المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خبر كتائب السلفية تقتل أدلة القائلين بأن الله معنا بنفسه بالأدلة النقلية و



د.ربيع أحمد
10-26-2008, 01:20 AM
كتائب السلفية تقتل أدلة القائلين بأن الله معنا بنفسه بالأدلة النقلية والعقلية





إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .

و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين

أما بعد :

فقد تضافرت أدلة الشرع على علو الله فوق سماواته ، و الفطر السليمة على ذلك و السلف الصالح على ذلك ، ومع هذا وجد من يؤول هذه النصوص ، و يحملها على غير محملها الصحيح مخالفا صريح الكتاب و السنة و كلام السلف الصالح ،و قد تصفحت منذ بضعة أيام كتاب يدعى إن الله معنا حقا فصعقت مما به من أدلة يتوهم منها أن الله معنا بنفسه في الأرض ،و حمل نصوص الكتاب و السنة على غير ظاهرها و نحسن ظنا بالكاتب أنه أراد بيان الحق الذي غلب على ظنه أنه حق لكن كم من مريد للحق لا يبلغه لذلك أحببت في كتابة شيئا من الحق الذي عليه أهل السنة و الجماعة ، و أسميته كتائب السلفية تقتل أدلة القائلين بأن الله معنا بنفسه بالأدلة النقلية والعقلية و كان مكونا من ثلاثة فصول :

الفصل الأول : الأدلة على علو الله
الفصل الثاني : مناقشة استدلالات من قال الله معنا بنفسه
الفصل الثالث :فصل : كلام الصحابة و السلف و من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين في علو الله
الخاتمة :

د.ربيع أحمد
10-26-2008, 01:27 AM
فصل : من أدلة علو الله فوق خلقه ، والرد على من رد على هذه الأدلة :


الدليل الأول :

آيات الاستواء على العرش كقوله تعالى : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾[1] و استوى على العرش أي علا على العرش و العرش أعلى المخلوقات و الله علا على العرش فالله فوق جميع المخلوقات وليس معهم بذاته و من أقوال علماء السلف في أن الاستواء على العرش بمعنى العلو قول الطبري في قوله تعالى : ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾[2]: وقوله: ﴿ في ستة أيام ﴾قيل: كان ابتداء ذلك يوم الأحد، والفراغ يوم الجمعة ﴿ ثم استوى على العرش الرحمن ﴾ يقول: ثم استوى على العرش الرحمن وعلا عليه، وذلك يوم السبت فيما قيل. وقوله: ﴿ فاسأل به خبيرا ﴾ يقول: فاسأل يا محمد خبيرا بالرحمن، خبيرا بخلقه، فإنه خالق كل شيء، ولا يخفى عليه ما خلق. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل[3] ، و قال قتيبة بن سعيد : نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه كما قال تعالى : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [4] ، قال ابن بطال : وأما تفسير استوى علا فهو صحيح وهو المذهب الحق وقول أهل السنة لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي [5].




رد القائلين بأن الله معنا بنفسه على الاستدلال بآيات الاستواء على علو الله فوق خلقه :





قالوا : هذه الآيات إثبات لوجود الله فوق العرش امتدادًا لإثبات وجوده فى أرضه وسماواته ، حيث لا يجوز تفسير استواء الله على العرش بمفهوم مغادرته للأرض والسماوات !! ، لأن فى ذلك تحجيمًا له وتحييزًا وتغييبًا ، وهو فهم يتعلق بكيفية مبنية على تشبيه الله بغيره من المحدودات !، وهذا يتصادم مع أسماء الله الأول والآخر والظاهر والباطن والواسع والمتعال والقريب كما فسرها النبى صلى الله عليه وسلم باتساع الله المطلق معنا ومع كل شيء وفوقنا وفوق كل شيء ، بمعنى استواء وجود الله نفسه فى كل جهة ومكان دون تحدد أو تحيز ، وبالتالى دون غياب من أى مكان ، ولا مانع من هذا التفسير لغة وشرعا ، وبه قال الكثيرون ، وبغيره لم يقل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه و أورد الإمام القرطبى أهم أقوال العلماء فى معنى الاستواء على العرش حيث قال : (( هذه مسألة الاستواء ، وللعلماء فيها كلام ، و الأكثر من المتقدمين و المتأخرين أنه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه عن الجهة و التحيز فمن ضرورة ذلك و لواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدمين و قادتهم من المتأخرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة ، فليس يتحيز بجهة فوق عندهم ؛ لأنه يلــزم من ذلك عندهم متى اختص بجهة أن يكون في مكان أو حيز ، و يلزم على المــكــان و الحيــز الحركة و الســكون للمتحــيز ، و التغـــير و الحــدوث )) .

مناقشة الرد :

الاستواءفي اللغة العربية إذا عُدى بـحرف الجر على فلا يقتضي إلا الارتفاع و العلو فيكون معنى قوله
تعالى : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾علا على عرشه عزّ وجل علواً يليق به ليس كعلو المخلوقين : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾[6] فلا يشبه علو الإنسان على السرير و لا علو الإنسان على الأنعام ، ولا علو الإنسان على الفلك ، و مادام الله على العرش فهو علو المكان إذ الظاهر من العلو علو المكان ، والعلو إنما يكون علو الشيء نفسه فالله نفسه فوق العرش ، والعلو المطلق لله علو المكان بفوقيته فوق عرشه و العرش أعلى المخلوقات فمن علا عليه فقد علا على جميع المخلوقات ، وعلو الصفات فالله جميع صفات الكمال و يمتنع عنه جميع صفات النقص و من يقول استوى على العرش أي استولى على العرش لقول الشاعر : استوى بشر على العراق، والجواب على ذلك : قال ابن تيمية : لم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة ; وذكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه ( الإفصاح ) قال : سئل الخليل هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى ؟ فقال : هذا ما لا تعرفه العرب ; ولا هو جائز في لغتها وهو إمام في اللغة على ما عرف من حاله فحينئذ حمله على ما لا يعرف حمل باطل[7] ، و أيضا استوى بشر على العراق ليس صريحًا في أنه استولى على العراق ، فاستوى بشر على العراق، يعني: علا على عرشه، صار سلطانًا عليه ، وأيضًا من جهة المعنى، لا يصح، فإن الاستيلاء يشعر بأنه كان قبل ذلك غير مستول عليه، وأنه صار مستوليا عليه بعد أن لم يكن، أو يشعر أيضًا بالمغالبة، استولى عليه ،و لو صح هذا البيت وصح أنه غير محرف، لم يكن فيه حجة، بل هو حجة عليهم، وهو على حقيقة الاستواء، فإن بشراً هذا كان أخا عبد الملك بن مروان ، وكان أميراً على العراق ، فاستوى على سريرها كما هو عادة الملوك ونوابها، أن يجلسوا فوق سرير الملك مستوين عليه، وهذا هو المطابق لمعنى هذه اللفظة في اللغة، كقوله تعالى: ﴿ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ﴾[8]، ولو كان المراد بالبيت استيلاء القهر والملك، لكان المستوي على العراق عبد الملك بن مروان لا أخوه بشر ، فإن بشراً لم يكن ينازع أخاه عبد الملك ولم يكن ملكاً مثله، وإنما كان نائباً له عليها ووالياً من جهته، فالمستولي عليها هو عبد الملك لا بشر ، بخلاف الاستواء الحقيقي وهو الاستقرار فيها والجلوس على سريرها، فإن نواب الملوك تفعل هذا بإذن الملوك ،و لا يقال لمن استولى على بلدة ولم يدخلها ولم يستقر فيها بل بينه وبينها بعد كثير: أنه قد استوى عليها، فلا يقال: استوى أبو بكر على الشام ولا استوى عمر على مصر والعراق ، ولا قال أحد قط: استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن ، مع أنه استولى عليها واستولى خلفاؤه على هذه البلاد، ولم يزل الشعراء يمدحون الملوك والخلفاء بالفتوحات، ويتوسعون في نظمهم واستعاراتهم، فلم يسمع عن قديم منهم -جاهلي ولا إسلامي- ولا محدث أنه مدح أحداً قط أنه استوى على البلد الفلاني الذي فتحه واستولى عليه، فهذه دواوينهم وأشعارهم موجودة ، و من يقول إنه يلزم من تفسير الاستواء بالعلو أن يكون الله جسماً فجواب هذه الشبهة أن كل شيء يلزم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو حق، ويجب علينا أن نلتزم به، ولكن الشأن كل الشأن أن يكون هذا من لازم كلام الله ورسوله، لأنه قد يمنع أن يكون لازماً، فإذا ثبت أنه لازم، فليكن، ولا حرج علينا إذا قلنا به. ثم نقول: ماذا تعنون بالجسم الممتنع ؟إن أردتم به أنه ليس لله ذات تتصف بالصفات اللازمة لها اللائقة بها، فقولكم باطل، لأن لله ذاتاً حقيقية متصفة بالصفات، وأن له وجهاً ويداً وعيناً وقدماً، وقولوا ما شئتم من اللوازم التي هي لازم حق. وأن أردتم بالجسم الذي قلتم يمتنع أن يكون الله جسماً: الجسم المركب من العظام واللحم والدم وما أشبه ذلك، فهذا ممتنع على الله، وليس بلازم من القول بأن استواء الله على العرش علوه عليه[9] ، ومن يقول تفسير استواء الله على العرش بعلوه فوق العرش يستلزم أن يكون الله محدودا فجواب هذه الشبهة : ماذا تعنون بالحد؟إن أردتم أن يكون محدوداً، أي: يكون مبايناً للخلق منفصلاً عنهم، كما تكون أرض لزيد وأرض لعمر، فهذه محدودة منفصلة عن هذه، فهذا حق ليس فيه شيء من النقص. وإن أردتم بكونه محدوداً: أن العرش محيط به، فهذا باطل، وليس بلازم، فإن الله تعالى مستوى على العرش، وإن كان عز وجل أكبر من العرش ومن غير العرش، ولا يلزم أن يكون العرش محيطاً به بل لا يمكن أن يكون محيطاً به، لأن الله سبحانه وتعالى أعظم من كل شيء وأكبر من كل شيء والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه[10] و من يقول تفسير استواء الله على العرش بعلوه فوق العرش يستلزم أن يكون الله محتاجا إلى العرش فجواب هذه الشبهة : لا يلزم، لأن معنى كونه مستوياً على العرش: أنه فوق العرش، لكنه علو خالص، وليس معناه أن العرش يقله أبداً، فالعرش لا يقله، والسماء لا تقله، وهذا اللازم الذي ادعيتموه ممتنع، لأنه نقص بالنسبة إلى الله عز وجل، وليس بلازم من الاستواء الحقيقي، لأننا لسنا نقول: إن معنى﴿ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾يعني: أن العرش يقله ويحمله، فالعرش محمول ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾[11] وتحمله الملائكة الآن، لكنه ليس حاملاً لله عز وجل، لأن الله سبحانه وتعالى ليس محتاجاً إليه ، و لا مفتقراً إليه [12] و من يقول علو الله على العرش علو المكانة لا المكان يجاب على هذه الشبهة أن القول بأن الاستواء على العرش علو مكانة الله على العرش من جنس قول القائل السماء فوقنا و الأرض تحتنا و الجبل أثقل من الحصى فهذا الكلام تحصيل حاصل ليس فيه تمجيد ولا تعظيم بل تنقص إلا إذا كان الكلام يقتضي ذلك كما في الاحتجاج على مبطل قال تعالى : ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ ، و الأصل في العلو على المكان فالذي يصرفه عن المعنى الظاهر يحتاج لدليل ، ولا دليل صحيح خال من معارض معتبر ، ومن يقول تفسير استواء الله على العرش بعلوه فوق العرش يستلزم أن التحيز فالجواب على هذه الشبهة إن كان المراد أن الله تحوزه المخلوقات فهذا باطل قطعاً ، و إن أراد أن الله منحاز عن المخلوقات ، أي : مباين لها فهذا حق ، ومن يقول تفسير استواء الله على العرش بعلوه فوق العرش يستلزم أن يكون الله في جهة من الجهات ومكان من الأماكن ، والجواب على هذه الشبهة لفظ الجهة لم يرد في الكتاب والسنة إثباتاً ولا نفياً، ويغني عنه ما ثبت فيهما من أن الله تعالى في السماء. و أما معناه فإما أن يراد به جهة سفل أو جهة علو تحيط بالله أو جهة علو لا تحيط به. فالأول باطل لمنافاته لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب والسنة، والعقل والفطرة ، و الإجماع . و الثاني باطل أيضاً؛ لأن الله تعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته. والثالث حق ؛ لأن الله تعالى العلي فوق خلقه ولا يحيط به شيء من مخلوقاته[13] فنقول إثبات المكان لله إما أن يراد بالمكان أمر وجودي وهو الذي يتبادر لأذهان جماهير الناس اليوم ويتوهمون أنه المراد بإثباتنا لله تعالى صفة العلو . و الله تعالى منزه عن أن يكون في مكان بهذا الاعتبار فهو تعالى لا تحوزه المخلوقات إذ هو أعظم وأكبر بل قد وسع كرسيه السموات والأرض و أما أن يراد بالمكان أمر عدمي وهو ما وراء العالم من العلو فالله تعالى فوق العالم وليس في مكان بالمعنى الوجودي كما كان قبل أن يخلق المخلوقات .
شيهة أخرى حول استواء الله على العرش :

قالوا الله ليس فوق مخلوقاته لقوله تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾[14] ولدينا أي عندنا فاللوح المحفوظ مع الله فليس الله فوق المخلوقات ؛ لأن أحد المخلوقات معه ، و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما قضى اللهالخلق كتب في كتابه ، فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي[15] و قوله صلى الله عليه وسلم "عنده فوق العرش" يدل على أن مع الله أحد المخلوقات فبطل أن الله فوق جميع المخلوقات ، والجواب على هذه الشبهة كون الكتاب عند الله والله فوق العرش فهذا يدل على أن اللوح المحفوظ فوق العرش و اللوح المحفوظ يكون مستثنى من عموم الأدلة الدالة على أن العرش فوق جيع المخلوقات ، و إخراج بعض أفراد العام عن حكم العام ( التخصيص )لا ينهي الحكم عن جميع أفراد العام، بل لا بد من بقاء بعض من الأفراد ينتهي إليه التخصيص ، و التخصيص لا يفقد العام صلاحية الاحتجاج مطلقا في مستقبل الزمان ، بل يعمل به في غير صورة التخصيص ؛ لأنه لا بد من بقاء بعـض أفراد العام بعد تخصيصه، ولا يمكن أن يتناول التخصيص كل أفراده نأيا للـعام عن اللغو ودلالة العام على أفراده الباقية تحته بعد التخصيص باقية، و التخصيص لا يبطلها بل يبقيها، و كون اللوح المحفوظ عند الله و فوق العرش فهذا لا يبطل أن الله مستو على العرش و لا ينافي علوه ، و لا يلزم من قول أحد هذا الشيء عند فلان أن يكون الشيء وفلان في مكان واحد وفي علو واحد فعندما أقول القلم عند أحمد لا يعني بالضرورة أن القلم و أحمد في مكان واحد ، و في علو واحد فقد يكون أحمد في غرفة والقلم في غرفة وعندما أقول الراديو عند محمد لا يعني بالضرورة أن يكون الراديو و محمد في نفس المكان .






الدليل الثاني :

الآيات التي فيها التصريح بالعلو المطلق كقوله تعالى : ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾[16] ، و قوله تعالى : ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾[17]، و مادام الله وصف نفسه بالعلو و العلو عند الإطلاق يشمل علو الذات و علو الصفات و علو الذات فمعناه أن الله بذاته فوق جميع خلقه . وأما علو الصفات فمعناه أنه ما من صفة كمال إلا ولله تعالى أعلاها وأكملها سواء أكانت من صفات المجد والقهر أم من صفات الجمال والقدر فالله متصف بالعلو المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله فذاته أعلى الذوات فالله فوق العالم ولا شيء فوقه، وصفاته وأفعاله أعلى الصفات والأفعال وأرفعها جمالا وحسنا وكمالاً ، والعلو أيضا يشمل علو المكان و علو المكانة ، وعلو المكان يستلزم أن يكون الله فوق جميع خلقه ، وليس معهم بذاته . رد القائلين بأن الله معنا بنفسه على الاستدلال بالآيات المصرحة بالعلو على علو الله فوق خلقه : الــمراد بالعلو علـــو المكانة و علو الله في القلـــوب لأن الله معنــا أينما كنا .

مناقشة الرد :

العلو المطلق علو المكان والمكانة والقدرة والقهر و الصفات و الأصل في كلمة العلو علو المكان ، و من يصرف اللفظ عن ظاهره يحتاج لدليل ، وإلا فالأصل في الكلام الحقيقة ، و إنما يثبت معنى علو المكانة و العلو في القلوب ضمن ثبوت العلو المطلق من كل وجه فلله سبحانه علو الأسماء وعلو القدر وعلو الذات و علو الصفات فمن أثبت البعض ، و نفى البعض فقد تناقض و علو مكانة الله وعلوه في القلوب يستلزم علوه بنفسه فوق خلقه فإن لم يكن عاليا بنفسه على كل شبء كان علوه في القلوب غير مطابق كمن جعل ما ليس بأعلى أعلى[18] و كون الله معنا فهذا لا يستلزم نفي علو المكان ؛ لأن المعية لا تقتضي الاجتماع في المكان إلا بدليل عندما يقول القائد لجنوده سيروا و أنا معـــكم هل يلزم أنه معهم بنفسه أم أنا معكم بتأييدي لكم بتشجيعــي لكم برؤيتي لكم .




الدليل الثالث :الآيات التي فيها التصريح بأن الله فوق خلقه كقوله تعالى : ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾[19] ، وقوله تعالى : ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾[20] ، و مادام الله فوق خلقه فهذا يستلزم علوه عليهم و أنه ليس معهم بذاته .

رد القائلين بأن الله معنا بنفسه على الاستدلال بالآيات المصرحة بفوقية الله على خلقه على علو الله فوق خلقه بنفسه :

المراد بفوقية الله على خلقه فوقية المكانة لا فوقية المكان ، و فوقية القهر والغلبة لا فوقية الذات ، و هذا كما إذا قلت : الملك فوق الوزير، أي: أعلى منه درجة ، و أيضا الفوقية تحيط بالأرض كلها، أى أن ( العلو ) هو الاتساع المطلق و ليس هو البُعْد المطلق . والأرض تدور دائما ، و ما هو فوقنا الآن يكون تحتنا بعد ساعات ولكنه فوق نصف الكرة الأرضية المقابل ،وكروية الأرض ودورانها دليل على أن الله في كل مكان ، و السماء محيطة بالكرة الأرضية دليل على أن الله في كل مكان .

مناقشة الرد :
فوقية الله على خلقه مطلقة تشمل فوقية المكان والمكان ،و الأصل في كلمة فوق العلو على المكان ، ومن يصرف اللفظ عن ظاهره يحتاج لدليل ، و إلا فالأصل في الكلام الحقيقة ، و إنما يثبت معنى فوقية المكانة و ضمن ثبوت الفوقية المطلقة من كل وجه فلله سبحانه فوقية الأسماء وفوقية القدر وفوقية الذات و فوقية الصفات فمن أثبت البعض و نفى البعض فقد تناقض ، وما المانع من أن يكون المراد بالفوقية فوقية المكان والمكانة معا ، و كون فوقية الملك على الوزير فوقية درجة فلا يمنع من أن تكون الفوقية أيضا فوقية مكان فكون الملك فوقه من حيث المكانة والمنزلة لا ينفي أن يكون فوقه في المكان ، و الأرض تحت السماء و هي تدور تحت السماء ولا تأتي مرة فوقها ومرة تحتها ، و لو أحضرنا كرة في غرفة من الغرف و أدرنا الكرة حول نفسها نجد الكرة تدور حول نفسها و سقف الغرفة فوق الكرة ، والقول بأن السماء محيطة بالأرض لا يستلزم أن يكون الله في كل مكان فالله فوق السماوات ، ولو كنا في غرفة ووضعنا كرة في كرة و أدرنا الكرة الداخلية الصغيرة فنجد سقف الغرفة فوق الكرتين .





الدليل الرابع :

التصريح بنزول الأشياء منه ، و النزول لا يكون إلا من علو كقوله تعالى : ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[21] ، و لو كان الله في كل مكان بذاته ، لما كان لزول الأشياء منه معنى .





الدليل الخامس :التصريح بصعود الأشياء إليه كقوله تعالى : ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾[22] ، و عن أبي موسى الأشعري قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات . فقال : " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام . يخفض القسط ويرفعه . يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار . وعمل النهار قبل عمل الليل . حجابه النور . ( و في رواية أبي بكر : النار ) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه "[23] ، و الصعود إنما يكون من سفل لعلو ، و لو كان الله في كل مكان بذاته ، لما كان لصعود الأشياء إليه معنى .



الدليل السادس : التصريح بأن الله في السماء كقوله تعالى : ﴿ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾[24]، و السماء ليس ظرفا حَاوٍ لَهُ محيط به سبحانه و إذا كان كرسي الله قد وسع السماء والأرض فكيف يقال أن السماء ظرف حَاوٍ لَهُ سبحانه ؟!!! وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه؟ و حرف الجر " في " إما أن يكون بمعنى (على) كما قاله كثير من أهل العلم والمعرفة واللغة ، و" في " تكون بمعنى ( على) في مواضع كثيرة، مثل قوله تعالى ﴿ لأصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النخل ﴾[25]، و إذا قال أحد : الناس في الأرض، فليس معنى ( في الأرض) أنهم داخل الأرض ، أي في جوفها وفي بطنها ، أما إذا قال: الذهب والبترول في الأرض ، فُهِم منه أنها في الباطن ؛ لكن إذا قال : الناس في الأرض ، فُهِم من ذلك أنهم فوقها، و السماء بلغة العرب تطلق على الجرم المشهود، ، و تطلق على العلو مطلقاً، فسماء كل شيء علوه، فإذا نظرنا إلى المراوح نقول: المراوح في سماء البيت، أي في أعلاه، وهذا معروف أيضاً في لغة العرب؛ كما قال ابن الأعرابي : كل ما علاك فهو سماء ، فكل ما كان فوقك فهو سماء، فالبيت سقفه سماء، وأعلى الخيمة سماء كما كانت العرب تقول ذلك، وإذا رأى العرب شيئاً في الفضاء قالوا: هذا في السماء؛ كما في قوله تعالى : ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾[26]و السماء في قوله تعالى : ﴿ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ إذا كانت في بمعنى على تعني السقف المحفوظ المرفوع ، يعني: الأجرام السماوية ،و إما أن يكون حرف الجر في كما هو معناه ، و يكون المراد من السماء جهة العلو، وعَلى الوجهين فالآية نص في علو الله على خلقه .

الدليل السابع :التصريح بنزول الله إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟[27] ، و النزول يكون من علو لسفل ، ولو كان الله في الأرض و في السماء بذاته لما كان لنزوله إلى السماء الدنيا معنى .
رد القائلين بأن الله معنا بنفسه على الاستدلال بحديث نزول الله إلى السماء على علو الله فوق خلقه بنفسه : القول بأن النزول نزول الله من علو لسفل كلام باطل ؛ لأن الليلَ يختلفُ باختلافِ البلاد فعلى قولِهم يلزمُ أن يكونَ اللهُ تبارك وتعالى في السماء الدنيا طالعاً منها إلى العرش كلَّ لحظة من لحظات الليل والنهار هذه سخافةُ عقل ،و هذا النزولُ ليس نزولاً حسياً بل عبارة عن نزولِ ملائكة الرحمة إلى السماء الدنيا بأمر الله على حَسَب ليلِ كلِ أرض فهؤلاء ينزلون ثم يبلّغون عن الله يقولون " إن ربكم يقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه " هم يبلّغون عن الله بأمره ذلك إلى أن يطلع الفجر و هذا شىء يقبله العقل أما ما يقوله المشبهةُ فهو شىء لا يقبلُه الشرعُ ولا العقل ، و هذا التأويلُ أخذه أهل السنة من رواية النَّسائي : " إن الله يمهل حتى يمضيَ شطرُ الليلِ الأول ثم يأمر منادياً ينادي هل من داعٍ فيستجابَ له وهل من سائلٍ فيعطيَه " هذه الروايةُ و هي الصحيحةُ تفسر الروايةَ الأخرى .
مناقشة الرد :
ونزوله تعالى إلى السماء الدنيا من صفاته الفعلية التي تتعلق بمشيئته وحكمته، وهو نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته ، و لا يصحّ تحريف معناه إلى نزول أمره ، أو رحمته ، أو ملك من ملائكته، فإن هذا باطل فهو خلاف ظاهر الحديث ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، أضاف النزول إلى الله ، و الأصل أن الشيء إنّما يُضاف إلى من وقع منه أو قام به ، فإذا صرف إلى غيره كان ذلك تحريفاً يُخالف الأصل ،و تفسير النزول بنزول الرحمة أو نزول ملك يقتضي أن يكون في الكلام شيء محذوف، والأصل عدم الحذف و نزول أمر الله أو رحمته لا يختص بهذا الجزء من الليل، بل أمره ورحمته ينزلان كل وقت. فإن قيل: المراد نزول أمر خاصّ، ورحمة خاصة، وهذا لا يلزم أن يكون كل وقت. فالجواب: أنه لو فرض صحة هذا التقدير والتأويل، فإن الحديث يدل على أن منتهى نزول هذا الشيء هو السماء الدنيا، وأي فائدة لنا في نزول رحمة إلى السماء الدنيا حتى يخبرنا النبي صلّى الله عليه وسلّم عنها؟! و الحديث دلّ على أن الذي ينزل يقول : "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" . ولا يمكن أن يقول ذلك أحد سوى الله سبحانه وتعالى أما حديث أمر الله مناديا ينادي فهذا لا يتعارض مع كون الله ينزل ، والملك إذا أمره الله أن ينادي يكون كلامه إن الله يأمرك بكذا ، ويقول كذا، ولا يمكن أن يقول ملك من الملائكة (( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي )) ، و لا أن يقول : (من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟)، ولا يقول : ( لا يسأل عن عبادي غيري) كما رواه النسائي و ابن ماجة وغيرهما وسندهما صحيح. وهذا أيضاً مما يبطل حجة بعض الناس، فإنه احتج بما رواه النسائي في بعض طرق الحديث أنه يأمر منادياً يناديه، فإن هذا إن كان ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الرب يقول ذلك، ويأمر منادياً بذلك، جمعاً بين الحديثين، لا أن المنادي هو الذي يقول: (من يدعوني فأستجيب له) .



الدليل السابع : إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لمن يقول أن الله في السماء فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية : أين الله ؟ قالت: في السماء. قال : من أنا؟ قالت : أنت رسول الله. قال : أعتقها فإنها مؤمنة[28] ، و قد أقرها على ذلك ، ولو كان الله في السماء و الأرض ، أو كان في كل مكان و هي قالت في السماء دون ذكر و في الأرض أ لكانت مخطئة و النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر الخطأ فإن قيل ليس في الحديث دليل فأين المانع في أن يكون سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن مكانة الله لأن كلمة "أين ؟" كما هو معروف تأتي بمعنى السؤال عن المكان كما تأتي بمعنى السؤال عن القدروالمكانة ، والرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لم يقل بأن الله في السماءو إنما الأمر أنه سأل الجارية "أين الله ؟" فقالت "في السماء" فسألها "من أنا؟" قالت "رسول الله" فقال صلى الله عليه وسلم: "أعتقها فإنها مؤمنة".. فهل حكم الرسول صلى الله عليه عليها بالإيمان لمجرد قولها عن الله "في السماء" مع أناعتقاد أن الله في السماء مشترك بين اليهود والنصارى، اليهود الذين قالوا إن اللهتعب فاستلقى على العرش والنصارى الذين يقولون "أبانا الذي في السماء" والعياذبالله.. هل تظنّ أن اعتقاد وجود الله في السماء يكفي ليكون الإنسان مؤمنًا؟؟من هنا يمكنهم أن يتأكدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون قصد بقوله "أين؟" السؤال عن المكان والجهة.. و الجواب على هذه الشبهة أن الجارية أقرت بالشهادتين و هي إنما وصفت كون ربها في السماء و أن محمداً عبده ورسوله ،فقرنت بينهما فيالذكر فجعل الصادق المصدوق مجموعهما هو الإيمان ، و القول بأن اليهود والنصارى لم يكونوا ينكرون أن الله تعالى في السماء فصحيح ؛ لكنهم لا يعبدون الله بماشرع لأنهم لا يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم أما الجارية فقالت أن محمد صلى الله عليه و سلم رسول الله ، و إن قالوا إذا كان الله في السماء أي فوق السماء فماذا تقولون في قوله تعالى : ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾[29] ، وقوله تعالى : ﴿ و َهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾[30]،و الجواب: قوله تعالى : ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ ، فالظرف هنا لألوهيته، يعني: أن ألوهيته ثابتة في السماء وفي الأرض، كما تقول: فلان أمير في المدينة ومكة، فهو نفسه في واحدة منهما، وفيهما جميعاً بإمارته وسلطته، فالله تعالي ألوهيته في السماء وفي الأرض، وأما هو عز وجل ففي السماء مستو على عرشه بائن من خلقه .أما قوله تعالى : ﴿ و َهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ فمعناه : وهو الإله الذي ألوهيته في السماوات وفي الأرض، أما هو نفسه، ففي السماء. فيكون المعنى: هو المألوه في السماوات المألوه في الأرض، فألوهيته في السماوات وفي الأرض .


الدليل الثامن :

لازم فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما أشار إلى الله حسا إلى العلو فعندما خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس في حجة الوداع واستشهدهم على البلاغ، فقالوا : " نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت " فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها – ويخفضها - إلى الناس، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات[31] فلو لم يكن الله في السماء ، وفوق خلقه ما كان لرفع النبي صلى الله عليه وسلم سبابته إلى السماء معنى ، ولو كان الله في كل مكان ،ومع النبي صلى الله عليه وسلم بذاته لكان رفعه صلى الله عليه وسلم سبابته إلى السماء تضليلا للأمة و هذا باطل



الدليل التاسع :قول النبي صلى الله عليه وسلم : الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء [32] فلو لم يكن الله في السماء ، وفوق خلقه ما كان لقول النبي صلى الله عليه وسلم من في السماء معنى ، ولو كان الله في السماء و الأرض جميعا لقال يرحمكم من في السماء و الأرض ، ولو كان الله معنا بذاته لقال يرحمكم من معكم بنفسه .



الدليل العاشر :

دل العقل على إثبات صفة العلو الذاتي لله تعالى فعلو الشيء بنفسه عندما تسأل أهي صفة كمال أم صفة نقص ؟ فكل عاقل يجيب بأن العلو صفة كمال فإذا ثبت أنها صفة كمال في حق المخلوق ، فهي في حق الله تبارك وتعالى أولى وأولى على ما تليق بجلاله وعظمته وجبروته سبحانه وتعالى, لأن كل صفة كمال مطلقة, فهي ثابتة لله تعالى من باب أولى ،و الله كان ولا شيء معه لا عرش و لا كرسي و لا سماء و لا أرض ثم خلق الله تعالى الخلقفمخلوقاته تعالى إما أن يكون خلقها في ذاته تعالى فهي حالة فيه و هو حال فيها و هذا كفر لا يقول به مسلم ، و إذا كان الأمر كذلك فمخلوقاته تعالى بائنة عنه غير مختللطة به . و حينئذ فإما أن يكون الله تعالى فوق مخلوقاته و إما أن تكون مخلوقاته فوقه تعالى و هذا باطل بداهة فلم يبق إلا أن الله تبارك و تعـــالى فوقها ، و العقول التي لم تلــــوث بالاعتقادات الخاطئة تشهـد بأن الله فوق خلقه .











الدليل الحادي عشر :

دلت الفطرة على علو الله الفطرة ، و لا تجد عاقلاً في أي مكان وفي أي ملة إلا و هو يثبت أن الله سبحانه وتعالى فوق المخلوقات ؛ إلا من أُفْسِدَتْ فطرته و كل من لديه فطرة سليمة يتوجه بقلبه وذهنه حال ذكر الله تعالى إلى السماء, و هذا ملاحظ لا سيما في الشدائد, فترى الواحد بفطرته يمد يديه, ويرفع بصره إلى السماء يدعو الله تبارك وتعالى ،ووالمسلمون في سجودهم يقول القائل منهم: سبحان ربي الأعلى فلا يجد من قلبه إلا الاتجاه نحو السماء .
رد القائلين بأن الله معنا بنفسه على الاستدلال بدليل الفطرة على علو الله فوق خلقه :
إن الشرع جعل السماء قبلةً للدعاء ؛ كما جعل الكعبة قبلة للصلاة فقد قال ابن بطال: أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصلاة ، واختلفوا فيه خارج الصلاة فيالدعاء، فكرهه شريح وطائفة، وأجازه الأكثرون، لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة[33] .
مناقشة الرد :
الذي يدعو الله مسلما كان أو كافرا يرفع يديه للسماء ، وليس شرطا أن يكون مسلما أو حتى كتابي مما يدل على أنهم مفطرون على ذلك دون أن يعلموا ذلك من كتاب سماوي ،فقد يكون هؤلاء الذين يتوجهون إلى السماء في دعائهم غير متعبدين بأي شرع ، و إنما تحركت فطرهم نفسها بدون إرادة منهم واتجهت إلى الله خالقها سبحانه وتعالى، وفي تلك اللحظة لا يوجد مجال للمكابرة والعناد، ولذلك يتجه الناس حينها إلى الله، ويدعونه الله سبحانه وتعالى بجميع اللغات، وكلهم يتجهون إلى جهة واحدة وهي العلو. و حتى فرعون و هو عدو الله لما أراد أن يجادل موسى في ربه قال لوزيره هامان أن يبني له بناء عظيما كي يصل إلى الله قال تعالى : ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴾[34] .











