مشاهدة النسخة كاملة : تنبيه القول الجلي بشأن والدي النبي صلى الله عليه وسلم
د.ربيع أحمد
11-11-2008, 03:33 AM
مسألة شأن والدي النبي صلى الله عليه وسلم من المسائل التي تندرج تحت حكم أهل الفترة ، و الراجح من أقوال العلماء أنهما لم يموتا على الإسلام ، و سبحان الله كيف يقول عاقل أن القران و الإسلام من عند محمد صلى الله عليه وسلم ،و الأدلة دالة على أنهما لم يموتا على الإسلام إذ كيف يكون هذا الدين من عنده صلى الله عليه وسلم ، وبه ما يدل على أنهما ليسا على ملته ؟
د.ربيع أحمد
11-11-2008, 03:38 AM
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعـد :
فإن الباعث لكتابة هذه الكلمة هو إزالة التباس وقع عند بعض الناس بشأن والدى النبى صلى الله عليه وسلم حيث أن بعض الناس يتوهم أنهما من أهل الجنة ، وزاد هذا التوهم انتشاراً وجود أحاديث لا تصــح تدل على إحياء أبويه صلى الله عليه وسلم ، وإيمانهما بعد إحيائهما ، و وجود بعض أهل العلم القائلين بذلك من القدامى والمعاصرين كالقرطبى فى التذكرة[1] ، وَالحافظ جَـلال الدِّين السُّيُوطِى[2] فى العديد من مصنفاته ،والشيخ محمدبخيت من علماء الأزهر الشريف[3] ،والدكتور محمد فؤاد شاكر فى كتابه دراسات فى علوم القـرآن والسنة[4] ، ولو ذهبنا إلى ما ذهب إليه هؤلاء الأفاضللكذبنا صـــريح النصوص الشرعية التى تدل دلالة واضحة على شمول أبوى النبى صلى الله عليه وسلم العذاب ، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم فالنصوص الصحيحة صريحة فى شمولهما العذاب ،ولا يغض من قدر النبى صلى الله عليه وسلم الشريف أن يكون والداه من المعذبين ،والله يخرج الحى من الميت ،ويخرج الميت من الحى ،ويخرج الكافر من المسلم ، و يخرج المسلم من الكافر ،وأبوى النبى صلى الله عليه وسلم عاشا فى الفترة فهما من أهل الفترة ، و أهل الفترة قسمان قسم بلغته نذارة الرسل فلا يعذر بجهله ،وقسم لم تبلغه نذارة الرسل فهذا يعذر بجهله ، و مادامت الأحاديث صرحت بأن أهل الفترة قبل البعثة لايعذرون بجهلهم إذاً هذا دليل على أن أهل الفترة قبل البعثة قد بلغتهم نذارة الرسل ،ولأن أبوى النبى صلى الله عليه وسلممن أهل الفترة قبل البعثة فقد بلغتهما نذارة الرسل ،ولم يؤمنا لذلك يشملهما العذاب ومن قال غير ذلك فقد أعظم الفرية ،ولذلك سيكون حديثى معكم فى أربعة فصول :
الفصل الأول : حكم أهل الفترة الفصل
الثانى : حكم أهل الفترة قبل البعثة
الفصل الثالث : رد حجج من يقول بأن أبوى النبى صلى الله عليه وسلم من أهل الجنة الفصل الرابع : شمول والدى النبى صلى الله عليه وسلم العذاب
فأسأل الله أن يلهمنى الرشد والصواب ويثبتنى على الحق إنه ولى ذلك والقادر عليه .
[1] - انظر التذكرة للقرطبى 13-15 الطبعة الأولى لدار الحديث تحقيق عصام الدين الصباطى 1419هـ ،وقد رد عليه ابن تيمية فى مجموع الفتاوى عندما سئل هَلْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحْيَا لَهُ أَبَوَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَا عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ مَاتَا بَعْدَ ذَلِكَ ؟
[2] - قَدْ َأَثْبَتَ الحافظ السيوطى لأبوى النبى صلى الله عليه وسلم الْإِيمَان وَالنَّجَاة فَصَنَّفَ الرَّسَائِل الْعَدِيدَة فِي ذَلِكَ ، مِنْهَا رِسَالَة التَّعْظِيم وَالْمِنَّة فِي أَنَّ أَبَوَيْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنَّة .
[3] - انظر فتاوى الأزهر فى فتوى الشيخ محمد بخيت فى شأن أهل الفترة التى بتاريخ ربيع الأول 1338 هجرية - 25 نوفمبر 1919 م
[4] - انظر دراسات فى علوم القرآن والسنة لفضيلة الدكتور ص 115- 119 مطبعة العمرانية للأوفست
د.ربيع أحمد
11-11-2008, 03:50 AM
الفصل الأول حكم أهل الفترة :
وأهل الفترة هم الذين جاءوا على فترة من الرسل أى على انقطاع من الرسل فالفترة هي ما بين كل نبيين كانقطاع الرسالة بين عيسي عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ، و" الفترة" "الفعلة" من قول القائل : "فتر هذا الأمر يفتُر فُتورًا" ، و ذلك إذا هدأ وسكن. فالفترة في هذا الموضع معناها : السكون ، يراد به سكون مجيء الرسل ، و أهل الفترة قسمان قسم بلغته نذارة الرسل فلايعذر بالجهل ، و هم محجوجون بنذارة الرسل الذين أرسلوا إلى من قبلهم،وقسم آخر لم تبلغه نذارة الرسل فيعذر بالجهل فالعبرة في اعتبار أهل الفترة المعذورين عدم بلوغ نذارة الرسل ، و ليس طول الفترة بين الرسول والرسول ، أو بينهم وبين إرسال الرسول ،وقد أرسل الله الرسل عليهم السلام مبشرين ومنذرين ، وأقام سبحانه للناس أسباب الهداية ، ومن تمام حكمته وعدله أنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، ، ولذلك لا يعذب الله من لم تبلغهم نذارة الرسل كما قال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ) [5] أى أولئك الذين لم تقم عليهم حجة الله لعدم وصول الرسالة إليهم، فأولئك يرفع الله عنهم عذابه فمن لم تبلغه النذارة فليس بمُنذر ، و الله لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه ، وقال البغوي : وذلك أن الله تعالــى أجرى السنة أن لا يأخذ أحداً إلا بعد وجود الذنب، وإنما يكون مذنباً إذا أمر فلم يأتمر أو نهي فلم ينته، وذلك بعد إنذار الرسل[6] ا.هـ و لا عــذاب على كافر أصلاً حتى تبلغه نذارة الرسول فالحجة لاتقوم إلا بعد العلم والبيان ، وقال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )[7] .فدلت الآية أن الله أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه لئلا يبقى لمعتذر عذر ؛ لأنه إن لم تبلغه النذارة يُعذر، وسميت المعذرة حجة مع أنه لم يكن لأحد من العباد على الله حجة تنبيهاً على أن هذه المعذرة مقبولة لديه تفضلاً منه ورحمة ، ومعنى قوله ( بَعْدَ الرُّسُلِ ) أى بعد إرسال الرسل . وقال تعالى : ( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ . قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ )[8] . ففى الآية خطاب من الملائكة موجه لكل من يدخل النار ،هل أتاكم نذير فيقولون نعم ،وهذا يقتضي أنهم جميعاً أنذرهم الرسل، ولو تحقق تكليف قبل الشرع لم يكن الأمر كذلك فقوله سبحانه :( كلما ألقي فيها فوج ) يعم جميع الأفواج الملقين في النار أي جميع من يدخلون النار من أهل الكفر فالآية تدل على أن الله تعالى لا يعذب بالنار أحداً إلا بعد أن ينذره في الدنيا فكل من يدخل النارمن الكفاريعترف أن نذارة الرسل قد بلغته فقابلها بالرد والإعراض، والجحود .. وأنه دخل النار بعد بلوغ نذارة الرسل إليه ... وقال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ . قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ )[9] . ففى الآية سؤال خزنة جهنم للذين دخلوا النار من الكفار يقتضي أنهم جميعاً أنذرهم الرسل، ولو تحقق تكليف قبل الشرع لم يكن لهذا السؤال معنى. وقال عز وجل : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُــونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)[10] . فقوله : ( وسيق الذين كفروا ) يعم كل الذين كفروا ،وهو ظاهر في أن جميع أهل النار قـد أنذرتهم الرسل في دار الدنيا؛ فعصوا أمر ربهم . وعن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة. فأما الأصم فيقول ربِّ لقد جاء الإسلام ولم أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، والصبيان يقذفونني بالبعر. وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام ولم أعقل شيئاً. وأما الذي مات في الفترة. فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنَّه، فيرسل إليهم: أن ادخلوا النار، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لم يدخلها سحب إليها)[11]. وجه الاستدلال : هؤلاء الأربعة جميعهم يحتجون بالجهل، وأنهم كانوا عاجزين عن تحصيل العلم أو الوقوف عليه .. وإن كان جهل كل واحد منهم له سببه المختلف عن الآخر، إلا أن صفة الجهل مشتركة فيما بينهم لعدم تمكنهم من طلب العلم وفهمه أو إدراكه. وقد أنكر بعض أهل العلم هذا الحديث كابن عبد البر فها هو ابن القيم يرد على ابن عبد البر فى إنكار هذا الحديث فيقول فإن قيل: قد أنكر ابن عبد البر هذه الأحاديث وقال: أهل العلم ينكرون أحاديث هذا الباب، لأن الآخرة ليست دار عمل ولا دار ابتلاء، وكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها؟ فالجواب من وجوه :
أحدها : أن أهل العلم لم يتفقوا على إنكارها بل ولا أكثرهم وإن أنكرها بعضهم فقد صحح غيره بعضها كما تقدم.
والثاني : أن أبا الحسن الأشعري حكى هذا المذهب عن أهل السنة والحديث، فدل على أنهم ذهبوا إلى موجب هذه الأحاديث.
الثالث : أن إسناد حديث الأسود أجود من كثير من الأحاديث التي يحتج بها في الأحكام.
الرابع: أنه قد نص جماعة من الأئمة على وقوع الامتحان في الدار الآخرة، وقالوا: لا ينقطع التكليف إلا بدخول دار القرار ذكره البيهقي عن غير واحد من السلف.
الخامس : ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد في الرجل الذي هو آخر أهل الجنة دخولا إليها، أن الله سبحانه يأخذ عهوده ومواثيقه أن لا يسأله غير الذي يعطيه، وأنه يخالفه ويسأله غيره، فيقول الله تعالى: " ما أغدرك ".
السادس: قوله : وليس ذلك في وسع المخلوقين. جوابه من وجهين: أحدهما، أن ذلك ليس تكليفاً بما ليس في الوسع، وإنما هو تكليف بما فيه مشقة شديدة وهو كتكليف بني إسرائيل قتل أولادهم وأزواجهم وآبائهم حين عبدوا العجل، وكتكليف المؤمنين إذا رأوا الدجال ومعه مثال الجنة والنار أن يقعوا في الذي يرونه ناراً. الثاني : إنهم لو أطاعوه ودخلوها لم يضرهم، وكانت برداً وسلاماً، فلم يكلفوا بممتنع ولا بما لم يُستطع.
السابع: إنه قد ثبت أنه سبحانه يأمرهم في القيامة بالسجود ويحول بين المنافقين وبينه ، وهذا تكليف بما ليس في الوسع قطعاً .. كما جعل قطع الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف سبباً، كما قال: أبو سعيد الخدري: " بلغني أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف" رواه مسلم. فركوب هذا الصراط الذي هو في غاية المشقة كالنار، ولهذا كلاهما يفضى منه إلى النجاة والله أعلم .
الثامن : إن هذا استبعاد مجرد لا ترد بمثله الأحاديث .. فإن قيل: فالآخرة دار جزاء وليست دار تكليف، يمتحنون في غير دار التكليف؟ فالجواب: إن التكليف إنما ينقطع بعد دخول القرار، وأما في البرزخ وعرصات يوم القيامة فلا ينقطع، وهذا معلوم بالضرورة من الدين من وقوع التكليف بمسألة الملكين في البرزخ وهي تكليف، وأما في عرصة القيامة فقال تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ)[12] . فهذا صريح في أن الله عز وجل يدعو الخلائق إلى السجود يوم القيامة، وأن الكفار يحال بينهم وبين السجود إذ ذاك، ويكون هذا التكليف بما لا يطاق حينئذ حساً عقوبة لهم، لأنهم كلفوا به في الدنيا وهم يطيقونه فلما امتنعوا منه وهو مقدور لهم كلفوا به ،وهم لا يقدرون عليه حسرة عليهم وعقوبة لهم[13].
[5] - الإسراء من الآية 15
[6] - تفسير البغوي : 2/132
[7]- النساء:165
[8] - الملك:8-9
[9] - غافر:49-50
[10] - الزمر:71
[11] - انظر المسند 4/24، ومجمع الزوائد للهيثمي 7/215 _217 وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم الحديث 1434
،و صحيح الجامع الصغير 881 .
[12] - القلم آية 42
[13] - طريق الهجرتين لابن القيم 397-401.
د.ربيع أحمد
11-11-2008, 03:58 AM
الفصل الثانى
حكم أهل الفترة قبل البعثة
أهل الفترة قبل البعثة من الذين بلغتهم نذارة الرسل فلا يعذر بالجهل من مات منهم على الكفر ، وقد دلت أحاديث كثيرة على ذلك منها حديث عائشة رضي الله عنها ، فعنها قالت : قلت : يا رسول الله ، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال :( لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين )[14] ، وعن زيد بن ثابت قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ،ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة قال كذا كان يقول الجريري فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر فقال رجل أنا قال فمتى مات هؤلاء قال ماتوا في الإشراك فقال : إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ثم أقبل علينا بوجهه فقال تعوذوا بالله من عذاب النار قالوا نعوذ بالله من عذاب النار فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر قالوا نعوذ بالله من عذاب القبر قال تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قال تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا نعوذ بالله من فتنة الدجال . رواه مسلم . وعن أنس، أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال:" في النار " فلما قفا دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار[15]. فدلت الأحاديث أن أهل الفترة قبل البعثة لايعذرون بجهلهم ومن كان قبل البعثة لاشك أنه من أهل الفترة قال تعالى: ( بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ )[16]والمراد بالقوم أهل الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام، قاله ابن عباس ومقاتل[17]. لكن أهل الفترة قبل البعثة ليسوا بمعذورين ؛ لأن دعوة إبراهيم عليه السلام كانت قد بلغتهم بالجمع بين هذه الأدلة ،وأدلة العذر بالجهل حتى لايكون هناك تناقض ،والإعمال خير من الإهمال أى إعمال دلالة النصوص خير من إهمالها ، والمتأمل فيما استدل به الذين لايعذرون بالجهل يرى ذلك فقول النبى:" لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " فيه دليل أن دعوة الرسل قد بلغته ،وإن كان من أهل الفترة فنذارة الرسل قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ـ وبخاصة إبراهيم عليه السلام ـ قد بلغته؛ لأن هذه الكلمات التي ألزمه بها النبي صلى الله عليه وسلم وعلل عذابه بسبب أنه لم يقلها لا يمكن لابن جدعان أن يعرفها إلا عن طريق الرسل. و كان ينبغي أن يقول تلك الكلمات وأمثالها .. لكنه أبى وأعرض واستكبر .. فحق عليه العذاب بسبب ذلك. وقدجاء في السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل ، وكان قد فارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان، ونهى عن قتل الموءدة، وقد بادى قومه بعيب ما هم عليه. وكان يقول: يا معشر قريش، والذي نفسي زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ، ثم يقول : اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه، ثم يسجد على راحته[18] فحجتنا قوله تعالى:( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا)[19] فأهل الجاهلية الذين ماتوا قبل بعثته عليه الصلاة والسلام معذبون بشركهم وكفرهم، وذلك يدل على أنهم ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة نبي ، إذ لو كانوا كذلك لما استحقوا العذاب .
[14] - السلسلة الصحيحة للألبانى رقم 249
[15] - صحيح مسلم حديث رقم 302 وصححه الشيخ الألبانى فى سنن أبى داود حديث رقم 4718وفى السلسلة الصحيحة رقم2592
[16] - السجدة : 3
[17] - تفسير القرطبي 14/85
[18] - انظر مختصر السيرة، للشيخ عبد الله بن عبد الوهاب ، باب أهل الفترة.
[19] - الإسراء من الآية 15
د.ربيع أحمد
11-11-2008, 04:19 AM
الفصل الثالث : رد حجج من يقول بأن أبوى النبى صلى الله عليه وسلم من أهل الجنة :
الدليل الأول : « قال صلى الله عليه وسلم مررت بقبر أمى آمنة فسألت الله ربى أن يحيييها فأحياها فآمنت بى أو قال فآمنت وردها الله عز وجل »[20] لفظ الخطيب ،وقد ذكره السهيلى فى الروض الأنف بإسناد فيه مجهولون ((إن الله أحيا له أباه وأمه وآمنا به )) قال القرطبى ولاتعارض والحمد لله ، لأن إحياءهما متأخر عن النهى بالاستغفار لهما ، بدليل حديث عائشة رضى الله عنها : أن ذلك كان فى حجة الوداع ،وكذلك جعله ابن شاهين ناسخاً لما ذكر من الأخبار [21].
مناقشة الدليل ،و الاستدلال :
قال ابن تيمية : لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ؛ بَلْ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ - يَعْنِي الْخَطِيبَ - فِي كِتَابِهِ " السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ " وَذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ السهيلي فِي " شَرْحِ السِّيرَةِ " بِإِسْنَادِ فِيهِ مَجَاهِيلُ وَذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ " وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ أَنَّهُ مِنْ أَظْهَر الْمَوْضُوعَاتِ كَذِبًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي الْحَدِيثِ ؛ لَا فِي الصَّحِيحِ وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا فِي الْمَسَانِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفَةِ ، وَلا ذَكَرَهُ أَهْلُ كُتُبِ الْمَغَازِي وَالتَّفْسِيرِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَرْوُونَ الضَّعِيفَ مَعَ الصَّحِيحِ . لأنَّ ظُهُورَ كَذِبِ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَى مُتَدَيِّنٍ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَوْ وَقَعَ لَكَانَ مِمَّا تَتَوَافَرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ : مِنْ جِهَةِ إحْيَاءِ الْمَوْتَى : وَمِنْ جِهَةِ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْمَوْتِ . فَكَانَ نَقْلُ مِثْلِ هَذَا أَوْلَى مِنْ نَقْلِ غَيْرِهِ فَلَمَّا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ الثِّقَاتِ عُلِمَ أَنَّهُ كَذِبٌ . وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ َ فِي كِتَابِ " السَّابِقِ وَاللاحِقِ " مَقْصُودُهُ أَنْ يَذْكُرَ مَنْ تَقَدَّمَ وَمَنْ تَأَخَّرَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي يَرْوُونَهُ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا وَابْنُ شَاهِينَ يَرْوِي الْغَثَّ وَالسَّمِينَ . والسهيلي إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بِإِسْنَادِ فِيهِ مَجَاهِيلُ . ثُمَّ هَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾[22]﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ﴾[23] . فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لا تَوْبَةَ لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا . وَقَالَ تَعَالَى : ﴿ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ﴾[24] فَأَخْبَرَ أَنَّ سُنَّتَهُ فِي عِبَادِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْإِيمَانُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْبَأْسِ ؛ فَكَيْفَ بَعْدَ الْمَوْتِ ؟ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ : أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : « إنَّ أَبَاك فِي النَّارِ» . فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ فَقَالَ : « إنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّارِ » . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : « اسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَزُورَ قَبْرَ أُمِّي فَأَذِنَ لِي وَاسْتَأْذَنْته فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي . فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ ». وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ قَالَ : « إنَّ أُمِّي مَعَ أُمِّك فِي النَّارِ » فَإِنْ قِيلَ : هَذَا فِي عَامِ الْفَتْحِ وَالْإِحْيَاءِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلِهَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ وَبِهَذَا اعْتَذَرَ صَاحِبُ التَّذْكِرَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهِ : - الأوَّلُ : إنَّ الْخَبَرَ عَمَّا كَانَ وَيَكُونُ لا يَدْخُلُهُ نَسْخٌ كَقَوْلِهِ فِي أَبِي لَهَبٍ : ﴿ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴾[25] وَكَقَوْلِهِ فِي الْوَلِيدِ : ﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ﴾[26] . وَكَذَلِكَ فِي : « إنَّ أَبِي وَأَبَاك فِي النَّارِ » وَ « إنَّ أُمِّي وَأُمَّك فِي النَّارِ » وَهَذَا لَيْسَ خَبَرًا عَنْ نَارٍ يَخْرُجُ مِنْهَا صَاحِبُهَا كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ الِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَلَوْ كَانَ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ إيمَانُهُمَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيمِ وَمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ مُمْتَنِعًا . الثَّانِي : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَارَ قَبْرَ أُمِّهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِطَرِيقِهِ " بِالْحَجُونِ " عِنْدَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَأَمَّا أَبُوهُ فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ،وَلَمْ يَزُرْهُ إذْ كَانَ مَدْفُونًا بِالشَّامِ فِي غَيْرِ طَرِيقِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ : أُحْيِيَ لَهُ ؟ . الثَّالِثُ : إنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ إيمَانًا يَنْفَعُ كَانَا أَحَقّ بِالشُّهْرَةِ وَالذِّكْرِ مِنْ عَمَّيْهِ : حَمْزَةَ وَالْعَبَّاسِ ؛ وَهَذَا أَبْعَد مِمَّا يَقُولُهُ الْجُهَّالُ مِنْ الرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ آمَنَ وَيَحْتَجُّونَ بِمَا فِي " السِّيرَةِ " مِنْ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَفِيهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ خَفِيٍّ وَقْتَ الْمَوْتِ . وَلَوْ أَنَّ الْعَبَّاسَ ذَكَرَ أَنَّهُ آمَنَ لَمَا كَانَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَمُّك الشَّيْخُ الضَّالُّ كَانَ يَنْفَعُك فَهَلْ نَفَعْته بِشَيْءِ ؟ فَقَالَ : « وَجَدْته فِي غَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَشَفَعْت فِيهِ حَتَّى صَارَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنْ النَّارِ ». هَذَا (إيمان أبى طالب) بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ كَانَ آخِرَ شَيْءٍ قَالَهُ : هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَأَنَّ الْعَبَّاسَ لَمْ يَشْهَدْ مَوْتَهُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَبُو طَالِبٍ أَحَقّ بِالشُّهْرَةِ مِنْ حَمْزَةَ وَالْعَبَّاسِ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعِلْمِ الْمُتَوَاتِرِ الْمُسْتَفِيضِ بَيْنَ الْأُمَّةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَبُو طَالِبٍ وَلَا أَبَوَاهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ يُذْكَرُ مَنْ أَهْلِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَحَمْزَةِ وَالْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَ هَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ . الرَّابِعُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ ﴾ - إلَى قَوْلِهِ - ﴿ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾[27] الْآيَةَ . وَقَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ﴾[28] . فَأُمِرَ بِالتَّأَسِّي بِإِبْرَاهِيمَ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ ؛ إلَّا فِي وَعْدِ إبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ بِالِاسْتِغْفَارِ . وَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ[29] . وقال شمس الحق العظيم آبادى : وَكُلّ مَا وَرَدَ بِإِحْيَاءِ وَالِدَيْهِ صَلَّى صلى الله عليه وسلم وَإِيمَانهمَا وَنَجَاتهمَا أَكْثَره مَوْضُوع مَكْذُوب مُفْتَرًى ، وَبَعْضه ضَعِيف جِدًّا لَا يَصِحّ بِحَالٍ لِاتِّفَاقِ أَئِمَّة الْحَدِيث عَلَى وَضْعه كَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْجَوْزَقَانِيّ وَابْن شَاهِين وَالْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر وَابْن نَاصِر