المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغاية من الخلق وحكمة الوجود ( ج 2 )



المراجع
12-10-2008, 11:39 PM
الغاية من الخلق وحكمة الوجود ( ج2 )




قيمة الأعمال مستمدة من بواعثها لا من نتائجها


ومن مقتضيات استقرار معنى العبادة ان يقوم بالخلافة في الأرض وينهض بتكاليفها ويحقق اقصى ثمراتها وهو في الوقت ذاته نافظ يديه منها خالص القلب من جواذبها ومغرياتها قال الامام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه ( عش لدنياك كأنك لم تموت ابدا وعش لاخرتك كانك تموت غدا )

ومن مقتضياته كذلك ان تصبح قيمة الاعمال في النفس مستمدة من بواعثها لا من نتائجها فلتكن النتائج ما تكون فالانسان غير معلق بهذه النتائج انما هو معلق باداء العبادة في القيام بهذه الاعمال ولان جزاءه ليس في نتائجها وانما جزاءه في العبادة التي اداها .... ومن ثم يتغير موقف الانسان تغيرا كاملا تجاه الواجبات والتكاليف والاعمال فينظر فيها كلها الى معنى العبادة الكامن فيها

ومتى حقق هذا المعنى انتهت همته وتحققت غايته ولتكن النتائج ما تكون بعد ذلك فهذه النتائج غير داخلة في واجبه ولا في حسابه وليست من شانه انما هو قدر الله ومشيئته وهو وجهده ونيته وعمله جانب من مدد الله ومشيئته وقد نفظ الانسان قلبه من نتائج العمل والجهد وشعر انه اخذ نصيبه وضمن جزاءه بمجرد تحقق معنى العبادة في الباعث على العمل والجهد فلا يبقى في قلب الانسان حينئذ بقية من الاطماع التي تدعو الى التكالب والخصام على اعراض هذه الحياة فهو من جانب يبذل اقصى ما يملك من الجهد والطاقة في الخلافة والنهوض بالتكاليف ومن جانب ينفض يده وقلبه من التعلق باعراض هذه الارض وثمرة هذا النشاط فقد حقق هذه الثمرات ليحقق معنى العبادة فيها لا ليحصل عليها ويحتجزها لذاته


والقران يغذي هذا الاحساس ويقويه باطلاق مشاعر الانسان من الانشغال بهم الرزق ومن شح النفس فالرزق في ذاته مكفول تكفل به الله تعالى لعباده وهو لا يطلب اليهم بطبيعة الحال ان يطعموه – سبحانه – او يرزقوه حين يكلفهم انفاق هذا المال لمحتاجيه والقيام بحق المحرومين فيه قال تعالى ( ما أريد منهم رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) 57 – 58 الذاريات .


اذا لا يكون حافز المؤمن للعمل وبذل الجهد في الخلافة هو الحرص على تحصيل الرزق بل يكون الحافز هو تحقيق معنى العبادة الذي يتحقق ببذل اقصى الجهد والطاقة ومن ثم يصبح قلب الانسان معلق بتحقيق معنى العبادة في الجهد طليقا من التعلق بنتائج الجهد ....... وهي مشاعر كريمة لا تنشا الا في ظل هذا التصور الكريم


اذا كانت البشرية لا تدرك هذه المشاعر ولا تتذوقها فذالك لانها لم تعش – كما عاش جيل المسلمين الاول – في ظلال هذا القران ولم تستمد قواعد حياتها من الدستور العظيم .وحين يرتفع هذا الانسان الى هذا الافق افق العبادة او افق العبودية ويستقر عليها فان نفسه تانف حتما من اتخاذ وسيلة خسيسة لتحقيق غاية كريمة ولو كانت هذه الغاية نصر دعوة الله وجعل كلمته هي العليا ومن جه اخرى فهو لا يعني نفسه ببلوغ الغايات انما يعني نفسه باداء الواجبات تحقيقا لمعنى العبادة في الاداء اما الغايات فموكلة لله ياتي بها وفق قدره الذي يريده ولا داعي لاعتكاف الوسائل والطرق للوصول الى غاية امرها الى الله وليس داخلة في حساب المؤمن العابد لله


ثم يستمتع العبد العابد براحة الضمير وطمانينة النفس وصلاح البال في جميع الاحوال سواء راى ثمرة عمله ام لم يراها تحققت كما قدرها ام على عكس ما قدرها فهو قد انهى عمله وضمن جزاءه عند تحقق معنى العبادة واستراح وما يقع بعد ذلك خارج عن حدود وظيفته ... وقد علم هو انه عبد فلم يعد يتجاوز بمشاعره ولا بمطالبة حدود العبد وعلم ان الله رب فلم يعد يقتحم فيما هو من شؤون الرب واستقرت مشاعره عند هذا الحد ورضي الله عنه ورضى هو عن الله

وهكذا تتجلى جوانب من تلك الحقيقة الضخمة الهائلة التي تقررها اية واحدة قصيرة( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) وهي حقيقة كفيلة بان تغير وجه الحياة كلها عندما تستقر حقا في الضمير ....