[1] - طه الآية 5[2] - الفرقان الآية 59
[3] - تفسير الطبري 19/287
[4] - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة لابن القيم
[5]- فتح الباري لابن حجر 13/406 دار المعرفة بيروت 1379هـ
[6] - الشورى من الآية11
[7]- مجموع الفتاوى لابن تيمية 5/146
[8] - الزخرف من الآية 13
[9] - شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين 310 - 311
[10] - - شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين 311
[11]- الحاقة من الآية 17
[12] - شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين 311 - 312
[13]- القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين ص 50 - 51
[14] - الزخرف الآية 4
[15] - رواه البخاري في صحيحه
[16] - البقرة من الآية 255
[17]- الأعلى آية 1
[18] - تهذيب شرح الطحاوية للدكتور الصاوي ص 127 دار الفرقان الطبعة الأولى 1410 هـ 1990 م
[19]- النحل الآية 50
[20] - الأنعام من الآية 18
[21] - الحجر الآية 9
[22]- فاطر من الآية 10
[23] - رواه مسلم في صحيحه رقم 179
[24]- الملك الآية 16
[25] - طه من الآية 71
[26] - النحل الآية 79
[27] - رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما
[28]- رواه مسلم في صحيحه
[29] - الزخرف الآية 84
[30]- الأنعام الآية 3
[31]- رواه مسلم في صحيحه
[32]- صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 4941
[33]- فتح الباري لابن حجر العسقلاني 2/296
[34] - غافر الآية 36 - 37

د.ربيع أحمد
10-26-2008, 01:45 AM
الدليل الأول :

إن الله معنا بعلمه فبالضرورة معنا بنفسه
مناقشة الدليل :
القول بأن الله معنا بعلمه لا يستلزم أن يكون الله معنا بنفسه إذ العلم كالسمع وكالبصر فقد يسمع شخصين بعضهما البعض ، و هما ليسا في مكان واحد ، و قد يرى شخصين بعضهما البعض ، هما ليسا في مكان واحد ، وكذلك و قد يعلم شخصين أحوال بعضهما البعض ، وهما ليسا في مكان واحد خاصة بعض ظهور وسائل الإعلام الحديثة فوسائل الإعلام الحديثة جعلتنا نسمع ونرى ونعلم ما يحدث في البلاد القريبة والبلاد البعيدة في التوا و اللحظة رغم بعدنا عن هذه البلاد ، فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى ولله المثل الأعلى فالله يسمعنا ويبصرنا و يعلم أحوالنا وهو ليس معنا بنفسه بل معنا بسمعه وبصره وعلمه وهو العليم المحيط علمه بكل شيء .



الدليل الثاني :

وجود المخلوقات يدل على وجود الخالق معهم بنفسه
مناقشة الدليل :
وجود الخلــق لا يدل على وجـود الخالق معهم بنفسه إذ من المشاهد أن صاحب الصنعة و الصنعة قد لا يجتمعان معا و صاحب الفعل والفعل قد لا يجتمعان معا و الشخص قد يصنع شيئا ، و هو بعيد عنه عن طريق آلة معينة .



الدليل الثالث :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم »[1] فالله بيننا و مادام بيننا فهو معنا بنفسه .
مناقشة الدليل :
(( بين)) ظرف مبهم لا يتبين معناه إلا بإضافته إلى اثنين فصاعدا، أو مايقوم مقام ذلك، مثل: بين البلدين، وبين القوم، ومثل: لا طويل ولا قصير، ولكن بين ذلك. وإذا أضيف إلى ما يقتضي الوحدة كرر مثل: بيني وبينك ،و البينية لا تقتضي المماسة و لا الوجود في نفس المكان كقولنا بدر بين مكة و المدينة مع التباعد بينها و بينهما .



الدليل الرابع :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا و هو معكم ‌ »[2] فمادام الله قريبا منا فهو معنا بنفسه.
مناقشة الدليل :
قرب الشيء من الشيء لا يستلزم أن يكونا في نفس المكانبل قد يكون هذا في مكان و الآخر في مكان فقد تقول لشخص أنت قريب مني وهو في شارع و أنت في شارع أو هو في منطقة وأنت في منطقة مجاورة . . ويقال : سترة المصلي بين يديه وليست مباشرة له ولا مماسة له فإذا كانت البينية لا تستلزم المباشرة والمماسة فيما بين المخلوقات فكيف بالبينية فيما بين المخلوق والخالق الذي وسع كرسيه السموات والأرض وهو بكل شيء محيط .




الدليل الخامس:

معية الله جاءت بلفظ الله مما يدل عى أنه معنا بنفسه .
مناقشة الدليل :
المعية لا تستلزم الاختلاط أو المصاحبة في المكان أو الاجتماع في المكان ، وإنما تدل على مطلق المصاحبة كما هو مقرر في كتب اللغة [3] قال الراغب الأصفهاني :( مع : يقتضي الاجتماع إما في المكان نحو : هما معاً في الدار أو في الزمان نحو : ولدا معاً ، وإما في الشرف والرتبة نحو : هما معاً في العلو )[4]فالله معنا لا يستلزم أن يكون معنا بنفسه كقولنا ما زلنا نسير والقمر معنا ولا يفهم منه أحد أن القمر نزل في الأرض فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى وذلك لأن حقيقة المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان .



الدليل السادس:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كان اللهو لم يكن شيء قبله ، و كان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماواتوالأرض »[5]وعرشه على الماء دليلٌ على وجوده معنا .


مناقشة الدليل :
ما العلاقة بين كون عرش الله كان على الماء و بين أن الله معنا بنفسه ؟!!! و الحديث يتكلم عن بدء الخلق، وأن الله كان ولا شيء معه من مخلوقاته، وأن أول خلقه كان العرش، بدليل ما رواه الحاكم في مستدركه عن بريدة الأسلمي قال: " دخل قوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يسألونه، يقولون: أعطنا حتى ساءه ذلك، ودخل عليه آخرون، فقالوا: جئنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونتفقه في الدين، ونسأله عن بدء هذا الأمر، فقال: ( كان الله ولا شيء غيره، وكان العرش على الماء ) ،أما حديث : " كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه". فهو أثر موضوع و على التسليم بصحته فالمكان المنفي هو المكان المخلوق – كما هو ظاهر النص - وأهل السنة يقولون بذلك، فهم لا يقولون أن الله متمكن في مكان مخلوق بل يقولون : إن الله مستو على العرش بمعنى أنه عال عليه لا أنه مماس له محتاج إليه .



الدليل السابع :

لا يظن بالله أن يستقر في مكان بعيدا عن أرضه وسمائه .
مناقشة الدليل :
الله خالق الخلق يستحيل أن يكون مع خلقه بنفسه فالعقل ينزه الخالق أن يكون مع خلقه بنفسه ، و إن قيل كيف تنزهون ما لاتدركون ؟ يقال و إن لم ندرك الله عيننا فقد أدركناه بآثاره الدالة على أنه خالق الخلق ، وخالق الخلق لابد أن يكون فوقهم يعلو عليهم ولا يعلى عليه إذ العلو كمال ، و فطرة الإنسان دالة على أن الله فوق خلقه ، وليس معهم بنفسه فما من داع أو خائف فزع إلى ربه تعالى إلا وجد في قلبه ضرورة الاتجاه نحو العلو بل من سره أمر قد ينظر للسماء ويقول أحمدك يا الله ، وإذا كان كرسي الله قد وسع السماء والأرض فكيف يقال أن الله معنا بنفسه قال تعالى : ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾[6]الكرسي هو موضع قدميالرحمن عز وجل ، والعرش أكبر من الكرسي . والعرش هو أعظم المخلوقات ، وعليه استوىالمولى عز وجل استواءً يليق بجلاله ، وله قوائم ، ويحمله حملة من الملائكة عظامالخلق قال تعالى : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾[7] .



الدليل الثامن :

الأمر بالإحسان والتقوى و مراقبة الله في كل شيء يقتضي أن يكون الله معنا بنفسه فالإحسان والمراقبة والتقوى لا تتأتَّى إلا من معيةٍ حقيقيةٍ كالإحسانِ والمراقبةِ والتَّقوى .
مناقشة الدليل :
الله مستو على عرشه ، فوق جميع خلقه، مباين لهم، قال تعالى : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾[8] .و رغم أن الله فوق خلقه فهو مطلع على أحوالهم، مشاهد لهم، مدبر لأمورهم الظاهرة والباطنة متكلم بأحكامه القدرية، وتدبيراته الكونية ، و بأحكامه الشرعية ، وهذا من تمام قدرته ،و الإنسان إذا علم بأن الله تعالى فوق كل شيء فإنه يعرف مقدار سلطانه و سيطرته على خلقه و حينئذ يخافه ويعظمه و إذا خاف الإنسان ربه و عظمه فإنه يتقيه و يقوم بالواجب ويدع المحرم [9] و إن من عرف علو الله وارتفاعه فعليه أن يضع نفسه أمام القدرة و أن يذل نفسه أمام عزة الله العزيز[10] .


الدليل التاسع :

قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾[11]فإن كانت البيعة تمت لرسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظاهريا أمام أعين الناس، فالحقيقة أنها تمت لله يدًا بيدٍ من وراءِ حجابٍ﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾مباشرةً .
مناقشة الدليل :
هذه الآية نزلت في صلح الحديبية فهل الصحابة في صلح الحديبية كانوا يبايعون الله؟ و الجواب الصحابة في الحقيقة كانوا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فقد قال تعالى : ﴿يبايعونك ﴾، لكن لما كان الرسول مبلغاً عن الله سبحانه صارت مبايعة الرسول كمبايعة الله، وصار الذي يبايعه كأنما يبايع الله أما قوله تعالى: ﴿يد الله فوق أيديهم﴾فمن المعلوم أن يد الله حقيقة ليست فوق أيديهم، وأن التي فوق أيديهم عند المبايعة هي يد الرسول صلى الله عليه وسلم لكن الرسول كان مبلغاً عن الله.ويجوز أن نقول : ﴿يد الله فوق أيديهم﴾ على سبيل العلو المطلق، فالله سبحانه بنفسه فوق كل شيء .


الدليل العاشر:

قوله تعالى : ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾[12] ، قوله تعالى : ﴿ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ﴾[13]
مناقشة الدليل :
لا أحد يفهم من قول القائل: فلان يسير بعيني أن المعنى أنه يسير داخل عينه. ولا من قول القائل: فلان تخرج على عيني، أن تخرجه كان وهو راكب على عينه، ولو أدعى مدع أن هذا ظاهر اللفظ في هذا الخطاب لضحك منه السفهاء فضلاً عن العقلاء[14] ، و معنى قوله تعالى : ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾[15] أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، و معنى قوله تعالى : ﴿ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ﴾[16] أن تربية موسى تكون على عين الله يرعاه ويكلؤه بها ورؤية الله لخلقه وعلمه بهم لا تحتاج أن يكون معهم بنفسه ، وإذا كانت وسائل الإعلام الحديثة جعلتنا نسمع ونرى ونعلم ما يحدث في البلاد القريبة والبلاد البعيدة في التوا و اللحظة رغم بعدنا عن هذه البلاد ، فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .


الدليل الحادي عشر:

حديث : ‏ ‏«‏ ‏‏الحجر الأسود يمين الله في الأرض »أى : معه وعنده الله .. معه الله يرى من يستلمه ويُقبله ويشير إليه ، و حديث ‏ : « ‏إني لأجد نفس الرحمن من جهة اليمن‏».
مناقشة الدليل :
أما الحديث الأول ، فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت ، والمشهور إنما هو عن ابن عباس قال ‏:‏ الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، فمن صافحه و قبَّله فكأنما صافح الله و قبل يمينه‏ .‏ و من تدبر اللفظ المنقول تبين له أنه لا إشكال فيه إلا على من لم يتدبره ، فإنه قال ‏:‏ يمين الله في الأرض، فقيده بقوله ‏:‏ في الأرض ، و لم يطلق ، فيقول ‏:‏ يمين الله ، و حكم اللفظ المقيد يخالف حكم اللفظ المطلق‏.‏ ثم قال‏:‏ فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه‏.‏ ومعلوم أن المشبه غير المشبه به، وهذا صريح في أن المصافح لم يصافح يمين الله أصلاً، ولكن شبه بمن يصافح الله، فأول الحديث وآخره يبين أن الحجر ليس من صفات الله كما هو معلوم عند كل عاقل، ولكن يبين أن الله تعالى كما جعل للناس بيتًا يطوفون به، جعل لهم ما يستلمونه؛ ليكون ذلك بمنزلة تقبيل يد العظماء، فإن ذلك تقريب للمقبل وتكريم له، كما جرت العادة، والله ورسوله لا يتكلمون بما فيه إضلال الناس، بل لابد من أن يبين لهم ما يتقون، فقد بين لهم في الحديث ما ينفى من التمثيل‏.‏وأما الحديث الثاني، فقوله‏ :‏ ‏(‏من اليمن‏)‏ يبين مقصود الحديث، فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى حتى يظن ذلك، ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه، الذي قال فيهم‏:‏ ‏﴿‏‏مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏ ﴾‏‏[17] وقد روى أنه لما نزلت هذه الآية‏:‏ سئل عن هؤلاء، فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري، وجاءت الأحاديث الصحيحة مثل قوله "أتاكم أهل اليمن أرقّ قلوبًا، وألين أفئدة، الإيمان يماني، والحكمة يمانية‏"‏‏‏.‏ وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار،فبهم نفَّس الرحمن عن المؤمنين الكربات، ومن خصص ذلك بأوَيْس فقد أبعد‏[18].‏


الدليل الثاني عشر :

﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾[19] فالله الذي أنار السموات والأرض فهو في السماء و في الأرض بنفسه
مناقشة الدليل :
الله نور السماوات والأرض حقا فقد نوَّر قلوب المؤمنين بمعرفته والإيمان به، ونوَّر أفئدتهم بهدايته، وهو الذي أنار السموات والأرض بالأنوار التي وضعها، وحجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام . يخفض القسط ويرفعه . يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار . وعمل النهار قبل عمل الليل . حجابه النور . ( و في رواية أبي بكر : النار ) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " . ( وفي رواية أبي بكر عن الأعمش ولم يقل حدثنا ) »[20] ، وكون الله نور السماوات والأرض فهذا لا يستلزم أن يكون في السماوات وفي الأرض فالشمس تضيء الأرض وليست في الأرض ، والقمر يضيء الأرض وليس في الأرض ،والمصباح قد يضيء مكان ،و هو ليس به فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .


الدليل الثالث عشر :

قول النبي صلى الله عليه وسلم : ‏ ‏«‏ إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه وليبزق عن يساره تحت رجله اليسرى فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا ووضعه على فيه ثم دلكه »[21]
مناقشة الدليل : الحديث له معنيان إما أن الله أَمَرَنَا بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَتَعْظِيمِهَا وَتَنْزِيهِهَا وَلَا سِيَّمَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ بِمَعْنَى أَنَّ مَا أَمَرَهُ بِتَنْزِيهِهِ وَتَعْظِيمِهِ قِبَلَ وَجْهِهِ وَ أَنَّ فِي تَعْظِيمِهِ تِلْكَ الْجِهَةَ تَعْظِيمُ اللَّهِ وَطَاعَتُهُ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ إِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ فُلَانٌ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ فَأَكْرِمْهُ و إما أن يقال الله عز وجل قبل وجه المصلي ، ليس في الأرض الذي هو فيها، ولكنه قبل وجهه وهو على عرشه عز وجل ، وما ذلك على الله بعسير، فإن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته ، فهو فوق عرشه ، وهو قبل وجه المصلي إذا صلىقال تعالى : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾[22] و يمكن أن يكون الشيء عالياً، وهو قبل وجهك؛ فها هو الرجل يستقبل الشمس أول النهار، فتكون أمامه وهي في السماء؛ فإذا كان هذا ممكناً في المخلوق؛ ففي الخالق من باب أولى بلا شك .



الدليل الرابع عشر :

عن أبى سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيحب أحدكم إذا قام يصلي أن يستقبله رجل فيتنخع في وجهه فقالوا لا قال فإن الله عز وجل بين أيديكم في صلاتكم فلا توجهوا شيئا من الأذى بين أيديكم ولكن عن يسار أحدكم أو تحت قدمه[23]
مناقشة الدليل :
البينية لا تقتضي المماسة و لا الوجود في نفس المكان كقولنا بدر بين مكة و المدينة مع التباعد بينها و بينهما ، و الله بين أيدينا في الصلاة كما يقال : وقف بين يديه ، أو جاءه من بين يديه، أي أمامه فالشيء قد يكون أمام الشيء و هما في مكانيين مختلفين .



الدليل الخامس عشر :

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله تعالى : «‏ أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة »[24] فالله مع العبد إذا ذكره بنفسه .
مناقشة الدليل :
حقيقة المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان ،و ليس في الحديث أن الله سبحانه وتعالى مع العبد بنفسه كقولك ما زلت أسير والقمر معي فالقمر في السماء ولا يفهم من الكلام أن القمر نزل في الأرض فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .



الدليل السادس عشر :قول النبي صلى الله عليه وسلم : «‏ احفظ الله تجده أَمامك »[25]
مناقشة الدليل :
ليس في الحديث أن الله سبحانه وتعالى أمام العبد في نفس المكان فالشيء قد يكون أمام الشيء و هما في مكانيين مختلفين فالشخص إذا رأى سفينة من على بعد يقول السفينة أمامي ، والسفينة على الماء ، هو على البر فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .



الدليل السابع عشر :

الله الذى يوحى إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ،و هو الذى يُعلّم كلّ نحلة وكلّ نملة وكلّ دابّة كيف تعيش ، هو الذى يُعلمها لغاتها التى تتفاهم بها.. فأين يُعلمها ومتى؟ إنه لابد أن يكون قريبا منها مكانا وزمانا .
مناقشة الدليل :
الله قادر أن يعلم الإنسان والدواب من فوق سبع سماوات وما ذلك على الله بعزيز فالشخص قد يعلم شخصا علما من العلوم عن طريق وسائل الإعلام الحديثة مع افتراق بلادهما فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .



الثامن عشر :

قوة سمع الله وبصره لا يجوز القول بأنه يسمع و يرى من بعيد بل قال تعالى : ﴿ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾[26] ، وقوله تعالى : ﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴾[27]
مناقشة الدليل :
قرب الله تعالى من عباده قرب يليق بجلاله و بعظمته ، فهو يعلم أحوالهم و مطلع على أفعالهم ويسمع كلامهم ودعاءهم ،وقرب الشيء من الشيء لا يستلزم أن يكونا في نفس المكانبل قد يكون هذا في مكان و الآخر في مكان فقد تقول لشخص أنت قريب مني و هو في شارع و أنت في شارع أو هو في منطقة وأنت في منطقة مجاورة فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .


التاسع عشر :قوله تعالى : ﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[28] والتعبير بـ ( ذهب الله بسمعهم ) أقوى دلالة من ( أذهب الله سمعهم ) ، فهو من ناحيةٍ يثبت قربَ الله أى يثبت العلاقة المكانية بين الله و بين خلقه أينما كانوا .
مناقشة الدليل :
قال أبو بكر الجزائري : هذه حال أولئك المنافقين، والقرآن ينزل بذكر الكفر، وهو: ظلمات، وبذكر الوعيد، وهو: كالصواعق والرعد، وبالحجج والبينات، وهي: كالبرق في قوة الإضاءة، وهم خائفون أن ينزل القرآن بكشفهم وإزاحة الستار عنهم فيؤخذوا، فإذا نزل بآية لا تشير إليهم ولا تتعرض بهم مشوا في إيمانهم الظاهر. وإذا نزل بآية فيها التنديد بباطلهم وما هم عليه وقفوا حائرين لا يتقدمون ولا يتأخرون، ولو شاء الله أخذ أسماعهم وأبصارهم لفعل؛ لأنهم لذلك أهل وهو على كل شيء قدير ا.هـ[29] و قال الطبري : إنما معنى قوله : ﴿ لذهب بسمعهم وأبصارهم ﴾ ، لأذهب سَمعَهم وأبصارَهم. ولكن العرب إذا أدخلوا الباء في مثل ذلك قالوا: ذهبتُ ببصره, وإذا حذفوا الباء قالوا: أذهبتُ بصره. كما قال جل ثناؤه: ﴿ آتِنَا غَدَاءَنَا ﴾[30] ، ولو أدخلت الباء في الغداء لقيل: ائتنا بغدَائنا ا.هـ[31] و الله قادر أن يأخذ سمع المنافقين و أبصارهم دون أن يكون معهم بنفسهم فكم رأينا وسمعنا من إهلاك شخص شخصا دون أن يكون معه في نفس المكان خاصة مع وسائل التدمير الحديثة فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .




الدليل العشرون :

﴿ قلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾[32]أى أنَّ منه بصرى وسمعى فلا أبصر إلا به ولا أسمع إلا به وكيف يشاء هو .
مناقشة الدليل :
قال الطبري : ﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ ﴾ أي: ما أبصر الله بكل موجود وأسمعه لكل مسموع! أي: لا يغيب عن سمعه وبصره شيء[33].و قال ابن كثير : ﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ إنه لبصير بهم سميع لهم[34] قال ابن حجر الهيتمي : ﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ﴾ أي ما أبصره و أسمعه[35] ، ولو قلنا ﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ ﴾ منه بصري ومنه سمعي فهذا لا يستلزم أن يكون معنا بنفسه كقولنا البيت هذا من فلان فلا يستلزم أن يكون البيت و فلان بنفسه في نفس المكان ، و هذا الصوت من فلان فلا يستلزم أن يكون الصوت و فلان بنفسه في نفس المكان .



الدليل الحادي و العشرون :

« و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها و إن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه »[36]فالسمعُ والبصرُ هما من صفاتِ اللهِ يجعلُ اللهُ للإنسانِ نصيباً منهما على درجاتٍ متفاوتةٍ حسبَ مشيئةِ اللهِ عزّ وجلّ
مناقشة الدليل :
ظاهر الحديث أن الله تعالى يسدد الولي في سمعه وبصره ويده ورجله بحيث يكون إدراكه وعمله لله وبالله وفي الله ، و لايفهم عربي من قول أحد أنت عيني أنه عينه حقيقة بل يفهم أنه في رعايته أو أنه يحبه .






الدليل الثاني و العشرون :

قوله تعالى : ﴿ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾[37] فلو لم يكن الله قريبا قرب ما تدركه الأبصار لما كانت هذه الكلمات قرآنا يُتلى فى كتاب الله ، فالذى هو بعيد عن نطاق الإبصار ببلايين الأميال لا يُمكن أن نراه سواء كانت تدركه الأبصار أو لا تدركه! ، فتعالى الله علوا كبيرا أن يقول ما ليس فى محله .
مناقشة الدليل :
﴿ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾ أي لا تراه الأبصار في الدنيا، ولا تحيط به في الآخرة وليس في الآية لا من قريب و لامن بعيد أن الله معنا بنفسه إذ الغرض من الآية بيان استحالة رؤية الرب في الدنيا أما القول بأن الذى هو بعيد عن نطاق الإبصار ببلايين الأميال لا يُمكن أن نراه سواء كانت تدركه الأبصار أو لا تدركه هذا لو كان غير الله أما الله فرغم أنه فوق خلقه مستوي على عرشه إلا أنه يقدر أن يجعلنا نراه لكنه قضى بألا يرى في الدنيا ابتلاءا و امتحانا لعباده و علينا أن نقول سمعنا و اطعنا .



الدليل الثالث والعشرون :

قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان : « أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك »[38] دليل قاطع على وجود الله بنفسه معنا مع علمه .. لأنه يؤكد أن الله قريب للرؤية إلا أنه لا تدركه الأبصار، فلو كانت تراه العيون لرأيناه ، فالمانع من رؤيتنا له ليس بُعْدُ (ذاته) وإنما (خصائصُ نفسِه)
مناقشة الدليل :
رؤية الله لنا لا تستلزم أن يكون معنا بنفسه فقد يرى شخصين بعضهما البعض ، و هما ليسا في مكان واحد ، خاصة بعض ظهور وسائل الإعلام الحديثة فوسائل الإعلام الحديثة جعلتنا نرى ما يحدث في البلاد القريبة والبلاد البعيدة في التوا و اللحظة رغم بعدنا عن هذه البلاد ، فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى ولله المثل الأعلى فالله يبصرنا وهو ليس معنا بنفسه بل معنا ببصره أما القول بأنه لو لم يكن الله قريبا للأبصار ما كان للحديث محل كلام في غاية السقوط إذ الأبصار نفسها مجبولة على أن الله فوقها فما من داع أو خائف فزع إلى ربه تعالى إلا وجد في قلبه ضرورة الاتجاه نحو العلو بل من سره أمر قد ينظر للسماء ويقول أحمدك يا الله ،و الحديث نفسه فيه الكلام عن الإسلام و الإيمان والإحسان فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –: ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً . قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان ؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان ؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة ؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل . قال: فأخبرني عن أمارتها ؟ قال: أن تلد الأَمَةُ ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان . قال: ثم انطلق فلبثت مليّاً، ثم قال لي: يا عمر، أتدري من السائل ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) فالحديث بين معنى الإسلام وأنه يشمل جميع الأعمال الصالحة الظاهرة من نطق بالشهادتين وصلاة وزكاة وحج وبين معنى الإيمانأنه الأعمال الصالحة الباطن من تصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ، وبين معنى الإحسان و أنه استحضار مراقبة الخالق سبحانه مراقبة من يوقن بأن الله ناظر إليه، مطلع على أحواله وأفعاله ما ظهر منها وما بطن .



الدليل الرابع و العشرون :

قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾[39] لله الاتساع المطلق فكما هو في السماء بنفسه هو أيضا في الأرض بنفسه .
مناقشة الدليل :
الله الواسع فقد وسع خلقه كلهم بالكافية والإفضال والجود والتدبير ، و وسع رزقهجميع خلقه ، فلا تجد أحداً إلا هو يأكل من رزقه ، ولا يقدر أن يأكل من غير ما رزقه، ووسعت رحمته كل شيء وغناه كل فقر ، وهو الكثير العطاء الذي يسع لما يُسأل ، وهوالمحيط بكل شيء ويفضي هذا الاسم الاعتراف بأنه لا يعجزه شيء ،ولا يخفى عليه شيء و القول بأن الله واسع فهو في الأرض بنفسه وفي السماء بنفسه ففي هذا الجمع بين نقيضين النقيضين ألا وهما إثبات صفة العلو لله تعالى، وإثبات ضدها، وهي صفة السفل الذي تستلزمه المعية الذاتية للخلق فالسماء ضد الأرض ، و الخالق منزه أن يكون بين خلقه ، والخالق الفطر مجبولة على أنه فوق خلقه ، و كل إنسان مفطور على أن الله في السماء، ولهذا عندما يفجؤك الشيء الذي لا تستطيعدفعه ، وتتوجه إلى الله تعالى بدفعه، فإن قلبك ينصرف إلى السماء وليس إلى أيّ جهةأخرى ، بل العجيب أنّ الذين ينكرون علو الله على خلقه لا يرفعون أيديهم في الدعاءإلا إلى السماء،و إن قالوا رفع الأيدي إلى السماء ليس دليلا على وجود اللهفيها؛ لأن السماء هي قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، فقد قال ابن بطال: أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصلاة ، واختلفوا فيه خارج الصلاة فيالدعاء، فكرهه شريح وطائفة، وأجازه الأكثرون، لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبةقبلة الصلاة[40] ، و الجواب على هذه الشبهة أن الذي يدعو الله مسلما كان أو كافرا يرفع يديه للسماء ، وليس شرطا أن يكون مسلما أو حتى كتابي مما يدل على أنهم مفطرون على ذلك دون أن يعلموا ذلك من كتاب سماوي ، و حتى فرعون و هو عدو الله لما أراد أن يجادل موسى في ربه قال لوزيره هامان أن يبني له بناء عظيما كي يصل إلى الله قال تعالى : ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴾[41] .



الدليل الخامس والعشرون :

عيسى عليه السلام رآه النبى محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى السماء الثانية ليلة المعراج ، وهذا مع الآية الكريمة ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾[42] يُثبت أن الله فى السماء الثانية ويهدم مقولة اختصاص الله بفوق العرش .
مناقشة الدليل :
الله رفع عيسى إلى السماء أما الله فهو فوق السماء مستو على عرشه و إذا كان في الدنيا الأمير قد يرفع أحد رعاياه إليه و يكون الأمير أعلى منه في العلو فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .



الدليل السادس والعشرون :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾[43]ثم معراجه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكل تأكيد يؤكد وجود الله فى الأرض ، فالله هو الفاعل فى الآية .
مناقشة الدليل :
الإسراء: هو السير بالليل خاصة والمراد به هنا: سير رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ،و ﴿ أسرى ﴾ بمعنى سرى وليست الهمزة فيه للتعدية وعدّيا بالباء ولا يلزم من تعديته بالباء المشاركة في الفعل، بل المعنى جعله يسرى ، والباء للتعدية و ليست للحال ، وباء التعدية مرادفة للهمزة ، و باء الحال يلزم فيه المشاركة و باء التعدية هي القائمة مقام الهمزة ، في إيصال معنى اللازم إلى المفعول به نحو : ﴿ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ ﴾ و ﴿ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ ﴾ و باء المصاحب:و لها علامتان : إحداهما أن يحسن في موضعها مع ،و الأخرى أن يغني عنها وعن مصحوبها الحال ، كقوله تعالى : ﴿ قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ﴾ أي: مع الحق، أو محقاً. و ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ ﴾ أي: مع سلام، أو مسلماً عليك. ولصلاحيةوقوع الحال موقعها، سماها كثير من النحويين باء الحال .



الدليل السابع و العشرون :

عروج الملائكة إلى الله فى السماء هو مجيؤهم إلى أماكن أو نُزلٍ يُكلمهم فيها ربهم تبارك اسمه حددها لهم .
مناقشة الدليل :
كون الملائكة تصعد إلى الله فهذا لا يستلزم أن يكلمهم الله ، و هو معهم بنفسه بل يكلمهم من وراء حجاب فأحد الرعايا عندما يصعد للأمير قد يكلمه الأمير في مكان أعلى منه بل هناك في عصرنا من يكلم شخصا ، و هو في مكان والآخر في مكان عن طريق جهاز نقل الصوت فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى



الدليل الثامن و العشرون :

قول الله عن حُجاج بيت الله الحرام فى وقفتهم على جبل عرفات يباهى بهم الملائكة : " أنظروا يا ملائكتى .. هؤلاء عبادى جاءونى شعثا غبرا يرجون رحمتى و يخافون عذابى أشهدكم يا ملائكتى أنى قد غفرت لهم ".
مناقشة الدليل :
مجي الحجاج لله في البيت الحرام لا يستلزم أن يكون الله به بذاته إذ الله فوق خلقه مستو على عرشه ينزل إلى السماء الدنيا يباهي بالحجاج الملائكة ففي الحديث وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبا غسلها الله عنك[44]


الدليل التاسع و العشرون :
صلى النبى صلى الله عليه و سلم بالأنبياء إمامًا فى المسجد الأقصى ، ثم كلمهم وقابلهم فى السماوات فى نفس الليلة ، فكيف لا يعجب أحد الناس من اتساع وجودهم فى الأرض والسماوات ثم يعجب من اتساع وجود الله مع علم اليقين بأنه توفاهم إليه ؟
مناقشة الدليل :
الرسول صلى الله عليه وسلم رأي الأنبياء في السماء ، و لما هبط إلى بيت المقدس هبط معه الأنبياء ، و هذا بقدرة الله لا بقدرتهم قال ابن كثير بصدد حديثه عن أحايث الإسراء والمعراج : و إذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها، يحصل مضمون ما اتفقت عليه من مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، وأنه مرة واحدة، وإن اختلفت عبارات الرواة في أدائه، أو زاد بعضهم فيه أو نقص منه ، فإن الخطأ جائز على من عدا الأنبياء عليهم السلام، ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة، فأثبت إسراءات متعددة، فقد أبعد وأغرب، وهرب إلى غير مهرب، ولم يتحصل على مطلب... و الحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا مناماً من مكة إلى بيت المقدس راكباً البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد، ربط الدابة عند الباب ودخله، فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم أتي بالمعراج وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها، فصعد فيه إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقية السموات السبع، فتلقاه من كل سماء مقربوها، وسلم على الأنبياء الذين في السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مر بموسى الكليم في السادسة، وإبراهيم الخليل في السابعة، ثم جاوز منزلتهما صلى الله عليه وسلم وعليهما وعلى سائر الأنبياء، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، أي: أقلام القدر بما هو كائن، ورأى سدرة المنتهى، وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة، وغشيتها الملائكة، ورأى هناك جبريل على صورته، وله ستمائة جناح، ورأى رفرفاً أخضر قد سد الأفق، ورأى البيت المعمور، وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه؛ لأنه الكعبة السماوية، يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يتعبدون فيه، ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة. ورأى الجنة والنار، وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين، ثم خففها إلى خمس؛ رحمة منه ، و لطفاً بعباده ، و في هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها. ثم هبط إلى بيت المقدس ، و هبط معه الأنبياء ، فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة ، و يحتمل أنها الصبح من يومئذ ، و من الناس من يزعم أنه أمهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه. والظاهر أنه بعد رجوعه إليه؛ لأنه لما مر بهم في منازلهم، جعل يسأل عنهم جبريل واحداً واحداً، وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق؛ لأنه كان أولاً مطلوباً إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به، اجتمع به هو وإخوانه من النبيين، ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام له في ذلك. ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس، والله سبحانه وتعالى أعلم، وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل أو اللبن والخمر، أو اللبن والماء، أو الجميع، فقد ورد أنه في بيت المقدس، وجاء أنه في السماء. و يحتمل أن يكون ههنا وههنا؛ لأنه كالضيافة للقادم ، و الله أعلم[45] ا.هـ






الدليل الثلاثون :

قول الله لموسى عند جبل الطور ﴿ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾[46] ، وقول الله يوم القيامة ﴿ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ﴾[47] .
مناقشة الدليل :
كلام الله لعباده لا يشترط له أن يكون معهم بنفسه إذ في عالمنا يجوز أن يكلم الشخص شخصا ، و هو عنده من وراء حائل أو من مكان غير مكانه فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .



الدليل الثلاثون :

رفع العمل الصالح إليه .
مناقشة الدليل :
رفع العمل الصالح إلى الله إنما يدل على علو الله إذ لو كان الله معنا بنفسه لما كان لرفع العمل إليه داع .



الدليل : الحادي والثلاثون :

المساجد هى " بيوت الله" وعُمّارُها زُوّاره وحقا على المزور أن يُكرم زائره ، وهذا يؤكد وجوده فيها .
مناقشة الدليل :
كون المساجد بيوت الله لا يستلزم أن يكون الله فيها إذ لو قلت هذا بيتي لا يستلزم أن أكون فيه أو هذه عيادتي لا يستلزم أن أكون فيه .



الدليل الثاني والثلاثون :

رد موسى على فرعون عند تكذيبه بالآيات ، ﴿ قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً ﴾[48] و لم يخص موسى الله بجهة . بل ربوبيته لكل السماوات والأرض فى الآية يلزم معها احتياج كل مكين إلى مكان عند الله ليمسكه الله بنفسه فيهكما قال الله عز وجل :﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾[49] و من قال بغير ذلك فهو يدَّعى أنَّ كلَّ شيء فى السماوات وفى الأرض قائمٌ بنفسِه مستغنٍ بالأسبابِ عن ربِّـه ، وهذا هو الضلال المبين . ماذا لو رأيتَ رَجُلاً يمسك سيارةً رافعا بها فى الهواء .. هل تقول أن قوته رفعت وأمسكت وتنكر وجودَه نفسَه ؟!.. و لله المثل الأعلى . و ضرب المثل هنا للتقريب ليس قياسًا ممنوعًا ، ذلك لوجود العِلة وهى دلالةُ الفِعْلِ وقتَ فِعْلِهِ على وجودِ فاعِلِهِ معه بنفسِه .
مناقشة الدليل :
قول موسى لفرعون رداً على كذبه وافترائه : لقد علمت يا فرعون أنه ما أوجد هذه الآيات التسع إلا الله - تعالى - خالق السماوات والأرض ، و قد أوجدها - سبحانه - بصورة واضحة جلية، حتى لكأنها البصائر فى كشفها للحقائق وتجليتها[50] و التعبير ب ﴿ مَا أَنزَلَ﴾ دليل على أنها منزلة من فوق مما يدل على أن الذي أنزلها في العلو لا في السفل فلو كان في العلو السفل لما كان لذكر النزول داع ، و إمساك السموات و الأرض لا نعلم كيفيته ، و إمساك الله ليس كإمساك البشر في الكيف ، بل و لو أخذنا بإمساك البشر فالذي يمسك شيئا لا يكون داخلا في الشيء بل يكون خارجا عنه و الله يمسك السموات والأرض إذا ليس فيها بل خارجهما ، وقد جاءت النصوص بأنه مستو على عرشه فهو خارج السموات والأرض ، وفوق السموات والأرض .



الدليل الثالث والثلاثون :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟!، يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني ، قال: يا رب! وكيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم ، استسقيتك فلم تسقني ، قال : يا رب! كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه ، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي"[51]
مناقشة الدليل :
قوله عز وجل ( وجدتنى عنده ) أى وجدت ثوابى عنده وكرامتى ورحمتى والدليل على ذلك ما قاله عز وجلبعد ذلك ( لو أطعمته لوجدت ذلك عندى ) أى لوجدت ثوابه وجزاءه عندى قال النووي : قال العلماء إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى والمراد العبد تشريفا للعبد وتقريبا له قالوا ومعنى وجدتني عنده أي وجدت ثوابي وكرامتي ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث لو أطعمته لوجدت ذلك عندي لو أسقيته لوجدت ذلك عندي أي ثوابه والله اعلم[52] وقال الملا علي : لو عدته لوجدتني أي لوجدت رضائي عنده وفيه إشارة إلى أن العجز والانكسار عنده تعالى مقدارا واعتبارا كما روى أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي قال الطيبي وفي العبارة إشارة إلى أن العيادة أكثر ثوابا من الإطعام والإسقاء الآتيين حيث خص الأول بقوله وجدتني عنده فإن فيه ايماء إلى أن الله تعالى أقرب إلى المنكسر المسكين اه وقيل العجز والانكسار ألصق وألزم هناك والعيادة أفضل من العبادة وإن كانتا في الصورة واحدة فالعيادة أزيد[53]قال المناوي :أي وجدت ثوابي وكرامتي في عيادته ، قال في المطامح هذا خرج مخرج التنبيه على شرف المؤمن والتعريف بحظوته عند ربه وحث الخلق على المواصلة لذاته والتحبب فيه والإحسان لوجهه فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن ربه أن عيادة المؤمن لأخيه عيادة لله تعالى من حيث إنها إنما فعلت لوجهه ، فالمجاز والاستعارة في كلامهم باب واسع[54]



الدليل الرابع والثلاثون :

مع أن الجنة تحت العرش ، إلا أنها في الأرض ، ينبع منها نهر النيل و نهر الفرات كما أخبرنا الصادق الأمين رسول الله محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فعَنْ أَنَسِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ[55]. ، وهذا يؤكد لنا أن العرش يسع السماوات والأرض ، وأن استواء الله عليه هو معية وفوقية واتساع لله مع العرش ومع من فيه ومع من حوله ، فالفوقية فى حق الله عزّ وجلّ تعنى الاتساع المطلق وسلطانه على خلقه .
مناقشة الدليل :
هذه غيبيات لا تدرك بعقل ، والكرسي يسع السماوات والأرض ،و إذا كان كرسي الله قد وسع السماء والأرض فكيف يقال أن الله معنا بنفسه قال تعالى : ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾[56]، و العرش أكبر من الكرسي . والعرش هو أعظم المخلوقات ، وعليه استوىالمولى عز وجل استواءً يليق بجلاله ، قال تعالى : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾[57] أما القول بأن استواء الله على العرش هو معية وفوقية واتساع لله مع العرش و مع من فيه ومع من حوله ، فالفوقية فى حق الله عزّ وجلّ تعنى الاتساع المطلق وسلطانه على خلقه . فهذا كلام لم يقل به أحد من السلف و كلام باطل فالله لا يحيطه أحدا من خلقه و الله فوق جميع خلقه ، وظاهر الفوقية العلو في المكان و الفوقية المطلقة تقتضي علو المكان والمكانة والقدر و القهر والسلطان ، وتخصيص الفوقية بشيء منها تخصيص بلا مخصص .



الدليل الخامس والثلاثون :

وهذا هو المحتضرُ على فراشِ الموتِ بين أظهرِنا قد بدأ يرى الملائكةَ ويرى مكانَه من الجَنَّةِ مع أنها تحتَ العرشِ ، ومع أنها هناك ، إلا أنها هنا .
مناقشة الدليل :
هل معنى أن المحتضر يرى الجنة أن الجنة معه في الأرض ، هل لو رأى شخص شيئا هل معناه أن هذا الشيء معه في نفس المكان و سائل الإعلام الحديثة جعلتنا نرى ما يحدث في البلاد القريبة والبلاد البعيدة في التوا و اللحظة رغم بعدنا عن هذه البلاد ؟ .



الدليل السادس والثلاثون :خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ لأنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الأرْضِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا[58]. يُقسم لهم رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه ينظر إلى حوضه الشريف الآن و هو معهم ، فهو يرى بإدراكات أعلى
مناقشة الدليل :
هل معنى أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى الجنة أن الجنة معه في الأرض ، هل لو رأى شخص شيئا هل معناه أن هذا الشيء معه في نفس المكان و وسائل الإعلام الحديثة جعلتنا نرى ما يحدث في البلاد القريبة والبلاد البعيدة في التوا و اللحظة رغم بعدنا عن هذه البلاد ؟ .



الدليل السابع والثلاثون :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي[59] والمعنى كما قال ابن حجر : ( أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل في ملازمة حلق الذكر لا سيما في عهده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكون تشبيها بغير أداة أو المعنى أن العبادة فيها تؤدى إلى الجنة فيكون مجازا أو هو على ظاهره وان المراد انه روضة حقيقية بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة الى الجنة . هذا محصل ما أوله العلماء في هذا الحديث وهي على ترتيبها هذا في القوة . وأما قوله ومنبري على حوضي أي ينقل يوم القيامة فينصب على الحوض وقال الأكثر المراد منبره بعينه الذي قال هذه المقالة وهو فوقه وقيل المراد المنبر الذي يوضع له يوم القيامة والأول أظهر. والله أعلم)اهـ ويتضح منه أن من علماء السلف الصالح من تمسكوا بظاهر النصوص فى كلامها عن قرب المكان فى الغيبيات .
مناقشة الدليل :
القول بأن من علماء السلف الصالح من تمسكوا بظاهر النصوص فى كلامها عن قرب المكان فى الغيبياتكلام لم يعرف أصلا عن السلف وأين كلامهم ذلك فمن فسر الحديث على حقيقته قال المكان ينقل إلى الجنة يوم القيامة ، و قال النووي : ذكروا في معناه قولين أحدهما : أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة ، و الثاني : أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة [60] ، و قال ابن عبد البر في تأويل قول النبي صلى الله عليه و سلم ما بين بيتي ومنبري و روى ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة فقال قوم معناه إن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل روضة في الجنة و قال آخرون هذا على المجاز قال أبو عمر كأنهم يعنون أنه لما كان جلوسه وجلوس الناس أليه يتعلمون القرآن والإيمان والدين هناك شبه ذلك الموضع بالروضة لكرم ما يجتني فيها واضافها إلى الجنة لأنها تقود إلى الجنة كما قال صلى الله عليه و سلم الجنة تحت ظلال السيوف يعني أنه عمل يوصل به الى الجنة وكما يقال الأم باب من أبواب الجنة يريدون أن برها يوصل المسلم الى الجنة مع أداء فرائضه وهذا جائز سائغ مستعمل في لسان العرب والله اعلم بما اراد من ذلك [61] ، و قال السندي : قيل على ظاهره و أنه قد نقل من الجنة وسينقل إليها وقيل المراد أن العبادة فيها سبب مؤد إلى روضة من رياض الجنة [62] ، و قال السيوطي : قيل هو على ظاهره وأنه روضة حقيقة بأن ينقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة ، وقيل : هو تشبيه محذوف الأداة أي كروضة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذكر لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلم ، وقيل : هو مجاز ، والمعنى أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة[63] ، قال البدر العيني : قوله روضة أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادات وحذف أداة التشبيه للمبالغة وقيل معناه أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازا أو المراد أن ذلك الموضع بعينه ينتقل إلى الجنة فعلى ما ذكروا إما تشبيه وإما مجاز وإما حقيقة قوله ومنبري على حوضي أكثر العلماء المراد أن منبره بعينه الذي كان وقيل إن له هناك منبرا على حوضه وقيل معناه أن ملازمة منبره للأعمال الصالحة تورد صاحبها إلى الحوض ويشرب منه الماء[64] .


الدليل الثامن و الثلاثون :

للعرش العظيم حضور فى أرض المحشر حول بيت المقدس- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَيَأْتُونِى فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهْ)والآن تسجد تحته الشمس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر أين تغرب الشمس ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب تسجد تحت العرش، فذلك قوله : والشمس تجرى لمستقر لها ) وعندما يأتى ذكر العرش فوق السماوات ، فهو ذكرٌ لناحيةٍ منه ، من باب ذكر الكل والمراد الجزء و العكس .
مناقشة الدليل :
يوم القيامة قال تعالى فيه : ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾[65]يوم تُبَدَّل هذه الأرض بأرض أخرى بيضاء نقيَّة كالفضة ، وكذلك تُبَدَّل السموات بغيرها ، و سجود الشمس تحت العرش الله اعلم بكيفيته أما القول بأن عندما يأتى ذكر العرش فوق السماوات ، فهو ذكرٌ لناحيةٍ منه ، من باب ذكر الكل والمراد الجزء والعكس فكلام باطل فالعرش فوق السماوات كله كقولنا كذا فوق كذا ، كون الشمس تسجد تحته دليل على أن العرش فوقها .



الدليل التاسع والثلاثون :

وجود الله فى الأرض ثابت فى الدنيا والآخرة حيث أرض المحشر ، قال الله عز وجل : ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ﴾[66]بمعنى: يتجلى بما يُناسبُ كلَّ موقفٍ ، ويُكَلِّمُ اللهُ الأنبياءَ فى الدنيا ويسمعونه بل ويُطعمُهم ويَسقِيهم فى صيامِ الوصال .
مناقشة الدليل :
الأرض التي يحشر العباد عليها يوم القيامة أرض أخرى غير هذه الأرض التي نعيشعليها قال تعالى : ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾[67]يوم تُبَدَّل هذه الأرض بأرض أخرى بيضاء نقيَّة كالفضة ، وكذلك تُبَدَّل السموات بغيرها ، وعن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول«يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراءكقرصة النقي »[68]، والكلام بين الله والأنبياء لا يشترط له الوجود في نفس المكان إذ قد يكلم شخصا شخصا مع تباعد الأماكن بينهما عن طريق الهاتف أو الإيميل أو التلفاز أو الراديو و غير ذلك ، ولا يشترط إطعام الله للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكون معه في نفس المكان والله قادر أن يطعم النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض و هو سبحانه وتعالى فوق السماوات قادر أن يرى عبده الذي في الأرض ، وهو سبحانه وتعالى فوق السماوات قادر أن يسمع دعاء عبده وهو في الأرض وهو سبحانه وتعالى فوق السماوات ، و قد طلب الحواريون من عيسى عليه السلام أن ينزل الله لهم مائدة من السماء ، ولو كان الله معهم بذاته لما كان لنزول المائدة معنى قال تعالى : ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾[69] .



الدليل الأربعون :

الله يرزق الناس جميعا في آن واحد وهذا لا يتأتى إلا باتساع وجود الله عزّ وجلّ مع الجميع فى وقت واحد .
مناقشة الدليل :
الله يقدر أن يرزق جميع خلقه ، و هو فوق سماواته إذ الذي خلقهم من لا شيء قادر أن يرزقهم ، هو فوقهم ، والأمور العقدية تحتاج لنصوص صريحة ؛ لأن العقيدة لا تؤخذ بالرأي .



الدليل الحادي والأربعون :

قوله تعالى : ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾[70] فالسجود يقرب العبد من الله ، وأقرب ما يكون العبد من ربه ، هـو ساجد .
مناقشة الدليل :
قرب الشيء من الشيء لا يشترط له الوجود في نفس المكان ألا ترى أن الرجل قد يقول لصاحبه أنت قريب مني لقربه القلبي منه ، و يقول لصاحبه الآخر أنت بعيد عني لبعده القلبي عنه ، و إذا كان الله معنا بنفسه و قريب من الكل قرب مكان فلماذا يقيد القرب بالسجود ؟ مما يدل أن المقصود قرب المحبة ، و قرب الطاعة وليس القرب المكاني فمن يطيل السجود يحبه الله أكثر مما لا يطيل السجود ، و يدل على ذلك قوله عز وجل : « و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها و إن سألني لأعطينه و إن استعاذني لأعيذنه »[71]قال ابن الجوزي : و اسجد أي صل لله واقترب إليه بالطاعة[72] ، و قال السمرقندي : ﴿وَاسْجُدْ ﴾يعني : صل لله تبارك وتعالى ﴿ وَاقْتَرِبْ ﴾ يعني : صل واقترب إلى ربك ، بالأعمال الصالحة[73] ، وقال الطبري : ﴿وَاسْجُدْ ﴾لربك ﴿ وَاقْتَرِبْ ﴾ منه ، بالتحبب إليه بطاعته[74] .



