Mahmoud Muhammad
12-12-2008, 10:28 AM
[FONT="Courier New"]
يظن البعض أن ذو القرنين وهو الملك الصالح الذى ورد ذكره فى القرآن هو عينه الإسكندر المقدونى الذى يلقب بالإسكندر الأكبر ويعتنق هذه الرؤية غالبية المستشرقين فضلا عن بعض قدامى المفسرين والإخباريين المسلمين ولعل السبب فى ذلك بعض الكتابات الأسطورية والتى تنسب لمؤرخ يدعى Callisthenes وقد كان أحد المقربين للإسكندر المقدونى والمؤرخ الرسمى لبعض حملاته العسكرية وإن كان المتفق عليه هو أن هذه النسبة باطلة وأن هذه الكتابات هى فى حقيقة الأمر مؤلفة من مصارة هيلينية ومسيحية مبكرة سابقة عليها وقد يسمى مؤلفها ب Pseudo - Callisthenes .
وتعرف هذه الكتابات بإسم Alexander's romance وقد تعرضت على مر السنين للكثير من المراجعات والأعمال التحريرية ويوجد منها نسخ بلغات متعددة منها اليونانية والأرمينية واللاتينية
والمقصود أن وجود ما زعموا أنه تشابه بين بعض ما ورد فى القرآن عن ذى القرنين وبين ما ورد فى تلك الكتابات
عن الإسكندر هو ما حدا بالمستشرقين وربما قدامى المفسرين والإخباريين ـ الذين ربما انتهت إليهم محتويات تلك الكتابات بصورة أو بأخرى ـ لإعتناق هذه الرؤية وهى باطلة لاشك وإن كان الدافع وراء موقف كل من الفريقين متابين
أما فريق المستشرقين فلا شك الدافع وراء تبنيهم هذه الرؤية هو هوسهم بإيجاد مصدرية لاسيما المصدرية الكتابية ( التوراتية الإنجيلية ) أو الأسطورية لم ورد فى القرآن من قصص ونحو ذلك
وأما الإخباريون ـ وعنهم ينقل كثير من المفسرين ـ فلأنهم ربما وجودا فيها ما عدُّوه سندا تاريخيا أو مصداقا لما ورد فى القرآن الكريم عن ملك صالح مكن الله له فى الأرض وآتاه أسباب القوة والسلطان فى الأزمان الغابرة لاسيما أن كثير منهم إن لم يكن جميعهم حاطب ليل لا يفرق بين الغث والثمين
وقد تنبه لفساد هذه الرؤية كثير من العلماء منهم ابن كثير رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية الذى نبه على ذلك فى غير موضع من كتبه
يقول ابن كثير رحمه الله :
عن قتادة قال : اسكندر هو ذو القرنين وأبوه أول القياصرة وكان من ولد سام بن نوح عليه السلام .
فأما ذو القرنين الثاني فهو اسكندر بن فيلبس ... بن رومي بن الأصفر بن يقز بن العيص بن إسحق بن إبراهيم الخليل كذا نسبه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ، المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم وكان متأخرا عن الأول بدهر طويل ، كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرطاطاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم.
وإنما نبهنا عليه لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرطاطاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير وفساد عريض طويل كثير، فإن الأول كان عبدا مؤمنا صالحا وملكا عادلا ... ، وأما الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا وقد كان بين زمانهما أزيد من ألفي سنة فأين هذا من هذا لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور . انتهى كلام ابن كثير رحمه الله .
وبالإضافة لما ذكره ابن كثير من الإسباب المانعة من كون الإسكندر المقدونى هو ذو القرنين ـ من جهة كونه مشركا بل و شاذا جنسيا كما يقال ـ أن الأول لم يتوسع بحملاته غربا إنما امتدت حملاته جنوبا نحو مصر وشرقا نحو الأناضول و الهلال الخصيب وما يلى ذلك من بلاد الشرق كفارس وبلاد ما وراء النهر .
والراجح عندى أن ذو القرنين هو كورش الأخمينى الذى ورد ذكره فى العهد القديم وقد تبنى هذه الرؤية بعض العلماء المتأخرين كالعلامة الشيخ الجليل أبو الأعلى المودوى فى تفسيره { تفهيم القرآن }
وكورش استطاع مواصلة فتوحاته حتى مغرب الشمس عند العين الحمئة ورأى الشمس فى منظره تغرب فى تلك العين ( البحر الاسود ) وهذا شأن كل من انتهى الى ساحل البحر فإنه يرى الشمس عند الغروب وكأنها تغرب فيه
كما أن غزواته امتدت شرقا تجاه أواسط آسيا فوجد أناسا تطلع عليهم الشمس ولا ستر لهم دونها والمقصود أنهم من توحشهم وهمجيتهم لم يتخذوا مساكن تقيهم من حر الشمس يأوون إليها كما قال المفسرون
يقول ول ديورانت فى كتاب قصة الحضارة ، المجلد الأول ، الجزء الثانى ، ص 405 :
ذلك أنه ( أى كورش ) لما فرغ من فتح الشرق الأدنى بأجمعه وضمه إلى ملكه
أراد أن يحرر ميديا وفارس من غزو البدو الهمج الضاربين في أواسط آسية. ويلوح أنه أوغل في حملاته حتى وصل إلى ضفاف نهر جيحون شمالاً وإلى الهند شرقا . انتهى
وقد استعان بذي القرنين شعب يقطن منطقة ما بين السدين (لعل السدين هما سلسلة جبال الهملايا ، وأحد جبال هندوكوش أو جبال تيان شان أو كون لون أو آلتاي) ، ولعل تلك المنطقة (بين السدّين) تقع قرب أو عند منابع نهري جيحون وسيحون ونهر السند ونحو حوض تاريم وعقدة البامير التي منها تتشعب تلك السلاسل الجبلية
لبناء ردم حديدي مفروغ عليه القطر (لعله النحاس) ساوى به مابين الصدفين وسدّ على تلك الشعوب الأعرابية الآسيوية التي تأتي من مناطق ما وراء السدين (ياجوج وماجوج) منفذها ومعبرها.وقد تمكّن ذو القرنين من إنشاء ذلك الردم الحديدي الذي كان رحمة من الله لذلك الشعب القاطن في تلك النواحي (وهناك بتلك النواحي إقليم مزار شريف بأفغانستان وهو غني جدا بالحديد والنحاس )
انظر الرابط التالى وبه خريطة توضح مملكة كورش الأخمينى وامتدادها
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/en/3/3c/Persia-Cyrus2-World3.png
يقول الشيخ الطباطبائى عن كورش الأخمينى :
هو مؤمن بالله وباليوم الآخر، يدل على ذلك ما في كتب العهد العتيق ككتاب عزرا، الإصحاح 1 و كتاب دانيال، (الإصحاح 6) وكتاب أشعيا، (الإصحاح 44 و 45) من تجليله وتقديسه حتى سماه في كتاب الأشعياء «راعي الرب» وقال في الإصحاح الخامس والأربعين: «هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أمما وأحقاء ملوك أحل لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق. أنا أسير قدامك والهضاب أمهد أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف. وأعطيك ذخائر الظلمة و كنوز المخابي. لكي تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك. لقبتك وأنت لست تعرفني».
ولو قطع النظر عن كونه وحيا فاليهود على ما بهم من العصبية المذهبية لا يعدون رجلا مشركا مجوسيا أو وثنيا لو كان كورش كذلك مسيحا إلهيا مهديا مؤيدا وراعيا للرب.
على أن النقوش والكتابات المخطوطة بالخط المسماري المأثور عن داريوش الكبير وبينهما من الفصل الزماني ثماني سنين ناطقة بكونه موحدا غير مشرك، وليس من المعقول أن يتغير ما كان عليه كورش في هذا الزمن القصير.
وأما فضائله النفسانية فيكفي في ذلك الرجوع إلى المحفوظ من أخباره وسيرته وما قابل به الطغاة والجبابرة الذين خرجوا عليه أو حاربهم كملوك «ماد» و «ليديا» و «بابل» و «مصر» وطغاة البدو في أطراف «بكتريا» وهو البلخ وغيرهم، وكان كلما ظهر على قوم عفا عن مجرميهم، وأكرم كريمهم ورحم ضعيفهم وساس مفسدهم وخائنهم.
وقد أثنى عليه كتب العهد القديم، واليهود يحترمه أعظم الاحترام لما نجاهم من إسارة بابل وأرجعهم إلى بلادهم وبذل لهم الأموال لتجديد بناء الهيكل ورد إليهم نفائس الهيكل المنهوبة المخزونة في خزائن ملوك بابل، وهذا في نفسه مؤيد لكون ذي القرنين هو كورش فإن السؤال عن ذي القرنين إنما كان بتلقين من اليهود على ما في الروايات.
وقد ذكره مؤرخو يونان القدماء كهرودت وغيره فلم يسعهم إلا أن يصفوه بالمروة والفتوة والسماحة والكرم والصفح وقلة الحرص والرحمة والرأفة ويثنوا عليه بأحسن الثناء ) .
ومما يؤيد ذلك أيضا أن كورش كان يرتدى تاجا له قرنان حيث نقرأ فى دائرة المعارف الكتابية عن مقال عن نقش بارز يمثل كورش الأخمينى :
The stone shows Cyrus standing, looking to the right, draped in a fringed garment resembling those worn by the ancientBabylonians, reaching to the feet. His hair is combed back in the Persian style, and upon his head is an elaborate Egyptian crown, two horns extending to front and back
http://www.searchgodsword.org/enc/isb/view.cgi?number=T2485
انظر صورة النقش البارز الذى يمثل كورش فى الرابط التالى :
http://en.wikipedia.org/wiki/Image:Olympic_Park_Cyrus.jpg
علاوة على ذلك فإن اليهود عندما أمروا مشركى مكة أن يسألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن ذى القرنين كى يختبروا صدقه فالراجح أنهم إنما يأمرونهم أن يسألوا عن شخصية يجدونها عندهم فى كتبهم وهذا ما ينطبق على كورش الأخمينى بخلاف الإسكندر
لاسيما وأن ملوك ميديا وفارس فى العهد القديم ( سفر دانيال الإصحاح 8 ) يرمز لهم بكبش أقرن ( له قرنان ) وكورش قد جمع فى يده مُلْك ميديا وفارس ولعله لهذا السبب سمُى بذى القرنين .
وبتقدير أنه يوجد فى النقوش والمخطوطات الأثرية ما يتعارض مع كونه كان عبدا مؤمنا
فيقال فى مثل هذا أنه قد يكون زعماً كما زعمت اليهود بأسفارهم بكفر سليمان عليه السلام،وقد نفى ذلك القرآن، وكما برّأ الله موسى عليه السلام مما قالوا وكما تقوّلوا على مريم عليها السلام وقولهم بقتل المسيح،وورد بصحيح البخاري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الآزلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قاتلهم الله، أما والله قد علموا أنهما لم يستقسما بها قط). فالنقوش والآثار القديمة كثيراً ما تحرّف وتزيّف الحقائق وتأتي بها حسب ما يريده الملأ،وليس بالضرورة ما كان حقاً.**
أما قول الله تعالى : قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا .
فالقول من الله هاهنا قول إلهام كما ذكر غير واحد من المفسرين
يقول صاحب الميزان :
القول المنسوب إليه تعالى في القرآن يستعمل في الوحي النبوي و في الإبلاغ بواسطة الوحي كقوله تعالى: «و قلنا يا آدم اسكن»: البقرة: 35 و قوله: «و إذ قلنا ادخلوا هذه القرية»: البقرة: 58، و يستعمل في الإلهام الذي ليس من النبوة كقوله «و أوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه»: القصص: 7.
و به يظهر أن قوله: «قلنا يا ذا القرنين» إلخ لا يدل على كونه نبيا يوحى إليه لكون قوله تعالى أعم من الوحي المختص بالنبوة .
وكما تقدم
فإن كوروش قد بسط سلطانه على المنطقة الممتدة من كازاخستان وقرعيزستان شرقا حتى تركيا غربا
و أوضحت أن العين الحمئة التى ورد ذكرها فى القرآن ربما تكون البحر الأسود
وأن ذو القرنين لما بلغ مغرب الشمس وهو أقصى ما انتهى اليه كوروش من جهة المغرب
رأى الشمس فى منظره تغرب في العين الحمئة ( وهى البحر الأسود كما سيأتى بيانه ) وأن هذا شأن كل من انتهى إلى ساحل البحر فإنه يرى الشمس كأنها تغرب فيه عند الغروب وهذا ما ذكره غير واحد من المفسرين كإبن كثير والقرطبى والسيوطى .
