مشاهدة النسخة كاملة : ملف بعض اقوال العلماء عن الادلة العقلية البراهين اليقينية و النقلية
قتيبة
11-12-2008, 04:49 PM
تعريف الايمان
يعرف الايمان بانه التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل، وهذا تعريف خاص بالعقيدة الاسلامية وهو تعريف شرعي وليس عقليا، وقد نص عليه علماء التوحيد وأخذوا لفظ الايمان ومدلوله من اللغة والنصوص الشرعية، واحترزوا بقولهم "الجازم" عن الظن القوي، وما دونه لان صاحبه كافر، و"بالمطابق للواقع" عن جزم لا حقيقة له، كجزم الفرق الضالة من اليهود والنصارى والمشركين القائلين بتعدد الاله.
فعدم الجزم بالتصديق وعدم المطابقة للواقع كفر بالاتفاق.
واحترزوا بقولهم" عن دليل" او" بدليل" عن التصديق تقليدا، لان التقليد في العقيدة معصية وقد عده بعضهم كفرا.
والدليل عندهم هو الدليل القاطع المفيد للعلم اليقني ولو كان اجماليا كدلالة الموجودات على وجود الله تعالى
(انظر شرح المقاصد للتفتازاني 5/175، 218-224)
والدر الثمين لميارة( 4/19-20)
وحاشية العقباوي على الدردير 16)
ومختصر شرح الباجوري على جوهرة التوحيد 48)
والجام العوام عن علم الكلام للغزالي 114-120) وغيرها.
والحزب عندما اورد هذا التعريف في الكراسة المتبناة ص1 وفي الشخصية الاسلامية ج1 ص19 انما اورده في معرض بيان العقيدة الاسلامية
والتعريف شرعي لانه مستنبط من الادلة الشرعية ، وهو وصف للواقع الشرعي الذي جاءت به الادلة أي النصوص الشرعية، فهو من هذه الجهة حكم شرعي.
ويبين ذلك ذم الله تعالى في آيات صريحة من يتبع الظن في العقيدة وذمه من يتبع بغير سلطان، أي بغير دليل قاطع.
وذمهم والتنديد بهم دليل على النهي الجازم عن اتباع الظن، ودليل على النهي الجازم عن اتباع ما لم يقم عليه الدليل القطعي.
قال تعالى: (ان هي الا اسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى)
وقال )ان الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الانثى وما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا)
وقال( ان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن)
وقال( وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون)
وقال( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا)
وقال( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا)
وأوجب الله ان يكون دليل العقيدة قطعيا، قال تعالى( ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون)
وقال( ام اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم)
وقال( أاله مع الله قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)
وقال( ونزعنا من كل امة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا ان الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون)
وكلمتا" برهان" و"سلطان" معناهما في جميع الايات الدليل المقطوع به، فالدليل من حيث هو لا يكون الا قطعيا، ولم يستعمله القرآن الا بمعنى القطعي.
وقد دلت الايات المتعلقة بالظن على عدم جواز الاعتقاد بالدليل الظني ودلت الايات المتعلقة بالسلطان المبين على وجوب اقامة الدليل القطعي على العقيدة حتى تكون عقيدة. فيحرم على المسلم ان يعتقد ما كان دليله ظنيا، لان النهي عن الاعتقاد بالظني نهي جازم، والنهي الجازم يعني التحريم، فكان الاعتقاد بالظن حراما.
أي ان الحكم الشرعي في العقائد هو انه يحرم ان يكون دليلها ظنيا. وكل مسلم يبني عقيدته على دليل ظني يكون مرتكبا حراما وآثما عند الله تعالى.
فتعريف الايمان عبر عن الحكم الشرعي المتعلق بفعل العبد ، وهو ايجاب بناء عقيدته على الدليل القطعي، وتحريم بنائها على الدليل الظني.
فخطاب الشارع امر ونهي متعلق باقامة الدليل على العقيدة، وقد بين وجوب الفعل وحرمته، فهو متعلق بفعل العبد وليس متعلقا بالتصديق، هذا من جهة، ومن جهة اخرى، فان الشارع الحكيم اما ان يخاطب الناس بالفاظ يعرفون معانيها، وفي هذه الحال لا تحتاج الى بيان ، واما ان يخاطبهم بالفاظ محدثة المعاني لا عهد لهم بها، وفي هذه الحال يبين لهم الشارع مراده ببيان معاني الالفاظ التي خاطبهم بها.
وقد كان فيما خاطب الله به عباده وان طلب منهم الايمان بامور عدة منها الايمان بالله تعالى، والايمان بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم والايمان برسل الله وملائكته وكتبه واليوم الاخر،
ولما لم يكن لفظ الايمان معروفا عندهم بالمعنى الذي اراده الشارع لزم بيان المعنى حتى يفهم الناس مراده ويلزموا ما فرض عليهم، فيخرجوا من ظلمات الكفر الى نور الايمان ومن عذاب الجحيم الى جنات النعيم.
قال تعالى( وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) وقال( وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون)
ولفظ الايمان وضعه العرب للدلالة على مطلق التصديق، وجاء الشارع فنقله الى معنى آخر هو تصديق مخصوص، حتى غلب استعماله بالمعنى الجديد، وصار اللفظ يدل على المعنى الجديد من غير حاجة الى قرينة.
والذي دل على هذا المعنى الجديد هو اشتراط الشارع "الجزم" بالتصديق، فخرج به الظن وما دونه، لآن غير الجازم في تصديقه والشاك والمرتاب كافر غير مؤمن بما طلبه الشارع منه، وقد دل على كفره الادلة القطعية الثبوت القطعية الدلالة.
واشترط كذلك "المطابقة للواقع" اثباتا لحقيقة التصديق، لان مطابقة التصديق للواقع دليل قائم على صدق الاعتقاد، أي دليل قائم على صدق الفكرة التي انعقد الوجدان عليها.
وان لم تتحق المطابقة كان الاعتقاد كذبا لا حقيقة له.
وقد جاءت الادلة القطعية الثبوت القطعية الدلالة تذم وتكفر الفرق الضالة من اليهود والنصارى والمشركين القائلين بتعدد الاله، وذلك لافترائهم وكذب معتقداتهم.
واشترط ان يكون التصديق "عن دليل" او " بدليل" لان الجزم بالتصديق من غير دليل قاطع مفيد للعلم اليقيني معصية.
وقد دلت الادلة القطعية الثبوت القطعية الدلالة على تحريم التقليد في العقيدة وذمته ذما شديدا، وقد جاء في بداية الكراسة الحزبية المتبناة شرح وبيان لواقع الايمان أي الاعتقاد الذي طولب به المسلم. واستدل بالنصوص القطعية على اهم ما في التعريف. وقد جاء متوافقا مع قوله في "نداء حار" فالعقيدة في الاسلام هي التصديق الجازم المطابق للواقع عن يقين..
اذ نسب كل جزء من اجزاء التعريف الى العقيدة الاسلامية.
وهو كذلك متوافق مع قوله في الكتاب الثالث من الشخصية الاسلامية في مبحث الحقيقة الشرعية: وكالايمان للتصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل ، وغير ذلك من الاسماء التي جاء بها الشرع) لان بيان معنى الايمان والعقيدة واقعيا لا ينافي الواقع الشرعي للعقيدة، بل لا بد من التطابق التام بينهما.
والشروط المذكورة في التعريف هي شروط لصحة الاعتقاد، وشروط شرعية لايمان معين طلبه رب العالمين من عباده ، ويقتضي الطمأنينة الدائمة والنجاة من النار والفوز بالجنة.
وقد يوجد الايمان بفكرة من الافكار واقعيا مع فقدان بعض هذه الشروط ولكنه لا يكون ايمانا صحيحا ولا منجيا من عذاب الله وسخطه.
اما واقع العقيدة عند البشر فان العقيدة هي ما انعقد عليه القلب أي الوجدان ، ومعنى انعقاد القلب ان يأخذ الوجدان هذه الفكرة ويضمها اليه ضما كاملا واكيدا بارتياح، ويشدها اليه ويوافقه العقل على ذلك ولو موافقة تسليم.
فالاعتقاد اصله انعقاد القلب على موافقة العقل، أي اصله التصديق الجازم من قبل الوجدان بشرط موافقة العقل. فاذا تم هذان الامران : التصديق الجازم من قبل الوجدان وموافقة العقل لهذا التصديق فقد حصل انعقاد القلب أي حصلت العقيدة بمعنى حصل الاعتقاد.( المجموعة الفكرية 229)
لان الايمان او الاعتقاد يوجد واقعيا عند البشر حين يأخذ الوجدان فكرة ما ويضمها اليه ضما كاملا واكيدا بارتياح ويشدها اليه، ويوافقه العقل على ذلك ولو موافقة تسليم . فالاعتقاد اصله التصديق الجازم من قبل الوجدان بشرط موافقة العقل .
والاعتقاد أي التصديق الجازم من قبل الوجدان يتحقق عند اهل العقائد الباطلة مع عدم مطابقة معتقدهم للواقع على شرط وجود دليل يحقق الجزم.
فالاعتقاد أي التصديق الجازم يتحقق عند الشيوعي والنصراني والهندوسي وغيرهم من الكفار مع عدم مطابقة معتقدهم للواقع.
فالمطابقة للواقع ليست شرطا في حصول الاعتقاد ولكنها شرط في صحته.
واما الدليل فوجوده شرط اساسي في وجود الايمان، لان الجزم لا يتحقق الا بوجود الدليل بغض النظر عن كونه دليلا صحيحا او فاسدا.
وقد يكون الدليل فاسدا وقد يكون دليلا شعوريا، لكنه اقنع صاحبه بوجه من الوجوه واطمأن اليه فأحدث الجزم عنده.
فكل من يتوفر عنده ذلك يكون معتقدا أي مؤمنا بالفكرة التي ضمها الوجدان اليه.
والاعتقاد على هذه الصورة موجود وجودا حسيا عند جميع البشر، ولا يصح بعد ذلك ان يقال بان اهل العقائد الباطلة غير جازمين في معتقدهم بدعوى انعدام دليل يثبت المطابقة للواقع وبدعوى ان دليل المطابقة للواقع هو الذي يسبب الجزم.
لا يصح ان يقال ذلك لان الذي يحقق الجزم هو دليل الفكرة التي ضمها الوجدان اليه، وهذا الدليل هو الذي يوجد تسليم العقل بالفكرة ، فينعقد الوجدان على الفكرة بعد تسليم العقل بها. بغض النظر عن صحة الدليل وفساده.
والقبول مرده الى الوجدان وتسليم العقل، وليس الى توهم المعتقد مطابقة معتقده للواقع لان المطابقة للواقع دليل قائم بنفسه على صدق الفكرة.ولا تحتاج المطابقة الى دليل يثبتها. بل مجرد انطباق الفكرة على الواقع دليل على صدق الفكرة ، وليست المطابقة شرطا لحدوث الجزم.
فعقيدة التثليث عند النصارى لا تطابق الواقع ويستحيل ان تطابقه، ولم يدع النصارى انفسهم انها تطابقه، ومع ذلك سلموا بها واعتقدوها، وعللوا قبولها بعدم خضوع الدين للعقل ، ثم تحيلوا لهذه الفكرة الخيالية بالفلسفة اليونانية لمدافعة حجج خصومهم.
ومثل ذلك سائر العقائد الباطلة من يهودية وبوذية وزرادشتية وغيرها.
وقد دل تسليم هؤلاء بالفكرة والتمسك بها والغضب لها وبذل الانفس والاموال والاولاد دفاعا عنها على انعقاد الوجدان عليها.
ويجدر التنبيه على ان هناك فرقا بين الفكر والايمان، وان الفكر شيء والايمان شيء آخر، فالعقل يبحث في الافكار بدراسة واقعها وقد يدركها. لكن لا يلزم من ادراكه لواقعها ان يتحول ذلك الادراك الى تصديق، لان قبول الوجدان للفكرة شرط في حصول التصديق، أي لا بد من تجاوب الوجدان مع الفكرة وارتياحه اليها حتى يضمها اليه وينعقد عليها.
فاذا لم يتجاوب الوجدان مع الفكرة ولم يرتح اليها فانه يرفضها مهما كان عمق الادراك، وذلك ان الوجدان قد يمنعه من التجاوب مانع من الموانع مثل حرص الانسان على جاهه وزعامته وخوفه من فوات مصالحه، فاذا احس الانسان بشيء من ذلك نفر من الفكرة فيكابر ويعاند مع ادراكه التام لها.
قال تعالى ( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعدوانا) وقال( قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)
وقال( انه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم ادبر واستكبر فقال ان هذا الا سحر يؤثر ان هذا الا قول البشر)
هذا هو تعريف الايمان وبيان واقعه، وهو واقع مختلف عن الاحكام الشرعية( تعريف العقيدة، عادل الشروف)
الفرق بين العقيدة والاحكام الشرعية
فالاحكام الشرعية هي خطاب الشارع المتعلق بافعال العباد، وبعبارة اخرى هي الافكار المتعلقة بفعل من افعال الانسان او بصفة من صفاته باعتبارها من افعاله. فالاجارة والبيع والربا والكفالة والوكالة والصلاة واقامة خليفة واقامة حدود الله وكون الخليفة مسلما وكون الشاهد عدلا وكون الحاكم رجلا وما شاكل ذلك تعتبر كلها من الاحكام الشرعية .
والتوحيد والرسالة والبعث وصدق الرسول وعصمة الانبياء وكون القرآن كلام الله والحساب والعذاب وما شاكل ذلك تعتبر كلها من العقيدة.
فالعقائد افكار تصدق ، والاحكام الشرعية خطاب يتعلق بفعل الانسان .
فركعتا الفجر حكم شرعي من حيث صلاتهما، والتصديق بكونهما من الله عقيدة. فالتصديق بركعتي الفجر امر حتمي وانكارهما كفر، لانهما ثبتتا بطريق التواتر.
وقطع يد السارق حكم شرعي وكون ذلك من الله والتصديق به عقيدة.
وتحريم الربا حكم شرعي والتصديق بكونه حكما من الله والتصديق به عقيدة ، وهكذا....
وعليه هناك فرق بين العقيدة والحكم الشرعي
فالعقيدة هي الايمان وهو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل والمطلوب فيه القطع واليقين
والحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلق بافعال العباد ويكفي فيه الظن.( الشخصية الجزء الاول ص 150)
ثمرة التفريق بين الايمان والعمل (العقيدة والاحكام الشرعية)
- ان العقيدة تحتاج الى دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة.، بينما الاحكام الشرعية يكتفى فيها بالدليل الطني
- ان من انكر شيئا من العقيدة كفر، بينما من ترك شيئا من الاحكام الشرعية كان عاصيا او فاسقا او ظالما لكنه لا يكفر. مثلا من جحد حكم حرمة الربا كان كافرا، ولكن من اعتقد بان الربا حرام ، لكنه مارسه وهو يشعر انه مرتكب للحرام كان آثما وليس كافرا.
قال عطا ابو الرشتة امير حزب التحرير في كتابه "التيسير في اصول التفسير" ص 48:
واما بالنسبة للافعال فان المتتبع لبيان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجد عصيانا في عمل يجعل صاحبه كافرا ، الا اذا كان في ذلك الفعل انكار للدين او لشيء منه.