الدليل الثاني و الأربعون :

لو كان الأمر كما يزعمون بأن الله ليس معنا بنفسه ، و يعلمنا من فوق عرشه من خارج أقطار السماوات والأرض ، كيف لا يبلغنا النبى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بوضوح وقد أمره الله أن يُبَلِّغَ رسالته ؟
مناقشة الدليل :
سبحان الله تضافرت نصوص الكتاب والسنة على علو الله ، وبعد ذلك يقال لم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال تعالى : ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾[75] و العلو المطلق علو الذات والصفات علو المكان والمكانة ، و قال تعالى : ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾[76] الله الأعلى في المكان الأعلى في المكانة الأعلى الصفات ، و قال تعالى : ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾[77] قال البغوي : ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ﴾ كقوله ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾[78] ، وقال الطبري : يخاف هؤلاء الملائكة التي في السموات ، وما في الأرض من دابة، ربهم من فوقهم، أن يعذبهم إن عصوا أمره ،ويفعلون ما يؤمرون ، يقول: ويفعلون ما أمرهم الله به، فيؤدون حقوقه ، ويجتنبون سخطه[79] ، والفوقية فوقية المكان والمكانة و القهر والسلطان ، وقال تعالى : ﴿ ِإلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾[80] و لو كان الله في كل مكان و معنا بذاته ما كان صعود ذكرنا له سبحانه و عملنا الصالح له معنى ، و عن أبي موسى الأشعري قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات . فقال : " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام . يخفض القسط ويرفعه . يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار . وعمل النهار قبل عمل الليل . حجابه النور . ( وفي رواية أبي بكر : النار ) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه "[81] .


الدليل الثالث و الأربعون :
مجلة الطب النفسى الإسلامى (النفس المطمئنة) ص5 العدد/30/أبريل1992 حيث جاء فيها ( يقولون فى المدرسة الوجودية للطب النفسى: أنا وأنت هنا الآن . وتقول المدرسة الإسلامية : أنا وأنت مع الله هنا الآن )و فى ذلك ضرورة إثبات المكان والقرب لله عزّ وجلّ .
مناقشة الدليل :
الله قريب منا بسمعه و بصره و علمه و مادام الله يسمع ما نقول و يرى ما نفعل و يعلم بما تكن صدورنا فهو قريب منا و إن كان فوق سبع سماوات يستجيب دعائنا وكم من داع دعى الله فاستجاب له و كم من مكروب اشتكى لله ففرج الله كربه وكم من مهموم فضفض لله ففرج الله همه القضية ليست قضية القرب المكاني فكم من قريب منك ، هو بعيد عنك وكم من بعيد عنك ، وهو قريب منك .



الدليل الرابع و الأربعون :

إثبات المكان والقرب لله عزّ وجلّ عقيدة يعرف قدرها رجال القضاء وفض المنازعات، الكلُّ يُؤدِّى ما عليه ويتسامح فى حقوقه، الكل يخاف الله الذى معه ، ففيم المنازعات؟! . تولَّى عُمرُ بنُ الخطاب رضى الله عنه القضاءَ فلم يُعرَض عليه نزاعٌ واحدٌ فاستقال!!. كذلك يعرف قدرها رجال الأمن ومكافحة الجريمة ، وغيرهم ..، وغيرهم .
مناقشة الدليل :
العلم بأن الله معنا بعلمه ونصره و سمعه ، هو فوق سماواته يردع الناس عن المعاصي مادام الله يراك فكيف تعصاه مادام الله يراقبك فكيف تعصاه مادام الله يبصرك فكيف تعصاه ليست المسألة مسألة قرب وبعد المسألة مسألة اعتقاد بصر الله بعباده وعلمه بهم وسمعه لهم ومراقبته لهم لو مدير شركة عرف موظفيه أنه يسمعهم بأجهزة و يراهم بأجهزة فالكل يحذر أن يفعل ما يغضبه و إن لم يكن في الشركة بنفسه .


الدليل الخامس و الأربعون :

قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن وهذا هو دليل القرب الحقيقى .
مناقشة الدليل :
إن لله تعالى أصابع حقيقة نثبتها له كما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من كون قلوب بني آدم بين إصبعين منها أن تكون مماسة لها حتى يقال: إن الحديث موهم للحلول فيجب صرفه عن ظاهره . فهذا السحاب مسخر بين السماء والأرض و هو لا يمس السماء و لا الأرض. ويقال : بدر بين مكة والمدينة مع تباعد ما بينها وبينهما، فقلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن حقيقة ولا يلزم من ذلك مماسة ولا حلول[82]و يقال : سترة المصلي بين يديه وليست مباشرة له ولا مماسة له .



الدليل السادس و الأربعون :

لن تحسن العبادة إلا وأنت تشعر أنك فى حضرة الله القريب منك كأنك تراه، لأنه لا يمنعك من رؤيته بُعْدُهُ عنك مسافةَ شِبْرٍ ، وإنما فقط لأنه لا تُدركه الأبصار .
مناقشة الدليل :
إحسان العبادة بالعلم برؤية الله لنا ومراقبته لنا وسمعه لنا و علمه بنا ، ولا يشترط فيها قرب المكان فكم من قريب منك ،و هو بعيد عنك وكم من بعيد عنك ، وهو قريب منك .



الدليل السابع و الأربعون :

إذا فهمنا العلو والفوقية فى حق الله بالاتساع المطلق – و ليس بالابتعاد المطلق – فهمنا أن الله معنا حقا كما هو فوق العرش حقا
مناقشة الدليل :
العلو المطلق علو المكان والمكانة والقدرة والقهر و الصفات و كذلك الفوقية ومن خصص فهو تخصيص بلا مخصص بل الأصل في كلمة العلو و فوق علو المكان ، ومن يصرف اللفظ عن ظاهره يحتاج لدليل ، وإلا فالأصل في الكلام الحقيقة .



الدليل الثامن والأربعون :

هناك فوق العرش وحوله من الخلق الكثير والكثير قال تعالى : ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً ﴾[83]ولا يعرف مدى أو حدّ وجودهم حول العرش إلا الله عز وجل ، فعلى أى أساس اختصوا فوق العرش دون غيره مكانا لله ؟!..
مناقشة الدليل :
العرش الذي استوى ربنا جل وعلا عليه هو مخلوق من مخلوقاته العظام وصفه الله جل وعلا بصفات في كتابه كقوله في وصفه إن العرش عظيم﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾[84]ووصفه بأنه كريم ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾[85] ووصفه بأنه مجيد ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾[86] وصف عرشه بأنه يحمل ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾[87] ووصف أيضا عرشه بأنه يطاف به وأن حوله الملائكة ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً ﴾[88] الملائكة حول العرش ، وليسوا فوق العرش ، و العرش في لغة العرب هو (سرير الملك) ، وسمي عرشا لعلوه على غيره ،وعرش فلان بيته إذا رفعه ، والعريش سمي عريشا لأنه معروش مرفوع ، وسمي العرش الذي هو سرير الملك سمي بذلك لارتفاعه إذ الملك يجلس عاليا على من حوله فالله أعلى من الكل .



الدليل التاسع و الأربعون :

إذا اختلفـت الأشــياء اختلافا كاملا من حيث الخلق والتكوين ، فقد توجد معا فى مكان واحد دون إزاحة أو تزاحم أو حلول أو اتحاد ، مثل الملائكة والروح يمرون من البروج المشيدة من حديد وحوائط سميكة من الخرسانة الحديدية مهما كان سُمكُها وانغلاقها ، ولا تعوقهم ولا يَحِلون فيها ولا يتحدون معها فإذا كان لبعض المخلوقات مثل هذه القدرة على الوجود اللطيف الذى لا يضره ولا يعوقه شيء من حياتنا المادية ، فكيف يقول البعض باستحالته فى حق الله وهو النور اللطيف القادر المقتدر الذى لا يعجزه شيء ؟!
مناقشة الدليل :
العقيدة توقيفية ؛ فلا تثبت إلا بدليل من الشرع ، ولا مسرح فيها للرأي والاجتهاد، ومن ثَمَّ فإن مصادرها مقصورة على ما جاء في الكتاب والسنة؛ لأنه لا أحد أعلمُ بالله وما يجب له وما ينزه عنه من الله، ولا أحد بعد الله أعلمُ بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان منهج السلف الصالح ومن تبعهم في تلقِّي العقيدة مقصورًا على الكتاب والسنة فما دلّ عليه الكتاب والسنة في حق الله تعالى آمنوا به، واعتقدوه وعملوا به. وما لم يدل عليه كتاب الله ولا سنة رسوله نقَوْهُ عن الله تعالى ورفضوه ، بما أن عقيدة الإسلام موقوفة على الكتاب وما صح من السنة فلا يصح الاستدلال بالقياس في العقيدة فلا قياس في الغيبيات .

الدليل الخمسون :
أمّة الإسلام على عهد سيدنا محمد رسول الله - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذين معه اعتقدوا فى معية الله لهم معية كاملة تامة حتى أن النبى محمدا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كإخوانه الأنبياء لا يعتدُّون إلا بها فى أحرج اللحظات والمواقف ، فهى عقيدة النجاة والنصر والإنقاذ السريع : قال عز وجل : ﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ﴾[89] .
مناقشة الدليل :
المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان فكلمة "مَعَ" في اللغة إذا أُطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غيروجوب مماسة أو محاذاة عن يمين وشمال، فإذا قُيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنةفي ذلك المعنى، فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا أو والنجم معنا، ويقال: هذاالمتاع معي لمجامعته لك، وإن كان فوق رأسك؛ فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه حقيقة ، و يقال فلان ماله معه وماله أرقام فقط التي معه، أما حقيقة المال فهي عقار، مزارع، ، ويقولون: فلان ماله معه، ومع ذلك ليس بمخالط لماله ولا مماس لماله، بل الأمير يرسل إلى الجند وهم في أرض المعركة وبينهم آلاف الأميال. ويقول: أنا معكم فاثبتوا أي معكم بالتأييد، معكم بالإعانة ؛ فلميلزم من هذا الكلام المخالطة والمماسة.


الدليل الحادي والخمسون :

ما معنى وما جدوى السجود لمن هو غائبٌ أو بعيدٌ ؟!! مناقشة الدليل :
من يسجد لله ويضع الجبهة على الأرض يقصد بذلك الخضوع لله الذي فوقه بالذل له ، والله معنا معية علم و إحاطة لم يغب عنا ، وكوننا لم نر الله فهذا ابتلاء لنا في الدنيا فمنا من يعبد الله و إن كان لا يراه ومنا من عبد غيره .


الدليل الثاني والخمسون :

قوله تعالى : ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[90]لماذا يا ترى إختار الله الوفاة هنا دون غيرها من أفعاله الكثيرة ؟ هذا ليؤكد لنا على قربه منا بنفسه إذ يتوفانا بالليل والنهار ، فهذا فعل من أفعاله الظاهرة فينا والقاهرة لنا ، ولا يُمكن لأحد إنكاره ، ووفاة نفس النائم يباشرها الله عز وجل بنفسه ويرسلها عند اليقظة بنفسه ، إنما الموتة الكبرى يحضرها مع الله الملائكة يقبضون النفس بعد أن يتوفاها الله من الجسد .
مناقشة الدليل :
الله ليس بحاجة أن يكون معنا بنفسه كي يحيي ويميت فمعروف أن أساليب الموت متعددة قد يميت شخص شخصا من على بعد هذا في مكان وهذا في مكان فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى الذي خلقنا من عدم قادر أن يقبض أرواحنا ،و هو فوق سماواته دون أن ينزل للأرض أو يكون معنا بذاته .


الدليل الثالث والخمسون :

إن أفعال الله أينما وقعت فهى من دلائل وجوده .
مناقشة الدليل :
فرق بين أدلة الوجود و أدلة الوجود في المكان فالشخص قد يحدث شيئا في مكان مع بعده عنه فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .


الدليل الرابع والخمسون :

﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾[91]
مناقشة الدليل :
﴿وَجْهُ اللّه ِ﴾ : اختلف فيه المفسرون من السلف، والخلف، فقال بعضهم: المراد به وجه الله الحقيقي ؛ و قال بعضهم: المراد به الجهة: ﴿ فثم وجه الله ﴾ يعني : في المكان الذي اتجهتم إليه جهة الله عز وجل ؛ و ذلك ؛ لأن الله محيط بكل شيء ؛ و لكن الراجح أن المراد به الوجه الحقيقي ؛ لأن ذلك هو الأصل ؛ و ليس هناك ما يمنعه؛ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قِبَل وجه المصلي و المصلُّون حسب مكانهم يتجهون ؛ فأهل اليمن يتجهون إلى الشمال؛ وأهل الشام إلى الجنوب؛ وأهل المشرق إلى المغرب؛ وأهل المغرب إلى الشرق؛ وكل يتجه جهة؛ لكن الاتجاه الذي يجمعهم الكعبة؛ وكل يتجه إلى وجه الله؛ وعلى هذا يكون معنى الآية: أنكم مهما توجهتم في صلاتكم فإنكم تتجهون إلى الله سواء إلى المشرق، أو إلى المغرب، أو إلى الشمال، أو إلى الجنوب [92] ،و في أي مكان توجه المصلي إليه فهو يتوجه إلى الله ، والله أمام وجهه كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : ‏ ‏«‏ إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه »[93]يمكن أن يكون الشيء عالياً، وهو قبل وجهك؛ فها هو الرجل يستقبل الشمس أول النهار، فتكون أمامه وهي في السماء؛ فإذا كان هذا ممكناً في المخلوق؛ ففي الخالق من باب أولى بلا شك.



الدليل الخامس والخمسون :

عن أبي هريرة قال : بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم هل تدرون ما هذا فقالوا الله ورسوله أعلم قال هذا العنان هذه زوايا الأرض يسوقه الله تبارك وتعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه قال هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ثم قال هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا الله ورسوله أعلم قال بين سنة ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك سماءين ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع سماوات ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد مثل ما بين السماءين ثم قال هل تدرون ما الذي تحتكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها الأرض ثم قال هل تدرون ما الذي تحت ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن تحتها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة ثم قال والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ثم قرأ ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾[94]
مناقشة الدليل :
هذا الحديث ضعيف ضعفه الألباني في تحقيقه مشكاة المصابيح حديث رقم 5735 ، وضعفه في تحقيقه مختصر العلو ، وهو بكل شيء عليم. وقال الترمذي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية تدل على أنه أراد الهبط على علم الله وقدرته وسلطانه وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه [95].


الدليل السادس والخمسون :

قوله تعالى : ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾[96] ، و عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء زاد وهب في حديثه اقض عني الدين وأغنني من الفقر [97]و نؤكد هنا على قوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْء ) أى ليس أقرب منك شيء ، و ثبوت هذا الاتساع المطلق لله نفسه يقطع الطريق على من يدّعون الألوهية مثل فرعون والبهاء وغيرهما، لأنهم مثاقيل ذر فانية ولا اتساع لهم . مناقشة الدليل : ليس أقرب من الله شيء ،و قرب الشيء من الشيء لا يشترط له الوجود في نفس المكان ألا ترى أن الرجل قد يقول لصاحبه أنت قريب مني لقربه القلبي منه ، و يقول لصاحبه الآخر أنت بعيد عني لبعده القلبي عنه ،وما ذكر في القرآن و السنة من علوه وفوقيته لا ينافي ما ذكر من قربه ومعيته ، فإنه سبحانه : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾[98] فهو القريب في علوه ، و هو العلي في دنوه فلا يقال : إذا كان فوق خلقه فكيف يكون معهم ؟ لأن هذا السؤال ناشئ عن تصور خاطئ هوقياسه سبحانه بخلقه وهذا قياس باطل ، لأن الله سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌفالقرب والعلو يجتمعان في حقه لعظمته وكبريائه وإحاطته وأن السماوات السبع في يدهكخردلة في يد العبد ، فكيف يستحيل في حق من هذا بعض عظمته أن يكون فوق عرشه ويقربمن خلقه كيف يشاء وهو على العرش .