والحديث فى هذه الجزئية عن تحديد العين الحمئة وتعيين موقعها جغرافيا بناءا على ما ذكرته واستنادا لما يقتضيه نص القرآن وبعض الحقائق العلمية .
أولاً معنى كلمة حمئة : قال السيوطى
ذَات حَمْأَة وَهِيَ الطِّين الْأَسْوَد وقال القرطبى :أَيْ كَثِيرَة الْحَمْأَة وَهِيَ الطِّينَة السَّوْدَاء
وفى محيط المحيط :الحَمْأَةُ و الحَمَأُ الطين الأَسود المُنتن
لماذا سمى البحر الأسود بهذا الإسم :
تذكر الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا ) فى مقال عن البحر الأسود : أن السبب العلمى للتسمية إنما يرجع لوجود طبقة من غاز كبرتيد الهيدروجين تبدأ على عمق 200 متر والذى لا يسمح بوجود حياة عند تلك الاعماق والذى يدعم نوعا خاصا من البكتيريا تستطيع القيام بأكسدة الميثان أكسدة لاهوائية باستخدام الكبريتات وينتج من ذلك رواسب سوداء حيث تقوم تلك البكتيريا بأكسدة المواد العضوية التى تهبط بكميات كبيرة إلى الطبقة السفلى من مياة البحر الأسود ـ والتى تفتقر للأكسجين بسبب استهلاكه بواسطة البكتيريا التى لا يمكنها استخدام الكبريتات فى أكسدة المواد العضوية biomass ـ ونتيجة لأكسدة المواد العضوية تلك ـ لاسيما الميثان ـ أكسدة لاهوائية تنتج رواسب سوداء وتسمى هذه الرواسب sapropels وهى كلمة يونانية الأصل مكونة من مقطعين الأول وهو sapros ويعنى تعفن والثانى pelos ويعنى طين .
وكذلك ينتج غاز كبرتيد الهيدروجين السام وهذا عين ما يحدث فى المستنقعات ومجارى الصرف الصحى حيث يوجد رواسب سوداء طينية منتنة نتيجة لأكسدة المواد العضوية أكسدة لا هوائية
ولعل ما سبق يفسر الوصف القرآنى للعين بانها حمئة أى ذات حمأة كثيرة أو خالطتها الحمأة وهو الطين الاسود المنتن كما سبق وأن أوضحنا والطريف أن نفس هذه الحمأة أو الرواسب الطينية السوداء هى العلة من تسميه البحر الاسود بهذا الاسم .!!
In naval science, the Black Sea is thought to have received its name because of its hydrogen sulfide layer that begins about 200 meters below the surface, and supports a unique microbial population which produces black sediments probably due to Anaerobic Methane oxidation
http://en.wikipedia.org/wiki/Black_Sea#Name
وقد يعزى كون العين ( البحر الأسود ) حمئة ألى وجود ما يسمى بالبراكين الطينية mud volcanoes والذى يوجد فى المنطقة المنبسطة abyssal plain من قاع البحر الأسود وكذلك عند شواطئه .
وكذلك قد يعزى كونها حارة على قراءة من قرأ ( عين حامية ) من القراء إلى وجود نظام هيدروحرارى تحت قاع البحر
active sea-floor-hydrothermal system وما بنتج عن ذلك من ما يسمى hydrothermal vent
او شق هيدروحرارى والذى من خلاله ينبثق ماء مسخن جيوحراريا من باطن الأرض أو قاع البحر او المحيط .
