مشاهدة النسخة كاملة : معجزة علمية جديدة - القرآنالكريم و المخ البشري وتسجيل (تيار النية)
aladdinosman
04-20-2005, 02:49 AM
معجزة علمية جديدة - القرآن الكريم و المخ البشري وتسجيل (تيار النية)
--------------------------------------------------------------------------
الرابط
http://www.hala.cc/bb/viewforum.php?f=1&bb=aladdinosman
Takhinen
05-07-2005, 10:10 PM
الرابط الموضوع اعلاه لا يعمل
ATmaCA
05-08-2005, 09:42 AM
نعم الرابط لايعمل اخى علاء بارك الله فيك . .
aladdinosman
05-08-2005, 11:16 AM
مع الشكر والتقدير لكل الاخوة
وللاسف الرابط لا يعمل الان لعيب فى الموقع الاصلى الذى يستضيفنى
وارجوا ان يحل هذا قريبا
ومؤقتا يمكننى ان ارد هنا على ماتشائون
مع خالص تقديرى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
aladdinosman
05-08-2005, 05:18 PM
معجزة علمية -القرآن و المخ البشري وتسجيل (تيار النية)
بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن و التركيب التشريحي والوظيفي للمخ البشري
تأليف دكتور / محسين رضوان اللبيدي
عضو جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
-----------------------------
السمع والبصر والفؤاد والناصية
الناشر
مكتبة الدعوة بالأزهر
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدي المصطفى النبي الأمي الخاتم
موضوع البحث
التركيب التشريحي والوظيفي للمخ البشري من خلال دراسة متأنية لآيات السمع والبصر والفؤاد في آيات الكتاب المبين
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي حجت الألباب بدائع حكمته وخصمت العقول لطائف حججه ، وقطعت عذر الملحدين عجائب صنعه ، وهتفت في أسماع العالمين السن أدلته ، شاهده أنه الله لا إله إلا هو ، أرسل الرسل بالرسالات وكان مسك الختام رسالة الوجود الكاملة الشاملة ومعجزة المعجزات البينة القرآن الكريم ، الذي لو إجتمع جميع من بين أقطاها من جنها وإنسها على أن يأتوا بسورة من مثله لم يأتوا بمثله ، وبحكمه منه سبحانه جعله لنا عربياً مبيناً وهذا دليل واضح وبين على شرف اللسان العربي المبين .
وكم للقرآن من عجائب وعطاء في كل مجال لأنه كتاب لا تنقضي عجائبه فها هو يطل علينا في عصر العلم والتقنية بدلائل تقول للعقل المفكر ها هو كتاب الله الوحيد الخالد الباقي المحفوظ ليدين به الجميع.
وليكون دستوراً للعالمين لمن شاء منهم أن يستقيم .
ولقد دأب أ‘داء الإسلام على مهاجمته من خلال التشكيك في لغة الوحي وقد ذكر ذلك في القرآن الكريم وها هم يعاودون الكرة ولكن في هذه المرة من خلال عملاء لهم من المنتسبين إلى الإسلام فظهرت فتنة العشر الجاهلي وفتنة الآيات الشيطانية ومفهوم النص يريدون بها أن يوحوا لعقول البسطاء الغير راسخين في العلم بأن لغة القرآن أو منطوقة قابل للتغير في الزمان والمكان بل قابل للنقد والإبرام كما هو في أي نص أدبي من إنتاج البشر حتى يخرجوا النص القرآني من جانب الوحي الإلهي إلى جانب الوضع الإنساني بمعنى أن يجعلوه كلام بشر ولكن هيهات لهم أن ينجحوا في ذلك لأن الحق سبحانه وتعالى جعل في كتابه آيات وجعل العقل دليلاً يستطيع أن يصل إلى الحق والحقيقة وهذا العمل دليلاً على ذلك وهذا البحث يحتاج إلى إمعان فكر لأنه بلغة علمية رصينة ونتيجة أبحاث علمية متينة .
ولأن الكمال لله والعجز من شيمة البشر فإني أعتذر للقارئ المفكر في قصور قد يجده في سياق البحث ولكن ليكن هذا البحث بداية عمل علمي موسع تشترك فيه مجموعة من العقول الباحثة عن الحقيقة المجاهدة في سبيل إعلاء كلمة الحق بالفكر والعلم ومن غير تعصب أو عصبية ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الفقير إلى الله
د/ حسين رضوان سليمان اللبيدي
هدف البحث
أولاً : إثبات إعجاز القرآن الكريم في مجال من أهم مجالات الكون ألا وهو المخ البشري أداة التكليف ومصدر الحضارات والتقدم وقمة الحياة على وجه الأرض.
ثانياً: إثبات أن القرآن الكريم كتاب الله الوحيد الخالد الباقي المحفوظ والعالمي.
ثالثاً: التوجيه لأبحاث جديدة وكشف أسرار جديدة لم تعرف من خلال دراسة متأنية للآيات الخاصة بهذا المجال .
رابعاً: تطبيق هذا التوجيه في مجالات بحوث علمية متقدمة.
مفتاح البحث
تناولت في هذا البحث قضية السمع والفؤاد والبصر والعواطف في الإنسان المكلف كما عرض لها القرآن الكريم ومطابقة ذلك لما وجد العلماء الباحثين في مجال وظائف المخ البشري.
والبحث مقسم إلى أقسام هي:
1- ملخص لمراكز السمع والبصر والعواطف داخل المخ البشري ووظائفها .
2- قسم فيه شرح موسع لأحدث الأبحاث في قضية السمع والبصر والعواطف في مخ الإنسان .
3- تجميع إحصائي للآيات القرآنية التي جاء فيها ذكر السمع والبصر والفؤاد وكذا بعض الأحاديث النبوية.
4- تجميع لمعاني الكلمات من معاجم اللغة العربية .
5- حصر الظواهر التي أشار إليها رجال التفسير بخصوص قضية السمع والبصر في القرآن.
6- المطابقة بين تلك الظواهر والحقائق العلمية المكتشفة لوظائف المخ البشري.
7- رسم خريطة لأهم مناطق المخ البشري التكليفية .
8- توجيه أبحاث جديدة في مجال وظائف المخ.
ملحوظة :
سيتم التغطية على كل هذه الأقسام في الأجزاء المتتالية لهذا البحث .
القسم
العلمي العقلي
مراكز السمع والبصر والبيان
من الحقائق العلمية المعروفة والتي توصل العلم إليها بدرجة يقينية في العصر الحديث أن في المخ البشري مناطق متخصصة للسمع والبصر والبيان هذه المناطق أو المراكز تقع في قشرة المخ البشري وتتداخل فيما بينها في وحدة وظيفية ونسق بديع يخدم الهدف الذي خلقت من أجله.
وسأستعرض في هذا البحث ملخص لما توصل إليه العلم من أسرار هذا المراكز أو المناطق .
أولاً : مناطق السمع :
هي مناطق تقع يف الفص الصدغي من قشرة المخ وفيها تتم عملية اسمع وإدراك السمع ولها إمتدادات متعددة أهما للخلف ناحية منطقة البيان.
وتصل المعلومات السمعية بواسطة الأذن والتي تعمل كمستقبل لاستقبال الذبذبات الصوتية وإرسالها إلى منطقة السمع في الفص الصدغي لقشرة المخ حيث يتم فيها الإحساس المجرد ثم الإدراك السمعي العاقل.
ثانياً: منطقة البصر:
هي منطقة تقع في الفص الخلفي من القشرة المخية وفيها تتم عملية الإحساس والإدراك البصري العاقل ولها أيضاً إتصالات وإمتدادات لمناطق أخرى أهمها في هذا البحث الإمتداد الذي يتجه ناحية منطقة البيان وتشكل العين أداة نقل المؤثرات البصرية إلى هذه المنطقة المخية حيث يتم فيها الإدراكات البصرية العاقلة .
ومنطقة الإبصار في المخ البشري حظيت بأبحاث متعددة ومتطورة تمخضت عن كشف كثيراً من أسرار تلك المنطقة من المخ ومن تلك الأسرار التي عرفت حديثاً أن ترتيب الخلايا وتخصيص الخلايا داخل هذه المنطقة يخضع لنظام مذهل فهناك خلايا متخصصة للإحساس بالقسم اللوني للصورة وأخرى بالظل وثالثة للزوايا ، وكأن الصورة تصل مقطعة إلى عناصرها اللونية والحركية والظلالية ثم تجمع بطريقة مذهلة للتتحول إلى صورة مجسمة ملونة متحركة.
بل أن الأبحاث تشير إلى أسرار أخرى فالصورة داخل مراكز الإبصار ليس إنعكاس مجرد للصورة الخارجية كما نرى في التصوير الفوتغرافي مثلاً ولكن الصورة تصل على هيئة مجموعة من الصور المتعددة الأغراض والزوايا ومن هذه الصورة الكثيرة يركب المخ أو مراكز البصر داخل قشرة المخ الصورة المطلوبة للإدراك البصري العاقل.
ثالثاً : منطقة البيان :
ولهذه المنطقة ميزة بشرية فريدة وتقع بين منطقة السمع من الأمام ومنطقة البصر من الخلف أي أنها المنطقة المحصورة بين مركز السمع ومركز البصر وتسمى هذه المنطقة بمنطقة "ورنيكا" للبيان نسبة للعالم الألماني الذي اكتشف وظائفها*.
وتدمير (1) هذه المنطقة يؤدي إلى إنسان أبكم بمعنى أنه يسمع ولا يفهم ما يسمع ويرى ولا يدرك ما يرى فهو لا يستطيع أن يردد لغة مفهومة المعنى سليمة المبنى تخدم قضية البيان البشري المفيد أي أن هذا المريض الذي دمرت فيه هذه المنطقة لن يستطيع أن يبين فهو لا يفهم البيان ولا يفهم لكلامه معنى مناسب للحال المطلوب الرد عليه أو التفاهم به.
قلب المخ
لقد وجد العلماء في قلب المخ أنوية أو مناطق أو مراكز لها علاقة بالعواطف والأحاسيس والغرائز بل ولها علاقة بالذاكرة .
وأعطى العلماء لهذه المناطق أسماء وفقاً لشكلها أو وظائفها فسميت أحدهما باللوزة لأنها تشبه اللوزة والأخرى بحصان البحر لأنها تشبه حصان البحر والثالثة بالذنار لما لها من شبه به وهكذا............
ودارت الأبحاث الجادة والمضنية لكشف أسرار هذه المناطق واستخدم فيها الحيوان والإنسان تحت ظروف وأحوال فانكشفت حقائق مذهلة فلقد وجد العلماء أن قلب المخ يحمل مناطق مسئولة عن الإحساس بالألم وعن الشعور بالخوف والفرح والجنس والغضب بل ووجدوا أن بعض المناطق تتحكم في بعض أنواع الذاكرة .
وملخص وظائف هذه المناطق:
1- اللوزة : له تأثير في التحكم في الإستجابات العدوانية .
2- حصان البحر : له علاقة واضحة وهامة بتخزين الذاكرة ويدو أن له علاقة بتكامل تذكر الأحداث القريبة .
3- الحاجز : له علاقة بالإنفعال.
4- الميهاد : مصب الأحاسيس وله علاقة بالأحاسيس بالألم .
5- تحت الميهاد: يتسبب في شعورنا بالجوع والعطش وله هيمنة على جهاز الغدد الصماء.
وهذا الملخص كافي لغير المتخصصين أما الذين يريدون مذيداً من التخصص فليتابع الأبحاث الموسعة.
ملخص القسم العلمي (العقلي)
*علمية السمع والبصر تعتمد على أعضاء للسمع والبصر وهي العين والأذن ومراكز إدراك السمع والبصر داخل المخ.
*العين والأذن تعمل كمستقبلات للإشارات الضوئية والصوتية لترسلها إلى مراكز السمع والبصر في المخ حيث يتم إدراكها عقلياً.
*العين تتقدم الأذن في رأس الإنسان ولكن مركز السمع يتقدم مركز الإبصار داخل المخ البشري.
*هناك منطقة على قشرة المخ تقع بين مركز السمع ومركز البصر ويحدها من الامام مركز السمع ومن الخلف مركز الإبصار وفي هذه المنطقة يدرك السمع والبصر إدراكاً عقلياً راقياً وفيا يتكون البيان البشر المعبر.
*في قلب المخ توجد أنوية أو مناطق لها علاقة بالأحاسيس والعواطف والغرائز والذاكرة .
*وهذا المخلص يكفي غير المتخصصين أما المتخصصين أو من يريد التوسع فعليه بالبحوث الموسعة في هذا المجال.
مجمع العواطف والغرائز والأحاسيس
ظواهر ملفتة للنظر
المتابع لآيات السمع والبصر والفؤاد والقلب في كل القرآن الكريم يلاحظ الظواهر الآتية :
(1) السمع يتقدم البصر في كل القرآن الكريم . (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) 36 الإسراء.
(2) السمع يأتي على صيغة المفرد والبصر يأتي على صيغة الجمع. (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) 87 النحل
(3) يشير القرآن على أن السمع والبصر والفؤاد أدوات تكليف عاقلة: ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) 36 الإسراء
(4) (بكم) تأتي دائماً بعد (صم) وبين (صم وعمى) (صم بكم عمي)
(5) جعل السمع والبصر والفؤاد بعد الإخراج من بطن الأمهات في سورة النحل آية 87. (والله أخرجكم من بطون لا تعملون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) النحل آية87
(6) الفؤاد يأتي يأتي دائماً بعد السمع والبصر في كل القرآن: (إن السمع والبصر والفؤاد .............) الإسراء 36
(7) القلب يأتي في أي مكان بالنسبة للسمع والبصر :
*فقد يأتي قبل السمع والبصر:
(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة )البقرة 7
*وقد يأتي بين السمع والبصر:
(وختم على سمعه وقلبه وجعل بصره غشاوة ) الجاثية آية 33
*أو قد يأتي بعد السمع والبصر:
(قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم ....) سورة الأنعام آية 46.
