المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة دفاع العلمانيين عن إمارة المؤمنين و المذهب المالكي والتصوف



جـواد
10-05-2008, 06:30 PM
حقيقة دفاع العلمانيين عن إمارة المؤمنين و البيعة و المذهب المالكي و التصوف
بقلم:ابراهيم الطالب


لم يعد يخفى على أحد المنهج الحربائي المتسم بالنفاق و المكر الذي أصبح يسلكه العلمانيون بعد انهيار كل أطروحاتهم في محاربة الدين في المغرب، و الانقلاب على مؤسسة إمارة المؤمنين بالسلاح بعد الخروج عليها بالأقلام و الألسن.
فبعدما باءت كل محاولاتهم التصادمية بالفشل، و انتهجوا سبيل الركوب على مقومات الهوية و الدين و الإجهاز عليها في صورة بشعة من الخديعة و الغش، إخلاصا منهم لمبدأ " الغاية تبرر الوسيلة"، ففي الوقت الذي يتطاولون فيه على الدين و يروجون لكل انحراف عقدي و شذوذ سلوكي و هذيان فكري عبر كل منابرهم، تراهم يقومون مقام الناصح الأمين رافعين شعار المصلحين، مدعين الذود عن الثوابت الدينية و الوطنية للمغاربة ، متظاهرين بالخوف على ماضي المغرب و حاضره ومستقبله من أن تمسه أيدي الوهابيين و الأصوليين، الذين هم في نظرهم: كل من يأبى فصل الدين عن الدولة، سواء شارك في اللعبة السياسية أم لا، و كل من يطالب بتفعيل دور العلماء على جميع المستويات دون استثناء، و هذا واضح من تصنيف كاتب جريدة "الأحداث" لكل من جريدة السبيل و التجديد و المحجة في خانة المنابر التي تروج للأصولية و التطرف، حيث صرح بذلك في معرض أمره لوزير الأوقاف بالإصغاء لمتطلبات إصلاح الاختلالات التي عرفتها إعادة هيكلة الحقل الديني،و اعتبر أن أولها حصل في"بنية تأطيرها التي تتكون من مجالس علمية محلية و فرعية، و إذاعة و قناة محمد السادس، و تلفاز المسجد، التي تسوق في الجملة خطابا لا يرقى إلى الطموح المنشود، بل و يسقط في أحايين كثيرة في الترويج لفكر التطرف، لدرجة لا نلمس الفرق بين خطاب هذه البنية و خطاب آخر تروجه منابر من قبيل " التجديد"و"المحجة" و"السبيل".. (1)

فما حقيقة دفاع العلمانيين عن إمارة المؤمنين و البيعة و المذهب المالكي و التصوف؟
و هل أصبحت إمارة المؤمنين ذريعة للتيارات العلمانية لبسط هيمنتها على الحقل الديني؟
و لمذا يطالبون بإقصاء أتباع التيارات الإسلامية من الحقل الديني؟

العلمانيون و الدفاع عن إمارة المؤمنين

لا يكاد يخلو مقال للكاتب - الذي أناطت به جريدة الأحداث مهمة مراقبة الحقل الديني و الضغط على وزير الأوقاف حتى يشتغل على عناوين علمانية في عملية تدبير الشأن الديني-، من التمسح بإمارة المؤمنين متباكيا عليها مظهرا للقراء أن قناعات المؤسسة الملكية و سياسة العهد الجديد في حكم البلاد تصدر من مرجعة علمانية صرفة، حيث نراه يصرح في تلبيس مكشوف: "... نعتقد أن المسؤولية السياسية لوزير الأوقاف في تدبير الشأن الديني و التي تمتد نظريا على الأقل، إلى المجالس العلمية و رابطة العلماء،ينبغي أن ترعى هذه المراجعة، تمس بوظيفة إمارة المؤمنين، الإطار الجامع لمشروعية الدولة الدينية..". (2)

