المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إرشاد الأبرار بالحكمة من أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالاستغفار



د.ربيع أحمد
10-28-2008, 06:52 PM
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد :

فإن الباعث على كتابة هذه الكلمة هو بيان الحكمة من أمر الله نبيه بالاستغفار في قوله تعالى : ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾[1] ، فمن المعلوم أن الأنبياء معصومون من ارتكاب الكبائر ،والعلماء اختلفوا في وقوع الصغائر منهم عليهم السلام ،والراجح عصمة الأنبياء من الصغائر والكبائر فهم قدوة للناس ،وفعلهم يقتدى به فإذا فعلوا الصغائر تساهل الناس في فعل الصغائر يقولون إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم اعلم الناس بربه يعصي الله فكيف بنا ؟ ويقولون مادام النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنا ، وفعل معصية فلا بد أن نفعل ما فعل ؟ فلا يجوز أن نقول يجوز فعل الصغائر من الأنبياء ،ويؤيد ذلك قوله تعالى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾[2] أي لقد كان لكم في أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله قدوة حسنة تتأسون بها , فالزموا سنته, فإنما يسلكها ويتأسى بها مَن كان يرجو الله واليوم الآخر, وأكثرَ مِن ذكر الله واستغفاره, وشكره في كل حال ،ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :« من يطيع الله إذا عصيته »[3] فهذا الحديث يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعصي الله ؛ لأنه قدوة فإذا عصى الله كان قدوة في الشر ، والآية التي نحن بصددها ،وهي قوله تعالى : ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار ليس لأنه يعصي الله لكن الخطاب خاص به لفظاً ،والمراد به الأمة معنى من باب الكلام لكِ واسمعي يا جارة فقد وجه الأمر إليه صلى الله عليه وسلم ؛لأنه قدوتنا ،وأسوتنا فإذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستغفار مع أنه لا يفعل الذنوب فغيره من باب أولى يجب أن يستغفر الله ،وفي ذلك إبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله تعالى وأنها صفة الأنبياء وبعثاً للكفرة على الرجوع عما هم عليه بأبلغ وجه وألطفه ، فإنه عليه الصلاة والسلام حيث أمر بها وهو منزه عن شائبة اقتراف ما يوجبها من الذنب وإن قل فتوبتهم وهم عاكفون على أنواع الكفر والمعاصي من باب أولى ، وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار تعبد لله من النبي صلى الله عليه وسلم ليزيده به درجة وليصير سنة لمن بعده ، والذنب بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام ترك ما هو الأولى بمنصبه الجليل ورب شيء حسنة من شخص سيئة من آخر كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين كأب عنده ابنين ابن مجتهد يحصل دائماً على تقدير ممتاز ،وآخر ليس مجتهداً يحصل دائماً على تقدير مقبول فإذا حصل المجتهد على تقدير جيد جداً والآخر على تقدير جيد تجد الأب يمدح غير المجتهد ،ويذم المجتهد مع أن غير المجتهد لم يحصل على درجة امتياز والنبي صلى الله عليه وسلم رُبَّما يصدرُ عنه تركِ الأَوْلى فيعُبِّر عنه بالذنبِ نظراً إلى منصبِه الجليلِ ، وفي هذا إرشادٌ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى التواضعِ وهضمِ النفسِ واستقصارِ العملِ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يرى قصوره عن القيام بحق الله ، ويكثر من الاستغفار والتضرّع ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في الترقي في درجات العبودية فكان كلما ترقى من مقام إلى مقام أعلى من الأول رأى الأول حقيراً ، فكان يستغفر الله منه ، فحمل طلب الغفران في القرآن في هذه الآية على هذا الوجه أيضاً غير مستبعد فقوله تعالى : ﴿ واستغفر لِذَنبِكَ ﴾ أي استغفر الله تداركاً لما فرَطَ منكَ من تركِ الأَوْلى في بعضِ الأحايينِ ،وإطلاق اسم الذنب إنما هو على ما يفوت من الازدياد في العبادة ، وكل مقام له آداب ، فإذا أخلّ بشيء من آدابه أُمر بالاستغفار ، فلمقام الرسالة آداب ، ولمقام الولاية آداب ، ولمقام الصلاة آداب ، ومن سموه صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى تركه الأولى والأفضل نظرة الذنب ،وليس نظرة ذنب عادي بل ذنب أثقله فأخبره الله أنه قد غفر قال تعالى : ﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾[4]
هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وكتب ربيع أحمد الخميس 25/1/ 2007 م



