توسع العُلماء في بيانه – من أسرار عدم تدوين السُنة في عهد الرسول، وبهذا نفهم سر النهي عن كتابتها الوارد في صحيح مُسلم عن ألي سعيد الخدري عن رسول الله (ص) لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه- إنتهى. السُنة ومكانتها في التشريع ص رقم 77
يُجيب على نفس السؤال الشيخ محمود أبو رية في كتابه أضواء على السُنة المُحمدية، ص 18 فيقول:
إقتباس: كان رسول الله – صلوات الله عليه - كما قلنا مُبيناً ومُفسراً للقرآن بفعله، ولكن أقواله في هذا البيان أو في غيره لم تُحفط بالكتابة كما حُفظ القرآن، فقد تتضافرت الأدلة النقليه الوثيقة، وتواتر العمل الثابت الصحيح على أن أحاديث الرسول صلوات الله عليه لم تُكتب في عهده كما كان يُكتب القرآن ولا كان لها كتّاب يُقيدونها عند سماعها منه وتلفظه بها كما كان للقرآن كُتّاب معروفون يُقيدون ايآته عند نزولها، وقد جاءت أحاديث صحيحة وأثار ثابته تنهى كلها عن كتابة أحاديثه، صلى الله عليه وسلم، نجتزئ هنا بذكر منها
روى أحمد ومُسلم والدرامي، (الدرامي شيخ البُخاري) والترمذي والنسائي، عن أبي سعيد الخدري (إن صحَ) قال رسول الله: (لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه) وأخرج الدرامي عن أبي سعيد كذلك: إنهم إستئذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتبوا عنه فلم يأذن لهم. ورواية الترمذي عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: إستأذنا النبي (ص) في الكتابه فلم يأذن لنا (لهذا الحديث صيغ آخرى كلها تتفق في المعنى) ومن مراسيل إبن أبي ملكية أن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: إنكم تُحدثون عن رسول الله صلى، والناس الله عليه وسلم، أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد إختلافاً، فلا تُحدثواعن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فإستحلوا حلاله وحروا حرامه * تذكرة الحُفاظ الذهبي جزء 1
إن صَحَ - ما ورد في المنع من كتابة الحديث هو ما رواه أحمد في مُسنده ومُسلم في صحيحه وإبن عبد البر في كتاب العلم وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: (لا تكتبوا عني شيئاً إلا القرآن فمن كتب غير القرآن فليمحه) وإن أصح ما ورد في الأذن، حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما مرفوعاً: (إكتبوا لأبي شاه) وهو لا يُعارض حديث أبي سعيد الخدري وما في معناه على قاعدتنا التي مدارها على أن نهيه – صلى الله عليه وسلم عن كتابة حديثه مُراد به ألا تتخذ دينا عاماً كالقرآن، وذلك أن ما أمر بكتابته لأبي شاه هو خُطبة خطبها (ص) يوم فتح مكة موضوعها تحريم ولقطة الحرم، وهذا في بيانه – صلى الله عليه وسلم للقرآن الذي صرح به يوم الفتح وصرح به في خُطبة الوداع وأمر بتبليغه - فهو خاص مُستثنى من النهي العام وقد صرح البُخاري في باب اللقطة من صحيحه بأن أبا شاه اليمني طلب أن تُكبت له الخُطبة المذكورة فأمر – صلى الله عليه وسلم بإجابة طلبه – إنتهى
جهود العُلماء لمقاومة حركة الوضع
كتب الشيخ السباعي – رحمه الله في الفصل الثالث من كتابه السُنة ومكانتها في التشريع: تحت عنوان: في جهود العُلماء لمقاومة حركة الوضع ص
108
إقتباس: لا يستطيع من يدرس موقف العُلماء – منذ عصر الصحابة إلى أن تم تدوين السُنة – من الوضع والوضاعين وجهودهم في سبيل السُنة وتمييز صحيحها من فاسدها، إلا أن يحكم بأن الجهد الذي بذلوه في ذلك لا مزيد عليه، وأن الطرق التي سلكوها هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، حتى لنستطيع أن نجزم بأن عُلمائنا رحمهم الله، هم أول من وضع قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض كلها، وأن جهدهم في ذلك جهد تُفاخر به الأجيال وتتيه به على الأمم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. إنتهى
للأنصاف، أشهد للعُلماء.. بأن هذا الجهد الذي بُذل كان مضيعة للوقت الثمين ولم يوجه إلى الوجهة التي تستحق هذا الجهد، وهي تدبر كتاب الله تعالى الذي أُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير، وأشهد بأن الطرق التي سلكوها هي أبعد ما تكون عن الطرق العلمية للنقد والتمحيص بعدما تم الإستغناء عن كتاب الله تعالى!! الذي حوله أصحابه إلى أشرطة تتُلى في ألافراح والأتراح.. واستبدلوه بكتب الحديث والرويات التي تطفح بالإسرائيليات وكتب الناسخ والمنسوخ. إن السؤال الأول المُلح الذي يطرح نفسه بشده، لماذا تم إستبعاد كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه للحكم على صدق الحديث أو كذبه؟ هل الأهتمام بدراسة أحوال الرواة، ومعرفة سنوات ولادتهم، وسنوات وفياتهم، وأسماء شيوخهم وتلاميذهم، ورحلاتهم، ودرجات ضبطهم لمروياتهم أدق وأصدق من كتاب الله تعالى؟؟
لربما خفي على البعض ولم يخفى على البعض الآخر، من أن عُلماء السُنة هم الذين كتبوا تاريخ المسلمين لأنفسهم حين كانت السُلطة الشرعية بيدهم، وما زالوا.. والذي يكتب التاريخ بنفسه ولنفسه لا يمكن إلا أن يكونوا متحيزاً، والدكتور الشيخ السباعي رحمه الله، لم يشذ عن هذه القاعدة، فسنة أربعين من الهجرة لم تكن هي الحد الفاصل بين صفاء السُنة وخلوصها من الكذب والوضع، وبين التزيد فيها وإتخاذها وسيلة لخدمة الأغراض السياسية والأنقسامات الداخليه.. لقد إستمر الوضع، وإشتدت شوكة الكذابين المُفترين (الوضاعين كما يصفهم أهل السُنة والجماعة للتلطيف..) وبواعزٍ من الولاة طيلة العهد العباسي، والأهم من ذلك كله إعتراف الشيخ السباعي رحمه الله، والشيخ الخطيب، والشيخ يوسف القرضاوي، بأن السُنة لم تدون في عهد الرسول (ص) والأسباب التي وردت في هذه الكتب القيمة.. لم ولن تغير من حقيقة الأمر شيئ.. ويبقى هذا السؤال المُحير للمُحدثين والعُلماء الأفاضل للإجابة عليه: لماذا ضُرب بعرض الحائط بحديث رسول الله (ص) إن صَححَ عنه، الذي رواه مُسلم في صحيحه: لا تكتبوا عني، من كتب عني غير القرآن فليمحه؟ والله سُبحانه وتعالى يقول:
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا - الأحزاب66
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ - الحشر7
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ - محمد33