فهل يريد الكاتب ومن وراءه إيهام القراء أنهم مع قيام الدولة الدينية التي يعتبرها كل العلمانيين تتناقض مع أسس الديمقراطية بالمفهوم الغربي الذي يركن الدين بعيدا عن مجالات الحياة؟
أم أن الأمر كما قلنا هو مجرد ركوب على إمارة المؤمنين من أجل الإجهاز عليها في وقت لاحق، عندما تنضج الظروف في المغرب و تسمح بإعلان نظام علماني شامل، كما وقع للخلافة العثمانية في تركيا؟ و هذا عين ما ينظر له محمد عابد الجابري عندما يدعو إلى نظريته في تبيئة التربة و المناخ في المغرب حتى يقبل بالعلمانية نظاما للحكم.
ألم يرفع العلمانيون سنة 1996 إلى الملك الحسن الثاني مذكرة يطالبون فيها بإعادة توازن السلطات بين الملكية و البرلمان حتى ننتقل من نظام يحكم فيه الملك و يسود إلى نظام شبه جمهوري تحكم فيه الأحزاب العلمانية في المغرب ، تتمكن في ظله من فرض علمانيتها على المغاربة؟
إن العلمانيين يعلمون أن إمارة المؤمنين و البيعة هي مصطلحات لا تنتمي إلى القاموس العلماني، بل هي مفاهيم إسلامية تنظم علاقة تربط بين مؤمنين موحدين ، تفرض عليهم السمع و الطاعة في المنشط و المكره مع النصيحة، و إنكار المنكر و الأمر بالمعروف عند الزلل و الشطط وفق الضوابط الشرعية، و بين ولي للأمر أوجب الله عليه العمل بما يحبه الله و يرضاه و بما لا يخالف دينه وشريعته.
فكما يستحيل أن يكون هناك رئيس بلا شعب، فكذلك لا يتصور وجود للبيعة و لا لأمير المؤمنين دون وجود مواطنين مؤمنين بالله الذي أوجب عليهم بيعته.
اذا فتباكي العلمانيين على البيعة و إمارة المؤمنين مع إصرارهم على علمنة الحكم في المغرب ، ما هو إلا مناورة تقتضيها صعوبة الإجهاز عليها، الشيء الذي يدفع العلمانيين إلى محاولة اختراقها، و هذا واضح من اقتراح كاتب الأحداث "اللماغي" إقحام بعض العلمانيين ضمن بنية تأطير الحقل الديني بوصفهم أصوات مستنيرة حيث قال:" بنية هذا التأطير، مازالت تناصب العداء للأصوات الإصلاح بمختلف مشارب مواطنتها، مازال هناك سعي لتبقى إمارة المؤمنين غطاء للأصولية... انه من غير المفهوم عجز هذه البنية عن استيعاب أصوات من قبيل الدكتور إدريس حمادي، ويوسف احنانة، و سعيد لكحل، و حسين الإدريسي... و أصوات مستنيرة أخرى؟"(2).
فكاتب المقال "اللماغي" يحرص على محاصرة وزير الأوقاف و إجباره على تمكين العلمانيين من هذا التأطير ، تماما كما فعل المرابط الاشتراكي مع الوزير السابق المدغري، و الذي سبق أن اخترق تأطير الحقل الديني، مما يجعل الظن راجحا أن اللماغي ما هو إلا المرابط نفسه الذي كان يحاصر المدغري من خلال جريدة الأحداث نفسها و في الركن نفسه "على مسؤوليتي"، و بالمنهج نفسه "الركوب على إمارة المؤمنين و البيعة و المذهب"، مما يجعل التساؤل يكبر حول مصير الحقل الديني الذي أصبح يتلون بألوان العلمانية يوما بعد يوم، و يبتعد عن حقيقة وجوهر الدين الإسلامي ساعة بعد ساعة بفعل اختراقاتها له.

العلمانيون و المذهب المالكي و التصوف
لا يبالي العلمانيون بالتناقض الذي يعتري تحليلاتهم أو تصريحاتهم، و مخالفة أسس العلمانية التي يدينون بها ما دامت المرحلة تقتضي التناقض و المخالفة خصوصا و أنهم متأكدون من هيمنتهم على الصحف و الإذاعات و التلفازات التي يمكن أن تفضح مخططاتهم.
و يتجلى هذا التناقض و المخالفة للأسس العلمانية في كون هذه الأخيرة لا تعترف بالدين حقا من الحقوق الفردية فقط، ما لم يتعارض هذا الحق مع علمانية الدولة (كما وقع في فرنسا و تركيا العلمانيتين في قضية الحجاب)، الشيء الذي يجعلنا نخلص إلى طرح التساؤل حول حقيقة دفاع العلمانيين عن المذهب المالكي و التصوف.
فما هي الحقيقة؟
معلوم أن المذهب المالكي في المغرب كان مصدرا للتشريع و القضاء وكان يحكم تصرفات المغربة في البيع و الشراء، و كان مرجعهم في الحلال و الحرام، بينما كان العرف المتفرع عنه يضبط المجال الاجتماعي، أي باختصار كان المذهب هو المؤطر لحياة المغاربة، و بعد عقود من الاحتلال و ما استصحبه معه من علمانية مكن لها في كل دواليب الإدارة، و بعد التخلي عن المذهب المالكي بعد الاستقلال على كل المستويات إلا ما تبقى من سدل في الصلاة وبعض من أحكام الزواج، أيقن العلمانيون أن الدفاع عن المذهب لا يشكل خطرا عليهم ما دام لا أثر له في الواقع، فأصبحوا يستخدمونه كورقة سياسية للضغط على الدولة كي تحارب الملتزمين بالسنة بدعوى أنهم وهابيون خارجون عن المذهب ، و كأن العلمانية هي قول مالك و ابن القاسم و سحنون.
من هذا يتبين أن الدفاع عن المذهب المالكي من طرف العلمانيين هو آلية من آليات الدفاع عن العلمانية لا غير.
أما دفاعهم عن التصوف فلكونه إلى جانب الخرافات و البدع و إلغاء دور العقل و البعد عن صفاء المنهج ، أصبح في الزمن الحاضر يروج للأسس العلمانية من تسامح مع اليهود المغتصبين، و الأمريكيين المحتلين، الشيء الذي يخدم مصلحة العلمانيين و مشروعهم، و هذا ما جعل "بيرنارد لويس" – و هو من أكبر أعداء الإسلام- يدعو حكومة بلاده إلى العمل على دعم التصوف و الزوايا في البلدان الإسلامية، و ذلك في المؤتمر الذي عقد في مركز (نيكسون) في أمريكا في الرابع و العشرين من أكتوبر عام 2003 م تحت عنوان(فهم الصوفية و الدور الذي ستلعبه في رسم السياسة الأمريكية) و قد أعلن المنظمون لهذا المؤتمر أن الهدف منه هو تقديم (الإسلام الوسطي) أو (الإسلام الثقافي) لصانعي القرار و الأكاديميين في أمريكا.
و بهذا يتبين لنا لمذا يدافع العلمانيون عن إمارة المؤمنين و عن المذهب المالكي و التصوف، و منه نعلم الحقيقة المضمرة وراء كلمات اللماغي أو المرابط التالية:
"إن الأفق الإصلاحي لسيدي محمد بن الحسن، روح القدس معه، يستوجب في الحقل الديني، خلق جبهة عريضة من متنورين و زوايا و مثقفين و إعلاميين.."

*******
(1) (4) (3) (2)الأحداث 6 فبراير 2008 عدد 3286.