( الفؤاد يأتي في كل القرآن مشيراً إلى معاني تحول حول العواطف والغرائز والأحاسيس.
(9) القلب يأتي في كل القرآن مشيراً إلى معاني شاملة تشمل العقل والعاطفة.
بعض هذه الظواهر لفتت أنتباه علماء التفسير والبيان على مر العصور فقدموا لنا اجتهادات وتصورات لهذه القضايا الملفتة.
وسنقوم بجولة مع رجال التفسير والبيان ممن تكلموا عن هذه الظواهر ، ولكن قبل أن نستعرض تلك الآراء نذكر رأي الأستاذ/ عبد العزيز سيد الأهل الأستاذ بمعهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وهو يتكلم عن قضية السمع والبصر في الإنسان من الناحية العامة (1).
يقول فضيلته في كتاب الأشباه والنظائر:
" السمع والبصر أداتهما الأذن والعين"
الأذن وقنواتها وموجات الصوت فيها والمؤثرات الصوتية التي تجرى تفسيرها في الدماغ للأصوات والموجات والعين التي ترسل إلى الدماغ سيلاً متواصل من المعلومات فتختزنها الذاكرة ويجري عليها التحليل والتفسير فيتمكن المرء بها من تمييز الإحجام والمسافات والألوان.
*ثم يقول :
ولقد جرى ذكر السمع والبصر والفؤاد في القرآن لا بقصد أداة العين وما يمر بها من سيل المناظر ولا بقصد الأذن وما يمر بها من قنوات وأغشية واهتزازات .
ولكن بقصد النظر في الأمور وتقليب الفكر فيها وإدراك الحلال والحرام من المسموع والمنظور بعد تفؤده ، وانطباع الجسد بعد ذلك بالطاعة أو مروقة بالعصيان " .
*ثم يقول فضيلته :
" ولم يرد أمر قط في القرآن بالسمع والبصر إلا وهو يريد به التنبيه على التفهم والترتيب وعلى التروي أو التبكيت على الرفض وعدم القبول، وحساباً للمرء الذي وهبه الله هذه الدروب ليصل بها إلى الهداية والطريق المستقيم " .
"وقد ارتفع البحث والعلم بأداتي السمع والبصر فحسبهما من بين كل الحواس منافذ للمعاني وأدوات للعلم بينما انحطت منافذ الذوق والشم واللمس إلى إدراك الأجزاء المادية المتطايرة الذائبة في الأجسام وما لم تذب هذه الأجزاء فلا لمس ولا سم ولا مذاق .
ولقد شهد القرآن بعلو هذين الدربين (السمع والبصر) وحسبهما إذا كان كاملين من غير عيب ولا نقص – من صفات الألوهية – ووجه سبحانه اللوم لمن يعبد من لم يكملا فيه فقال:
(لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر) فكان الموصوف بهما كاملين مستحقا للعبادة وأهلاً للتأليه – ويستطرد فضيلته بقوله:
"فبينما يمن الله بفضله على بني آدم ويذكر نعمته عليهم بهذه الدروب بقوله في سورة النحل :
(وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة).
يجئ بها في سورة الإسراء أمكنة للمراقبة ومواضع للمسئولية فيقول سبحانه :
"أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً"
*وحتى لا تكون على الله حجة بعد الرسل فقد نبه الله الإنسان إلى أن يتخذ من سمعه وبصره طريقين إلى قلبه حينما وقف وكيفما سار وذلك حين يقول سبحانه :
(أفلم يسييروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الحج آية 46.
ولقد أشعر القرآن النفوس بفقدان الأمل فيمن لا يصل بين بصره وقلبه ، وسمعه وقلبه فعدهم من الموتى لأنهم لا يسمعون دعوة ولا ينتفعون بحيلة.
(فإنك لا تسمع الموتي ولاتسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين) الروم آية52
(وما أنت بهاد العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون )الروم آية 53.
*وفي النهاية يمكن القول بأن كل هذه الإشارات إنما توجه الإنتباه إلى أن سمع وبصر الإنسان مجهز بقيمة عقلية عليا تلزمه المسئولية وتعطيه الإرادة وكل هذا من لوازم التكليف (1).
*وبعد هذا السرد لقضية السمع والبصر كما تكلم عنها الأستاذ / عبد العزيز سيد الأهل نتناول الظواهر التي أشرنا إليها في البداية وسيكون التناول من خلال ما قاله رجال التفسير والبيان على مر العصور ثم نناقش ذلك ونربط بينه وبين الحقائق العلمية اليقينية .
ظاهرة تقديم السمع وتأخير البصر في القرآن الكريم
أولاً :تقديم السمع وتأخير البصر في القرآن :
أن ما يلفت النظر في آيات السمع والبصر هو تقديم السمع على البصر في كل القرآن الكريم وهذه أمثلة بذلك .
(ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) سورة السجدة آية 9 .
(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) سورة الإسراء آية 36.
(قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) سورة الملك آية 23.
فماذا قال رجال التفسير وعلماء البيان عن هذه القضية ؟
(1) رأي العلامة الألوسي (1):
يقول الأمام الألوسي في تفسير آية (7) من سورة البقرة :
"لعل سبب تقديم السمع على البصر مشاركته للقلب في التصرف في الجهات الست ولا ينطبق ذلك على البصر ومن هنا قيل أنه أفضل منه.
والحق أن كل الحواس ضروري في موضعه ومن فقد حساً فقد علماً وتفضيل البعض على البعض تطويل من غير طائل.
(2) الإمام الفخر الرازي (2):
الآية 7سورة البقرة المسئلة السابعة .
ومن الناس من يقول أن السمع أفضل من البصر والدليل على ذلك تقديم السمع في كلام الله ولأن السمع شرط النبوة بخلاف البصر ولأن بالسمع تصل نتائج عقول البعض إلى البعض.
فالسمع كأنه سبب لأستكمال العقل بالمعارف والبصر لا يوقفك إلا على المحسوسات ، ولأن السمع متصرف في الجهات الست ، ولأن السمع متى بطل النطق.
ومنهم من قدم البصر لأن آله القوة الباصرة أشرف ولأن متعلق القوة الباصرة هو النور ومتعلق القوة السامعة هو الهواء.
(3) وفي القرطبي نفس الآية (1):
وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر على السمع لا يدرك به إلا الأصوات والكلام والبصر يدرك الأجسام والألوان والهيئات كلها ولذلك قالوا : فلما كانت تعلقات البصر أكثر كان أفضل وأجازوا الإدراك بالبصر من الجهات الست.
"وفي الحقيقة إدراك السمع من الجهات الست ليس ميزة في السمع ولكنه ميزة أو خاصية في الموجات – الصوتية " (صاحب البحث).
بعد هذا العرض لما جاء في كتب التفاسير عن هذه الظاهرة سنناقش بإذن الله هذه القضية بطريقة علمية محايدة بعد أن رأينا كيف تضاربت الآراء في هذه القضية بطريقة علمية محايدة بعد أن رأينا كيف تضاربت الآراء في هذه القضية حتى أن العلماء لم يصلوا فيها إلى رأي محدد بل كان يبدوا في بعض الأحيان إثبات النقيض (2) ومع أن هناك رأي وجيه لفضيلة الشيخ الشعراوي ذكر فيه أن سر تقديم السمع على البصر هو أن الطفل يسمع أولاً قبل أن يرى بعد الولادة مباشرة ومع أن هذا الرأي له وجاهته ، ولكن سنرى ، ولكن سنرى في سياق البحث أن له مكان غير هذا المكان وسنشير إليه في حينه .
(مناقشة ما سبق عرضه )
مما سبق نلاحظ أن بعض رجال التفسير يرجح أن سر تقديم السمع على البصر هو شرف السمع أي أن التقديم هنا للتشريف ولكن أليس التشريف ينسحب على السمع وعضو السمع وهو الأذن لأنها جزء من عملية السمع فإذا كان كذلك كذلك فلماذا اتخذت الأذن مكانها بعد العين وفي كل القرآن وكان من الواجب أن تتقدم لشرفها المستمد من شرف السمع وهذه بعض الآيات التي جاءت فيها العين مع الأذن:
في الأعراف آية 179:
(ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها).
وفي الأعراف آية 195:
(ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ).
نلاحظ أن العين دائماً مقدمة على الأذن وفي كل القرآن ونلاحظ أيضاً أن الفؤاد يأتي دائماً بعد السمع والبصر في مكان ثابت لا يتغير في كل القرآن الكريم).
(إن السمع والبصر والفؤاد ..........)
(وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة ).
فهل الفؤاد وهو القلب كما يقولون أقل شرفاً من السمع والبصر ؟
وقبل أن نكشف السر بإذن الله يجب أن نستعرض جميع عناصر قضية السمع والبصر كما ذكرت في كتاب الله المعجز – وهي كما يأتي:
أولاً هناك آيات تشير إلى عضو الحس " العين والأذن"
ويذكر الحق سبحانه معها تعبيرات تناسبها كعضو حس ومن جنسها ولا يذكرها مع وظائفها " السمع والبصر"
وهذه أمثلة بذلك .
(يرونهم مثليهم رأي العين ) (13) آل عمران
(فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ) (40) طه
(ولا تعد عيناك عنهم ) (2 الكهف
(وابيضت عيناه من الحزن) (84) يوسف
(يعلم خائنة الأعين ) (19) غافر
(ترى أيعنهم تفيض من الدمع) (83) المائدة
(الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى ) (101) الكهف
(تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ) (19) الأحزاب
(لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ) (179) الأعراف
لاحظ تقر عينها ، ابيضت عيناه ، خائنة الأعين ، تفيض من الدمع ، تدور أعينهم ، في غطا – لم تستعمل هذه التعبيرات إلا مع عضو الإبصار العين .
"وبالنسبة للأذن"
(كأن في أذنيه وقراً ) (7) لقمان
(ولهم آذان لا يسمعون بها ) (179) الأعراف
(يجعلون أصابعهم في آذانهم )(19) البقرة
(فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ) (11) الكهف
(والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمي) (44) فصلت
(وقر ، أصابعهم في آذانهم ، يسمعون بها ، فضربنا ) هذه تعبيرات لم تستعمل مع السمع بل استعملت مع الأذن فقط.
ثانياً: هناك آيات تشير إلى المصدر أو القوة المدركة (السمع والبصر) وهذه بعض الآيات :
(وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون). (7النحل
(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) (36)الإسراء
(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) (7) البقرة
(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (37)ق
(ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً) (16)محمد
(ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) (171)البقرة .
(إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون)(23)الروم
وهناك آيات كثيرة يرى المتابع لها أن استخدام الحق للسمع والبصر يحمل إشارة إلى العقل والفهم وما يترتب عليه من الإيمان ويقول الأستاذ الدكتور / عبد العزيز سيد الأهل الأستاذ بمعهد الدراسات الإسلامية.
وقد جرى ذكر السمع والبصر والفؤاد في القرآن الكريم لا بقصد أداة العين وما يمر بها من سيل المناظر وتقدير الأجسام والألوان ولا بقصد الأذن وما بها من قنوات وأغشية واهتزازات ولا بقصد التلافيف المتداخلة في فجوة الرأس . ولكن بقصد النظر في الأمور وتقليب الفكر فيها وإدراك الحلال والحرام من المسموع والمنظور.
ولم يرد أمر قط في القرآن بالسمع والبصر إلا وهو يريد به التنبيه على التفهم والترتيب وعلى التروي أو على التبكيت على الرفض وعدم القبول وحساباً للمرء الذي وهبه الله هذه الدروب ليصل بها إلى البداية والطريق المستقيم.
وأستطرد الأستاذ الدكتور قائلاً:
وسواء أكان للإنسان عين ترى وأذن تسمع أو لم يكن له فإنه يعتبرا مبصراً سميعاً متى كان له فؤاد يتفئد ويتوقد .
أما إذا تلف دماغه أو فسد قلبه أو خمد فؤاده فإنه يخرج عن كيان الإنسان المكلف والمطالب المسئول ولو كان له أذن تسمع وعين ترى (انتهى)
أذن عندما يستخدم الحق سبحانه المصدر أ الوظيفة أي السمع والبصر لا يشير إلى أعضاء الحس ولكن يشير إلى معاني تحول حول العقل والفكر واللب وما يتبعها من معاني إيمانية .
أذن عندما يستخدم الحق سبحانه المصدر أو الوظيفة أي السمع والبصر لا يشير إلى أعضاء الحس ولكن يشير إلى معاني تحوم حول العقل والفكر واللب وما يتبعهما من معاني إيمانية .
ثالثاً- يشير القرآن الكريم إلى أن العين الأذن ما هي إلا أعضاء لنقل الإشارات الحسية إلى حيث تترجم إلى محسوسات في مكان آخر:
(ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها) (179)الأعراف
(أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ) (195) الأعراف
لاحظ (يبصرون بها ) (ويسمعون بها ) ولا نجد في القرآن مثلا. أذن سامعة أو عين باصرة بصيغة اسم الفاعل وهذا على أن العضو ما هو إلا أداة لنقل المؤثرات السمعية والبصرية حيث يتم إدراكها في مراكزها.