[1] - غافر : 55
[2] - الأحزاب : 21
[3] - صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبو داود رقم 4764
[4] - الشرح : 2-3

د.ربيع أحمد
10-28-2008, 06:53 PM
إرشاد الأبرار بالحكمة من أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالاستغفار (http://www.4shared.com/file/46045462/cb638131/__________.html?dirPwdVerified=1d2c87cc)

د.ربيع أحمد
11-05-2008, 02:37 AM
بعد كتابة المقال في موقع الألوكة اعترض علي أحد الأفاضل بأن قول عصمة الأنبياء من الصغائر قول الرافضة و ذكر أني لم اذكر في بحثي بعد الآبات التي يستفاد منها وقوع الذنوب من الأنبياء مع أن بحثي ردا على شبهة لا تحقيقا للمسألة فكان جوابي عليه ما يلي :
بارك الله فيكم

أولا : المسألة غير مجمع عليها ،و لو كان المبتدعة من الفرق الضالة هم المخالفون فقط لما اعتد بخلافهم و لكانت المسألة مجمع عليها لكن العلماء قديما وحديثا ذكروا الخلاف ومن العلماء من يرى أنهم معصومون من الصغائر والكبائر، ومن هؤلاء القاضي عياض في كتابه الشفاء، حيث ذكر بحثاً طويلاً في هذا الموضوع قال فيه: وعصمته وتنزيهه عن الكبائر إجماعاً وعن الصغائر تحقيقاً،و ممن يرى أنهم معصومون من الصغائر والكبائر أيضا السبكي وقال الشنقيطي : (( واعلم أن جميع العلماء أجمعوا على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في كل ما تيعلق بالتبليغ .واختلفوا في عصمتهم من الصغائر التي لا تعلق لها بالتبليغ اختلافا مشهورا معروفا في الأصول . ولا شك أنهم صلوات الله عليهم وسلامه إن وقع منهم بعض الشيء فإنهم يتداركونه بصدق الإنابة إلى الله حتى يبلغوا بذلك درجة أعلا من درجة من لم يقع منه ذلك ))[1] .
ثانيا : هناك العديد من الأدلة على عصمتهم ،وأدلة اقترافهم بعض الذنوب كما قالوا لا يستفاد ذلك فيمكن أن تحمل على أنه من قبيل ترك الأولى أو قعل صغائر صدرت عنهم سهوا أو نسيانا .

