مروان
12-11-2008, 12:14 PM
ألناسخ والمنسوخ والحقيقة القرآنية
مروان محمد عبدالهادي
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:
مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ -البقرة 106
كثر الخلاف بين علماء الدين وكثرت الأسئلة حول الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، وهل قضية النسخ في القرآن قضية يقينية ام قضية ظنية وفيها أكثر من قول؟ وهل هناك إجماع بين العلماء على الآيات الناسخة والمنسوخة وعددها؟ وهل في السنة دليل على النسخ في القرآن؟ وإذا ما لاحظنا أخيرا أنه صلى الله عليه وسلم، لم يأمر أبدا أصحابه ان يضعوا آية من التنزيل مكان أخرى تحت مفهوم الناسخ والمنسوخ، ولم يصلنا بالتواتر أنه أشار إلى هذا المفهوم أو ذكره.
لتلمس الحقيقة حول هذا الموضوع يتوجب علينا أولاً معرفة التعريف الفقهي للناسخ والمنسوخ عند السادة العلماء.. كذلك يتوجب علينا إحاطة القارئ الكريم علما، بأن هنالك العديد من الكتب التي أُلفت في هذا الفن خصيصاً..فالنسخ هو: رفع حكم شرعي بخطاب شرعي متراخ عنه. والآيات المنسوخة في القرآن الكريم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم رفع الله حكمه وأبقى تلاوته!!كنسخ حكم آية الاعتداد من موت الزوج، إلى أربعة أشهر وعشر، بدلا من حول كامل، وذلك في قوله تعالى:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌحَكِيمٌ-البقرة:240
فنسخ الله حكمها بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ -البقرة 234
(لاحظ أية 234 من سورة البقرة تنسخ حكم أية رقم 240 من نفس السورة.!! ) وليس العكس! فالعجيب العجيب أن تنسخ آية نزلت، آية أخرى لم تنزل بعد.! والأعجب منه أن نعلق ما نشاء من الثياب على مشجب النسخ، إعتمادا على اجتهادات وتفاسير هي أضعف من أن يعتمد عليها في إعمال نص قرآني وحكم إلهي، أو في إبطاله ونسخه.
وقسم رفع الله حكمه وتلاوته!! قالت عائشة (ض) كان فيما أنزل عشر مرضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات. فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن. رواه الشيخان.) أى روى البخارى ومسلم هذا الحديث المنسوب الى رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، الذى يزعم أن هناك آية ملغاة فى النص ّ القرآنى، وملغاة أيضا فى حكمها الشرعى. وهذه الرواية لا تهدف الا الى التشكيك فى القرآن، وإلا فما هو الغرض من هذه الرواية؟ وكيف يمكن إثبات وجود هذه الاية أصلاً. .فالحديث المزعوم والمنسوب الى عائشة، رضي الله عنها ، إنما يقوي حجة اعداء الاسلام بأن القرآن ناقص ومُحرف.
وقسم رفع الله تلاوته وأبقى حكمه!!كنسخ تلاوة آية الرجم للزانيين المحصنين مع بقاء حكمها.!! كما رواه مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه... وفيه أنه قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، والذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله تعالى، لكتبتها!! "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة”. قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: قوله: الشيخ والشيخة الثيب والثيبة، فارجموهما البتة.!!
القائلون بنسخ تلاوة أية الرجم ، يتوجب عليهم إثبات وجود ألاية أصلاً قبل الحكم بنسخها ، ومرة اخرى نذكرهم بقول الحق سبحانه وتعالى:
" وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ - يونس36
لقد ذهب القائلون بالنسخ إلى أن الآية 2 من سورة النور:الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) قد نسخت آيتي النساء 15 و16 واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا * واللذان يأتيانها منكم آذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما. ونرى أن هذا خطأ، قاد إليه خطأ سبقه، هو الاعتقاد بجواز النسخ في الرسالة الواحدة. فالآية 15 تتحدث عن فاحشة بين النساء حصرا، عقوبتها الإمساك في البيوت بعد استكمال الشكل بالشهادة، وهي ما نسميه اليوم "السحاق"، والآية رقم 16 تتحدث عن فاحشة بين الذكور حصرا،(أللواط)والفاحشة في الآيتين ليست الزنا، إذ أن الزنا، جماع بين أنثى وذكر دون عقد شرعي، وهو ما استهدفته الآية 2 من سورة النور، ونصت على عقوبته بالجلد.