رابعاً- عندما تأتي العين مع الأذن في أية واحدة تتقدم العين وتتأخر الأذن وفي كل القرآن ويحدث العكس بالنسبة للسمع والبصر إذ يتقدم السمع ويتأخر البصر وفي كل القرآن الكريم وهذا مثال بذلك :
(ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها ) (179) الأعراف
(أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم أذان يسمعون بها) (195)الأعراف
=العين قبل الأذن في القرآن الكريم
(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) (36)الإسراء
(وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) (7النحل
=السمع قبل البصر في القرآن الكريم
خامساً- يشير القرآن الكريم بأن هناك رؤية بالعين ورؤية بدون العين أي والعين مغلقة معطلة
(يرونهم مثليهم رأي العين ) (13)آل عمران
لاحظ (رأي العين ) وهي رؤية ظاهرة معاينة بالعين أي عن طريق العين كمدخل للعملية البصرية وفي كثير من الآيات يشير الحق سبحانه في كتابه المعجز أن هناك نوع من الرؤية بدون استخدام العين وهذا ما يحدث أثناء النوم وفيها يشاهد الإنسان صوراً بصرية واضحة رغم أن العين مغلقة لا عمل لها .
وهذه أمثلة بذلك :
(يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) (4) يوسف .
(قال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) (43)يوسف
(وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) (60)الاسراء
(إذ يريكهم الله في منامك قليلاً) كلها مشاهد بصرية فيها صور واضحة والعين مغلقة لا عمل لها وهذا يشير إشارة خفية إلى أن مكان تكون الأبصار في المخ وما العين إلا أداة لتوصيل المؤثرات البصرية حيث يتم ترجمتها إلى صورة مبصرة داخل مراكز الإبصار الخاصة .
ويمكن تلخيص ما سبق في ما يأتي:
1-هناك آيات تشير إلى العضو (العين والأذن ) وآيات تشير إلى المصدر أو الوظيفة أو القوة المبصرة والسامعة (السمع والبصر).
2-يذكر الحق سبحانه مع الأعضاء تعبيرات لغوية تناسبها ومن جنسها ويذكر مع السمع والبصر تعبيرات تشير إلى معاني عقلية تخص الفهم والإدراك والعقل وحتى بالنسبة للإغلاق يختلف العضو عن المصدر فنجد غطاء مع العين وغشاوة مع البصر.
3-يشير سبحانه وتعالى إلى أن العضو ما هو إلا أداة لتوصيل المحسوسات إلى حيث يتم ترجمتها إلى أصوات مسموعة وصور مرئية .
4- العين تتقدم الأذن في كل القرآن والعكس بالنسبة للسمع والبصر إذ يتقدم السمع البصر في كل القرآن الكريم .
5-يشير القرآن الكريم بأن هناك رؤية بالعين ورؤية بدون العين.
وبعد هذه الجولة المباركة يمكن لنا أن نقول – والله أعلم بمراده- أن تركيبات واستعمالات السمع والبصر والعين والأذن في كل القرآن الكريم تقرر الحقائق التالية :
1-أن العين والأذن ما هي إلا أعضاء لنقل المؤثرات الحسية إلى حيث تدرك في مراكزها .
2-أن العين تتقدم الأذن في كل القرآن الكريم .
3-أن هناك رؤية بواسطة العين وهناك رؤية والعين مغلقة عند حدوث الأحلام .
4-أن إدراك السمع والبصر قضية أخرى غير أعضاء السمع والبصر.
5-السمع والبصر يشيران إلى الإدراك العقلي الراقي في الإنسان.
6-السمع يتقدم البصر في كل القرآن .
وكأن هذه الحقائق تقول لنا:
أ-أن عملية السمع والبصر تنقسم إلى قسمين :
أعضاء لنقل المؤثرات الحسية وهي العين والأذن ومراكز أو مناطق لإدراك السمع والبصر وفهمه وعقله .
ب-أن العين تتقدم الأذن في الترتيب المكاني لها بينما تتقدم مراكز السمع مراكز البصر.
وهذا ما وجده علماء المخ تماماً.
فالعين والأذن ما هي إلا أعضاء لنقل الإشارات الحسية حيث يتم إدراكها في مراكز السمع والبصر داخل المخ البشري.
ومع أن العين تتقدم على الأذن في رأس الإنسان فإن مراكز السمع تتقدم مراكز الإبصار على قشرة المخ البشري" أنظر القسم العلمي من البحث".
إذن وقعت المطابقة بين ما جاء في القرآن الكريم من عرض لقضية السمع والبصر وبين ما وجد علماء المخ من حقائق علمية بخصوص هذه القضية بل وجاء ترتيب الكلمات في الآيات وفقاً لترتيب المراكز داخل المخ البشري.
وهذا –والله أعلم – هو السر العلمي المذهل لتقديم السمع وتأخير البصر في كل القرآن الكريم .
وهو دليل جديد للعقل البشري في أي مكان على صدق الرسالة وأن القرآن هو كتاب الله الوحيد الخالد الباقي والعالمي .
خلاصة الموضوع
آيات القرآن الكريم فصلت بين الأعضاء ( العين ، والأذن ) وبين المصدر (السمع ، والبصر ) وفي صنعة الله ما يطابق ذلك فهناك أعضاء للحس لإستقبال المؤثرات الحسية وهناك مراكز داخل المخ البشري تتم فيها عملية الإدراك والفهم لهذه المؤثرات .
ومن ناحية أخرى نجد أن الحق سبحانه رتب في الآيات / العين قبل الأذن والسمع قبل البصر في كل القرآن وها هو العلم اليقيني قد أثبت أنه بينما تتقدم العين الأذن في رأس الإنسان فإننا نجد عكس الترتيب مع المراكز فمركز السمع يتقدم مركز الإبصار في قشرة المخ البشرية .
*إذا طابق كلام الله صنعة الله . . .
العين قبل الإذن والسمع قبل البصر
الأعراف (195)
(ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم أذان يسمعون بها) .
السجدة (10)
(وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون)
(في صنعة الله )
(1)أعضاء البصر والسمع (العين والأذن) --- العين تتقدم على الأذن.
(2)مراكز السمع والبصر (داخل المخ) --- مراكز السمع تتقدم على مراكز البصر .
(في كلام الله القرآن الكريم )
(1)العين تتقدم على الأذن .
(2)السمع يتقدم على البصر
ظاهرة إفراد السمع وجمع البصر في القرآن الكريم
ثانياً: إفراد السمع وجمع البصر في القرآن الكريم
لقد لاحظ رجال التفسير أن السمع يأتي على المفرد والبصر يأتي على الجمع فماذا قالوا ؟ يقول الإمام الألوسي في روح المعاني.
ووحد السمع مع أنه متعدد في الواقع ، ومقتضى الأنتظام بالسابق واللاحق أن يجري على نمطها للأختصار والتفنن مع الإشارة إلى نكتة هي أن مدركاته نوع واحد ومدركاته " الأبصار " مختلفة وكثيراً ما يعتبر البلغاء مثل ذلك .
وقيل أن وحدة اللفظ تدل على وحدة مسماه وهو الحاسة ووحدتها تدل على قلة مدركتها في بادئ النظر فهناك دلالة التزام .
ويكفي مثل ما ذكر في اللزوم عرفاً ، وقيل في توجيه الأفراد أن المراد سمع كل واحد وهذا وإن كان حقه الإفراد إلا أنحمل الجمع على كل فرد جائز لا واجب كما قيل في قوله تعالى (ونخرجكم طفلاً).
بمعنى :
(1)أنه وحد السمع لأن لكل واحد منهم سمعاً واحداً والعرب تفعل ذلك إذا آمنت من اللبس وترفض ذلك إذا كان هناك لبس.
(2)أن السمع مصدر والمصادر لا تجمع .
(3)أن نقدر مضافاً محذوفاً أي وعلى حواس سمعهم .
(4)قال سيبوية : أنه وحد السمع مع أنه ذكر ما قبله وما بعده بلفظ الجمع وذلك يدل على أن المراد منه الجمع أيضاً.
(5)قرأ ابن أبي علبه " وعلى أسماعهم"
ويقول الإمام القرطبي
"وحد السمع لأنه مصدر ويقع للقليل وللكثير .
يقال : سمعت الشيء اسمعه سمعاً فالسمع مصدر سمعت ، والسمع أيضاً
اسم للجارحة المسموع بها سميت بالمصدر.
ويقول الأستاذ/ محي الدين الدرويش في كتاب إعراب القرآن (1):
" وحد السمع لوحدة المسموع دون القلوب والأبصار لتنوع المدركات والمرابات"
بعد هذه الجولة مع آراء علماء التفسير والبيان نستمع إلى المناقشة القيمة التي قام بها الأستاذ / على النجدي ناصف في كتابه مع القرآن الكريم في دراسة مستلهمة (2).
يقول فضيلته :
"يلحظ الذين يتلون كتاب الله ، ويتدبرون ، أن السمع والبصر يلتقيان فيه مراداً بهما الحاستان ثلاث عشر مرة ، السمع فيها كلها مفرداً في اللفظ ، جاء السمع فيها كلها مفرداً في اللفظ ، وسابقاً في الذكر وجاء البصر مجموعاً في اللفظ ولاحقاً في الذكر .
وما كان القرآن ليجمع بينهما على هذا النحو من الفرقة والتمييز ، مع توافق الكلمتين في الدلالة على المصدر وتقابلهما في الذكر – ألا لناشئه من حكمة ، أو داعيةمن سر ولم يفت المفسرين – على العهد بهم – أن لحظوا هذا الخلاف ، وأن يتلبثوا ، يعملون النظر فيه فأما التفريق بينهما في الإفراد والجمع فقد رجعوا فيه إلى اللغة يستفتونها ويلتمسون الرأي عندها ، فإذا لهم منها في تخريجها وجهان :
جمع الأذن في مثل قوله تعالى (وقالو قلوبنا في أكنة مما تدعوننا إليه وفي أذاننا وقر ) سورة فصلت (5).
والوجه الآخر : أن يقدر مضاف قبل السمع فيكون في الآية الأولى .(وجعل لكم حواس السمع).
وهذا الذي نقلوه عن اللغة لا مرية فيه ولا خلاف عليه ولكنه لا جدوى منه لأنه لم يبين لنا لماذا جمع البصر وحده ولم يجمع السمع معه وكلاهما مصدر؟ ولم يبين لماذا اختص السمع بالإفراد لفظاً ، والدلالة على الجمع معنى ، واختص البصر بالجمع لفظاً ومعنى؟ هلا كانا سواء في الإفراد والجمع .
وما أظن إلا أن المفسرين قد سكتوا عن ذلك وفي نفوسهم منه شيء ، ولكن ماذا عسى أن يصنعوا أكثر مما صنعوا وقد ألفوا في دهرهم الطويل ، أن يكلوا إلى اللغة وحدها أكثر ما يحزبهم من مشكلات التفسير.
واستطرد فضيلته قائلاً:
" ولقد كان خيراً للمفسرين وأجدى عليهم أن يرجعوا إلى القرآن نفسه ، عسى أن تلوح لهم منه ومضة من نور.
لنأخذ إذن بما لم يأخذوا به ، عسى الله أن يفتح بالرأي ويهدي إلى الحق. ثم يضرب أمثلة تبين أن القرآن لا يحل المخالفة محل المطابقة إلا لعله تخدم هدف معين ويقول :
" أن القرآن حين يحل المخالفة محل المطابقة –لا يصنع ذلك جزافاً أو على ما خيلت ، ولكن لأمر يراد ، وأن من الخير إذا لم تسعف اللغة بالرأي فيه عن سماحة ويسر ، ألا نجملها على تكلف الرخص وانتحال الأسباب ، بل نرجع فيه إلى القرآن ما وجدنا إليه سبيلاً.
وإذا رجعنا إلى قضية السمع والبصر نجد أن السمع لا شأن له بغير الصوت ، ولا معاملة له إلا معه فهو يحمله إلى صاحبه ويبلغه إياه على ما هو عليه ولا مزيد والصوت في واقعه شيء واحد ، وإن تعددت ينابيعه وتبينت أوصافه ، وليس كذلك البصر فإنه يدرك المرئيات كافة ، وهي – مع كثرتها تختلف في مادتها وتكوينها ، وفي هيئاتها وأشكالها وفي أوصافها وألوانها.
*والقرآن إذ يذكر السمع بلفظ المفرد ويقرن إليه البصر بلفظ الجمع – إنما يشير إلى أن الحاستين ليستا سواء في مبلغ كل من عدد المدركات ، وفي حظ كل من التلقي عن الحياه والعمل لصاحبه فالسمع يدرك شيئاً واحداً هو الصوت والبصر يدرك أشتاتاً من المدركات كأنه جمع من الحواس لا حاسة واحدة .
فذكر السمع مفرداً يعني المطابقة بين لفظه ومسماه وبين لفظه وعمله في وقت واحد – وذكر البصر بلفظ الجمع يعني التفرقة بينه وبين السمع في عدد المدركات من جانب ثم المطابقة بين لفظه وتعدد مدركاته بما يجعله شبيهاً بالجمع وأهلاً لأن يعامل معاملته في التعبير عنه من جانب آخر.
*أما حين يذكر البصر ولا يذكر معه السمع يذكر أخذاً على المعتاد من المطابقة بين الألفاظ ومعانيها مفردة وغير مفردة إذ لا مجال إذ ذاك لمفاضلة ولا تجريح . وما هو إلا البصر . كما يراه الله تعالى في حقيقته حاسة من الحواس ليس غير . ومن ذلك قوله تعالى : (فكشفنا عنك غطاؤك فبصرك اليوم حديد) (1).
وقد استطرد الأستاذ / على النجدي ناصف مشيراً إلى استخدامات القرآن الكريم للفؤاد مع السمع والبصر قائلاً:
*وقد ذكر الفؤاد مع السمع والبصر في خمس آيات وجاء فيها كلها مجموعاً كالبصر ، مثل قوله تعالى: (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون )(1).
وحكمة ذلك – والله أعلم – أن الفؤاد تتعدد أحواله كما أن البصر تتعدد مدركاته ، فهو يجيش بألوان من العواطف وتنبعث فيه دروب من المشاعر والإنفعالات .
*كذلك يجمع القرآن السمع والبصر والفؤاد في آية واحدة ويذكرها جميعاً بلفظ المفرد وهي قوله تعالى :
(ولا تقف ما ليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً)( سورة الإسراء آية 36) ولعل ذلك والله أعلم – لأن المقام ليس للإشارة إلى مدركاتها ، والمفاضلة بينهما ، ولكنه للنهي عن اتباع المرء ما لا يعلم من قول وفعل ، والأنذار بأنه مسئول عما يسمع ، وما يبصر وما ينوى من شيء ، فيقال له يوم القيامة – كما في الكشاف ، لم شمعت ما لم يحل لك سماعه ؟ ولما نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه؟ ولم عزمت ما لم يحل لك العزم عليه ؟
*فالسمع هنا يعني المسموع والبصر يعني المرئي ، والفؤاد بمعنى المنوي . انتهى كلام الأستاذ / على النجدي.
وبعد هذه الجولة الشيقة مع علماء التفسير والبيان حول قضية إفراد السمع وجمع البصر نطرح هذا السؤال :
هل جهاز الإبصار من العين إلى مركز الإبصار يختلف عن جهاز السمع من الأذن إلى مركز السمع إختلافاً يجعل السمع أهلاً للإفراد والبصر أهلاً للجمع ؟
أقول والله أعلم – نعم – كيف ؟
من خلال عرضنا لعملية السمع والبصر في القسم العلمي علمنا أن عملية البصر عملية معقدة ومتعددة الجوانب فبالنسبة إلى المنظر الواحد أو الصورة المشاهدة فإن عناصر عدة تنعكس منها كالألوان والإضاءة والظلال ولزوايا لتسقط على شبكية العين ، فتحدث في نفس اللحظة الزمنية استجابة لكل هذه العناصر في وقت واحد لترسل على هيئة سيال كهربائي إلى مراكز الإبصار داخل المخ فهي متعددة من البداية إلى النهاية.
وعملية السمع أبسط من ذلك فهي تبدأ بموجات صوتية متتالية (موجة بعد موجة) تحدث هذه الموجات اهتزازات ميكانيكية في الطبلة والتي تدفع بدورها العظيمات الثلاثة في حركة ميكانيكية أيضاً وهذه الحركة تنتهي بتحريك عشاء رقيق على قوقعة الأذن الداخلية ينتج عن حركته موجات داخل السائل المحبوس داخل القوقعة فتهتز هذه الموجات غشاء يحمل مستقبلات حساسة للتموجات فتنطلق إشارات متقطعة عبر العصب السمعي إلى مركز السمع في المخ لتصل إليه فرادى كإشارات مورس أو إشارات التلغراف هذا بالإضافة إلى أن الطبلة لا تتحرك لجمع الصوت بل يصل إليها الصوت ليحدث فيها هذه واحدة كل مرة ماسحة للمنظر الواحد لترسل إلى مراكز الإبصار في المخ عدة لقطات بحيث تختلف زاوية الصورة المرسلة للمخ للمنظر الواحد مع كل فكرة موجة فلو نظرت العين على مجموعة من الأفراد فإنها ترسل صورة تبين عددهم ونوعهم ثم يتوجه العقل لمزيد من المعلومات فترسل صوراً أخرى تحدد ماذا يلبسون وماذا يحملون ، وصوراً أخرى ترسلها تالية قد تبين ماذا يضمرون (خيراً أو شراً ) بل إن إدراك حركة الأجسام يتضمن أن يصل إلى مراكز الإبصار صور متعددة في زمن قصير للمنظر الواحد وكل هذا التعدد في العملية البصرية لا نجده مع العملية السمعية .
فإفراد السمع وجمع البصر في كتاب الله المعجز الخالد العالمي يشير إلى تلك الحقائق وزيادة فهل بعد ذلك بينة على صدق الرسالة وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
عقلية السمع والبصر في القرآن الكريم
ثالثاً – (عقلية السمع والبصر في الإنسان)
هل السمع والبصر في الإنسان يحمل قيمة عليا؟
الإجابة : نعم ، فهذه الأمور مسلم بها .
*هل سمع وبصر الإنسان يحمل معنى زائد عن سمع وبصر البهائم ؟
الإجابة : نعم ، وهذا واضح لأي إنسان :
*هل وجد العلماء في مراكز السمع والبصر في الإنسان مناطق فيها معنى زائد عن تلك التي في الحيوان ؟
الإجابة : لقد أجرى علماء التشريح المقارن بحوث على مناطق السمع والبصر في الإنسان وفي الحيوان فوجدوا أن هناك مناطق لا توجد بشكلها المتطور إلا في الإنسان.
*هل كل ذلك موجود في القرآن؟
نعم – كيف ؟
بإمعان الفكر في آيات السمع والبصر:
فالذي يتابع آيات السمع والبصر في كل القرآن يجد أن التعبير القرآني يوحي بأن سمع وبصر الإنسان من نوع مميز يختلف عن سمع وبصر البهائم ، أنه سمع عاقل وبصر عاقل.
فهيا بنا نتابع ساجدين خاشعين مسبحين هذه المعاني في أبيات السمع والبصر في سورة ق آية 37:
(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )
ألقى السمع وهو شهيد : حاضر بذهنه ومنتبهاً لفهم معانيه
وفي سورة الروم آية 53:
(وما أنت بهاد العمى عن ضلالتهم أن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون).
سمع فعقل فآمن وأهتدى .
وفي سورة هود (يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) 20 .
يضاعف لهم العذاب لأنهم كانوا مجهزين بأدوات التكليف على تمامها من بصر عاقل وسمع فاهم .
وفي سورة الإسراء :
(ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) 36.
سمع بصر عاقل مكلف .
ومن جهة أخرى نجد أن هناك آيات تناولت الكفار بالذم والوعيد واستحقاق العقاب الشديد لأنهم عطلوا عقول سمعهم وبصرهم والتي جهزوا بها ليكونوا مكلفين مسئولين عن أفعالهم ومحاسبين عليها.
والآيات التالية توضح ذلك :
(بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون) 4 فصلت
(ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ). 42يونس.
(ولا تكون كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) 21 الأنفعال
فليس المهم السماع المجرد بل المهم عقل السماع
(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) 57البقرة .
(والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) 73الفرقان
سمع مفكر وبصر مفكر واعي:
(وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق )83 المائدة .
سمعوا ففقهوا فتحققوا بدرجة دفعتهم إلى البكاء.
(يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) 20هود .
(ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً)36 الإسراء.
سمع وبصر عاقل مكلف.
ومن جهة أخرى نجد أن هناك آيات تناولت الكفار بالذم والوعيد واستحقاق العقاب الشديد لأنهم عطلوا عقول سمعهم وبصرهم والتي جهوا بها ليكنوا مكلفين مسئولين عن أفعالهم ومحاسبين عليها .
والآيات التالية توضح ذلك :
(بشيرا ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون) 4 فصلت
(ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ) 42يونس.
(ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون) 43يونس .
(ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ). 21الأنفال.
فليس المهم السماع المجرد بل المهم عقل السماع.
(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) البقرة آية 57.
فهم مجهزون بسمع عاقل فمع أنهم سمعوا وفهموا ما سمعوا وأيقنوا فقد حرفوا فحق عليهم القول.
ثم تأتي المقارنة أو المقابلة المبهرة بين عملية السمع والبصر في الإنسان والحيوان وأنها في الحيوان إنما خلقت بطريقة بسيطة لتؤدي متطلبات الحيوان المادية الضرورية ، وحتى لا يكون الحيوان عالة علينا وجهداً شاقاً في كل أموره وذلك تقدير العليم الحكيم .
ومن جهة أخرى توحي إلينا بأن سمع وبصر الإنسان قد صمم بطريقة فريدة راقية فمراكز السمع عنده فيها معنى زائد وهو وإدراك السمع أو عقل اسمع وتدبره ومراكز البصر كذلك .
وفي سورة الفرقان آية 44 دليل على ذلك :
(أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً).
وفي سورة البقرة آية 171 عرض رائع شامل لهذه القضية :
(مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءه ونداءه صم بكم عمي فهم لا يعقلون ).
فالذي ينعق هنا هو الراعي عندما يصوت بالغنم وبما لا يسمع إلا دعاء ونداءً هنا هو الغنم فهي لا تسمع إلا دوي الصوت وجرس النعمة بمعنى أن الإنسان في تصميمه من حيث السمع والبصر أرقى وأسمى من الحيوان لأن له مراكز سمع وبصر راقية يستطيع بها أن يفهم معاني ودلالات ما يسمع ويبصر والكافر ينحط بنفسه من مركزها العالي الراقي إلى درجة الحيوان .
فبتعطيلة الإستفادة من هذه القيمة العقلية لحاسة السمع والبصر (وجوهر الإستفادة هو الإيمان بالله ورسله) ولأنه مجهز بالعقل فهو مكلف إذن فهو أضل سبيلا من الحيوان (في حالة كفره) (1).
ولو رجعنا إلى القسم الأول أو الفصل العلمي من البحث لرأينا كيف وجد علماء وظائف الأعضاء وجراحي المخ وعلى مر سنين طويلة أن إصابة بعض المناطق المجاورة لمركز السمع في المخ قد يؤدي إلى حالة قد يستطيع المصاب بعدها أن يسمع الأصوات ولكن لا يفهم لها معنى.
وكذلك إصابة المناطق المجاورة لمركز البصر في المخ يؤدي إلى حالة يرى فيها المصاب المناظر ولكن لا يدري لها معنى ، أنها مراكز السمع وفكر السمع ومراكز البصر وفكر البصر وهي مناطق متجاورة بل قل هي متداخلة ترتبط بأسباب صاغها المسبب العليم الحكيم لتكون حجة للعقل أو حجة عليه.
الله الله سبحان الله ، إنه كلام الله ، إنه معجزة رسوله الدائمة الباقية ، أنه التشريح الوظيفي المقارن بين مراكز السمع والبصر في الإنسان المكلف العاقل وبين نفس هذه المراكز في الحيوان الغير مكلف.
فهل يمكن تحديد هذه المناطق العقلية العليا من القرآن ؟
وأقصد بذلك مراكز فهم السمع وفهم البصر وهي مناطق التكليف أو العقل والتي لولاها لا يكون الإنسان مكلفاً؟ قد يكون الجواب نعم يمكن ذلك كيف؟
بإمعان الفكر في هذا التركيب البياني المعجز على قصره .
"صم بكم عمي"
وهذا ما سنعرفه إن شاء الله في البحث التالي والذي سنحدد فيه مكان ووظيفة مركز البيان في المخ البشري من خلال آيات الكتاب المعجز.
الأذن تتلقى الأصوات وترسلها خلال العصب السمعي إلى مركز السمع ثم منه إلى مناطق عقل السمع حيث يتم فهمها واستخدامها أو خزنها ، ويتم ذلك في المركز الرئيسي للبيان (ورنيك ) ومنه ترسل الأوامر كفكرة كاملة شاملة إلى منطقة الإخراج اللغوي (بروكا) ومنها إلى مناطق الحركة التعبيرية .
العين تتلقى الإشارات الضوئية وترسلها عبر العصب البصري إلى مركز الإبصار في الفصل الخلفي للمخ ثم تتحرك هذه المدركات إلى الأمام حيث يتم فهمها واستخدامها أو خزنها لحين الحاجة في المركز الرئيسي للبيان.
ترسل الأوامر من هذا المركز كفكرة كاملة شاملة إلى منطقة الإخراج اللغوي (بروكا) ومنها إلى مناطق الحركة التعبيرية .
ظاهرة بكم بين صم وعمى في القرآن الكريم
(مكان ووظيفة مركز البيان في المخ البشري)
قبل أن نبين كيف أشار القرآن الكريم إلى مكان مركز البيان داخلا لمخ البشري في إعجاز مذهل سنستعرض كيف حدد العلماء المتخصصين في علم "المخ" مكان مركز البيان في المخ وكانت البداية عندما لاحظ جراحي المخ أن إصابة مناطق معينة من المخ تؤدي إلى فقد حس السمع إذن هذه المنطقة هي مركز السمع وإتلاف مؤخر المخ يؤدي إلى فقد البصر إذن هذه المنطقة هي مركز البصر – ولقد وجد العلماء (العالم الألماني ورنيكا) – أن إتلاف المنطقة التي تقع بين مركز السمع والبصر يؤدي إلى فقد ملكة البيان إذن المنطقة التي تقع بين مركز السمع من الأمام ومركز الإبصار من الخلف تتم فيها عملية فهم وتكوين اللغة أو قل هي منطقة البيان وتسمى عالمياً بمنطقة (ورنيكا) نسبة للعالم الألماني الذي كشف سرها(1).
