حازم
04-24-2005, 04:05 PM
بقلم : الدكتور علاء الدين زعتري
المتأمل في حال المجتمعات الإسلامية وبخاصة في القرن الأخير، وكيف غزاها الانحراف والتغريب بواسطة أعداء الإسلام، يجد أنها لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: حال المجتمعات التي يكون الغزو فيها مباشراً؛ وهي المجتمعات الإسلامية التي لم تكن لها مرجعية علمية، أو هيئة شرعية تذكر، تقف سدًا منيعاً أمام ذلك الغزو. فهذه سهل اقتحامها واستباحتها من العدو وعملائه اللادينيين.
الحال الثانية: حال المجتمعات التي يكون فيها الغزو من خلال (وسيط) أو (ناقل) يلبس لباس الإسلام. وهي المجتمعات الإسلامية التي تأوي إلى مرجعية علمية أو هيئة شرعية في معظم أمورها أو في النوازل التي تحل بها، مع ارتباط (شرعي) بولاة أمرها.
وعندما فشل الأعداء بالغزو العسكري ـ وقد أعادوا الكرة في العراق ـ لجأوا إلى الغزو الفكري في سبيل صرف الأمة عن دينها.
ويستخدم الأعداء مجموعة من أبناء الأمة من خلال تيار ما يسمى (بالعصرانيين) الذين ظنوا بجهلهم أنهم يوفقون بين أحكام الشريعة ومتطلبات العصر، ولكنهم أصبحوا كما قال ألبرت حوراني: "قنطرة للعلمانية عبرت عليها إلى العالم الإسلامي؛ لتحتل المواقع واحداً تلو الآخر".
ومن ثم يكون مصير أفراد دعاة العصرانية مصير أي وسيلة استخدمت فاستنفذت أغراضها.
ومن المؤسف أن تتسلل الأفكار العصرانية إلى عقول بعض الإسلاميين الصالحين، فأخذوا يرددون مصطلحات التجديد والتطوير، ويصفون الآخرين بمصطلحات: التقليد والجمود، وطالبان والإرهاب، وذلك في مقالاتهم وكلماتهم، جهلاً أو غباءً منهم بخطورتها ومآلها على البلاد، وانخداعاً ببهرجها، وظناً منهم بأنها ستُبَلِّغهم أهدافهم.
مع أن القارئ للأفكار البراقة وللتاريخ الحديث يعلم أن مثل هذه الآراء لم تكن سوى أحبولة صنعتها يد المكر؛ لاستباحة ديار المسلمين وعقولهم واقتصادهم، وأنها لم تحقق للمسلمين إلا مزيداً من الذل والصغار والخضوع للأعداء، فضلاً عن التفريط بمهمات الدين وشرائعه.
ومن مظاهر تسلل هذه الأفكار:
القول: بأن كل موحد لله يدخل الجنة، دون اشتراط الإقرار بنبوة رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -!.
الدعوة إلى إقامة (المجتمع المدني)!.
الحديث عن المرأة في الإسلام؛ على أنها المظلومة المسكينة، التي تجد كرامتها، والتفتيش عن أقوال شاذة تدعم إظهار جسدها، وصحة اختلاطها مع الرجال، وجعل الحجاب معللاً بالعفاف!.
الحديث عن الإسلام والعلوم الشرعية على أنها تراث، وليس ديناً، والفرق واضح بينهما، فالتراث من صنع البشر قابل للتغيير والتطويع.
ألا فليأخذ الدعاة حذرهم ويتبصروا أمرهم وما يكيده الأعداء لهم، فلا ينساقوا وراء الأفكار العصرانية مهما تزخرفت وتزينت كما انساق غيرهم، فيكون حالهم مع مجتمعهم كحال من:
رام نفعاً فضرَّ من غير قصدٍ *** ومن البر ما يكون عقوقًا
الأفكار التي كان الاحتلال يريد ترويجها بين المسلمين عن طريق (العصرانية):
1-التقريب بين المسلمين والكفار، وقد ابتدأت جهود محمد عبده في هذا الأمر عندما كان منفياً في بيروت حيث أسس جمعية للتقريب بين الأديان كما سبق- ومن أقواله: "نستبشر بقرب الوقت الذي يسطع فيه نور العرفان الكامل، فتهزم له ظلمات الغفلة، فتصبح الملتان العظيمتان: المسيحية والإسلام وقد تعرفت كل منهما على الأخرى، وتصافحتا مصافحة الوداد، وتعانقتا معانقة الألفة، فتغمد عند ذلك سيوف الحرب التي طالما انزعجت لها أرواح الملتين"!.
2-إماتة روح الجهاد في الأمة الإسلامية، ولهذا كان محمد عبده يرى بأن الجهاد في الإسلام هو للدفاع فقط! ويقول: "القتال فيه أي الإسلام- لرد اعتداء المعتدين على الحق وأهله". وهكذا كان رأي تلاميذه من بعده.
3 - الدعوة إلى "تطوير الإسلام لكي يوافق الأمر الواقع في حياتنا العصرية؛ من خلال: فتح باب الاجتهاد على مصراعيه؛ حتى دخل منه القادر وغير القادر، وصاحب الورع وأصحاب الهوى؛ فظهرت الفتاوى الشاذة من جراء ذلك.
وللشيخ محمد عبده نصيب كبير من هذه الفتاوى (العصرية) التي طوعت أحكام الإسلام لما يريده الأجنبي أو ما يريده أهل العصر؛ كفتواه بإباحة ربا صناديق التوفير!.
4- الدعوة إلى تحرير المرأة المسلمة، وهو هدف أساس لدى أعداء الإسلام في كل حين وآن، وقد قام الشيخ! محمد عبده ومدرسته بتحقيقه أيما تحقيق.
فمخاطبة الرجل للمرأة ينبغي أن تكون بغرائزها، لا بعقلها وفكرها.
كيف صُنعت العصرانية؟!
لقد استخدم الإنجليز في مصر بقيادة كرومر خطة ماكرة في سبيل صناعة الطائفة العصرانية وتقديمها لأبناء المجتمع المصري المسلم كممثل للصوت الإسلامي.
ومن المهم جدًا معرفة نقاط هذه الخطة الماكرة؛ لأنها مما كرره ويكرره الغرب وأذنابه في مختلف بلاد المسلمين؛ ليحذرها أهل الإسلام لا سيما الدعاة -. فإليك ما تبين لي منها:
1-الثناء والمديح من الغرب على الطائفة العصرانية: وأنها تمثل (وسطية) الإسلام! واعتداله! فمن ذلك: قول اللورد كرومر عن محمد عبده ومدرسته: "لما أتيت مصر القاهرة سنة 1883م كان الشيخ محمد عبده من المغضوب عليهم لأنه كان من كبار الزعماء في الحركة العرابية. غير أن المغفور له الخديوي السابق صفح عنه طبقاً لما اتصف به من الحلم وكرم الخلق فعين الشيخ بعد ذلك قاضياً في المحاكم الأهلية حيث قام بحق وظيفة القضاء مع الصدق والاستقامة. وفي سنة 1899م رقي إلى منصب الإفتاء الخطير الشأن فأصبحت مشورته ومعاونته في هذا المنصب ذات قيمة عظيمة ثمينة لتضلعه من علوم الشرع الإسلامي مع ما به من سعة العقل واستنارة الذهن. وأذكر مثالاً على نفع عمله: الفتوى التي أفتاها في ما إذا كان يحل للمسلمين تثمير أموالهم في صناديق التوفير، فقد وجد لهم باباً به يحل لهم تثمير أموالهم فيها من غير أن يخالفوا الشرع الإسلامي في شيء.
وقال أيضاً: "إن حزب الشيخ محمد عبده هو الحزب المعتدل في مصر"، ويقول أحد المستشرقين عن محمد عبده: "يعد من أشهر الشخصيات المحترمة في تاريخ الإسلام الحديث….. إن كتابات الشيخ محمد عبده تمتاز بشيء من الجدة في روحها …"،
ويقول الدكتور الإنجليزي ادوارد براون عنه: "ما رأيت في الشرق ولا في الغرب مثله"!!.
2- تسليط الأضواء عليهم وتلميعهم عبر وسائل الإعلام!
فقد أحيطوا بالأسباب التي تبني لهم مجداً وذكراً بين الناس، ولم يكن الغرض من ذلك هو خدمتهم، ولكن الغرض منه كان ولا يزال هو خدمة المذاهب والآراء التي نادوا بها، والتي وافقت أهداف الاستعمار ومصالحه.
فقد أصبح يكفي في ترويج أي مذهب فاسد في تأويل الإسلام كما لاحظ جب في كتابه (Modern Trends in Islam) أن يقال: إنه يوافق رأي فلان أو فلان من هؤلاء الأعلام. ويكفي في التشهير بأي رأي سليم أن يُنسب إلى ضيق الأفق، الذي لا يلائم ما اتصف به هذا أو ذلك من سعة الأفق والسماحة وصحة الفهم لروح الإسلام، على ما تزعمه الدعايات. وليس مهماً أن يكون ذلك عن حسن قصد منهم أو عن سو قصد، وليس مهماً أن يكون الاستعمار هو الذي استخدمهم لذلك، ووضع على ألسنتهم وأقلامهم هذه المذاهب والآراء، أو أن تكون هذه الآراء قد نشأت بعيدة عن حضانته ورعايته، ثم رآها نافعةً له، فاستغلها وعمل على ترويجها.
المهم في الأمر هو أن المجد الذي ينسب لهؤلاء الأفراد ليس من صنعهم ولا هو من صنع الشعوب التي عاشوا فيها، ولكنه من صنع القوى التي استخدمتهم أو التي تريد أن تستغلهم، سواء كانت هذه القوى هي الاستعمار أو هي الصهيونية العالمية بمختلف وسائلها وأجهزتها.