فلقد صح ام بعض اصحابه وهم خير المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخطؤوا ولم يكفروا بالمعصية بل استمروا مؤمنين عدولا صادقين كما حدث مع حاطب ابن ابي بلتعة عندما ارسل لقريش رسالة يعلمهم فيها بمسير رسول الله اليهم قبل فتح مكة، وكما حدث مع ابي لبابة عندما سأله يهود عن مصيرهم لو نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشار اليهم بالذبح، كل ذلك كان خلافا لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتمان خبر فتح مكة وكتمان مصير يهود بني قريظة، ومع ذلك لم يكفرهم رسول الله بتلك المعصية بل رجا الله ان يغفر لهم بسبب اعمالهم الطيبة في بدر وغير بدر.
ثم ان عددا من المسلمين ارتكبوا معاصي زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقيمت الحدود عليهم فقطعت يد السارق وجلد ورجم الزاني ولم يعاقبوا عقوبة المرتد بل كان يصلى عليهم عند الموت ويدفنوا في مقابر المسلمين.
وعليه فالايمان يختلف عن الاحكام الشرعية ، فعدم الايمان كفر ولكن عدم القيام بالعمل فسق وعصيان ما لم يكن هناك انكار للدين او لشيء منه.
ولذلك كفر مانعوا الزكاة زمن ابي بكر لانهم انكروها وطلبوا حذفها من التكاليف عليهم ، فاعتبروا مرتدين وقوتلوا عليها. وهكذا كفر ابليس لعنه الله عندما امتنع عن السجود انكارا لصحة امر الله حيث كان يرى- لعنه الله- ان الصحيح في ذلك ان يسجد آدم له لانه خلق من نار، وآدم من طين ، ( قال ما منعك الا تسجد اذ امرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)
وفي الجملة فان من انكر العقيدة الاسلامية يكفر وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره وكل ما تفرع عنها وبني عليها وانبثق منها ما دام دليله قطعيا لا يحتمل الشك . ويعاقب من ثبت عليه ذلك عقوبة الكفر او الارتداد.
واما عدم تنفيذ الاحكام الشرعية فهو معصية يعاقب صاحبها عليها العقوبات المذكورة في الاسلام دون تكفيره الا اذا انكر أي حكم شرعي معلوم من الدين بالضرورة كاركان الاسلام وامثالها.
ويضيف..
وليس معنى عدم تكفير صاحب المعصية ان هذا تهاون او تخفيف من شأن المعصية ، بل ان المعصية امر كبير في الاسلام وصاحبها له عقوبة في الدنيا والاخرة، ولكن تكفير المسلم بدون دليل قطعي هو كبير عند الله فلا يصح تكفير مسلم باي معصية من المعاصي ما دام لا ينكر شيئا في الاسلام.
انتهى
تعريف الايمان منقول عن حزب التحرير لغرض الاطلاع
مع ملاحظة قراءة
الرد على حزب التحرير
مناقشة علمية لأهم مبادىء الحزب ورد علمي مفصل حول خبر الواحد
تأليف
الشيخ عبد الرحمن بن محمد سعيد الدمشقية
http://www.saaid.net/book/5/810.zip
قتيبة
11-12-2008, 04:52 PM
اقتباس من موضوع جلال الجهاني حول الأدلة
فإذا كان الدليل العقلي برهانياً ـ لا أدري إن كان الحداد يعرف مستويات الأدلة من برهان وجدل وخطابة وشعر وسفسطة حسب وضعها العلمي المعروف ـ فالقول بعد ذلك بأنه ليس برهانياً وأنه ينبغي أن يرجع إلى مستوى الظنية، كلام لا يمكن أن يصدر من عارف بالعلوم.
فـ 1 + 1 لا يمكن الشك في كونها تساوي 2، حتى لو ذهب إلى ذلك كل أهل الدنيا، فهم مخطئون قطعاً، لأن برهان الحس قاطع في هذه المسألة.
وكذلك مسائل العقائد وبعض مسائل الأحكام، هي قاطعة، بمعنى أن الأدلة عليها لا تقبل التشكيك ولا تدل إلى مدلول واحد، فتكتسب صفة الحق بسبب رجوعها إلى الدليل القاطع البرهاني، ولا يضر ذلك مخالفة من خالف من الناس، لأن مخالفة الدليل القطعي لا قيمة لها.
ونحن ندعي أن العقائد الإسلامي هي حق في ذاتها، ومعنى ذلك أنها مطابقة لما عليه الواقع في نفس الأمر، فما خالفها فهو خطأ قطعاً وضلال شرعاً، فما الضير في ذلك إن كان الدليل هو الذي أدى إليها؟
اللهم إلا إذا كان الحداد يريد التماس العذر للنصارى لكفرهم أو الملاحدة لجحدهم وجود الله تعالى، فيجعل الأمور نسبية!! كلا وألف كلا، وعقائد المسلمين قاطعة لا شك فيها، وكونها حقاً في نفس الأمر لا يضيره جهل الجهال بها، والعبرة بالدليل والحجة والبرهان.
هذا على المستوى النظري، لكن على المستوى التطبيقي، يمكن أن يكون جهل بعض الناس من الأحزاب والجماعات الإسلامية اليوم بسبب ضعف مستويات العلوم الشرعية لدى هؤلاء، سبباً في وصفهم الظني بالقطعية، فيبنون على ذلك أنهم يدعون ضلال غيرهم في الوقت الذي يكونون هم فيه على الخطأ، ولذلك تدعي كل طائفة أو جماعة أنها على الحق وغيرها على ضلال.
لكن سبب ذلك هو الجهل في التفريق بين القطعي وبين الظني في مفاهيم وأحكام الدين الإسلامي، وليس بسبب أن الله تعالى له الحق المطلق كما توهمه هذا الحداد!!
وأنا أوافقه تماماً على خطأ هؤلاء في مسائل يدعونها، بسبب ضعف أدلتها وعدم صحة البراهين المقامة عليها، في بعض المسائل السياسية أو الشرعية أو الاجتماعية، لكن ذلك لا يمكن أن يلغي أصول الإسلام ويسحب هذه المسائل على كل مسائل الدين؟ الذي يفعل ذلك يكون من الذين لا يعلمون كيف تنال المعارف وكيف يتم فهمها على الوجه الصحيح.
أما استشهاد الحداد بكلام سيد قطب، فهو استشهاد في غير محله، لأن كلام سيد قطب عن العقائد القاطعة في الإسلام، وعن مبادئ الإسلام العامة، التي هي مبنية على أدلة قاطعة لا تقبل الشك بحسب مبادئ المعرفة، فاستثماره لها في الكلام عن المسائل السياسية للحركات الإسلامية والجماعات الدينية في العالم الإسلامي، عبارة عن خلل فني وقع فيه نتيجة عدم تأمله فيما يكتب، أو لعله قرأ كتاب سيد قطب باللغة الإنجليزية!!
قتيبة
11-12-2008, 04:56 PM
فصل في أن ما أنزله الله على رسله هو الحق
المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية
الإجابة:
فصــل:
جماع الفرقان بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، وطريق السعادة والنجاة، وطريق الشقاوة والهلاك: أن يجعل ما بعث اللّه به رسله وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه، وبه يحصل الفرقان والهدى والعلم والإيمان، فيصدق بأنه حق وصدق، وما سواه من كلام سائر الناس يعرض عليه، فإن وافقه فهو حق، وإن خالفه فهو باطل، وإن لم يعلم هل وافقه أو خالفه لكون ذلك الكلام مجملا لا يعرف مراد صاحبه، أو قد عرف مراده ولكن لم يعرف هل جاء الرسول بتصديقه، أو تكذيبه، فإنه يمسك فلا يتكلم إلا بعلم.
والعلم ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به الرسول.
وقد يكون علم من غير الرسول، لكن في أمور دنيوية، مثل:الطب والحساب والفلاحة والتجارة.
وأما الأمور الإلهية والمعارف الدينية، فهذه العلم فيها مأخذه عن الرسول، فالرسول أعلم الخلق بها، وأرغبهم في تعريف الخلق بها، وأقدرهم على بيانها وتعريفها، فهو فوق كل أحد في العلم والقدرة والإرادة.
وهذه الثلاثة بها يتم المقصود، ومن سوى الرسول إما أن يكون في علمه بها نقص أو فساد، وإما ألا يكون له إرادة فيما علمه من ذلك، فلم يبينه إما لرغبة، وإما لرهبة، وإما لغرض آخر، وإما أن يكون بيانه ناقصاً ليس بيانه البيان عما عرفه الجنان.
وبيان الرسول على وجهين: تارة يبين الأدلة العقلية الدالة عليها، والقرآن مملوء من الأدلة العقلية والبراهين اليقينية على المعارف الإلهية والمطالب الدينية.
وتارة يخبر بها خبراً مجرداً لما قد أقامه من الآيات البينات، والدلائل اليقينيات على أنه رسول اللّه المبلغ عن اللّه، وأنه لا يقول عليه إلا الحق، وأن اللّه شهد له بذلك، وأعلم عباده وأخبرهم أنه صادق مصدوق فيما بلغه عنه، والأدلة التي بها نعلم أنه رسول اللّه كثيرة متنوعة، وهي أدلة عقلية تعلم صحتها بالعقل، وهي أيضاً شرعية سمعية، لكن الرسول بينها ودل عليها وأرشد إليها، وجميع طوائف النظار متفقون على أن القرآن اشتمل على الأدلة العقلية في المطالب الدينية، وهم يذكرون ذلك في كتبهم الأصولية، وفي كتب التفسير، وعـامة النظار أيضاً يحتجـون بالأدلـة السمعية الخبرية المجردة فـي المطـالب الدينية، فإنه إذا ثبت صدق الرسول وجب تصديقه فيما يخبر به.
والعلوم ثلاثة أقسام: منها ما لا يعلم إلا بالأدلة العقلية، وأحسن الأدلة العقلية التي بينها القرآن وأرشد إليها الرسول، فينبغي أن يعرف أن أجلَّ الأدلة العقلية وأكملها وأفضلها مأخوذ عن الرسول؛ فإن من الناس من يذهل عن هذا، فمنهم من يقدح في الدلائل العقلية مطلقاً؛ لأنه قد صار في ذهنه أنها هي الكلام المبتدع الذي أحدثه من أحدثه من المتكلمين، ومنهم من يعرض عن تدبر القرآن وطلب الدلائل اليقينية العقلية منه؛ لأنه قد صار في ذهنه أن القرآن إنما يدل بطريق الخبر فقط، فلابد أن يعلم بالعقل قبل ذلك ثبوت النبوة وصدق الخبر، حتى يستدل بعد ذلك بخبر من ثبت بالعقل صدقه، ومنها ما لا يعلمه غير الأنبياء إلا بخبر الأنبياء، وخبرهم المجرد هو دليل سمعي، مثل تفاصيل ما أخبروا به من الأمور الإلهية، والملائكة والعرش، والجنة والنار، وتفاصيل ما يؤمر به وينهى عنه.
فأما نفس إثبات الصانع ووحدانيته، وعلمه وقدرته، ومشيئته وحكمته، ورحمته ونحو ذلك فهذا لا يعلم بالأدلة العقلية، وإن كانت الأدلة والآيات التي يأتي بها الأنبياء هي أكمل الأدلة العقلية، لكن معرفة هذه ليست مقصورة على الخبر المجرد، وإن كانت أخبار الأنبياء المجردة تفيد العلم اليقيني أيضاً، فيعلم بالأدلة العقلية التي أرشدوا إليها، ويعلم بمجرد خبرهم لما علم صدقهم بالأدلة والآيات والبراهين التي دلت على صدقهم.
وقد تنازع الناس في العلم بالمعاد، وبحسن الأفعال وقبحها. فأكثر الناس يقولون: إنه يعلم بالعقل مع السمع، والقائلون بأن العقل يعلم به الحسن والقبح أكثر من القائلين بأن المعاد يعلم بالعقل، قال أبو الخطاب: هو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين، ومنهم من يقول: المعاد والحسن والقبح لا يعلم إلا بمجرد الخبر، وهو قول الأشعري وأصحابه ومن وافقهم من أتباع الأئمة كالقاضي أبي يعلي، وأبى المعالي الجويني، وأبي الوليد الباجي وغيرهم، وكلهم متفقون على أن من العلوم ما يعلم بالعقل والسمع الذي هو مجرد الخبر، مثل كون أفعال العباد مخلوقة للّه أو غير مخلوقة، وكون رؤيته ممكنة أو ممتنعة ونحو ذلك.
وكتب أصول الدين لجميع الطوائف مملوءة بالاحتجاج بالأدلة السمعية الخبرية، لكن الرازي طعن في ذلك في [المطالب العالية] قال: لأن الاستدلال بالسمع مشروط بألا يعارضه قاطع عقلي، فإذا عارضه العقلي وجب تقديمه عليه. قال: والعلم بانتفاء المعارض العقلي متعذر، وهو إنما يثبت بالسمع ما علم بالاضطرار أن الرسول أخبر به كالمعاد، وقد يظن أن هذه طريقة أئمته الواقفة في الوعيد، كالأشعري، والقاضي أبي بكر وغيرهما، وليس كذلك؛ فإن هؤلاء إنما وقفوا في أخبار الوعيد خاصة؛ لأن العموم عندهم لا يفيد القطع، أو لأنهم لا يقولون بصيغ العموم، وقد تعارضت عندهم الأدلة، وإلا فهم يثبتون الصفات الخبرية للّه، كالوجه واليد بمجرد السمع والخبر، ولم يختلف قول الأشعري في ذلك، وهو قول أئمة أصحابه، لكن أبو المعالي وأتباعه لا يثبتون الصفات الخبرية، بل فيهم من ينفيها ومنهم من يقف فيها كالرازي والآمدي، فيمكن أن يقال: قول الأشعري ينتزع من قول هؤلاء بأن يقال: لا يعرف أنهم اعتمدوا في الأصول على دليل سمعي، لكن يقال: المعاد يحتجون عليه بالقرآن والأحاديث، ولكن الرازي هو الذي سلك فيه طريق العلم الضروري أن الرسول جاء به.
وفي الحقيقة، فجميع الأدلة اليقينية توجب علماً ضرورياً، والأدلة السمعية الخبرية توجب علماً ضرورياً بأخبار الرسول، لكن منها ما تكثر أدلته كخبر الأخبار المتواترة، ويحصل به علم ضروري من غير تعيين دليل، وقد يعين الأدلة ويستدل بها، وبسط هذا له موضع آخر.
والمقصود هنا أن يؤخذ من الرسول العلوم الإلهية الدينية سمعيها وعقليها، ويجعل ما جاء به هو الأصول لدلالة الأدلة اليقينية البرهانية على أن ما قاله حق جملة وتفصيلا، فدلائل النبوة عامتها تدل على ذلك جملة، وتفاصيل الأدلة العقلية الموجودة في القرآن والحديث تدل على ذلك تفصيلا.
وأيضاً، فإن الأنبياء والرسل إنما بعثوا بتعريف هذا، فهم أعلم الناس به وأحقهم بقيامه وأولاهم بالحق فيه.