الدليل السابع والخمسون :

قوله تعالى : ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾[99]
مناقشة الدليل :
لا منافاة بين القرب والعلو ؛ لأن الشيء قد يكون بعيداً قريباً ؛ هذا بالنسبة للمخلوق ؛ فكيف بالخالق؟! فالرب عز وجل قريب مع علوه .

الدليل الثامن والخمسون :

قوله تعالى : ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾[100]الله ينفى وجود النبى هناك ، و ينفى مشاهدة النبى لما حصل ، ليثبت كل ذلك له نفسه عزّ وجلّ .. فهو نفسه مع موسى يكلمه .
مناقشة الدليل :
كلام الله لموسى عليه السلام لا يستلزم الوجود في نفس المكان فالشخص قد يكلم شخصا دون التواجد في نفس الكلام عبر الهاتف مثلا فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .


الدليل التاسع والخمسون :طلب موسى عليه السلام رؤية الله فما كان موسى عليه السلام ليطلب الرؤية لولا تيقنه من قرب الله ووجوده معه بنفسه فى مجال بصره .
مناقشة الدليل : رؤية الشيء للشيء لا تستلزم الوجود في نفس المكان الشخص قد يرى الشخص عن طريق كاميرا عن طريق تلفاز عن طريق صورة فوتوغرافية فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .

الدليل الستون :
قوله تعالى : ﴿ َقالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾[101] ووجود الصفة فرع عن وجود الموصوف ودليل قطعى عليه .
مناقشة الدليل : سمع الشيء للشيء ، ورؤية الشيء لشيء لا تستلزم الوجود في نفس المكان فقد يسمع شخصين بعضهما البعض ، و هما ليسا في مكان واحد ، و قد يرى شخصين بعضهما البعض ، هما ليسا في مكان واحد .


الدليل الحادي والستون :
قول النبي صلى الله عليه وسلم : اللهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ [102]
مناقشة الدليل : اللهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ فهو يرى كل ما نفعله من فوق سماواته .

الدليل الثاني والستون :
صرف كيد نسوة يوسف عليه السلام ،و ربط الله على قلب أم موسى عليهما السلام دليل على وجوده الحقيقي معنا ،و الله يوجد مكانيا مع كل ذرة يصور بناءها ويقدّر فيها قوَّتها ويحدد لها وظيفتها ودهرها ثم فناءها ثم إعادتها .
مناقشة الدليل : إذا كان المخلوق يمكن أن يحدث فعلا عن بعد فكيف بالخالق ؟!!!!!!!!!



الدليل الثالث والستون :قوله تعالى : ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾[103]ومعلوم أن الشهادة تقتضى الوجود التام ولا تُقبل شهادة لغائب .
مناقشة الدليل :
شهد في اللغة بمعنى حضر وعلم وأعلم ، و الشهيد اسم من أسماء الله تعالى بمعنى الذىلا يغيب عنه شئ في ملكه في الأمور الظاهرة المشاهدة فلا يغيب عنه شيء و لا يغيب عن شيء ، و القول بأن الشهادة تقتضى الوجود التام ولا تُقبل شهادة لغائب فهذا قياس للخالق على المخلوق ، و أيضا منعلم شيئا تجوز له الشهادة فيه، ولا يجوز له أن يشهد بما لم يعلمه ، قالابن قدامةفي المغني : و ما أدركه من الفعل نظراً أو سمعه تيقناً و إن لم يرالمشهود عليه شهد به .

الدليل الرابع و الستون :قد أمرنا الله الخبير الحق عزّ وجلّ فى سورة الفاتحة أن نخاطبه فيخاطبنا خطاب الحاضر للحاضر معنا فى ليلنا ونهارنا فى كل صلواتنا ودعواتنا وتلاواتنا قائلين فى سورة الفاتحة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ الخطاب هنا للحاضر القريب دائما جل جلاله ولو قرأها إنسان ( إياه نعبد ) لبطلت صلاته !
مناقشة الدليل :
مخاطبة الشخص للشخص لا يشترط لها الوجود في نفس المكان خاصة بعد ظهور وسائل الاتصال الحديثة فكيف بالخالق ؟


الدليل الخامس و الستون :

قوله تعالى : ﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ﴾[104] ، وهذا يؤكد على عدم غيابه مع تأكيده على علمه ، فما جعل أحدهما بديلا عن الآخر .
مناقشة الدليل :
معنى الآية فلَنقُصَّنَّ على الخلق كلهم ما عملوا بعلم منا لأعمالهم في الدنيا فيما أمرناهم به، وما نهيناهم عنه، وما كنا غائبين عنهم في حال من الأحوال فالله لم يغب عنا معنا دائما بسمعه وبصره وعلمه ، والحضور لا يقتضي وجود الشيء في نفس المكان .


الدليل السادس والستون :لو كان وجود الله بنفسه فى مكان ما مع خلقه لا يجوز لأخبرنا بذلك صراحة بنص قطعى .
مناقشة الدليل :
القول بأنه لو كان وجود الله بنفسه فى مكان ما مع خلقه لا يجوز لأخبرنا بذلك صراحة بنص قطعى قول لا يصح فالعقيدة توقيفية فلا تثبت إلا بدليل من الشارع ، و لا مجال فيها للرأي والاجتهاد،و مصادرها مقصورة على ما جاء فيالكتاب و السنة لأنه لا أحد أعلم بالله و ما يجب له وما ينزه عنه من الله و لا أحد أعلم بالله - من خلقه - من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما دل عليه الكتاب والسنة في حق الله تعالى آمنوا به وأعتقدوه وعملوا به ، و ما لميدل عليه كتاب الله و لا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم نفوه عن الله تعالى و رفضوه ، و مادام الكتاب و السنة لم يدل على أن الله في كل مكان أو أن الله معنا بذاته في الأرض بل دلت على أن الله معنا بعلمه وبصره و سمعه و أن الله مستو على عرشه فكل كلام خلاف ذلك باطل لا يلتفت إليه .



الدليل السادس والستون :

الفوقية تحيط بالأرض كلها، أى أن ( العلو ) هو الاتساع المطلق و ليس هو البُعْد المطلق . والأرض تدور دائما ، و ما هو فوقنا الآن يكون تحتنا بعد ساعات ولكنه فوق نصف الكرة الأرضية المقابل ، وكروية الأرض ودورانها دليل على أن الله في كل مكان ، والسماء محيطة بالكرة الأرضية دليل على أن الله في كل مكان .
مناقشة الدليل :
الأرض تحت السماء وهي تدور تحت السماء ولا تأتي مرة فوقها ومرة تحتها ، و لو أحضرنا كرة في غرفة من الغرف و أدرنا الكرة حول نفسها نجد الكرة تدور حول نفسها و سقف الغرفة فوق الكرة ، والقول بأن السماء محيطة بالأرض لا يستلزم أن يكون الله في كل مكان فالله فوق السماوات ، ولو كنا في غرفة ووضعنا كرة في كرة و أدرنا الكرة الداخلية الصغيرة فنجد سقف الغرفة فوق الكرتين .



الدليل السابع والستون :

وجود الله بحقيقته معنا ضرورى لوجودنا وحياتنا
مناقشة الدليل :
لا يشترط وجود الفاعل مع الفعل في نفس المكان كي يبقى الفعل فالإنسان قد يستطيع التحكم في الفعل و إنشاء الفعل عن بعد فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .



الدليل الثامن والستون :

قوله تعالى : ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً ﴾[105] فما معنى أن نبعد الفعّالَ لما يُريدُ عن مَحَلِّ أفعالهِ وإبداعِه ؟! ومن الذى أمرنا بذلك؟! إن الربط بين وجود الله عز وجل بلا أىِّ استثناءٍ وبين كلِّ ما يفعله الله فينا وفيما حولنا واجبٌ بمُوجَبِ نصوصِ المعيةِ القطعيةِ .
مناقشة الدليل :
لا يشترط وجود الفاعل مع الفعل في نفس المكان فالإنسان قد إنشاء الفعل عن بعد فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .


الدليل التاسع و الستون :

قوله تعالى : ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾[106] و الذى ورثناه عن النبى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد بغير غياب .
مناقشة الدليل :
المراد من ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ الملائكة أي ونحن أقرب إليه بملائكتنا من حبل الوريد ، بدليل أنه قيد ذلك بوقت تلقي المتلقيان ، ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴾[107] و لو كان المراد قرب الرب لم يُقَيِّد ذلك بوقت تلقي المتلقيان ، و على التسليم بأن المراد قرب الله فيكون المعنى و نحن أقرب إليه بالعلم والاطلاع والرؤية .


الدليل السبعون :

حركة الكواكب والنجوم والمجرات بهذا النظام - أو بغيره - ما هى إلا فعل لابد له من فاعل ، هذا الفاعل عرفه إبراهيم بأنه الله الذى أنجاه من النار دون تدخل من جبريل! وهكذا يعرف الخليل خليله، قال : إن الله يأتى بالشمس . ولم يقل : يجعلها تأتى أو يأمر غيره أن يأتى بها . وكذلك الله يُحيى ويُميت بنفسه .
مناقشة الدليل :
إذا كان من خلق الله من يحدث الأشياء عن بعد يدمر القرى عن بعد يقتل الناس عن بعد يتجسس على الناس عن بعد يسمع الناس عن بعد يكلم الناس عن بعد يصور الناس عن بعد فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى .



الدليل الحادي و السبعون :

لو نظرنا فى قصة البقرة وقتيل بنى إسرائيل ، فلا شك أن هذه المعجزة تهدف لبيان قدرة الله على إحياء الموتى فى الدنيا والآخرة .. ولكن لن يمنع هذا من أن يكون هدفها الأول هو البرهان الأكيد للناس على وجود الله نفسه معهم ومع قدرته ، فلولا وجوده بنفسه ما تمت هذه المعجزة . مناقشة الدليل :
وجود الله بنفسه في الأرض ليس شرطا في أن تتم المعجزة فالله قادر أن يفعل كل شيء من سماواته ، و إذا جاز في حق المخلوق أن يفل الأشياء عن بعد فجوازها لخالقه من باب أولى .



الدليل الثاني والسبعون :

النصر من عند الله دليل على وجوده معنا بذاته .
مناقشة الدليل :
كون الشيء من عند شيء لا يستلزم أن يكون الشيئان في نفس المكان مثلا الجبن من عند فلان هل يستلزم أن يكون فلان والجبن معا في المكان ، وهذا الكلام من عند فلان هل يستلزم أن يكون الكلام وفلان معا في المكان ، وهذا المال من عند فلان هل يستلزم أن يكون فلان والمال معا في المكان ؟






[1]- رواه أبوداود في سننه وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 1526[2]- صححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم : 7864
[3]- انظر الصحاح للجوهري (3/1286) تحقيق أحمد عبدالغفار عطار دار العلم للملايين بيروت ،و المحكم والمحيط الأعظم في اللغة لابن سيده (1/55) ولسان العرب لابن منظور (13/144) مع تعليق مكتب تحقيق التراث دار إحياء التراث العربي – مؤسسة التاريخ العربي بيروت،و القاموس المحيط للفيروز آبادى ص987 تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة ودار الريان للتراث و تاج العروس من جواهر القاموس لمحمد مرتضي الزبيدي (5/514) منشورات دار مكتبة الحياة بيروت
[4]- مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهاني (2/608)
[5] - رواه البخاري في صحيحه
[6] - اليقرة من الآية 255
[7] - طه الآية 5
[8] - طه الآية 5
[9] - شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين ص 330 المكتبة التوفيقية القاهرة
[10] - أسماء الله الحسنى للدكتور حمزة النشرتي و الدكتور عبد الحميد مصطفى والشيخ عبد الحفيظ فرغلي ص 294 المكتبة القيمة القاهرة
[11] - الفتح من الآية 10
[12]- طه من الآية 39
[13]- القمر من الآية 14
[14] - القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين ص 100 دار الحرمين الطبعة الأولى 1422 هـ 2001 م
[15]- طه من الآية 39
[16]- القمر من الآية 14
[17] - المائدة الآية 54
[18] - مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد السادس
[19] - النور من الآية 35
[20]- رواه مسلم في صحيحه رقم 179
[21] - رواه أبوداود في سننه وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 485
[22] - الشورى من الآية11
[23] - صحيح ابن خزيمة حديث رقم 926
[24] - رواه البخاري و مسلم
[25]- رواح أحمد في مسنده و صححه الألباني في ظلال الجنة رقم رقم 315
[26] - سبأ من الآية 50
[27] - هود من الآية 61
[28] - البقرة الآية 20
[29] - أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري 1/31 مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة الطبعة : الخامسة، 1424هـ/2003م
[30] - الكهف من الآية 62
[31] - تفسير الطبري 1//360 مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى ، 1420 هـ - 2000 م
[32] - الكهف الآية 26
[33] - تفسير البغوي
[34] - تفسير بن كثير
[35] - تحفة المحتاج في شرحالمنهاج لابن حجر الهيتمي 1/56 دار إحياء التراث العربي
[36] - صحيح الجامع للألباني حديث رقم 1782
[37] - الأنعام من الآية 103
[38] - رواه مسلم في صحيحه
[39] - البقرة من الآية 115
[40]- فتح الباري لابن حجر العسقلاني 2/296
[41] - غافر الآية 36 - 37
[42] - ال عمران من الآية 55
[43] - الإسراء الآية 1
[44] - صحيح الجامع للألباني 1360
[45] - تفسير بن كثير سورة الإسراء آية 1
[46] - القصص من الآية 31
[47] - ق من الآية 28
[48] - الإسراء الآية 102
[49] - فاطر الآية 41
[50] - التفسير الوسيط للطنطاوي الإسراء الآية 102
[51] - رواه مسلم ، كتاب البر والصلة (2569).
[52] - شرح النووي على صحيح مسلم للنووي (16/126) دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة الطبعة الثانية ، 1392
[53] - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا على القاري 5/252
[54] - فيض القدير 2/396
[55] - رواه مسلم في صحيحه
[56] - اليقرة من الآية 255
[57] - طه الآية 5
[58]- رواه البخاري في صحيحه
[59] - صحيح الجامع للألباني حديث رقم: 5587
[60]- شرح النووي لصحيح مسلم
[61] - التمهيد لابن عبد البر 2/287 الناشر : وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب ، 1387
[62]- حاشية السندي على سنن النسائي
[63]- حاشية السيوطي على سنن النسائي
[64]- عمدة القاري للبدر العيني
[65]- إبراهيم الآية 48
[66] - الفجر الآية 22
[67]- إبراهيم الآية 48
[68]- رواه البخاري ومسلم
[69]- المائدة الآية 112
[70] - العلق من الآية 19
[71] - صحيح الجامع للألباني حديث رقم 1782
[72] - تفسير بن الجوزي 9/179 المكتب الإسلامي – بيروت الطبعة الثالثة ، 1404
[73] - تفسير السمرقندي
[74] - تفسير الطبري 24/527 الناشر : مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى ، 1420 هـ - 2000 م
[75] - البقرة من الآية 255
[76]- الأعلى آية 1
[77]- النحل الآية 50
[78] - الأنعام من الآية 18
[79] - تفسير الطبري 17 / 220
[80] - فاطر من الآية 10
[81] - رواه مسلم في صحيحه رقم 179
[82] - القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين ص 79
[83] - غافر من الآية 7
[84]- التوبة من الآية 129
[85]- المؤمنون الآية 116
[86]- البروج 15
[87]- الحاقة من الآية 17
[88] - غافر من الآية 7
[89]- التوبة من الآية 40
[90]- يونس الآية 104
[91] - البقرة الآية 115
[92]- تفسير بن عثيمين لسورة البقرة آية 115
[93] - رواه أبوداود في سننه وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 485
[94] - الحديد الآية 3
[95]- جامع الترمذي عند حديث رقم 3298
[96] - الحديد الآية 3
[97] - صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 5051
[98] - الشورى من الآية11
[99]- البقرة الآية 186
[100]- القصص الآية 44
[101] - طه الآية 46
[102] - رواه البخاري في صحيحه
[103] - الرعد الآية 43
[104] - الأعراف الآية 7
[105] - عبس الآيات 24 - 28
[106] - ق الآية 16
[107] - ق الآية 17
__________________

د.ربيع أحمد
10-26-2008, 01:48 AM
فصل : كلام الصحابة و السلف و من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين في علو الله :





السيدة زينب بنت جحش


قد ورد في صحيح البخاري أن زينب – رضي الله عنها - كانت تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم – فتقول: " زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات " و لو كان الله معنا بنفسه في الأرض لكان كلامها لا يصح .



ابن عباس


عن عائشة أن ابن عباس دخل عليها وهي تموت فقال لها : كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يحب إلا طيبا وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات[1] و لو كان الله معنا بنفسه في الأرض لكان كلام ابن عباس لا يصح .