http://geology.geoscienceworld.org/cgi/content/abstract/26/5/439
http://en.wikipedia.org/wiki/Hydrothermal_vent
http://en.wikipedia.org/wiki/Mud_volcano
وجدير بالذكر وهو ما ذكره القرطبى رحمه الله فى تفسيره أن حمئة وحامية من الجائز أنها بمعنى واحد أى طينية كما يقال خاطية من الخطأ وكذا حامية من الحمأ
ملحوظة : استفدت بعض الأفكار من مقال منشور على موقع الخيمة بعنوان " يأجوج ومأحوج أعراب وسط وشمال آسيا وأقاصى الأرض " . [/FONT
تم تغيير حجم الخط من (5) الى (4) تعديلا لحجم المشاركة العرضي وتسهيلا للقراءة ( مشرف 1 )
يظن البعض أن ذو القرنين وهو الملك الصالح الذى ورد ذكره فى القرآن هو عينه الإسكندر المقدونى الذى يلقب بالإسكندر الأكبر ويعتنق هذه الرؤية غالبية المستشرقين فضلا عن بعض قدامى المفسرين والإخباريين المسلمين ولعل السبب فى ذلك بعض الكتابات الأسطورية والتى تنسب لمؤرخ يدعى Callisthenes وقد كان أحد المقربين للإسكندر المقدونى والمؤرخ الرسمى لبعض حملاته العسكرية وإن كان المتفق عليه هو أن هذه النسبة باطلة وأن هذه الكتابات هى فى حقيقة الأمر مؤلفة من مصارة هيلينية ومسيحية مبكرة سابقة عليها وقد يسمى مؤلفها ب Pseudo - Callisthenes .
وتعرف هذه الكتابات بإسم Alexander's romance وقد تعرضت على مر السنين للكثير من المراجعات والأعمال التحريرية ويوجد منها نسخ بلغات متعددة منها اليونانية والأرمينية واللاتينية
والمقصود أن وجود ما زعموا أنه تشابه بين بعض ما ورد فى القرآن عن ذى القرنين وبين ما ورد فى تلك الكتابات
عن الإسكندر هو ما حدا بالمستشرقين وربما قدامى المفسرين والإخباريين ـ الذين ربما انتهت إليهم محتويات تلك الكتابات بصورة أو بأخرى ـ لإعتناق هذه الرؤية وهى باطلة لاشك وإن كان الدافع وراء موقف كل من الفريقين متابين
أما فريق المستشرقين فلا شك الدافع وراء تبنيهم هذه الرؤية هو هوسهم بإيجاد مصدرية لاسيما المصدرية الكتابية ( التوراتية الإنجيلية ) أو الأسطورية لم ورد فى القرآن من قصص ونحو ذلك
وأما الإخباريون ـ وعنهم ينقل كثير من المفسرين ـ فلأنهم ربما وجودا فيها ما عدُّوه سندا تاريخيا أو مصداقا لما ورد فى القرآن الكريم عن ملك صالح مكن الله له فى الأرض وآتاه أسباب القوة والسلطان فى الأزمان الغابرة لاسيما أن كثير منهم إن لم يكن جميعهم حاطب ليل لا يفرق بين الغث والثمين
وقد تنبه لفساد هذه الرؤية كثير من العلماء منهم ابن كثير رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية الذى نبه على ذلك فى غير موضع من كتبه
يقول ابن كثير رحمه الله :
عن قتادة قال : اسكندر هو ذو القرنين وأبوه أول القياصرة وكان من ولد سام بن نوح عليه السلام .
فأما ذو القرنين الثاني فهو اسكندر بن فيلبس ... بن رومي بن الأصفر بن يقز بن العيص بن إسحق بن إبراهيم الخليل كذا نسبه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ، المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم وكان متأخرا عن الأول بدهر طويل ، كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرطاطاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم.
وإنما نبهنا عليه لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرطاطاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير وفساد عريض طويل كثير، فإن الأول كان عبدا مؤمنا صالحا وملكا عادلا ... ، وأما الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا وقد كان بين زمانهما أزيد من ألفي سنة فأين هذا من هذا لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق الأمور . انتهى كلام ابن كثير رحمه الله .
وبالإضافة لما ذكره ابن كثير من الإسباب المانعة من كون الإسكندر المقدونى هو ذو القرنين ـ من جهة كونه مشركا بل و شاذا جنسيا كما يقال ـ أن الأول لم يتوسع بحملاته غربا إنما امتدت حملاته جنوبا نحو مصر وشرقا نحو الأناضول و الهلال الخصيب وما يلى ذلك من بلاد الشرق كفارس وبلاد ما وراء النهر .