وأيضاً،فمن جرب ما يقولونه ويقوله غيرهم وجد الصواب معهم، والخطأ مع مخالفيهم، كما قال الرازي مع أنه من أعظم الناس طعناً في الأدلة السمعية، حتى ابتدع قولاً ما عرف به قائل مشهور غيره، وهو أنها لا تفيد اليقين، ومع هذا فإنه يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروى غليلا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات:{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10]، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]،واقرأ في النفي:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه:110]، قال: ومن جَرَّب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي.
وأيضاً، فمن اعتبر ما عند الطوائف الذين لم يعتصموا بتعليم الأنبياء وإرشادهم وإخبارهم وجدهم كلهم حائرين،ضالين شاكين مرتابين، أو جاهلين جهلا مركباً، فهم لا يخرجون عن المثلين اللذين في القرآن: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ } [النور:39- 40].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثالث عشر.
قتيبة
11-12-2008, 04:57 PM
فَصْـــل في بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما أنزل عليه بيان أصول الدين
المفتي: شيخ الإسلام ابن تيمية
الإجابة:
br><>في بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما أنزل عليه بيان أصول الدين وهي الأدلة العقلية الدالة على ثبوت الصانع وتوحيده، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى المعاد إمكانًا ووقوعًا.
وقد ذكرنا فيما تقدم هذا الأصل غير مرة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأدلة العقلية والسمعية التي يهتدى بها الناس إلى دينهم، وما فيه نجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وأن الذين ابتدعوا أصولًا تخالف بعض ما جاء به هي أصول دينهم، لا أصول دينه.
وهي باطلة عقلًا وسمعًا، كما قد بسط في غير موضع.
وبين أن كثيرًا من المنتسبين إلى العلم والدين قاصرون أو مقصرون في معرفة ما جاء به من الدلائل السمعية والعقلية.
فطائفة قد ابتدعت أصولًا تخالف ما جاء به من هذا وهذا.
وطائفة رأت أن ذلك بدعة فأعرضت عنه،وصاروا ينتسبون إلى السنة لسلامتهم من بدعة أولئك.
ولكن هم مع ذلك لم يتبعوا السنة على وجهها، ولا قاموا بما جاء به من الدلائل السمعية والعقلية.بل الذي يخبر به من السمعيات مما يخبر به عن ربه وعن اليوم الآخر، غايتهم أن يؤمنوا بلفظه من غير تصور لما أخبر به.
بل قــد يقولــون مع هذا إنه نفسه لم يكن يعلم معنى ما أخبر به؛ لأن ذلك عندهم هو تأويل المتشابه الذي لا يعلمـه إلا الله.
وأما الأدلة العقلية فقد لا يتصورون أنه أتى بالأصول العقلية الدالة على ما يخبر به، كالأدلة الدالة على التوحيد والصفات.
ومنهم من يقر بأنه جاء بهذا مجملًا، ولا يعرف أدلته.
بل قد يظن أن ما يستدل به كالاستدلال بخلق الإنسان على حدوث جواهره هو دليل الرسول.
وكثير من هؤلاء يعتقدون: أن في ذلك ما لا يجوز أن يعلم بالعقل كالمعاد،وحسن التوحيد والعدل والصدق، وقبح الشرك والظلم والكذب.
والقرآن يبين الأدلة العقلية الدالة على ذلك.
وينكر على من لم يستدل بها.
ويبين أنه بالعقل يعرف المعاد، وحسن عبادته وحده وحسن شكره.
وقبح الشرك، وكفر نعمه، كما قد بسطت الكلام على ذلك في مواضع.
وكثير من الناس يكون هذا في فطرته وهو ينكر تحسين العقل وتقبيحه إذا صنف في أصول الدين على طريقة النفاة الجبرية أتبــاع جهم.
وهذا موجود في عامة ما يقوله المبطلون يقولون بفطرتهم ما يناقض ما يقولونه في اعتقادهم البِدْعِى.
وقد ذكر أبو عبد الله ابن الجد الأعلى أنه سمع أبا الفرج ابن الجوزي ينشد في مجلس وعظه البيتين المعروفين:
هب البعـثُ لــم تـأتـنا رُسْلـه ** وجاحمة النار لم تُضـــرم
أليـس مـن الـواجـب المستَحَـقِ ** حياءُ العباد مــن المنْعِـم؟
فقد صرح في هذا بأنه من الواجب المستحق حياء الخلق من الخالق المنعم. وهذا تصريح بأن شكره واجب مستحق ولو لم يكن وعيد، ولا رسالة أخبرت بجزاء.
وهو يبين ثبوت الوجوب والاستحقاق وإن قدر أنه لا عذاب.
وهذا فيـه نزاع قـد ذكرناه في غير هذا الموضع، وبينا أن هذا هو الصحيح.
ونتيجة فعـل المنهي انخفاض المنزلة وسلب كثير مـن النعم التي كان فيها وإن كان لا يعاقب بالضرر.
ويبين أن الوجوب والاستحقاق يُعْلم بالبديهة.
فتارك الواجد وفاعل القبيح وإن لم يُعَذَّب بالآلام كالنار فيسلب من النعم وأسبابه ما يكون جزاءه.
وهذا جزاء من لم يشكر النعمة بل كفرها أن يسلبها.
فالشكر قيد النعم، وهو موجب للمزيد.
والكفر بعد قيام الحجة موجب للعذاب، وقبل ذلك يُنْقص النعمة ولا يزيد.
مع أنه لابد من إرسال رسول يســتحق معه النعيم أو العذاب، فإنــه مــا ثم دار إلا الجنة أو النار.
قال تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين:4 - 6]،وهذا مبسوط في مواضع.
والمقصود هنا أن بيان هذه الأصول وقع في أول ما أنزل من القرآن.
فإن أول ما أنزل من القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]، عند جماهير العلماء.
وقد قيل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، روى ذلك عن جابر.
والأول أصح.
فإن ما في حديث عائشة الذي في الصحيحين يبين أن أول ما نزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} نزلت عليه وهو في غار حراء، وأن [المدثر] نزلت بعد.
وهذا هو الذي ينبغى. فإن قوله: {اقْرَأْ} أمر بالقراءة، لا بتبليغ الرسالة، وبذلك صار نبيًا.
وقوله: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر: 2]، أمر بالإنذار، وبذلك صار رسولًا منذرًا.
ففي الصحيحين من حديث الزهرى، عن عروة، عن عائشة قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم. فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يأتى غار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك. ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء.
فجاءه الملك فقال: (اقرأ)
قال "ما أنا بقارئ"
قال "فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ"
فقلت "ما أنا بقارئ"
"فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ".
فقلت "ما أنا بقارئ"
{"فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني" فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5].
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده.
فدخل على خديجة بنت خويلد فقال "زملوني. زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع.
فقال لخديجة وأخبرها الخبر "لقد خشيت على نفسي"
فقالت له خديجة: كلا، والله، لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة.
وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرى، فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي.
فقالت له خديجة: يا بن عم، اسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة: يا بن أخى، ماذا ترى؟
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى.
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. يا ليتنى فيها جذعًا! ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجي هم؟)
قال: نعم، لم يأت أحد قط بمثل ما جئت به إلا عودى.وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفَتَر الوحي.
قال ابن شهاب الزهرى، سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن، قــال: أخبرنى جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فَتْرَة الوحي "فبينما أنا أمشى سمعت صوتًا فرفعت بصرى قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض، فجُئِثْت [جُئِثْتُ: أى ذعرت] حتى هويت إلى الأرض. فجئت أهلى فقلت: زملونى، زملونى، فزملونى."ففأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ} إلى قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر: 1 - 5].
فهذا يبين أن [المدثر] نزلت بعد تلك الفَتْرَة، وأن ذلك كان بعـد أن عاين الملك الذي جاءه بحراء أولا فكان قد رأى الملك مرتين.
وهذا يفسر حديث جابر الذي روى من طريق آخر كما أخرجاه من حديث يحيى بن أبي كثير، قال:سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن.
قال:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1].}} قلت:يقولــون: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1].
فقال أبو سلمة:سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل ما قلت،فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "جاورت بحراء، فلما قضيت جوارى هبطت فنوديت، فنظرت عن يمينى فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالى فلم أر شيئًا،ونظرت أمامى فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أر شيئًا. فرفعت رأسى فرأيت شيئًا. فأتيت خديجة فقلت: دثرونى وصبوا علىّ ماءً باردًا، فدثروني وصبوا علي ماءً باردًا. قال: فنزلت": {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1 - 3].
فهذا الحديث يوافق المتقدم، وإن [المدثر] نزلت بعد أن هبط من الجبل وهو يمشى، وبعد أن ناداه الملك حينئذ.
وقد بين في الرواية الأخرى أن هذا الملك هو الذي جاءه بحراء، وقد بينت عائشة أن {اقْرَأْ} نزلت حينئذ في غار حراء.
لكن كأنه لم يكن علم أن {اقًرأ} نزلت حينئذ، بل علم أنه رأى الملك قبل ذلك، وقد يراه ولا يسمع منه.
لكن في حديث عائشة زيادة علم، وهو أمره بقراءة {اقْرَأْ}.
وفي حديث الزهرى أنه سمى هذا [فَتْرَة الوحي]، وكذلك في حديث عائشة [فَتْرَة الوحي].
فقد يكون الزهري روى حديث جابر بالمعنى، وسمى ما بين الرؤيتين [فترة الوحي] كما بينته عائشة، وإلا فإن كان جابر سماه [فترة الوحي] فكيف يقول: إن الوحي لم يكن نزل؟
وبكل حال، فالزهري عنده حديث عروة، عن عائشة، وحديث أبي سلمة، عن جابر وهو أوسع علمًا وأحفظ من يحيى بن أبي كثير لو اختلفا.
لكن يحيى ذكر أنه سأل أبا سلمة عن الأولى، فأخبر جابر بعلمه، ولم يكن علم ما نزل قبل ذلك، وعائشة أثبتت وبينت.
والآيات آيات [اقرأ] و[المدثر] تبين ذلك، والحديثان متصادقان مع القرآن ومع دلالة العقل على أن هذا الترتيب هو المناسب.
وإذا كان أول ما أنزل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 ـ 5]، ففي الآية الأولى إثبات الخالق تعالى، وكذلك في الثانية.
وفيها وفي الثانية الدلالة على إمكان النبوة، وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
أما الأولى؛ فإنه قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، ثم قال:{خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}.
فذكر الخلق مطلقًا، ثم خص خلق الإنسان أنه خلقه من علق.
وهذا أمر معلوم لجميع الناس،كلهم يعلمون أن الإنسان يحدث في بطن أمه،وأنه يكون من علق.وهؤلاء بنو آدم.
وقوله: {الْإِنسَانَ} هو اسم جنس يتناول جميع الناس، ولم يدخل فيه آدم الذي خلق من طين.
فإن المقصود بهذه الآية بيان الدليل على الخالق تعالى، والاستدلال إنما يكون بمقدمات يعلمها المستدل.
والمقصود بيان دلالة الناس وهدايتهم، وهم كلهم يعلمون أن الناس يخلقون من العلق.
فأما خلق آدم من طين، فذاك إنما علم بخبر الأنبياء، أو بدلائل أُخر.
ولهذا ينكره طائفة من الكفار الدهرية وغيرهم الذين لا يقرون بالنبوات.
وهذا بخلاف ذكر خلقه في غير هذه السورة.
فإن ذاك ذكره لما يثبت النبوة، وهذه السورة أول ما نزل، وبها تثبت النبوة فلم يذكر فيها ما علم بالخبر، بل ذكر فيها الدليل المعلوم بالعقل والمشاهدة، والأخبار المتواترة لمن لم ير العلق.
وذكر سبحانه خلق الإنسان من العلق وهو جمع [عَلَقَة]، وهي القطعة الصغيرة من الدم؛ لأن ما قبل ذلك كان نطفة، والنطفة قد تسقط في غير الرحم كما يحتلم الإنسان، وقد تسقط في الرحم ثم يرميها الرحم قبل أن تصير عَلَقَة.
فقد صار مبدأ لخلق الإنسان، وعُلِم أنها صارت علقة ليخلق منها الإنسان.
وقد قال في سورة القيامة: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 37 - 40]، فهنا ذكرهذا على إمكان النشأة الثانية التي تكون من التراب؛ ولهذا قال في موضع آخر: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} [الحج: 5]، ففي القيامة استدل بخلقه من نطفة، فإنه معلوم لجميع الخلق.
وفي الحج ذكر خلقه من تراب، فإنه قد علم بالأدلة القطعية.
وذكر أول الخلق أدل على إمكان الإعادة.
وأما هنا، فالمقصود ذكر ما يدل على الخالق تعالى ابتداء فذكر أنه خلق الإنسان من علق، وهو من العلقة الدم، يصير مضغة، وهو قطعة لحم كاللحم الذي يمضغ بالفم، ثم تخلق فتصور، كما قال تعالى {ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ} [الحج:5] فإن الرحم قد يقذفها غير مخلقة.
فبين للناس مبدأ خلقهم، ويرون ذلك بأعينهم.
وهذا الدليل وهو خلق الإنسان من علق يشترك فيه جميع الناس.
فإن الناس هم المستدلون، وهم أنفسهم الدليل والبرهان والآية.
فالإنسان هوالدليل وهو المستدل، كما قال تعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]، وقال: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53].
وهذا كما قال في آية أخرى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35].
وهو دليل يعلمه الإنسان من نفسه، ويذكره كلما تذكر في نفسه وفيمن يراه من بنى جنسه.
فيستدل به على المبدأ والمعاد، كما قال تعالى: {وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 66-67]، وقال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 78- 79].
وكذلك قال زكريا لما تعجب من حصول ولد على الكبر فقال: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم: 8- 9]، ولم يقل: (إنه أهون عليه) كما قال في المبدأ والمعاد: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27].
وقال سبحانه {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 2]، بعد أن قال: {الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]، فأطلق الخلق الذي يتناول كل مخلوق، ثم عين خلق الإنسان فكان كلما يعلم حدوثه داخلًا في قوله: {الَّذِي خَلَق}.
َ وذكر بعد الخلق التعليم الذي هو التعليم بالقلم، وتعليم الإنسان ما لم يعلم. فخص هذا التعليم الذي يستدل به على إمكان النبوة.
ولم يقل هنا: [هدى]، فيذكر الهدى العام المتناول للإنسان وسائر الحيوان، كما قال في موضع آخر: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 1 ـ 3]، وكما قال موسى {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]؛ لأن هذا التعليم الخاص يستلزم الهدى العام، ولا ينعكس.
وهذا أقرب إلى إثبات النبوة، فإن النبوة نوع من التعليم.
وليس جعل الإنسان نبيًا بأعظم من جعله العَلَقَة إنسانًا، حيًا، عالمًا، ناطقًا، سميعًا، بصيرًا، متكلمًا، قد علم أنواع المعارف، كما أنه ليس أول الخلق بأهون عليه من إعادته.
والقادر على المبدأ كيف لا يقدر على المعاد؟ والقادر على هذا التعليم كيف لا يقدر على ذاك التعليم وهو بكل شيء عليم، ولا يحيط أحد من علمه إلا بما شاء؟
وقال سبحانه أولا: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}،فأطلق التعليم والمعلــم، فلـم يخـص نوعًا من المعلمين.
فيتناول تعليم الملائكة وغيرهم من الإنس والجـن، كمـا تنــاول الخلـق لهم كلهم.