فهيا بنا ساجدين مسبحين نرى كيف أشار القرآن الكريم بإيجاز إلى مكان مركز البيان داخل المخ البشري.
فالحق سبحانه يصف الكفار بثلاثة كلمات موجزة " صم ، بكم ، عمي والباحث المدقق يجد أن " بكم " دائماً تقع بعد " الصم " وبين " صم وعمى" فلا تجد مثلاً " بكم صم عمي" ولا نجد أيضاً " صم عمي بكم " وقد يسأل العقل لماذا ؟
قبل الإجابة على هذا السؤال هيا بنا نتابع معاني الكلمات والآيات التي تعرضت لهذه القضية : "جاء في لسان العرب"
(صم ) الصمم : إنسداد وثقل الأذن .
وفي حديث الإيمان : الصم البكم رؤس الناس ، جمع الأصم الأذن لا يسمع وأريد به الذي لا يهتدي ولا يقبل الحق من صمم العقل لا صمم الأذن والصمم في الأذن ذهاب سماعها .
ورجل أصم : لا يطمع فيه ولا يرد عن هواه وكأنه ينادي فلا يسمع .
(بكم) البكم الخرس مع وعي وبله وقيل هو الخرس ما كان . وقال ثعلب: البكم أن يولد الإنسان لا ينطق ولا يسمع ولا يبصر .
وقوله تعالى " (صم – بكم – عمي ) قال أبو إسحاق : قيل معناه أنه بمنزلة من ولد أخرس قال البكم هنا المسلوبوا الأفئدة .
قال الأزهري : بين الأخرس والأبكم فرق في كلام العرب .
فالأخرس : الذي خلق ولا نطق له .
والأبكم الذي للسانه نطق وهو لا يعقل الجواب ولا يحسن وجه الكلام وقال ابن الأعرابي : الأبكم : الذي لا يعقل الجواب.
" عمى " العمى : ذهاب البصر كله أو ذهاب البصيرة .
وفي تفسير "صم ، بكم ، عمي " تكلم الطبري ، والألوسي والفخر فقالوا.
*أي كالصم لا يسمعون خيرا وكالبكم لا يتكلمون بما ينفعهم كالعمي لا يبصرون الهدى.
*صم عن سماع الحق لأنه لا يقبلونه وإذا لم يقبلوه فكأنهم لم يسمعوه – بكم لا يقولون الحق عمى لا بصائر لهم يميزون بها بين الحق والباطل .
*كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدوا عن سماع الحق آذانهم وأبوا أن تنطق به ألسنتهم وأن ينظروا إليه بعيونهم جعلوا كمن تعطلت حواسه وذهب إدراكه.
وفي سورة النحل آية 76 مزيد من الكشف والإيضاح عن معنى (البكم) يضيف إلينا عمقا جديداً للإعجاز القرآني المذهل ويقدم إلينا كشفاً لوظيفة أحد مناطق المخ الهامة وهي منطقة البيان كما سنعرف بعد قليل.
الآية 76 من سورة النحل :
(وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم).
قال فيها الفخر الرازي(1):
الأبكم : العي المفحم وقال أيضاً : الأبكم الأقطع اللسان الذي لا يحسن الكلام .
وروى ثعلب عن ابن الأعرابي – الأبكم : الذي لا يعقل .
وقال الزجاج : الأبكم : المطبق الذي لا يسمع ولا يبصر .
وقال في قوله (لا يقدر على شيء ) أنها إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل وقال في قوله (كل على مولاه) غليظ وثقيل عليه.
وفي (أينما يوجهه لا يأت بخير ) أينما يرسله (إلى جهة معينة ) لا يأت بخير لأنه عاجز لا يحس ولا يفهم .
ثم قال تعالى بعد ذلك (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم).
قال الفخر في شرحها:
وأعلم أن الأمر بالعدل يجب أن يكون موصوفاً بالنطق وإلا لم يكن أمراً ويجب أن يكون قادراً لأن الأمر معلقاً بعلو المرتبة وذلك لا يحدث إلا مع كونه قادراً ويجب أن يكون عالماً حتى يمكن التمييز بين العدل وبين الجور فثبت أن وصفه بأنه يأمر بالعدل يتضمن وصفه بأنه قادراً عالماً وكونه عالماً قادراً يناقض كون الأول أبكم – وكونه قادراً يناقض وصف الأول بأنه لا يأتي بخير.
وفي الألوسي (1):
قال : في الأبكم :
البكم الخرس المقارن للخلقة ويلزمه الصمم فصاحبه لا يفهم لعدم السماع ولا يفهمه غيره لعد النطق فكأنه قال أحدهما.
اخرس أصم لا يفهم ولا يفهم .
وقال في " يقدر على شيء" من الأشياء المتعلقة بنفسيه أو بغيره بحدس أو فراسة لسوء فهمه وإدراكه (وهو كل ) بمعنى ثقيل وعيال (أينما يوجهه لا يأت بخير ) حينما ترسله مولاه.
وفي (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل ).
قال الألوسي:
هل يستوي هو ومن هو ذو فهم ونطق ذو رأي ورشد يكفي الناس في حاجاتهم وينفعهم في بحثهم على العدل الجامع لمجامع الفضال .
وفي البيضاوي (2):
أبكم : ولد أخرس لا يَفهم ولا يُفهم .
(لا يقدر على شيء ) : من الصنائع والتدابير لنقصان عقله.
(لا يأت بخير ) : لا يأتي بنجح وكفاية خير.
وفي النسفي (1):
الأبكم : هو الذي ولد أخرس فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم (لا يقدر على شيء) : هو الإشارة على العجز التام والنقصان الكامل.
(لا يأت بخير ) : لا يأت بخير لأنه أخرس عاجز لا يحس ولا يفهم .
وبعد هذه الجولة المباركة مع آيات الله المعجز الخالد يمكن أن نقول .
والله أعلم – أن كلمة أبكم " والتي تقع دائماً وفي كل القرآن بين صم وعمى (صم بكم عمي ) :تشير إلى مكان البيان داخل المخ البشري فصم يقابلها في الحالة السوية السمع العاق عن الله الفاهم لآياته البيانات ، وبكم يقابلها في الحالة السوية النطق بالحق ، النطق بتوحيد الله ، وعمى يقابلها في الحالة السوية البصر العاقل المدرك لآيات الله الظاهرة .
ولقد عرفنا من البحث السابق أن للسمع مركز في الفص الصدغي من قشرة المخ وللبصر مركز في الفص الخلفي في آخر المخ وعلمنا أيضاً أن تقديم السمع وتأخير البصر في القرآن الكريم هو نفس الترتيب المكاني لمراكز السمع والبصر داخل المخ البشري فمراكز السمع تقدم مراكز الإبصار – ونلاحظ هنا في صم ، بكم ، عمى أن صم تتقدم عمى كما تقدم " السمع " على " البصر" في كل القرن الكريم ومنها فإن وجود "بكم " بين "صم وعمى" يشير بأن هناك منطقة للبيان البشري العالي تقع في المنطقة البينية بين مركز السمع ومركز البصر" وهذا ما وجده العالم الألماني الشهير " ورنيك" ومن بعده ركز العلماء البحث في هذه المنطقة البينية يتم فهم السمع وفيها أيضاً يتم بناء اللغة بطريقة سليمة معبرة مفهومة . ووجد العلماء أيضاً أن التلف الجزئي لهذه المنطقة يؤدي إلى تعطيل فهم الكلم المسموع وبالتالي فإن الشخص المصاب بآفة في هذه المنطقة يفقد قدرته البيانية فيتكلم كلاماً فارغاً لا معنى له ، كلام لا يمت بصلة إلى ما يوجه " من أسئلة.
فلو رجعنا إلى الآية (76) من سورة النحل لوجدنا وصف معجز بكل المقاييس لوظيفة منطقة البيان في المخ البشري والتي سبق أن حددنا مكانها بمكان "بكم " بين "صم " من الأمام و"عمى" من الخلف .
ولو رجعنا إلى قول الأزهري وابن الأعرابي في لسان العرب في شرح الأبكم .
(الأبكم الذي للسانه نطق وهو لا يعقل الجواب ولا يحسن وجه الكلام )
فإننا سنجد أن كلمة "بكم " محددة لمنطقة البيان بأنها المنطقة التي يفهم فيها الكلام المسموع وفيها تتكون الجمل المفيدة المعنى السليمة المبني المناسبة للمقام (1).
الخلاصة
كلمة بكم في مكانها الثابت في كل القرآن الكريم بين " صم وعمي" أشارت إلى مكان منطقة البيان في المخ ومعنى كلمة "بكم" واستخداماتها في القرآن الكريم واللغة أشارت إلى وظيفة مركز البيان داخل المخ البشري.
سبحان الله كل هذه العلوم من كلمات ثلاث " صم ، بكم ، عمى " .
حقاً إنه كلام الله إنه معجزته الخالدية أنه دليل بين قاطع على صدق الرسالة وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
مركز البيان بين مركز السمع ومركز البصر
(في صنعة الله داخل المخ البشري)
المنطقة الرئيسية للبيان تقع بين مركز السمع ومركز الإبصار
(في القرآن الكريم )
بكم دائماً بين صم وعمى
(الإسراء : 36)
(ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً)
البقرة
(صم بكم عمى فهم لا يعقلون) (في وصف الكفار).
في البحث السابق حققنا قضية السمع والبيان في القرآن الكريم وينا أن الآيات التي جاء فيها ذكر السمع والبصر والبكم تشير إلى مناطق السمع والبصر والبيان في المخ البشري إشارة علمية صادقة بل أن مواقع الكلمات (السمع ، البصر ، البكم ) تشير إلى الترتيب المكاني (التشريحي ) لمراكز السمع والبصر والبيان في مخ الإنسان ولكن هل إدراك المسموع والمبصر وتسجيل معلومات عنهم تخزن في الذاكرة ميزة بشرية فريدة؟ وهل النطق بكلمات دالة على معاني موافقة لمقتضى الحال ميزة بشرية عليا ؟
إن المتابع لآلات خزن واسترجاع المعلومات فيما يسمى بالحاسب الآلي وأجهزة الذكاء الصناعي يلاحظ وجود أجهزة يمكن لها أن تستقبل الأصوات والصور وتخزنها في ذاكرة كبيرة جداً يمكن أن تفوق الذاكرة البشرية بمراحل كبيرة ويمكن استرجاع معلومات عنها وبسرعة فائقة وبدرجة مزهلة وفي جميع الإتجاهات.
فهل الإنسان أو المخ البشري أو العقل البشري يمكن أن يدخل في تلك الدائرة لا يتعداها أي الدائرة إدراك المسموع والمبصر وتسجيل المعلومات السمعية والبصرية في الذاكرة ثم ترديد كلمات منطوقة لازمة لمواقف مطلوبة بحيث يصبح الإنسان كآلة مبرمجة من آلات الذكاء؟
الواقع يقول : لا فالآلات مهما تعقدت أو اتسعت ذاكرتها فيما هي إلا آلالات جمادية لا حياة فيها ولا انفعال لها مسيرة لا ذاتية ولا شخصية لها ، أما الإسنان ففيه معنى زائد فهو مع إدراكه للمحسوسات وتسجيله لتلك الإدراكات في ذاكرته فهو في نفس الوقت ينفعل حباً وكرهاً وإنشراحاً ونفوراً وهو يغضب ويفرح .
أنه بخلاف الآلات الصماء يتفئد ، بل ومن خلال انفعاله الشخصي يوجه أجهزة الإدراك لتلون المدركات وتحورها وتطفي عليها بطانة وجدانية لا توجد في الآلات المبرمجة مهما تعقدت .
وفي إعجاز مذهل يشير القرآن الكريم إلى كل ذلك من خلال ثلاثة كلمات (السمع ، البصر ، والفؤاد) وهم دائماً وفي كل القرآن يكونوا علاقة عضوية ذات ترتيب ثابت يبدأ بالسمع والبصر وينتهي بالفؤاد ليشير للعقل المفكر أن الإنسان أو عقل الإنسان أو مخ الإنسان ليس فقط أجهزة إدراك مبرمجة أو آلات حاسبة أو ذاكرة عاملة بل هو اكبر من ذلك إنه عقل يرتبط ببطانة وجدانية (عقل ، وعاطفة )
فإذا كان العقل المقايس يتمثل في السمع والبصر فإن الفؤاد يشير إلى الوجدان.
ولأجل ذلك كان لابد لنا أن نعيد النظر في قضية الفؤاد والتي بدا وكأنها حسمت من خلال اعتقاد كثير من العلماء بأن القلب هو الفؤاد والفؤاد هو القلب ، ولكن ظواهر ملفتة في الكتاب والسنة واللغة قد تقود خطانا نحو كشف المعنى الحقيقي للفؤاد أو (سر الفؤاد ).
وسنقوم بإذن الله بجولة مع كتب التفسير والسنة واللغة لنستخلص منها تلك الظواهر ثم نناقشها بإذن الله لنصل على الهدف المرجو ألا وهو مكان الفؤاد ووظيفته.