والراجح عندى أن ذو القرنين هو كورش الأخمينى الذى ورد ذكره فى العهد القديم وقد تبنى هذه الرؤية بعض العلماء المتأخرين كالعلامة الشيخ الجليل أبو الأعلى المودوى فى تفسيره { تفهيم القرآن }
وكورش استطاع مواصلة فتوحاته حتى مغرب الشمس عند العين الحمئة ورأى الشمس فى منظره تغرب فى تلك العين ( البحر الاسود ) وهذا شأن كل من انتهى الى ساحل البحر فإنه يرى الشمس عند الغروب وكأنها تغرب فيه
كما أن غزواته امتدت شرقا تجاه أواسط آسيا فوجد أناسا تطلع عليهم الشمس ولا ستر لهم دونها والمقصود أنهم من توحشهم وهمجيتهم لم يتخذوا مساكن تقيهم من حر الشمس يأوون إليها كما قال المفسرون
يقول ول ديورانت فى كتاب قصة الحضارة ، المجلد الأول ، الجزء الثانى ، ص 405 :
ذلك أنه ( أى كورش ) لما فرغ من فتح الشرق الأدنى بأجمعه وضمه إلى ملكه
أراد أن يحرر ميديا وفارس من غزو البدو الهمج الضاربين في أواسط آسية. ويلوح أنه أوغل في حملاته حتى وصل إلى ضفاف نهر جيحون شمالاً وإلى الهند شرقا . انتهى
وقد استعان بذي القرنين شعب يقطن منطقة ما بين السدين (لعل السدين هما سلسلة جبال الهملايا ، وأحد جبال هندوكوش أو جبال تيان شان أو كون لون أو آلتاي) ، ولعل تلك المنطقة (بين السدّين) تقع قرب أو عند منابع نهري جيحون وسيحون ونهر السند ونحو حوض تاريم وعقدة البامير التي منها تتشعب تلك السلاسل الجبلية
لبناء ردم حديدي مفروغ عليه القطر (لعله النحاس) ساوى به مابين الصدفين وسدّ على تلك الشعوب الأعرابية الآسيوية التي تأتي من مناطق ما وراء السدين (ياجوج وماجوج) منفذها ومعبرها.وقد تمكّن ذو القرنين من إنشاء ذلك الردم الحديدي الذي كان رحمة من الله لذلك الشعب القاطن في تلك النواحي (وهناك بتلك النواحي إقليم مزار شريف بأفغانستان وهو غني جدا بالحديد والنحاس )
انظر الرابط التالى وبه خريطة توضح مملكة كورش الأخمينى وامتدادها
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/en/3/3c/Persia-Cyrus2-World3.png
يقول الشيخ الطباطبائى عن كورش الأخمينى :
هو مؤمن بالله وباليوم الآخر، يدل على ذلك ما في كتب العهد العتيق ككتاب عزرا، الإصحاح 1 و كتاب دانيال، (الإصحاح 6) وكتاب أشعيا، (الإصحاح 44 و 45) من تجليله وتقديسه حتى سماه في كتاب الأشعياء «راعي الرب» وقال في الإصحاح الخامس والأربعين: «هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أمما وأحقاء ملوك أحل لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق. أنا أسير قدامك والهضاب أمهد أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف. وأعطيك ذخائر الظلمة و كنوز المخابي. لكي تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك. لقبتك وأنت لست تعرفني».
ولو قطع النظر عن كونه وحيا فاليهود على ما بهم من العصبية المذهبية لا يعدون رجلا مشركا مجوسيا أو وثنيا لو كان كورش كذلك مسيحا إلهيا مهديا مؤيدا وراعيا للرب.
على أن النقوش والكتابات المخطوطة بالخط المسماري المأثور عن داريوش الكبير وبينهما من الفصل الزماني ثماني سنين ناطقة بكونه موحدا غير مشرك، وليس من المعقول أن يتغير ما كان عليه كورش في هذا الزمن القصير.
وأما فضائله النفسانية فيكفي في ذلك الرجوع إلى المحفوظ من أخباره وسيرته وما قابل به الطغاة والجبابرة الذين خرجوا عليه أو حاربهم كملوك «ماد» و «ليديا» و «بابل» و «مصر» وطغاة البدو في أطراف «بكتريا» وهو البلخ وغيرهم، وكان كلما ظهر على قوم عفا عن مجرميهم، وأكرم كريمهم ورحم ضعيفهم وساس مفسدهم وخائنهم.