وذكر التعليم بالقلم؛ لأنه يقتضى تعليم الخط،والخط يطابق اللفظ وهو البيان والكلام.
ثم اللفظ يدل على المعانى المعقولة التي في القلب فيدخل فيه كل علم في القلوب.
وكل شيء له حقيقة في نفسه ثابتة في الخارج عن الذهن، ثم يتصوره الذهن والقلب، ثم يعبر عنه اللسان، ثم يخطه القلم.
فله وجود عينى، وذهنى، ولفظى، ورسمى.
وجود في الأعيان، والأذهان، واللسان، والبنان.
لكن الأول هو هو، وأما الثلاث، فإنها مثال مطابق له.
فالأول هو المخلوق، والثلاثة معلمة.
فذكر الخلق والتعليم ليتناوب المراتب الأربع، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 ـ 5].
وقد تنازع الناس في الماهيات هل هي مجعولة أم لا؟ وهل ماهية كل شيء زائدة على وجوده؟ كما قد بُسِطَ هذا في غير هذا الموضع وبين الصواب في ذلك، وأنه ليس إلا ما يتصور في الذهن، ويوجد في الخارج.
فإن أريد الماهية ما يتصور في الذهن.
وبالوجود ما في الخارج، أو بالعكس، فالماهية غير الوجود إذا كان ما في الأعيان مغايرًا لما في الأذهان.
وإن أريد بالماهية ما في الذهن، أو الخارج، أو كلاهما، وكذلك بالوجود، فالذي في الخارج من الوجود هو الماهية الموجودة في الخارج وكذلك ما في الذهن من هذا هو هذا، ليس في الخارج شيئان:
وهو سبحانه علم ما في الأذهان وخلق ما في الأعيان، وكلاهما مجعول له.
لكن الذي في الخارج جعله جعلا خلقيًا.
والذي في الذهن جعله جعلا تعليميًا.
فهو الذي {خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}، وهو {الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
وقوله:{عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} يدخل فيه تعليم الملائكة الكاتبين، ويدخل فيه تعليم كتب الكتب المنزلة.
فعلم بالقلم أن يكتب كلامه الذي أنزله كالتوراة والقرآن،بل هو كتب التوراة لموسى.
وكون محمد كان نبيًا أميًا هو من تمام كون ما أتى به معجزًا خارقًا للعادة، ومن تمام بيان أن تعليمه أعظم من كل تعليم، كما قال تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48]، فغيره يعلم ما كتبه غيره، وهو علم الناس ما يكتبونه، وعلمه الله ذلك بما أوحاه إليه.
وهذا الكلام الذي أنزل عليه هو آية وبرهان على نبوته، فإنه لا يقدر عليه الإنس والجن. {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: 38]، وفي الآية الأخرى: {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [هود: 13- 14].
___________________
المجلد السادس عشر
مجموع الفتاوي لابن تيمية
قتيبة
11-12-2008, 05:03 PM
اقتباس من
مسلك القرآن الكريم في الاستدلال على وجود الله
للدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي
عميد شئون المكتبات بالجامعة
ولما كان القرآن الكريم آخر الكتب السماوية، والرسول الذي أنزل عليه هذا الكتاب خاتم الرسل، والدين الإسلامي خاتم الأديان، ولن يقبل من أحد التدين بسواه كم قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ} (آل عمران /19)، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (آل عمران /85)، كان لابد أن يشتمل هذا الكتاب على الحجج والبراهين القاطعة التي تقمع شبهة كل منحرف أو معاند في كل زمان ومكان. وكذلك كان. قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام /38). فإذا قامت للإلحاد دولة في أي عصر من العصور وأنشأت له مناهج وأعدت له مدارس لتعليم الناس الإلحاد ، وأنه لا إله والحياة مادة، وجد في القرآن الكريم الأدلة القاطعة التي تبين للعقلاء أن للمادة إلها، وأن الحياة من صنع هذا الإله {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (إبراهيم /10).
وإليك أدلة القرآن القاطعة التي تدحض شبه المنحرفين عن صراط الله المستقيم.
أدلة القرآن
أولا: دليل الخلق:
ودليل الخلق والإبداع الذي يعرضه القرآن بالأساليب المختلفة والطرق المتعددة شامل لجميع مخلوقات الله كلها، العظيم منها والحقير، وقد بين القرآن الكريم في تلك المخلوقات مظاهر قدرة الله وعظيم حكته وواسع رحمته، كما أوضح فيها أن القادر على الخلق هو الرب، وهو المعبود، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة /22)، بل إنه بقضية الخلق تحدى المشركين، الذين اتخذوا آلهة معبودة من دون الله أن يدعوا هذه الآلهة لتخلق أقل موجود وأحقره فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} (الحج /73) بل بين أنه لو سلبهم الذباب شيئا مما بأيديهم لما استطاعوا إنقاذه منه، ولو اجتمعوا له، وكفى بذلك عجزا، فقال تعالى: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج /73).
وقد تجلت آية الخلق والإبداع في أضخم مجالي الوجود، وهما خلق السماوات والأرض، وفي أعظم الظواهر الناشئة عن ذلك الخلق، كالظلمة، والنور يقول الله تعالى مادحا نفسه الكريمة على خلقه السماوات والأرض قرارا لعباده وعلى أن جعل الظلمات والنور منفعة لهم في ليلهم ونهارهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (الأنعام /1)، أي ومع هذه العناية واللطف بهم كفر به بعض عباده فجعلوا له شريكا وعدلا4.
خلق السماء:
وقد تحدث القرآن الكريم عن خلق السماء فبين أنها جرم خلقه الله تعالى وبناه ورفعه، وأنها محكمة في صنعها ليس فيها خلل ولا تصدع مرفوعة بأمر خالقها محفوظة بقدرته، وأنها آية من آيات الله الكبرى المعروضة على الأنظار المصاحبة للواقع المشهود للنظر فيها بعين البصيرة لا بالبصر المجرد، حتى يأخذ المخاطب منها الدليل على وجود خالقها ومتقن صنعها، يقول تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} (ق/6)، ويقول تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ, الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران /190,191)، فتأملهم في خلق السماوات والأرض وما اشتملتا عليه من آيات دالة على قدرة موجدها، أدى ثمرته المطلوبة كما رسمته الآية الكريمة إذ رتبت النتائج على مقدمات التفكر دون فاصل بينهما، فتفكرهم دعاهم إلى ذكره تعالى في كل حالة من حالاتهم، قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ما علموا أن هذه المخلوقات لا يمكن أن توجد عبثا، {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً}
مسلك القرآن الكريم في الاستدلال على وجود الله
للدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي
عميد شئون المكتبات بالجامعة
http://www.iu.edu.sa/Magazine/53/5.htm
قتيبة
11-12-2008, 05:13 PM
الإسلام والعقل / رد آخر للشيخ القرضاوي علي البابا
التاريخ: الخميس 09 نوفمبر 2006
الموضوع: يوسف القرضاوي
الشيخ يوسف القرضاوي
ركَّز بابا الفاتيكان في محاضرته على قضية العقل وصلته بالإيمان، أو الإيمان وصلته بالعقل، واعتبر الديانة النصرانية ديانة قائمة على العقل! ولهذا رفضت العنف، بخلاف الإسلام، الذي اعتبر الجهاد فريضة. وهو يرى ذلك أمرا ضدَّ العقل، وهو ينافي (الطبيعة الإلهية)، التي تتنافى مع كل عمل يقوم على استخدام القوة مع الآخرين.
العقل بين القرآن والكتاب المقدس:
هل صحيح أن النصرانية تُعنى في عقائدها برعاية العقل، وترفض كل ما يخالفه؟
وهل صحيح أن الإسلام لا يُعنى بأمر العقل، ولا يبالي أن يناقضه في عقائده؟
الحقيقة: أن الردَّ على هذين السؤالين كليهما بالنفي. بل العكس هو الصحيح، بل الصواب الذي تثبتُهُ كلُّ البراهين من داخل الدينين ونصوصهما ومصادرهما، ومن خلال موقف كل منهما مع العقل والعلم في التاريخ.
مَن يقرأ الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد: فلا يكاد تمرُّ به هذه الكلمات: عقل يعقِل، وتفكَّر يتفكَّر، ونظر ينظُر، وكلمات: البُرهان والحجَّة والبيِّنة، والحِكمة والفقه، والعلم والتدبُّر، والألباب والنُّهي، وأمثالها.
وهذه الكلمات شائعة في القرآن الكريم في سُوره المكيَّة والمدنيَّة، وقد ألَّفتُ كتابا سميتُه: (العقل والعلم في القرآن الكريم)[1]، بيَّنتُ فيه موقف القرآن من العقل والعلم، وهو أمر في غاية الوضوح. وهو ما جعل كاتبا عربيا مدنيا كبيرا مثل الأستاذ عباس العقاد، يؤلِّف كتابا عنوانه: (التفكير فريضة إسلامية).
إن المحقِّقين من علماء الإسلام مثل: الباقلاني والإسفراييني والجُويني والغزالي والرَّازي والآمدي، وغيرهم: جعلوا العقل أساس النقل، ولو انتفى العقل لانهدم النقل. أي انتفى ثبوت الوحي والنبوة، لأن النبوة لم تثبُت إلا بالعقل، إذ يستحيل أن تثبُت بالنقل، وإلا لزم الدور.
ويُعبِّر الإمام الغزالي عن ذلك بأن العقل هو الذي يثبتُ النقل، وبعد ذلك (يعزل العقل نفسه) ليتلقَّى من الوحي الإلهي، قائلا لكلِّ ما يأمره به أو ينهاه عنه: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285].
ويُقرِّر المحقِّقون من العلماء: أن إيمان المُقلد غير مقبول، ولا يُحقِّق له النجاة عند الله والخلاص في الآخرة، بل يجب أن يؤمن عن طريق الدليل، ولو كان إجماليا، وغير مُرتَّب ترتيبا منطقيا. قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64]، {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام:143]. كما قال صاحب الجوهرة في علم التوحيد:
إذ كلُ مَن قلَّد في التوحيد إيمانُه لم يخلُ من ترديد
وهذا بخلاف الإيمان في النصرانية، فهو قائم على الوُجدان لا على البُرهان، وعلى التسليم لا على التفكير، ولهذا شاع عندهم قولهم: آمن ثم اعلم! اعتقد وأنت أعمى! أغمض عينيك ثم اتبعني!
الإمام محمد عبده يردُّ على فرح أنطون:
وقد ثارت قضية مُشابهة من بعض الوجوه، لقضية البابا في عصر الشيخ الإمام محمد عبده، أثارها الكاتب اللبناني فرح أنطون في (مجلة الجامعة)، التي كان يُصدرها، وزعم فيها أن النصرانية بما فيها من التسامح تتََّسع للعلم والفلسفة بما لا يتَّسع له صدر الإسلام، الذي يجمع بين السُلطتين الرُّوحية والزمنية في صورة قيادة واحدة.
وردَّ عليه الأستاذ الإمام بمقالات علمية فكرية موضوعية موفَّقة، بقلمه البليغ، وبعقله الكبير، وبثقافته الرَّحبة، فأبطل حُجَّته، وأسقط دعواه[2]، وبيَّن بما لا يَدَع مجالا للشك: أن الإسلام بأصوله القطعية هو الذي يتَّسع حقًّا للعلوم والفلسفات، وهو الذي أقام العلم والمدنية، ووسِع الفلسفة، ولم يعرف تاريخه صراعا بين العلم والدين، كما عرَفته أوربا المسيحية. وقد صدر بعد ذلك في كتاب بعنوان: (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية) نشرته (المنار) وطبع عدة مرات، بتعليق تلميذه العلامة محمد رشيد رضا.
ولا بأس هنا أن نقتبس بعض ما قاله الشيخ الإمام رحمه الله، وهو يتحدث عن أصول الإسلام، قال:
الأصل الأول للإسلام: النظر العقلي لتحصيل الإيمان:
(فأول أساس وضع عليه الإسلام هو النظر العقلي. والنظر عنده: هو وسيلة الإيمان الصحيح، فقد أقامك معه على سبيل الحُجَّة وقاضاك إلى العقل، ومَن قاضاك إلى حاكم فقد أذعن إلى سلطته، فكيف يمكنه بعد ذلك أن يجور أو يثور عليه؟
بلغ هذا الأصل بالمسلمين أن قال قائلون من أهل السنة: إن الذي يستقصي جهده في الوصول إلى الحقِّ، ثم لم يصل إليه ومات طالبًا غير واقف عند الظنِّ، فهو ناج. فأي سَعة لا ينظر إليها الحَرج أكمل من هذه السعة؟
الأصل الثاني للإسلام: تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض:
أُسرع إليك بذكر أصل يتبع هذا الأصل المتقدِّم قبل أن أنتقل إلى غيره: اتفق أهل المِلَّة الإسلامية إلا قليلاً ممَّن لا يُنظَرُ إليه: على أنه إذا تعارض العقل والنقل[3]، أُخِذَ بما دلَّ عليه العقل، وبقي في النقل طريقان:
طريق التسليم بصحة المنقول، مع الاعتراف بالعجز عن فهمه، وتفويض الأمر إلى الله في علمه.
والطريق الثانية: تأويل النقل مع المحافظة على قوانين اللغة[4]، حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل.
وبهذا الأصل الذي قام على الكتاب وصحيح السنة وعمل النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، مُهِّدَتْ بين يدي العقل كل سبيل، وأُزِيلَتْ من سبيله جميع العقبات، واتَّسع له المجال إلى غير حدٍّ، فماذا عساه يبلغ نظر الفيلسوف حتى يذهب إلى ما هو أبعد من هذا؟ وأي فضاء يسَع أهل النظر وطلاب العلوم إن لم يسَعهم هذا الفضاء؟ إن لم يكن في هذا مُتَّسع لهم فلا وسعتهم أرض بجبالها ووهادها، ولا سماء بأجرامها وأبعادها!!
أصل ثالث من أصول الأحكام في الإسلام: البعد عن التكفير:
هلاَّ ذهبت من هذين الأصلين إلى ما اشتهر بين المسلمين وعُرف من قواعد أحكام دينهم، وهو: إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمِلَ على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر.
فهل رأيت تسامحًا مع أقوال الفلاسفة والحكماء أوسع من هذا؟ وهل يليق بالحكيم أن يكون من الحُمق بحيث يقول قولاً لا يحتمل الإيمان من وجه واحد من مائة وجه؟ إذا بلغ به الحمق هذا المبلغ، كان الأجدر به أن يذوق حُكم محكمة التفتيش البابويَّة، ويُؤخذ بيديه ورجليه فيُلقى في النار.
أصل رابع في الإسلام: الاعتبار بسنن الله في الخلق:
يتبع ذلك الأصل الأول في الاعتقاد - وهو أن لا يعول بعد الأنبياء في الدعوة إلى الحق على غير الدليل، وأن لا ينظر إلى العجائب والغرائب وخوارق العادات - أصل آخر وضع لتقويم ملكات الأنفس القائمة على طريق الإسلام وإصلاح أعمالها في معاشها ومعادها، ذلك هو أصل: العبرة بسُنة الله فيمَن مضى ومَن حضر من البشر، وفي آثار سيرهم فيهم.
فممَّا جاء في الكتاب العزيز مُقرِّرًا لهذا الأصل: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ} [آل عمران:137]، {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} [الإسراء:77]، {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِــــــينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِـــدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:43]، {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم} [الروم:9]، إلخ .
في هذا يُصرِّح الكتاب أن لله في الأُمم والأكوان سُننًا لا تتبدَّل، والسُّنن: الطرائق الثابتة التي تجري عليها الشؤون وعلى حَسَبِهَا تكون الآثار. وهي التي تسمى شرائع أو نواميس ويُعبَّر عنها بالقوانين، ما لنا ولاختلاف العبارات؟ والذي ينادي به الكُتَّاب، أن نظام الجمعية البشرية وما يحدث فيها هو نظام واحد لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، وعلى مَن يطلب السعادة في هذا الاجتماع: أن ينظر في أصول هذا النظام حتى يردَّ إليها أعماله، ويبني عليها سيرته، وما يأخذ به نفسه. فإن غفل عن ذلك غافل، فلا ينتظرنَّ إلا الشقاء، وإن ارتفع إلى الصالحين نسبُه، أو اتصلَّ بالمُقربين سببُه. فمهما بحث الناظر وفكَّر وكشف وقرَّر، أتى لنا بأحكام تلك السُّنن، فهو يجري مع طبيعة الدين، وطبيعة الدين لا تتجافى عنه، ولا تنفر منه، فَلِمَ لا يعظم تسامحها معه؟)[5] اهـ.
وذكر الأستاذ الإمام أصلين آخرين من أصول الإسلام، هما: الأول: نفي السلطة الكهنوتية المتحكمة في ضمائر الناس. والآخر: الجمع بين الدين والدنيا.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- نشر مكتبة وهبة في مصر، ومؤسسة الرسالة في بيروت، وطبع عدة مرات.
[2] - كما ردَّ على رينان في محاضرته في السوربون عن (الإسلام والعلم)، وأن الإسلام لا يشجع الجهود العلمية! الخ. كما ردَّ على المستشرق الفرنسي (هانوتو) بمقالاته الشهيرة. وقد أشرنا إلى ذلك من قبل.
[3]- يعني إذا تعارض الدليل العقلي القطعي مع ظاهر النقل غير القطعي الثبوت والدلالة – كما صرَّح به العنوان - يؤخذ بالدليل العقلي القطعي إلخ، وخرج بالقطعي: النظريات العقلية غير القطعية، كأكثر نظريات الفلاسفة والمتكلمين، فهذه لا تُقدَّم على ظاهر النقل الصحيح، وإن لم يكن قطعي الدلالة. (فإن قيل): وما تقولون في تعارض الدليلين القطعيين من العقل والشرع، وأيهما تقدمون؟ ما يقوله علماء الإسلام كافة: إن القطعيين لا يتعارضان، وإن صحيح المنقول في الإسلام موافق دائما لصريح المعقول، ففرض التعارض بينهما باطل.
[4]- خرج بهذا القيد: تأويلات الباطنية وغُلاة الصوفية وأمثالهم، والتأويل طريق الخَلَف، والتفويض طريق السَّلَف، ولكن لا كما قال الأستاذ، بل مذهبهم إمرار النصوص على ظاهرها بلا تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل، فنقول: استوى على العرش، لا كاستوائنا، كما أن علمه ليس كعلمنا، وكذا قُدرته إلخ. رشيد رضا. وأقول: التفويض هو مذهب أكثر السلف، والإثبات مع نفي التشبيه هو مذهب كثيرين أيضا، وهو الذي اختاره ابن تيمية.
[5]- الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية للإمام محمد عبده صـ51 - 55 طبعة دار المنار الثامنة 1373هـ.
http://www.burhanukum.com/modules.php?name=News&file=print&sid=247
==================
الشيخ يوسف القرضاوي
ردا علي بابا الفاتيكان
كانت عَلاقة الإيمان بالعقل، وعَلاقة العقل بالعنف: أهم ما شغل البابا في محاضرته في الجامعة الألمانية، التي كان يدرِّس فيها من قبل.
ويُعلِّق البابا بنديكت على ما نقله عن الإمبراطور البيزنطي الأرثوذكسي في محاوراته للمسلم الفارسي، فيقول:
(الجملة الحاسمة في تلك المحاورة ضدَّ الإكراه على الإيمان هي: (ألا يتصرَّف الإنسان وفقا للعقل هو أمر مخالف لطبيعة الرب). ويلاحظ المُحرِّر ثيودور خوري أنه بالنسبة للإمبراطور البيزنطي المُثقَّف بالفلسفة اليونانية هذه الجملة لا تحتاج إلى إثبات، لأنها دليل بنفسها. لكن بالنسبة للتعاليم الإسلامية: الله لا شأن له إطلاقا بالعقل (فوق العقل، يتجاوزه، لا يُقارن به). إرادته لا يحدُّها أي من معاييرنا بما في ذلك المعقولية. وينقل خوري هنا من عالم الإسلاميات الفرنسي أرنالدز: ما ينقله الأخير عن ابن حزم: من أن الله ليس مُلزما حتى بكلماته، وليس هناك ما يُلزمه أن يُوحي بالحقيقة. لو كانت تلك إرادة الله: أن نعبد الأصنام، لفعلنا! (انتهى كلام ابن حزم بحسب النقل الفرنسي عنه)).
وقفات تأملية مع ما نقله البابا
ولنا عدَّة وقفات مع هذه الفقرة، التي اعتمد فيها البابا على عالم اللاهوت الألماني اللبناني الأصل ثيودور خوري.
الوقفة الأولى مع البابا:
الوقفة الأولى مع جملة: (ألا يتصرف الإنسان وفقا للعقل، هو أمر مخالف لطبيعة (جوهر) الرب) ما مدلول هذه الجملة؟ ما معنى (مخالف لطبيعة الرب)؟ لو قال: مخالف لإرادة الرب، أي لما يُحبُّه الرب ويرضاه من خَلقه، أو مُخالف لأمر الرب الذي بلَّغه الأنبياء عنه إلى عباده ... لو قال شيئا من ذلك لكان مفهوما. ولكنه قال: مخالف لطبيعته أو جوهره، وكيف يستطيع المخلوق أن يخالف طبيعة الخالق؟
والعجيب أن خوري الناقل عن الإمبراطور: ذكر أن هذه الجملة لدى الإمبراطور الذي امتزجت تعاليمه النصرانية بالفلسفة اليونانية: لا تحتاج إلى إثبات، لأنها دليل بنفسها!
وقد عرَف المسلمون الفلسفة اليونانية، وتعمَّقوا فيها، وبلغوا فيها مبلغا عظيما، وسيطرت على عقول فئة منهم، هم فئة (الفلاسفة) الذين يطلق عليهم مؤرخو الفلسفة: اسم (المدرسة المشَّائية الإسلامية)[1]، التي تشمل الكِندي والفارابي وابن سينا، ومَن سار في دربهم. وكانت مهمَّتهم الأولى تتلخَّص في التوفيق بين الدين والفلسفة، أو بين الشريعة والحكمة.
وقد اصطدم المتكلمون والفقهاء بالفلاسفة، ونقدهم حُجَّة الإسلام الغزالي في كتابه الشهير (تهافت الفلاسفة) وخطَّأهم في سبع عشرة مسألة، وكفَّرهم في ثلاثة. كما نقدهم بعد ذلك ابن تيمية وغيره. ودافع عنهم العلامة ابن رشد في كتابه (تهافت التهافت).
ومن المعروف أن الفلسفة اليونانية، تشتمل على ألوان كثيرة، تتنوَّع وربما تتناقض من الفكر، فهناك الشاكُّون والمُشكِّكون من السوفسطائية ومَن تبعهم، وهناك الجاحدون المادِّيون الذين لا يؤمنون بالألوهية، وهناك الوثنيون الذين يؤمنون بآلهة اليونان المختلفة، وهناك المؤلِّهون، الذين يُثبتون الإله، مثل الفلاسفة الكبار: سقراط وأفلاطون وأرسطو.
ولكن تأليه هؤلاء ليس تأليها خالصا كالذي جاءت به الرسالات السماوية، حتى إن أرسطو، يعلم الدارسون أن إلهه لا يُحرِّك في الكون ساكنا، ولا يعلم عنه شيئا، فليس هو عِلَّة فاعلة في الكون، بل عِلَّة غائية، يتحرَّك الكون شوقا إليه. ولذا قال مؤرخ الفلسفة ول ديورانت في كتابه (مباهج الفلسفة): يا لإله أرسطو من إله مسكين! إنه مثل ملك الإنجليز، يملك ولا يحكم، لأنه لا يُدبّر في هذا العالم أمرا. وإله أرسطو لا يعلم شيئا إلا ذاته، وأشدُّ منه في ذلك (أفلوطين) الذي قال: إن الإله لا يعلم شيئا حتى ذاته!!
فيا تُرى ماذا عند الإمبراطور من العناصر الإيجابية التي تُثبت فكرة الألوهية مما اكتسبه من الفلسفة الإغريقية! وقد ذكر البابا في محاضرته بعد ذلك مواقف رجال النصرانية من الفلسفة اليونانية، واختلافهم حولها إلى ثلاث فئات.
الوقفة الثانية مع البابا:
والوقفة الثانية عند قول البابا: نقلا عن خوري: لكن بالنسبة للتعاليم الإسلامية: الله لا شأن له إطلاقا بالعقل، (فوق العقل، يتجاوزه، لا يقارن به)، مشيئة الله لا يحدُّها أي من معاييرنا بما في ذلك المعقولية!
هل هذا الكلام صحيح؟ الجواب: لا، بل لا صحَّة لهذا الكلام بالمرَّة. فعلم الكلام الإسلامي (الذي يختصُّ بالبحث في العقيدة) سواء عند المعتزلة أم الأشاعرة أم الماتريدية: علم قائم على العقل، والعقل وحده. ولا يُدخلون فيه النقل إلا استئناسا، وخصوصا في باب السمعيات. أما الإلهيات والنبوات فإن الأساس فيها المنطق العقلي، والدليل المُعتمد فيها هو الدليل العقلي.
ومَن قرأ كتب علم الكلام الشهيرة، مثل (المواقف) للإيجي، وشرحها للشريف الجرجاني، و(المقاصد) وشرحها لسعد الدين التفتازاني، و(الطوالع) للبيضاوي: عرَف حقيقة ما نقول.
فدعوى أن (الله) في التعاليم الإسلامية: لا شأن له بالعقل: دعوى مرفوضة. بل ما يرفضه العقل من صفات الله لا يثبت لله سبحانه، حتى لو جاءت به نصوص من القرآن والسنة، لا بدَّ أن تؤول تأويلا يُخرجها عن ظاهرها، حتى تتَّفق مع العقل، وهذا أمر متفق عليه بين المعتزلة وأهل السنة من الأشاعرة والماتريدية ومَن وافقهما.
وهذا سرُّ المعركة الدائرة بين السَّلَف والخَلَف فيما يُسمَّى بقضية (آيات الصفات) و(أحاديث الصفات) مما يُثبت لله تعالى ما يُشبِّهه بالمخلوقات مثل الوجه واليدين والقدمين والأصابع والأنامل، والنزول والصعود، ونحوها. مع أن مثل هذه العبارات منتشرة في التوراة، وخصوصا سفر التكوين، وهم يأخذونها على ظاهرها، تشبيها للخالق بخلقه، وهو ما يرفضه العقل المسلم، باتفاق السلف والخلف. ويعتبره كفرا ومُروقا من الدين ولهذا يضلِّل الجميع (المشبِّهة، والمجسِّمة) بل يكفِّرونهم إذا لم يكن لهم تأويل تسيغه اللغة. فالله تعالى في الإسلام: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الاخلاص:4].
والمسلمون يقفون من هذه النصوص مواقف ثلاثة:
السكوت عنها، وتفويض علمها إلى الله تعالى.
إثباتها لله تعالى مع نفي التشبيه والتمثيل، فيقال: لله يد ليست كأيدينا، وعين ليست كأعيننا.
تأويلها على ما تقتضيه اللغة من المجاز والكناية وغيره، فيقال في قوله: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}: كناية عن البخل، ونحو ذلك[2].
والقول بأن مشيئة الله في التعاليم الإسلامية، لا يحدُّها شيء، ولا أي معيار من معايرنا، بما في ذلك (المعقولية): قول مرفوض، فمشيئة الله تعالى وقُدرته وعلمه وحياته وسمعه وبصره، وكل صفاته لا يجوز أن تخرج عن حدود العقل.
ولكن أي عقل؟ نحن هنا نعني بالعقل: العقل المنطقي العام، لا العقل المُتحيِّز لثقافة معينة، أو المُتشبِّع بفكرة رسخت فيه عن طريق التقليد، أو عن طريق الظن والتخمين، فهذا ليس هو العقل الذي يحتكم إليه العالم المسلم، بل المراد هنا: العقل الحُر، الذي يبني مسلَّماته على أدلة قطعية، لا يتطرَّق إليها خلل منطقي، أو رِيبة في مُقدماتها. فهذا وحده هو الذي يعتمد عليه في ساحة العقائد، التي ترفض الظن في موضع اليقين، فقد عاب القرآن على المشركين بقوله: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [لنجم:28].
وقد صنَّف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابا نشر في عشرة مجلدات، لبيان قضية جوهرية واحدة، وهي: (درء تعارض العقل والنقل) وقد يذكر أحيانا تحت عنوان:(موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول) وبيَّن في هذا الكتاب الكبير العميق: أن العقل المراد ليس هو العقل التابع لفلسفة اليونان، المسلِّم بكل مقولاتها، التي يعتبرها أصلا، وما عداها تبعا؛ بل المقصود العقل المجرَّد من ضغط المواريث والأهواء والتبعية لأفكار الآخرين.
وما قاله ابن تيمية مسلَّم ومقبول لدى علماء الإسلام بصفة عامة، من جميع المذهب والمدارس والاتجاهات.
والذي نقرِّره بوضوح: أن مشيئة الله وإرادته في التعاليم الإسلامية مُقيَّدة بحِكمته سبحانه، فلا تنفصل المشيئة بحال عن الحكمة، فلا يريد الله سبحانه شيئا يُخالف حكمته في خَلقه، أو حكمته في أمره، لأن من أسماء الله تعالى الثابتة له: الحكيم، وقد ورد في القرآن عشرات المرات، فهو حكيم فيما خلق، وحكيم فيما شرع، لا يخلق شيئا باطلا، ولا يشرع شيئا عبثا.
ولذلك لا يشاء لخَلقه إلا ما فيه خيرهم وصلاحهم، ولا يشاء شرًّا مُطلقا لهم، بل يشاء من الشرِّ الجزئي ما هو من لوازم الخير. ولذا جاء في مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لربه: "الخير بين يديك، والشرُّ ليس إليك"[3].
حتى إن طائفة المعتزلة من أوائل المتكلمين المسلمين: قالوا: إن فعل الصلاح والأصلح واجب على الله تعالى.
وأهل السنة لا يجرؤون على أن يقولوا: إن هناك شيئا واجبا على الله. وإن كان مُحقِّقوهم يقولون: إنه لا يفعل إلا ما فيه الخير والصلاح لخَلقه، لأنه بَرٌّ كريم، ورحمان رحيم، لا يبخل عن خير لعباده، {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة:143].
الوقفة الثالثة مع البابا:
والوقفة الثالثة: لمناقشة ما نقله عالم الإسلاميات المستشرق الفرنسي (أرنالدز) عن ابن حزم[4] حيث أنه لم يُفهم حقَّ الفَهم، ولم يُوضع في موضعه الصحيح. فابن حزم يرفض مبدأ (الحسن والقبيح العقليين) الذي تبنَّاه المعتزلة، وينفي أن في الأشياء حُسنا ذاتيا اقتضى الأمر الشرعي بها، كما أن فيها قُبحا ذاتيا اقتضى نهي الشرع عنها. بل الحُسن والقُبح يأتي للأشياء من أمر الشرع بها، ونهيه عنها.
فالحَسَن ما حسَّنه الشرع، والقبيح ما قبَّحه الشرع. ولو أن الشرع جاءنا بعكس ما جاءنا به لكان هو المطلوب منا.
فلو أن الشرع أمرنا بالشرك وعبادة الأوثان، لكان ذلك عند ابن حزم حسنا، ما دام الله تعالى قد أمر به، ولو أنه نهانا عن التوحيد، لكان قبيحا، لأن الله نهانا عنه.
وذلك أن ابن حزم ظاهري النَّزعة، يُنكر التعليل للأحكام، ويرفض إثبات الحكمة لها، ولهذا ينفي القياس في الفقه ولا يُثبته.
ولكن مذهب ابن حزم وفقهه، لا يُوافق عليه جمهرة علماء الأمة الإسلامية، وليس هو الفكر الذي ساد المدارس الإسلامية، ووجَّه الثقافة الإسلامية، بل هو فكر مرفوض من معظم الطوائف الإسلامية.
وممَّن ردَّ على هذا المنطق الأعوج، والفهم الأعرج: شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم، فضلا عن المعتزلة وسائر علماء الماتريدية.
حتى الذين يقولون من الأشاعرة: الحَسَن ما حسَّنه الشرع، والقبيح ما قبَّحه الشرع. لا يصلون إلى الحدِّ الذي وصل إليه ابن حزم.
ولن أجد أبلغ ولا أوضح من كلام شيخنا العلاَّمة الدكتور محمد عبد الله دراز في توضيح هذه القضية، إذ قال في كتابه (كلمات في مبادئ علم الأخلاق) وقد درَّسه لنا في تخصص التدريس بالأزهر، وذلك حين قرَّر أن الإسلام يرجع إلى العقل والفِطرة في الحُكم الخُلُقي أو الإلزام الخُلُقي قبل ورود الشرع، وفي أثناء نزول الشرع، وبعد انتهائه. ويُدلِّل على ذلك بالنصوص من القرآن والحديث، ثم يقول متسائلا: (وبعد فما لي أراك ها هنا في شيء من الدهشة والاضطراب، كأنك تخشى أن نكون في هذه القضية قد أقدمنا على أمر خطير؟ لعلك سمعتَ بعض أهل العلم يقولون: إن تحكيم العقول في حُسن الأفعال وقُبحها إنما هو مقالة أهل الاعتزال، وإن أهل السنة لا يرون للأفعال في نفسها حُسنا ولا قُبحا، وإنما الحَسَن ما أمر به الشرع، والقبيح ما قبَّحه الشرع!
ألا فاعلم أنه ليس في الدنيا عاقل: أشعري ولا معتزلي ولا غيرهما، يُنكر ما منحه الله للإنسان من مَلَكَة التمييز بين الأفعال، والحُكم عليها بالحُسن أو القُبح، بمعنى أن بعضها يُعدُّ صفة كمال، وبعضها يُعدُّ صفة نقص، أو أن بعضها يقبله الطبع المستقيم، وبعضها يمجُّه الذوق السليم، أو أن بعضها يُمدح فاعله، وبعضها يُذمُّ مرتكبه ... فذلك كلُّه مما لا جدال فيه.
وأما الجدل الذي سمعتَ خبره بين الأشاعرة والمعتزلة كان في شأن آخر: وهو أن هذه الأحكام التي تُصدرها عقولنا، هل نجزم بمطابقتها للواقع وبأنها هي حُكم الله في نفس الأمر؟ وهل نعتقد أن الله كلَّفنا باتباعها، وسيحاسبنا عليها، ويجزينا بها مثوبة أو عقوبة، من قبل أن يُرسل بها رسولا من عنده، أو يُنزل إلينا بها كتابا نقرؤه؟ أم أننا ينبغي لنا ألا نتخذَّ أحكامنا مرآة صادقة لأحكام الله، ولا نجترئ على القول بأنها مقياس أمره ونهيه، إلا أن يبعث إلينا من عنده، من يُقرُّنا عليهما، ويُلزمنا بقضيتهما[5]؟) اهـ.
وهذا ما قرَّره العلاَّمة سعد الدين التفتازاني، المُتكلم الأُصولي البلاغي الشهير في كتابه (شرح المقاصد) أي مقاصد الطالبين في أصول الدين. قال رحمه الله:
(قد اشتهر أن الحُسن والقُبح عندنا شرعيان، وعند المعتزلة عقليان. وليس النزاع في الحُسن والقُبح بمعنى صفة الكمال والنقص، كالعلم والجهل. وبمعنى الملاءمة للغرض وعدمها، كالعدل والظلم. وبالجملة كل ما يستحقُّ المدح أو الذمَّ في نظر العقول، ومجاري العادات، فإن ذلك يُدرك بالعقل، وَرَدَ الشرع أم لا.
وإنما النزاع في الحُسن والقُبح عند الله تعالى، بمعنى استحقاق فاعله - في حُكم الله تعالى - المدح أو الذمَّ عاجلا، والثواب والعقاب آجلا.
ومبنى التعرُّض للثواب والعقاب على أن الكلام في أفعال العباد، فعندنا ذلك بمُجرَّد الشرع، بمعنى أن العقل لا يحكم بأن الفعل حَسَن أو قبيح في حُكم الله تعالى، بل ما ورد الأمر به فهو حَسَن، وما ورد النهي عنه فقبيح، من غير أن يكون للعقل جهة مُحسِّنة أو مُقبِّحة في ذاته، ولا بحسب جهاته واعتباراته. حتى لو أمر بما نهى عنه صار حَسَنا وبالعكس.
وعندهم للفعل جهة مُحسِّنة أو مُقبِّحة في حُكم الله تعالى، يُدركها العقل:
بالضرورة، كحُسن الصدق النافع، وقُبح الكذب الضار.
أو بالنظر، كحُسن الكذب النافع، وقُبح الصدق الضار.
أو بوُرود الشرع، كحُسن صوم يوم عرفة، وقُبح صوم يوم العيد.
فإن قيل فأي فرق بين المذهبين في هذا القسم؟
قلنا: الأمر والنهي عندنا من مُوجبات الحُسن والقُبح، بمعنى أن الفعل أُمر به فحُسن ونُهي عنه فقُبح. وعندهم من مقتضياته، بمعنى أنه حسُن فأُمر به، أو قبُح فنُهى عنه، فالأمر والنهي إذا ورد كشفا عن حُسن وقُبح سابقين حاصلين للفعل لذاته أو لجهاته)[6].
-------------------------------------------------------
[1]- لأن معلمهم الأول: أرسطو، وهو مؤسس المدرسة المشائية اليونانية، وسمِّيت كذلك، لأنه كان يدرس طلابه وهو يمشي في الحديقة!
[2]- للمزيد راجع ما ذكرناه حول هذا الموضوع في كتابنا: (فصول في العقيدة بين السلف والخلف) طبعة مكتبة وهبة القاهرة.
[3]- جزء من حديث رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (771)، وأحمد في المسند (803)، وأبو داود في الصلاة (744)، والترمذي في الصلاة (266)، والنسائي في الافتتاح (897)، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها (864)، عن علي، ونصه: "... والخير كله في يديك والشر ليس إليك ...".
[4]- انظر: كلام ابن حزم بنصه ملحق (2).
[5]- انظر: كلمات في مبادئ علم الأخلاق.
[6]- شرح المقاصد للتفتازاني صـ148، 149.
http://www.burhanukum.com/modules.php?name=News&file=article&sid=242
قتيبة
11-12-2008, 05:15 PM
موقف العقل" للشيخ مصطفى صبري
تتوزّع آثاره العلمية على العديد من أنواع التأليف؛ ففيها الكتاب الجامع وفيها الكتاب البسيط ومنها أيضا المقالات المتخصصة. وقد ألّف باللغتَين العربية والعثمانية (التركية القديمة). وأهم كتبه: النكير على منكري النعمة من الخلافة والأمة، موقف البشر تحت سلطان القدر، قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب، القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون بالغيب، موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين.
تضمن كتاب "موقف العقل" زبدة أفكاره وآرائه السياسية والعلمية. فهو كتاب غني بالمطارحات الفكرية المتنوعة حيث تجد المناقشات الفلسفية العالية والكلامية الدقيقة والسياسية في جانبيها النظري والعملي. والكتاب من عنوانه يدل على أن الغرض الأصلي منه هو الدفاع عن عقيدة الإسلام. والقيام بهذا العمل فرض عليه الحديث المسهب عن كثير من القضايا حيث أنه:
• كشَف المؤامرات التي تعرّض لها الإسلام من زاويتي التحدي بالسلاح من خلال هجمات الغربيين، والتحدي الفكري العقدي الذي تقوده قوى الإلحاد والفجور، فعمل بهذه المطارحات على مجابهة الفريقين.
• بيّن في كتابه قيمة الدليل العقلي مقارنة مع الأدلة التي استند إليها المثقفون الغربيون أو المتغربون. فبرهن بأن الدليل العقلي أيقن من الدليل التجريبي، ويعد النقاش في هذه المسألة تأريخا لوجودها في البيئة الإسلامية المعاصرة.
• ناقش أدلة فلاسفة الغربيين على وجود الله، كما ردّ شبه النافين من الملاحدة. وهذا الجهد يدل على إحاطته بالفكر والفلسفة الغربيين عامة بخلاف ما ذهب إليه بعض الباحثين.
• حارب الشبه المعربة عن الفكر الغربي (المترجمة)، والتي منها الاستخفاف بالدليل العقلي والاستناد الكلي للدليل التجريـبي، حتى غدا المنهج التجريبي هو المنهج الأصيل والوحيد الممثل للثقافة الإسلامية.
ولقد نشر للشيخ مصطفى صبري مقالات باللغة التركية والعربية في الجرائد اليومية، كما نشر له مقالات في المجلات العلمية في تلك الفترة. وتعد هذه المقالات على تنوّعها دفاعا عن الإسلام وإبرازا لقوته العلمية. إنه حاول إرجاع هيبة الإسلام المفقودة، وذلك ببعث قوّته العلمية والفكرية في ساحة كثر فيها العلماء المعجبون بالغرب وحضارته وفلسفته، حتى عد المنافح عن دينه وحضارة أمته نشازا يشار إليه بالبنان.
قتيبة
11-13-2008, 05:57 AM
العلم واليقين شرط
س19: ما هي شروط شهادة أن لا إله إلا الله التي لا تنفع قائلها إلا باجتماعها فيه ؟
ج: شروطها سبعة:
الأول: العلم بمعناها نفيا وإثباتا
والثاني: استيقان القلب بها
الثالث: الانقياد لها ظاهرا وباطنا
الرابع: القبول لها فلا يرد شيئا من لوازمها ومقتضياتها
الخامس: الإخلاص فيها
السادس: الصدق من صميم القلب لا باللسان فقط
السابع: المحبة لها ولأهلها, والموالاة والمعاداة لأجلها.
س20: ما دليل اشتراط العلم من الكتاب والسنة ؟
ج: قول الله تعالى( إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ ) أي بلا إله إلا الله(وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [الزخرف: 86] بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم.
و قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة "
س21: ما دليل اشتراط اليقين من الكتاب والسنة ؟
ج: قول الله عز وجل(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) إلى قوله (أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) [الحجرات: 15]
وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة "
و قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي هريرة " من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة " كلاهما في الصحيح .
س22: ما دليل اشتراط الانقياد من الكتاب والسنة ؟
ج: قال الله تعالى(وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى )[لقمان: 22]
وقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ".(1)
1- ضعيف
س 23: ما دليل اشتراط القبول من الكتاب والسنة ؟
ج: قال الله تعالى في شأن من لم يقبلها(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ) إلى قوله
(إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ)[الصافات: 22-36]الآيات.
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت
الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا, وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك
ماء ولا تنبت كلأ, فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ,ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"
س 24: ما دليل اشتراط الإخلاص من الكتاب والسنة ؟
ج: قال الله تعالى(أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر: 3]وقال تعالى (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ) [الزمر: 2]
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه "
وقال صلى الله عليه وعلى آله و سلم " إن الله تعالى حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبغي بذلك وجه الله ".
س 25: ما دليل الصدق من الكتاب والسنة ؟
ج: قال الله تعالى(الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) [العنكبوت: 1-3] إلى آخر الآيات.
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله و سلم " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار "
وقال للأعرابي الذي علمه شرائع الإسلام إلى أن قال والله لا أزيد عليها ولا أنقص منها فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أفلح إن صدق ".
س26: ما دليل اشتراط المحبة من الكتاب والسنة ؟
ج: قال الله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) [المائدة: 54]
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار "
200 سؤال وجواب في العقيدة (1) من كتاب الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?p=106177#post106177
====
شرح الشيخ المنجد
شروط لاإله إلا الله
أرجوا توضيح شروط لا إله إلا الله (العلم واليقين ...الخ) .
الحمد لله
قال الشيخ حافظ الحكمي في منظومته سلم الوصول :
العلم واليقين والقبـــــول ***** والانقيـاد فادر ما أقول
والصـدق والإخلاص والمحبة ***** وفقك الله لما أحبــــه
الشرط الأول : (العلم ) بمعناها المراد منها نفياً وإثباتاً المنافي للجهل بذلك ، قال الله تعالى : "فاعلم أنه لاإله إلا الله " وقال تعالى : " إلا من شهد بالحق " أي بلا إله إلا الله " وهم يعلمون " بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم . وفي الصحيح عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " .
الشرط الثاني ( اليقين ) بأن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً ، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن ، فكيف إذا دخله الشك ، قال الله عز وجل : " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون " فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا ، أي لم يشكوا ، فأما المرتاب فهو من المنافقين . وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " وفي رواية لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيُحجب عن الجنة ". وفيه عنه رضي الله عنه من حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه بنعليه فقال " من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة " الحديث ، فاشترط في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها ، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط .
الشرط الثالث (القبول ) لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه ، وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قَبِلها وانتقامه ممن ردها وأباها قال تعالى : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ، وقفوهم إنهم مسؤلون) إلى قوله ( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ) فجعل الله علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول لا إله إلا الله ، وتكذيبهم من جاء بها ، فلم ينفوا ما نفته ولم يثبتوا ما أثبتته ، بل قالوا إنكاراًً واستكباراً ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيءٌ عجاب . وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على ألهتكم إن هذا لشيءٌ يُراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) فكذبهم الله عز وجل ورد ذلك عليهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقال ( بل جاء بالحق وصدق المرسلين ) ... ثم قال في شأن من قبلها ( إلا عباد الله المخلصين . أولئك لهم رزقٌ معلوم . فواكه وهم مكرمون . في جنات النعيم ) وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير . وأصاب منها طائفة أُخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تُنبت كلأً ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه مابعثني الله به فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذللك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلت به " .
الشرط الرابع ( الانقياد ) لما دلت عليه المنافي لترك ذلك ، قال الله عز وجل ( ومن يُسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي بلا إله إلا الله ( وإلى الله عاقبة الأُمور ) ومعنى يُسلم وجهه أي ينقاد ، وهو محسن موحد ، ومن لم يسلم وجهه إلى الله ولم يك محسناً فإنه لم يستمسك بالعروة الوثقى ، وهو المعني بقوله عز وجل بعد ذلك ( ومن كفر فلا يحزنك كفره ، إلينا مرجعهم فننبؤهم بما عملوا ) وفي حديث صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جِئت به" وهذا هو تمام الانقياد وغايته .
والخامس (الصدق ) فيها المنافي للكذب ، وهو أن يقولها صدقاً من قلبه يواطىء قلبه لسانه ، قال الله عز وجل ( الم أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يُفتنون . ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) وقال في شأن المنافقين الذين قالوها كذباً ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين . يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون . في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون )
وفي الصحيحين من حديث معاذ بن جبل رضي لله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار".
والسادس( الإخلاص) وهوتصفية العمل عن جميع شوائب الشرك قال تبارك وتعالى : ( ألا لله الدين الخالص ) وقال ( قل الله أعبد مخلصاً له ديني ) وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه " ...
والسابع (المحبة ) لهذه الكلمه ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك ، قال الله تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ) فأخبر الله تعالى أن الذين آمنوا أشد حباً لله ؛ وذلك لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدا كما فعل مدعوا محبته من المشركين الذين اتخذوا من دونه أنداداً يحبونهم كحبه ، وفي الصحيحين من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " .
والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد .
الشيخ محمد صالح المنجد
http://www.islam-qa.com/ar/ref/12295
قتيبة
11-13-2008, 06:05 AM
تعريفات
العلم الضروري والعلم النظري
لا بد لي في هذا الفصل الذي أعرّف فيه (العقيدة) من أن أعرض إلى توضيح بعض المصطلحات التي يكثر دوراها على ألسنة العلماء، وورودها في كتب العقائد، وهي: (الشك)، و (الظن)، و (العلم)، لأصل منها إلى تعريف (العقيدة).
(ديكارت) في منهجه المشهور، ومن قبله (الغزالي) في (المنقذ من الضلال)، بدأً بالشك ليصلا منه إلى اليقيقن، شك ديكارت، ليتخذ من الشك سبيلا للتحقق، فما هو الشك؟
اذا كنت في مكة مثلا، وسألك سائل: هل في الطائف الآن مطر؟ لا تستطيع أن تقول: (نعم)، ولا تستطيع أن تقول: (لا). لأن من الممكن أن يكون في الطائف في تلك الساعة مطر، ومن الممكن أن يكون الجو فيها صحوا لا مطر فيه، إمكان وجود المطر خمسون في المئة مثلا، وإمكان عدمه خمسون، تساوى الطرفان فلا دليل يرجح الوجود، ولا دليل يرجح العدم. وهذا هو الشك.
فان نظرت فأبصرت في جهة الشرق، (والطائف شرقي مكة) غيوما تلوح على حواشي الافق من بعيد، رجح عندك رجحانا خفيفا ان في الطائف مطرا. وهذا الرجحان الخفيف لإمكان الوجود، هو ما يسمونه (الظن)، فأنت تقول: اظن ان في الطائف الآن مطرا، فالظن ستون في المئة مثلا (نعم)، وأربعون (لا).
فان رأيت الغمام قد ازداد وتراكم، واسود وتراكب، وخرج البرق يلمع من خلاله، وازداد ظنك بنزول المطر في الطائف، فصار (نعم) سبعون أو خمس وسبعون في المئة، وكان هذا ما يسميه علماؤنا بـ (غلبة الظن)، فأنت تقول لسائلك: يغلب على ظني ان في الطائف الآن مطرا، فإن أنت ذهبت إلى الطائف، فرأيت المطر بعينك، وأحسست به على وجهك أيقنت بنزوله، وعلماؤنا يسمون هذا اليقين (علما).
فصار لكلمة (العلم) معان: (العلم) المطلق الذي يقابل الجهل، (والعلم) الذي يقابل الفن والفلسفة. فالكيمياء علم، والفيزياء علم. أما الرسم فهو فن، والشعر فن. والعلم بهذا المعنى هو الذي تكون غايته الحقيقة، وأداته العقل، ووسيلته المحاكمة، والتجربة، والاستقراء. والفن هو الذي تكون غايته الجمال، وأداته الشعور، ووسيلته الذوق.
(والعلم) الذي يجيء بمعنى اليقين، ويقابل الشك والظن، هو الذي نقصده في هذا البحث[1].
العلم الضروري والعلم النظري:
العلم الذي يحصل بالحس والمشاهدة، لا يحتاج إلى دليل. الجبل الذي تراه أمامك لا تحتاج إلى إقامة الدليل على وجوده، انك تعلم – ضرورة – بأنه موجود، وكل من يراه (من العقلاء) يعلم أنه موجود.
وهذا ما يسمى (العلم الضروري)، أما العلم بأن مربع الوتر (في المثلث القائم الزاوية) يساوي مجموع مربعي الضلعين القائمين، فيحتاج إلى دليل عقلي، فالعالم أو طالب العلم الذي يصل إلى الدليل، يعلم هذه الحقيقة، أما العامي الجاهل فلا يعلمها، ولا يصدق بها، ما دام لم يطلع على هذا الدليل، ولو رأى المثلث أمامه، ولو أقيم على كل ضلع منه، مربع له. وهذا ما يسمى به (العلم النظري)، وهو الذي لا يحصل الا بالدليل العقلي.
---------------------------------------------------------------------
[1] أما العلم بالمعنى الخاص: كقولنا (علم النحو)، و (علم الكيمياء). فلعلمائنا فيه تعريفات كثيرة، ولكن اوضح تعريف وأبعده عن التعقيد، هو ما عرفه به (سارتون) بقوله: "العلم هو مجموعة معارف محققة ومنظمة..". فبقوله (معارف) خرجت المشاعر والخيالات، وبقوله (محققة) خرجت النظريات والفروض. وبقوله منظمة خرجت المعارف المبعثرة المتفرقة.
========
تعريفات
البديهية والعقيدة
ومن العلم النظري، ما يحتاج في الاصل إلى دليل، ولا يدرك بمجرد الحس والمشاهدة، ولكنه يعم ويشتهر، حتى يدركه العالم والجاهل، والكبير والصغير، وحتى يصير أقرب إلى (العلم الضروري). مثاله: العلم بأن (الجزء أصغر من الكل)، الرغيف الناقص أصغر من الرغيف الكامل، هذه حقيقة هي في الاصل من العلم النظري الذي يحتاج إلى دليل، ولكنك لا تجد من يشك فيها، ويطلب الدليل عليها، فالطفل اذا أخذت منه كف (الشكلاطة) الكامل، وأعطيته كفا ناقصا لا يقبله، واذا حاولت اقناعه بأن هذا أكبر لم يقنع، لأن كون (الجزء أصغر من الكل) بديهية.
و (مقولة الهُوية) – أي كون الشيء هو نَفْسُه – بديهية، ولو قال لك قائل: "اثبت لي ان هذا القلم الذي تحمله بيدك ليس ملعقة شاي". تقول له: "هذه بديهية، لا تحتاج إلى اثبات لأن القلم قلم..".
فالبديهيات[1] هي الحقائق العقلية التي يقبلها الناس جميعا، ولا يطلب أحد عليها دليلا، فاذا دخلت البديهية العقل الباطن، واستقرت فيه، وأثرت في الحدس والشعور، ووجهت الانسان في تفكيره (عقله الواعي)، وفي أعماله، سميت: (عقيدة)، وسمي الاعتقاد بها: (ايمانا).
ولكنا نعرف ان الانسان يعتقد الحق أحيانا، ويعتقد الباطل حينا، ونشاهد في هذه الأيام، من اتباع المذاهب المنحرفة، و (المبادئ) الباطلة، من امتزج بها قلبا وقالبا، وتمسك بها ظاهرا وباطنا، وبذل ماله ونفسه في نصرتها وحمايتها، فهل نسمي هؤلاء (مؤمنين)؟
أما اطلاقا فلا، ولكن يمكن أن نطلق عليهم اسم الايمان مضافا إلى الباطل الذي يؤمنون به، على نحو قوله تعالى:
?ألم تر إلى الذين اوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت?؟.
ويمكن اطلاق اسم الايمان مقيدا بالوصف، نحو قوله تعالى:
?وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون?.
أما (الايمان) بالمعنى الخاص، الذي لا ينصرف اذا اطلق الا إليه، ولا يدل الا عليه، المعنى الذي يراد كلما ورد ذكر الايمان ومشتقاته، في الكتاب والسنّة، وعلى ألسنة العلماء. فهو:
الاعتقاد بالله ربا واحدا.
- ومالكا مختارا متصرفا.
- وإلها مفردا بالعبادة، لا يشرك معه غيره في كل ما هو من جنس العبادة.
- والاعتقاد بكل ما أوحي به إلى نبيه، من: خبر الملائكة، والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وصاحب هذا الاعتقاد هو (المؤمن)، فان نقص[2] شيئا منه، او ردّه، أو تردد في تصديقه، أو شك فيه، فَقَدَ صفةَ الايمان، ولم يعدْ يعدُّ مع المؤمنين.
------------------------------------------------------------------
[1] القياس: ان نقول في النسبة إلى البديهية (بدهي)، ولكن علماءنا استعملوا من القديم كلمة (بديهي) و (طبيعي)، كما يستعملها جمهور الناس اليوم. وانا اوثر أن استعمل العامي الفصيح، تنبيها على فصاحته، وقد نبهت في حواشي كتبي إلى عشرات وعشرات من هذه الكلمات.
[2] نقص شيئاً منه بمعنى أنقص.
======
تعريفات
البديهية والعقيدة
ومن العلم النظري، ما يحتاج في الاصل إلى دليل، ولا يدرك بمجرد الحس والمشاهدة، ولكنه يعم ويشتهر، حتى يدركه العالم والجاهل، والكبير والصغير، وحتى يصير أقرب إلى (العلم الضروري). مثاله: العلم بأن (الجزء أصغر من الكل)، الرغيف الناقص أصغر من الرغيف الكامل، هذه حقيقة هي في الاصل من العلم النظري الذي يحتاج إلى دليل، ولكنك لا تجد من يشك فيها، ويطلب الدليل عليها، فالطفل اذا أخذت منه كف (الشكلاطة) الكامل، وأعطيته كفا ناقصا لا يقبله، واذا حاولت اقناعه بأن هذا أكبر لم يقنع، لأن كون (الجزء أصغر من الكل) بديهية.
و (مقولة الهُوية) – أي كون الشيء هو نَفْسُه – بديهية، ولو قال لك قائل: "اثبت لي ان هذا القلم الذي تحمله بيدك ليس ملعقة شاي". تقول له: "هذه بديهية، لا تحتاج إلى اثبات لأن القلم قلم..".
فالبديهيات[1] هي الحقائق العقلية التي يقبلها الناس جميعا، ولا يطلب أحد عليها دليلا، فاذا دخلت البديهية العقل الباطن، واستقرت فيه، وأثرت في الحدس والشعور، ووجهت الانسان في تفكيره (عقله الواعي)، وفي أعماله، سميت: (عقيدة)، وسمي الاعتقاد بها: (ايمانا).
ولكنا نعرف ان الانسان يعتقد الحق أحيانا، ويعتقد الباطل حينا، ونشاهد في هذه الأيام، من اتباع المذاهب المنحرفة، و (المبادئ) الباطلة، من امتزج بها قلبا وقالبا، وتمسك بها ظاهرا وباطنا، وبذل ماله ونفسه في نصرتها وحمايتها، فهل نسمي هؤلاء (مؤمنين)؟
أما اطلاقا فلا، ولكن يمكن أن نطلق عليهم اسم الايمان مضافا إلى الباطل الذي يؤمنون به، على نحو قوله تعالى:
?ألم تر إلى الذين اوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت?؟.
ويمكن اطلاق اسم الايمان مقيدا بالوصف، نحو قوله تعالى:
?وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون?.
أما (الايمان) بالمعنى الخاص، الذي لا ينصرف اذا اطلق الا إليه، ولا يدل الا عليه، المعنى الذي يراد كلما ورد ذكر الايمان ومشتقاته، في الكتاب والسنّة، وعلى ألسنة العلماء. فهو:
الاعتقاد بالله ربا واحدا.
- ومالكا مختارا متصرفا.
- وإلها مفردا بالعبادة، لا يشرك معه غيره في كل ما هو من جنس العبادة.
- والاعتقاد بكل ما أوحي به إلى نبيه، من: خبر الملائكة، والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
وصاحب هذا الاعتقاد هو (المؤمن)، فان نقص[2] شيئا منه، او ردّه، أو تردد في تصديقه، أو شك فيه، فَقَدَ صفةَ الايمان، ولم يعدْ يعدُّ مع المؤمنين.
----------------------------------------------------------------
[1] القياس: ان نقول في النسبة إلى البديهية (بدهي)، ولكن علماءنا استعملوا من القديم كلمة (بديهي) و (طبيعي)، كما يستعملها جمهور الناس اليوم. وانا اوثر أن استعمل العامي الفصيح، تنبيها على فصاحته، وقد نبهت في حواشي كتبي إلى عشرات وعشرات من هذه الكلمات.
[2] نقص شيئاً منه بمعنى أنقص.
====
قواعد العقائد
القاعدة الأولى
قواعد العقائد[1]
القاعدة الأولى :
ما أدركه بحواسي لا أشك في انه موجود.
هذه بديهية عقلية مسلّمة، ولكن المشاهد اني أمشي في الصحراء ساعة الظهيرة، فأرى بركة ماء، تلوح ظاهرة للعين، فاذا جئتها لم أجد الا التراب لأن الذي رأيته سراب. وأضع القلم المستقيم في كأس الماء، فأراه منكسرا، وهم لم ينكسر.
ويكون المرء في سهرة، الحديث فيها عن الجن والعفاريت، ثم يذهب إلى داره، فان كان الطريق خاليا مظلما، وكان مخلوع القلب، واسع الخيال، رأى أمامه جنيا أو عفريتاً، فشاهده وأحس بوجوده، وما ثمة شيء مما رأى، والسحرة والمشعوذون يعرضون غرائب تراها ولا حقيقة لها.
فالحواس إذن تخطئ، وتخدع، وتتوهم، او يتوهم صاحبها. فهل أشك لهذا في وجود ما أحس به؟
لا، لأني ان شككت فيما أرى وأسمع وأحس، تداخلت لديّ الحقائق والخيالات. وصرت أنا والمجنون سواء.