أدلة عصمتهم من اقتراف الذنوب الصغائر والكبائر :
الدليل الأول : الرسل والأنبياء هم قدوة و المبلغين عن الله فلابد أن يكونوا سالمين من جميع الذنوب ، و لو قيل لشخص إن نبي من الأنبياء أذنب لاستعظم الخبر و استغربه و استنكره فالقدوة لابد أن يكونوا قدوة في الخير دون الشر و يستلزم من اقترافهم الصغائر أن يكونوا قدوة في الشر وهذا باطل .
الدليل الثاني : إذا كان الناس لا يأخذون العلم ممن يقترف بعض الذنوب فكيف بالأنبياء والرسل ؟ والمعاصي تنافي الجدارة لتبليغ الرسالة التي اختارهم الله لها لأنها تؤدي إلى عدم الثقة بهم كما تؤدي إلى الإخلال بشرف منصب الرسالة التي اختار الله الأنبياء لها حيث إن المعاصي تستلزم النفرة منهم والإزراء بهم وهذا مخالف للمقصد من إرسالهم .
الدليل الثالث : قال تعالى : ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾[2] فجعل الله رقة القلب وحسن الخلق في النبي صلى الله عليه وسلم كي لا ينفض الناس عنه فكيف باقتراف بعض الذنوب كي لا ينفض الناس عنه ؟!!
الدليل الرابع : لو صدر منهم الذنب لما عم الأمر باتباعهم ، وإن قيل (( فليس في المسلمين من يقول إنه يجب طاعة الرسول مع جواز أن يكون أمره خطأ بل هم متفقون على أن الأمر الذي يجب طاعته لا يكون إلا صوابا فقوله كيف يجب اتباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون به خطأ قول لا يلزم أحدا من الأمة )) يجاب عليه أن اقتراف بعض الذنوب من قبيل فعلهم لبعض الذنوب لا أمر الأنبياء الناس ببعض الذنوب فهو مخالف للأسوة ، وليس مخالفا لطاعتهم فيما أمروه كما في قوله تعالى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [3]فيبقى المعارض كيف يعمم الأمر باتباعهم و يصدر منهم بعض الذنوب واتباعهم يكون في الأفعال والأقوال و الأمر والنهي و تخصيص شيء منها يحتاج لدليل صحيح صريح خال من معارض معتبر و المعارض معتبر ، وقائم .
الدليل الخامس : لو صدر عن الأنبياء الذنب لكانوا أسوأ حالا من عصاة الأمة إذ يضاعف لهم العذاب إذ الأعلى رتبة يستحق أشد العذاب لمقابلته أعظم النعم بالمعصية ، وإذا كان الصالحين و العلماء يستنكر عليهم فعل الذنوب و إن كانت صغائر لشدة علمهم بالله و إبصار الله بهم فكيف بالأنبياء والرسل ؟!! .
الدليل السادس : لو صدر عن الأنبياء الذنب لما نالوا عهده تعالى فقد قال تعالى : ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾[4] أي : واذكر-أيها النبي- حين اختبر الله إبراهيم بما شرع له من تكاليف, فأدَّاها وقام بها خير قيام. قال الله له: إني جاعلك قدوة للناس. قال إبراهيم: ربِّ اجعل بعض نسلي أئمة فضلا منك , فأجابه الله سبحانه أنه لا تحصل للظالمين الإمامةُ في الدين . فكيف ينال النبوة ظالم ، و من يقترف الصغائر من الذنوب يعتبر ظالما لظلمه نفسه باقتراف بعض الذنوب ؟!! .
الدليل السابع : لو صدر عن الأنبياء الذنب لكانوا غير مخلصين ؛ لأن فعل الذنوب يكون بإغواء الشيطان فهو لا يغوي المخلصين لقوله تعالى : ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾[5] و اللازم باطل و بطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم .
الإيرادات :
قوله تعالى : ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾[6] يجب أن يفهم مع قوله تعالى : ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾[7] أي : ما حاد محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق, وما خرج عن الرشاد, وأي معصية أو ذنب حيادة عن طريق الهداية و الحق ، و يمكن أن نقول المراد بالذنوب في الآية الصغائر التي يعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم سهوا كانصرافه عن الصلاة من ركعتين وعبوسه عندما أتاه عبدالله بن أم مكتوم وإذنه لجماعة بالتخلف عن تبوك ، ويسمى السهو في حقه ذنبا لمكانته صلى الله عليه وسلم عند الله .

قوله تعالى : ﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾[8] يجب أن يفهم مع قوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾[9] أي : ولقد وصينا آدم مِن قَبلِ أن يأكل من الشجرة, ألا يأكل منها, وقلنا له: إن إبليس عدو لك ولزوجك, فلا يخرجنكما من الجنة, فتشقى أنت وزوجك في الدنيا, فوسوس إليه الشيطان فأطاعه, ونسي آدم الوصية, ولم نجد له قوة في العزم يحفظ بها ما أُمر به أي مخالفة آدم لأمر الله كانت نسيانا والناسي لا شئ عليه ، و سمى عصيانا لمكانة آدم عند الله ، فقد خلقه بيده ، وأسجد له ملائكته ، وأسكنه جنته .

قوله تعالى : ﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾[10] أي : وألق عصاك فألقاها فصارت حية, فلما رآها تتحرك في خفة تَحَرُّكَ الحية السريعة ولَّى هاربًا ولم يرجع إليها, فطمأنه الله بقوله: يا موسى لا تَخَفْ, إني لا يخاف لديَّ من أرسلتهم برسالتي,و الخوف نوعان خوف جبلي و خوف شركي و ما فعله موسى عليه السلام كان خوفا جبليا لا أثم عليه .

قوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ ﴾[11] أي : ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق وَلَد, وُلِد له حين أقسم ليطوفنَّ على نسائه, وكلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله, ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعًا، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد, ثم رجع سيمان إلى ربه وتاب،ففعله كان نسيانا والناسي لا شئ عليه ؛ لأن الواجب جمل أفعال الأنبياء على خير المحامل فإذا كنا نحسن الظن بالمسلم فكيف بنبي من الأنبياء ؟



[1] - أضواء البيان للشنقيطي 4/174 - 175
[2] - ال عمران من الآية 159
[3] - سورة الأحزاب الآية 21
[4] - البقرة الآية 124
[5] - الحجر الآية 39 – 40
[6] - الفتح من الآية 2
[7] - النجم الآية 2
[8] - طه من الآية 121
[9] - طه الآية 115
[10] - النمل الآية 10
[11] - ص الآية 34