وَابْن الْجَوْزِيّ وَالسُّهَيْلِيّ وَالْقُرْطُبِيّ وَالْمُحِبّ الطَّبَرِيّ وَفَتْح الدِّين بْن سَيِّد النَّاس وَإِبْرَاهِيم الْحَلَبِيّ وَجَمَاعَة . وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَام فِي عَدَم نَجَاة الْوَالِدَيْنِ الْعَلَّامَة إِبْرَاهِيم الْحَلَبِيّ فِي رِسَالَة مُسْتَقِلَّة ، وَالْعَلَّامَة عَلِيّ الْقَارِي فِي شَرْح الْفِقْه الْأَكْبَر وَفِي رِسَالَة مُسْتَقِلَّة ، وَيَشْهَد لِصِحَّةِ هَذَا الْمَسْلَك هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح . وَالشَّيْخ جَلَال الدِّين السُّيُوطِيّ قَدْ خَالَفَ الْحَافِظ وَالْعُلَمَاء الْمُحَقِّقِينَ وَأَثْبَتَ لَهُمَا الْإِيمَان وَالنَّجَاة فَصَنَّفَ الرَّسَائِل الْعَدِيدَة فِي ذَلِكَ ، مِنْهَا رِسَالَة التَّعْظِيم وَالْمِنَّة فِي أَنَّ أَبَوَيْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنَّة . قُلْت : الْعَلَّامَة السُّيُوطِيُّ مُتَسَاهِل جِدًّا لَا عِبْرَة بِكَلَامِهِ فِي هَذَا الْبَاب مَا لَمْ يُوَافِقهُ كَلَام الْأَئِمَّة النُّقَّاد . وَقَالَ السِّنْدِيُّ : مَنْ يَقُول بِنَجَاةِ وَالِدَيْهِ صلى الله عليه وسلم يَحْمِلهُ عَلَى الْعَمّ فَإِنَّ اِسْم الْأَب يُطْلَق عَلَى الْعَمّ مَعَ أَنَّ أَبَا طَالِب قَدْ رَبَّى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَيَسْتَحِقّ إِطْلَاق اِسْم الْأَب مِنْ تِلْكَ الْجِهَة اِنْتَهَى . وَهَذَا أَيْضًا كَلَام ضَعِيف بَاطِل[30] .وقال السَّيِّدُ مُحَمَّد أَمِين بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ :مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ أُبِيحَ لَعْنُهُ إلَّا وَالِدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثُبُوتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُمَا لَهُ حَتَّى آمَنَا بِهِ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ طَائِفَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَنْ طَعَنَ فِيهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا مَوْضُوعٌ[31] ا.هـ وقال هذا الحديث الذي نحن في ذكره خالف ابن الجوزي فيه كثير من الأئمة والحفاظ فذكروا أنه من قسم الضعيف الذي يجوز روايته في الفضائل والمناقب ، لا من قسم الموضوع ، منهم الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي ، والحافظ أبو القاسم، ابن عساكر والحافظ أبو حفص ابن شاهين ، والحافظ أبو القاسم السهيلي ، والإمام القرطبي ، والحافظ محب الدين الطبري ، والعلامة ناصر الدين بن المنير ، والحافظ فتح الدين بن سيد الناس ، ونقله عن بعض أهل العلم. ومشى عليه الصلاح الصفدي في نظم له والحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في أبيات له فقال: حبا الله النبي مزيد فضل على فضل وكان به رءوفا فأحيا أمه وكذا أبـــاه لإيمان به فضلا لطيفا فسلم فالقديـــم بذا قديــــــــر وإن كــــــــــان الحـديث به ضعيفا[32]
الدليل الثانى :
َقَدْ وَرَدَ أَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى طَهَارَةِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ دَنَسِ الشِّرْكِ وَشَيْنِ الْكُفْرِ وَمَحَلُّ كَوْنِ الْإِيمَانِ لَا يَنْفَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي غَيْرِ الْخُصُوصِيَّةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَعَادَ الْوَقْتُ حَتَّى صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْعَصْرَ كَرَامَةً لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَسُئِلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ قَالَ : إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَلْعُونٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : ﴿ إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾[33] قَالَ وَلَا أَذَى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ فِي النَّارِ[34] .
مناقشة الدليل :
البينة على من ادعى ، ومن ادعـى طهارة النسب الشريف من الشرك ، والكفر فليأتنا بحديث صحيح صريح ، و إلا فالظاهر من الأحاديث الصحيحة كفر والدى النبى صلى الله عليه وسلم ، وإن كان يقصد حديث : « خرجت من نكاح ،و لم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي و أمي فأنا خيركم نسباً و خيركم أباً » فهذا الحديث ضعيف جداً ،كما قال الألبانى فى ضعيف الجامع حديث رقم1320 ، و السلسلة الضعيفة حديث رقم 2952وحديث : « خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يصبني من سفاح الجاهلية شىء » وهذا أيضا حديث ضعيف قال الألبانى: أخرجه الرامهرمزي في "الفاصل بين الراوي والواعي" ( ص 136 ) والجرجاني السهمي في " تاريخ جرجان " ( ص 318 - 319 ) وأبو نعيم في " اعلام النبوة " ( 1 / 11 ) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 1 / 267 / 1 - 2 ) كلهم عن العدني به إلا أنه لم يقل " عن علي " في رواية عنه . وقد عزاه إلى " مسند العدني " السيوطي في " الدر المنثور " ( 2 / 294 ) و " الجامع الصغير " وعزاه للطبراني أيضا في " الأوسط " تبعا للهيثمي وقال هذا في " المجمع " ( 8 / 214 ) :
" وفيه محمد بن جعفر بن محمد بن علي صحح له الحاكم في " المستدرك " وقد تكلم فيه وبقية رجاله ثقات " . قلت : وهو كما قال رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير محمد بن جعفر هذا قال الذهبي في " الميزان " : " تكلم فيه " : قلت : وقد أورده ابن عدي في " الكامل " (366 / 1 ) وقال : " هو عم علي بن موس الرضا " . ولم يذكر فيه جرحاً صريحاً . وقال الذهبي في " تاريخ الاسلام " ( 1 / 29 ) : " وهذا منقطع إن صح عن جعفر بن محمد ولكن معناه صحيح " . قلت : يشير بذلك إلى الطعن في محمد بن جعفر العلوي . والانقطاع الذي أشار إليه هو بين جد محمد بن جعفر ،وهو محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر فإنه لم يسمع من جده علي رضي الله عنه . وله عن الباقر طريق أخرى مرسلاً[35]ا.هـ ،والحديث الحسن : « ولدت من نكاح لا سفاح »[36] ولو سلمنا بصحة الحديث فلا يدل إلا على طهارة النسب الشريف من نكاح غير صحيح فكلمة سفاح عند أهل اللغة نكاح غير صحيح ،وقد نقل الأزهرى عن الليث فى تهذيب اللغة مادة سفح قوله : السِّفاحُ والمُسَافَحةُ: أن تُقيم امرأة مع رجل على فجور من غير تزويج صحيح ،وقال ابن منظور فى لسان العرب مادة سفح : والتَّسافُحُ والسِّفاح والمُسافحة الزنا والفجور ،وقال الزبيدى فى تاج العروس مادة سفح : والتَّسَافُح والسِّفَاح والمُسَافَحَةُ " : الزِّنَا و " الفُجور " . وفي المِصْباح : المُسَافَحَة : المُزانَاة لأَنّ الماءَ يُصَبّ ضائعاً . انتهَى . وفي التَّنْزيل " مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ " قال الزَّجّاج : وأَصلُ ذلك من الصَّبِّ . تقول : سافَحْتُه مُسافَحةً وسِفاحاً وهو أَن تُقِيمَ امرأَةٌ مع رَجُلٍ على الفَجُورِ من غير تَزْويجٍ صَحِيحٍ . وفي الحديث : " أَوَّلُه سِفَاحٌ وآخرُه نِكاحٌ " . وهي المرأَةُ تُسَافِحُ رجلاً مدة فيكون بينهما اجتماع على فجُور ثم يَتَزوَّجُها بعدَ ذلك . وكَرِهَ بعضُ الصَّحَابَةِ ذلك وأَجازه أَكثرُهم قال : وسُمِّيَ الزِّنا سِفاحاً لأَنّه كان عن غَيْرِ عَقْدٍ كأَنّه بمنزلةِ الماءِ المَسفوح الّذي لا يَحْبِسه شَيْءٌ . وقال غيرُه : سُمِّيَ الزِّنَا سِفاحاً لأَنه ليس ثَمَّ حُرْمةُ نِكَاحٍ ولا عَقْدُ تَزْوِيجٍ وكلُّ واحد منهما سَفَح مَنْيَته أَي دَفَقَهَا بلا حُرْمَةٍ أَباحَتْ دَفْقَهَا . وكان أَهلُ الجاهليّة إِذا خَطَبَ الرَّجلُ المَرْأَةَ قال : أَنْكِحيني فإِذا أَرادَ الزِّنا قال : سافِحيني ا.هـ فالظاهر من الحديث الضعيف طهارة النسب الشريف من الزنا ،وليس فيه طهارة النسب الشريف من الشرك والكفر ،وإن كان يقصد حديث : « لم يلتق أبواي في سفاح لم يزل الله عز وجل ينقلني من أصلاب طيبة إلى أرحام طاهرة صافياً مهذباً لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما » . أخرجه أبو نعيم ( 1 / 11 - 12 ) فقد قال عنه الألبانى : إسناده واه من دون عكرمة لم أعرفهم . طريق أخر عنه موقوفا يرويه شبيب عن عكرمة عن ابن عباس : " ( وتقلبك في الساجدين ) قال : من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبياً " رواه ابن عساكر . قلت : وشبيب بن بشر ضعيف قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق يخطئ " . وقال الذهبي في " الضعفاء " . " قال أبو حاتم : لين الحديث " . قلت : فقول الهيثمي في " المجمع " ( 7 / 86 ) : " " رواه البزار والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير شبيب بن بشر وهو ثقة " . ليس منه بجيد مع تضعيف من ذكرنا لشبيب هذا . نعم لم يتفرد به فقد رواه سعدان بن الوليد عن عطاء عن ابن عباس أخرجه أبو نعيم ( 1 / 12 ) وابن عساكر ( 1 / 267 / 2 ) . لكن سعدان هذا لم أعرفه . والله أعلم . الثانية : عن هشيم نا المديني عن أبي الحويرث عنه به ولفظه : ( ما ولدني من سفاح الجاهلية شئ وما ولدني إلا نكاح كنكاح الاسلام " أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 99 / 1 ) والبيهقي ( 7 / 190 ) وعنه ابن عساكر عن محمد بن أبي نعيم الواسطي نا هشيم به . وقال الطبراني : " المديني هو عندي فليح بن سليمان " . قلت : فإن كان هو فهو ثقة لكنه كثير الخطأ وبقية رجاله ثقات إلا أن أبا الحويرث واسمه عبد الرحمن معاوية سئ الحفظ أيضا . ومحمد بن أبي نعيم قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق لكن طرحه ابن معين " . وقال الهيثمي في " المجمع " : " رواه الطبراني عن المديني عن أبي الحويرث . ولم أعرف المديني ولا شيخه وبقية رجاله وثقوا "[37] ا.هـ وعلى التسليم بصحة الحديث فذلك محمول على أنه ما وقع فى نسبه من ولد من الزنى ونكاح أهل الجاهلية صحيح كما يدل عليه قوله عليه السلام « ولدت من نكاح لا من سفاح » أى زنى ،وإن كان يقصد حديث : « لم أزل أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات » فهو ضعيف أشار إلى ضعفه النيسابورى فى تفسيره ،وعلى التسليم بصحة الحديث فغاية ما فى الحديث صحة أنكحة الجاهلية فالحديث محْمُولٌ على أنه ما وقع في نَسَبِه صلى الله عليه وسلم ما كان سِفَاحاً ، كما وَرَد في حديث آخر « وُلِدْتُ مِنْ نكاحٍ لا مِنْ سفاحٍ » .
الدليل الثالث :
قوله تعالى ﴿ وتقلبك فى الساجدين ﴾[38] قالوا دلت الآية على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتقلب فى أصلاب الساجدين وبطون الساجدات .و قال الرسول صلى الله عليه وسلم " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " رواه أبو نعيم عن ابن عباس ، وقال ابن عباس فى المراد بالساجدين " من نبى الى نبى " كما رواه أبو نعيم فى الدلائل بسند صحيح والطبرانى برجال ثقات . فقال هؤلاء : إن الكفر نجس لقوله تعالى ﴿ إنما المشركون نجس ﴾[39] ، فكيف ينقل الرسول من أصلاب الطاهرين وآزر أبو إبراهيم نجس ؟ وكيف يكون تقلبه فى الساجدين وآزر ليس منهم ؟
مناقشة الاستدلال :
الآية ظاهرة فى أن النبى يتفقد المصلين ويقلب بصره فيهم وينظرهم من خلفه كما ينظرهم من أمامه، ،والقول بأنه كان يتقلب فى أصلاب الساجدين وبطون الساجدات يأباه ظاهر الآية قال الشيخ عطية صقر : إرادة العم من الأب عدول عن الظاهر بلا مقتض ، والنصوص المذكورة فى الطهارة والسجود لا تقتضى هذا العدول ، لأن آية ﴿ وتقلبك فى الساجدين ﴾ ليست نصاً فيما فسرها به ابن عباس ، فقد فسرت بغير ذلك ، فقد جاء عنه أيضا أن المعنى : يراك قائماً وراكعاً وساجداً ، لأن قبل ذلك " الذي يراك حين تقوم " وبأن حديث النقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة أوَّلاً لم يصل إلى الدرجة التى يعتمد عليها فى العقائد ، وثانيا فسرت الطهارة فيه بعدم السفاح كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس مرفوعا " لم يلتق أبواى قط على سفاح ، لم يزل ينقلنى من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مُصَفّى مهذبا" وكما رواه الطبرانى عن على مرفوعا " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدنى أبى وأمى لم يصبنى من نكاح الجاهلية شىء" . هذا ، ولا يضير أن يكون فى أنساب الأنبياء كافرون ، فكل امرىء بما كسب رهين[40] .
الدليل الرابع :
فى بعض المعتبرات أن الأنبياء عليهم السلام معصومون عن حقيقة الكفر وعن حكمه بتبعية آبائهم . وعلى هذا فلا بد من أن يكون تولد الأنبياء من أبوين مسلمين .
مناقشة الدليل :
قولكم بولادة الأنبياء من أبوين مسلمين يحتاج إلى دليل صحيح صريح فإبراهيم عليه السلام كان أبوه كافراً ،ووالدا محمد صلى الله عليه وسلم كانا كافرين.