وقد أثنى عليه كتب العهد القديم، واليهود يحترمه أعظم الاحترام لما نجاهم من إسارة بابل وأرجعهم إلى بلادهم وبذل لهم الأموال لتجديد بناء الهيكل ورد إليهم نفائس الهيكل المنهوبة المخزونة في خزائن ملوك بابل، وهذا في نفسه مؤيد لكون ذي القرنين هو كورش فإن السؤال عن ذي القرنين إنما كان بتلقين من اليهود على ما في الروايات.
وقد ذكره مؤرخو يونان القدماء كهرودت وغيره فلم يسعهم إلا أن يصفوه بالمروة والفتوة والسماحة والكرم والصفح وقلة الحرص والرحمة والرأفة ويثنوا عليه بأحسن الثناء ) .
ومما يؤيد ذلك أيضا أن كورش كان يرتدى تاجا له قرنان حيث نقرأ فى دائرة المعارف الكتابية عن مقال عن نقش بارز يمثل كورش الأخمينى :
The stone shows Cyrus standing, looking to the right, draped in a fringed garment resembling those worn by the ancientBabylonians, reaching to the feet. His hair is combed back in the Persian style, and upon his head is an elaborate Egyptian crown, two horns extending to front and back
http://www.searchgodsword.org/enc/isb/view.cgi?number=T2485
انظر صورة النقش البارز الذى يمثل كورش فى الرابط التالى :
http://en.wikipedia.org/wiki/Image:Olympic_Park_Cyrus.jpg
علاوة على ذلك فإن اليهود عندما أمروا مشركى مكة أن يسألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن ذى القرنين كى يختبروا صدقه فالراجح أنهم إنما يأمرونهم أن يسألوا عن شخصية يجدونها عندهم فى كتبهم وهذا ما ينطبق على كورش الأخمينى بخلاف الإسكندر
لاسيما وأن ملوك ميديا وفارس فى العهد القديم ( سفر دانيال الإصحاح 8 ) يرمز لهم بكبش أقرن ( له قرنان ) وكورش قد جمع فى يده مُلْك ميديا وفارس ولعله لهذا السبب سمُى بذى القرنين .
وبتقدير أنه يوجد فى النقوش والمخطوطات الأثرية ما يتعارض مع كونه كان عبدا مؤمنا
فيقال فى مثل هذا أنه قد يكون زعماً كما زعمت اليهود بأسفارهم بكفر سليمان عليه السلام،وقد نفى ذلك القرآن، وكما برّأ الله موسى عليه السلام مما قالوا وكما تقوّلوا على مريم عليها السلام وقولهم بقتل المسيح،وورد بصحيح البخاري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الآزلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قاتلهم الله، أما والله قد علموا أنهما لم يستقسما بها قط). فالنقوش والآثار القديمة كثيراً ما تحرّف وتزيّف الحقائق وتأتي بها حسب ما يريده الملأ،وليس بالضرورة ما كان حقاً.**
أما قول الله تعالى : قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا .
فالقول من الله هاهنا قول إلهام كما ذكر غير واحد من المفسرين
يقول صاحب الميزان :
القول المنسوب إليه تعالى في القرآن يستعمل في الوحي النبوي و في الإبلاغ بواسطة الوحي كقوله تعالى: «و قلنا يا آدم اسكن»: البقرة: 35 و قوله: «و إذ قلنا ادخلوا هذه القرية»: البقرة: 58، و يستعمل في الإلهام الذي ليس من النبوة كقوله «و أوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه»: القصص: 7.
و به يظهر أن قوله: «قلنا يا ذا القرنين» إلخ لا يدل على كونه نبيا يوحى إليه لكون قوله تعالى أعم من الوحي المختص بالنبوة .
وكما تقدم
فإن كوروش قد بسط سلطانه على المنطقة الممتدة من كازاخستان وقرعيزستان شرقا حتى تركيا غربا
و أوضحت أن العين الحمئة التى ورد ذكرها فى القرآن ربما تكون البحر الأسود
وأن ذو القرنين لما بلغ مغرب الشمس وهو أقصى ما انتهى اليه كوروش من جهة المغرب
رأى الشمس فى منظره تغرب في العين الحمئة ( وهى البحر الأسود كما سيأتى بيانه ) وأن هذا شأن كل من انتهى إلى ساحل البحر فإنه يرى الشمس كأنها تغرب فيه عند الغروب وهذا ما ذكره غير واحد من المفسرين كإبن كثير والقرطبى والسيوطى .
والحديث فى هذه الجزئية عن تحديد العين الحمئة وتعيين موقعها جغرافيا بناءا على ما ذكرته واستنادا لما يقتضيه نص القرآن وبعض الحقائق العلمية .
أولاً معنى كلمة حمئة : قال السيوطى
ذَات حَمْأَة وَهِيَ الطِّين الْأَسْوَد وقال القرطبى :أَيْ كَثِيرَة الْحَمْأَة وَهِيَ الطِّينَة السَّوْدَاء
وفى محيط المحيط :الحَمْأَةُ و الحَمَأُ الطين الأَسود المُنتن
لماذا سمى البحر الأسود بهذا الإسم :
تذكر الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا ) فى مقال عن البحر الأسود : أن السبب العلمى للتسمية إنما يرجع لوجود طبقة من غاز كبرتيد الهيدروجين تبدأ على عمق 200 متر والذى لا يسمح بوجود حياة عند تلك الاعماق والذى يدعم نوعا خاصا من البكتيريا تستطيع القيام بأكسدة الميثان أكسدة لاهوائية باستخدام الكبريتات وينتج من ذلك رواسب سوداء حيث تقوم تلك البكتيريا بأكسدة المواد العضوية التى تهبط بكميات كبيرة إلى الطبقة السفلى من مياة البحر الأسود ـ والتى تفتقر للأكسجين بسبب استهلاكه بواسطة البكتيريا التى لا يمكنها استخدام الكبريتات فى أكسدة المواد العضوية biomass ـ ونتيجة لأكسدة المواد العضوية تلك ـ لاسيما الميثان ـ أكسدة لاهوائية تنتج رواسب سوداء وتسمى هذه الرواسب sapropels وهى كلمة يونانية الأصل مكونة من مقطعين الأول وهو sapros ويعنى تعفن والثانى pelos ويعنى طين .
وكذلك ينتج غاز كبرتيد الهيدروجين السام وهذا عين ما يحدث فى المستنقعات ومجارى الصرف الصحى حيث يوجد رواسب سوداء طينية منتنة نتيجة لأكسدة المواد العضوية أكسدة لا هوائية
ولعل ما سبق يفسر الوصف القرآنى للعين بانها حمئة أى ذات حمأة كثيرة أو خالطتها الحمأة وهو الطين الاسود المنتن كما سبق وأن أوضحنا والطريف أن نفس هذه الحمأة أو الرواسب الطينية السوداء هى العلة من تسميه البحر الاسود بهذا الاسم .!!
In naval science, the Black Sea is thought to have received its name because of its hydrogen sulfide layer that begins about 200 meters below the surface, and supports a unique microbial population which produces black sediments probably due to Anaerobic Methane oxidation
http://en.wikipedia.org/wiki/Black_Sea#Name
وقد يعزى كون العين ( البحر الأسود ) حمئة ألى وجود ما يسمى بالبراكين الطينية mud volcanoes والذى يوجد فى المنطقة المنبسطة abyssal plain من قاع البحر الأسود وكذلك عند شواطئه .
وكذلك قد يعزى كونها حارة على قراءة من قرأ ( عين حامية ) من القراء إلى وجود نظام هيدروحرارى تحت قاع البحر
active sea-floor-hydrothermal system وما بنتج عن ذلك من ما يسمى hydrothermal vent
او شق هيدروحرارى والذى من خلاله ينبثق ماء مسخن جيوحراريا من باطن الأرض أو قاع البحر او المحيط .
http://geology.geoscienceworld.org/cgi/content/abstract/26/5/439
http://en.wikipedia.org/wiki/Hydrothermal_vent
http://en.wikipedia.org/wiki/Mud_volcano
وجدير بالذكر وهو ما ذكره القرطبى رحمه الله فى تفسيره أن حمئة وحامية من الجائز أنها بمعنى واحد أى طينية كما يقال خاطية من الخطأ وكذا حامية من الحمأ
ملحوظة : استفدت بعض الأفكار من مقال منشور على موقع الخيمة بعنوان " يأجوج ومأحوج أعراب وسط وشمال آسيا وأقاصى الأرض " . [/FONT
تم تغيير حجم الخط من (5) الى (4) تعديلا لحجم المشاركة العرضي وتسهيلا للقراءة ( مشرف 1 )