بعد هذا التعريف ، نجد لزاماً علينا أن نتفق جزئياً مع السادة العلماء.. بأن نسخ الايات، حقيقة قرآنية لا جدال فيها ، فالنص واضح وجلي ولكن اللبس هو في معنى النسخ، هل هوالحذف والإلغاء من بين دفتي القرآن الكريم؟ أم المقصود هو نسخ بعض الاحكام التي جاءت بها التوراة والانجيل من قبل؟ أي ان يكون النسخ والإنساء جاء على شريعة سابقة لرسالة رسول الله (ص) أو نسخ ما سبق من معجزات؟ سنحاول إنشاء الله إزالة هذا اللبس.. بتسليط الضوء قليلاُ على أدلة ألقائلين بالنسخ وردود المنكرين للنسخ في القرآن.
أدلة القائلين بالنسخ
1- الدليل الاول من القرأن
مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ -البقرة 106
ومعناها عند عامة العلماء أو جمهورهم: ما قاله ابن جرير الطبري في (جامع البيان) ونقله عنه الحافظ ابن كثير: قال: "ما ننسخ من آية.." ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله ونغيره، وذلك: أن نحوَل الحلال حراما!! والحرام حلالا!! والمباح محظور!!، والمحظور مباحا!! ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة. فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ. قال ابن كثير: وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ.. والأمر في ذلك قريب، لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء، ولحظ بعضهم أنه: رفع الحكم بدليل شرعي متأخر، ومن أدلتهم من القرآن أيضا قوله تعالى:
"وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون" النحل 101 قالوا: المراد بالتبديل هنا: النسخ
إقرار العلماء كافة بوجود النسخ
ومن الأدلة على شرعية النسخ أن العلماء.. من قديم قالوا بمبدأ النسخ، وذهبوا إلى أن في القرآن آيات منسوخة، وإن اختلفوا فيها اختلافا كثيرا!! فهذا يقول بنسخ هذه الآية، وآخر أو آخرون يعارضونه.. ولكن المحصلة النهائية أنهم جميعا أقروا بقاعدة النسخ
وجود المنسوخ بالفعل
ومن أدلة القائلين بالنسخ: وجود المنسوخ بالفعل، وليس أدل على جواز الأمر من وقوعه بالفعل، فإن الوقوع أقوى من مجرد الجواز، فإن الشيء قد يكون جائزا ولا يقع، ودليل الوجود عندهم،هو وجود آيات متعارضة في القرآن، ولا يمكن الجمع بينها، ولا تفسير لهذا التعارض في كتاب الله..!إلا أن إحداهما ناسخة والأخرى منسوخة..
ردود المنكرين للنسخ في القرآن
الاستدلال بآية: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. البقرة – 106
فالمقصود بالنسخ في الآية الكريمة هنا نسخ بعض الأحكام التي جاءت بها التوراة أو الإنجيل من قبل، كما قال تعالى في وصف الرسول في التوراة والإنجيل:
"يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" (الأعراف: 156)
فقد ذكر لنا القرآن أن الله تعالى حرم على بني إسرائيل طيبات أحلت لهم بسبب ظلمهم وبغيهم، كما قال تعالى:
: "فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (النساء: 161)، فجاء الإسلام فرد هذه الطيبات المحرمة إلى أصل الحلال
وهذه الآية:ما ننسخ من آية أو ننسها" قد جاءت في سورة البقرة تمهد لما شرعه الله تعالى لمحمد وأهل ملته من (نسخ القبلة) وتغييرها من (بيت المقدس) إلى (المسجد الحرام) كما كان يتمنى النبي (ص) ولذا قال له:
"قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ - البقرة 144
وقد أحدث يهود المدينة ضجة حول هذا التغيير، أو هذا النسخ للحكم القديم، ورد عليهم القرآن بقوله:
"سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل للهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىصِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"البقرة -142 فهذا رأي من آراء العلماء، نشاطره
أن المراد بالنسخ هو النسخ الواقع بين الشرائع السماوية بعضها وبعض، وهذا لا ينبغي أن ينكر. إن الآية التي هي عمدة القائلين بالنسخ ليست قاطعة الدلالة على قولهم، وأن قولهم بإنهاء حكم آية أو أكثر من كتاب الله من الخطورة ومن الأهمية، بحيث يحتاج إلى دليل قطعي يسنده، وإلا فإن الأصل أن آيات كتاب الله محكمة ملزمة، عامة دائمة ثابتة إلى يوم القيامة
إن جلَ ما ندعوا اليه هو التضييق الشديد في في دعاوى النسخ في كتاب الله، فإن الله تعالى لم ينزل كتابه إلا ليهتدى بهداه، ويعمل بأحكامه، وكل دعوى لنسخ آية أو بعض آية منه فهي على خلاف الأصل، وما جاء على خلاف الأصل لا يقبل إلا ببرهان يقطع الشك باليقين، ومصداقاً لقول الحق سبحانه:
مَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُون
مروان محمد عبدالهادي
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:
مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ -البقرة 106
كثر الخلاف بين علماء الدين وكثرت الأسئلة حول الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، وهل قضية النسخ في القرآن قضية يقينية ام قضية ظنية وفيها أكثر من قول؟ وهل هناك إجماع بين العلماء على الآيات الناسخة والمنسوخة وعددها؟ وهل في السنة دليل على النسخ في القرآن؟ وإذا ما لاحظنا أخيرا أنه صلى الله عليه وسلم، لم يأمر أبدا أصحابه ان يضعوا آية من التنزيل مكان أخرى تحت مفهوم الناسخ والمنسوخ، ولم يصلنا بالتواتر أنه أشار إلى هذا المفهوم أو ذكره.
