المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغاية من الخلق وحكمة الوجود ( ج 1 )



المراجع
12-09-2008, 10:52 PM
الغاية من الخلق وحكمة الوجود ( ج 1 )

الغاية من الخلق العبادة ، والخلافة داخلة ضمن العبادة

قال تعالى ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) 56 الذاريات ان هذا النص الصغير ليحتوي حقيقة ضخمة هائلة من اضخم الحقائق الكونية التي لا تستقم حياة البشر في الارض بدون ادراكها واستيقانها سواء كانت حياة فرد ام جماعة ام حياة الانسانية كلها في جميع ادوارها واعصارها وانه ليفتح جوانب متعددة من المعاني والمرائي تندرج كلها تحت هذه الحقيقة الضخمة التي تعد حجر الاساس الذي تقوم عليه الحياة .

واول جانب من جوانب هذه الحقيقة ان هنالك غاية معينة لوجود الجن والانس تتمثل في وظيفة من قام بها واداها فقد حقق غاية وجوده ومن قصر فيها او نكل عنها فقد ابطل غاية وجوده واصبح بلا وظيفة وباتت حياته فارغة من القصد خاوية من معناها الاصيل الذي تستمد منه قيمتها الاولى وانفلت من الناموس الذي خرج به الى الوجود وانتهى الى الضياع المطلق الذي يصيب كل كائن ينفلت من ناموس الوجود الذي يربطه ويحفظه ويكفل له البقاء .

هذه الوظيفة المعينة التي تربط الجن والانس بناموس الوجود .هي العبادة لله، او هي العبودية لله ... ان يكون هناك عبد ورب . عبد يعبد ورب يعبد وان تستقم حياة العبد على اساس هذا الاعتبار ..

ومن ثم يبرز الجانب الاخر لتلك الحقيقة الضخمة ويتبين ان مدلول العبادة لا بد ان يكون اوسع واشمل من مجرد اقامة الشعائر . فالجن والانس لا يقضون حياتهم في اقامة الشعائر والله لا يكلفهم هذا ، فهو يكلفهم الوانا اخرى من النشاط تستغرق معظم حياتهم وقد لا نعرف نحن الوان النشاط التي يكلفها الجن ،ولكننا نعرف حدود النشاط المطلوب من الانسان نعرفها من القران من قوله تعالى ( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ) 3. البقرة

فهي الخلافة في الارض اذن عمل هذا الكائن الانساني وهي تقتضي الوانا من النشاط الحيوي في عمارة الارض والتعرف على قواها وطاقتها ومكنوناتها وتحقيق ارادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الارض لتحقيق المنهج الالهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام

قال تعالى (هو انشاكم من الارض ومستعمركم فيها ) 61 هود اي هو الذي امركم بعمارتها وعدم تعرضها للفساد والدمار والخراب قال تعالى ( الذين يفسدون في الارض )152 الشعراء


ولتوضيح جانب من القوانين والاسس الذي وضعها الله تعالى لحماية البيئة مثلا : فقد امرنا بعمارتها بالبناء وغرس الاشجار فيها وعدم الاضرار بها والمحافظة عليها ، حتى الضجيج فيها يمنعه قال تعالى ( واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير) 19 لقمان

وانت عزيزي القارء مهما بحثت فلم تجد نص يطالب به الناس ان يمتنعوا عن الضوضاء اوضح وادق من هذا النص القراني الكريم . فالاية تقول اغضض من صوتك فحاول عندما تتكلم تكلم بهدوء بمقدار ما تسمع جليسك اما انك تصيح فهذا لون من الضوضاء فهو ينهى عنه ...


اما في حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو ينهى عن البول في الماء فقال ( لا تبولوا في الماء ان للماء اهل ) وهناك الكثير ممن يتبول في النهر الجاري ولا يبالي بما سيحدث من جراء فعلته هذه بالعكس فان بلاؤك كله تقذفه في الماء فربما هذا الماء يستعمله كثير من الناس وليس لديهم ما يعقمه فتكون قد نقلت له كل مشاكلك وبلاؤك ... فتامل النهي عن تلويث الانهار ...وكذلك النهي عن تلف الطرقات اماطة الاذى عن طريق المسلمين عبادة وعمارة...

ارجع الى جملة من الاحكام تلاحظ ان المشرع الاسلامي يريد من وراء هذه الاحكام ان يحافظ على نظافة البيئة وخصوصا تعبير ( استعمركم ) يعني امركم بعمارتها ، ملزم بالتعمير وليس التخريب واي معنى يحقق عنوان التخريب فهو ممنوع

ولذلك ندعوا كتابنا المسلمين : ان هذه العناوين والتي اصبحت عناوين مستحدثة ان يبحثوا عن جذورها ، هل هي موجودة في الفقه الاسلامي ... موجودة في حضارتنا ...؟ والا فلا ينبغي ان ننسب كل شيء الى الغرب والمجتمع الغربي ونجرد انفسنا من كل فضيلة حتى بعض اقلام كتابنا المسلمين ينبغي ان تتنبه الى عطاء الاسلام في كل ميدان من ميادين الحياة والاسلام والحمد لله لم يترك شيء ولم يضع له علاج ، فهذه دعوة للكتاب المسلمين لان تكتب في عطاء الاسلام ولا ننشد ان الاهتمام بالبيئة هو للمجتمع الفلاني او للكاتب الفلاني ... كلا .. الاسلام اهتم بالبيئة قبل ان يهتم به فلان وفلان من الناس .


ومن ثم يتجلى معنى العبادة التي هي غاية الوجود الانساني او التي هي وظيفة الانسان الاولى اوسع واشمل من من مجرد الشعائر وان وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعا


اذا حقيقة العبادة تتمثل في امرين رئيسيين :

الاول : هو استقرار معنى العبودية لله في النفس اي استقرار الشعور على ان هناك عبدا وربا عبدا يعبد وربا يعبد وان ليس وراء ذلك شيء وان ليس هناك الا هذا الوضع وهذا الاعتبار ليس في هذا الوجود الا عابد ومعبود والرب واحد والكل له عبيد

والثاني : هو التوجه الى الله بكل حركة في الضمير وكل حركة في الجوارح وكل حركة في الحياة والتوجه بها الى الله خالصة والتجرد من كل شعور اخر ومن كل معنى غير معنى التعبد لله
وبهذا وذاك يتحقق معنى العبادة ويصبح العمل كالشعائر والشعائر كعمارة الارض وعمارة الارض كالجهاد في سبيل الله والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله ....كلها عبادة وكلها تحقيق للوظيفة الاولى التي خلق الله الجن والانس لها وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه .