المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لو أن دابة بالعراق



سليم يوسف على
12-11-2008, 01:27 PM
" لو أن دابة بالعراق ........"
درنه - ليبيا


يحتل الرئيس الأمريكي فرانلكين روزفلت مكانة خاصة في تاريخ العالم المعاصر إذ أنه قد قاد بلاده باقتدار في الحرب العالمية الثانية ، ونجح قبلها في إخراجها من الكساد الاقتصادي العظيم ، كما انه الرئيس الأمريكي الوحيد الذى أعيد انتخابه ثلاث مرات.
وعندما مات روزفلت في يوم الثاني عشر من ابريل عام 1945، شعر العالم بخسارة كبيرة وأعترف حتى اليابانيون بمكانة هذا الرجل الخاصة على مسرح السياسة الدولية آنذاك . ومن بين عبارات المديح التي قالها مؤبنوه أسترعى انتباهي قول أحدهم عنه ما معناه " لقد كان روزفلت يؤمن بمبادئ الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص ولكن ليس على أنها مفاهيم مجردة بل أنها تتعلق بالإنسان كفرد متعين فى الزمان والمكان " .

ولعل القائل كان يلمح إلى ألمانيا النازية والى روسيا ستالين آنذاك حيث طغت الفكرة الأيدلوجية على كل شيء ، وطحنت آلة الحزب المتسلط الإنسان تحت نير الشعارات والمفاهيم المجردة .
ظللت أقلب النظر في ذلك القول ، حتى أنتقل بي الفكر إلى الماضي وتحديداً إلى القرن السابع الميلادي حيث حكم رجل صالح دولة واسعة مطبقاً العدالة والمساواة على مستوي البشر لا على مستوي النظر العقلي . ذلكم هو الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وبدايةً أقول أن سيدنا عمر لم يكن بدعاً في منهجه إذ كان يستقى من نبع القرآن والنبوة وكان له سلف صالح مباشر وهو سيدنا أبو بكر الصديق ولكننا أحببنا أن يكون الحديث عنه حتى لا يتسع نطاق القول .

إذا ألقينا نظرة سريعة على العالم المعمور في زمان عمر بن الخطاب لوجدنا ملكاً عضوضاً يسيطر على البلاد والعباد ويتصرف صاحبه كاله يحي ويميت ومن هنا كان العجب من ذلك الرجل الصالح والإعجاب بذلك الدين الذي صنعه .
لقد كان مفهوم العدالة عند سيدنا عمر متجسداً في رعيته كل فرد منها على حدة :
امرأة فقيرة تضع لأيتامها الحجر فى قدر الماء حتى يناموا ، ورجل يهودي هرم عجز عن الكسب ، ورجل من عوام الناس يضربه أبن الأمير .
بل أنسحب هذه الإحساس الحاد بوجوب العدل ليشتمل البهائم ، فلو عثرت دابة في العراق لتحمل هو وزر إهمال تمهيد طريقها .

وأنني أقول بيقين أن ما أمتدح به روزفلت في زمن شاعت فيه المبادئ الإنسانية ولو نظرياً كان متحققاً ً به سيدنا عمر بن الخطاب في زمن كان الظلم حقاً يمارسه الملك متى شاء على رعيته .

ولا يفهمن القارئ أنني لا أري تحقق روح العدالة الإسلامية إلا بظهور رجال مثل سيدنا عمر ، فهذا مطلب مرغوب ولكنه عزيز ، بل أنني أؤمن أن تلك العدالة يمكن تحقيقها عن طريق مؤسسات الدولة وأفرادها العاملين بها شريطة أن تشيع فيهم وبهم الروح العمرية النابعة من القرآن الكريم ومن أتباع الأسوة المحمدية الشريفة بروحها لا بمجرد نصوصها وحروفها .

وهذه الروح المتيقظة لضعف وهموم بني البشر، وهذا الإحساس الحاد إلى درجة الألم بمصاعب الآخرين وبوجوب العدل نحوهم ، أنما هو تخلق باسمين من أسماء الله الحسنى وهما الرحيم و العدل .

وأنني لأجد هذه الروح الراقية في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع العبد الصالح والمذكورة في سورة الكهف .فعندما عثر سيدنا موسي على العبد الصالح طلب منه أن يعلمه العلم الذي وهبه الله له أو حتى شيئاً منه .

إن المرء يتوقع أن ينتحي العبد الصالح بسيدنا موسى جانباً في مكان منعزل ويحدثه عن اسم الله الأعظم وعن أسرار الأسماء الحسنى وعن العرش والكرسي وغيرها من الحقائق العليا؛ ولكنه ماذا فعل ؟ لقد قاد موسي عليه السلام إلى عالم البشر ، عالم بني الإنسان حيث تدور أحداث الحياة اليومية وحيث يعيش ضعاف البشر وأقويائهم ، وعبر الرحلة تتركز عنايته اهتمامه على أناس فقراء بسطاء : أصحاب سفينة يكسبون رزقهم بنقل الناس بحراً وأيتام معدومين وأبوين من عوام الناس. فمن أجل كل هؤلاء وبأمر الله تعالى قام العبد الصالح بما قام به وإن خفيت حكمة أفعاله على المراقب . وهكذا يعود العلم اللدنى إلى عالم البشر ليتحقق المرء من انتشار الرحمة الإلهية الغامرة في ثناياه وكافة جوانبه .

وأخيراً أقول أن هناك تعبيراً شائعاً بيننا لست ادري ان كان حديثاً شريفاً أم أثراً حكيماً وهو تلك الجملة الموجزة التي تقول " الدين المعاملة " باستعمال أسلوب القصر وكأن الدين قصر فقط على المعاملة .

وهذ العبارة الدارجة و التي ذهبت الألسن ببهاء معناها تلخص كل ما أردنا الحديث عنه : فحسن معاملة الآخر هو إنزال لمفاهيم العدل والمساواة والخير من مستوي التجريد وتطبيقها على إنسان من لحم ودم ومشاعر ، يفرح كما تفرح ويألم كما تألم . وماهو الدين إن لم يكن حفظ الإنسان المؤمن واحترامه وإعلاء شأنه ؟