وخطة الاستعمار والصهيونية العالمية في ذلك كانت تقوم ولا تزال- على السيطرة على أجهزة (الإعلام)، وإلقاء الأضواء من طريقها على كتاب ومفكرين من نوع خاص، يُبْنَون ويُنَشَّؤن بالطريقة التي يُبْنى بها نجوم التمثيل والرقص والغناء، بالمداومة على الإعلان عنهم، والإشادة بهم، وإسباغ الألقاب عليهم، ونشر أخبارهم وصورهم.
وذلك في الوقت الذي يُهمل فيه الكتاب والمفكرين الذين يصورون وجهات النظر المعارضة، أو تشوَّه آراؤهم وتُسفَّه، ويُشهَّر بهم. ثم هي تقـوم على تكرار آرائهم آناً بعد آن لا يملـون من التكرار؛ لأنهم يعلمون أنهم يخاطبون في كل مرة جيلاً جديداً، أو هم يخاطبون الجيل نفسه، فيتعهدون بالسقي البذور التي ألقوها من قبل".
3- تشجيعهم ودعمهم في تولي المناصب المهمة:
يقول اللورد كرومر: "إنني قدمت لمحمد عبده كل تنشيط استطعته مدة سنين كثيرة، ولكنه عمل شاق، فضلاً عن العداء الشديد الذي كان يلاقيه من المسلمين المحافظين، كان لسوء الحظ على خلاف كبير مع الخديو، ولم يتمكن من البقاء في منصب الإفتاء، لولا أن الإنكليز أيدوه بقوة"
العصرانية والعلمانية وجهان لعملة واحدة!
من تأمل جيدًا أهداف وأفكار (العصرانيين) وجدها نفسها أهداف وأفكار (العلمانيين)، وإنما الفارق شكلي: وهو أن (العصرانيين) قدموا أفكارهم بعد أن غلفوها وألبسوها اللباس (الشرعي)، وأما (العلمانيون) فلم يفعلوا هذا.
فالطائفتان تلتقيان في نهاية الأمر حول أهداف واحدة: كالتقارب بين الأديان، والدعوة للديمقراطية الغربية، والتهوين من شأن الحكم بما أنزل الله، والتحايل على إسقاط أحكام الشريعة؛ لاسيما الحدود، والدعوة إلى تحرير المرأة.. الخ.
لهذا: فإن عقلاء الباحثين ممن ينظرون إلى مآل الأفكار لا حاضرها؛ سواء كانوا من الإسلاميين أم من غيرهم لم يخفَهم هذا الالتقاء بين الطائفتين، ورأوا أن الطائفة العصرانية إنما هي بوابة وقنطرة للعلمانية، وأنه لا مكان في جميع الأفكار التي طرحوها للون الرمادي الذي يزعمون أنهم يتبنونه، وأنه وسط بين الأبيض والأسود، فهذا اللون في الحقيقة- لا يوجد إلا في الأذهان، أما في أرض الواقع فلا مجال إلا بالتزام أحكام الإسلام وهو اللون الأبيض، أو اللحاق بركب العلمانيين، وهو اللون الأسود.
ومن ادعى أنه سيسير بينهما فهو واهم، وعن قريب هو صائر إلى أحدهما كما حدث لتلاميذ المدرسة العصرانية؛ حيث انضم أكثرهم إلى العلمانية (الخالصة)، وتراجع قلة منهم عندما عرفوا مصير السير وراء الأفكار التوفيقية الرمادية؛ كرشيد رضا.
يقول ألبرت حوراني عن محمد عبده: "كان يريد أن يقيم سدًا في وجه الاتجاه العلماني يحمي المجتمع الإسلامي من طوفانه، ولكن الذي حدث هو أن هذا السد قد أصبح قنطرة للعلمانية عبرت عليها إلى العالم الإسلامي؛ لتحتل المواقع واحدًا تلو الآخر، ثم جاء فريق من تلاميذ محمد عبده وأتباعه فدفعوا نظرياته واتجاهاته إلى أقصى العلمانية".
ويقول الدكتور محمد كامل ضاهر: "أعطى الشيخ محمد عبده تشجيعاً كبيراً للعلمانيين ومنطلقاتهم الفكرية، بل إنهم اعتمدوا على الكثير من آرائه لدعم اتجاهاتهم وحركتهم في مجتمع مشبع بالقيم والتقاليد الدينية الراسخة. فماذا يطلب العلمانيون أكثر من رأيه في السلطتين الزمنية والدينية؟! ونظرته إلى العقل، ودوره في تنظيم شؤون الحياة والمجتمع؟ ورأيه في المرأة وفي كثير من المسائل المالية والاجتماعية التي اجتهد فيها لمصلحة الأمة والوطن والفقراء من الناس، وليس للمصالح الفردية؟.
ويقول الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى في كتابه (تاريخ مصر السياسي) عن محمد عبده وتلاميذه بأنهم: "كانوا أكثر فعالية من كل العلمانيين الصرف"!
ويقول الأستاذ نعيم عطيه: "ولا شك في أن محمد عبده لعب دوراً رئيسياً في محاولة التوفيق بين المبدأ الديني والعلم، وبذلك أعطى العقل سندًا قوياً منتصراً له على التقليد. وفتح في الخط الديني الملتزم ثغرة كبرى أتيح بفضلها للتيار العلمي أن يدخل حلبة الصراع الفكري ويثبت أقدامه قوة قائمة بذاتها. وكان طبيعياً بالتالي أن يتحول التيار العلمي على صعيد العمل السياسي البحت إلى دعوة للعلمانية وفصل الدين عن الدولة".
ويقول الشيخ سفر الحوالي: "لم يكن محمد عبده علمانياً، ولكن أفكاره تمثل بلا شك حلقة وصل بين العلمانية الأوربية والعالم الإسلامي، ومن ثم فقد باركها المخطط اليهودي الصليبي، واتخذها جسرًا عبر عليه إلى علمانية التعليم والتوجيه في العالم الإسلامي، وتنحية الدين عن الحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى إبطال العمل بالشريعة والتحاكم إلى القوانين الجاهلية المستوردة، واستيراد النظريات الاجتماعية الغربية.
وهو قائم جميعه تحت ستار الإصلاح أيضاً.
أما الجماهير الإسلامية فقد اتخذت أفكار (الشيخ) الإصلاحية مبررًا نفسيًا لتقبلها للتغيير العلماني".
ويقول الأستاذ محمد حامد الناصر بعد دراسته لأفكار العصرانيين: "حقيقة العصرانية: دعوة إلى العلمانية".
ويقول الدكتور عبد الرحمن الزنيدي: "لقد كان من آثار خبو وهج العلمانية في البيئات الإسلامية أن تقمص بعض أتباعها رداء الإسلام؛ ليتحركوا تحت رايته بعلمانيتهم بأسماء مختلفة؛ كالإسلام التقدمي، وفكر الإستنارة الإسلامي، أو اليسار الإسلامي…"
العلمانيون يدعمون العصرانيين!!
لقد عرف العلمانيون حقيقة أفكار العصرانيين، وأنها نفس أفكارهم، ولكنها تجد القبول من سُذج المسلمين نظراً لواجهتها الإسلامية، وكونها تستتر خلف الشيخ!! فلان، والداعية!! علان، بخلاف أفكارهم العلمانية الصرفة، ولهذا فقد تترسوا بهم، ووجدوا فيهم خير مطية يمتطونها لاختراق المجتمعات الإسلامية التي لم تجد العلمانية فيها موطئ قدم، وجعلوهم طليعة لهم في غزو تلك المجتمعات وخلخلتها بطرح الأفكار المتنوعة المناسبة لهم، التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب، وكسر هيبة كبار العلماء، وشق وحدة الصف فيها؛ ليسهل عليهم بعد ذلك التمكن منها.
ولهذا كله: فلا تعجب إن سمعت أو قرأت بأن فلاناً (العصراني) يُكال له المديح من جماعة العلمانيين، ويُصدر مجالسهم وندواتهم، وتُفتح له وسائلهم، ويكتب في صحفهم؛ لأن الجميع قد التقوا على أهداف واحدة؛ فانطبق عليهم قوله - تعالى - (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(الأنعام: من الآية128)).
ودعم العلمانيين للعصرانيين يكون بالآتي:
1-إفساح المجال لهم ليبثوا أفكارهم عبر الوسائل الإعلامية التي يسيطرون عليها في مقابل تهميشهم لأهل الإسلام من دعاة الكتاب والسنة، الثابتين على الحق، غير المتلونين أو المتذبذبين.
2-المبالغة في مدحهم ووصفهم بصفات الاعتدال والوسطية وسعة الصدر للآخرين…. الخ. مع لمز أهل الإسلام ودعاة الكتاب والسنة بضيق الأفق، والتحجر!، وعدم قبول الآخر!!.. الخ.
3-عدم السماح لأحد بنقدهم أو النيل منهم، بل إحاطتهم بهالة من القداسة المصطنعة.
نصيحة أخيرة لكلٍ من:
1-علماء الإسلام ودعاته: بأن يحذروا تسلل الأفكار العصرانية إلى عقولهم ولو لم يكن ذلك عن تقصد منهم، وأن يثبتوا على الحق دون تنازلات أو مداهنة لأحد، وأن يكونوا ممن قال الله فيهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 23) قال ابن كثير: "استمروا على ما عاهدوا الله عليه، وما نقضوه، كفعل المنافقين".
وأن تكون مواقفهم مشرفة وقت الملمات التي تمر بالأمة، مبرئة لذمتهم أمام الله؛ لكي لا يلجأ الشباب إلى غيرهم كما سبق-.
وأن يحذر بعض الدعاة بتستره على أهل العصرنة، ومجاملته لهم، والشد من أزرهم، أن يكون داخلاً في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله من آوى محدثًا".
2- شباب الإسلام: بأن يلزموا الراسخين في العلم ويلتفوا حولهم، ويناصحوهم في تقصيرهم، ويَحْذروا ويُحَذّروا من المتلبسين بالفكر العصراني المفسد، مهما حاولوا التضليل عليهم أو مخادعتهم بترويجه بينهم.
المتأمل في حال المجتمعات الإسلامية وبخاصة في القرن الأخير، وكيف غزاها الانحراف والتغريب بواسطة أعداء الإسلام، يجد أنها لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: حال المجتمعات التي يكون الغزو فيها مباشراً؛ وهي المجتمعات الإسلامية التي لم تكن لها مرجعية علمية، أو هيئة شرعية تذكر، تقف سدًا منيعاً أمام ذلك الغزو. فهذه سهل اقتحامها واستباحتها من العدو وعملائه اللادينيين.
الحال الثانية: حال المجتمعات التي يكون فيها الغزو من خلال (وسيط) أو (ناقل) يلبس لباس الإسلام. وهي المجتمعات الإسلامية التي تأوي إلى مرجعية علمية أو هيئة شرعية في معظم أمورها أو في النوازل التي تحل بها، مع ارتباط (شرعي) بولاة أمرها.
وعندما فشل الأعداء بالغزو العسكري ـ وقد أعادوا الكرة في العراق ـ لجأوا إلى الغزو الفكري في سبيل صرف الأمة عن دينها.
ويستخدم الأعداء مجموعة من أبناء الأمة من خلال تيار ما يسمى (بالعصرانيين) الذين ظنوا بجهلهم أنهم يوفقون بين أحكام الشريعة ومتطلبات العصر، ولكنهم أصبحوا كما قال ألبرت حوراني: "قنطرة للعلمانية عبرت عليها إلى العالم الإسلامي؛ لتحتل المواقع واحداً تلو الآخر".
ومن ثم يكون مصير أفراد دعاة العصرانية مصير أي وسيلة استخدمت فاستنفذت أغراضها.
ومن المؤسف أن تتسلل الأفكار العصرانية إلى عقول بعض الإسلاميين الصالحين، فأخذوا يرددون مصطلحات التجديد والتطوير، ويصفون الآخرين بمصطلحات: التقليد والجمود، وطالبان والإرهاب، وذلك في مقالاتهم وكلماتهم، جهلاً أو غباءً منهم بخطورتها ومآلها على البلاد، وانخداعاً ببهرجها، وظناً منهم بأنها ستُبَلِّغهم أهدافهم.
مع أن القارئ للأفكار البراقة وللتاريخ الحديث يعلم أن مثل هذه الآراء لم تكن سوى أحبولة صنعتها يد المكر؛ لاستباحة ديار المسلمين وعقولهم واقتصادهم، وأنها لم تحقق للمسلمين إلا مزيداً من الذل والصغار والخضوع للأعداء، فضلاً عن التفريط بمهمات الدين وشرائعه.
ومن مظاهر تسلل هذه الأفكار:
القول: بأن كل موحد لله يدخل الجنة، دون اشتراط الإقرار بنبوة رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -!.
الدعوة إلى إقامة (المجتمع المدني)!.
الحديث عن المرأة في الإسلام؛ على أنها المظلومة المسكينة، التي تجد كرامتها، والتفتيش عن أقوال شاذة تدعم إظهار جسدها، وصحة اختلاطها مع الرجال، وجعل الحجاب معللاً بالعفاف!.
الحديث عن الإسلام والعلوم الشرعية على أنها تراث، وليس ديناً، والفرق واضح بينهما، فالتراث من صنع البشر قابل للتغيير والتطويع.
ألا فليأخذ الدعاة حذرهم ويتبصروا أمرهم وما يكيده الأعداء لهم، فلا ينساقوا وراء الأفكار العصرانية مهما تزخرفت وتزينت كما انساق غيرهم، فيكون حالهم مع مجتمعهم كحال من:
رام نفعاً فضرَّ من غير قصدٍ *** ومن البر ما يكون عقوقًا
الأفكار التي كان الاحتلال يريد ترويجها بين المسلمين عن طريق (العصرانية):
1-التقريب بين المسلمين والكفار، وقد ابتدأت جهود محمد عبده في هذا الأمر عندما كان منفياً في بيروت حيث أسس جمعية للتقريب بين الأديان كما سبق- ومن أقواله: "نستبشر بقرب الوقت الذي يسطع فيه نور العرفان الكامل، فتهزم له ظلمات الغفلة، فتصبح الملتان العظيمتان: المسيحية والإسلام وقد تعرفت كل منهما على الأخرى، وتصافحتا مصافحة الوداد، وتعانقتا معانقة الألفة، فتغمد عند ذلك سيوف الحرب التي طالما انزعجت لها أرواح الملتين"!.
2-إماتة روح الجهاد في الأمة الإسلامية، ولهذا كان محمد عبده يرى بأن الجهاد في الإسلام هو للدفاع فقط! ويقول: "القتال فيه أي الإسلام- لرد اعتداء المعتدين على الحق وأهله". وهكذا كان رأي تلاميذه من بعده.
3 - الدعوة إلى "تطوير الإسلام لكي يوافق الأمر الواقع في حياتنا العصرية؛ من خلال: فتح باب الاجتهاد على مصراعيه؛ حتى دخل منه القادر وغير القادر، وصاحب الورع وأصحاب الهوى؛ فظهرت الفتاوى الشاذة من جراء ذلك.
وللشيخ محمد عبده نصيب كبير من هذه الفتاوى (العصرية) التي طوعت أحكام الإسلام لما يريده الأجنبي أو ما يريده أهل العصر؛ كفتواه بإباحة ربا صناديق التوفير!.
4- الدعوة إلى تحرير المرأة المسلمة، وهو هدف أساس لدى أعداء الإسلام في كل حين وآن، وقد قام الشيخ! محمد عبده ومدرسته بتحقيقه أيما تحقيق.
فمخاطبة الرجل للمرأة ينبغي أن تكون بغرائزها، لا بعقلها وفكرها.
كيف صُنعت العصرانية؟!
لقد استخدم الإنجليز في مصر بقيادة كرومر خطة ماكرة في سبيل صناعة الطائفة العصرانية وتقديمها لأبناء المجتمع المصري المسلم كممثل للصوت الإسلامي.
ومن المهم جدًا معرفة نقاط هذه الخطة الماكرة؛ لأنها مما كرره ويكرره الغرب وأذنابه في مختلف بلاد المسلمين؛ ليحذرها أهل الإسلام لا سيما الدعاة -. فإليك ما تبين لي منها:
1-الثناء والمديح من الغرب على الطائفة العصرانية: وأنها تمثل (وسطية) الإسلام! واعتداله! فمن ذلك: قول اللورد كرومر عن محمد عبده ومدرسته: "لما أتيت مصر القاهرة سنة 1883م كان الشيخ محمد عبده من المغضوب عليهم لأنه كان من كبار الزعماء في الحركة العرابية. غير أن المغفور له الخديوي السابق صفح عنه طبقاً لما اتصف به من الحلم وكرم الخلق فعين الشيخ بعد ذلك قاضياً في المحاكم الأهلية حيث قام بحق وظيفة القضاء مع الصدق والاستقامة. وفي سنة 1899م رقي إلى منصب الإفتاء الخطير الشأن فأصبحت مشورته ومعاونته في هذا المنصب ذات قيمة عظيمة ثمينة لتضلعه من علوم الشرع الإسلامي مع ما به من سعة العقل واستنارة الذهن. وأذكر مثالاً على نفع عمله: الفتوى التي أفتاها في ما إذا كان يحل للمسلمين تثمير أموالهم في صناديق التوفير، فقد وجد لهم باباً به يحل لهم تثمير أموالهم فيها من غير أن يخالفوا الشرع الإسلامي في شيء.
وقال أيضاً: "إن حزب الشيخ محمد عبده هو الحزب المعتدل في مصر"، ويقول أحد المستشرقين عن محمد عبده: "يعد من أشهر الشخصيات المحترمة في تاريخ الإسلام الحديث….. إن كتابات الشيخ محمد عبده تمتاز بشيء من الجدة في روحها …"،
ويقول الدكتور الإنجليزي ادوارد براون عنه: "ما رأيت في الشرق ولا في الغرب مثله"!!.
2- تسليط الأضواء عليهم وتلميعهم عبر وسائل الإعلام!
فقد أحيطوا بالأسباب التي تبني لهم مجداً وذكراً بين الناس، ولم يكن الغرض من ذلك هو خدمتهم، ولكن الغرض منه كان ولا يزال هو خدمة المذاهب والآراء التي نادوا بها، والتي وافقت أهداف الاستعمار ومصالحه.
فقد أصبح يكفي في ترويج أي مذهب فاسد في تأويل الإسلام كما لاحظ جب في كتابه (Modern Trends in Islam) أن يقال: إنه يوافق رأي فلان أو فلان من هؤلاء الأعلام. ويكفي في التشهير بأي رأي سليم أن يُنسب إلى ضيق الأفق، الذي لا يلائم ما اتصف به هذا أو ذلك من سعة الأفق والسماحة وصحة الفهم لروح الإسلام، على ما تزعمه الدعايات. وليس مهماً أن يكون ذلك عن حسن قصد منهم أو عن سو قصد، وليس مهماً أن يكون الاستعمار هو الذي استخدمهم لذلك، ووضع على ألسنتهم وأقلامهم هذه المذاهب والآراء، أو أن تكون هذه الآراء قد نشأت بعيدة عن حضانته ورعايته، ثم رآها نافعةً له، فاستغلها وعمل على ترويجها.
المهم في الأمر هو أن المجد الذي ينسب لهؤلاء الأفراد ليس من صنعهم ولا هو من صنع الشعوب التي عاشوا فيها، ولكنه من صنع القوى التي استخدمتهم أو التي تريد أن تستغلهم، سواء كانت هذه القوى هي الاستعمار أو هي الصهيونية العالمية بمختلف وسائلها وأجهزتها.
وخطة الاستعمار والصهيونية العالمية في ذلك كانت تقوم ولا تزال- على السيطرة على أجهزة (الإعلام)، وإلقاء الأضواء من طريقها على كتاب ومفكرين من نوع خاص، يُبْنَون ويُنَشَّؤن بالطريقة التي يُبْنى بها نجوم التمثيل والرقص والغناء، بالمداومة على الإعلان عنهم، والإشادة بهم، وإسباغ الألقاب عليهم، ونشر أخبارهم وصورهم.
وذلك في الوقت الذي يُهمل فيه الكتاب والمفكرين الذين يصورون وجهات النظر المعارضة، أو تشوَّه آراؤهم وتُسفَّه، ويُشهَّر بهم. ثم هي تقـوم على تكرار آرائهم آناً بعد آن لا يملـون من التكرار؛ لأنهم يعلمون أنهم يخاطبون في كل مرة جيلاً جديداً، أو هم يخاطبون الجيل نفسه، فيتعهدون بالسقي البذور التي ألقوها من قبل".
3- تشجيعهم ودعمهم في تولي المناصب المهمة:
يقول اللورد كرومر: "إنني قدمت لمحمد عبده كل تنشيط استطعته مدة سنين كثيرة، ولكنه عمل شاق، فضلاً عن العداء الشديد الذي كان يلاقيه من المسلمين المحافظين، كان لسوء الحظ على خلاف كبير مع الخديو، ولم يتمكن من البقاء في منصب الإفتاء، لولا أن الإنكليز أيدوه بقوة"
العصرانية والعلمانية وجهان لعملة واحدة!
من تأمل جيدًا أهداف وأفكار (العصرانيين) وجدها نفسها أهداف وأفكار (العلمانيين)، وإنما الفارق شكلي: وهو أن (العصرانيين) قدموا أفكارهم بعد أن غلفوها وألبسوها اللباس (الشرعي)، وأما (العلمانيون) فلم يفعلوا هذا.
فالطائفتان تلتقيان في نهاية الأمر حول أهداف واحدة: كالتقارب بين الأديان، والدعوة للديمقراطية الغربية، والتهوين من شأن الحكم بما أنزل الله، والتحايل على إسقاط أحكام الشريعة؛ لاسيما الحدود، والدعوة إلى تحرير المرأة.. الخ.
لهذا: فإن عقلاء الباحثين ممن ينظرون إلى مآل الأفكار لا حاضرها؛ سواء كانوا من الإسلاميين أم من غيرهم لم يخفَهم هذا الالتقاء بين الطائفتين، ورأوا أن الطائفة العصرانية إنما هي بوابة وقنطرة للعلمانية، وأنه لا مكان في جميع الأفكار التي طرحوها للون الرمادي الذي يزعمون أنهم يتبنونه، وأنه وسط بين الأبيض والأسود، فهذا اللون في الحقيقة- لا يوجد إلا في الأذهان، أما في أرض الواقع فلا مجال إلا بالتزام أحكام الإسلام وهو اللون الأبيض، أو اللحاق بركب العلمانيين، وهو اللون الأسود.
ومن ادعى أنه سيسير بينهما فهو واهم، وعن قريب هو صائر إلى أحدهما كما حدث لتلاميذ المدرسة العصرانية؛ حيث انضم أكثرهم إلى العلمانية (الخالصة)، وتراجع قلة منهم عندما عرفوا مصير السير وراء الأفكار التوفيقية الرمادية؛ كرشيد رضا.
يقول ألبرت حوراني عن محمد عبده: "كان يريد أن يقيم سدًا في وجه الاتجاه العلماني يحمي المجتمع الإسلامي من طوفانه، ولكن الذي حدث هو أن هذا السد قد أصبح قنطرة للعلمانية عبرت عليها إلى العالم الإسلامي؛ لتحتل المواقع واحدًا تلو الآخر، ثم جاء فريق من تلاميذ محمد عبده وأتباعه فدفعوا نظرياته واتجاهاته إلى أقصى العلمانية".
ويقول الدكتور محمد كامل ضاهر: "أعطى الشيخ محمد عبده تشجيعاً كبيراً للعلمانيين ومنطلقاتهم الفكرية، بل إنهم اعتمدوا على الكثير من آرائه لدعم اتجاهاتهم وحركتهم في مجتمع مشبع بالقيم والتقاليد الدينية الراسخة. فماذا يطلب العلمانيون أكثر من رأيه في السلطتين الزمنية والدينية؟! ونظرته إلى العقل، ودوره في تنظيم شؤون الحياة والمجتمع؟ ورأيه في المرأة وفي كثير من المسائل المالية والاجتماعية التي اجتهد فيها لمصلحة الأمة والوطن والفقراء من الناس، وليس للمصالح الفردية؟.
ويقول الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى في كتابه (تاريخ مصر السياسي) عن محمد عبده وتلاميذه بأنهم: "كانوا أكثر فعالية من كل العلمانيين الصرف"!
ويقول الأستاذ نعيم عطيه: "ولا شك في أن محمد عبده لعب دوراً رئيسياً في محاولة التوفيق بين المبدأ الديني والعلم، وبذلك أعطى العقل سندًا قوياً منتصراً له على التقليد. وفتح في الخط الديني الملتزم ثغرة كبرى أتيح بفضلها للتيار العلمي أن يدخل حلبة الصراع الفكري ويثبت أقدامه قوة قائمة بذاتها. وكان طبيعياً بالتالي أن يتحول التيار العلمي على صعيد العمل السياسي البحت إلى دعوة للعلمانية وفصل الدين عن الدولة".
ويقول الشيخ سفر الحوالي: "لم يكن محمد عبده علمانياً، ولكن أفكاره تمثل بلا شك حلقة وصل بين العلمانية الأوربية والعالم الإسلامي، ومن ثم فقد باركها المخطط اليهودي الصليبي، واتخذها جسرًا عبر عليه إلى علمانية التعليم والتوجيه في العالم الإسلامي، وتنحية الدين عن الحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى إبطال العمل بالشريعة والتحاكم إلى القوانين الجاهلية المستوردة، واستيراد النظريات الاجتماعية الغربية.
وهو قائم جميعه تحت ستار الإصلاح أيضاً.
أما الجماهير الإسلامية فقد اتخذت أفكار (الشيخ) الإصلاحية مبررًا نفسيًا لتقبلها للتغيير العلماني".
ويقول الأستاذ محمد حامد الناصر بعد دراسته لأفكار العصرانيين: "حقيقة العصرانية: دعوة إلى العلمانية".
ويقول الدكتور عبد الرحمن الزنيدي: "لقد كان من آثار خبو وهج العلمانية في البيئات الإسلامية أن تقمص بعض أتباعها رداء الإسلام؛ ليتحركوا تحت رايته بعلمانيتهم بأسماء مختلفة؛ كالإسلام التقدمي، وفكر الإستنارة الإسلامي، أو اليسار الإسلامي…"
العلمانيون يدعمون العصرانيين!!
لقد عرف العلمانيون حقيقة أفكار العصرانيين، وأنها نفس أفكارهم، ولكنها تجد القبول من سُذج المسلمين نظراً لواجهتها الإسلامية، وكونها تستتر خلف الشيخ!! فلان، والداعية!! علان، بخلاف أفكارهم العلمانية الصرفة، ولهذا فقد تترسوا بهم، ووجدوا فيهم خير مطية يمتطونها لاختراق المجتمعات الإسلامية التي لم تجد العلمانية فيها موطئ قدم، وجعلوهم طليعة لهم في غزو تلك المجتمعات وخلخلتها بطرح الأفكار المتنوعة المناسبة لهم، التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب، وكسر هيبة كبار العلماء، وشق وحدة الصف فيها؛ ليسهل عليهم بعد ذلك التمكن منها.
ولهذا كله: فلا تعجب إن سمعت أو قرأت بأن فلاناً (العصراني) يُكال له المديح من جماعة العلمانيين، ويُصدر مجالسهم وندواتهم، وتُفتح له وسائلهم، ويكتب في صحفهم؛ لأن الجميع قد التقوا على أهداف واحدة؛ فانطبق عليهم قوله - تعالى - (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(الأنعام: من الآية128)).
ودعم العلمانيين للعصرانيين يكون بالآتي:
1-إفساح المجال لهم ليبثوا أفكارهم عبر الوسائل الإعلامية التي يسيطرون عليها في مقابل تهميشهم لأهل الإسلام من دعاة الكتاب والسنة، الثابتين على الحق، غير المتلونين أو المتذبذبين.
2-المبالغة في مدحهم ووصفهم بصفات الاعتدال والوسطية وسعة الصدر للآخرين…. الخ. مع لمز أهل الإسلام ودعاة الكتاب والسنة بضيق الأفق، والتحجر!، وعدم قبول الآخر!!.. الخ.
3-عدم السماح لأحد بنقدهم أو النيل منهم، بل إحاطتهم بهالة من القداسة المصطنعة.
نصيحة أخيرة لكلٍ من:
1-علماء الإسلام ودعاته: بأن يحذروا تسلل الأفكار العصرانية إلى عقولهم ولو لم يكن ذلك عن تقصد منهم، وأن يثبتوا على الحق دون تنازلات أو مداهنة لأحد، وأن يكونوا ممن قال الله فيهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 23) قال ابن كثير: "استمروا على ما عاهدوا الله عليه، وما نقضوه، كفعل المنافقين".
وأن تكون مواقفهم مشرفة وقت الملمات التي تمر بالأمة، مبرئة لذمتهم أمام الله؛ لكي لا يلجأ الشباب إلى غيرهم كما سبق-.
وأن يحذر بعض الدعاة بتستره على أهل العصرنة، ومجاملته لهم، والشد من أزرهم، أن يكون داخلاً في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله من آوى محدثًا".
2- شباب الإسلام: بأن يلزموا الراسخين في العلم ويلتفوا حولهم، ويناصحوهم في تقصيرهم، ويَحْذروا ويُحَذّروا من المتلبسين بالفكر العصراني المفسد، مهما حاولوا التضليل عليهم أو مخادعتهم بترويجه بينهم.