[20] - ذكره الحافظ السيوطى فى اللآلى المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة فى كتاب المناقب منه ، ونقل حكم الحافظ ابن ناصر عليه بالوضع ،وعارضه قائلاً : (( الصواب الحكم عليه بالضعـف لا بالوضــــــع ، وقد ألفت فى ذلك جزءاً سميته : نشر العلمين النفيين فى إحياء الأبوين الشريفين )) ، وذكره ابن عراق الكنائى فى (( تنـزيه الشريعة من الأحاديــــــــــث المرفوعة عن الأخبار الشـــــنيعة والموضوعة )) ،ونقل بعده قول الحافظ السخاوى : (( الذى أراه الكف عن التعرض لهذا إثباتاً ونفياً )) وذكره الشوكانى فى (( الفوائد المجموعة )) وعارضه بحديث أحمد عن أبى رزين العقيلى قال : قلت : يارسول الله أين أبى وأمى ؟ قال : ((أمك فى النار )) قال : فأين من مضى من أهللك ؟ قال : (( أما ترضى أن تكون أمك مع أمى ؟ )) .
[21] - التذكرة للقرطبى ص 14
[22] - النساء : 17
[23] - النساء من الآية 18
[24] - غافر : 85
[25] - المسد : 3
[26] - المدّثر : 17
[27] - الممتحنة من الآية 4
[28] - التوبة من الآية 114
[29] - مجموع الفتاوى 1/365 مسألة هل أحيا الله ...
[30] - عون المعبود لشمس الحق العظيم آبادى حديث رقم 4095
[31] - تنقيح الفتاوى الحامدية للسيد محمد أمين 7/422 فائدة : من مات على الكفر
[32] - سبل الهدى والرشاد 1/254 محمد بن يوسف الصالحى الشامى دار الكتب العلمية بيروت - لبنان جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الأولى 1414 ه - 1993 م دار الكتب العلمية بيروت - لبنان.
[33] - الأحزاب من الآية 57
[34] - تنقيح الفتاوى الحامدية 7/422 فائدة :من مات على الكفر
[35] - إرواء الغليل للألبانى 6 /330-331 المكتب الإسلامي – بيروت الطبعة : الثانية - 1405 هـ - 1985مـ
[36] - إرواء الغليل حديث حسن رقم 1914
[37] - إرواء الغليل 6/ 331- 333
[38] - الشعراء 219
[39] - التوبة : 28
[40] - فتاوى الأزهر آزر وإبراهيم ونسب النبى فتوى للشيخ عطية صقر سنة 1997
د.ربيع أحمد
11-11-2008, 04:28 AM
الفصل الرابع : شمول والدى النبى صلى الله عليه وسلم العذاب :
عن أنس أن رجلاً قال : يا رسول الله أين أبي؟ قال:" في النار " فلما قفا دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار[41]. قال الألبانى: أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 3552 ) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا أبو كريب
حدثنا أبو خالد الأحمر عن داود بن أبي هند عن العباس بن عبد الرحمن عن عمران بن الحصين قال : جاء حصين إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : أرأيت رجلاً كان يصل الرحم ، و يقري الضيف مات قبلك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره : فما مضت عشرون ليلة حتى مات مشركاً . قلت : و هذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير العباس بن عبد الرحمن ، و هو مولى بني هاشم ، لا يعرف إلا برواية داود عنه كما في " تاريخ البخاري " ( 4 / 1 / 5 ) و " الجرح و التعديل " ( 3 /211 ) و لم يذكرا فيه جرحاً و لا تعديلاً ، فهو مجهول ، و قول الحافظ في " التقريب " : " مستور " سهو منه لأنه بمعنى : " مجهول الحال " ، و ذلك لأنه نص في المقدمة أن هذه المرتبة إنما هي في " من روى عنه أكثر من واحد و لم يوثق " . قلت : و ذهل عنه الهيثمي ، فقال في " المجمع " ( 1 / 117 ) : " رواه الطبراني في " الكبير " ، و رجاله رجال ( الصحيح ) " ! و ذلك لأن العباس هذا لم يخرج له الشيخان ، و لا بقية الستة ، و إنما أخرج له أبو داود في " المراسيل " و "القدر "حديثه في " المراسيل " يشبه هذا في المعنى ، فقد أخرجه فيه ( برقم 508 ) من طريق داود أيضاً عنه قال : جاء رجل إلى العباس فقال : أرأيت الغيطلة -كاهنة بني سهم - في النار مع عبد المطلب ؟ فسكت : ثم قال : أرأيت الغيطلة .. ،فوجأ العباس أنفه ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الأمر و إن كان حقا ؟! " و كذا رواه ابن سعد في " الطبقات " ( 4 / 24 - 25 ) بأتم منه . و الحديث أخرجه الجورقاني في " الأباطيل و المناكير " ( 1 / 235 ) من طريق أخرى عن داود بن أبي هند في جملة أحاديث أخرى تدل كلها - كهذا - على أن من مات في الجاهلية مشركا فهو في النار ، و ليس من أهل الفترة كما يظن كثير من الناس ، و بخاصةالشيعة منهم ، و من تأثر بهم من السنة ! و من تلك الأحاديث ، ما رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلاً قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : في النار .فلما قفى دعاه ، فقال : فذكر حديث الترجمة حرفاً بحرف . أخرجه مسلم ( 1 / 132 -133 ) و أبو عوانة ( 1 / 99 ) و أبو داود ( 4718 ) و الجورقاني ( 1 / 233 ) وصححه ، و أحمد ( 3 / 268 ) و أبو يعلى ( 6 / 229 / 3516 ) و ابن حبان ( 578- الإحسان ) و البيهقي ( 7 / 190 ) من طرق عن حماد بن سلمة به . و منها سعد بن أبي وقاص المتقدم في المجلد الأول برقم ( 18 ) بلفظ : " حيثما مررت بقبر كافرفبشره بالنار " . فراجع سببه هناك ، فإنه بمعنى حديث الترجمة لمن تأمله . و إن مما يتصل بهذا الموضوع قوله صلى الله عليه وسلم لما زار قبر أمه : " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي ، و استأذنته في أن أزور قبرها ، فأذن لي .." الحديث . رواه مسلم و غيره ، و هو مخرج في " أحكام الجنائز " ( ص 187 - 188 )من حديث أبي هريرة و بريدة ، فليراجعهما من شاء . و الأحاديث في هذا الباب كثيرة ، و فيما ذكرنا خير كبير و بركة . و اعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس اليوم و قبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة ، و تبني ما فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل إن فيهم من يظن أنه من الدعاة إلى الإسلام ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث ودلالتها الصريحة ! و في اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي صلى الله عليه وسلم الذي قالها إن صدقوا بها . و هذا - كما هو ظاهر - كفر بواح ، أوعلى الأقل : على الأئمة الذين رووها و صححوها ، و هذا فسق أو كفر صراح ، لأنه يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم ، لأنه لا طريق لهم إلى معرفته و الإيمان به ،إلا من طريق نبيهم صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه ،فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم و أذواقهم و أهوائهم - و الناس في ذلك مختلفون أشد الاختلاف - كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد الأحاديث الصحيحة، و هذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم كالغزالي و الهويدي و بليق و ابن عبد المنان و أمثالهم ممن لا ميزان عندهم لتصحيح الأحاديث و تضعيفها إلا أهواؤهم ! و اعلم أيها المسلم - المشفق على دينه أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه - أن هذه الأحاديث و نحوها مما فيه الإخباربكفر أشخاص أو إيمانهم ، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها وتلقيها بالقبول ، لقوله تعالى : ﴿ ألم . ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين .الذين يؤمنون بالغيب ﴾[42] و قوله : ﴿ و ما كان لمؤمن و لامؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .. ﴾[43] ، فالإعراض عنها و عدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما - وأحلاهما مر - : إما تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ، و إما تكذيب رواتها الثقات كما تقدم . و أنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث أو يتأولونها تأويلا باطلا كما فعل السيوطي - عفا الله عنا و عنه - في بعض رسائله ، إنما يحملهم على ذلك غلوهم في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ، وحبهم إياه ، فينكرون أن يكون أبواه صلى الله عليه وسلم كما أخبر هو نفسه عنهما، فكأنهم أشفق عليهما منه صلى الله عليه وسلم !! و قد لا يتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أحيا الله له أمه ، و في رواية : أبويه ، و هو حديث موضوع باطل عندأهل العلم كالدارقطني و الجوزقاني ، و ابن عساكر و الذهبي و العسقلاني ، وغيرهم كما هو مبين في موضعه ، و راجع له إن شئت كتاب " الأباطيل و المناكير "للجورقاني بتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي ( 1 / 222 - 229 ) و قال ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 1 / 284 ) : " هذا حديث موضوع بلا شك ، و الذي وضعه قليل الفهم ، عديم العلم ، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة ، لا بل لو آمن عند المعاينة ، و يكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى : ﴿ فيمت و هو كافر ﴾ ، و قوله صلى الله عليه وسلم في ( الصحيح ) : "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي " . و لقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله في تعليقه على " الفوائدالمجموعة في الأحاديث الموضوعة " للإمام الشوكاني ، فقال ( ص 322 ) : " كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس ، فيتخطى الحجة و يحاربها ، و من وفق علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية . و الله المستعان " . قلت : و ممن جمحت به المحبة السيوطي عفا الله عنه ، فإنه مال إلى تصحيح حديث الإحياء الباطل عند كبار العلماء كما تقدم ، و حاول في كتابه " اللآلىء " ( 1 / 265 - 268 ) التوفيق بينه و بين حديث الاستئذان و ما في معناه ، بأنه منسوخ ، و هو يعلم من علم الأصول أن النسخ لايقع في الأخبار و إنما في الأحكام ! و ذلك أنه لا يعقل أن يخبر الصادق المصدوق عن شخص أنه في النار ثم ينسخ ذلك بقوله : إنه في الجنة ! كما هو ظاهر معروف لدى العلماء . و من جموحه في ذلك أنه أعرض عن ذكر حديث مسلم عن أنس المطابق لحديث الترجمة إعراضا مطلقا ، و لم يشر إليه أدنى إشارة ، بل إنه قد اشتط به القلم وغلا ، فحكم عليه بالضعف متعلقا بكلام بعضهم في رواية حماد بن سلمة ! و هو يعلم أنه من أئمة المسلمين و ثقاتهم ، و أن روايته عن ثابت صحيحة ، بل قال ابن المديني و أحمد و غيرهما : أثبت أصحاب ثابت حماد ، ثم سليمان ، ثم حماد بن زيد، و هي صحاح . و تضعيفه المذكور كنت قرأته قديما جدا في رسالة له في حديث الإحياء - طبع الهند - و لا تطولها يدي الآن لأنقل كلامه ، و أتتبع عواره ،فليراجعها من شاء التثبت . و لقد كان من آثار تضعيفه إياه أنني لاحظت أنه أعرض عن ذكره أيضا في شيء من كتبه الجامعة لكل ما هب و دب ، مثل " الجامع الصغير " و" زيادته " و " الجامع الكبير " ! و لذلك خلا منه " كنز العمال " و الله المستعان ، و لا حول و لا قوة إلا بالله . و تأمل الفرق بينه و بين الحافظ البيهقي الذي قدم الإيمان و التصديق على العاطفة و الهوى ، فإنه لما ذكر حديث :" خرجت من نكاح غير سفاح " ، قال عقبه : " و أبواه كانا مشركين ، بدليل ما أخبرنا .. " ، ثم ساق حديث أنس هذا و حديث أبي هريرة المتقدم في زيارة قبر أمه المتقدم في زيارة قبر أمه صلى الله عليه وسلم [44] ا.هـ
قال مسلم حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى قَالَا حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي »[45] وقد قال تعالى: ﴿َما كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾[46] أى ما كان ينبغي للنبي صلى الله عليه وسلم و الذين آمنوا أن يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كانوا ذوي قرابة لهم مِن بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان فدل هذا على أن أم النبى ر لم تمت على الإسلام ، و لا تعذر بالجهل ومن هذا يتبين أن والدى النبى لم يموتا على الإيمان ،ولا على الإسلام ،وهما من أهل الفترة الذين بلغتهم نذارة الرسل ،ولا يعذران بالجهل ،والذى أخبرنا بذلك هو ابنهما محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا لايعيبه فى شىء ،وهذا يدل على أمانته صلى الله عليه وسلم فى تبليغ الشرع هذا وبالله التوفيق والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات .وكتب ربيع أحمد بكالوريوس الطب و الجراحة جامعة عين شمس عين شمس الأحد 20 شوال 1427هـ 12 نوفمبر 2006 مـ
[41] - صحيح مسلم حديث رقم 302 وصححه الشيخ الألبانى فى سنن أبى داود حديث رقم 4718و فى السلسلة الصحيحة رقم2592
[42] - البقرة : 1 - 3
[43] - الأحزاب: 36
[44] - قاله العلامة الألبانى فى السلسلة الصحيحة عند كلامه عن حديث رقم 2592
[45] - صحيح مسلم رقم 1621 وستن النسائى رقم 2007 ووسنن أبى داود رقم 2815سنن ابن ماجة 1561
[46] - التوبة : 113
د.ربيع أحمد
11-11-2008, 04:38 AM
القول الجلى بشأن والدى النبى (http://www.4shared.com/file/46039694/5eea8f0d/____.html?dirPwdVerified=61fd757b)
Powered by vBulletin™ Version 4.2.1 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, ENGAGS © 2010