فهيا بنا بعقول متفتحة وقلوب نيرة نغوص في بحر علوم القرآن لنلتقط درة أدخرها الحق مع غيرها في مكنون غيبة حتى إذا جاء الميقات إنفلقت الصدفات عن آيات يدرك العقل من خلالها صدق الرسالة وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
قضية الفؤاد في القرآن الكريم
جمع إحصائي لبعض آيات الفؤاد
(وأقسموا بالله جهد إيمانهم لئن جاءتهم أية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) الأنعام آية (109)
(ونلقب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنون به أول مرة ) الأنعام (110)
(وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا*ولتصغى إليه أفئدة الذين لايؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقتروا ما هم مقترفون ) الأنعام آية (112)
(وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) هود (120)
(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي ذرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) إبراهيم آية (37) .
(إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء) إبراهيم آية (43)
(ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً ) الإسراء آية (36)
(وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) المؤمنون آية (7
( . . كذلك لنثبت به فؤادك . . . ) الفرقان آية (32)
(ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذا كانوا يجحدون بآيات اله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون )الأحقاف (26)
(نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ) الهمزة آية (6 ، 7)
(وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا ان ربطنا على قلبها)
مناقشة الظواهر التي بدت في آيات الفوائد
بعد أن عرضنا الآيات التي جاء فيها ذكر الفؤاد نقول وبالله التوفيق : أن المتابع المدقق في هذه الآيات يلاحظ ظواهر ملفتة للنظر وهي :
1-أن الفؤاد يأتي مصاحباً للسمع والبصر ويشير القرآن الكريم إلى أنهم جميعاً أدوات تكليف.
2-أن الفؤاد يتخذ مكان ثابت بعد السمع والبصر (بخلاف القلب) ويشكلا معاً علاقة عضوية .
3-أن الفؤاد يأتي كالبصر في صيغة الجمع.
4-أن الآية العاشرة في سورة القصص تفك الجهة بين القلب والفؤاد
5-أن الفؤاد يأتي في معاني تحول حول العواطف والأحاسيس والغرائز .
6-أن الفؤاد يأتي في معاني تشير إلى الذاكرة.
فهيا بنا في جولة متفحصة لهذه الظواهر.
الظاهرة الأولى: السمع والبصر والفؤاد أدوات تكليف:
(ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وابصاراً فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ) الأحقاف آية (26)
(والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) سورة النحل.
أنها أدوات علم للمكلف
(ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً)سورة الإسراء آية (36) إنها أدوات عقل مكلف.
الظاهرة الثانية : الفؤاد يأتي في مكان ثابت بعد السمع والبصر بخلاف القلب :
(وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ).
(وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة) .
وهذا المكان الثابت للفؤاد بعد السمع والبصر بخلاف مكان القلب بالنسبة للسمع والبصر إذ يأتي القلب في أي مكان بالنسبة للسمع والبصر.
فقد يأتي قبل السمع والبصر مثل :
(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة . . . )
وقد يأتي بين السمع والبصر مثل :
(وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) الجاثية (23)
وقد يأتي بعد السمع والبصر:
(قل أرءيتم أن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم . . . ) سورة الأنعام آية 46.
الظاهرة الثالثة : أن الفؤاد يأتي كالبصر في صيغة الجمع ويعلق على ذلك رجال التفسير بأن ذلك لتعدد مدارك الفؤاد كالبصر.
الظاهرة الرابعة :
الآية العاشرة في سورة القصص تفك الجهة بين القلب والفؤاد .
(وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ).
ولابد من وقفة متأنية مع هذه الآية فنقول وبالله التوفيق .
فالآية تقرر أن الفؤاد أصبح فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى ونتيجة لذلك كادت تصيح (ولدي) جزعاً وهلعاً مع أن الوحي قد بث فيها الطمأنينة مسبقاً بأن ابنها موسى سيكون في الحفظ وسيعود وسيكون من المرسلين ورغماً عن ذلك طار ما في فؤادها من الهلع وكادت تظهر ذلك لولا أن ربط الله على قلبه وهنا نسب الربط إلى القلب وليس إلى الفؤاد ولكن ماذا لو لم يحدث الربط على القلب يكون الجواب : لزاغ القلب وانقلب ويكون السؤال التالي : وماذا لو انقلب القلب ؟
فيكون الجواب :
لو انقلب القلب لأنقلب تبعاً له الفؤاد كما جاء في سورة الأنعام آية (110)
(ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة )
ولكن فؤاد أم موسى لم ينقلب ولكب فرغ من الهلع فقط وسبب عدم انقلابه الربط على قلبها ومنعه عن الزيغ لسبق إيمانها الذي استمر حتى جاءت لحظة سلبت إرادتها من شدة الخوف فأصبح فؤادها فارغاً نتيجة هذه الحالة القهرية فهي مؤمنة من البداية بعكس الكفار الذي جاء ذكرهم في سورة الأنعام.
(ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ) لماذا ؟
يقول الحق بعدها :
(كما لم يؤمنوا به أول مرة ) فقد سبق كفرهم من البداية .
وهذه الآية بالإضافة إلى أنها تفك الجهة بين القلب والفؤاد تشير إلى أن الفؤاد تركيب معين في الإنسان إذا كان ملئ بضوابط معينة حاضرة فيه فإنه يفرض سيطرة على بعض الأحوال وإن فرغ من هذه الضوابط لحظياً أو كلياً فقدت السيطرة فحضور الضوابط فيه شرط للسيطرة العقلية للأحداث المتعلقة به .
وهذه إشارة إلى الذاكرة :
وتشير الآية أيضاً عن طريق فك الجهة أن هناك قوة أخرى يمكنها تعديل أحوال الفؤاد وتهدئته وإرجاع الذاكرة العاقلة له ألا وهي القلب المؤمن.
الظاهرة الخامسة : الفؤاد يأتي في معاني تحوم حول العواطف والأحاسيس والغرائز:
(فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم . . . ) سورة إبراهيم آية (37)
(نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ) تشير إلى الأحاسيس أو حس الألم وفي سورة الأنعام آية (112) .
(وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً) .
إلى أن قال سبحانه :
(ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) .
وقد فسرت هذه الآيات بان زخرف القول هو المزوق من الكلام والباطل منه .
والصغو : الميل .
فالذين لا يؤمنون يميلون إلى شهوات الدنيا الباطلة ولا يدرون أن ورائها شرا مستطيراً ومن جملة هذه ، الشهوات مزخرفات الأقاويل وتموهات الأباطيل.
قالها الطبري والفخر الرازي والألوسي: وهذه تحمل معنى الغرائز.
(وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ....) سورة هود أية (120).
تشير أيضاً إلى معنى يحوم حول العواطف.
الظاهرة السادسة :
الفؤاد يأتي في معاني تشير إلى الذاكرة (مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء) سورة إبراهيم آية (43)
طارت الذكريات الممتعة التي اكتسبوها من شهواتهم ، طارت من أفئدتهم وهذه إشارة إلى أن الفؤاد مكان للذاكرة .
(وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً ) إشارة إلى أن الفؤاد له علاقة بالذاكرة.
أحاديث جاء فيها ذكر الفؤاد والقلب
في مسند أحمد عن أبي هريرة قال :
أنه مات ميت من أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجتمع النساء يبكين عليه ، فقام عمر بن الخطاب ينهاهن ، ويطردهن فقال صلى الله عليه وسلم (دعهن يا ابن الخطاب فإن العين دامعة والفؤاد مصاب وأن العهد حديث ).
وفي مسند أحمد ج4
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى :
(يا ملك الموت قبضت ولد عبدي قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده قال : نعم قال فما قال . قال : حمدك واسترجع . قال : ابنو له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد ).
وفي مسند أحمد ج6
عن السيدة عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه ثم يقول.
(أنه يعني ليرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسروا إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها).
وفي مسند احمد ج4
يقول صلى الله عليه وسلم :
" أهل اليمن أرق قلوباً وألين أفئدة"
وفي مسند أحمد ج1
عن علي رضى الله عنه قال :
"بعثني النبي صلى الله عليه وسلم قاضياً إلى اليمن فذكر الحديث قال : إن الله مثبت قلبك وهاد فؤادك" .
الفؤاد كما جاء في كتب اللغة
أولاً معجم مقاييس اللغة :
فأد : الفاء والألف والدال أصل صحيح يدل على حمى وشدة حرارة – ومن ذلك فأدت اللحم : شويته .
ومما هو من قياس الباب عندنا : الفؤاد سمى بذلك لحراراته والفأد . مصدر فأدته إذا أصيب فؤاده .
ثانياً في تاج العروس:
فأد الخبر : جعله في الرماد الحار لينضج
فأد اللحم : شواه .
يقال : رجل مفؤد : جبان ضعيف الفؤاد ، رجل مفؤد مفئيد لا فؤاد له ولا فعل له .
التفؤد : التوقد و سمى الفؤاد لتوقده .
وقيل أصل الفأد الحركة والتحريك ومنه اشتق الفؤاد لأنه ينبض ويتحرك كثيراً .
وقيل إنما يقال للقلب الفؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفؤد أي التوقد ويكون ذلك لنوع الإنسان وغيره من أنواع الحيوان.
كمثل أتان الوحش أما فؤادهما فصعب وأما ظهرها فركوب.
أو الفؤاد ما يتعلق بالمرئ من كبد ورئة وقلب وفي الكفاية ما يقتضي أن الفؤاد والقلب مترادفان والأكثر على التفرقة ، فقال الأزهري : القلب مضغة في الفؤاد معلقة بالنياط ، وقيل الفؤاد وعاء القلب أو داخله أو غشاء والقلب حبته .
وقيل القلب أخص من الفؤاد ومنه حديث (أتاكم أهل اليمن هم ارق قلوباً والين أفئدة) فوصف صلى الله عليه وسلم القلوب بالرقة والأفئدة باللين.
ثالثا- لسان العرب (1):
الفؤاد : القلب ، وقيل وسطه وقيل غشاء القلب ، والقلب حبته وسويداؤه وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم عاد سعداً وقال : (إنك رجل مفؤود) المفؤود الذي أصيب فؤاده بوجع.
ورجل مفؤود : جبان الفؤاد وضعيف الفؤاد .
القلب كما جاء في كتب اللغة
أولاً- معجم مقاييس اللغة :
القاف واللام والباء أصلان صحيحان
أ-أحدهما يدل على خالص شيء وشريفه .
ب-والأخر على رد شيء من جهة إلى جهة .
والأول القلب: قلب الإنسان وغيره سمى لأنه أخلص شيء فيه وخالص كل شيء وأشرفه قلبه .
والأصل الأخر قلبت الثوب قلباً . . . وقلبت الشيء كببته ، وقلبته بيدي تقليباً.
ثانياً – في لسان العرب :
والقلب مضغة من الفؤاد معلقة بالنياط . . . وقد يعبر بالقلب عن العقل قال الفراء في تفسيره (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) أي عقل وقال بأنه جائز في العربية أن يسمى العقل بالقلب .
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال (أتاكم أهل اليمن هم ارق قلوباً وألين أفئدة) فوصف صلى الله عليه وسلم القلوب بالرقة والأفئدة باللين وكأن القلب أخص من الفؤاد في الاستعمال .
قلب كل شيء : لبه ، وخالصة ومحضه وفي الحديث (أن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس ).
ثالثاً – في القاموس المحيط (1):
القلب : الفؤاد أو أخص منه والعقل محيط كل شيء .
بعد هذه الجولة فيكتب التفسير وأحاديث الرسول ومعاجم اللغة حول قضية الفؤاد نصل إلى ما يأتي :
1-الفؤاد غير القلب وإن كان هناك ثمة علاقة تربطهم وذلك للأسباب الآتية :
أ-الآية العاشرة من سورة القصص تفك الجهة بين القلب والفؤاد .
(وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها . . . ).
وهذه الآية تشير إلى أنه بينما الفؤاد فارغاً نجد أن القلب يأخذ مركز الصدارة والقيادة .
ب-أحاديث للرسول تفك الجهة بين القلب والفؤاد :
(أهل اليمن أرق قلوباً وألين أفئدة )
فصل بين القلب والفؤاد ونسب الرقة للقلب واللين للفؤاد .
وكذلك دعائه صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه :
(أن الله مثبت قلبك وهاد فؤادك ).
ج- معاجم اللغة تشير إلى دلائل أصول كلمة القلب تختلف عن دلائل أصل كلمة فؤاد
(فالقلب ) في اللغة له أصلان صحيحان : اصل يدل على خالص شيء وشريفه ، وأصل يدل على رد شيء من جهة إلى جهة .
(والفؤاد ) في اللغة أصل صحيح يدل على : حمى وشدة ، ومن ذلك فأدت اللحم = شويته .
والفؤاد سمى بذلك لحرارته وهو يكون لنوع الإنسان وغيره من أنواع الحيوان قال الشاعر :
كمثل أتان الوحش أما فؤادها فصعب وأما ظهرها فركوب
2- الفؤاد يشكل علاقة عضوية مع السمع والبصر وله مكان ثابت لا يتغير بعد السمع والبصر في كل القرآن مما يوحى بأنه يأخذ حكم السمع والبصر كأدوات علم ويشير إلى منطقة من مناطق المخ تتكامل مع السمع والبصر في مخ الإنسان المكلف.
القلب إذا جاء مع السمع والبصر لا يأخذ مكان ثابت بل قد يأتي قبل اسمع والبصر.
(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة. . )
وقد يكون بين السمع والبصر :
(و .... وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) الجاثية (23)
وقد يكون بعد السمع والبصر :
(قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم . . . ) الأنعام (46) .
4- استخدامات القرآن للفؤاد يوحي بأن منطقة الفؤاد تتعامل مع أحداث تحوم حول العواطف والغرائز والأحاسيس بالألم والاستجابات الوجدانية المختلفة ولها علاقة بالذاكرة ، ولقد بينا في القسم العلمي العقلي أن :
المنطقة التي تحط فيها إدراكات السمع تقع في الفص الصدغي من المخ والمنطقة التي تحط فيها ادراكات البصر تقع في آخر المخ في الفص الخلفي ، والمنطقة التي تعتبر مجمع للعواطف والأحاسيس والغرائز ولها علاقة بالذاكرة تقع في قلب المخ .
وقلنا في القسم العلمي الشرعي أن السمع يتقدم البصر في كل القرآن كما أن مركز السمع يتقدم مركز البصر في مخ الإنسان ولأن مركز البصر هو آخر منطقة من الخلف على سطح المخ ليس بعدها إلا الهواء فإلى أي شيء يشير الفؤاد الذي يأتي دائماً بعد السمع والبصر في آيات القرآن الكريم .
(إن السمع والبصر والفؤاد ).
لا يوجد إلا طريق وحيد يمكن أن يشير إليه الفؤاد ألا وهو عمق المخ أو قلب المخ ، أو بمعنى آخر إذا كان السمع في القرآن يشير إلى مركز السمع في المخ والبصر يشير إلى منطقة الإبصار في آخر المخ فإن الفؤاد يشير إلى قلب المخ حيث مجمع العواطف والغرائز والأحاسيس.
وبذلك تكتمل الصورة المجسمة للمخ بمناطقه العقلية المقايسة على قشرته المتمثلة في السمع والبصر ومناطقه الوجدانية في قلبه (قلب المخ) المتمثل في الفؤاد.
واجتماع العقل والعاطفة في وحدة ولا فيه يشكل قيمة فريدة لن توجد في أدق آلات الذكاء الصنعي.
فإذا قلنا كما قال السلف وعلماء التفسير والشريعة من التابعين أن القلب وهو اللطيفة الربانية الذي يتواجد في الصدر ويعتبر أميراً للجوارح فإن السمع والبصر والفؤاد أدوات علم له ومناطقها العاملة تقع في المخ. وبذلك تكمل الصورة المجسمة للمخ البشري الراقي فهو عقل مقاييس محاسب وأرشيف ذاكرة متعددة الأغراض ويتمثل ذلك في أدوات الحس ومتعلقاتها وأهمها السمع والبصر وهي أدوات علم وتكليف وبالإضافة إلى ذلك يحمل منطقة في قلبه وتضفي إلى الأحاسيس المجردة والمعلومات المبرمجة أحاسيس وعواطف وانفعالات فهو يسمع ويسجل ذلك في ذاكرته وينفعل بما يسمع ويميل إليه أو ينفر منه وهو يرى ما يرى وينفعل عاطفياً به فهو ليس آلة حاسبة مقايسة أو ذاكرة مبرمجة بل هو أكبر من ذلك أنه عقل وعاطفة ذاكرة وأحاسيس وعواطف تتفاعل لتشكل جوهر الإنسان المكلف.
ولكن هل تكفي المزاوجة بني مدارك الحس كالسمع والبصر وما يتعلق بهما وبين مناطق العواطف في قلب المخ هل يكفي ذلك لتحقيق معنى الإنسان المكلف؟
قد أقول لا – لماذا ؟
لأن المزاوجة بني قوى الحس العقلية وقوى العواطف الإنفعالية سيتمخض عن آلية يتم فيه إدراك المحسوسات وتخزينها والإستجابة الإنفعالية لها إقبالاً أو نفوراً ثم التصرف وفقاً لهذا الإنفعال ، وهذا المعنى موجود في الحيوان الذي يحتل مرتبة أدنى من الإنسان ولكن من الملاحظ أن الإنسان فيه معنى زائد على كل هذا أنها الإرادة التي تسبق الفعل فتحدثه والإرادة التي تلي الهم فتمنعه والإرادة التي تختار بين البدائل التي تسبق الفعل فتحدثه والإرادة التي تلي الهم فتمنعه والإرادة التي تختار بين البدائل وهذا المعنى الزائد لابد وأن يكون له مكان يعمل عليه فكما للبصر مكان وللسمع مكان وللعواطف مكان فللإرادة مكان وأقصد بالإرادة إرادة الإختيار بين البدائل او إرادة الإختيار من البداية . . فأين مكان ذلك المعنى الزائد أين مكان الإرادة والاختيار بين البدائل ؟ هذا ما سنعرفه في هذه الرحلة الشاقة مع علوم القرآن والمخ البشري فالتستعد أخي المفكر بتصفية الفكر وتنقية الإنتباه حتى تستطيع أن تلتقط هذه الجوهرة من بين أمواج بحر القرآن الكريم .
الفحص الجبهي للمخ والناصية
ملخص لوظائف الفص الجبهي
في الحالة السوية
-يجعل السلوك موافق للمقام عن طريق المراقبة الواعية والضبط المستمر والخلل في ذلك يؤدي إلى خلل في السلوك .
-يقوم بوظيفة الرقابة والسيطرة على السلوك الوجداني (تنظيم) من خلال سيطرة على جهاز العواطف.
-هو قائد مايستروا الحس الحركة ورقيباً عليها ومنظماً لها وفقاً للمواقف الحالية والمتتابعة .
-يقوم بتنفيذ الخطط لتنفيذ أمر مطلوب ويقوم على الإشراف على عملية التنفيذ خطوة خطوة حتى تتم للخطة الموضوعة .
-يقوم بحل المشكلات التي قد تواجه خطة معينة من خلال الإختبار بين البدائل.
-أدواته الذاكرة الدائمة والذاكرة الآنية ووسائلها علمها عند الذي أبدعه من العدم .
ويقول باحث روسي في وظائف الفص الجبهي العليا :
-إضمار النية وتقدير الطرق للوصول إليها والتخطيط لذلك ثم بداية التنفيذ ومتابعته ليأتي وفقاً للمخطط وقد يتدخل بين اللحظة والأخرى لحل العقبات التي قد تعترض مسار الخطوات عن طريق الإختيار بين البدائل.
-(في حالة تخريب الفص الجبهي ) يحدث تغير في السلوك الإجتماعي والشخص إلى الأسوء ويخل بالتخطيط والتنفيذ للخطط السلوكية وصاحبه يصبح مهملا في عمله وفي مظهره ولا يستقر في عمل ولا يستطيع أن يقيم علاقة حميمة حتى مع أقرب الناس إليه.
-يفقد الشخص المرونة مع الأحداث وعدم المقدرة على تغيير الإتجاه وفقاً لتداعي المتطلبات العملية .
-يفقد الإدراك العالي للمحيط الخارجي ويعاني من هلاوس بصرية وسمعية وحسية وغيرها .
-عدم المقدرة على اختيار وتقدير وتنفيذ الخطط وأحياناً لا يستطيع المريض حتى تجهيز وجبة غذائية بسيطة له .
-اختلال عملية رسم الخطط لتنفيذ المطلوب .
-فقد المقدرة على المبادرة لأي عمل أو حالة ولكن لو دفع إليه فقد يتممه إن لم يقطع حركته أو فعله حدث آخر.
-يختل رد فعل المناسب وفقاً للأحداث والمؤثرات الخارجية المختلفة .
-يعاني من عدم التركيز والإنتباه والمتابعة الواعية للأحداث المختلفة (خلل في الإنتباه الإرادي).
-عدم المقدرة على التركيز على مهمة أو التركيز فيها .
-يعاني من حالة من الإنشكاح أو اللامبالاة وفقد المقدرة على التقدير ورسم الخطط المسبقة وفقد الإحساس بالخوف أو القلق أو تقدير طبيعة المواقف ومتطلباتها .
-خلل في الإدراكات المجردة والتفكير السديد.
-اختلال المقدرة على تخطي أو التغلب على المصاعب أو القصور الطارئ .
-صعوبة ضبط النتائج الإجتماعية للأفعال.
-عدم استطاعة إقامة مخطط عمل أو متابعته عند البدئ فيه .
-تبقى ذاكرة الماضي الذكاء .
-يستمر هؤلاء المرضى قادرين على حفظ التعليمات لمجموعة من الأفعال التي يبدو أنهم غير قادرين على إنجازها (شرود الذهن)
وهنا يطرق سؤال :
هل الخصائص السابقة تخص الفص الجبهي وحدة ؟
وما هي وظائف الفصوص المخية الأخرى؟
والإجابة على هذا السؤال بنعم فالوظائف العقلية العليا كالتقدير والتدبير والاختيار بين البدائل ووضع الخطط ومطابقة الحال للمقام ميزة يختص بها الفصل الجبهي .
والفصوص الأخرى لا تتميز بهذا القدر من الوظائف العقلية العليا التي يتميز بها الفص الجبهي فمثلاً الفص المؤخر له وظيفة تتعلق بالبصر بأشكاله وألوانه والفص الصدغي يتعلق بفهم وإنتاج البيان والفص الجداري يختص بالأحاسيس الأخرى كالأحاسيس بالألم أو اللمس والإحساس بالوضع الفراغي في المكان والأحاسيس بالزمان والعلاقات المكانية بين الأشياء وبالإضافة إلى هذه الفصوص وبالأخص الفص الصدغي من الداخل له علاقة بالذاكرة طويلة الأمد وكمخزن للذكريات فتكون النتيجة أن الفص الجبهي هو المكان الذي يمكن أن يحمل معاني العقل
وبعد هذه الجولة العلمية تثير سؤالاً:
هل في كتاب الله المعجز إشارات نستخرج منها مكان ووظيفة الفص الجبهي؟
قد نقول نعم .. . . . كيف ؟
بالمتابعة وبالدراسة المتأنية للأيات التي جاء فيها ذكر أحداث تحوم حول العقل ومعانيه المختلفة وهذا ما سنقوم به بإذن الله في البحث التالي.
الناصية كما جاءت في معاجم اللغة
وآيات الذكر الحكيم
في معجم مقاييس اللغة لابن فارس جزء 5ص 423 دار الفكر (نصا) النون والصاد والحرف المعتل أصل صحيح يدل على تخير وخطر في الشيء وعلو ، منه النصية من القوم ومن كل شيء : الخيار ويقال انتصيت الشيء : أخترته ومنه الناصية : سميت لإرتفاع منبتها .
وفي معجم مفردات القرآن للراغب الأصفهاني دار الفكر ص 517 الناصية : قصاص الشعر ونصوت فلان وأنتصيته وناصيته : أخذت بناصيته .
وقوله تعالى : (ما من دابة في الأرض إلا هو آخذ بناصيتها ) أي متمكن منها وفلان ناصية قومه كقولهم رأسهم وعينهم وفلان ناصية قومه أي خيارهم والنص مرعى من أفضل المراعي .
وفي لسان العرب لابن منظور:
قال الفراء في قوله عز وجل : (لنسفعا بالناصية ) ناصيته مقدمة رأسه.
وقال الأزهري الناصية عند العرب منبت الشعر في منبت الرأس لا الشعر الذي تسميه العامة الناصية .
وقال الزجاج في قول عز وجل :
(ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ) بمعنى في قبضته تناله ما شاء قدرته وهو سبحانه لا يشاء إلا العدل / ويقال للرؤساء نواصي.
سورة العلق :
(أقرأ باسم ربك الذي خلق *خلق الإنسان من علق *إقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم * كلا إن الإنسان ليطغى * أن راءه استغنى * إن إلى ربك الرجعى * أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى* أرأيت إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى * أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى* كلا لئن لم ينتهي لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة * فليدع نادية * سندع الزبانية * كلا لا تطعه واسجد واقترب).
يقول الطبري :
لنسفعا بالناصية : : لنأخذن بمقدم رأسه ، فلنضمنه ولنزلنه يقال : سفعت بيده إذا أخذت بيده .
وقيل لنأخذن بناصيته إلى النار.
وعن (ناصية كاذبة خاطئة) قال أبو جعفر : وصف الناصية بالكذب والخطيئة والمعنى لصاحبها .
ويقول الفخر الرازي :
إن الله سبحانه ذكر في مقدمة السورة دلائل ظاهرة على التوحيد والقدرة والحكمة بحيث يبعد من العاقل أن لا يطلع عليها ولا يقف على حقائقها ثم اتبعها بما هو السبب الأصلي في الغفلة عنها وهو حب الدنيا والإشتغال بالمال والجاه ، والثروة والقدرة ، فإنه لا سبب لعمى القلب في الحقيقة إلا ذلك . . . وبعد ذلك ذكر قضية أبو جهل التي بدأت بقوله سبحانه:
(أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى . . . )
وفي معنى هذه الآية يقول الفخر :
أرأيت خطاب للرسول على سبيل التعجب ووجه التعجب فيه أمور منها :
أن أبو جهل كان يلقب بأبي الحكم فكأنه تعالى يقول : كيف يليق به هذا اللقب وهو ينهى العبد عن خدمة ربه ، أيوصف بالحكمة من يمنع عن طاعة الرحمن ويسجد للأوثان
الجزء الثانى
-----
ويقول الفخر الرازي :
إن الله سبحانه ذكر في مقدمة السورة دلائل ظاهرة على التوحيد والقدرة والحكمة بحيث يبعد من العاقل أن لا يطلع عليها ولا يقف على حقائقها ثم اتبعها بما هو السبب الأصلي في الغفلة عنها وهو حب الدنيا والإشتغال بالمال والجاه ، والثروة والقدرة ، فإنه لا سبب لعمى القلب في الحقيقة إلا ذلك . . . وبعد ذلك ذكر قضية أبو جهل التي بدأت بقوله سبحانه:
(أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى . . . )
وفي معنى هذه الآية يقول الفخر :
أرأيت خطاب للرسول على سبيل التعجب ووجه التعجب فيه أمور منها :
أن أبو جهل كان يلقب بأبي الحكم فكأنه تعالى يقول : كيف يليق به هذا اللقب وهو ينهى العبد عن خدمة ربه ، أيوصف بالحكمة من يمنع عن طاعة الرحمن ويسجد للأوثان : (أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى) خطاب لمن ؟ يقول الفخر
فيه وجهان :
أولاً : (خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم : فيكون المعنى : أرأيت إن صار على الهدى وأشتغل بأمر نفسه ، أما كان يليق به ذلك وهو رجل عاقل ذو ثروة كأنه سبحانه يقول : كيف فوت على نفسه المراتب العالية وقنع بالمراتب الدنية .