أهل الحديث و أهل السنة


قال ابن عبد البر المالكي تعليقا على حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم أين الله " فعلى ذلك جماعة أهل السنة، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه، وسائر نقلته، كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾[2]، وأن الله - عز وجل - في السماء و علمه في كل مكان "[3] و لو كات الله في السماء و الأرض و هم قالوا في السماء ولم يذكروا الأرض لكانوا مخطئين ، ومادام ذكروا أنه في السماء فبمفهوم المخالفة أنه ليس في الأرض .


قال ابن بطال : و أما تفسير استوى علا فهو صحيح و هو المذهب الحق وقول أهل السنة لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي [4]فمذهب أهل السنة أن الله في العلو ليس الله في كل مكان أو ليس الله معنا بنفسه في الأرض .






أبو حنيفة


قال أبو مطيع البلخي : سألت أبا حنيفة عمن يقول لا أعرف ربي في السماءأوفي الأرض ، قال :كفر ؛لأن الله يقول : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾[5]، وعرشه فوق سبع سمواته، فقلت : إنه يقول على العرش ،ولكن لاأدرى العرش في السماءأوفي الأرض ،فقال :إنه إذا أنكرأنه في السماءكفر ؛لأنه تعالى في أعلى عليين ، و أنه يُدعى من أعلى لامن أسفل "[6] و لو كان الله معنا بنفسه في الأرض لكان كلام أبي حنيفة لا يصح .




مالك بن أنس


قال مالك : الله في السماء وعلمه في كل مكان[7] ، وذكره للسماء فبمفهوم المخالفة أن الله ليس في الأرض بنفسه .


الشافعي




القول في السُّنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يَقرُب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء[8]






أحمد بن حنبل و ابن المبارك


قال أبو بكر الأثرم وحدثني محمد بن ابراهيم القيسي قال قلت لأحمد ابن حنبل يحكى عن ابن المبارك أنه قيل له كيف نعرف ربنا قال في السماء السابعة على عرشه قال أحمد هكذا هو عندنا[9]









قتيبة بن سعيد




قال قتيبة بن سعيد: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه كما قال تعالى : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [10]و لو كان الله معنا بنفسه في الأرض لكان كلام قتيبة لا يصح .

















الإمام أبو زرعة الرازي و الإمام أبو حاتم



عن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال سألت أبي وأبا زرعة رحمهما الله تعالى عن مذهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم أن الله تبارك وتعالى على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف أحاط بكل شيء علما ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[11]



ابن قدامة

الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء ووصفه بذلك رسوله محمد خاتم الانبياء وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابه الأتقياء والأئمة من الفقهاء وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين و جمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين وجعله مغروزا في طباع الخلق أجمعين فتراهم عند نزول الكرب بههم يلحظون السماء باعينهم ويرفعون نحوها للدعاء ايديهم وينتظرون مجئ الفرج من ربهم و ينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته أو مفتون بتقليد و اتباعه على ضلالته[12]


ابن تيمية


سئل شيخ الإسلام أبو العبّاس أحمد بن تيمية رحمه الله: عَنْ رجلين اختلفا فِي الاعتقاد. فقال أحدهما: من لاَ يعتقد أنّ الله سُبْحَانَهُ وتعالى فِي السّمَاء فَهُوَ ضال. وقال الآخر: إنّ الله سُبْحَانَهُ لاَ ينحصر فِي مكان، وهما شافعيان فبينوا لَنَا مَا نتبع من عقيدة الشّافعي رضي الله عنه، وَمَا الصّواب فِي ذلك؟ الجواب: الحمد لله، اعتقاد الشافعي رضي الله عَنْهُ واعتقاد "سلف الإسلام" كمالك، والثوري،والأوزاعي، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وَهُوَ اعتقاد المشايخ المقتدى بهم كالفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، وسهل بن عبد الله التستري، وغيرهم. فإنّه لَيْسَ بَيْنَ هؤلاء الأئمة وأمثالهم نزاع فِي أصول الدين. وكذلك أبو حنيفة رحمة الله عَلَيهِ، فإنّ الاعتقاد الثابت عَنْهُ فِي التوحيد والقدر ونحو ذَلِكَ موافق لاعتقاد هؤلاء، واعتقاد هؤلاء هُوَ مَا كَانَ عَلَيهِ الصّحابة والتّابعون لهم بإحسان، وَهُوَ مَا نطق بِهِ الكتاب والسنة. قَالَ الشافعي فِي أوّل خطبة "الرّسالة": الحمد لله الَّذِي هُوَ كَمَا وصف بِهِ نفسه، وفوق مَا يصفه بِهِ خلقه. فبيّن رحمه الله- أنّ الله موصوف بِمَا وصف بِهِ نفسه فِي كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وكذلك قَالَ أحمد بن حنبل: لاَ يوصف الله إِلاَّ بِمَا وصف بِهِ نفسه، أَوْ وصفه بِهِ رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف وَلاَ تعطيل، ومن غير تكييف وَلاَ تمثيل، بل يثبتون لَهُ مَا اثبته لنفسه من الأسماء الحسنى، والصفات العليا، ويعلمون أَنَّهُ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ لاَ فِي صفاته، وَلاَ فِي ذاته، وَلاَ فِي أفعاله. إِلَى أَنْ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات والأرض وَمَا بينهما فِي ستة أيّام ثُمَّ استوى عَلَى العرش؛ وَهُوَ الَّذِي كلّم موسى تكليماً؛ وتجلّى للجبل فجعله دكاً؛ وَلاَ يمثاله شيء من الأشياء فِي شيء من صفاته، فليس كعلمه علم أحد، وَلاَ كقدرته قدرة أحد، وَلاَ كرحمته رحمة أحد، وَلاَ كاستوائه استواء أحد، وَلاَ كسمعه وبصره سمع أحد وَلاَ بصره، وَلاَ كتكليمه تكليم أحد، وَلاَ كتجليه تجلي أحد. والله سُبْحَانَهُ قَدْ أخبرنا أنّ فِي الجنة لحماً ولبناً، عسلاً وماءً، وحريراً وذهباً. وَقَدْ قَالَ ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنهما: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مما فِي الآخرة إِلاَّ الأسماء. فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ المخلوقات الغائبة ليست مثل هَذِهِ المخلوقات المشاهدة - مَعَ اتفاقها فِي الأسماء- فالخالق أعظم علواً ومباينة لخلقه من مباينة المخلوق للمخلوق، وإن اتّفقت الأسماء. وَقَدْ سمّى نفسه حياً عليماً، سميعاً بصيراً، وبعضها رؤوفاً رحيماً؛ وليس الحيّ كالحيّ، وَلاَ العليم كالعليم، وَلاَ السميع كالسميع، وَلاَ البصير كالبصير، وَلاَ الرؤوف كالرؤوف، وَلاَ الرحيم كالرّحيم . و قال فِي سياق حديث الجارية المعروف : ( أين الله؟ ) قالت : فِي السّمَاء. لكن لَيْسَ معنى ذَلِكَ أنّ الله فِي جوف السّمَاء، وأنّ السَّمَاوَات تحصره وتحويه، فإن هَذَا لَمْ يقله أحد من السّلف الأمة وأئمتها؛ بل هم متفقون عَلَى أنّ الله فَوْقَ سماواته، عَلَى عرشه، بائن من خلقه؛ لَيْسَ فِي مخلوقاته شيء من ذاته، وَلاَ فِي ذاته شيء من مخلوقاته. وَقَدْ قَالَ مالك بن أنس: إن الله فَوْقَ السماء، وعلمه فِي كلّ مكان فمن اعتقد أنّ الله فِي جوف السّمَاء محصور محاط به، وأنّه مفتقر إِلَى العرش، أَوْ غير العرش – من المخلوقات- أَوْ أَنْ استواءه عَلَى عرشه كاستواء المخلوق عَلَى كرسيّه: فَهُوَ ضال مبتدع جاهل، ومن اعتقد أنّه لَيْسَ فَوْقَ السَّمَاوَات إله يعبد، وَلاَ عَلَى العرش ربّ يصلّى لَهُ ويسجد، وأنّ محمداً لَمْ يعرج بِهِ إِلَى ربّه؛ وَلاَ نزل القرآن من عنده: فَهُوَ معطّل فرعوني، ضال مبتدع –وقال- بَعْدَ كلام طويل- والقائل الَّذِي قَالَ: من لَمْ يعتقد أَنّ الله فِي السّمَاء فَهُوَ ضال: إن أراد بذلك من لاَ يعتقد أنّ الله فِي جوف السّمَاء، بحيث تحصره وتحيط بِهِ: فَقَدْ أخطأ. وإن أراد بذلك من لَمْ يعتقد مَا جاء بِهِ الكتاب والسنة، واتفق عَلَيهِ سلف الأمة وأئمتها، من أنّ الله فَوْقَ سماواته عَلَى عرشه، بائن من خلقه: فَقَدْ أصاب، فإنه من لَمْ يعتقد ذَلِكَ يكون مكذباً للرسول صلى الله عليه وسلم، متبعاً لغير سبيل المؤمنين؛ بل يكون فِي الحقيقة معطّلاً لربّه نافياً لَهُ؛ فَلاَ يكون لَهُ فِي الحقيقة إله يعبده، وَلاَ ربّ يسأله، ويقصده. والله قَدْ فطر العباد – عربهم وعجمهم - عَلَى أنّهم إِذَا دعوا الله توجّهت قلوبهم إِلَى العلوّ، وَلاَ يقصدونه تحت أرجلهم. ولهذا قَالَ بعض العارفين: مَا قَالَ عارف قط: يَا الله!! إِلاَّ وجد فِي قلبه – قبل أَنْ يتحرّك لسانه- معنى يطلب العلو، لاَ يلتفت يمنة وَلاَ يسرة. ولأهل الحلول والتعطيل فِي هَذَا الباب شبهات، يعارضون بِهَا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وَمَا أجمع سلف الأمة وأئمتها؛ وَمَا فطر الله عَلَيهِ عباده، وَمَا دلّت عَلَيهِ الدلائل العقلية الصحيحة؛ فإن هَذِهِ الأدلّة كلّها متفقة عَلَى أنّ الله فَوْقَ مخلوقاته، عالٍ عَلَيْهَا، قَدْ فطر الله عَلَى ذَلِكَ العجائز والصبيان والأعراب فِي الكتاب ؛ كَمَا فطرهم عَلَى الإقرار بالخالق تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الحديث الصحيح : ( كلّ مولود يولد عَلَى الفطرة؛ فأبواه يهودانه، أَوْ ينصّرانه، أَوْ يمجسانه، كَمَا تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هَلْ تحسّون فِيهَا من جدعاء؟ ) ثُمَّ يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرؤوا إن شئتم : ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ و هذا معنى قول عمر بن عبد العزيز: عليك بدين الأعراب والصبيان فِي الكتاب، وعليك بِمَا فطرهم الله عليه، فإن الله فطر عباده عَلَى الحق ، و الرّسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لاَ بتحويل الفطرة وتغييرها. وأمّا أعداء الرسل كالجهمية الفرعونية ونحوهم: فيريدون أَنْ يغيّروا فطرة الله، ويوردون عَلَى النَّاس شبهات بكلمات مشتبهات، لاَ يفهم كثير من النَّاس مقصودهم بها؛ وَلاَ يحسن أَنْ يجيبهم. وأصل ضلالتهم تكلّمهم بكلمات مجملة؛ لاَ أصل لَهَا فِي كتابه؛ وَلاَ سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وَلاَ قالها أحد من أئمّة المسلمين، كلفظ التحيّز والجسم، والجهة ونحو ذَلِكَ. فمن كَانَ عارفاً بحل شبهاتهم بينها، ومن لَمْ يكن عارفاً بذلك فليعرض عَنْ كلامهم، وَلاَ يقبل إِلاَّ مَا جاء بِهِ الكتاب والسنّة، كَمَا قَالَ : ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِه ِ﴾[13] و من يتكلّم فِي الله وأسمائه و صفاته بِمَا يخالف الكتاب و السنّة فَهُوَ من الخائضين فِي آيات الله بالباطل . و كثير من هؤلاء ينسب إِلَى أئمّة المسلمين مَا لَمْ يقولوه: فينسبون إِلَى الشافعي ، و أحمد بن حنبل ، و مالك ، و أبي حنيفة: من الاعتقادات مَا لَمْ يقولوا. و يقولون لمن تبعهم: هَذَا اعتقاد الإمام الفلاني ؛ فَإِذَا طولبوا بالنّقل الصحيح عَنْ الأئمة تبيّن كذبهم و قال الشافعي : حكمي فِي أهل الكلام: أَنْ يضربوا بالجريد والنّعال، ويطاف بهم فِي القبائل والعشائر ، و يقال : هَذَا جزاءُ من ترك الكتاب والسنّة، وأقبل عَلَى الكلام. قَالَ أبو يوسف القاضي: من طلب الدين بالكلام تزندق. قَالَ أحمد: مَا ارتدى أحد بالكلام فأفلح. قَالَ بعض العلماء: المعطّل يعبد عدماً، والممثّل يعبد صنماً. المعطّل أعمى، والممثّل أعشى؛ ودين الله بَيْنَ الغالي فِيهِ وَالجافي عَنْهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً ﴾[14] والسنّة فِي الإسلام كالإسلام فِي الملل. انتهى والحمد لله ربّ العالمين[15] .




الذهبي



و قال القرطبي ........الأكثر من المتقدمين و المتأخرين يعنـي المتكلمين يقولون : إذا وجب تنزيه الباري جل جلاله عن الجهة والتحيز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم المتأخرين تنزيه الباري عن الجهة فليس لجهة فوق عندهم لأنه يلزم من ذلك عندهم أنه متى إختص بجهة أن يكون في مكان وحيز ويلزم على المكان والحيز والحركة والسكون للتحيز والتغير والحدوث هذا قول المتكلمين قلت نعم هذا ما إعتمده نفاة علو الرب عز وجل وأعرضوا عن مقتضى الكتاب والسنة وأقوال السلف وفطر الخلائق ويلزم ما ذكروه في حق الأجسام والله تعالى لا مثل له ولازم صرائح النصوص حق ولكنا لا نطلق عبارة إلا بأثر ثم نقول لا نسلم كون الباري على عرشه فوق السموات يلزم منه أنه في حيز وجهة إذ ما دون العرش يقال فيه حيز وجهات وما فوقه فليس هو كذلك والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول ونقله عنهم الأئمة وقالوا ذلك رادين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان محتجين بقوله و هـــو معكم فهــــــذان القولان هما اللـذان كانا في زمن التابعــــين و تابعيهم[16]








[1] - صححه الألباني في مختصر العلو [2]- طه الآية 5
[3] - الاستذكار الجامع لمذاهب الأمصار لابن عبد البر
[4]- فتح الباري لابن حجر 13/406 دار المعرفة بيروت 1379هـ
[5]- طه الآية 5
[6] - الفقه الأكبر
[7] - رواه أبو داوود في مسائل الإمام أحمد ص263 دار المعرفة بيروت ، التمهيد لابن عبد البر
[8] -اجتماع الجيوش الإسلامية , إثبات العلو
[9] - إثبات صفة العلو لابن قدامة ص 118
[10] - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة لابن القيم
[11] - صححه الألباني في مختصر العلو
[12]- إثبات صفة العلو لابن قدامة
[13] - الأنعام من الآية 68
[14] - البقرة من الآية 143
[15] - مجموع الفتاوى لابن تيمية ( 5 /256- 261)
[16]- العلو للعلي الغفار للذهبي

د.ربيع أحمد
10-26-2008, 01:49 AM
الخاتمة

قد دلت نصوص الكتاب والسنة على علو الله فوق خلقه و أن الله ليس في كل مكان بنفسه بل الله فوق السماوات و مع خلقه بعلمه و بصره وسمعه ، و معية الله لخلقه لا تنافي علوه و بينية الله من خلقه لا تنافي علوة ، وهذا مع عليه السلف الصالح و من سار على نهجهم نسأل الله صحة الاعتقاد والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و كتب ربيع أحمد سيد بكالوريوس الطب والجراحة الأحد 12/9/2008م 12 شوال 1429 هجريا

__________________

د.ربيع أحمد
10-26-2008, 01:54 AM
كتائب السلفية تقتل أدلة القائلين بأن الله معنا بنفسه بالأدلة النقلية والعقلية (http://www.4shared.com/file/66586923/157d33d1/___________.html?dirPwdVerified=61fd757b)

د.ربيع أحمد
10-28-2008, 10:15 PM
على هذا الرابط تعقيبات على بحثي من شخص عنده فكر جهمي و ردي عليها اتماما للفائدة

كتائب السلفية تقتل أدلة القائلين بأن الله معنا بنفسه بالأدلة النقلية والعقلية منتديات طريق الهداية (http://www.hidyaway.com/vb/showthread.php?t=2620&page=3)