لتلمس الحقيقة حول هذا الموضوع يتوجب علينا أولاً معرفة التعريف الفقهي للناسخ والمنسوخ عند السادة العلماء.. كذلك يتوجب علينا إحاطة القارئ الكريم علما، بأن هنالك العديد من الكتب التي أُلفت في هذا الفن خصيصاً..فالنسخ هو: رفع حكم شرعي بخطاب شرعي متراخ عنه. والآيات المنسوخة في القرآن الكريم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم رفع الله حكمه وأبقى تلاوته!!كنسخ حكم آية الاعتداد من موت الزوج، إلى أربعة أشهر وعشر، بدلا من حول كامل، وذلك في قوله تعالى:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌحَكِيمٌ-البقرة:240
فنسخ الله حكمها بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ -البقرة 234
(لاحظ أية 234 من سورة البقرة تنسخ حكم أية رقم 240 من نفس السورة.!! ) وليس العكس! فالعجيب العجيب أن تنسخ آية نزلت، آية أخرى لم تنزل بعد.! والأعجب منه أن نعلق ما نشاء من الثياب على مشجب النسخ، إعتمادا على اجتهادات وتفاسير هي أضعف من أن يعتمد عليها في إعمال نص قرآني وحكم إلهي، أو في إبطاله ونسخه.
وقسم رفع الله حكمه وتلاوته!! قالت عائشة (ض) كان فيما أنزل عشر مرضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات. فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن. رواه الشيخان.) أى روى البخارى ومسلم هذا الحديث المنسوب الى رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، الذى يزعم أن هناك آية ملغاة فى النص ّ القرآنى، وملغاة أيضا فى حكمها الشرعى. وهذه الرواية لا تهدف الا الى التشكيك فى القرآن، وإلا فما هو الغرض من هذه الرواية؟ وكيف يمكن إثبات وجود هذه الاية أصلاً. .فالحديث المزعوم والمنسوب الى عائشة، رضي الله عنها ، إنما يقوي حجة اعداء الاسلام بأن القرآن ناقص ومُحرف.
وقسم رفع الله تلاوته وأبقى حكمه!!كنسخ تلاوة آية الرجم للزانيين المحصنين مع بقاء حكمها.!! كما رواه مالك في الموطأ عن عمر رضي الله عنه... وفيه أنه قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، والذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله تعالى، لكتبتها!! "الشيخ والشيخة فارجموهما البتة”. قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: قوله: الشيخ والشيخة الثيب والثيبة، فارجموهما البتة.!!
القائلون بنسخ تلاوة أية الرجم ، يتوجب عليهم إثبات وجود ألاية أصلاً قبل الحكم بنسخها ، ومرة اخرى نذكرهم بقول الحق سبحانه وتعالى:
" وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ - يونس36
لقد ذهب القائلون بالنسخ إلى أن الآية 2 من سورة النور:الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) قد نسخت آيتي النساء 15 و16 واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا * واللذان يأتيانها منكم آذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما. ونرى أن هذا خطأ، قاد إليه خطأ سبقه، هو الاعتقاد بجواز النسخ في الرسالة الواحدة. فالآية 15 تتحدث عن فاحشة بين النساء حصرا، عقوبتها الإمساك في البيوت بعد استكمال الشكل بالشهادة، وهي ما نسميه اليوم "السحاق"، والآية رقم 16 تتحدث عن فاحشة بين الذكور حصرا،(أللواط)والفاحشة في الآيتين ليست الزنا، إذ أن الزنا، جماع بين أنثى وذكر دون عقد شرعي، وهو ما استهدفته الآية 2 من سورة النور، ونصت على عقوبته بالجلد.