ثانيا: خطاب للكافر وكأنه سبحانه وهو الحكم العدل بعد أن وجهه خطابه للرسول وجهه للخصم فيكون المعنى : أرأيت أيها الكافر إن كانت صلاته صلى الله عليه وسلم هدى ودعاؤه رحمة اتنهاه عن ذلك ؟
وفي قوله : (أرأيت إن كذب وتولى) – ( ألم يعلم بأن الله يرى)
يقول فيها قولان :
الأول : الخطاب موجه للرسول صلى الله عليه وسلم فيكون المعنى أرأيت يا محمد إن كذب هذا الكافر بتلك الدلائل الواضحة ، وتولى عن خدمة خالقه ، ألم يعلم بعقله أن الله يرى منه هذه الأعمال القبيحة ويعلمها أفلا يزجره ذلك .
والثاني : أنه خطاب للكافر فيكون المعنى : إن كان يا كافر محمداً كاذباً أو متولياً ألا يعلم بأن اله يرى حتى ينهى بل احتاج إلى نهيك .
وبعد ذلك جاء الزجر (كلا ).
وعن (لنسفعا ) قال الفخر الرازي : فيها وجوه :
1- لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة .
2- السفع : الضرب
3- التسويد .
4- لنسمنه
وعن الناصية يقول الفخر الرازي :
معرفة : كأنه يقول الناصية المعروفة عندكم ذاتها المجهولة صفاتها وهي ناصية كاذبة قولاً وخاطئة فعلاً وإنما وصف بالكذب لأنه كان كاذباً على الله ورسوله .
كاذباً على الله بأنه لم يرسل رسول . وعلى رسوله بأنه ساحر كذاب
وخاطئة لأن صاحبها متمرد على الله ووصفت الناصية بأنها كاذبة خاطئة كما وصفت الوجوه بأنها ناظرة (إلى ربها ناظرة ).
وللألوسي تفسير جميل في هذه الآيات ، يقول رحمة الله
أرأيت : هنا خطاب لكل من له عقل من جنس المكلفين بمعنى أخبرني يا من له أدنى تمييز أو أيها الإنسان .
وفي (أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ) يقول : أخبرني عن ذلك الناهي إن كان على الهدى فيما ينهى عنه عن عبادة الله وحاصل المعنى على ما قال الفراء : أرأيت الذي ينهى عبداً يصلى والمنهى على الهدى وآمر بالتقوى والناهي مكذب متول فما أعجب من ذا .
وعن قوله سبحانه (لنسفعا بالناصية)
يقول الألوسي : أي لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار يوم القيامة وقال المبرد السفع : الجذب بشدة .
وقال مؤرخ السفع : الأخذ بلغة قريش والناصية شعر الجبهة ويطلق على مكان الشعر .
وعن قوله (ناصية كاذبة خاطئة ) يقول الألوسي : إن وصف الناصية بذلك وهو صفة لصاحبها للمبالغة لشدة كذبه وخطئة كأن كل جزء من أجزائه يكذب ويخطأ .
وفي (واسجد ) يقول : هو السجود على ظاهره أو مجازا عن الصلاة ولأنه في صحيح مسلم وغيره :
(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء ).
وفي الصحيح أيضاً (عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله تعالى سجدة إلا رفعك الله تعالى درجة وحط عنك بها خطيئة).
وفي كاذبة خاطئة يقول ابن عباس :
-كاذبة على الله ، - خاطئة مشركة بالله
(وفي سورة هود : 50 : 60)
(وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم أعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون ).
(يا قوم لا أسئلكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون)
(يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزيدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ).
فكان رد قومه :
(قالوا يا هود ما جئتا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين ).
(إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله وأشهد إني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون) .
(إنى توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ).
قال أبو جعفر : إني توكلت على الله الذي هو مالكين ومالككم والقيم على جميع خلقه . " من أن تصيبونني بشيء " .
فإنه ما من شيء يدب على الأرض إلا والله مالكه وهو في قبضته وسلطانه ذليل خاضع له .
ويقول الإمام الطبري :
كيف قيل (هو آخذ بناصيتها ) فخص بالأخذ الناصية دون سائر الأماكن. قيل : لأن العرب كانت تستعمل ذلك في وصفها من وصفته بالذل والخضوع فتقول :
" ما ناصية فلان إلا بيد فلان " أي : إنه له مطيع ، يصرفه كيف يشاء ، وكانوا إذا أسر الأسر فأرادوا إطلاقه والمن عليه جروا ناصيته ، ليعتدوا بذلك عليه فخراً عند المفاخرة فخاطبهم ربهم بما يعرفون في كلامهم .
وعن (أن ربي على صراط مستقيم ).
إن ربي على طريق الحق يجازي المحسن من خلقه بإحسانه والمسيئ بإسائته ولا يظلم أحداً منهم شيئاً ولا يقبل منهم إلا الإسلام والإيمان به.
وهذه الآيات تدل على أن الناصية هي مركز القيادة للسلوك .
ويقول الفخر الرازي:
(ما من دابة إلا هو أخذ بناصيتها )تدل على التوحيد .
و(إن ربي على صراط مستقيم ) تدل على العدل ، أي إن كان سبحانه وتعالى قادراً عليهم لا يظلمهم .
وبعض المفسرين كما جاء في القرطبي يميل إلى الأخذ بظاهر الآية فجاء في تفسير الآية :
إن الله تعالى قدر مقادير أعمال العباد ثم نظر إليها ، ثم خلق خلقه ، وقد نفذ بصره في جميع ما هم فيه عاملون قبل أن يخلقهم فلما خلقهم وضع نور تلك النظرة في نواصيتهم فذلك النور آخذ بنواصيهم يجربهم إلى أعمالهم المقدرة عليهم يوم المقادير . . . ولهذا قويت الرسل وصاروا من أولي العزم لأنهم لاحظوا نور النواصي ، وأيقنوا أن جميع خلقه منقادون بتلك الأنوار (ذكره ابن كثير ).
وجاء في الحديث النبوي تأكيداً بأن الناصية فيها مراكز القيادة والتوجيه للسلوك البشري فقال عليه الصلاة والسلام : (ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال : اللهم إن عبد ابن عبدك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضائك ).
رواه أحمد في مسنده .
دل الحديث أن الناصية بيد الله وهو دائم آخذ بها فأفاد هذا المعنى ضمناً أن للناصية دوراً هاماً في قيادة الإنسان وتوجيه سلوكه.
بعد هذه الجولة مع آيات الناصية في كتب التفسير ومعاجم اللغة نقول :
ما جاء عن الناصية في كتاب الله المعجز يحمل سراً علمياً يمكن أن يقودنا إلى معرفة أسرار الفص الجبهي للمخ البشري وذلك من خلال ما يأتي :
1- أشار الحق إلى الناصية إشارة يفهم منها أن للناصية علاقة بالإختيار بين البدائل وقضية التكليف فبعد أن عرض الحق البدائل قيد الخيار أمام عقل مكلف (أبو جهل) وكان من الإيمان والصدق أن يختار أبو جهل الحق ويدعوا إليه ولكنه فعل العكس بعناد الكافر وهو يعلم الحق فاستحق التهديد المخيف (كلا لئن لم ينتهي لنسفعا بالناصية )إنها إشارة إلى التنكيل وإيقاع العقاب المهين ، وإيقاع العقاب نتيجة لسلوك معين يرتبط بشرط سلامة العقل وحرية الإرادة وهي قضية التكليف.
وتوجيه العقاب للناصية بالذات ثم وصفها بأنها كاذبة خاطئة بصيغة (اسم الفاعل) يعني أنها المسئولة عن الاختيار بين البدائل بإرادة حرة ، فقد خيرت أو خير صاحبها (بها ) بين الإيمان والكفر فاختار بإرادته الحرة الكفر وخير بين الصدق والكذب فاختار الكذب.
2-أشار الحق إلى الناصية إشارة يفهم منها أنها مكان القيادة للإنسان كله أو فيها مركز القيادة التي من خلالها يتم توجيه أنشطة الإنسان وحالاته يقول سبحانه في سورة هود : (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها).
معناها أن من أخذ بناصيته أصبح منقاداً وخاضعاً لمن أخذ بها (هيمن عليها ) وهنا إشارة خفية إلى أن في الناصية غرفة القيادة للجسم كله.
3- بالنسبة لمكان الناصية فقد حددته اللغة وكتب التفسير بأنه (مقدم الرأس).
فهل هناك مكان في المخ له علاقة بمقدم الرأس وله قيمة بشرية عليا تتصل بقضية التكليف وفيه غرفة القيادة العليا للإنسان المكلف؟
الإجابة نعم إنه الفص الجبهي للمخ البشري الذي تتجلى فيه الإرادة البشرية الحرة والهيمنة على سائر المناطق والاختيار بين البدائل ومعاني العقل المختلفة ، فالأمور تعرض على الفص الجبهي والاختيار يتم به والإرادة تبدأ فيه والتخطيط والتنفيذ يتم من خلاله ، بل وصحته تعني العقل ومرضه يعني الجنون .
ومن أهم الأحداث العلمية الجديدة والعجيبة هو تسجيل (تيار النية) وهو موجه كهربائية سلبية تظهر في الفص الجبهي لمخ الإنسان عندما (ينوي) الإنسان إيقاع فعل معين وقبل حدوث ذلك الفعل ، ولقد سجل العلماء بوسائل تقنية متطورة هذا التيار وسموه تيار النية
الخلاصة
وهنا يمكن لنا أن نحط الرحال بعد تلك الرحلة المضنية لنستعرض الدرر التي حصلنا عليها من بحر القرآن العظيم الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنفذ كنوزه ولا ينتهي إعجازه فنقول وبالله التوفيق:
إن الدراسة المتأنية للآيات التي ذكر فيها السمع والبصر والفؤاد والناصية وما يتعلق بهم رسمت صورة مجسمة شاملة لأدوات التكليف في المخ البشري الذي يعتبر مكان لتلك الأدوات فالسمع والبصر وهم علم لهم مراكزهم في المخ البشري على سطح المخ على قشرته بينما تسكن مناطق العواطف والأحاسيس قلب المخ وبينهما علاقة متبادلة يتحقق منها معنى زائد وهو أن المخ بأدوات إدراكه ليس مجرد آلة حاسبة أو ذاكرة مبرمجة أو آلة مقايسة بل هو أكبر من ذلك إنه يدرك ويقايس ويحسب ويحتفظ بالذكريات المختلفة وفي نفس الوقت ينفعل ويتعاطف ويدخل بوجدانه شريكاً في العمليات العقلية الأخرى ، وليس هذا نهاية المطاف بل هناك ما هو أعلى وأغلى من ذلك إنها الإرادة التي تحكم كل الملكات وتوجهها وتختار بين البدائل من خلال المقارنة والترجيح.
وكما أشار القرآن لمكان ووظيفة السمع والبصر والفؤاد أشار إلى الناصية بأن فيها تتجلى الإرادة ومن خلالها يتم الإختيار بين البدائل وبتوجيهها يتم تنظيم السلوك وقيادة حركة الجسم وهذا ما وجده العلماء حديثاً وصدق الحق القائل في محكم آياته:
(سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)
فماذا تقول أيها العقل المفكر العالم ؟ حتماً ستقول (ذلك الكتاب لا ريب فيه).
إنه كتاب الله الوحيد الخالد الباقي المحفوظ الذي يحمل إعجازه فيه ليدين به الجميع وليكون دستوراً للعالمين لمن شاء منهم أن يستقيم .
وللبحث بقية فأحتفظ بهذا القسم لضمه مع الأجزاء التالية لتحصل في النهاية على صورة شاملة لأسرار المخ البشري نتناول فيها المواضيع التالية :
(1) علاقات مناطق المخ .
(2) قضية العقل والمخ .
(3) قضية اللغة .
(4) قضية النوم .
(5) قضية السحر.
وغيرها من الموضوعات التي لها علاقة بالمخ البشري وأسراره.
د.حسين رضوان سليمان اللبيدي
عضو جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
سوهاج / برديس
691457 برديس
ATmaCA
05-09-2005, 07:45 AM
الرابط لايعمل . . .
اقصد جزاك الله خيراً !!
شكراً للاخ علاء الدين . .
aladdinosman
05-09-2005, 04:06 PM
عفوا يا اخى فلا شكر على واجب
وشكرا لاهتمامك
اخوك
علاء الدين
Powered by vBulletin™ Version 4.2.1 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, ENGAGS © 2010