ولكن أضيف شرطا آخر لحصول العلم (أي اليقين) بوجود ما أحسه – هو الا يحكم العقل بالتجربة السابقة ان الذي أحس به وهم او خداع حواس، والعقل يخدع أول مرة، فيحسب السراب ماء، فاذا رآه مرة اخرى أدرك أنه سراب. والعقل يحكم بعد أن رأى القلم منكسرا أول مرة، أنه لا يزال مستقيما كما كان، وان بدا للعين منكسرا، والأمور التي تخطئ فيها الحواس أو تخدع، أمور محدودة معدودة معروفة، لا تبطل القاعدة ولا تؤثر فيها، ومنها عمل سحرة فرعون، وما يعمله سحرة (السيرك) في هذه الأيام.
---------------------------------------------------------------
[1] استأذن قارئ كتابي: ان امهد لذكر هذه القواعد، بكلمة ليست من موضوع هذا الكتاب، ولكنها تبين قصتها، وكيف وصلت اليها. وتفصيل ذلك: أنني كنت أدرس الأدب العربي في بغداد قبل الحرب الثانية، فكلفت في النصف الثاني من العام أن أدرس معه الدين، وكان منهج الدين سورا من القرآن تفسر وتشرح.. فقبلت ودخلت فاذا الفصل في هرج ومرج، وكان عهدي به في درس الأدب، هادئا ساكنا، واذا الطلاب يتخذون من درس الدين مسلاة ومضيعة للوقت، وأدركت ان سبب ذلك ضعف الايمان في نفوسهم. فقلت لهم: ارفعوا المصاحف واسمعوا، والهمني الله الهاما مفاجئا، بلا اعداد سابق بحثا جديدا في الايمان، وضعت فيه بعض هذه القواعد، ونشرت خلاصته في الرسالة سنة (1937) أو سنة (1938)، وهو في كتابي: (فكر ومباحث). ولما كلفت وضع مناهج مدراس الأوقاف في سورية (أيام الوحدة)، ووضعتها كلها وحدي، وطبقت كما وضعتها، أدخلت هذه القواعد في المنهج، ودللت على ما كتبته ليكون مرجعا، فأخذه أحد المؤلفين في العقائد وادعاه لنفسه، ووضعه في كتابه، ولكن لم يهتد إلى ما أريده منه، فمشى في أول الطريق وضاع في آخره. فلما أحلت على المعاش (وكنت مستشار محكمة النقض)، وذهبت إلى الرياض، ثم إلى مكة، أدرس في كلية التربية فيها، رجعت إلى هذه القواعد، وزدت فيها حتى بلغت ثماني قواعد، هي التي أذكرها هنا.
ما الإسلام؟ / قواعد العقائد الثمانية / العلم الضروري / العلم النظري / البديهية و العقيدة
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=15065
قتيبة
11-13-2008, 06:09 AM
حاجة الانسان للعلم واليقين للطاعة :
___________________
ان الاسلام هو طاعة الله تعالي والانقياد لاحكامة واوامره و ان الانسان لا يستطيع ان يطيع الله ويتبع قانونه ويسلك سبيله الا اذا علم عده امور وبلغ علمة بها مبلغ اليقين .
ان اول ما يجب علي الانسان بهذا الصدد ان يكون موقنا من قلبة بوجود الله تعالي فإنه اذا لم يكن موقنا بوجوده فكيف يطيعه ويتبع قانونه ؟
وكذلك يجب عليه ان يعرف صفات الله تعالي فإنه اذا لم يعرف ان الله واحد لا شريك له في ألوهيته فكيف يرتدع عن طأطأة رأسه ومد يده امام غير الله ؟ وكذلك اذا لم يكن موقنا بأن الله سميع عليم بصير بكل شئ فكيف يمسك نفسة عن معصيته والخروج علي امره ؟
فيتضح من كل ذلك ان الانسان لا يمكنه ان يتحلي بصفات اللازمه التي يجب علية ان يتحلي بها في افكاره واعماله واخلاقه لسلوك صراط الله المستقيم ما دام لا يعرف صفات الله تعالي ولا يحيط بها علما صحيحا كاملا . ولا يكفي ان يكون هذا العلم علما فحسب بل ينبغي ان يكون متمكنا من اعماق قلبه ليأمن قلبه من الظنون الخاطئه وحياته من العمل بما يخالف عمله.
ثم يجب علي الانسان ان يعرف ما هو الطريق الصحيح في قضاء الحياه في هذه الدنيا وفقا لمرضاة الله تعالي و أي شئ يحبه الله تعالى كي يختاره وأي شئ يبغضه كي يبتعد عنه .
ولا بد لهذ الغرض أن يكون الانسان على معرفة بقانون الله وان يكون موقنا بكون هذا القانون من عند الله تعالى ، وبانه لن ينال وجه ربه ، حتى يكون متبعا هذا القانون اتباعا كاملا في حياته ، إنه اذا لم يكن يعرف هذا القانون اصلا فكيف يتبعه في حياته ؟
وانه اذا لم يكن عمله بهذا القانون قد بلغ به درجة اليقين ، او اذا كان يحسب في نفسه انه من الممكن ان يكون في الدنيا قانون اخر مثل هذا القانون في صحته وسداده فكيف يواظب على مواظبته مواظبة صحيحة؟
ثم على الانسان ان يكون على علم من مآل امره اذا اختار معصية الله تعالى على طاعته ، ولم يسلك صراطه المستقيم ، أو اذا واظب على طاعته واتبع قانونه في حياته . ولهذا الغرض لا بد ام يكون موقنا بالحياة الاخرة وبقيامه بين يدي الله تعالى يوم القيامة ومجازاته له على اعماله ان خيرا فخير وان شرا فشر.
والذي لا علم له بالحياة الاخرة سواء في نظره الطاعة والمعصية لا فرق بينهما ولا يكاد يميز بين نتائجها المختلفة ويظن ان الذي يطيع الله تعالى والذي يعصيه سواء مصيرهما بعد الممات .
فكيف يرجى من مثل هذا الرجل ان يكف نفسه عن اقتراف الذنوب ما دام لا يخاف مضرتها على نفسه في حياته الدنيا او يصبر نفسه على طاعة الله وشدائدها ومقتضياتها ؟
لا يمكن ان يواظب على طاعة الله تعالى واتباع قانونه رجل على علم بالحياة الاخرة وقيامه بين يدي الله تعالى يوم القيامة ولكن علمه هذا لم يبلغ درحة اليقين فان الانسان لا يقدر ان يثبت على شئ بالشك والتردد وانما يمكنه ان يواظب على امر ويثبت نفسه على طاعته اذا كان على يقين تام من نفعه لنفسه وكذلك لا يستطيع ان يبعد نفسه عن امر الا ان يكون موقنا بمضرته لنفسه .
يظهر هذا كله ، انك اذا اردت ان تسلك طريقا من الرطق فلا بد لك ان تكون على معرفة من نتيجته وغايته التي ينتهي بك اليها . وينبغي ان تكون معرفتك هذه بالغة درجة اليقين والوثوق .
معنى الايمان :
______
فالذي عبرنا عنه أنفا " في الجزأ الاول : حاجة الانسان الى العلم واليقين للطاعة " بالعلم والمعرفة واليقين هو " الايمان " وذلك هو معنى كلمة الايمان بعينه .
فكل من عرف توحيد الله وصفاته الحقيقية وقانونه ومجازاته لعباده على اعمالهم يوم القيامة ، ثم كان موقنا بكل ذلك من قرارة نفسه ، هو " المؤمن "
ومن نتائج الايمان ان يكون الانسان مسلما اي مطيعا لله ومتبعا لقانونه.
ولعلك قد عرفت من هذا بنفسك ان الانسان لا يمكن ان يكون مسشلما الا اذا كان مؤمنا.
فصلة الايمان بالاسلام كصلة البذرة بالشجرة، فانه لا تنبت الشجرة الا بالبذرة وان كان من الممكن ان يلقي البذر في الارض فلا تنبت الشجرة او تنبت ولكن بشئ من النقص اما لكون الارض مجدبة او لشئ من الفساد في الجو.
فكذلك لا يمكن ان يكون الانسان مسلما الا اذا لم يكن الايمان في قلبه وان كان من الممكن ان يكون الايمان في قلبه ثم لا يكون اسلامه كاملا ، اما لضعف في عزمه او لنقص في تعليمه وتربيته ، او تأثير بيئته .
فاذا عرفت هذا ، فاعلم ان الانسان على اربع درجات باعتبار هذين الاصلين : الايمان والاسلام :
1- الذين يؤمنون بالله ايمانا يجعلهم مطيعين له ، متبعين لاحكامه اتباعا كاملا ، يحذرون ما قد نهى عنه كما يحذر الانسان من امساك جمرة متقدة من النار في يده ويسارعون الى العمل بما فيه رضاه كما يسارع الانسان الى كسب الاموال فهؤلاء هم المؤمنون حقا .
2- الذين يؤمنون بالله ، ولكن لا يجعلهم ايمانهم مطيعين له متبعين لاحكامه اتباعا كاملا فهؤلاء وان كان ايمانهم لم يبلغ درجة الكمال ولكنهم مسلمون على اي حال ، يعاقبون بقدر معاصيهم كأنهم بمنزلة المجرمين وليسوا بمنزلة البغاة المتمردين لأنهم يعترفون بالملك بملكه ويخضعون لقانونه .
3- الذين لا يؤمنون بالله ، ولكنك تراهم ظاهرا يأتون بأعمال تشابه أعمال المسلمين فهم البغاة في حقيقة الامر و اما اعمالهم التي تراها صالحة في الظاهر فليست بطاعة لله ولا اتباعه لقانونه فلا عبرة بها . ومثلهم كمثل رجل لا يعترف للملك بملكه و لا يخضع لقانونه فاذا صدرت عنه بعض اعمال لا تخالف قانون الملك لا يحكم عليه بكونه وفيا للملك سبحانه ومطيعا لقانونه بل هو عاص لأمره خارج على قانونه .
4- الذين لا يؤمنون بالله ، و يأتون باعمل سيئة مخالفة لأحكامه وقانونه ، فهم شر الناس بغاة مفسدون .
فالظاهر من هذه القسمة ان الايمان هو الذي ينحصر فيه نجاح الانسان وسعادته في الدنيا والاخرة ، و لا يتولد الاسلام – كاملا او ناقصا – الا من بذر الايمان .
فحيث لا يكون الايمان يكون الكفر والكفر هو ضد الاسلام ، اي الخروج على امر الله تعالى باختلاف درجاته.
وسيلة الحصول على العلم واليقين
______________
لابد من الإيمان للطاعة , ولعلك تسألني الآن : فما هي الوسيلة إلى الحصول على العلم الصحيح , واليقين المُحكم , بصفات الله تعالى وقانونه المرضي والحياة الآخرة ؟
إن آثار رحمة الله ومعالم بديع صُنعه مُنبثة في كل ناحية من نواحي هذا الكون , وهي تشهد بلسان حالها , أنه لم يعن بإيجاد هذا الكون إلا إله واحد , وهو الذي يسير ويثدبر شؤونه وكذلك تتجلى لكل من ينتظر في هذه الآثار صفات الله تعالى كلها باتم مظاهرها فأي صفة من صفات الحكمة والعلم والإبداع والعفو والكرم والرحمة والربوبية والقهر والغلبة وما إليها من صفاته تعالى , لا تلوح من أعماله وبدائع صنعه في هذا الكون ولكن الإنسان قد أخطأ عقله وكفاءته عامة في مشاهدة هذه الآثار والتأمل في حقيقتها وهذه الآثار ماثلة أمام عين الإنسان , ولكن على رغم شهادتها بتوحيد الله تبارك وتعالى في جميع صفاته فقد قال بعض الناس :
أن الإله إلهان !!!!وقال بعضهم : إن لهذا الكون ثلاثة آلهة ؟!!
واتخذ بعضهم لنفسه آلهة لا تحضى !ووزع بعضهم الألوهية آلهة متعددة فقال : للمطر إلها وللنار إلهاً ... وجعل لكل قوة من قوى هذا الكون إلهاً بها ثم جعل على رأس الجميع إلهاً أكبر
يلجؤون إليه ويقتدون بأمره !وهكذا خبط العقل البشري في إدراك ذات الله تعالى ومعرفة صفاته خبط عشواء ليس هذا بمقام تفصيله .
وكذلك جاء مختلف الناس وظنون خاطئة وأفكار كاذبة عن الحياة الآخرة فمنهم من قال : إن هي إلا حياتنا الدنيا ومانحن بمبعوثين , ومنهم من قال إن الإنسان تتكرر حياته وموته مرة بعد مرة في هذه الدنيا ولا ينال جزاء أعماله إلا فيها ...
أما القانون الذي يجب على الإنسان أن يُواظب عليه لقضاء حياته حسب مرضاة الله تعالى فأنى للإنسان أن يضعه بنفسه أو يُدركه بعقله إذا كان لم يستطع أن يعرف ذات الله تعالى
وصفاته بنفسه ؟
ومهما كان عقل الإنسان ناضجاً وكان حائراً على أعلى درجة في الكفاءة العلمية فإنه لا يستطيع ان يرى في هذه الأمور رأياً أو ما يُشبه الرأي إلا بعد تجارب سنين عديدة وتأمل طويل بل إنه لا يمكن أن يكون واثقاً من نفسه حتى بعد كل ذلك ولا أن يدعي انه قد عرف الحق وأحاط به علماً تاماً ولاشك أن الطريق المعروف لاختيار عقل الإنسان وعلمه أن يترك وشأنه بدون أي هداية من فوقه ليقرع جده وينشد الحق والصدق لنفسه بنفسه فيكون النجاح حظ من ساعده سعيه وكفاءته
والخسران نصيب من فاته سعيه وكفاءته ولكن الله عزوجل أراد بعباده الرحمة وما ابتلاهم بمثل هذا الاختيار العسير فبعث إليهم من أنفسهم رجالاً وهب لهم علماً صحيحاً بصفاته وعلمهم الطريق الذي يمكن أن يقضي به الإنسان حياته في الدنيا وِفقاً لمرضاة ربه .
وكذلك أعطاهم العلم الصحيح بالحياة الآخرة وأمرهم أن يبلغوا علمه الناس جميعاً فهؤلاء هم رُسل الله وأنبياؤه , والطريق الذي نالوا به هذا العلم من الله هو الوحي والكتاب الذي فيه هذا العلم يُقال له : كتاب الله أو كلامه
فلا اختبار الآن لعقل الإنسان وكفاءته إلا من حيث إيمانه بالرسول أو كفرانه بعد النظر إلى حياته الطيبة وهِدايته السامية
فمن كان مُستعداً لمعرفة الحق واتباعه صدق بالحسنى وآمن بمن جاء بها , ونجح في اختباره
وأما من كذب بالحُسنى واستغنى عمن جاء بها فقد أضاع من نفسه أهلية معرفة الحق والصدق وقبولهما وذلك ما جعله يخيب في اختباره وصده عن تلقي العلم الصحيح بالله وقانونه والحياة الآخرة
لماذا سمي الدين بالاسلام / مبادىء الإسلام المودوي
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=15069
قتيبة
11-13-2008, 06:24 AM
ملف الدليل على صحة دين الاسلام الدين الحق الدين الصحيح
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=14941
كيف يبنى يقين على ظن ؟
الوعد الصادق
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=14662
هل الشرع مبناه على «الظن» أو «العلم واليقين» ؟
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=21563
أمَة الرحمن
04-01-2010, 01:23 PM
جزاك الله خيراً.
موضوع أكثر من رائع.
Powered by vBulletin™ Version 4.2.1 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, ENGAGS © 2010