بعد هذا التعريف ، نجد لزاماً علينا أن نتفق جزئياً مع السادة العلماء.. بأن نسخ الايات، حقيقة قرآنية لا جدال فيها ، فالنص واضح وجلي ولكن اللبس هو في معنى النسخ، هل هوالحذف والإلغاء من بين دفتي القرآن الكريم؟ أم المقصود هو نسخ بعض الاحكام التي جاءت بها التوراة والانجيل من قبل؟ أي ان يكون النسخ والإنساء جاء على شريعة سابقة لرسالة رسول الله (ص) أو نسخ ما سبق من معجزات؟ سنحاول إنشاء الله إزالة هذا اللبس.. بتسليط الضوء قليلاُ على أدلة ألقائلين بالنسخ وردود المنكرين للنسخ في القرآن.
أدلة القائلين بالنسخ
1- الدليل الاول من القرأن
مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ -البقرة 106
ومعناها عند عامة العلماء أو جمهورهم: ما قاله ابن جرير الطبري في (جامع البيان) ونقله عنه الحافظ ابن كثير: قال: "ما ننسخ من آية.." ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله ونغيره، وذلك: أن نحوَل الحلال حراما!! والحرام حلالا!! والمباح محظور!!، والمحظور مباحا!! ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة. فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ. قال ابن كثير: وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ.. والأمر في ذلك قريب، لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء، ولحظ بعضهم أنه: رفع الحكم بدليل شرعي متأخر، ومن أدلتهم من القرآن أيضا قوله تعالى:
"وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون" النحل 101 قالوا: المراد بالتبديل هنا: النسخ
إقرار العلماء كافة بوجود النسخ
ومن الأدلة على شرعية النسخ أن العلماء.. من قديم قالوا بمبدأ النسخ، وذهبوا إلى أن في القرآن آيات منسوخة، وإن اختلفوا فيها اختلافا كثيرا!! فهذا يقول بنسخ هذه الآية، وآخر أو آخرون يعارضونه.. ولكن المحصلة النهائية أنهم جميعا أقروا بقاعدة النسخ
وجود المنسوخ بالفعل
ومن أدلة القائلين بالنسخ: وجود المنسوخ بالفعل، وليس أدل على جواز الأمر من وقوعه بالفعل، فإن الوقوع أقوى من مجرد الجواز، فإن الشيء قد يكون جائزا ولا يقع، ودليل الوجود عندهم،هو وجود آيات متعارضة في القرآن، ولا يمكن الجمع بينها، ولا تفسير لهذا التعارض في كتاب الله..!إلا أن إحداهما ناسخة والأخرى منسوخة..
ردود المنكرين للنسخ في القرآن
الاستدلال بآية: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. البقرة – 106
فالمقصود بالنسخ في الآية الكريمة هنا نسخ بعض الأحكام التي جاءت بها التوراة أو الإنجيل من قبل، كما قال تعالى في وصف الرسول في التوراة والإنجيل:
"يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" (الأعراف: 156)
فقد ذكر لنا القرآن أن الله تعالى حرم على بني إسرائيل طيبات أحلت لهم بسبب ظلمهم وبغيهم، كما قال تعالى:
: "فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (النساء: 161)، فجاء الإسلام فرد هذه الطيبات المحرمة إلى أصل الحلال
وهذه الآية:ما ننسخ من آية أو ننسها" قد جاءت في سورة البقرة تمهد لما شرعه الله تعالى لمحمد وأهل ملته من (نسخ القبلة) وتغييرها من (بيت المقدس) إلى (المسجد الحرام) كما كان يتمنى النبي (ص) ولذا قال له:
"قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ - البقرة 144
وقد أحدث يهود المدينة ضجة حول هذا التغيير، أو هذا النسخ للحكم القديم، ورد عليهم القرآن بقوله:
"سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل للهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىصِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"البقرة -142 فهذا رأي من آراء العلماء، نشاطره
أن المراد بالنسخ هو النسخ الواقع بين الشرائع السماوية بعضها وبعض، وهذا لا ينبغي أن ينكر. إن الآية التي هي عمدة القائلين بالنسخ ليست قاطعة الدلالة على قولهم، وأن قولهم بإنهاء حكم آية أو أكثر من كتاب الله من الخطورة ومن الأهمية، بحيث يحتاج إلى دليل قطعي يسنده، وإلا فإن الأصل أن آيات كتاب الله محكمة ملزمة، عامة دائمة ثابتة إلى يوم القيامة
إن جلَ ما ندعوا اليه هو التضييق الشديد في في دعاوى النسخ في كتاب الله، فإن الله تعالى لم ينزل كتابه إلا ليهتدى بهداه، ويعمل بأحكامه، وكل دعوى لنسخ آية أو بعض آية منه فهي على خلاف الأصل، وما جاء على خلاف الأصل لا يقبل إلا ببرهان يقطع الشك باليقين، ومصداقاً لقول الحق سبحانه:
مَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُون