سالم
12-26-2008, 04:38 AM
أوهام
في كشف الإيهام
بقلم
د/بسام الغانم العطاوي
أستاذ السنة وعلومها في كلية المعلمين في جامعة الملك فيصل في الدمام
غرة رجب 1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أوهام في كشف الإيهام
بقلم د/ بسام الغانم العطاوي
أستاذ السنة وعلومها في كلية المعلمين في جامعة الملك فيصل في الدمام
الحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
أما بعد :
فقد اطلعت على كتاب أخينا الفاضل الشيخ الدكتور ماهر الفحل الذي سماه كشف الإيهام لما تضمنه تحرير التقريب من الأوهام ، فراعني ما فيه من تناقضات وأوهام ، حتى خيل إلي أن الذي كتب هذا الكتاب ماهر آخر غير الذي نعرفه في ملتقى أهل الحديث ، ومنتديات صناعة الحديث ، فأحببت أن أكتب بعض ملحوظاتي على الكتاب نصيحة لمؤلفه الفاضل الذي كانت له جهود مشكورة في تحقيق عدد من الكتب النفيسة ، وفي الكتابة في مسائل علم الحديث ، لعله يعيد بناء كتابه على أسس صحيحة وقواعد منهجية سليمة ينتفع بها طلبة العلم ، ونصيحة لقراء الكتاب ليحذروا مافيه من تناقضات وأوهام . وأرجو أن يتسع صدر المؤلف لما سأذكره نصيحة له ، وهو فاعل ذلك إن شاء الله ، لما عرف عنه من الرجوع إلى الحق إذا بان له ، ولا أنسى موقفه الكريم حين استدل بحديث معلول قبل أن يقف على علته ، فنبهته إحدى الأخوات على ذلك ، ونقلت ما ذكره الدكتور علي الصياح في بيان علة هذا الحديث ، فما كان من الدكتور ماهر إلا أن قال :" أشكر الأخت الفاضلة على حرصها وكمال فطنتها ، وقد راجعت المصادر فتبين لي أن ما قاله الشيخ المحدث علي الصياح صوابٌ ، وأن حكمي على تصحيح الإسناد خطأ فجزى الله الشيخ الصياح خير الجزاء على ما قدم ويقدم في خدمة هذا الدين ، وأشكر الأخت الفاضلة على هذا التنبيه ، وأستغفر الله مما كتبته سابقاً في تصحيح إسناد الحديث ، والذي غرني في ذلك هو سماع الزهري من أنس ، ولم أكن أعلم علل الحديث الخفية حتى بانت لي . وأستغل الموقف في تنبيه إخواني إلى التأني والتأتي قبل إصدار الأحكام حتى لا يقعوا في مثل ما وقعت به " (منتديات صناعة الحديث).
وهذا يدل على حرصه على اتباع الحق ، متى ظهر له ، وتقديمه إياه على حظوظ النفس مهما كانت ، فجزاه الله خيرا ، وبارك فيه ، وزاده توفيقا وتسديدا .
وسأجعل ملحوظاتي على الكتاب في وقفات تدور على المحاور التالية :
المحور الأول : المنهج العام للكتاب .
المحور الثاني : أوهام المؤلف في الكتاب .
المحور الثالث : تناقضات المؤلف في الكتاب .
المحور الأول : المنهج العام للكتاب
الوقفة الأولى
وهي نصيحة أنصح بها نفسي ، وكل من تصدى للدفاع عن شخص غير معصوم ، فليعلم علم يقين أن كل من ينبري للدفاع عن شخص غير معصوم محاطا بتعصب له ، ومستظلا بعاطفة غلبت عليه ، وتكون غايته الانتصار له لابد أن يقع في تناقضات وأوهام ؛ لأنه يعمى عن رؤية أخطاء من يحبه وينتصر له ، كما قد قيل
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
وإذا اطلع أهل العلم على دفاعه عنه ، ورأوا مافيه من تناقضات وأوهام استدلوا بها على ضعف بصيرته ، وقلة علمه ، وقالوا : قد كشف هذا المدافع في دفاعه هذا عن شخصيته وقدر علمه . وبهذا لايكون ذلك المدافع قد حقق نصرة لمن دافع عنه ، ولم يجن سوى الإساءة إلى نفسه بالتنفير عنه وزعزعة الثقة في علمه .
الوقفة الثانية
ذكر الدكتور ماهر في مقدمة كتابه أنه ألفه لبيان ما في كتاب تحرير التقريب من زيف وزلل وخطأ ووهم ، وأن كتابه هذا جاء غضبة في الله لابن حجر في زمن قليلا ما رأى فيه الدكتور ماهر غضبة لله ولعلماء الأمة وذكر أنه أغلظ القول في بعض المواطن للمحررين غضبة لله ولرسوله إلى آخر ما ذكره في مقدمته .
(انظر كشف الإيهام/8) .
أقول : لم يكن " تحرير التقريب " أول كتاب يتعقب الحافظ ابن حجر في كتابه تقريب التهذيب ، بل سبقه كتاب الشيخ عطاء بن عبد اللطيف بن أحمد الذي سماه إمعان النظر في تقريب الحافظ ابن حجر ، ويقع في 264 صفحة ، وقال في مقدمته : وجدت أثناء النظر في تراجم عدد كبير جدا من رجاله (يعني التقريب) ، ثم الرجوع إلى تراجمهم في التهذيب ، وهو الأصل الذي اختصر منه التقريب أنه أخل في كثير من التراجم بما كان قد ذكره في بعض مراتب الرواة في مقدمة التقريب ، ولم يلتزم في أصحابها بالحد الذي وضعه لتلك المراتب ، هذا بالإضافة إلى اضطرابه في طريقته فيمن حكم عليه بأنه مقبول الحديث اضطرابا يجعل النفس لا تطمئن إلى اعتماد هذا الحكم ، وبالتالي فينبغي الرجوع إلى ترجمته في التهذيب ، وتهذيب الكمال ، ثم الحكم عليه بعد تطبيق القواعد المقررة في علم الحديث ، هذا مع التزام الإنصاف وترك التعسف ، لهذا وغيره رأيت كتابة هذه الرسالة نصحا للمسلمين المشتغلين بهذا العلم ، وذبا عن حديث النبي الأمين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وخدمة للسنة المطهرة . فينبغي أن يعلم أن الهدف من تأليف هذه الرسالة إنما هو تنبيه المشتغلين بعلم الحديث إلى بعض ما في التقريب مما لا تطمئن النفس إليه ، ولكنه مما يعترض فيه عليه ، ولاسيما من كان محكوما عليه في التقريب بأنه مقبول ، حتى تكون الهمم متجهة أيضا إلى التهذيب دون الاقتصار كلية على التقريب حتى لا يحكم على راو بلفظ من ألفاظ التعديل ، ويكون الصواب أن يحكم عليه بلفظ من ألفاظ الجرح ، أو العكس ، فيؤدي هذا إلى تحسين الإسناد الضعيف أو تصحيحه ، وكذلك تضعيف الإسناد الحسن أو الصحيح وغير ذلك .
ثم ذكر ست عشرة ملحوظة من الملحوظات العامة على منهج ابن حجر في أحكامه على رواة التقريب ، سأذكر واحدة منها ، وهي أن الحافظ ابن حجر ترجم لعدد كبير من الرجال ممن روى عنهم واحد أو أكثر ونص واحد من أئمة الجرح والتعديل المعتمدين أو أكثر على توثيقهم ، ولم يذكر أحدا من الأئمة جرحهم ، فقال في كل منهم :"مقبول" (انظر الباب الحادي عشر) فهو بهذا يكون غير معتد بتوثيق هؤلاء الأئمة كعدم اعتداده بذكر ابن حبان لأحد من الرواة في "الثقات" مع أنه اعتمد توثيق كل منهم في عدد كبير من التراجم ، فأطلق على صاحب كل ترجمة أحد ألفاظ التوثيق سواء انفرد أحد هؤلاء الأئمة بتوثيقه ، أو ذكره ابن حبان أيضا في "الثقات" (وانظر أمثلة لهؤلاء في الباب الثاني عشر).
والحكم على الرواة السابقين بأنهم مقبولون إن كان لأنهم أو أكثرهم أو بعضهم كانوا من المقلين أي لم يكن لهم من الحديث إلا القليل فليس بشيء في الحقيقة ؛ لأن كون الراوي كثير الحديث لا يستلزم أن يكون ثقة أو صدوقا فكم من راو له من الحديث الكثير ، ومع ذلك فهو محكوم عليه بالضعف الشديد ، وكون الراوي قليل الحديث لا يستلزم أن يكون ضعيفا ضعفا هينا أو شديدا فكم من راو ليس له من الحديث إلا القليل وهو ثقة أو صدوق ، وقد ذكرنا في الباب الحادي عشر عددا غير قليل ممن نص بعض الأئمة المعتمدين على توثيقهم مع أنهم لم يرووا من الحديث إلا القليل ، وحكم عليه ابن حجر نفسه في التقريب بأنه ثقة أو صدوق أو نحو ذلك ، ولم تمنعه قلة حديثه من الحكم عليه بذلك . وهذا الباب - أعني باب من حكم عليه في التقريب بأنه مقبول مع أنه نص بعض الأئمة المعتمدين على توثيقه مع عدم وجود جرح من غيرهم فيه - يعد من أهم الأبواب التي ينبغي أن ينظر في التهذيب من أجلها ، وينبغي عدم الاقتصار على التقريب أو الاكتفاء بما فيه من ألفاظ الجرح أو التعديل التي أطلقها ابن حجر على أصحاب هذه التراجم . على أنه يمكن أن يقال : إن إطلاق لفظ"مقبول" على أصحاب هذه التراجم يعد أمرا مستغربا فيبعد أن يصدر هذا من الحافظ ابن حجر ، وهذا بدوره يجعل احتمال التحريف من الناسخ أو الطابع لبعض الألفاظ التي أطلقت على بعض الرجال احتمالا قائما ، وربما كان الوهم من الحافظ نفسه .(إمعان النظر/12) .
ثم ذكر الشيخ عطاء في مقدمة الباب الحادي عشر أن الأخذ بقول ابن حجر في هؤلاء الرواة الذين قال فيهم :"مقبول" يتسبب في الحكم على أسانيد الأحاديث التي وردت من طريقهم بالضعف كما هو معلوم ، مع أن الصواب أنها تكون حسنة الإسناد أو صحيحة ؛ لأن قول ابن حجر فيهم يعد وهما ظاهرا .
ثم ذكر ثمانين راويا من أمثلة هذا الباب . (انظر إمعان النظر/80-134) .
وقد اشتمل إمعان النظر في تقريب الحافظ ابن حجر على مئات التراجم التي انتقد الشيخ عطاء حكم الحافظ ابن حجر فيها ، وقد صدر الكتاب في سنة 1414 هـ أي قبل صدور كتاب تحرير التقريب بثلاث سنوات ، والسؤال هنا : لماذا لم يغضب الدكتور ماهر لابن حجر بعد صدور كتاب إمعان النظر ؟ ولماذا لم يغضب لابن حجر إلا على كتاب شيخه الدكتور بشار عواد ، وصديقه الشيخ شعيب الأرنؤوط ؟!
الوقفة الثالثة
إن الذي يرى طريقة الدكتور ماهر في تعقباته على التحرير وشدته فيها يظن أن الدكتور ماهرا يرى صحة جميع أحكام الحافظ ابن حجر على الرواة في التقريب ، وأنه لا يجوز انتقاده ، ولا تعقبه في أي حكم من أحكامه ، فإن كان الدكتور ماهر يرى ذلك فهذا شيء لا يوافقه عليه أحد من أهل الحديث اليوم فيما أعلم ، فما من محدث إلا وله مخالفات لبعض أحكام الحافظ ، فالشيخ الألباني رحمه الله خالف الحافظ في جملة من أحكامه ، والشيخ ابن باز رحمه الله له مخالفات وتعقبات على بعض أحكام ابن حجر مذكورة في كتابه النكت على تقريب التهذيب ، وكتاب أقوال سماحة الشيخ ابن باز في الرجال لفهد السنيد ، والشيخ عبدالله السعد يخالف الحافظ في كثير من أحكامه ، وكثير من طلاب الدراسات العليا في جامعة الإمام وغيرها من جامعات المملكة في رسائلهم العلمية يخالفون الحافظ في بعض أحكامه ، وغير هؤلاء كثير .
والمقصود أنه لا ينكر على صاحبي التحرير أصل موضوع كتابهما ، وهو مخالفة الحافظ في بعض أحكامه ، وإن وقعا في أخطاء وأوهام كثيرة في كتابهما فقد أصابا في مواضع كثيرة في تعقباتهما للحافظ .
وقد سئل شيخنا الدكتور أحمد معبد حفظه الله عن كتاب تحرير التقريب فقال : كتاب "تحرير التقريب" فيه أحكام كثيرة خالف فيها أحكام الحافظ في "التقريب" ؛ ولكن كثيرا من تلك المخالفات ليس لها مستند علمي ، وهناك تراجم متعددة تعد مخالفة الحافظ فيها في محلها ، ويعد حكم كتاب "التحرير" على الراوي مقبولا . وقد صدر للأخ الدكتور ماهر الفحل كتاب ، نشرته دار الميمان للطبع والنشر بالرياض ، ويقع في مجلد بعنوان"كشف الأوهام لما تضمنه تحرير التقريب من الأوهام" ، وهذا دليل تفصيلي على مدى سلامة ما في "تحرير التقريب " ؛ فالتحرير 4 أجزاء ، و"كشف الأوهام" جزء واحد يعادل من حيث الكم ربع كتاب "التحرير" ، وقد وقفت على الكتابين لكن حاليا لم تكتمل لدي نتيجة عامة لكل منهما ؛ لكن النتيجة الأهم أن الكتابين يستفاد من كل منهما ، بحسب ما تؤيده الدلائل والقواعد النقدية من أحكامهما أما مقولة :"هل الحافظ ابن حجر لم يحرر التقريب؟" ، فمن يقارن "تهذيب التهذيب" بما في "التقريب " من أحكام إجمالية على الرواة فسيجد أن كثيرا من التراجم لا يتوافق فيها حكم "التقريب" مع مجموع ما ذكره الحافظ نفسه في بيان حال الراوي في "التهذيب" ، وبالتالي تكون خلاصة حال مثل هؤلاء في "التقريب" تحتاج إلى تعديل وتحرير ممن له الخبرة الكافية ، مع التزام الإنصاف والاعتدال ، ومثل هؤلاء قليل ، والله الموفق .(نقلته من موقع الألوكة) .
وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله : و"التقريب" محتاج إلى إعادة نظر ، فربما يقول فيه :"مقبول" وتجد ابن معين قد وثقه ، أو على العكس يقول :"ثقة" ولا تجد إلا العجلي أو ابن حبان ، فنحن أعطانا الشيخ محمد الأمين المصري رحمه الله تعالى عشرة عشرة ، كل واحد عشرة ممن قيل فيه "مقبول" ، فالذي تحصل لي أن "التقريب" يحتاج إلى نظر . ونحن لا نرجع إلى "التقريب" إلا إذا رأينا للعلماء المتقدمين عبارات مختلفة لا نستطيع التوفيق بين عبارتهم ، نرجع إلى "التقريب" ونأخذ عبارة صاحب "التقريب" . (المقترح للوادعي /37) .
وقال الشيخ محمد عوامة ، وهو الذي أثنى عليه الدكتور ماهر في كتابه في كثير من المواضع ، وقال في ص 407 : " وهو عندي ثقة صدوق لا أشك في علمه ولا أمانته " قال الشيخ محمد عوامة في مقدمة تحقيقه للتقريب: أقصد تقديم نماذج مما في أحكام الكتاب ومراتب رجاله ؛ ليكون القارئ المستفيد منه على بصيرة من أمره ، فلا يمشي وراء من اصطنع مفهوما للناس زعم لهم فيه أن كتاب التقريب لا عديل له ولا بديل عنه .. فمن واجب الباحث أن يفرغ جهده في البحث عن الراوي ، ولا يكفيه أن ينظر في كتاب واحد ، وهو يعلم أن فيه بعض الملاحظات أو أن غيره قد يخالفه . وهذه النماذج من الأحكام والمراتب مختلفة مع ما التزمه المصنف ورسمه في هذه المقدمة ومع ما سطره وفصله في التهذيب أو في كتبه الأخرى ، أو مع أحكام غيره من العلماء .
فمنها ما هو مختلف مع قوله في الكتاب نفسه ، وهذا نادر في كتابه ، ومنها تراجم كثيرة يختلف حكمه فيها عما هو مقتضى كلامه في التهذيب ، ومنها ما هو مختلف مع أحكامه في كتبه الأخرى ، ومن أحكامه ما هو موافق لترجمته في التهذيب لكنه يفتقر إلى نقد وغربلة لهذه الأقوال . وقد ذكر الشيخ عوامة نماذج لهذا كله (انظر مقدمة تحقيقه للتقريب الطبعة الأولى من الإخراج الجديد 1420هـ ص 52 ) .
وقال الشيخ أبو الأشبال الباكستاني محقق "تقريب التهذيب" الذي قدم له العلامة بكر أبوزيد رحمه الله وأثنى على تحقيقه ، وقال : وهذا الكتاب خرج بصفة أراها أصح الطبعات وأسلمها من التصحيف والغلط والوهم والسقط ، فالطبعات السابقة بالنسبة لها كما قال شرف الدين البوصيري :
لاتذكر الكتب السوالف عنده طلع الصباح فأطفأ القنديلا
حاشا طبعة لكنو الهند عام 1356هـ بحاشية أميرعلي فهي أصح الطبعات السابقة رحم الله الجميع .
(مقدمة تحقيق التقريب /6 ، والغريب أن الدكتور ماهرا لم يذكر هذه الطبعة حين تكلم عن طبعات التقريب ) .
قال الشيخ أبوالأشبال : أما نقص بعض التراجم عن المصنف ، ونقص الإحالات وخلو بعض التراجم عن ذكر المرتبة له أو الطبقة ، وكذلك وجود بعض التراجم مكررة والاختلاف في ذكر الطبقة وفي ألفاظ الجرح والتعديل ، وفوت بعض الحوالات في بعض التراجم فهذه كلها عن المصنف نفسه ، ولها سبب كما سيأتي ، ولكن من يستعجل قبل أن يعرف السبب يشك أن تكون النسخة المنسوبة إلى المصنف : أهي نسخته وبخط يده أم لا ؟ ....ففكرت ما هو سبب وقوع الأخطاء فيه وهو الحافظ ، قيل عنه : حافظ المشرق ، وخاتمة الحفاظ ، وأنه لا نظير له في عصره ،
... وكنت في بحث هذا السبب حتى رأيت في كتاب انتقاض الاعتراض له السبب الذي لأجله وقع في التقريب بعض الأخطاء وبعض النقص من المصنف نفسه ، وذلك لاشتغاله في شرح البخاري وانهماكه فيه وصعوبته التي لاقاها المصنف في شرح البخاري . (مقدمة تحقيق التقريب للباكستاني/18) .
ومما قاله في بيان منهج تحقيقه : وجدت في أصل الكتاب 152 ترجمة تقريبا كتب الحافظ سنوات وفياتهم ناقصة فكملتها من التهذيبين أو مصادر أخرى . (مقدمة تحقيق التقريب لأبي الأشبال/27).
وقد ألفت عدة رسائل للدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود في دراسة الرواة الذين حكم عليهم الحافظ ابن حجر بـ "مقبول" .
والمقصود أن صاحبي التحرير ليسا أول من ادعى وجود أخطاء وأوهام في التقريب فلا يصح التشنيع عليهما في ذلك ، وإنما الواجب تجنب ما أخطآ فيه من التعقبات ، وإقرارهما على ما أصابا فيه .
الوقفة الرابعة
لاشك أن الذي يقرأ كتاب الدكتور ماهر يدرك قدر ما بذله من جهد ووقت كبيرين في تتبع تحرير التقريب وودت لو أن الدكتور صرف ذلك الجهد والوقت في عمل علمي آخر أنفع لطلبة العلم ، واكتفى بالتنبيه على ما في التحرير بتنبيهات إجمالية ، تفيد طالب العلم في تعامله مع كتاب التحرير . ومعلوم أن كتاب التقريب ، وكذلك التحرير إنما يشتغل بهما طلاب العلم المختصون ، وهؤلاء ليسوا في حاجة إلى أن يوقفوا على كل خطأ مهما قل شأنه .
الوقفة الخامسة
اشتد حماس الدكتور ماهر في الدفاع عن كتاب الحافظ ابن حجر على نحو غريب ، ومن شدة حماسه للحافظ بالغ في نقد صاحبي التحرير في كل كبير وصغير حتى وقع في أوهام وتناقضات سيأتي ذكر بعضها ، كل ذلك من أجل أن يثبت خطأ صاحبي التحرير ، وصواب ابن حجر ، ولو كان الصواب مع صاحبي التحرير . ولم يقر لهما بأي صواب ، وإذا اضطر لإقرارهما على شيء قرنه باتهامهما بأخذه عن غيرهما ، وأنه لا فضل لهما فيه .
الوقفة السادسة
الذي يقرأ كتاب كشف الإيهام يرى بوضوح أن الدكتور ماهرا قد بالغ وأسرف في توبيخ صاحبي التحرير فلايكاد يخلو تعقب من التعقبات التفصيلية ، وعددها 594 تعقبا من توبيخ وتقريع ، فوددت لو ترك الدكتور ماهر ذلك ، وأبان الصواب بلا توبيخ ولا تجريح ليكون ذلك أدعى لقبول الحق ، ولاسيما أن أحد صاحبي التحرير شيخ للدكتور ماهر .
وقد بالغ جدا في بعض العبارات ، كقوله تعليقا على قول صاحبي التحرير : "قابلنا الكتاب على النسخة التي كتبها المصنف بخطه " ؛ فقال الدكتور ماهر : قد أثبتُّ في ثنايا كتاب كشف الإيهام بما لا يقبل الشك أن المحررين لم يريا نسخة التقريب التي بخط ابن حجر بأعينهما فضلا عن المقابلة عليها . (كشف الإيهام /138 )
وقوله : " من أين جاءت نسخة الميرغني عند المحررين ، وهما لم يرياها ؟؟! (كشف الإيهام /407) .
أقول : هذه مبالغة شديدة وددت أن الدكتور لم يقع فيها ، فهذا اتهام لهما بالكذب والدكتور لا يمكنه الجزم بأنهما لم يريا النسخة بأعينهما اعتمادا على ما ذكره ، فربما رأيا النسخة بأعينهما وإن لم يقوما بمقابلتها ، وربما قابلاها إلا في المواضع التي تعقبهما فيها الدكتور ، فلا تجوز المجازفة بإطلاق مثل هذه العبارات ، وقد قال تعالى :{وإذا قلتم فاعدلوا} ، وقال :{ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} ، وقال :{ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} .
وقد ملأ الدكتور ماهر كتابه بعبارت شديدة قاسية ، لاينبغي إطلاقها من مثله :
كقوله في ص 72 : واطراد التناقض في هذا "التحرير" الذي لا يمت إلى التحرير بنسب ولا صلة .
وقوله في 158 : فأين تحريرهما وتدقيقهما ومراجعتهما للمصادر الأصول ؟! فإذا انتفت هذه الأمور علمت أنه ليس إلا الهوى ، وتعجل الوصول ، والسير وراء الاشتهار على حساب الحق والإنصاف ، نسأل الله العافية والسلامة .
وقوله في ص 176 : المحرران لا يتورعان عن أخذ أي نص يخدم مرادهما ، وبقليل من التغيير ينسباه [كذا والصواب : ينسبانه] لنفسيهما ، وهو أمر يدل على فرط احترامهما لأمانة العلم .
وقوله في ص 353 : لاموا غير ملوم ، وتعقبوا غير مخطئ ، فكانوا كمن قصر صلاته في غير سفر ، وتيمم في حضور الماء ، بل كمن صلى من غير وضوء ، وحج إلى غير قبلة .
وقوله في ص 375 : حقا ، لقد طفح الكيل ، وبلغ - بل زاد - السيل الزبى ، وبان ضعف تتبعهما، فهذه الترجمة ناطقة بذلك أشد النطق ، ومن هاهنا نجزم بأنه لا نسخ ولا أصول بتاتا إلا نسخة الطبعة الأولى للشيخ عوامة ، التي تابعاها بكل ما فيها من خطأ وصواب ، وتعقب واستدراك ، وبيان وتوضيح ليجعل الله ذلك آية على تحريرهما المزعوم !! والذي لم يكن لهما منه نصيب سوى الاسم ، وما أكثره عليهما ؟!
وقوله في ص 383 : ما هذا إلا تغرير وتمويه ، وأنى لهما أن يأتيا بمثل هذه الترجمة ، وهما اللذان ما استطاعا ضبط نص تحريرهما ؟ ولكنه الولع بالسلخ وحب الظهور ونكران الجميل .
وقوله في ص 406 : أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس من النقل بلا عزو ، والكتابة من غير بحث والإثبات بلا تدقيق .
وقوله في ص 456 : قول من يتعجل ويلقي الأمور على عواهنها ، من غير تحر ولا تدقيق ولا شمول . وما أوردهما هذه الموارد إلا الكبر ، وكثيرا ما كان المحدثون يقولون في جرح الراوي : أهلكه الكبر ، نسأل الله السلامة .
قال بسام : لم أقف على أحد من أئمة الجرح والتعديل جرح راويا بهذه العبارة ، وإنما وجدت في هذا المعنى قول عباد بن عباد : لم يمنع هشيم من أن يسمع من سعيد بن أبي عروبة إلا الكبر والأنفة ، وقولهم في أحمد ابن صالح : لم يكن له آفة غير الكبر ، وقولهم في حجاج بن أرطاة : كان فيه تيه .
وكقول الدكتور ماهر في ص 458 : ما دفع المحررين إلى هذا التعقب إلا الولع في تحرير أحكام الحافظ ابن حجر ، بدليل أو بغير دليل ، فغاب عنهما أن الزمن غير سافر ، ومع الأيام يتكشف المستور ، وغير الحق لا يبقى .
وقوله في ص 470 : ماتركا للحافظ حقا ولاحرمة .
وقوله في ص 473 : جرهما لمثل هذا نوم الليل ، وانشغال النهار ، فلو أنهما تعبا في هذه الترجمة ودققا وراجعا لعلما أن قولهما كله غير صحيح .
وقد نظم أبيات في لومهما وتقريعهما ، كقوله في ص 8 :
يادولة "التحرير" لست بدولة قد آن يقتل ليلتيك نهار
وقوله في ص 158:
فقل لمن حرر التقريب معذرة ذكرت شيئا وغابت عنك أشياء
وقوله في ص 198 :
نَسْخ بلا نُسَخٍ وأنت محرر هذا لعمري منكر ونكير
فنقلت أخطاء وقلت بمثلها للنقل حبل في النقاش قصير
وقوله في ص 205:
وماأدري وسوف إخال أدري هل التحرير سير في الظلام
وقوله في ص 212 :
عتبي على قوم نظن صلاحهم جاءوا بهذا رغبة التحرير
ماكان أغنى مثلهم عن مثله كيلا يكونوا عرضة التقصير
وقوله في 217 :
ماذا أقول وهل هنالك فرصة لأصيح فيكم صيحة التذكير
حررتما التقريب لكن آسفا تحريركم يحتاج للتحرير
وقوله في ص 226 :
لو غير هذا جاء في تحريركم لو غير هذا سمي التحرير
وقوله في ص 249 :
ماأكثر التحرير بل أقلل به لا ليس تحريرا خلاف الأصوب
وقوله في ص255 :
أطفأتما في الليل آخر شمعة فكتبتما التحرير في الظلمات
وقوله في ص 257 :
ياصاحبا التحرير ليس لمثلكم مثل ! ولكن غير ذا التحرير والصواب : ياصاحبي التحرير .
وقوله في ص 260 :
تحرير تقريب بمسخ حروفه ماهكذا يتحرر التقريب
وقوله في ص 264 :
أصبحتُ ذا ثقة وكنت مشككا تحريركم يحتاج للتحرير
وقوله في ص 280 :
لو يعلم التحرير ماأدري به لمشى يجر من الحياء ذيولا
وقوله في ص 293 :
يامن يرى التقريب محتاجا إلى تحريره لم تأت بالتحرير
وقوله في ص 342 :
دع الكتاب ففي التحرير مفسدة واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وقوله في ص 354 :
تعيبُ كتابَه والعيب فيكم ومالكتابه عيب سواكم
إلى آخر ماملأ به كتابه من مثل هذه العبارات والأبيات .
الوقفة السابعة
ذكر الدكتور ماهرفي المقدمة أن دراسته للتحرير كانت دراسة استقرائية تامة شاملة ، وأنه تعقب صاحبي التحرير في أكثر من ألفي موضع . و ذكر في ص 10 أنه تم تعقب المحررين في أكثر من ألفي موضع توزعت على 1420 موضعا في مقدمة الكتاب ، و585 موضعا في القسم الثاني ، و399 موضعا في ملاحق الكتاب .
أما ملاحق الكتاب فاثنان : الملحق الأول في الأخطاء التي وقعت من صاحبي التحرير في تحقيق نص التقريب وبلغت 231 خطأ ، وأما الملحق الثاني ففي بيان ما أخذه صاحبا التحرير من تعليقات محمد عوامة دون عزو إليه ، وبلغت 168 تعليقا .
وأما القسم الثاني الذي يمثل اسم الكتاب : كشف الإيهام ، ويبدأ من ص145 ، وينتهي في ص 617 ، وكتب الدكتور ماهر في أول هذا القسم عنوان : كشف الإيهام ، فهو تعقبات تفصيلية متنوعة عددها 585 ، وعلى وجه الدقة 578، فقد سقط من الأرقام التسلسلية عشرة ، وتكررت ثلاثة أرقام سهوا .
وقد قمت بتصنيف تلك التعقبات فكانت على نوعين : تعقبات تتعلق بتحقيق نص التقريب وأخطاء صاحبي التحرير في ذلك ، ومجموع هذه التعقبات 192 ، وبقية التعقبات تتعلق بأحكام صاحبي التحرير على الرواة ، وعددها 386 ، منها 59 ترجمة داخلة في القسم الأول الذي ذكر أن مجموعه 1420 ، فقد ذكرها في القسم الأول إجمالا ، ثم ذكرها تفصيلا في القسم الثاني ، فكان ينبغي ألا يعيد عدها تكثيرا لعدد أوهام صاحبي التحرير ، ولاسيما أنه عاب المحررين في ص 51 بما اتهمهما به من الفرح بازدياد العدد وتكاثره من أجل الحط من صنيع الحافظ ابن حجر .
والحاصل أنه يتضح مما سبق أن مجموع تعقبات الدكتور ماهر التي تتعلق بأحكام صاحبي التحرير على الرواة 1747 تعقبا ، والذي يقرأ تحرير التقريب يجد أن صاحبي التحرير قد تعقبا أحكام ابن حجر على الرواة في أكثر من ثلاثة آلاف ترجمة , ومعنى هذا أن هناك أكثر من خُمسَي التراجم التي تعقب فيها صاحبا التحرير ابن حجر لم يتعرض لها الدكتور ماهر ، ولم يبين ، أهو موافق على تلك التعقبات ؟ وهل أصاب صاحبا التحرير في بعض تعقباتهما ، وماقدر ماأصابا فيه ، وكل هذه أمور مهمة جدا لطالب العلم فليت الدكتور ماهرا يبينها ، فيذكر إحصائية بتعقبات صاحبي التحرير وما يوافقهما عليه وما يخالفهما فيه .
الوقفة الثامنة
ذكر الدكتور ماهر في التعقبات التفصيلية تعقبات من جنس التعقبات الإجمالية التي ذكرها في أول الكتاب فكان ينبغي ضمها إليها لأنها من جنسها ، وللاختصار ، وهي كمايلي :
1- من قال فيه الحافظ : "مقبول" ، وقالا فيه :"حسن الحديث" :
633 ، 740 ، 4006 ، 4823، 5742
2- من قال فيه الحافظ :"مقبول " ، وقالا فيه :"مجهول" أو مجهول الحال :
919 .
3- من قال فيه الحافظ :"مقبول" ، وقالا عنه :"ضعيف" أو "ضعيف يعتبر به" :
761 ، 856 ، 2975 ، 3512 ، 7926 .
4- من قال فيه الحافظ :"مقبول" ، وقالا عنه :"مستور" :
4109 ، 4838 ، 7189 .
5- من قال فيه الحافظ :"مقبول" ، وقالا فيه : "ثقة" :
205 ، 4010 ، 4022 ، 5878 .
فهذه ثماني عشرة ترجمة ، كان ينبغي ضمها إلى إحصائية المبحث الأول عن المقبول وعدم الإطالة بذكرها في التعقبات التفصيلية .
الوقفة التاسعة
ذكرت أن مجموع التعقبات التي تتعلق بتحقيق نص التقريب وأخطاء صاحبي التحرير في ذلك 192 تعقبا وضع لكل تعقب رقما مستقلا ، غير ما كان من جنس هذه التعقبات وجعله داخل التراجم التي فيها تعقب على الأحكام ، وكان ينبغي عدم الإطالة في ذلك ، وكان ينبغي عليه أن يجعل كل هذه التعقبات المتعلقة بتحقيق النص في جدول الملحق الأخير ، فهذا أيسر لمن يريد تصحيح نسخته وأخصر للكتاب ، ولاسيما أن أكثر تلك التعقبات أمرها يسير ، وسيأتي التمثيل عليها قريبا . ولو أن الدكتور ماهرا وفر ماصرفه من الجهد والوقت في تتبع الأخطاء التي وقعت في تحقيق النص لو أنه وفر ذلك لمزيد من تتبع أحكام صاحبي التحرير على الرواة لكان ذلك أولى وأنفع لطلبة العلم ، لأن لتقريب التهذيب طبعات مستقلة متعددة ، ومن أجودها طبعة الباكستاني وطبعة عوامة ، والأصل فيمن يرجع إلى التقريب أنه سيعتمد على هذه الطبعات المستقلة ، لا الطبعة التي مع التحرير ، ولاسيما أن صاحبي التحرير كان همهما الأكبر هو تحرير أحكام التقريب كما ذكرا في مقدمة كتابهما ، وقالا : بل هو الغاية المرجوة من إعادة طباعة الكتاب .
(التحرير 1/45) .
الوقفة العاشرة
التعقبات المتعلقة بتحقيق نص التقريب ، والتي بلغت 192 تعقبا مستقلا ، وقد وضع الدكتور ماهر لكل تعقب منها رقما مستقلا ، وكذلك التعقبات على تحقيق النص الذي جاء ضمن التراجم التي تعقب فيها أحكامهما على الرواة ، هذه التعقبات ليست كلها في بيان أخطاء في النص المحقق وقعت من صاحبي التحرير ، وإنما منها ماكان كذلك ، ومنها تعقبات لهما في أخطاء وقعت من الحافظ ابن حجر وسكتا عنها ولم يعلقا عليها ، ومنها تعقبات أقر فيها بصحة مانبه عليه صاحبا التحرير لكنه ينفي أن يكون لهم فضل في ذلك ، لوجود ما نبها عليه في بعض الطبعات ، أو لنقلهما ذلك من تعليقات الشيخ عوامة ، فهما لا يسلمان من نقده ولومه في كل الأحوال ، إن سكتا لامهما ، وإن تكلما فأخطآ لامهما ، وإن تكلما فأصابا لامهما ، وادعى أنهما نقلا ذلك عن غيرهما .
والمقصود أنه كان ينبغي أن يفصل الدكتور ماهر التعقبات التي ليس فيها خطأ عن سائر التعقبات ، ولا يعد الجميع في أوهام صاحبي التحرير ، فهذا مقتضى العدل .
وفيما يلي أمثلة :
في تعقب 32/118 ص 171 : أحمد بن نصر بن شاكر .... س .
قال الدكتور ماهر : " هكذا أثبت ابن حجر رقمه ، ولم يتعقباه بشيء ، وذلك لأن الشيخ محمد عوامة سكت عن هذا فسكتا ، ولو كان عدا أخذ النصوص طريقا لهما وأتعبا نفسيهما بالبحث والتحقيق لعلما أن الحافظ ابن حجر – رحمه الله – مخطئ أو متجوز في هذا الرقم " .
وفي تعقب 37/126 ص 175 : أحمد بن يحيى بن الوزير ... د س .
قال الدكتور ماهر : هكذا أوردا رقميه (د س) ، ولم يتعقباه بشيء ، وكان الأولى بهما أن ينبها إلى أن رقم أبي داود خطأ محض ، تابع ابن حجر فيه أبا القاسم ابن عساكر في أطرافه ، وهو وهم منه ، بينه المزي في تهذيب الكمال .... فكان متعينا على المحررين التنبيه إلى ذلك ، فإن هذا من شرطهما . (انظر مقدمة التحرير 1/45) .
أقول : ليس هذا من شرطهما ، فالذي ذكراه في المقدمة بشأن هذا مايلي :
4- عنينا بإصلاح الرقوم التي وقع فيها خطأ في الطبعات السابقة .
فقيدا ذلك بالطبعات السابقة ، ولم يذكرا أنهما سيصلحان أخطاء الرقوم التي وقعت في أصل المؤلف .
5- علقنا في الهامش على بعض الأوهام التي وقع فيها المؤلف في ضبط الاسم ، أو ذكر الوفيات ، أو الطبقات ، أو نحوها مما هو ظاهر فيها .
فقد التزما بذكر (بعض الأوهام) ، لا كلها ، ولا أكثرها . والمقصود أن سكوتهما عن بعض أخطاء المؤلف لا ينافي شرطهما في التحقيق . ومن المعلوم أن غاية التحقيق هو إخراج النص كما تركه المؤلف ، وليس من شرط التحقيق التنبيه على كل خطأ وقع فيه المؤلف ، ولاسيما في مثل هذا الكتاب الذي فيه نحو تسعة آلاف ترجمة .
وفي تعقب 51/163 ص 190 : إبراهيم بن الحجاج النيلي ...تمييز . قال الدكتور ماهر : "هكذا جاء النص عندهما ، وهو كذلك في جميع الطبعات والنسخ الخطية ؛ لكن يستدرك عليهما الرقم فينبغي أن يحول إلى (س) رقم النسائي على طريقتهما ؛ ذلك أنهما زعما مقابلة الكتاب على تهذيب الكمال ، وأصلحا الرقوم عليه . ورقم المترجم له عند المزي في تهذيب الكمال (س) ، والمحرران أثبتا ذلك في تعليقهما على تهذيب الكمال ، فقال المحرر الأول الدكتور بشار معلقا على الرقم :" وقع في تهذيب ابن حجر أنه تمييز ، وهو أمر غريب جدا ، وكأن ناشر "التقريب" تابع "التهذيب" فذكره أيضا ، وما أظن الخطأ إلا من الناشرين والله أعلم " قال الدكتور ماهر : هكذا قال ، وقد وقع في الأمر الغريب والخطأ على زعمه " .
أقول : لي على ماذكره الدكتور ماهر عدة مؤاخذات :
1- أن صاحبي التحرير لم يذكرا في المقدمة أنهما أصلحا الرقوم على تهذيب الكمال كما زعم الدكتور ماهر ، وإنما الذي قالاه أنهما قابلا الكتاب على تهذيب الكمال . (انظر تحرير التقريب 1/45) .
2- أن الدكتور ماهرا ذكر أن كلمة "تمييز" وقعت هكذا في جميع الطبعات والنسخ الخطية ، ويعني بذلك ما وقف عليه ، والواقع أن الذي في طبعة الباكستاني (س) ، وليس "تمييز" ، وذكر في الهامش أنها (س) في نسخة الميرغني الخطية ، وطبعة لكنو بحاشية أمير علي ، و"تمييز " في أصل المؤلف ، وثلاث طبعات .
3- أن انتقاده للدكتور بشار لا وجه له ، فالدكتور بشار ذكر في تعليقه على تهذيب الكمال أنه يظن أن الخطأ من الناشرين ، فلما تولى تحقيق الكتاب ورأى أصل المؤلف تبين له أن ذلك ليس من الناشرين ، وإنما هو من أصل المصنف ، فأثبت ما في الأصل ، وليس في هذا تناقض .
4- ذكر الشيخ محمد عوامة تعليلا لعدول الحافظ ابن حجر في أصله إلى "تمييز" مكان (س) فقال : وأسند إليه المزي حديثه الذي عند النسائي :" أخبرنا أبوبكر بن علي قال : أنبأنا إبراهيم بن حجاج قال حدثنا أبوعوانة عن عائشة قالت : اشربوا ولا تسكروا " ، وكأنه لما لم يره الحافظ منسوبا في إسناد النسائي قام عنده احتمال أن يكون هو السامي المتقدم ! والاحتمال عندي كبير قوي . والله أعلم ( حاشية تحقيقه للتقريب طبعة 1420/112) . يقصد بالسامي إبراهيم بن الحجاج بن زيد ، ويشترك مع النيلي في بعض الشيوخ والتلاميذ . (انظر تهذيب الكمال 2/69 -71) .
وفي تعقب 20/78 ص 163 : أحمد بن عبيد بن ناصح ، أبوجعفر النحوي ، يعرف بأبي عصيدة ، قيل : إن أباداود حكى عنه ......قال صاحبا التحرير : " أضاف الشيخ الفاضل محمد عوامة رقم أبي داود بين حاصرتين ، ولو تركه من غير رقم لكان أحسن – كمافعل المزي- لأنه لم يثبت أن أباداود روى له " . فقال الدكتور ماهر : " هذا الذي قالاه دليل على أنهما تتبعا طبعة الشيخ عوامة ، وأخذا ما يمكنهما اتخاذه طريقا للتناوش مع ابن حجر من غير عزو الكلام إلى قائله إمعانا في تأكيدهما على الأمانة العلمية ومقتضياتها وبركة العلم نسبته إلى أهله " .
أقول : ما نبها عليه هنا صواب ، ولم يذكر الدكتور ماهر أنهما نقلاه عن غيرهما ، ومع ذلك عد هذا في أوهامهما ، وأعطاه رقما تسلسليا ضمن سائر الأوهام والأخطاء ، وهذا لا ينبغي .
وفي تعقب 12م/44 ص 157 : قال الدكتور ماهر : " هكذا أثبتا رقومه ، وقالا في الحاشية :" هكذا في الأصل ، ولم يرو له النسائي في الكبرى لكن روى له في حديث مالك ورقمه :كن" ، ثم قال الدكتور ماهر : ولي عليهما في هذا ملاحظات : الأولى أن الرقم جاء على الصواب في طبعة عبدالوهاب ، وطبعة مصطفى ومخطوطة ص ومخطوطة الأوقاف ، فلم يعد لهما جديد في التنبيه ، والفضل للسابق . الثانية : أن هذا التعليق والاستدراك مأخوذ من استدراكات الشيخ محمد عوامة على طبعته الثالثة للتقريب " .
وفي تعقب 43/146 ص 182 : قال الدكتور ماهر : " لي تعقب عليهما في مسألة رقومه ؛ إذ إنهما قالا في الهامش :" هكذا في الأصل ، والصواب (ف ت ق) ، فإن النسائي لم يرو له ، بل روى له ابن ماجه ، وأبوداود في كتاب "التفرد" ، ورقمه ف " ، ولعمري إنها ملحوظة دقيقة لو سلمت وكانت لهما على الحقيقة ، بيد أن هذا التعليق قد سلخ من استدراكات الشيخ محمد عوامة " .
وفي تعقب 86/303 ص 230 : قال الدكتور ماهر : قالا في الحاشية :" إنما أضاف المؤلف رقم أبي داود لأن أباداود روى عنه في كتاب الزهد ، خارج السنن فهذا تجوز من المصنف إذ رقم (د) للسنن فقط " قال الدكتور ماهر : هذا الهامش أخذاه من استدراكات الشيخ محمد عوامة .
وفي تعقب 198/946 ص 317 قال الدكتور ماهر : " هكذا أثبتا كلام الحافظ ، وعلقا على رقومه بقولهما :"هكذا في الأصل ، وهو وهم صوابه عند المزي(خ م ت س ق) فقد قال المزي : روى له الجماعة سوى أبي داود" قال الدكتور ماهر : من تعلق في ذهنه ما أحصيته لهما (في مقدمتي لهذا الكتاب ) من أخذهما لتعليقات الشيخ عوامة علم أن هذا ديدنهما إذ إن هذا التعليق كغيره مسلوخ من استدراكات الشيخ عوامة " .
وأمثال هذه التعقبات كثيرة ، وقد جعل لكل منها رقما تسلسليا مع سائر الأوهام والأخطاء ، وجعلها في القسم الثاني من الكتاب الذي ذكر في ص 10 أنه القسم الأهم والذي ذكر فيه أوهام المحررين وأخطاءهما مع أن هذه التعقبات ليس فيها وهم أو خطأ يتعلق بتحقيق النص ، وكان الأولى به أن يجعلها مع الملحق الأخير الذي خصصه للإشارة إلى ماأخذه المحرران من عوامة ، ولايطيل الكتاب بتفصيلها والتعليق عليها على هذا النحو .
الوقفة الحادية عشرة
ذكر صاحبا التحرير في مقدمة الكتاب أنهما قابلا التقريب على نسخة المصنف ، ونسخة الميرغني ، لكن الدكتور ماهرا في كثير من تعقباته عليهما في تحقيق نص التحرير كان يلزمهما بما لم يلتزما به في خطة عملهما ، وكان في أحيان كثيرة يحتج عليهما بما جاء في النسخ المطبوعة التي عنده ، وقد أحصيت أكثر من أربعين موضعا في الملحق الأخير ذكر أن صاحبي التحرير أخطآ فيها متابعة لمحمد عوامة في طبعته واحتج عليهما بما في النسخ المطبوعة فقط ، ويقصد بها طبعتين ، وهما طبعة عبدالوهاب عبداللطيف ، وطبعة مصطفى عطا ، فقد ذكر الدكتور ماهر في ص 103 أنه لم يتحصل له من طبعات التقريب سوى أربع : طبعة عبدالوهاب عبداللطيف ، وطبعة عوامة ، وطبعة مصطفى عطا ، وطبعة عادل مرشد ، التي ذكر أنه أهملها . وقد وصف طبعة عبدالوهاب بأنها مشحونة بالأخطاء المطبعية فلاتكاد صفحة تخلو منها ، ووصف طبعة عوامة بأنها من أدق وأحسن الطبعات ، وأنها وقعت فيها أخطاء ليست باليسيرة ، وأما طبعة مصطفى عطا فقد اعتمد فيها على طبعة عبدالوهاب مع مقابلتها بأصل المصنف ، وأما طبعة عادل مرشد فذكر أنها مستلة من نص التحرير .
وهذا أمر غريب ، فالمحرران إنما التزما بالنسختين الخطيتين المذكورتين ، ولم يذكرا أنهما سيذكران ماجاء في الطبعات الأخرى ليصح احتجاج الدكتور ماهر عليهما ، ولا يصح أن يكون دليله على تخطئة صاحبي التحرير هو طبعة أخرى مشحونة بالأخطاء دون أن يثبت ذلك من المخطوطات ، ولاسيما أنه وقف على نسختين خطيتين للتقريب ، ومع ذلك لم يشر إليهما في تلك المواضع التي أشرت إليها لأنهما فيما يبدو موافقتان لما أثبته صاحبا التحرير ، ومحمد عوامة بناء على النسخ الخطية .
وأحيانا ينتقد الدكتور ماهر صاحبي التحرير في إثبات شيء في النص ، خلت منه الطبعتان اللتان يراجعهما أو النسختان الخطيتان اللتان وقف عليهما ، مع أن هذا ليس دليلا على خلو جميع النسخ الخطية منه .
وإليك بعض الأمثلة على ماسبق :
_ في تعقب 56/187 ص 195 : إبراهيم بن صدقة البصري صدوق من التاسعة .
قال الدكتور ماهر : " هكذا جاء النص عندهما تقليدا منهما لأصلهما الوحيد ، وهو طبعة الشيخ محمد عوامة فالنص هكذا عنده ، وقد سقط من الترجمة لفظة "أيضا" بعد لفظة "من التاسعة" ، وقبل الرقم ، وهي ثابتة في طبعات التقريب كما في طبعة مصطفى عبدالقادر عطا ، وطبعة عبدالوهاب عبداللطيف" .
أقول : إنما يصح اعتراضه عليهما لو كان وجدها في إحدى النسخ الخطية ، أما الاحتجاج عليهما بالطبعتين المذكورتين فلا يصح ، فقد يكون عبدالوهاب عبداللطيف أخطأ فزاد هذه اللفظة ، أو تابع طبعة أخرى زادها فيها صاحبها خطأ ، وكذلك تابعه مصطفى عبدالقادر عطا ، ويؤيد هذا أن الدكتور ماهرا لم يذكر وجود تلك اللفظة في النسختين الخطيتين اللتين عنده ، وكذلك الباكستاني حين أثبت هذه اللفظة في طبعته ص 109 جعلها بين معقوفتين ، وذكر في الهامش أنها زيادة من ثلاث نسخ مطبوعة ، أي أنه لم يجدها في المخطوطات الأربع التي عنده .
- وفي تعقب 70/229 ص 211 : إبراهيم بن الفضل بن أبي سويد الذارع البصري قال الدكتور ماهر : هكذا النص عندهما ، وفيه سقط عبارة "بالذال المعجمة" بعد : "الذارع" ، وهي ثابتة في طبعة عبد الوهاب عبداللطيف ، وطبعة مصطفى عبدالقادر عطا . وماحصل للمحررين سببه تقليدهما التام للشيخ محمد عوامة
أقول هنا كما قلت في المثال السابق ، فلايصح الاحتجاج بمطبوعة مشحونة بالأخطاء وأخرى تدور في فلكها على إثبات ما ليس في النسخ الخطية ، وقد خلت النسختان الخطيتان اللتان اعتمد عليهما محمد عوامة وصاحبا التحرير من تلك العبارة ، وكذلك النسختان الخطيتان اللتان عند الدكتور ماهر ، وكذلك النسخ الأربع الخطية التي عند الباكستاني ، ولهذا وضع العبارة بين معقوفتين [بالذال المعجمة] وذكر في الهامش أنها زيادة من ثلاث نسخ مطبوعة . (انظر التقريب طبعة الباكستاني/113) .
- وفي تعقب 11/21 ص 156 : أحمد بن جواس ، بفتح الجيم وتشديد الواو ، وآخره مهملة . قال الدكتور ماهر : هكذا النص عندهما ، بزيادة الواو قبل :"آخره" متابعة للشيخ محمد عوامة في طبعته للتقريب ، والواو لم ترد في طبعة عبدالوهاب عبداللطيف ، ولا في طبعة مصطفى عبدالقادر ، ولا في مخطوطة ص .
أقول : هذه الواو ثابتة في طبعة الباكستاني ص 87 أيضا ، وقد حقق الكتاب عن أربع نسخ خطية منها نسخة المؤلف . وعدم وجودها في طبعة عبدالوهاب ، وطبعة مصطفى ، ومخطوطة ص لايعني عدم وجودها في المخطوطات الأخرى للتقريب . والدكتور ماهر لم يقف إلا على نسختين خطيتين ، وهما نسخة أوقاف الموصل ، والتي يرمز لها بالرمز (ص) ، ونسخة أوقاف بغداد ، والتي يرمز لها برمز (ق) ، ذكر هذا في مقدمة كتابه ص 10 .
والمقصود أن إنكاره على صاحبي التحرير إثبات الواو لاوجه له مطلقا .
- وفي تعقب 44/147 ص 182 : مجهول ، وضعفه الأزدي ، من السابعة .
قال الدكتور ماهر : هكذا أوردا النص ، وفيه كلمة ساقطة ، وهي : (أيضا) وموضعها بعد "السابعة" ، هكذا وردت في مخطوطة ص ، وفي طبعة عبدالوهاب عبداللطيف ، وكذا وردت في طبعة مصطفى عبدالقادر ، الذي يدعي أيضا استخدامه أيضا للأصل الذي بخط ابن حجر ، ولم يشر إلى سقوطها منه ، والمحرران إنما أسقطاها متابعة للشيخ محمد عوامة .
أقول : الأمر يسير ، وفي طبعة الباكستاني جعلها بين معقوفتين [أيضا] وقال في الهامش : زيادة من بعض النسخ المطبوعة . ومعنى هذا أنه لم يجدها في النسخ الخطية الأربع التي عنده .
الوقفة الثانية عشرة
ذكر الدكتور ماهر في كتابه عددا من المسائل والقواعد المفيدة ، التي استعملها في ردوه لكن بعض تلك المسائل والقواعد خلافية وفيها نقاش وأخذ ورد ، فإذا خالفها صاحبا التحرير لم يصح التشنيع عليهما إذ لم يشذا في ذلك ، ومثل هذه الأمور لايشنع فيها على المخالف، فكل له اجتهاده .
ومثال ذلك ماذكره في قاعدة من كان لايروي إلا عن ثقة ، والاحتجاج بها في توثيق الراوي فقد رد الدكتور ماهر على صاحبي التحرير ذلك ، وقال : لايصح بحال استعمال هذه القاعدة أو غيرها من قواعد التوثيق الإجمالي في رفع مرتبة راو ، ومن ثم قبول حديثه (كشف الإيهام/73) .
أقول : لم يشذ صاحبا التحرير في استعمالهما القاعدة المذكورة ، وكثير من المحدثين قديما وحديثا يستعملونها قال أبو داود : " قلت لأحمد : إذا روى يحيى أو عبد الرحمن بن مهدي عن رجل مجهول يحتج بحديثه ؟ قال : يحتج بحديثه " (سؤالات أبي داود1/198) .
وسئل أبوحاتم الرازي عن محمد بن أبي رزين فقال : "شيخ بصري لا أعرفه ، لا أعلم روى عنه غير سليمان ابن حرب ، وكان سليمان قل من يرضى من المشايخ ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ فاعلم أنه ثقة" (الجرح والتعديل 7/255) .
وسئل أبو حاتم عن شهاب الذي روى عن عمرو بن مرة ، فقال : " شيخ يرضاه شعبة بروايته عنه يحتاج أن يسأل عنه ؟!" (الجرح والتعديل 4/361) .
وقال ابن حجر : " من عرف من حاله أنه لا يروي إلا عن ثقة فإنه إذا روى عن رجل وصف بكونه ثقة عنده كمالك وشعبة والقطان وابن مهدي وطائفة ممن بعدهم " (لسان الميزان 1/210) .
وقد استعمل الحافظ ابن حجر هذه القاعدة في التوثيق ، فقد قال في ترجمة أيوب بن محمد بن أيوب الهاشمي الصالحي في التقريب : " ثقة " . وهو لم ينص أحد على توثيقه ، ولم يذكره ابن حبان في الثقات ، لكن ابن حجر وثقه ، وقال في التهذيب : " روى عنه بقي بن مخلد ، ومن شأنه أن لا يروي إلا عن ثقة " .
قال أبوالحسن المأربي : وقد تأملت صنيع الحافظ في التقريب فرأيته أحيانا إذا انفرد من ينتقي بالرواية عن شيخ دون جرح أو تعديل في الشيخ يقول : " ثقة " ، وأحيانا يقول : " صدوق " ، وأكثر المواضع يقول :"مقبول " (إتحاف النبيل 2/83) .
والكلام على هذه المسألة مبسوط في مظانها في كتب المصطلح .
وقد وصف الدكتور ماهر صاحبي التحرير بالتناقض في تطبيق هذه القاعدة فقال :
" وتجاوزا (يعني صاحبي التحرير) فيه (يعني الاضطراب) حد الإفراط فكانا مضطربين يميعان القاعدة وفقا لمخالفتهما للحافظ ، ويظهر لك هذا جليا من خلال مايأتي :
أولا : أقدم المحرران على إنزال سبعة وأربعين راويا عن مرتبة ثقة إلى مرتبة أدنى خلافا لهذه القاعدة" (كشف الإيهام /69)
أقول : الذين قرروا هذه القاعدة إنما يعملون بها إذا لم يوجد مايعارضها مما هو أقوى منها .
قال ابن أبي حاتم : " باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه وعن المطعون عليه أنها لا تقويه
سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة ، مما يقويه ؟ قال : إذا كان معروفا بالضعف لم تقوه روايته عنه ، وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه .
سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل ، مما يقوي حديثه ؟ قال : إي لعمري قلت : الكلبي روى عنه الثوري ، قال : إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء . وكان الكلبي يتكلم فيه " (الجرح والتعديل 2/36) .
وإنما يسلم اتهام الدكتور ماهر لصاحبي التحرير أنهما تناقضا في تطبيق القاعدة إذا كانا قد تركا العمل بها دون وجود معارض لها . وفي الأمثلة التي استدل بها على تناقضهم عدد من الرواة وجد فيهم مايعارض تلك القاعدة مماهو أقوى منها ، ولذلك لم يعملا بها ، فلايصح وصفهما بالتناقض في هذه الأمثلة التي هذه حالها .
الوقفة الثالثة عشرة
في تعقب 137/623 ص 270 : في ترجمة أيوب بن أبي مسكين ، الذي قال فيه ابن حجر : " صدوق له أوهام" ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :" بل صدوق حسن الحديث" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله :
" لا منافاة بين الحكمين "
وفي تعقب 173/828 ص 299 : في ترجمة ثابت بن قيس الغفاري ، الذي قال فيه ابن حجر : " صدوق يهم " ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :"هو عندنا حسن الحديث" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " هذا الاستدراك لاقيمة له ، فلامنافاة بين الحكمين " .
وفي تعقب 410/4914 ص 497 : في ترجمة عمر بن سهل المازني ، الذي قال فيه ابن حجر : "صدوق يخطئ " ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :"بل : صدوق حسن الحديث" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : "لا قيمة لهذا التعقب ، فالنتيجة واحدة " .
وفي تعقب 418/5101 ص 502 : في ترجمة عمرو بن أبي قيس الرازي ، الذي قال فيه ابن حجر : "صدوق له أوهام" ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :"بل : صدوق حسن الحديث" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : "كلام لا معنى له ، وليس مصيبا قائله ، فالنتيجة واحدة ".
وفي تعقب 470/6087 ص 544 : في ترجمة محمد بن عبدالرحمن الطفاوي ، الذي قال فيه ابن حجر : "صدوق يهم " ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :" بل : صدوق حسن الحديث" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : "لا داعي لهذا التعقب ، فالنتيجة واحدة " .
أقول : تكرر انتقاد الدكتور ماهر لصاحبي التحرير في هذه المسألة ، فصاحبا التحرير يريان أن من قال فيه ابن حجر : "صدوق له أوهام" ، أو "صدوق يهم" ، أو"صدوق يخطئ " ، ونحو ذلك من ألفاظ المرتبة الخامسة من مراتب ابن حجر في التقريب أن حديثه ضعيف قابل للانجبار ، وقد صرحا بذلك في مقدمة التحرير ، فذكرا أن الصدوق الذي يهم أو الذي يخطئ يعتبر بحديثه فإن وجد له متابع تحسن حديثه ، وإذا انفرد ضعف حديثه ( تحرير تقريب التهذيب 1/17) . وهذه المسألة فيها قولان لأهل الاختصاص كما هو معروف في مظان هذه المسألة ، فمنهم من يرى أن حديث هؤلاء من الحسن لذاته ما لم يعلم أنه من أوهامهم وأخطائهم ، ومنهم من يرى أن حديثهم ضعيف قابل للانجبار ، ولكل من القولين أدلته . والذي يظهر أن الحافظ ابن حجر يرى الرأي الأخير ، يدل على ذلك قوله : " وأما الغلط فتارة يكثر من الراوي ، وتارة يقل ، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ينظر فيما أخرج [يعني البخاري] له ؛ إن وجد مرويا عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق ، وإن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف عن الحكم بصحة ما هذا سبيله ، وليس في الصحيح بحمد الله من ذلك شيء . وحيث يوصف بقلة الغلط كما يقال : سيء الحفظ ، أوله أوهام ، أوله مناكير وغير ذلك من العبارات ، فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك (هدي الساري/384)
وعلى كل حال مادام في المسألة قولان ، وقد اختار صاحبا التحرير أحدهما فليس للدكتور ماهر أن يشنع عليهما ، ويعد ذلك في أوهامهما ، لأنه اختار القول الآخر .
الوقفة الرابعة عشرة
أحيانا يقع صاحبا التحرير في خطأ ، ويكون لوقوعهما في ذلك الخطأ سبب ، فيشنع الدكتور ماهر عليهما في ذلك الخطأ ، ولايبين السبب ليزداد قبح خطئهما .
مثال هذا ماجاء في تعقب 379/4600 ص 468 في ترجمة عطاء بن أبي مسلم ، قال صاحبا التحرير :
" نقل الترمذي في "العلل الكبير" عن البخاري أنه قال : رجل ثقة ، روى عنه الثقات من الأئمة مثل مالك ومعمر وغيرهما ، ولم أسمع أحدا من المتكلمين تكلم فيه بشيء " ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " تجرآ على إمام المحدثين وأستاذ الأستاذين أبي عبدالله البخاري فقولاه مالم يقل ... فالبخاري لم يوثقه ألبتة بل ولا نقل ذلك عنه أحد...إلى أن قال عن نقلهما عن الترمذي قول البخاري : " هذا تقول على الإمام البخاري فلم يقل البخاري ذلك ، ولم ينقله عنه الترمذي في العلل الكبير " .
أقول : لا شك أن صاحبي التحرير أخطآ في هذا النقل عن البخاري ، لكن الذي يقرأ كلام الدكتور ماهر يظن أن صاحبي التحرير اخترعا ذلك الكلام ونسباه إلى الترمذي في العلل الكبير على أنه من كلام البخاري ، وكان ينبغي أن يبين الدكتور ماهر الأمر على حقيقته حتى لايترك القارئ يستفحش مافعله صاحبا التحرير ، ويظن أنهما اخترعا شيئا لا أصل له . وإذا راجعت العلل الكبير للترمذي وجدت فيه مايلي : قال أبو عيسى : وعطاء الخراساني رجل ثقة ، روى عنه الثقات من الأئمة مثل مالك ومعمر وغيرهما ، ولم أسمع أن أحدا من المتقدمين تكلم فيه بشيء .(علل الترمذي /373) ، فالنص موجود برمته في علل الترمذي ، لكنه من كلام الترمذي لا البخاري فاشتبه الأمر على صاحبي التحرير فنقلاه على أنه للبخاري .
الوقفة الخامسة عشرة
تعقب 465/6023 ص 540: في ترجمة محمد بن عبدالله بن أبي سليم المدني الذي قال فيه ابن حجر : "صدوق" ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :"بل : ثقة ، فقد وثقه النسائي ، وذكره ابن حبان في الثقات ، أما قول الذهبي في الميزان : لايعرف ، فمدفوع بتوثيق النسائي له ، وناهيك به من متثبت" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " إنما أنزله الحافظ ابن حجر إلى رتبة صدوق ؛ لتفرد بكير بن الأشج عنه ، وهما يجهلان من حاله هكذا ؛ لكن عدم المنهجية جعلت التنوع في الأحكام كثيرا عند المحررين" .
أقول : لم يكن من منهج صاحبي التحرير تجهيل من لم يرو عنه إلا واحد وقد وثقه معتبر ، وقد ذكرا في مقدمة التحرير 1/33 أن من ذكره ابن حبان في الثقات ، وتفرد بالرواية عنه واحد ، ولم يذكر لفظا يفهم منه توثيقه ، ولم يوثقه غيره ، فهو يعد مجهول العين . ثم إن الدكتور ماهرا لم يبين دليله على أن من لم يرو عنه إلا راو واحد وقد وثقه معتبر أنه يكون صدوقا لا من كلام الحافظ ولا من كلام غيره ، فهذه قاعدة لا أعلم أحدا ذكرها . والذي ذكره ابن حجر في شرح النخبة أن مجهول العين لايقبل حديثه إلا أن يوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح ، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلا لذلك (نزهة النظر/71) .
وإذا كانت تلك القاعدة هي ماجرى عليه ابن حجر في التقريب ، فلماذا
قال في زيد بن رباح : "ثقة" (تقريب التهذيب/353) ، وقد تفرد بالرواية عنه مالك (انظر تاريخ الإسلام 9/141) ،
وقال في عمر بن محمد بن جبير بن مطعم : " ثقة" ، ماروى عنه غير الزهري(تقريب التهذيب/726) ،
وقال في الوليد بن عبدالرحمن الجارودي : " ثقة " (تقريب التهذيب/1039) ، وقد تفرد بالرواية عنه ابنه المنذر(انظر تهذيب الكمال 31/40 ، تدريب الراوي 1/319) ،
وقال في حسان بن الضمري : " ثقة " (تقريب التهذيب/ 233) ، وقد تفرد بالرواية عنه أبوإدريس الخولاني (انظر تهذيب الكمال 6/30) ؟
الوقفة السادسة عشرة
ذكر الدكتور ماهر أن للحافظ ابن حجر اصطلاحاته الخاصة به في التقريب ، وعاب صاحبي التحرير في مناقشتهما للحافظ في كثير من التراجم ، وذكر أن هذا اعتراض على الحافظ في اصطلاح ارتضاه لنفسه في هذا الكتاب ، ولا مشاحة في الاصطلاح .وقد كررالدكتور ماهر هذا الكلام في كتابه .
مثال ذلك قوله في ص 50 بعد أن ذكر إحصائية للتراجم التي حكم ابن حجر على أصحابها بمرتبة مقبول ، وتعقبه فيها صاحبا التحرير قال الدكتور ماهر : " إن مجموع هذه التراجم البالغ تعدادها (1139) ترجمة لايرد منها شيء على الحافظ ابن حجر ألبتة ، وذلك لأن المحررين بنيا أساس استدراكهما عليه بمحاكمته إلى غير اصطلاحه ، وهي عملية في غاية الضعف . والثاني أن الحافظ قد بين منهجه في الكتاب ، فمن استشكل شيئا منه فإنما هو لقصور في فهمه لا لتقصير الحافظ ، فالتعقب عليه بهذا النحو تسويد أوراق لا طائل تحته " .
أقول : مرتبة "مقبول" التي استعملها الحافظ ابن حجر ليست مجرد اصطلاح لايترتب عليه حكم ، فقد بين أن المقبول لايقبل حديثه إلا بالمتابعة ، أي أنه إذا تفرد بحديث لم يتابع عليه فحديثه غير مقبول ، وقد أطلق الحافظ ابن حجر هذا الوصف على عدد من الرواة الثقات ممن لايُشترط في حديثهم المتابعة ، فالأصل في حديثهم الصحة ولو لم يتابعوا ، لكن حديثهم عند ابن حجر حسب مصطلحه لايقبل إلا بالمتابعة ، فهنا الخلاف حقيقي ، وليس مجرد اصطلاحات خاصة به لايترتب عليها اختلاف في الحكم حتى يقال :لا مشاحة في الاصطلاح كما قال الدكتور ماهر .
فمجموع من قال فيه ابن حجر :"مقبول" ، وقال فيه صاحبا التحرير :"صدوق حسن الحديث" 260 راويا في إحصائية الدكتور ماهر ص 46 ، ويضاف إليهم خمسة ممن ذكرهم في التعقبات التفصيلية ، ولم يضمهم إلى هذه الإحصائية ، فالمجموع 265 راويا . فهؤلاء إذا رووا حديثا لم يتابعوا عليه لم يقبل حديثهم عند ابن حجر ، ويقبل حديثهم ويحسن عند صاحبي التحرير ، فالخلاف هنا حقيقي يترتب عليه قبول الحديث أو رده وليس مجرد اختلاف اصطلاحات .
ومجموع من قال فيه ابن حجر :"مقبول" ، ووثقه صاحبا التحرير 27 راويا في إحصائية الدكتور ماهر في ص 50 ، وفاته أربعة ذكرهم في التعقبات التفصيلية ، ولم يضمهم إلى هذه الإحصائية ، فالمجموع 54 راويا فهؤلاء إذا رووا حديثا لم يتابعوا عليه لم يقبل حديثهم عند ابن حجر ، وقبل حديثهم وصحح عند صاحبي التحرير ، فالخلاف هنا حقيقي يترتب عليه قبول الحديث أو رده ، وليس مجرد اختلاف مصطلحات .
الوقفة السابعة عشرة
تكرر انتقاد الدكتور ماهر لصاحبي التحرير في هذا الكتاب على أوهام وقعت من أحدهما في غير التحرير ، فيلومهما معا ، ويعدها عليهما من أوهام التحرير ، ولايجوز أن يلوم أحدهما بمافعله الآخر، ولا أن يجمع أوهامهما في غير هذا الكتاب مع أوهامهما فيه ويدعي أنها أوهامهما في التحرير .
وأمثلة ذلك كثيرة ، منها أن الدكتور ماهرا في ص 83 وصف منهج المحررين في التحرير بعدة أمور ، منها نقلهما أقوالا لاأصل لها في كتب العلم ، ومثل برقم 309، قال : ومنها الخروج عن اللياقة مع الحافظ ، ومثل برقم 39 ، فإذا راجعت الموضعين وجدت أن ذلك كلام لبشار في تعليقه على تهذيب الكمال ، فعده عليهما معا ، وجعله من أخطائهما في التحرير ، وهذا لايجوز ، ولايليق .
وفي تعقب 165/793 ص 294 : قال الدكتور ماهر : أبعد الدكتور بشار النجعة في تعليقه على تهذيب الكمال ...
أقول : هذا تعقب على خطأ بشار في تعليقه على تهذيب الكمال ، فلماذا يعطيه رقما على أنه من أوهامهما في التحرير ؟!
وفي تعقب 216/1100 ص 331 : قال الدكتور ماهر : حصل سقط في طبعة الدكتور بشار من تهذيب الكمال (5/384) ....
أقول : هذا سقط في طبعة بشار لتهذيب الكمال ، فلماذا يعطيه رقما على أنه من أوهامهما في التحرير ؟!
المحور الثاني : أوهام المؤلف في الكتاب
الوقفة الأولى
قال الدكتور ماهر متعقبا صاحبي التحرير في إحدى المسائل : فأحد قوليهما خطأ بلا شك ؛ لأن جمع النقيضين من أسرار قدرته جل في علاه . (كشف الإيهام/367) .
أقول : ماذكره الدكتور ماهر مخالف لاعتقاد أهل السنة والجماعة فإن قدرة الله تعالى وتقدس لاتتعلق بالممتنع لذاته . والممتنع لذاته كالجمع بين الضدين والنقيضين (انظر مجموع الفتاوى 3/321) .
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : لفظ "الممتنع" مجمل ، يراد به الممتنع لنفسه ، ويراد به ما يمتنع لوجود غيره فهذا الثاني يوصف بأنه ممكن مقدور ، بخلاف الأول ...
ومن الناس من يدعي أن الممتنع لذاته مقدور ، ومنهم من يدعي إمكان أمور يعلم بالعقل امتناعها ، وغالب هؤلاء لا يتصور ما يقوله حق التصور أو لا يفهم ما يريده الناس بتلك العبارة فيقع الاشتراك والاشتباه في اللفظ أو في المعنى ... إلى أن قال : وأما أهل السنة فعندهم أن الله تعالى على كل شيء قدير ، وكل ممكن فهو مندرج في هذا ، وأما المحال لذاته مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما فهذا لا حقيقة له ولا يتصور وجوده ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء ، ومن هذا الباب خَلْقُ مثلِ نفسِه وأمثال ذلك (منهاج السنة النبوية 2/293) .
وقال أيضا : وذلك أن الله على كل شيء قدير ، وهذا لفظ عام لا تخصيص فيه ، فأما الممتنع لذاته فليس بشيء باتفاق العقلاء ، وذلك أنه متناقض لا يعقل وجوده فلا يدخل في مسمى الشيء حتى يكون داخلا في العموم مثل أن يقول القائل : هل يقدر أن يعدم نفسه أو يخلق مثله ؟ فإن القدرة تستلزم وجود القادر ، وعدمه ينافي وجوده فكأنه قيل : هل يكون موجودا معدوما ؟ وهذا متناقض في نفسه لا حقيقة له ، وليس بشيء أصلا ، وكذلك وجود مثله يستلزم أن يكون الشيء موجودا معدوما فإن مثل الشيء ما يسد مسده ويقوم مقامه ، فيجب أن يكون الشيء موجودا معدوما ، قبل وجوده مفتقرا مربوبا ، فإذا قدر أنه مثل الخالق تعالى لزم أن يكون واجبا قديما لم يزل موجودا غنيا ربا ، ويكون الخالق فقيرا ممكنا معدوما مفتقرا مربوبا فيكون الشيء الواحد قديما محدثا ، فقيرا مستغنيا ، واجبا ممكنا ، موجودا معدوما ، ربا مربوبا ، وهذا متناقض لا حقيقة له ، وليس شيء أصلا ، فلا يدخل في العموم ، وأمثال ذلك . (بيان تلبيس الجهمية طبعة المجمع 4/319) .
وقال أيضا : قد أخبر الله أنه على كل شيء قدير ، والناس في هذا على ثلاثة أقوال :طائفة تقو ل : هذا عام ، يدخل فيه الممتنع لذاته من الجمع بين الضدين ، وكذلك يدخل في المقدور ،كما قال ذلك طائفة منهم ابن حزم . وطائفة تقول : هذا عام مخصوص يخص منه الممتنع لذاته ؛ فإنه وإن كان شيئا فإنه لا يدخل في المقدور كما ذكر ذلك ابن عطية وغيره ، وكلا القولين خطأ .
والصواب هو القول الثالث الذي عليه عامة النظار ، وهو أن الممتنع لذاته ليس شيئا ألبتة وإن كانوا متنازعين في المعدوم فإن الممتنع لذاته لايمكن تحققه في الخارج ولا يتصوره الذهن ثابتا في الخارج ولكن يقدر اجتماعهما في الذهن ثم يحكم على ذلك بأنه ممتنع في الخارج إذ كان يمتنع تحققه في الأعيان وتصوره في الأذهان إلا على وجه التمثيل بأن يقال : قد تجتمع الحركة والسكون في الشيء فهل يمكن في الخارج أن يجتمع السواد والبياض في محل واحد كما تجتمع الحركة والسكون ؟ فيقال : هذا غير ممكن فيقدر اجتماع نظيرالممكن ثم يحكم بامتناعه وأما نفس اجتماع البياض والسواد في محل واحد فلا يمكن ولا يعقل فليس بشيء لا في الأعيان ولا في الأذهان فلم يدخل في قو له :{ وهو على كل شيء قدير }(مجموع الفتاوى 8/9)
وقال أيضا : وهو سبحانه على كل شيء قدير ، لايستثنى من هذا العموم شيء لكن مسمى "الشيء" : ما تصور وجوده ، فأما الممتنع لذاته فليس شيئا باتفاق العقلاء .(مجموع الفتاوى 8/ 512)
وقال أيضا : والقدرة على خلق المتضادات قدرة على خلقها على البدل فهو سبحانه إذا شاء أن يجعل العبد متحركا جعله ، وإن شاء أن يجعله ساكنا جعله ، وكذلك في الإيمان والكفر وغيرهما ؛ لكن لايتصور أن يكون العبد في الوقت الواحد متصفا بالمتضادات فيكون مؤمنا صديقا من أولياء الله المتقين كافرا منافقا من أعداء الله وإن كان يمكن أن يجتمع فيه شعبة من الإيمان وشعبة من النفاق (مجموع الفتاوى8/513)
الوقفة الثانية
من أوهام الدكتور ماهر ماجاء في ص 84 فقد عاب صاحبي التحرير بأنهما ذكرا في تراجم بعض الرواة أن صاحبي الصحيحين أخرجا لهم متابعة ، والواقع أنهما أخرجا لهم في الأصول ، ومثل برقم 185، 471 .
وهذا وهم ، فقد قالا في الموضع الأول :" وروى له مسلم حديثين ، الأول في فضل عمان ، والثاني في الأدب ، فلم يخرج له في الأحكام" ، وقالا في الموضع الآخر :" روى له البخاري حديثين ، أحدهما في التفسير ، والثاني في الاعتصام " ، ولم يذكرا أن ذلك في المتابعات كما اتهمهما الدكتور ماهر .
الوقفة الثالثة
من أوهام الدكتور ماهر ماجاء في ص 449 في ترجمة عبدالرحمن بن أبي عمرة الذي قال فيه ابن حجر : "مقبول " ، فقال صاحبا التحرير : " بل صدوق حسن الحديث ؛ فقد روى عنه جمع منهم مالك بن أنس في الموطأ ، فقال الدكتور ماهر : " هذه مجازفة فلم يرو عنه سوى ثلاثة منهم مالك بن أنس ، ولم يؤثر فيه توثيق عن أحد ألبتة ، ورواية مالك عنه ليست توثيقا له ، إنما روى له مالك حديثا واحدا فقط ...فلايقال لمثل صاحب هذه الترجمة :صدوق " (كشف الإيهام /449) .
أقول : لقد جانب الدكتور ماهر الصواب في تعقبه ، فقد ذكر صاحبا التحرير أنه روى عنه جمع ، فتعقبهما بأنه لم يرو عنه سوى ثلاثة ، فهل الثلاثة لايطلق عليهم أنهم جمع ؟!
وإليك نص كلام الإمام ابن عبدالبر ففيه رد على تعقب الدكتور . قال ابن عبد البر :
مالك عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري حديث واحد .
هكذا قال فيه مالك : عبد الرحمن بن أبي عمرة نسبة إلى جده ، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمرة الأنصاري ، مدني ثقة ، يروي عن القاسم بن محمد وعن عمه عبد الرحمن بن أبي عمرة وله رواية عن أبي سعيد الخدري ، وما أظنه سمع منه ، ولا أدركه ، وإنما يروي عن عمه عنه ، يروي عنه مالك ، وعبد الله بن خالد ، أخو عطاف بن خالد ، وابن أبي الموالي وغيرهم (التمهيد لابن عبد البر 20/25) .
فالدكتور ماهر نفى وجود توثيق فيه ، وهذا ابن عبدالبر قد وثقه ، ونفى الدكتور أن يكون له راو غير الثلاثة ، وابن عبد البر ذكر ثلاثة ، وقال : وغيرهم .
وأما قول الدكتور ماهر :" ورواية مالك عنه ليست توثيقا له ، إنما روى له مالك حديثا واحدا فقط" ، فلا أدري ما وجهه ، هل يشترط الدكتور أن يروي عنه مالك أكثر من حديث حتى تكون روايته عنه توثيقا ؟ ومن قال بهذا من أهل العلم ؟
وهذا عمرو بن أبي عمرو لم يرو عنه مالك في الموطأ إلا حديثا واحدا ، ومع ذلك احتج غير واحد من الأئمة بذلك على توثيقه :
قال ابن عبدالبر : مالك عن عمرو بن أبي عمرو حديث واحد . ثم ذكر أن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن عمرو بن أبي عمرو فقال سمع من أنس ، ليس به بأس ، روى عنه مالك بن أنس . وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن عمرو بن أبي عمرو ، فقال : لا بأس به ، روى عنه مالك(التمهيد 20/175) .
وقال ابن عدي : روى عنه مالك وهو عندي لا بأس به ؛ لأن مالكا لا يروي إلا عن ثقة أو صدوق (الكامل 5/116) .
الوقفة الرابعة
في ترجمة محمد بن الحسن بن عطية العوفي قال صاحبا التحرير :" ولا نعلم أحدا قال فيه "صدوق" بل لانعلم من حسن الرأي فيه ، فهو متفق على ضعفه" فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : هذه مجازفة فقد قال الحافظ في تهذيب التهذيب : " وقال الحسين بن الحسن الرازي عن ابن معين : ثقة" ، وعدم علمهما بهذا القول أدل دليل على قصور عملهما في الكتاب ، وعدم الإحاطة بأقوال النقاد ، وهو أمر كلفهما الكثير (كشف الإيهام/526)
أقول : ليت الدكتور ماهرا قبل أن يتعجل ويقول هذا الكلام راجع أصل تهذيب التهذيب ألا وهو تهذيب الكمال 25/70 لوجد العبارة كما يلي : قال الحسين بن الحسن الرازي عن يحيى بن معين : ليس بمتين . بل ليته راجع مصدر هذه العبارة الأساس وهو الجرح والتعديل للرازي 7/226 ترجمة 1251 لوجدها كذلك ، قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسين بن الحسن قال : سألت يحيى بن معين عن محمد بن الحسن بن عطية العوفي قال : هو كوفي ليس بمتين .
وما أكثر ما وصف الدكتور ماهر صاحبي التحرير بالعجلة والتسرع !
كقوله في ص 609 : عدم وقوفكما عليه من قلة التتبع وكثرة العجلة ، فقد وقف عليه غيركما .
وقوله في ص 607 : هذا كلام غير صحيح سببه التسرع .
الوقفة الخامسة
في ترجمة عمران بن حدير الذي قال فيه ابن حجر : ثقة ثقة ، قال الدكتور ماهر : العجب كل العجب ممن يدعي دراسة كتاب ، بل وتعقب أحكامه ونصه ، وهو لا يكاد يعرف منهج مؤلف ذلك الكتاب ، فمعلوم لمن قرأ التقريب قراءة عابرة ، أدرك أنه ليس من منهج ابن حجر تكرار الحكم ، وهما إنما أثبتاه هكذا مكررا "ثقة ثقة" تبعا لأصلهما الأصيل طبعة الشيخ محمد عوامة ، وقد جاء الحكم على الصواب بالإفراد في مخطوطة ص ومخطوطة ق ومطبوعة عبدالوهاب عبداللطيف . (كشف الإيهام/506) .
أقول : قد أثبتها الباكستاني في طبعته كما أثبتها صاحبا التحرير ومحمد عوامة : "ثقة ثقة" ، ونبه الباكستاني في الهامش أنها كذلك في مخطوطة الميرغني مرتين (انظر التقريب بتحقيقه /750 ) ، وأما محمد عوامة فاعتماده على أصل الحافظ الذي بخط يده ، فلايصح للدكتور ماهر أن يلوم هؤلاء ، والحالة هذه . وأما ما ذكره من أن ذلك يخالف منهج الحافظ في كتابه فيرده كلام الحافظ نفسه في مقدمة كتابه وهو يبين خطته فيه فقال : وباعتبار ما ذكرت انحصر لي الكلام على أحوالهم في اثنتي عشرة مرتبة ، وحصر طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة ، فأما المراتب فأولها الصحابة فأصرح بذلك لشرفهم . الثانية : من أكد مدحه إما بأفعل كأوثق الناس أو بتكرير الصفة لفظا كثقة ثقة ، أو معنى كثقة حافظ (التقريب طبعة الباكستاني /80) ، وهذا تصريح منه أنه سيستعمل تلك اللفظة التي أنكرها الدكتور ماهر ، وكون استعماله لها قليلا لايعني النفي .
الوقفة السادسة
وصف الدكتور ماهر الإمام الذهبي بالتناقض ، في تعقب 260/1637 ص 367 في ترجمة خالد بن سارة فقد ذكر أن الذهبي قال في الكاشف : "وثق" ، ثم قال الدكتور ماهر في الهامش : ناقض الذهبي بهذا نفسه إذ إنه قال في ميزان الاعتدال : " وخالد ماوثق ، لكن يكفيه أنه روى عنه أيضا عطاء " .
أقول : لم يقع الذهبي في التناقض فقوله : "وثق" يشير به إلى أن ابن حبان ذكره في الثقات ، وهذه اللفظة أكثر ما يطلقها الذهبي في الكاشف على من انفرد ابن حبان بتوثيقه ، وربما وضع فوقها رمز "حب" (انظر مقدمة تحقيق الكاشف لمحمد عوامة 1/30) ، وذكر الدكتور ماهر في كشف الإيهام ص145 أن هذا هو رسم الذهبي فيمن ذكره ابن حبان في الثقات ، ولم يوثقه بلفظه . وهذا لاينافي قول الذهبي في الميزان في خالد بن سارة :"ماوثق" فإنه يعني بذلك أنه لم يوثقه أحد ممن يعتمد على توثيقه ، فليس بين اللفظين تناقض مادام اصطلاحه قد عرف .
الوقفة السابعة
عاب الدكتور ماهر صاحبي التحرير في وصفهم الراوي بأنه تفرد بالرواية عنه واحد اعتمادا على تهذيب الكمال ، مثال ذلك تعقب 566/8264 ص 602 في ترجمة أبي علي الأزدي الذي قال فيه صاحبا التحرير :"مجهول فقد تفرد بالرواية عنه منصور بن المعتمر" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : "هكذا قالا معتمدين على تهذيب الكمال حسب ، متغافلين أن تهذيب الكمال خاص برجال الكتب الستة ، وبعض مؤلفات أصحابها ، وهذا الراوي قد روى عنه أيضا ابن أبي حسين عند الشافعي في مسنده بتحقيقي " . وكذلك قال في تعقب 374م /4406 ص 464.
أقول : تهذيب الكمال وإن كان خاصا برجال الكتب الستة إلا أن المزي لايقتصر في شيوخ الراوي وتلاميذه على من في الكتب الستة ، وقد بين ذلك في مقدمة كتابه فقال : وذكرت أسماء من روى عنه كل واحد منهم ، وأسماء من روى عن كل واحد منهم في هذه الكتب أو في غيرها على ترتيب حروف المعجم (تهذيب الكمال 1/151) . وواقع الكتاب يشهد بذلك ، فأول ترجمة فيه : أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي ، الذي روى له أبوداود حديثا واحدا ، وروى له ابن ماجه في التفسير ، ذكر المزي في شيوخه ثمانية وعشرين شيخا ، وليس منهم من روى عنه صاحب الترجمة في الكتب الستة وملحقاتها سوى اثنين ، وذكر في تلاميذه أربعة وعشرين راويا ، وليس منهم من روى عن صاحب الترجمة في الكتب الستة وملحقاتها سوى اثنين .
الوقفة الثامنة
في تعقب 227/1227 ص 347 : في ترجمة الحسن البصري قال الدكتور ماهر : " نبه المحرران هنا على شيء ما ، فقالا :" ينبغي التنبه أن تدليس الحسن قادح إذا كان عن صحابي ، أما إذا كان عن تابعي فلا ، ولابد من هذا القيد " ثم قال الدكتور ماهر : هذه قاعدة استخرجاها من كيسهما ، وما في غرائبهما مثلها فلقد نمت أولا : عن جهل بأبسط قواعد مصطلح الحديث ، وثانيا : محاولتهما اختراع قواعد ، والتقول بما لم يقل به سابق قبلهما "
أقول : بل هما مسبوقان إليها ولم يخترعاها . قال الألباني رحمه الله في تدليس الحسن البصري :" الظاهر أن المراد من تدليسه إنما هو ما كان من روايته عن الصحابة دون غيرهم ؛ لأن الحافظ في التهذيب أكثر من ذكر النقول عن العلماء في روايته عمن لم يلقهم ، وكلهم من الصحابة ، فلم يذكروا ولا رجلا واحدا من التابعين روى عنه الحسن ولم يلقه ، ويشهد لذلك إطباق العلماء جميعا على الاحتجاج برواية الحسن عن غيره من التابعين بحيث لا أذكر أن أحدا أعل حديثا ما من روايته عن تابعي لم يصرح بسماعه منه " (السلسلة الصحيحة 2/488 ح 834 )
وذكر الدكتور حاتم العوني في رسالته التي أطال فيها في دراسة روايات الحسن أنه أثبت أن تدليس الحسن ليس إلا رواية المعاصر عمن لم يلقه ، وهو نوع التدليس الذي لا يوجب التوقف في قبول العنعنة مطلقا ، لكنه يوجب في حق من غلب عليه أن يثبت أصل السماع ، وأن يعرف حصول اللقاء ، ولو مرة لنتحقق من انتفاء هذا النوع من التدليس : رواية المعاصر عمن لم يلقه (المرسل الخفي للعوني 1/500) .
وقال ناصر الفهد : والمتتبع لمرويات الحسن في الصحاح ، وحال سماعاته ممن فوقه ، وطريقة الأئمة المتقدمين في تصحيحها وتضعيفها ، وأقوال المتقدمين في تدليسه يرى أن غالب تدليسه المراد به :( الرواية عمن لم يسمع منه ) ، فهو من قبيل المرسل في الحقيقة ، فلاينظر فيه إلى العنعنة ولا التحديث بل ينظر فيه إلى كتب المراسيل فمن ثبت عدم سماعه منه فهو منقطع وإلا فمتصل (منهج المتقدمين في التدليس/72) .
ثم قال الدكتور ماهر :" فمن المعروف بداهة لمن له أدنى ممارسة وطلب في هذا العلم الشريف أن من عرف بالتدليس لم تقبل عنعنته مطلقا ، وإن كانت عن معاصر ، وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين ، بل نقل النووي في المجموع الاتفاق على رد عنعنة المدلس ، بل نقل الرامهرمزي والخطيب البغدادي عن بعض الفقهاء وأهل الحديث رد حديث المدلس مطلقا سواء بين السماع أم لا" (كشف الإيهام/347) .
أقول : إذا كان الأمر كما ذكر الدكتور ماهر وأن من عرف بالتدليس لم تقبل عنعنته مطلقا ، وإن كانت عن معاصر فماذا يقول الدكتور ماهر في تقسيم ابن حجر المدلسين إلى خمس مراتب ، وفي الأولى من لايوصف بذلك إلا نادرا ، وفي الثانية من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح وذلك لإمامته وقلة تدليسه أو كان لايدلس إلا عن ثقة (انظر تعريف أهل التقديس/62) ، فماذكره الدكتور ماهر يقتضي أن عنعنة المذكورين في المرتبة الأولى والثانية غير مقبولة مطلقا !
قال الشيخ عبدالله السعد : فإن كان تدليس الإسناد فالذي ينبغي عمله هو : هل هو مكثر من هذا التدليس أو مقل ؟ فمن المعلوم إذا كان مقلا من هذا النوع من التدليس ؛ يعامل غير فيما لو كان مكثرا . قال يعقوب بن شيبة السدوسي : سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس ؛ أيكون حجة فيما لم يقل : حدثنا ؟ قال : إذا كان الغالب عليه التدليس فلا حتى يقول : حدثنا (الكفاية :362) . وماذهب إليه علي بن المديني ظاهر لأنه إذا كان مقلا من التدليس فالأصل في روايته الاتصال ، واحتمال التدليس قليل أو نادر فلايذهب إلى القليل النادر ، ويترك الأصل والغالب .ولأنه أيضا يكثر من الرواة الوقوع في شيء من التدليس فإذا قيل : لابد في قبول حديثهم من التصريح بالتحديث منهم ردت كثير من الأحاديث الصحيحة . ولذلك لم يجر العمل عند من تقدم من الحفاظ أنهم يردون الخبر بمجرد العنعنة ممن وصف بشيء من التدليس ، ودونك ماجاء في الصحيحين وتصحيح الترمذي وابن خزيمة وغيرهم من الحفاظ . (من تقديم الشيخ السعد لمنهج المتقدمين في التدليس/22) .
وقال ناصر الفهد : إن المتتبع لأحكام المتقدمين على أحاديث المدلسين يجدهم مخالفين للمتأخرين تماما في مسألة الحكم على عنعنة المدلس ، فلاتجد حديثا رده المتقدمون لمجرد العنعنة فقط ، بل لابد من وجود التدليس فعلا أو علة حملوها على العنعنة بخلاف المعاصرين الذين يكتفون بمجرد رؤية الإسناد ثم يقولون : ضعيف ، فيه فلان وهو وإن كان ثقة إلا أنه مدلس وقد عنعن (منهج المتقدمين في التدليس/155) .
وقال الدكتور عواد الخلف : ويؤيد هذا القول – قبول حديث المدلس مطلقا إلا إذا تبين في حديث بعينه أنه لم يسمعه – صنيع عدد من الأئمة ، منهم ابن عبدالبر حيث قال :" قتادة إذا لم يقل سمعت ، وخولف في نقله فلاتقوم به حجة" ، فقد اشترط لرد حديثه في حال عدم السماع المخالفة في النقل ، أما إذا عنعن عنده ولم يخالف فعنعنته مقبولة ، ويدل على ذلك قوله في موطن آخر :"قال بعضهم : قتادة إذا لم يقل سمعت أو حدثنا فلاحجة في نقله . وهذا تعسف " ، كذا يدل عليه قول يعقوب الفسوي : " وحديث سفيان وأبي إسحاق والأعمش مالم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة" ( روايات المدلسين في صحيح مسلم /65)
الوقفة التاسعة
في تعقب 64/205 ص 202 : في ترجمة إبراهيم بن عبدالرحمن المخزومي ذكر صاحبا التحرير أن ابن خلفون وثقه ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " وأما توثيق ابن خلفون فلم يذكره أحد سوى مانقله الدكتور بشار في تعليقه على تهذيب الكمال (2/133-134 هامش 3) عن إكمال مغلطاي (ا/الورقة56) ، ولم ينقله أحد ، وأنا أشك في ذلك النقل ، لاسيما أن الحافظ لم ينقله في التهذيب مع ولعه بذلك "
أقول : ماكان ينبغي أن يشكك الدكتور ماهر في نقل شيخه ، وقد حدد المصدر وعين الورقة التي ذكر فيها ذلك ، وقد صدق الدكتور بشار في نقله ، وقد طبع إكمال مغلطاي في سنة 1422هـ أي قبل صدور كتاب الدكتور ماهر بخمس سنين فكان الواجب عليه أن يراجع الإكمال قبل أن يشكك في نقل شيخه ، ولو راجعه لوجد مغلطاي يقول في ترجمته : قال ابن خلفون : هو ثقة مشهور (إكمال تهذيب الكمال 1/240) .
الوقفة العاشرة
في تعقب 72/235 ص 212 : في ترجمة إبراهيم بن محمد بن العباس المطلبي الذي قال فيه ابن حجر : صدوق ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :" بل : ثقة ، وثقه النسائي ، والدارقطني ، وابن حبان ، وقال أبوحاتم وحده : صدوق ، ولا أعلم فيه جرحا" فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " قولهما :" قال أبوحاتم وحده صدوق" غير صحيح فقد نقل الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب عن صالح بن محمد أنه قال عنه :صدوق فالحافظ لم يأت بدعا من القول ، فقد أخذ بقول عالمين معتبرين " .
أقول : قد أصاب صاحبا التحرير في حكمهما على هذا الراوي بأنه ثقة .فقد قال النسائي : ثقة ، وقال الدرقطني : ثقة ، وأحسن الإمام أحمد الثناء عليه (تهذيب الكمال 2/175) .
ولما سأل أبوداود الإمام أحمد عمن يكتب بمكة أجاب بذكر اثنين ، هذا أحدهما (انظر سؤالات أبي داود/237) .
والإمام أحمد لا يأمر بالكتابة إلا عن الثقات ، وقال في عدد من الرواة : " اكتب عنه فإنه ثقة "(انظر تاريخ بغداد 3/322 ، 7/331 ، 13/319 ، الكامل 5/213)
وذكره ابن حبان في الثقات (8/73) ، وروى له في صحيحه ثلاثة أحاديث ، كلها صحيحة (انظر الإحسان ح 2282 ، 3946 ، 5465 )
وقال ابن عبدالبر : كان ثقة حافظا للحديث (الانتقاء /104).
وذكره ابن خلفون في الثقات ، وذكر أنه من أهل الثقة والأمانة (إكمال تهذيب الكمال1/179) .
وقال الذهبي : ثقة (الكاشف 1/221) .وقال أيضا : كان كثير الحديث ثقة (العبر 1/425) .
وقال الألباني : شيخ لابن ماجه ، وهو ثقة (السلسلة الصحيحة 5/125 ) .
ويتحصل من هذا كله أن هذا الراوي ثقة ، ولم يشر أحد في ترجمته إلى أنه وقع في أوهام أو أخطاء تقتضي إنزاله عن مرتبة الثقة .
وأما قول أبي حاتم فيه "صدوق" فلاينافي ماتقدم لأن أباحاتم من المتشددين في التعديل ، وأطلق هذه اللفظة على بعض كبار الحفاظ كالإمام مسلم بن الحجاج .
قال الذهبي : إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث ، وإذا لين رجلا أو قال فيه : لا يحتج به ؛ فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه ؛ فإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم فإنه متعنت في الرجال ، قد قال في طائفة من رجال الصحاح : ليس بحجة ليس بقوي أو نحو ذلك (سير أعلام النبلاء 13/260).
وأما صالح بن محمد فقول الجماعة المذكورين مقدم على قوله ؛ لأنهم أكثر عددا وفيهم من وصف بالتشدد ومن وصف بالاعتدال .ولم يأت الدكتور بدليل سديد في رد حكم صاحبي التحرير على الراوي بأنه ثقة .
وقوله :"إن ابن حجر أخذ بقول عالمين معتبرين فحكم على الراوي بحكمهما ، وهو "صدوق" ؛ يرد عليه بأن أباحاتم الرازي لايعني بلفظة "صدوق" مايعنيه ابن حجر بها ، فهناك كثير من الرواة وصف أبوحاتم كلا منهم بأنه صدوق ، يكتب حديثه ولايحتج به (انظر الجرح والتعديل 2/80 ، 4/180 ، 4/392 ، 4/465 ، 7/85 ، 9/7). بل قال ابن أبي حاتم في بيان مراتب الرواة : وإذا قيل له إنه صدوق أو محله الصدق أولا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية (الجرح والتعديل 2/37) ، وأما مرتبة "صدوق" فليست كذلك عند ابن حجر ، فهي مرتبة الحديث الحسن لذاته كماهو معلوم . ونسي الدكتور ماهر تنبيهه في أول كتابه على الفرق بين المتقدمين والمتأخرين في الدلالة المعنوية للصدق (انظر كشف الإيهام/99)
الوقفة الحادية عشرة
في تعقب 320/2854 ص 413 : في ترجمة صالح بن خيوان الذي نقل صاحبا التحرير عن ابن خلفون أنه قال : لايحتج به ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " نقلهما عن ابن خلفون لا أصل له ألبتة في كتب الرجال " .
أقول :بل هو مذكور في كتاب مغلطاي ، وقد نقله الدكتور بشار عواد في حاشية تحقيقه لتهذيب الكمال 13/38 هامش (4) فقال : وذكره ابن خلفون في الثقات وقال : غمزه بعضهم ، وكان لايحتج به (إكمال مغلطاي 2/الورقة 180) ، فمن العجيب جدا أن يتعجل الدكتور ماهر في نفي مانقله صاحبا التحرير عن ابن خلفون والمبالغة في النفي دون التفات إلى ماذكره بشار عواد ، ولاسيما أن الدكتور ماهر قد اعتاد على تتبع مايذكره بشار عواد في حاشية تهذيب الكمال والاستعانة به على نقده .
وقد راجعت كتاب الإكمال المطبوع فوجدت مغلطاي يقول : ولما ذكره ابن خلفون في الثقات قال : غمزه بعضهم . وقال : لايحتج به (إكمال تهذيب الكمال 6/326) لكن يبقى السؤال : هل فاعل "قال" الأخيرة هو "ابن خلفون" أو "بعضهم" ؟ ، وأيا كان الفاعل فماكان ينبغي للدكتور ماهر أن ينفي النقل عن ابن خلفون في هذا الراوي دون بيان الواقع .
الوقفة الثانية عشرة
في تعقب 452/5870 ص 528 : في ترجمة محمد بن دينار الأزدي الذي قال فيه ابن حجر : صدوق سيء الحفظ ، ورمي بالقدر ، وتغير قبل موته ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما : "بل : ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد ، فقد ضعفه أبوداود .." ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " بان لي من خلال عملي في هذا الكتاب أن المحررين شعارهما التسرع ، وديدنهما عدم التدقيق والتأني ، فهما إذا وجدا كلمة يظن بها خطأ ابن حجر قالا بها قبل أن يسبرا غورها ، ويعرفا دقتها ، ويتوثقا صحتها ، وإن كان غير ذلك عميا الأمر على من لم يكن هذا الأمر من صنعته . فقولهما :"ضعفه أبوداود" تدليس قبيح ، فأبوداود إنما قال عنه :"كان ضعيف القول في القدر" (تهذيب التهذيب 9/155) ، وهذه كلمة مدح لاذم ، يعني بها أنه كان على غير سنة البصريين من الإغراق في القول بالقدر ".
أقول : سبحان الله ! كيف يقول الدكتور ماهر هذا ، وغاب عن ناظره كلمة ابن حجر التي أمامه :"ورمي بالقدر" ، فإن كانت هذه كلمة مدح لاذم كما ادعى الدكتور ماهر فلماذا قال ابن حجر في ترجمة الراوي : " ورمي بالقدر " ، هل هو يعني بذلك مدحه ؟ أو أن فعله أيضا تدليس قبيح ؟ أو أنه يعمي الأمر على من لم يكن هذا الأمر من صنعته كماذكر الدكتور ماهر في صاحبي التحرير ؟
الوقفة الثالثة عشرة
في تعقب 182/857 ص 305 : في ترجمة ثواب بن عتبة الذي قال فيه ابن حجر : مقبول ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :" بل : صدوق حسن الحديث ..." ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : هذا الاستدراك والتعقب ليس هو إلا من إطالة وتسويد الورق ، إذ لامنافاة بين الحكمين ، فالمقبول عند الحافظ : يقبل حديثه ويحتج به .
أقول : هذا عجيب ، فقد سوى الدكتور ماهر بين "صدوق" و "مقبول" ، وهذا خطأ ظاهر ، فالصدوق عند ابن حجر يقبل حديثه بلامتابعة ، والمقبول لايقبل حديثه إلا بالمتابعة ، كما بين ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة التقريب فقال في مراتب الرواة :
السادسة : من ليس له من الحديث إلا القليل ، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله ، وإليه الإشارة بلفظ : مقبول ، حيث يتابع ، وإلا فلين الحديث (تقريب التهذيب/81)
ونسي الدكتور ماهر ذلك ، ونسي ما نقله عن شيخه الدكتور هاشم جميل مقرا له ، وهو قوله : وإطلاق الحافظ وصف مقبول على الراوي ليس توثيقا له ، وإنما يعني أنه ضعيف ، وضعفه يسير ينجبر بأدنى متابعة (كشف الإيهام/359 )
الوقفة الرابعة عشرة
في تعقب 8/13 ص 151 : في ترجمة أحمد بن بشير المخزومي الذي قال فيه ابن حجر : صدوق له أوهام فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما : " بل : صدوق له مناكير .." فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " هذا اعتراض معترض عليه بني على أصل خاطئ ، وهو أنهما وصفا أخطاءه بالمناكير ، وإنما المناكير أحاديث الضعيف التي خالف فيها الثقات ، وأحمد بن بشير لم يكن ضعيفا بل هو صدوق " .
أقول : أصلهما صحيح وليس بخاطئ ، فحصر المنكر بمخالفة الضعيف للثقة ليس معروفا في مصطلح الأئمة المتقدمين . ولما عرف ابن حجر في النخبة "المنكر" بمخالفة الضعيف تعقبه ابن قطلوبغا بقوله : قد أطلقوا في غير موضع النكارة على رواية الثقة مخالفا لغيره ، ثم ضرب مثالا ثم قال : وكأن المحفوظ والمعروف ليسا بنوعين حقيقيين تحتهما أفراد مخصوصة عندهم ، وإنما هي ألفاظ تستعمل في التضعيف ، والله أعلم ، فجعلها المصنف أنواعا ، فلم توافق ماوقع عندهم (حاشية ابن قطلوبغا/68)
وذكر الدكتور حمزة المليباري أن المعنى الاصطلاحي للمنكر استقر عند كثير من المتأخرين بأنه حديث رواه الضعيف مخالفا فيه الثقات . قال : لكن الذي يتأكد من خلال التتبع والاستقراء لمصادر العلل والتراجم أن هذا الاصطلاح الذي استقر عليه رأي المتأخرين تضييق لما وسعه نقاد الحديث في استعمال لفظة المنكر إذ المعنى عندهم "حديث غير معروف عن مصدره" سواء من رواية الثقة أم لا ، سواء تفرد به الراوي مع المخالفة أم لا (الحديث المعلول/67) .
وذكر الدكتور حاتم العوني أنه تبين له بعد التتبع والاستقراء أن المنكر عند من كان قبل ابن الصلاح هو : مايستفحشه الناقد من مخالفة الصواب (شرح الموقظة للعوني/94) .
وقد عرف الشيخ عبدالرحمن السلمي في رسالته في الحديث المنكر عرف النكارة بقوله : خلل في الرواية يستفحشه الناقد ، ويدركه بقرائن أهمها التفرد أو المخالفة(الحديث المنكر 1/96) . وذكر عبدالله الجديع سبع صور يطلق أئمة الحديث المتقدمون على كل منها وصف المنكر (انظر تحرير علوم الحديث 2/1035)
في كشف الإيهام
بقلم
د/بسام الغانم العطاوي
أستاذ السنة وعلومها في كلية المعلمين في جامعة الملك فيصل في الدمام
غرة رجب 1429هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أوهام في كشف الإيهام
بقلم د/ بسام الغانم العطاوي
أستاذ السنة وعلومها في كلية المعلمين في جامعة الملك فيصل في الدمام
الحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
أما بعد :
فقد اطلعت على كتاب أخينا الفاضل الشيخ الدكتور ماهر الفحل الذي سماه كشف الإيهام لما تضمنه تحرير التقريب من الأوهام ، فراعني ما فيه من تناقضات وأوهام ، حتى خيل إلي أن الذي كتب هذا الكتاب ماهر آخر غير الذي نعرفه في ملتقى أهل الحديث ، ومنتديات صناعة الحديث ، فأحببت أن أكتب بعض ملحوظاتي على الكتاب نصيحة لمؤلفه الفاضل الذي كانت له جهود مشكورة في تحقيق عدد من الكتب النفيسة ، وفي الكتابة في مسائل علم الحديث ، لعله يعيد بناء كتابه على أسس صحيحة وقواعد منهجية سليمة ينتفع بها طلبة العلم ، ونصيحة لقراء الكتاب ليحذروا مافيه من تناقضات وأوهام . وأرجو أن يتسع صدر المؤلف لما سأذكره نصيحة له ، وهو فاعل ذلك إن شاء الله ، لما عرف عنه من الرجوع إلى الحق إذا بان له ، ولا أنسى موقفه الكريم حين استدل بحديث معلول قبل أن يقف على علته ، فنبهته إحدى الأخوات على ذلك ، ونقلت ما ذكره الدكتور علي الصياح في بيان علة هذا الحديث ، فما كان من الدكتور ماهر إلا أن قال :" أشكر الأخت الفاضلة على حرصها وكمال فطنتها ، وقد راجعت المصادر فتبين لي أن ما قاله الشيخ المحدث علي الصياح صوابٌ ، وأن حكمي على تصحيح الإسناد خطأ فجزى الله الشيخ الصياح خير الجزاء على ما قدم ويقدم في خدمة هذا الدين ، وأشكر الأخت الفاضلة على هذا التنبيه ، وأستغفر الله مما كتبته سابقاً في تصحيح إسناد الحديث ، والذي غرني في ذلك هو سماع الزهري من أنس ، ولم أكن أعلم علل الحديث الخفية حتى بانت لي . وأستغل الموقف في تنبيه إخواني إلى التأني والتأتي قبل إصدار الأحكام حتى لا يقعوا في مثل ما وقعت به " (منتديات صناعة الحديث).
وهذا يدل على حرصه على اتباع الحق ، متى ظهر له ، وتقديمه إياه على حظوظ النفس مهما كانت ، فجزاه الله خيرا ، وبارك فيه ، وزاده توفيقا وتسديدا .
وسأجعل ملحوظاتي على الكتاب في وقفات تدور على المحاور التالية :
المحور الأول : المنهج العام للكتاب .
المحور الثاني : أوهام المؤلف في الكتاب .
المحور الثالث : تناقضات المؤلف في الكتاب .
المحور الأول : المنهج العام للكتاب
الوقفة الأولى
وهي نصيحة أنصح بها نفسي ، وكل من تصدى للدفاع عن شخص غير معصوم ، فليعلم علم يقين أن كل من ينبري للدفاع عن شخص غير معصوم محاطا بتعصب له ، ومستظلا بعاطفة غلبت عليه ، وتكون غايته الانتصار له لابد أن يقع في تناقضات وأوهام ؛ لأنه يعمى عن رؤية أخطاء من يحبه وينتصر له ، كما قد قيل
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
وإذا اطلع أهل العلم على دفاعه عنه ، ورأوا مافيه من تناقضات وأوهام استدلوا بها على ضعف بصيرته ، وقلة علمه ، وقالوا : قد كشف هذا المدافع في دفاعه هذا عن شخصيته وقدر علمه . وبهذا لايكون ذلك المدافع قد حقق نصرة لمن دافع عنه ، ولم يجن سوى الإساءة إلى نفسه بالتنفير عنه وزعزعة الثقة في علمه .
الوقفة الثانية
ذكر الدكتور ماهر في مقدمة كتابه أنه ألفه لبيان ما في كتاب تحرير التقريب من زيف وزلل وخطأ ووهم ، وأن كتابه هذا جاء غضبة في الله لابن حجر في زمن قليلا ما رأى فيه الدكتور ماهر غضبة لله ولعلماء الأمة وذكر أنه أغلظ القول في بعض المواطن للمحررين غضبة لله ولرسوله إلى آخر ما ذكره في مقدمته .
(انظر كشف الإيهام/8) .
أقول : لم يكن " تحرير التقريب " أول كتاب يتعقب الحافظ ابن حجر في كتابه تقريب التهذيب ، بل سبقه كتاب الشيخ عطاء بن عبد اللطيف بن أحمد الذي سماه إمعان النظر في تقريب الحافظ ابن حجر ، ويقع في 264 صفحة ، وقال في مقدمته : وجدت أثناء النظر في تراجم عدد كبير جدا من رجاله (يعني التقريب) ، ثم الرجوع إلى تراجمهم في التهذيب ، وهو الأصل الذي اختصر منه التقريب أنه أخل في كثير من التراجم بما كان قد ذكره في بعض مراتب الرواة في مقدمة التقريب ، ولم يلتزم في أصحابها بالحد الذي وضعه لتلك المراتب ، هذا بالإضافة إلى اضطرابه في طريقته فيمن حكم عليه بأنه مقبول الحديث اضطرابا يجعل النفس لا تطمئن إلى اعتماد هذا الحكم ، وبالتالي فينبغي الرجوع إلى ترجمته في التهذيب ، وتهذيب الكمال ، ثم الحكم عليه بعد تطبيق القواعد المقررة في علم الحديث ، هذا مع التزام الإنصاف وترك التعسف ، لهذا وغيره رأيت كتابة هذه الرسالة نصحا للمسلمين المشتغلين بهذا العلم ، وذبا عن حديث النبي الأمين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وخدمة للسنة المطهرة . فينبغي أن يعلم أن الهدف من تأليف هذه الرسالة إنما هو تنبيه المشتغلين بعلم الحديث إلى بعض ما في التقريب مما لا تطمئن النفس إليه ، ولكنه مما يعترض فيه عليه ، ولاسيما من كان محكوما عليه في التقريب بأنه مقبول ، حتى تكون الهمم متجهة أيضا إلى التهذيب دون الاقتصار كلية على التقريب حتى لا يحكم على راو بلفظ من ألفاظ التعديل ، ويكون الصواب أن يحكم عليه بلفظ من ألفاظ الجرح ، أو العكس ، فيؤدي هذا إلى تحسين الإسناد الضعيف أو تصحيحه ، وكذلك تضعيف الإسناد الحسن أو الصحيح وغير ذلك .
ثم ذكر ست عشرة ملحوظة من الملحوظات العامة على منهج ابن حجر في أحكامه على رواة التقريب ، سأذكر واحدة منها ، وهي أن الحافظ ابن حجر ترجم لعدد كبير من الرجال ممن روى عنهم واحد أو أكثر ونص واحد من أئمة الجرح والتعديل المعتمدين أو أكثر على توثيقهم ، ولم يذكر أحدا من الأئمة جرحهم ، فقال في كل منهم :"مقبول" (انظر الباب الحادي عشر) فهو بهذا يكون غير معتد بتوثيق هؤلاء الأئمة كعدم اعتداده بذكر ابن حبان لأحد من الرواة في "الثقات" مع أنه اعتمد توثيق كل منهم في عدد كبير من التراجم ، فأطلق على صاحب كل ترجمة أحد ألفاظ التوثيق سواء انفرد أحد هؤلاء الأئمة بتوثيقه ، أو ذكره ابن حبان أيضا في "الثقات" (وانظر أمثلة لهؤلاء في الباب الثاني عشر).
والحكم على الرواة السابقين بأنهم مقبولون إن كان لأنهم أو أكثرهم أو بعضهم كانوا من المقلين أي لم يكن لهم من الحديث إلا القليل فليس بشيء في الحقيقة ؛ لأن كون الراوي كثير الحديث لا يستلزم أن يكون ثقة أو صدوقا فكم من راو له من الحديث الكثير ، ومع ذلك فهو محكوم عليه بالضعف الشديد ، وكون الراوي قليل الحديث لا يستلزم أن يكون ضعيفا ضعفا هينا أو شديدا فكم من راو ليس له من الحديث إلا القليل وهو ثقة أو صدوق ، وقد ذكرنا في الباب الحادي عشر عددا غير قليل ممن نص بعض الأئمة المعتمدين على توثيقهم مع أنهم لم يرووا من الحديث إلا القليل ، وحكم عليه ابن حجر نفسه في التقريب بأنه ثقة أو صدوق أو نحو ذلك ، ولم تمنعه قلة حديثه من الحكم عليه بذلك . وهذا الباب - أعني باب من حكم عليه في التقريب بأنه مقبول مع أنه نص بعض الأئمة المعتمدين على توثيقه مع عدم وجود جرح من غيرهم فيه - يعد من أهم الأبواب التي ينبغي أن ينظر في التهذيب من أجلها ، وينبغي عدم الاقتصار على التقريب أو الاكتفاء بما فيه من ألفاظ الجرح أو التعديل التي أطلقها ابن حجر على أصحاب هذه التراجم . على أنه يمكن أن يقال : إن إطلاق لفظ"مقبول" على أصحاب هذه التراجم يعد أمرا مستغربا فيبعد أن يصدر هذا من الحافظ ابن حجر ، وهذا بدوره يجعل احتمال التحريف من الناسخ أو الطابع لبعض الألفاظ التي أطلقت على بعض الرجال احتمالا قائما ، وربما كان الوهم من الحافظ نفسه .(إمعان النظر/12) .
ثم ذكر الشيخ عطاء في مقدمة الباب الحادي عشر أن الأخذ بقول ابن حجر في هؤلاء الرواة الذين قال فيهم :"مقبول" يتسبب في الحكم على أسانيد الأحاديث التي وردت من طريقهم بالضعف كما هو معلوم ، مع أن الصواب أنها تكون حسنة الإسناد أو صحيحة ؛ لأن قول ابن حجر فيهم يعد وهما ظاهرا .
ثم ذكر ثمانين راويا من أمثلة هذا الباب . (انظر إمعان النظر/80-134) .
وقد اشتمل إمعان النظر في تقريب الحافظ ابن حجر على مئات التراجم التي انتقد الشيخ عطاء حكم الحافظ ابن حجر فيها ، وقد صدر الكتاب في سنة 1414 هـ أي قبل صدور كتاب تحرير التقريب بثلاث سنوات ، والسؤال هنا : لماذا لم يغضب الدكتور ماهر لابن حجر بعد صدور كتاب إمعان النظر ؟ ولماذا لم يغضب لابن حجر إلا على كتاب شيخه الدكتور بشار عواد ، وصديقه الشيخ شعيب الأرنؤوط ؟!
الوقفة الثالثة
إن الذي يرى طريقة الدكتور ماهر في تعقباته على التحرير وشدته فيها يظن أن الدكتور ماهرا يرى صحة جميع أحكام الحافظ ابن حجر على الرواة في التقريب ، وأنه لا يجوز انتقاده ، ولا تعقبه في أي حكم من أحكامه ، فإن كان الدكتور ماهر يرى ذلك فهذا شيء لا يوافقه عليه أحد من أهل الحديث اليوم فيما أعلم ، فما من محدث إلا وله مخالفات لبعض أحكام الحافظ ، فالشيخ الألباني رحمه الله خالف الحافظ في جملة من أحكامه ، والشيخ ابن باز رحمه الله له مخالفات وتعقبات على بعض أحكام ابن حجر مذكورة في كتابه النكت على تقريب التهذيب ، وكتاب أقوال سماحة الشيخ ابن باز في الرجال لفهد السنيد ، والشيخ عبدالله السعد يخالف الحافظ في كثير من أحكامه ، وكثير من طلاب الدراسات العليا في جامعة الإمام وغيرها من جامعات المملكة في رسائلهم العلمية يخالفون الحافظ في بعض أحكامه ، وغير هؤلاء كثير .
والمقصود أنه لا ينكر على صاحبي التحرير أصل موضوع كتابهما ، وهو مخالفة الحافظ في بعض أحكامه ، وإن وقعا في أخطاء وأوهام كثيرة في كتابهما فقد أصابا في مواضع كثيرة في تعقباتهما للحافظ .
وقد سئل شيخنا الدكتور أحمد معبد حفظه الله عن كتاب تحرير التقريب فقال : كتاب "تحرير التقريب" فيه أحكام كثيرة خالف فيها أحكام الحافظ في "التقريب" ؛ ولكن كثيرا من تلك المخالفات ليس لها مستند علمي ، وهناك تراجم متعددة تعد مخالفة الحافظ فيها في محلها ، ويعد حكم كتاب "التحرير" على الراوي مقبولا . وقد صدر للأخ الدكتور ماهر الفحل كتاب ، نشرته دار الميمان للطبع والنشر بالرياض ، ويقع في مجلد بعنوان"كشف الأوهام لما تضمنه تحرير التقريب من الأوهام" ، وهذا دليل تفصيلي على مدى سلامة ما في "تحرير التقريب " ؛ فالتحرير 4 أجزاء ، و"كشف الأوهام" جزء واحد يعادل من حيث الكم ربع كتاب "التحرير" ، وقد وقفت على الكتابين لكن حاليا لم تكتمل لدي نتيجة عامة لكل منهما ؛ لكن النتيجة الأهم أن الكتابين يستفاد من كل منهما ، بحسب ما تؤيده الدلائل والقواعد النقدية من أحكامهما أما مقولة :"هل الحافظ ابن حجر لم يحرر التقريب؟" ، فمن يقارن "تهذيب التهذيب" بما في "التقريب " من أحكام إجمالية على الرواة فسيجد أن كثيرا من التراجم لا يتوافق فيها حكم "التقريب" مع مجموع ما ذكره الحافظ نفسه في بيان حال الراوي في "التهذيب" ، وبالتالي تكون خلاصة حال مثل هؤلاء في "التقريب" تحتاج إلى تعديل وتحرير ممن له الخبرة الكافية ، مع التزام الإنصاف والاعتدال ، ومثل هؤلاء قليل ، والله الموفق .(نقلته من موقع الألوكة) .
وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله : و"التقريب" محتاج إلى إعادة نظر ، فربما يقول فيه :"مقبول" وتجد ابن معين قد وثقه ، أو على العكس يقول :"ثقة" ولا تجد إلا العجلي أو ابن حبان ، فنحن أعطانا الشيخ محمد الأمين المصري رحمه الله تعالى عشرة عشرة ، كل واحد عشرة ممن قيل فيه "مقبول" ، فالذي تحصل لي أن "التقريب" يحتاج إلى نظر . ونحن لا نرجع إلى "التقريب" إلا إذا رأينا للعلماء المتقدمين عبارات مختلفة لا نستطيع التوفيق بين عبارتهم ، نرجع إلى "التقريب" ونأخذ عبارة صاحب "التقريب" . (المقترح للوادعي /37) .
وقال الشيخ محمد عوامة ، وهو الذي أثنى عليه الدكتور ماهر في كتابه في كثير من المواضع ، وقال في ص 407 : " وهو عندي ثقة صدوق لا أشك في علمه ولا أمانته " قال الشيخ محمد عوامة في مقدمة تحقيقه للتقريب: أقصد تقديم نماذج مما في أحكام الكتاب ومراتب رجاله ؛ ليكون القارئ المستفيد منه على بصيرة من أمره ، فلا يمشي وراء من اصطنع مفهوما للناس زعم لهم فيه أن كتاب التقريب لا عديل له ولا بديل عنه .. فمن واجب الباحث أن يفرغ جهده في البحث عن الراوي ، ولا يكفيه أن ينظر في كتاب واحد ، وهو يعلم أن فيه بعض الملاحظات أو أن غيره قد يخالفه . وهذه النماذج من الأحكام والمراتب مختلفة مع ما التزمه المصنف ورسمه في هذه المقدمة ومع ما سطره وفصله في التهذيب أو في كتبه الأخرى ، أو مع أحكام غيره من العلماء .
فمنها ما هو مختلف مع قوله في الكتاب نفسه ، وهذا نادر في كتابه ، ومنها تراجم كثيرة يختلف حكمه فيها عما هو مقتضى كلامه في التهذيب ، ومنها ما هو مختلف مع أحكامه في كتبه الأخرى ، ومن أحكامه ما هو موافق لترجمته في التهذيب لكنه يفتقر إلى نقد وغربلة لهذه الأقوال . وقد ذكر الشيخ عوامة نماذج لهذا كله (انظر مقدمة تحقيقه للتقريب الطبعة الأولى من الإخراج الجديد 1420هـ ص 52 ) .
وقال الشيخ أبو الأشبال الباكستاني محقق "تقريب التهذيب" الذي قدم له العلامة بكر أبوزيد رحمه الله وأثنى على تحقيقه ، وقال : وهذا الكتاب خرج بصفة أراها أصح الطبعات وأسلمها من التصحيف والغلط والوهم والسقط ، فالطبعات السابقة بالنسبة لها كما قال شرف الدين البوصيري :
لاتذكر الكتب السوالف عنده طلع الصباح فأطفأ القنديلا
حاشا طبعة لكنو الهند عام 1356هـ بحاشية أميرعلي فهي أصح الطبعات السابقة رحم الله الجميع .
(مقدمة تحقيق التقريب /6 ، والغريب أن الدكتور ماهرا لم يذكر هذه الطبعة حين تكلم عن طبعات التقريب ) .
قال الشيخ أبوالأشبال : أما نقص بعض التراجم عن المصنف ، ونقص الإحالات وخلو بعض التراجم عن ذكر المرتبة له أو الطبقة ، وكذلك وجود بعض التراجم مكررة والاختلاف في ذكر الطبقة وفي ألفاظ الجرح والتعديل ، وفوت بعض الحوالات في بعض التراجم فهذه كلها عن المصنف نفسه ، ولها سبب كما سيأتي ، ولكن من يستعجل قبل أن يعرف السبب يشك أن تكون النسخة المنسوبة إلى المصنف : أهي نسخته وبخط يده أم لا ؟ ....ففكرت ما هو سبب وقوع الأخطاء فيه وهو الحافظ ، قيل عنه : حافظ المشرق ، وخاتمة الحفاظ ، وأنه لا نظير له في عصره ،
... وكنت في بحث هذا السبب حتى رأيت في كتاب انتقاض الاعتراض له السبب الذي لأجله وقع في التقريب بعض الأخطاء وبعض النقص من المصنف نفسه ، وذلك لاشتغاله في شرح البخاري وانهماكه فيه وصعوبته التي لاقاها المصنف في شرح البخاري . (مقدمة تحقيق التقريب للباكستاني/18) .
ومما قاله في بيان منهج تحقيقه : وجدت في أصل الكتاب 152 ترجمة تقريبا كتب الحافظ سنوات وفياتهم ناقصة فكملتها من التهذيبين أو مصادر أخرى . (مقدمة تحقيق التقريب لأبي الأشبال/27).
وقد ألفت عدة رسائل للدكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود في دراسة الرواة الذين حكم عليهم الحافظ ابن حجر بـ "مقبول" .
والمقصود أن صاحبي التحرير ليسا أول من ادعى وجود أخطاء وأوهام في التقريب فلا يصح التشنيع عليهما في ذلك ، وإنما الواجب تجنب ما أخطآ فيه من التعقبات ، وإقرارهما على ما أصابا فيه .
الوقفة الرابعة
لاشك أن الذي يقرأ كتاب الدكتور ماهر يدرك قدر ما بذله من جهد ووقت كبيرين في تتبع تحرير التقريب وودت لو أن الدكتور صرف ذلك الجهد والوقت في عمل علمي آخر أنفع لطلبة العلم ، واكتفى بالتنبيه على ما في التحرير بتنبيهات إجمالية ، تفيد طالب العلم في تعامله مع كتاب التحرير . ومعلوم أن كتاب التقريب ، وكذلك التحرير إنما يشتغل بهما طلاب العلم المختصون ، وهؤلاء ليسوا في حاجة إلى أن يوقفوا على كل خطأ مهما قل شأنه .
الوقفة الخامسة
اشتد حماس الدكتور ماهر في الدفاع عن كتاب الحافظ ابن حجر على نحو غريب ، ومن شدة حماسه للحافظ بالغ في نقد صاحبي التحرير في كل كبير وصغير حتى وقع في أوهام وتناقضات سيأتي ذكر بعضها ، كل ذلك من أجل أن يثبت خطأ صاحبي التحرير ، وصواب ابن حجر ، ولو كان الصواب مع صاحبي التحرير . ولم يقر لهما بأي صواب ، وإذا اضطر لإقرارهما على شيء قرنه باتهامهما بأخذه عن غيرهما ، وأنه لا فضل لهما فيه .
الوقفة السادسة
الذي يقرأ كتاب كشف الإيهام يرى بوضوح أن الدكتور ماهرا قد بالغ وأسرف في توبيخ صاحبي التحرير فلايكاد يخلو تعقب من التعقبات التفصيلية ، وعددها 594 تعقبا من توبيخ وتقريع ، فوددت لو ترك الدكتور ماهر ذلك ، وأبان الصواب بلا توبيخ ولا تجريح ليكون ذلك أدعى لقبول الحق ، ولاسيما أن أحد صاحبي التحرير شيخ للدكتور ماهر .
وقد بالغ جدا في بعض العبارات ، كقوله تعليقا على قول صاحبي التحرير : "قابلنا الكتاب على النسخة التي كتبها المصنف بخطه " ؛ فقال الدكتور ماهر : قد أثبتُّ في ثنايا كتاب كشف الإيهام بما لا يقبل الشك أن المحررين لم يريا نسخة التقريب التي بخط ابن حجر بأعينهما فضلا عن المقابلة عليها . (كشف الإيهام /138 )
وقوله : " من أين جاءت نسخة الميرغني عند المحررين ، وهما لم يرياها ؟؟! (كشف الإيهام /407) .
أقول : هذه مبالغة شديدة وددت أن الدكتور لم يقع فيها ، فهذا اتهام لهما بالكذب والدكتور لا يمكنه الجزم بأنهما لم يريا النسخة بأعينهما اعتمادا على ما ذكره ، فربما رأيا النسخة بأعينهما وإن لم يقوما بمقابلتها ، وربما قابلاها إلا في المواضع التي تعقبهما فيها الدكتور ، فلا تجوز المجازفة بإطلاق مثل هذه العبارات ، وقد قال تعالى :{وإذا قلتم فاعدلوا} ، وقال :{ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} ، وقال :{ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} .
وقد ملأ الدكتور ماهر كتابه بعبارت شديدة قاسية ، لاينبغي إطلاقها من مثله :
كقوله في ص 72 : واطراد التناقض في هذا "التحرير" الذي لا يمت إلى التحرير بنسب ولا صلة .
وقوله في 158 : فأين تحريرهما وتدقيقهما ومراجعتهما للمصادر الأصول ؟! فإذا انتفت هذه الأمور علمت أنه ليس إلا الهوى ، وتعجل الوصول ، والسير وراء الاشتهار على حساب الحق والإنصاف ، نسأل الله العافية والسلامة .
وقوله في ص 176 : المحرران لا يتورعان عن أخذ أي نص يخدم مرادهما ، وبقليل من التغيير ينسباه [كذا والصواب : ينسبانه] لنفسيهما ، وهو أمر يدل على فرط احترامهما لأمانة العلم .
وقوله في ص 353 : لاموا غير ملوم ، وتعقبوا غير مخطئ ، فكانوا كمن قصر صلاته في غير سفر ، وتيمم في حضور الماء ، بل كمن صلى من غير وضوء ، وحج إلى غير قبلة .
وقوله في ص 375 : حقا ، لقد طفح الكيل ، وبلغ - بل زاد - السيل الزبى ، وبان ضعف تتبعهما، فهذه الترجمة ناطقة بذلك أشد النطق ، ومن هاهنا نجزم بأنه لا نسخ ولا أصول بتاتا إلا نسخة الطبعة الأولى للشيخ عوامة ، التي تابعاها بكل ما فيها من خطأ وصواب ، وتعقب واستدراك ، وبيان وتوضيح ليجعل الله ذلك آية على تحريرهما المزعوم !! والذي لم يكن لهما منه نصيب سوى الاسم ، وما أكثره عليهما ؟!
وقوله في ص 383 : ما هذا إلا تغرير وتمويه ، وأنى لهما أن يأتيا بمثل هذه الترجمة ، وهما اللذان ما استطاعا ضبط نص تحريرهما ؟ ولكنه الولع بالسلخ وحب الظهور ونكران الجميل .
وقوله في ص 406 : أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس من النقل بلا عزو ، والكتابة من غير بحث والإثبات بلا تدقيق .
وقوله في ص 456 : قول من يتعجل ويلقي الأمور على عواهنها ، من غير تحر ولا تدقيق ولا شمول . وما أوردهما هذه الموارد إلا الكبر ، وكثيرا ما كان المحدثون يقولون في جرح الراوي : أهلكه الكبر ، نسأل الله السلامة .
قال بسام : لم أقف على أحد من أئمة الجرح والتعديل جرح راويا بهذه العبارة ، وإنما وجدت في هذا المعنى قول عباد بن عباد : لم يمنع هشيم من أن يسمع من سعيد بن أبي عروبة إلا الكبر والأنفة ، وقولهم في أحمد ابن صالح : لم يكن له آفة غير الكبر ، وقولهم في حجاج بن أرطاة : كان فيه تيه .
وكقول الدكتور ماهر في ص 458 : ما دفع المحررين إلى هذا التعقب إلا الولع في تحرير أحكام الحافظ ابن حجر ، بدليل أو بغير دليل ، فغاب عنهما أن الزمن غير سافر ، ومع الأيام يتكشف المستور ، وغير الحق لا يبقى .
وقوله في ص 470 : ماتركا للحافظ حقا ولاحرمة .
وقوله في ص 473 : جرهما لمثل هذا نوم الليل ، وانشغال النهار ، فلو أنهما تعبا في هذه الترجمة ودققا وراجعا لعلما أن قولهما كله غير صحيح .
وقد نظم أبيات في لومهما وتقريعهما ، كقوله في ص 8 :
يادولة "التحرير" لست بدولة قد آن يقتل ليلتيك نهار
وقوله في ص 158:
فقل لمن حرر التقريب معذرة ذكرت شيئا وغابت عنك أشياء
وقوله في ص 198 :
نَسْخ بلا نُسَخٍ وأنت محرر هذا لعمري منكر ونكير
فنقلت أخطاء وقلت بمثلها للنقل حبل في النقاش قصير
وقوله في ص 205:
وماأدري وسوف إخال أدري هل التحرير سير في الظلام
وقوله في ص 212 :
عتبي على قوم نظن صلاحهم جاءوا بهذا رغبة التحرير
ماكان أغنى مثلهم عن مثله كيلا يكونوا عرضة التقصير
وقوله في 217 :
ماذا أقول وهل هنالك فرصة لأصيح فيكم صيحة التذكير
حررتما التقريب لكن آسفا تحريركم يحتاج للتحرير
وقوله في ص 226 :
لو غير هذا جاء في تحريركم لو غير هذا سمي التحرير
وقوله في ص 249 :
ماأكثر التحرير بل أقلل به لا ليس تحريرا خلاف الأصوب
وقوله في ص255 :
أطفأتما في الليل آخر شمعة فكتبتما التحرير في الظلمات
وقوله في ص 257 :
ياصاحبا التحرير ليس لمثلكم مثل ! ولكن غير ذا التحرير والصواب : ياصاحبي التحرير .
وقوله في ص 260 :
تحرير تقريب بمسخ حروفه ماهكذا يتحرر التقريب
وقوله في ص 264 :
أصبحتُ ذا ثقة وكنت مشككا تحريركم يحتاج للتحرير
وقوله في ص 280 :
لو يعلم التحرير ماأدري به لمشى يجر من الحياء ذيولا
وقوله في ص 293 :
يامن يرى التقريب محتاجا إلى تحريره لم تأت بالتحرير
وقوله في ص 342 :
دع الكتاب ففي التحرير مفسدة واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
وقوله في ص 354 :
تعيبُ كتابَه والعيب فيكم ومالكتابه عيب سواكم
إلى آخر ماملأ به كتابه من مثل هذه العبارات والأبيات .
الوقفة السابعة
ذكر الدكتور ماهرفي المقدمة أن دراسته للتحرير كانت دراسة استقرائية تامة شاملة ، وأنه تعقب صاحبي التحرير في أكثر من ألفي موضع . و ذكر في ص 10 أنه تم تعقب المحررين في أكثر من ألفي موضع توزعت على 1420 موضعا في مقدمة الكتاب ، و585 موضعا في القسم الثاني ، و399 موضعا في ملاحق الكتاب .
أما ملاحق الكتاب فاثنان : الملحق الأول في الأخطاء التي وقعت من صاحبي التحرير في تحقيق نص التقريب وبلغت 231 خطأ ، وأما الملحق الثاني ففي بيان ما أخذه صاحبا التحرير من تعليقات محمد عوامة دون عزو إليه ، وبلغت 168 تعليقا .
وأما القسم الثاني الذي يمثل اسم الكتاب : كشف الإيهام ، ويبدأ من ص145 ، وينتهي في ص 617 ، وكتب الدكتور ماهر في أول هذا القسم عنوان : كشف الإيهام ، فهو تعقبات تفصيلية متنوعة عددها 585 ، وعلى وجه الدقة 578، فقد سقط من الأرقام التسلسلية عشرة ، وتكررت ثلاثة أرقام سهوا .
وقد قمت بتصنيف تلك التعقبات فكانت على نوعين : تعقبات تتعلق بتحقيق نص التقريب وأخطاء صاحبي التحرير في ذلك ، ومجموع هذه التعقبات 192 ، وبقية التعقبات تتعلق بأحكام صاحبي التحرير على الرواة ، وعددها 386 ، منها 59 ترجمة داخلة في القسم الأول الذي ذكر أن مجموعه 1420 ، فقد ذكرها في القسم الأول إجمالا ، ثم ذكرها تفصيلا في القسم الثاني ، فكان ينبغي ألا يعيد عدها تكثيرا لعدد أوهام صاحبي التحرير ، ولاسيما أنه عاب المحررين في ص 51 بما اتهمهما به من الفرح بازدياد العدد وتكاثره من أجل الحط من صنيع الحافظ ابن حجر .
والحاصل أنه يتضح مما سبق أن مجموع تعقبات الدكتور ماهر التي تتعلق بأحكام صاحبي التحرير على الرواة 1747 تعقبا ، والذي يقرأ تحرير التقريب يجد أن صاحبي التحرير قد تعقبا أحكام ابن حجر على الرواة في أكثر من ثلاثة آلاف ترجمة , ومعنى هذا أن هناك أكثر من خُمسَي التراجم التي تعقب فيها صاحبا التحرير ابن حجر لم يتعرض لها الدكتور ماهر ، ولم يبين ، أهو موافق على تلك التعقبات ؟ وهل أصاب صاحبا التحرير في بعض تعقباتهما ، وماقدر ماأصابا فيه ، وكل هذه أمور مهمة جدا لطالب العلم فليت الدكتور ماهرا يبينها ، فيذكر إحصائية بتعقبات صاحبي التحرير وما يوافقهما عليه وما يخالفهما فيه .
الوقفة الثامنة
ذكر الدكتور ماهر في التعقبات التفصيلية تعقبات من جنس التعقبات الإجمالية التي ذكرها في أول الكتاب فكان ينبغي ضمها إليها لأنها من جنسها ، وللاختصار ، وهي كمايلي :
1- من قال فيه الحافظ : "مقبول" ، وقالا فيه :"حسن الحديث" :
633 ، 740 ، 4006 ، 4823، 5742
2- من قال فيه الحافظ :"مقبول " ، وقالا فيه :"مجهول" أو مجهول الحال :
919 .
3- من قال فيه الحافظ :"مقبول" ، وقالا عنه :"ضعيف" أو "ضعيف يعتبر به" :
761 ، 856 ، 2975 ، 3512 ، 7926 .
4- من قال فيه الحافظ :"مقبول" ، وقالا عنه :"مستور" :
4109 ، 4838 ، 7189 .
5- من قال فيه الحافظ :"مقبول" ، وقالا فيه : "ثقة" :
205 ، 4010 ، 4022 ، 5878 .
فهذه ثماني عشرة ترجمة ، كان ينبغي ضمها إلى إحصائية المبحث الأول عن المقبول وعدم الإطالة بذكرها في التعقبات التفصيلية .
الوقفة التاسعة
ذكرت أن مجموع التعقبات التي تتعلق بتحقيق نص التقريب وأخطاء صاحبي التحرير في ذلك 192 تعقبا وضع لكل تعقب رقما مستقلا ، غير ما كان من جنس هذه التعقبات وجعله داخل التراجم التي فيها تعقب على الأحكام ، وكان ينبغي عدم الإطالة في ذلك ، وكان ينبغي عليه أن يجعل كل هذه التعقبات المتعلقة بتحقيق النص في جدول الملحق الأخير ، فهذا أيسر لمن يريد تصحيح نسخته وأخصر للكتاب ، ولاسيما أن أكثر تلك التعقبات أمرها يسير ، وسيأتي التمثيل عليها قريبا . ولو أن الدكتور ماهرا وفر ماصرفه من الجهد والوقت في تتبع الأخطاء التي وقعت في تحقيق النص لو أنه وفر ذلك لمزيد من تتبع أحكام صاحبي التحرير على الرواة لكان ذلك أولى وأنفع لطلبة العلم ، لأن لتقريب التهذيب طبعات مستقلة متعددة ، ومن أجودها طبعة الباكستاني وطبعة عوامة ، والأصل فيمن يرجع إلى التقريب أنه سيعتمد على هذه الطبعات المستقلة ، لا الطبعة التي مع التحرير ، ولاسيما أن صاحبي التحرير كان همهما الأكبر هو تحرير أحكام التقريب كما ذكرا في مقدمة كتابهما ، وقالا : بل هو الغاية المرجوة من إعادة طباعة الكتاب .
(التحرير 1/45) .
الوقفة العاشرة
التعقبات المتعلقة بتحقيق نص التقريب ، والتي بلغت 192 تعقبا مستقلا ، وقد وضع الدكتور ماهر لكل تعقب منها رقما مستقلا ، وكذلك التعقبات على تحقيق النص الذي جاء ضمن التراجم التي تعقب فيها أحكامهما على الرواة ، هذه التعقبات ليست كلها في بيان أخطاء في النص المحقق وقعت من صاحبي التحرير ، وإنما منها ماكان كذلك ، ومنها تعقبات لهما في أخطاء وقعت من الحافظ ابن حجر وسكتا عنها ولم يعلقا عليها ، ومنها تعقبات أقر فيها بصحة مانبه عليه صاحبا التحرير لكنه ينفي أن يكون لهم فضل في ذلك ، لوجود ما نبها عليه في بعض الطبعات ، أو لنقلهما ذلك من تعليقات الشيخ عوامة ، فهما لا يسلمان من نقده ولومه في كل الأحوال ، إن سكتا لامهما ، وإن تكلما فأخطآ لامهما ، وإن تكلما فأصابا لامهما ، وادعى أنهما نقلا ذلك عن غيرهما .
والمقصود أنه كان ينبغي أن يفصل الدكتور ماهر التعقبات التي ليس فيها خطأ عن سائر التعقبات ، ولا يعد الجميع في أوهام صاحبي التحرير ، فهذا مقتضى العدل .
وفيما يلي أمثلة :
في تعقب 32/118 ص 171 : أحمد بن نصر بن شاكر .... س .
قال الدكتور ماهر : " هكذا أثبت ابن حجر رقمه ، ولم يتعقباه بشيء ، وذلك لأن الشيخ محمد عوامة سكت عن هذا فسكتا ، ولو كان عدا أخذ النصوص طريقا لهما وأتعبا نفسيهما بالبحث والتحقيق لعلما أن الحافظ ابن حجر – رحمه الله – مخطئ أو متجوز في هذا الرقم " .
وفي تعقب 37/126 ص 175 : أحمد بن يحيى بن الوزير ... د س .
قال الدكتور ماهر : هكذا أوردا رقميه (د س) ، ولم يتعقباه بشيء ، وكان الأولى بهما أن ينبها إلى أن رقم أبي داود خطأ محض ، تابع ابن حجر فيه أبا القاسم ابن عساكر في أطرافه ، وهو وهم منه ، بينه المزي في تهذيب الكمال .... فكان متعينا على المحررين التنبيه إلى ذلك ، فإن هذا من شرطهما . (انظر مقدمة التحرير 1/45) .
أقول : ليس هذا من شرطهما ، فالذي ذكراه في المقدمة بشأن هذا مايلي :
4- عنينا بإصلاح الرقوم التي وقع فيها خطأ في الطبعات السابقة .
فقيدا ذلك بالطبعات السابقة ، ولم يذكرا أنهما سيصلحان أخطاء الرقوم التي وقعت في أصل المؤلف .
5- علقنا في الهامش على بعض الأوهام التي وقع فيها المؤلف في ضبط الاسم ، أو ذكر الوفيات ، أو الطبقات ، أو نحوها مما هو ظاهر فيها .
فقد التزما بذكر (بعض الأوهام) ، لا كلها ، ولا أكثرها . والمقصود أن سكوتهما عن بعض أخطاء المؤلف لا ينافي شرطهما في التحقيق . ومن المعلوم أن غاية التحقيق هو إخراج النص كما تركه المؤلف ، وليس من شرط التحقيق التنبيه على كل خطأ وقع فيه المؤلف ، ولاسيما في مثل هذا الكتاب الذي فيه نحو تسعة آلاف ترجمة .
وفي تعقب 51/163 ص 190 : إبراهيم بن الحجاج النيلي ...تمييز . قال الدكتور ماهر : "هكذا جاء النص عندهما ، وهو كذلك في جميع الطبعات والنسخ الخطية ؛ لكن يستدرك عليهما الرقم فينبغي أن يحول إلى (س) رقم النسائي على طريقتهما ؛ ذلك أنهما زعما مقابلة الكتاب على تهذيب الكمال ، وأصلحا الرقوم عليه . ورقم المترجم له عند المزي في تهذيب الكمال (س) ، والمحرران أثبتا ذلك في تعليقهما على تهذيب الكمال ، فقال المحرر الأول الدكتور بشار معلقا على الرقم :" وقع في تهذيب ابن حجر أنه تمييز ، وهو أمر غريب جدا ، وكأن ناشر "التقريب" تابع "التهذيب" فذكره أيضا ، وما أظن الخطأ إلا من الناشرين والله أعلم " قال الدكتور ماهر : هكذا قال ، وقد وقع في الأمر الغريب والخطأ على زعمه " .
أقول : لي على ماذكره الدكتور ماهر عدة مؤاخذات :
1- أن صاحبي التحرير لم يذكرا في المقدمة أنهما أصلحا الرقوم على تهذيب الكمال كما زعم الدكتور ماهر ، وإنما الذي قالاه أنهما قابلا الكتاب على تهذيب الكمال . (انظر تحرير التقريب 1/45) .
2- أن الدكتور ماهرا ذكر أن كلمة "تمييز" وقعت هكذا في جميع الطبعات والنسخ الخطية ، ويعني بذلك ما وقف عليه ، والواقع أن الذي في طبعة الباكستاني (س) ، وليس "تمييز" ، وذكر في الهامش أنها (س) في نسخة الميرغني الخطية ، وطبعة لكنو بحاشية أمير علي ، و"تمييز " في أصل المؤلف ، وثلاث طبعات .
3- أن انتقاده للدكتور بشار لا وجه له ، فالدكتور بشار ذكر في تعليقه على تهذيب الكمال أنه يظن أن الخطأ من الناشرين ، فلما تولى تحقيق الكتاب ورأى أصل المؤلف تبين له أن ذلك ليس من الناشرين ، وإنما هو من أصل المصنف ، فأثبت ما في الأصل ، وليس في هذا تناقض .
4- ذكر الشيخ محمد عوامة تعليلا لعدول الحافظ ابن حجر في أصله إلى "تمييز" مكان (س) فقال : وأسند إليه المزي حديثه الذي عند النسائي :" أخبرنا أبوبكر بن علي قال : أنبأنا إبراهيم بن حجاج قال حدثنا أبوعوانة عن عائشة قالت : اشربوا ولا تسكروا " ، وكأنه لما لم يره الحافظ منسوبا في إسناد النسائي قام عنده احتمال أن يكون هو السامي المتقدم ! والاحتمال عندي كبير قوي . والله أعلم ( حاشية تحقيقه للتقريب طبعة 1420/112) . يقصد بالسامي إبراهيم بن الحجاج بن زيد ، ويشترك مع النيلي في بعض الشيوخ والتلاميذ . (انظر تهذيب الكمال 2/69 -71) .
وفي تعقب 20/78 ص 163 : أحمد بن عبيد بن ناصح ، أبوجعفر النحوي ، يعرف بأبي عصيدة ، قيل : إن أباداود حكى عنه ......قال صاحبا التحرير : " أضاف الشيخ الفاضل محمد عوامة رقم أبي داود بين حاصرتين ، ولو تركه من غير رقم لكان أحسن – كمافعل المزي- لأنه لم يثبت أن أباداود روى له " . فقال الدكتور ماهر : " هذا الذي قالاه دليل على أنهما تتبعا طبعة الشيخ عوامة ، وأخذا ما يمكنهما اتخاذه طريقا للتناوش مع ابن حجر من غير عزو الكلام إلى قائله إمعانا في تأكيدهما على الأمانة العلمية ومقتضياتها وبركة العلم نسبته إلى أهله " .
أقول : ما نبها عليه هنا صواب ، ولم يذكر الدكتور ماهر أنهما نقلاه عن غيرهما ، ومع ذلك عد هذا في أوهامهما ، وأعطاه رقما تسلسليا ضمن سائر الأوهام والأخطاء ، وهذا لا ينبغي .
وفي تعقب 12م/44 ص 157 : قال الدكتور ماهر : " هكذا أثبتا رقومه ، وقالا في الحاشية :" هكذا في الأصل ، ولم يرو له النسائي في الكبرى لكن روى له في حديث مالك ورقمه :كن" ، ثم قال الدكتور ماهر : ولي عليهما في هذا ملاحظات : الأولى أن الرقم جاء على الصواب في طبعة عبدالوهاب ، وطبعة مصطفى ومخطوطة ص ومخطوطة الأوقاف ، فلم يعد لهما جديد في التنبيه ، والفضل للسابق . الثانية : أن هذا التعليق والاستدراك مأخوذ من استدراكات الشيخ محمد عوامة على طبعته الثالثة للتقريب " .
وفي تعقب 43/146 ص 182 : قال الدكتور ماهر : " لي تعقب عليهما في مسألة رقومه ؛ إذ إنهما قالا في الهامش :" هكذا في الأصل ، والصواب (ف ت ق) ، فإن النسائي لم يرو له ، بل روى له ابن ماجه ، وأبوداود في كتاب "التفرد" ، ورقمه ف " ، ولعمري إنها ملحوظة دقيقة لو سلمت وكانت لهما على الحقيقة ، بيد أن هذا التعليق قد سلخ من استدراكات الشيخ محمد عوامة " .
وفي تعقب 86/303 ص 230 : قال الدكتور ماهر : قالا في الحاشية :" إنما أضاف المؤلف رقم أبي داود لأن أباداود روى عنه في كتاب الزهد ، خارج السنن فهذا تجوز من المصنف إذ رقم (د) للسنن فقط " قال الدكتور ماهر : هذا الهامش أخذاه من استدراكات الشيخ محمد عوامة .
وفي تعقب 198/946 ص 317 قال الدكتور ماهر : " هكذا أثبتا كلام الحافظ ، وعلقا على رقومه بقولهما :"هكذا في الأصل ، وهو وهم صوابه عند المزي(خ م ت س ق) فقد قال المزي : روى له الجماعة سوى أبي داود" قال الدكتور ماهر : من تعلق في ذهنه ما أحصيته لهما (في مقدمتي لهذا الكتاب ) من أخذهما لتعليقات الشيخ عوامة علم أن هذا ديدنهما إذ إن هذا التعليق كغيره مسلوخ من استدراكات الشيخ عوامة " .
وأمثال هذه التعقبات كثيرة ، وقد جعل لكل منها رقما تسلسليا مع سائر الأوهام والأخطاء ، وجعلها في القسم الثاني من الكتاب الذي ذكر في ص 10 أنه القسم الأهم والذي ذكر فيه أوهام المحررين وأخطاءهما مع أن هذه التعقبات ليس فيها وهم أو خطأ يتعلق بتحقيق النص ، وكان الأولى به أن يجعلها مع الملحق الأخير الذي خصصه للإشارة إلى ماأخذه المحرران من عوامة ، ولايطيل الكتاب بتفصيلها والتعليق عليها على هذا النحو .
الوقفة الحادية عشرة
ذكر صاحبا التحرير في مقدمة الكتاب أنهما قابلا التقريب على نسخة المصنف ، ونسخة الميرغني ، لكن الدكتور ماهرا في كثير من تعقباته عليهما في تحقيق نص التحرير كان يلزمهما بما لم يلتزما به في خطة عملهما ، وكان في أحيان كثيرة يحتج عليهما بما جاء في النسخ المطبوعة التي عنده ، وقد أحصيت أكثر من أربعين موضعا في الملحق الأخير ذكر أن صاحبي التحرير أخطآ فيها متابعة لمحمد عوامة في طبعته واحتج عليهما بما في النسخ المطبوعة فقط ، ويقصد بها طبعتين ، وهما طبعة عبدالوهاب عبداللطيف ، وطبعة مصطفى عطا ، فقد ذكر الدكتور ماهر في ص 103 أنه لم يتحصل له من طبعات التقريب سوى أربع : طبعة عبدالوهاب عبداللطيف ، وطبعة عوامة ، وطبعة مصطفى عطا ، وطبعة عادل مرشد ، التي ذكر أنه أهملها . وقد وصف طبعة عبدالوهاب بأنها مشحونة بالأخطاء المطبعية فلاتكاد صفحة تخلو منها ، ووصف طبعة عوامة بأنها من أدق وأحسن الطبعات ، وأنها وقعت فيها أخطاء ليست باليسيرة ، وأما طبعة مصطفى عطا فقد اعتمد فيها على طبعة عبدالوهاب مع مقابلتها بأصل المصنف ، وأما طبعة عادل مرشد فذكر أنها مستلة من نص التحرير .
وهذا أمر غريب ، فالمحرران إنما التزما بالنسختين الخطيتين المذكورتين ، ولم يذكرا أنهما سيذكران ماجاء في الطبعات الأخرى ليصح احتجاج الدكتور ماهر عليهما ، ولا يصح أن يكون دليله على تخطئة صاحبي التحرير هو طبعة أخرى مشحونة بالأخطاء دون أن يثبت ذلك من المخطوطات ، ولاسيما أنه وقف على نسختين خطيتين للتقريب ، ومع ذلك لم يشر إليهما في تلك المواضع التي أشرت إليها لأنهما فيما يبدو موافقتان لما أثبته صاحبا التحرير ، ومحمد عوامة بناء على النسخ الخطية .
وأحيانا ينتقد الدكتور ماهر صاحبي التحرير في إثبات شيء في النص ، خلت منه الطبعتان اللتان يراجعهما أو النسختان الخطيتان اللتان وقف عليهما ، مع أن هذا ليس دليلا على خلو جميع النسخ الخطية منه .
وإليك بعض الأمثلة على ماسبق :
_ في تعقب 56/187 ص 195 : إبراهيم بن صدقة البصري صدوق من التاسعة .
قال الدكتور ماهر : " هكذا جاء النص عندهما تقليدا منهما لأصلهما الوحيد ، وهو طبعة الشيخ محمد عوامة فالنص هكذا عنده ، وقد سقط من الترجمة لفظة "أيضا" بعد لفظة "من التاسعة" ، وقبل الرقم ، وهي ثابتة في طبعات التقريب كما في طبعة مصطفى عبدالقادر عطا ، وطبعة عبدالوهاب عبداللطيف" .
أقول : إنما يصح اعتراضه عليهما لو كان وجدها في إحدى النسخ الخطية ، أما الاحتجاج عليهما بالطبعتين المذكورتين فلا يصح ، فقد يكون عبدالوهاب عبداللطيف أخطأ فزاد هذه اللفظة ، أو تابع طبعة أخرى زادها فيها صاحبها خطأ ، وكذلك تابعه مصطفى عبدالقادر عطا ، ويؤيد هذا أن الدكتور ماهرا لم يذكر وجود تلك اللفظة في النسختين الخطيتين اللتين عنده ، وكذلك الباكستاني حين أثبت هذه اللفظة في طبعته ص 109 جعلها بين معقوفتين ، وذكر في الهامش أنها زيادة من ثلاث نسخ مطبوعة ، أي أنه لم يجدها في المخطوطات الأربع التي عنده .
- وفي تعقب 70/229 ص 211 : إبراهيم بن الفضل بن أبي سويد الذارع البصري قال الدكتور ماهر : هكذا النص عندهما ، وفيه سقط عبارة "بالذال المعجمة" بعد : "الذارع" ، وهي ثابتة في طبعة عبد الوهاب عبداللطيف ، وطبعة مصطفى عبدالقادر عطا . وماحصل للمحررين سببه تقليدهما التام للشيخ محمد عوامة
أقول هنا كما قلت في المثال السابق ، فلايصح الاحتجاج بمطبوعة مشحونة بالأخطاء وأخرى تدور في فلكها على إثبات ما ليس في النسخ الخطية ، وقد خلت النسختان الخطيتان اللتان اعتمد عليهما محمد عوامة وصاحبا التحرير من تلك العبارة ، وكذلك النسختان الخطيتان اللتان عند الدكتور ماهر ، وكذلك النسخ الأربع الخطية التي عند الباكستاني ، ولهذا وضع العبارة بين معقوفتين [بالذال المعجمة] وذكر في الهامش أنها زيادة من ثلاث نسخ مطبوعة . (انظر التقريب طبعة الباكستاني/113) .
- وفي تعقب 11/21 ص 156 : أحمد بن جواس ، بفتح الجيم وتشديد الواو ، وآخره مهملة . قال الدكتور ماهر : هكذا النص عندهما ، بزيادة الواو قبل :"آخره" متابعة للشيخ محمد عوامة في طبعته للتقريب ، والواو لم ترد في طبعة عبدالوهاب عبداللطيف ، ولا في طبعة مصطفى عبدالقادر ، ولا في مخطوطة ص .
أقول : هذه الواو ثابتة في طبعة الباكستاني ص 87 أيضا ، وقد حقق الكتاب عن أربع نسخ خطية منها نسخة المؤلف . وعدم وجودها في طبعة عبدالوهاب ، وطبعة مصطفى ، ومخطوطة ص لايعني عدم وجودها في المخطوطات الأخرى للتقريب . والدكتور ماهر لم يقف إلا على نسختين خطيتين ، وهما نسخة أوقاف الموصل ، والتي يرمز لها بالرمز (ص) ، ونسخة أوقاف بغداد ، والتي يرمز لها برمز (ق) ، ذكر هذا في مقدمة كتابه ص 10 .
والمقصود أن إنكاره على صاحبي التحرير إثبات الواو لاوجه له مطلقا .
- وفي تعقب 44/147 ص 182 : مجهول ، وضعفه الأزدي ، من السابعة .
قال الدكتور ماهر : هكذا أوردا النص ، وفيه كلمة ساقطة ، وهي : (أيضا) وموضعها بعد "السابعة" ، هكذا وردت في مخطوطة ص ، وفي طبعة عبدالوهاب عبداللطيف ، وكذا وردت في طبعة مصطفى عبدالقادر ، الذي يدعي أيضا استخدامه أيضا للأصل الذي بخط ابن حجر ، ولم يشر إلى سقوطها منه ، والمحرران إنما أسقطاها متابعة للشيخ محمد عوامة .
أقول : الأمر يسير ، وفي طبعة الباكستاني جعلها بين معقوفتين [أيضا] وقال في الهامش : زيادة من بعض النسخ المطبوعة . ومعنى هذا أنه لم يجدها في النسخ الخطية الأربع التي عنده .
الوقفة الثانية عشرة
ذكر الدكتور ماهر في كتابه عددا من المسائل والقواعد المفيدة ، التي استعملها في ردوه لكن بعض تلك المسائل والقواعد خلافية وفيها نقاش وأخذ ورد ، فإذا خالفها صاحبا التحرير لم يصح التشنيع عليهما إذ لم يشذا في ذلك ، ومثل هذه الأمور لايشنع فيها على المخالف، فكل له اجتهاده .
ومثال ذلك ماذكره في قاعدة من كان لايروي إلا عن ثقة ، والاحتجاج بها في توثيق الراوي فقد رد الدكتور ماهر على صاحبي التحرير ذلك ، وقال : لايصح بحال استعمال هذه القاعدة أو غيرها من قواعد التوثيق الإجمالي في رفع مرتبة راو ، ومن ثم قبول حديثه (كشف الإيهام/73) .
أقول : لم يشذ صاحبا التحرير في استعمالهما القاعدة المذكورة ، وكثير من المحدثين قديما وحديثا يستعملونها قال أبو داود : " قلت لأحمد : إذا روى يحيى أو عبد الرحمن بن مهدي عن رجل مجهول يحتج بحديثه ؟ قال : يحتج بحديثه " (سؤالات أبي داود1/198) .
وسئل أبوحاتم الرازي عن محمد بن أبي رزين فقال : "شيخ بصري لا أعرفه ، لا أعلم روى عنه غير سليمان ابن حرب ، وكان سليمان قل من يرضى من المشايخ ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ فاعلم أنه ثقة" (الجرح والتعديل 7/255) .
وسئل أبو حاتم عن شهاب الذي روى عن عمرو بن مرة ، فقال : " شيخ يرضاه شعبة بروايته عنه يحتاج أن يسأل عنه ؟!" (الجرح والتعديل 4/361) .
وقال ابن حجر : " من عرف من حاله أنه لا يروي إلا عن ثقة فإنه إذا روى عن رجل وصف بكونه ثقة عنده كمالك وشعبة والقطان وابن مهدي وطائفة ممن بعدهم " (لسان الميزان 1/210) .
وقد استعمل الحافظ ابن حجر هذه القاعدة في التوثيق ، فقد قال في ترجمة أيوب بن محمد بن أيوب الهاشمي الصالحي في التقريب : " ثقة " . وهو لم ينص أحد على توثيقه ، ولم يذكره ابن حبان في الثقات ، لكن ابن حجر وثقه ، وقال في التهذيب : " روى عنه بقي بن مخلد ، ومن شأنه أن لا يروي إلا عن ثقة " .
قال أبوالحسن المأربي : وقد تأملت صنيع الحافظ في التقريب فرأيته أحيانا إذا انفرد من ينتقي بالرواية عن شيخ دون جرح أو تعديل في الشيخ يقول : " ثقة " ، وأحيانا يقول : " صدوق " ، وأكثر المواضع يقول :"مقبول " (إتحاف النبيل 2/83) .
والكلام على هذه المسألة مبسوط في مظانها في كتب المصطلح .
وقد وصف الدكتور ماهر صاحبي التحرير بالتناقض في تطبيق هذه القاعدة فقال :
" وتجاوزا (يعني صاحبي التحرير) فيه (يعني الاضطراب) حد الإفراط فكانا مضطربين يميعان القاعدة وفقا لمخالفتهما للحافظ ، ويظهر لك هذا جليا من خلال مايأتي :
أولا : أقدم المحرران على إنزال سبعة وأربعين راويا عن مرتبة ثقة إلى مرتبة أدنى خلافا لهذه القاعدة" (كشف الإيهام /69)
أقول : الذين قرروا هذه القاعدة إنما يعملون بها إذا لم يوجد مايعارضها مما هو أقوى منها .
قال ابن أبي حاتم : " باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه وعن المطعون عليه أنها لا تقويه
سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة ، مما يقويه ؟ قال : إذا كان معروفا بالضعف لم تقوه روايته عنه ، وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه .
سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل ، مما يقوي حديثه ؟ قال : إي لعمري قلت : الكلبي روى عنه الثوري ، قال : إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء . وكان الكلبي يتكلم فيه " (الجرح والتعديل 2/36) .
وإنما يسلم اتهام الدكتور ماهر لصاحبي التحرير أنهما تناقضا في تطبيق القاعدة إذا كانا قد تركا العمل بها دون وجود معارض لها . وفي الأمثلة التي استدل بها على تناقضهم عدد من الرواة وجد فيهم مايعارض تلك القاعدة مماهو أقوى منها ، ولذلك لم يعملا بها ، فلايصح وصفهما بالتناقض في هذه الأمثلة التي هذه حالها .
الوقفة الثالثة عشرة
في تعقب 137/623 ص 270 : في ترجمة أيوب بن أبي مسكين ، الذي قال فيه ابن حجر : " صدوق له أوهام" ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :" بل صدوق حسن الحديث" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله :
" لا منافاة بين الحكمين "
وفي تعقب 173/828 ص 299 : في ترجمة ثابت بن قيس الغفاري ، الذي قال فيه ابن حجر : " صدوق يهم " ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :"هو عندنا حسن الحديث" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " هذا الاستدراك لاقيمة له ، فلامنافاة بين الحكمين " .
وفي تعقب 410/4914 ص 497 : في ترجمة عمر بن سهل المازني ، الذي قال فيه ابن حجر : "صدوق يخطئ " ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :"بل : صدوق حسن الحديث" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : "لا قيمة لهذا التعقب ، فالنتيجة واحدة " .
وفي تعقب 418/5101 ص 502 : في ترجمة عمرو بن أبي قيس الرازي ، الذي قال فيه ابن حجر : "صدوق له أوهام" ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :"بل : صدوق حسن الحديث" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : "كلام لا معنى له ، وليس مصيبا قائله ، فالنتيجة واحدة ".
وفي تعقب 470/6087 ص 544 : في ترجمة محمد بن عبدالرحمن الطفاوي ، الذي قال فيه ابن حجر : "صدوق يهم " ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :" بل : صدوق حسن الحديث" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : "لا داعي لهذا التعقب ، فالنتيجة واحدة " .
أقول : تكرر انتقاد الدكتور ماهر لصاحبي التحرير في هذه المسألة ، فصاحبا التحرير يريان أن من قال فيه ابن حجر : "صدوق له أوهام" ، أو "صدوق يهم" ، أو"صدوق يخطئ " ، ونحو ذلك من ألفاظ المرتبة الخامسة من مراتب ابن حجر في التقريب أن حديثه ضعيف قابل للانجبار ، وقد صرحا بذلك في مقدمة التحرير ، فذكرا أن الصدوق الذي يهم أو الذي يخطئ يعتبر بحديثه فإن وجد له متابع تحسن حديثه ، وإذا انفرد ضعف حديثه ( تحرير تقريب التهذيب 1/17) . وهذه المسألة فيها قولان لأهل الاختصاص كما هو معروف في مظان هذه المسألة ، فمنهم من يرى أن حديث هؤلاء من الحسن لذاته ما لم يعلم أنه من أوهامهم وأخطائهم ، ومنهم من يرى أن حديثهم ضعيف قابل للانجبار ، ولكل من القولين أدلته . والذي يظهر أن الحافظ ابن حجر يرى الرأي الأخير ، يدل على ذلك قوله : " وأما الغلط فتارة يكثر من الراوي ، وتارة يقل ، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ينظر فيما أخرج [يعني البخاري] له ؛ إن وجد مرويا عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق ، وإن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف عن الحكم بصحة ما هذا سبيله ، وليس في الصحيح بحمد الله من ذلك شيء . وحيث يوصف بقلة الغلط كما يقال : سيء الحفظ ، أوله أوهام ، أوله مناكير وغير ذلك من العبارات ، فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك (هدي الساري/384)
وعلى كل حال مادام في المسألة قولان ، وقد اختار صاحبا التحرير أحدهما فليس للدكتور ماهر أن يشنع عليهما ، ويعد ذلك في أوهامهما ، لأنه اختار القول الآخر .
الوقفة الرابعة عشرة
أحيانا يقع صاحبا التحرير في خطأ ، ويكون لوقوعهما في ذلك الخطأ سبب ، فيشنع الدكتور ماهر عليهما في ذلك الخطأ ، ولايبين السبب ليزداد قبح خطئهما .
مثال هذا ماجاء في تعقب 379/4600 ص 468 في ترجمة عطاء بن أبي مسلم ، قال صاحبا التحرير :
" نقل الترمذي في "العلل الكبير" عن البخاري أنه قال : رجل ثقة ، روى عنه الثقات من الأئمة مثل مالك ومعمر وغيرهما ، ولم أسمع أحدا من المتكلمين تكلم فيه بشيء " ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " تجرآ على إمام المحدثين وأستاذ الأستاذين أبي عبدالله البخاري فقولاه مالم يقل ... فالبخاري لم يوثقه ألبتة بل ولا نقل ذلك عنه أحد...إلى أن قال عن نقلهما عن الترمذي قول البخاري : " هذا تقول على الإمام البخاري فلم يقل البخاري ذلك ، ولم ينقله عنه الترمذي في العلل الكبير " .
أقول : لا شك أن صاحبي التحرير أخطآ في هذا النقل عن البخاري ، لكن الذي يقرأ كلام الدكتور ماهر يظن أن صاحبي التحرير اخترعا ذلك الكلام ونسباه إلى الترمذي في العلل الكبير على أنه من كلام البخاري ، وكان ينبغي أن يبين الدكتور ماهر الأمر على حقيقته حتى لايترك القارئ يستفحش مافعله صاحبا التحرير ، ويظن أنهما اخترعا شيئا لا أصل له . وإذا راجعت العلل الكبير للترمذي وجدت فيه مايلي : قال أبو عيسى : وعطاء الخراساني رجل ثقة ، روى عنه الثقات من الأئمة مثل مالك ومعمر وغيرهما ، ولم أسمع أن أحدا من المتقدمين تكلم فيه بشيء .(علل الترمذي /373) ، فالنص موجود برمته في علل الترمذي ، لكنه من كلام الترمذي لا البخاري فاشتبه الأمر على صاحبي التحرير فنقلاه على أنه للبخاري .
الوقفة الخامسة عشرة
تعقب 465/6023 ص 540: في ترجمة محمد بن عبدالله بن أبي سليم المدني الذي قال فيه ابن حجر : "صدوق" ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :"بل : ثقة ، فقد وثقه النسائي ، وذكره ابن حبان في الثقات ، أما قول الذهبي في الميزان : لايعرف ، فمدفوع بتوثيق النسائي له ، وناهيك به من متثبت" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " إنما أنزله الحافظ ابن حجر إلى رتبة صدوق ؛ لتفرد بكير بن الأشج عنه ، وهما يجهلان من حاله هكذا ؛ لكن عدم المنهجية جعلت التنوع في الأحكام كثيرا عند المحررين" .
أقول : لم يكن من منهج صاحبي التحرير تجهيل من لم يرو عنه إلا واحد وقد وثقه معتبر ، وقد ذكرا في مقدمة التحرير 1/33 أن من ذكره ابن حبان في الثقات ، وتفرد بالرواية عنه واحد ، ولم يذكر لفظا يفهم منه توثيقه ، ولم يوثقه غيره ، فهو يعد مجهول العين . ثم إن الدكتور ماهرا لم يبين دليله على أن من لم يرو عنه إلا راو واحد وقد وثقه معتبر أنه يكون صدوقا لا من كلام الحافظ ولا من كلام غيره ، فهذه قاعدة لا أعلم أحدا ذكرها . والذي ذكره ابن حجر في شرح النخبة أن مجهول العين لايقبل حديثه إلا أن يوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح ، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلا لذلك (نزهة النظر/71) .
وإذا كانت تلك القاعدة هي ماجرى عليه ابن حجر في التقريب ، فلماذا
قال في زيد بن رباح : "ثقة" (تقريب التهذيب/353) ، وقد تفرد بالرواية عنه مالك (انظر تاريخ الإسلام 9/141) ،
وقال في عمر بن محمد بن جبير بن مطعم : " ثقة" ، ماروى عنه غير الزهري(تقريب التهذيب/726) ،
وقال في الوليد بن عبدالرحمن الجارودي : " ثقة " (تقريب التهذيب/1039) ، وقد تفرد بالرواية عنه ابنه المنذر(انظر تهذيب الكمال 31/40 ، تدريب الراوي 1/319) ،
وقال في حسان بن الضمري : " ثقة " (تقريب التهذيب/ 233) ، وقد تفرد بالرواية عنه أبوإدريس الخولاني (انظر تهذيب الكمال 6/30) ؟
الوقفة السادسة عشرة
ذكر الدكتور ماهر أن للحافظ ابن حجر اصطلاحاته الخاصة به في التقريب ، وعاب صاحبي التحرير في مناقشتهما للحافظ في كثير من التراجم ، وذكر أن هذا اعتراض على الحافظ في اصطلاح ارتضاه لنفسه في هذا الكتاب ، ولا مشاحة في الاصطلاح .وقد كررالدكتور ماهر هذا الكلام في كتابه .
مثال ذلك قوله في ص 50 بعد أن ذكر إحصائية للتراجم التي حكم ابن حجر على أصحابها بمرتبة مقبول ، وتعقبه فيها صاحبا التحرير قال الدكتور ماهر : " إن مجموع هذه التراجم البالغ تعدادها (1139) ترجمة لايرد منها شيء على الحافظ ابن حجر ألبتة ، وذلك لأن المحررين بنيا أساس استدراكهما عليه بمحاكمته إلى غير اصطلاحه ، وهي عملية في غاية الضعف . والثاني أن الحافظ قد بين منهجه في الكتاب ، فمن استشكل شيئا منه فإنما هو لقصور في فهمه لا لتقصير الحافظ ، فالتعقب عليه بهذا النحو تسويد أوراق لا طائل تحته " .
أقول : مرتبة "مقبول" التي استعملها الحافظ ابن حجر ليست مجرد اصطلاح لايترتب عليه حكم ، فقد بين أن المقبول لايقبل حديثه إلا بالمتابعة ، أي أنه إذا تفرد بحديث لم يتابع عليه فحديثه غير مقبول ، وقد أطلق الحافظ ابن حجر هذا الوصف على عدد من الرواة الثقات ممن لايُشترط في حديثهم المتابعة ، فالأصل في حديثهم الصحة ولو لم يتابعوا ، لكن حديثهم عند ابن حجر حسب مصطلحه لايقبل إلا بالمتابعة ، فهنا الخلاف حقيقي ، وليس مجرد اصطلاحات خاصة به لايترتب عليها اختلاف في الحكم حتى يقال :لا مشاحة في الاصطلاح كما قال الدكتور ماهر .
فمجموع من قال فيه ابن حجر :"مقبول" ، وقال فيه صاحبا التحرير :"صدوق حسن الحديث" 260 راويا في إحصائية الدكتور ماهر ص 46 ، ويضاف إليهم خمسة ممن ذكرهم في التعقبات التفصيلية ، ولم يضمهم إلى هذه الإحصائية ، فالمجموع 265 راويا . فهؤلاء إذا رووا حديثا لم يتابعوا عليه لم يقبل حديثهم عند ابن حجر ، ويقبل حديثهم ويحسن عند صاحبي التحرير ، فالخلاف هنا حقيقي يترتب عليه قبول الحديث أو رده وليس مجرد اختلاف اصطلاحات .
ومجموع من قال فيه ابن حجر :"مقبول" ، ووثقه صاحبا التحرير 27 راويا في إحصائية الدكتور ماهر في ص 50 ، وفاته أربعة ذكرهم في التعقبات التفصيلية ، ولم يضمهم إلى هذه الإحصائية ، فالمجموع 54 راويا فهؤلاء إذا رووا حديثا لم يتابعوا عليه لم يقبل حديثهم عند ابن حجر ، وقبل حديثهم وصحح عند صاحبي التحرير ، فالخلاف هنا حقيقي يترتب عليه قبول الحديث أو رده ، وليس مجرد اختلاف مصطلحات .
الوقفة السابعة عشرة
تكرر انتقاد الدكتور ماهر لصاحبي التحرير في هذا الكتاب على أوهام وقعت من أحدهما في غير التحرير ، فيلومهما معا ، ويعدها عليهما من أوهام التحرير ، ولايجوز أن يلوم أحدهما بمافعله الآخر، ولا أن يجمع أوهامهما في غير هذا الكتاب مع أوهامهما فيه ويدعي أنها أوهامهما في التحرير .
وأمثلة ذلك كثيرة ، منها أن الدكتور ماهرا في ص 83 وصف منهج المحررين في التحرير بعدة أمور ، منها نقلهما أقوالا لاأصل لها في كتب العلم ، ومثل برقم 309، قال : ومنها الخروج عن اللياقة مع الحافظ ، ومثل برقم 39 ، فإذا راجعت الموضعين وجدت أن ذلك كلام لبشار في تعليقه على تهذيب الكمال ، فعده عليهما معا ، وجعله من أخطائهما في التحرير ، وهذا لايجوز ، ولايليق .
وفي تعقب 165/793 ص 294 : قال الدكتور ماهر : أبعد الدكتور بشار النجعة في تعليقه على تهذيب الكمال ...
أقول : هذا تعقب على خطأ بشار في تعليقه على تهذيب الكمال ، فلماذا يعطيه رقما على أنه من أوهامهما في التحرير ؟!
وفي تعقب 216/1100 ص 331 : قال الدكتور ماهر : حصل سقط في طبعة الدكتور بشار من تهذيب الكمال (5/384) ....
أقول : هذا سقط في طبعة بشار لتهذيب الكمال ، فلماذا يعطيه رقما على أنه من أوهامهما في التحرير ؟!
المحور الثاني : أوهام المؤلف في الكتاب
الوقفة الأولى
قال الدكتور ماهر متعقبا صاحبي التحرير في إحدى المسائل : فأحد قوليهما خطأ بلا شك ؛ لأن جمع النقيضين من أسرار قدرته جل في علاه . (كشف الإيهام/367) .
أقول : ماذكره الدكتور ماهر مخالف لاعتقاد أهل السنة والجماعة فإن قدرة الله تعالى وتقدس لاتتعلق بالممتنع لذاته . والممتنع لذاته كالجمع بين الضدين والنقيضين (انظر مجموع الفتاوى 3/321) .
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : لفظ "الممتنع" مجمل ، يراد به الممتنع لنفسه ، ويراد به ما يمتنع لوجود غيره فهذا الثاني يوصف بأنه ممكن مقدور ، بخلاف الأول ...
ومن الناس من يدعي أن الممتنع لذاته مقدور ، ومنهم من يدعي إمكان أمور يعلم بالعقل امتناعها ، وغالب هؤلاء لا يتصور ما يقوله حق التصور أو لا يفهم ما يريده الناس بتلك العبارة فيقع الاشتراك والاشتباه في اللفظ أو في المعنى ... إلى أن قال : وأما أهل السنة فعندهم أن الله تعالى على كل شيء قدير ، وكل ممكن فهو مندرج في هذا ، وأما المحال لذاته مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما فهذا لا حقيقة له ولا يتصور وجوده ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء ، ومن هذا الباب خَلْقُ مثلِ نفسِه وأمثال ذلك (منهاج السنة النبوية 2/293) .
وقال أيضا : وذلك أن الله على كل شيء قدير ، وهذا لفظ عام لا تخصيص فيه ، فأما الممتنع لذاته فليس بشيء باتفاق العقلاء ، وذلك أنه متناقض لا يعقل وجوده فلا يدخل في مسمى الشيء حتى يكون داخلا في العموم مثل أن يقول القائل : هل يقدر أن يعدم نفسه أو يخلق مثله ؟ فإن القدرة تستلزم وجود القادر ، وعدمه ينافي وجوده فكأنه قيل : هل يكون موجودا معدوما ؟ وهذا متناقض في نفسه لا حقيقة له ، وليس بشيء أصلا ، وكذلك وجود مثله يستلزم أن يكون الشيء موجودا معدوما فإن مثل الشيء ما يسد مسده ويقوم مقامه ، فيجب أن يكون الشيء موجودا معدوما ، قبل وجوده مفتقرا مربوبا ، فإذا قدر أنه مثل الخالق تعالى لزم أن يكون واجبا قديما لم يزل موجودا غنيا ربا ، ويكون الخالق فقيرا ممكنا معدوما مفتقرا مربوبا فيكون الشيء الواحد قديما محدثا ، فقيرا مستغنيا ، واجبا ممكنا ، موجودا معدوما ، ربا مربوبا ، وهذا متناقض لا حقيقة له ، وليس شيء أصلا ، فلا يدخل في العموم ، وأمثال ذلك . (بيان تلبيس الجهمية طبعة المجمع 4/319) .
وقال أيضا : قد أخبر الله أنه على كل شيء قدير ، والناس في هذا على ثلاثة أقوال :طائفة تقو ل : هذا عام ، يدخل فيه الممتنع لذاته من الجمع بين الضدين ، وكذلك يدخل في المقدور ،كما قال ذلك طائفة منهم ابن حزم . وطائفة تقول : هذا عام مخصوص يخص منه الممتنع لذاته ؛ فإنه وإن كان شيئا فإنه لا يدخل في المقدور كما ذكر ذلك ابن عطية وغيره ، وكلا القولين خطأ .
والصواب هو القول الثالث الذي عليه عامة النظار ، وهو أن الممتنع لذاته ليس شيئا ألبتة وإن كانوا متنازعين في المعدوم فإن الممتنع لذاته لايمكن تحققه في الخارج ولا يتصوره الذهن ثابتا في الخارج ولكن يقدر اجتماعهما في الذهن ثم يحكم على ذلك بأنه ممتنع في الخارج إذ كان يمتنع تحققه في الأعيان وتصوره في الأذهان إلا على وجه التمثيل بأن يقال : قد تجتمع الحركة والسكون في الشيء فهل يمكن في الخارج أن يجتمع السواد والبياض في محل واحد كما تجتمع الحركة والسكون ؟ فيقال : هذا غير ممكن فيقدر اجتماع نظيرالممكن ثم يحكم بامتناعه وأما نفس اجتماع البياض والسواد في محل واحد فلا يمكن ولا يعقل فليس بشيء لا في الأعيان ولا في الأذهان فلم يدخل في قو له :{ وهو على كل شيء قدير }(مجموع الفتاوى 8/9)
وقال أيضا : وهو سبحانه على كل شيء قدير ، لايستثنى من هذا العموم شيء لكن مسمى "الشيء" : ما تصور وجوده ، فأما الممتنع لذاته فليس شيئا باتفاق العقلاء .(مجموع الفتاوى 8/ 512)
وقال أيضا : والقدرة على خلق المتضادات قدرة على خلقها على البدل فهو سبحانه إذا شاء أن يجعل العبد متحركا جعله ، وإن شاء أن يجعله ساكنا جعله ، وكذلك في الإيمان والكفر وغيرهما ؛ لكن لايتصور أن يكون العبد في الوقت الواحد متصفا بالمتضادات فيكون مؤمنا صديقا من أولياء الله المتقين كافرا منافقا من أعداء الله وإن كان يمكن أن يجتمع فيه شعبة من الإيمان وشعبة من النفاق (مجموع الفتاوى8/513)
الوقفة الثانية
من أوهام الدكتور ماهر ماجاء في ص 84 فقد عاب صاحبي التحرير بأنهما ذكرا في تراجم بعض الرواة أن صاحبي الصحيحين أخرجا لهم متابعة ، والواقع أنهما أخرجا لهم في الأصول ، ومثل برقم 185، 471 .
وهذا وهم ، فقد قالا في الموضع الأول :" وروى له مسلم حديثين ، الأول في فضل عمان ، والثاني في الأدب ، فلم يخرج له في الأحكام" ، وقالا في الموضع الآخر :" روى له البخاري حديثين ، أحدهما في التفسير ، والثاني في الاعتصام " ، ولم يذكرا أن ذلك في المتابعات كما اتهمهما الدكتور ماهر .
الوقفة الثالثة
من أوهام الدكتور ماهر ماجاء في ص 449 في ترجمة عبدالرحمن بن أبي عمرة الذي قال فيه ابن حجر : "مقبول " ، فقال صاحبا التحرير : " بل صدوق حسن الحديث ؛ فقد روى عنه جمع منهم مالك بن أنس في الموطأ ، فقال الدكتور ماهر : " هذه مجازفة فلم يرو عنه سوى ثلاثة منهم مالك بن أنس ، ولم يؤثر فيه توثيق عن أحد ألبتة ، ورواية مالك عنه ليست توثيقا له ، إنما روى له مالك حديثا واحدا فقط ...فلايقال لمثل صاحب هذه الترجمة :صدوق " (كشف الإيهام /449) .
أقول : لقد جانب الدكتور ماهر الصواب في تعقبه ، فقد ذكر صاحبا التحرير أنه روى عنه جمع ، فتعقبهما بأنه لم يرو عنه سوى ثلاثة ، فهل الثلاثة لايطلق عليهم أنهم جمع ؟!
وإليك نص كلام الإمام ابن عبدالبر ففيه رد على تعقب الدكتور . قال ابن عبد البر :
مالك عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري حديث واحد .
هكذا قال فيه مالك : عبد الرحمن بن أبي عمرة نسبة إلى جده ، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمرة الأنصاري ، مدني ثقة ، يروي عن القاسم بن محمد وعن عمه عبد الرحمن بن أبي عمرة وله رواية عن أبي سعيد الخدري ، وما أظنه سمع منه ، ولا أدركه ، وإنما يروي عن عمه عنه ، يروي عنه مالك ، وعبد الله بن خالد ، أخو عطاف بن خالد ، وابن أبي الموالي وغيرهم (التمهيد لابن عبد البر 20/25) .
فالدكتور ماهر نفى وجود توثيق فيه ، وهذا ابن عبدالبر قد وثقه ، ونفى الدكتور أن يكون له راو غير الثلاثة ، وابن عبد البر ذكر ثلاثة ، وقال : وغيرهم .
وأما قول الدكتور ماهر :" ورواية مالك عنه ليست توثيقا له ، إنما روى له مالك حديثا واحدا فقط" ، فلا أدري ما وجهه ، هل يشترط الدكتور أن يروي عنه مالك أكثر من حديث حتى تكون روايته عنه توثيقا ؟ ومن قال بهذا من أهل العلم ؟
وهذا عمرو بن أبي عمرو لم يرو عنه مالك في الموطأ إلا حديثا واحدا ، ومع ذلك احتج غير واحد من الأئمة بذلك على توثيقه :
قال ابن عبدالبر : مالك عن عمرو بن أبي عمرو حديث واحد . ثم ذكر أن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن عمرو بن أبي عمرو فقال سمع من أنس ، ليس به بأس ، روى عنه مالك بن أنس . وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن عمرو بن أبي عمرو ، فقال : لا بأس به ، روى عنه مالك(التمهيد 20/175) .
وقال ابن عدي : روى عنه مالك وهو عندي لا بأس به ؛ لأن مالكا لا يروي إلا عن ثقة أو صدوق (الكامل 5/116) .
الوقفة الرابعة
في ترجمة محمد بن الحسن بن عطية العوفي قال صاحبا التحرير :" ولا نعلم أحدا قال فيه "صدوق" بل لانعلم من حسن الرأي فيه ، فهو متفق على ضعفه" فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : هذه مجازفة فقد قال الحافظ في تهذيب التهذيب : " وقال الحسين بن الحسن الرازي عن ابن معين : ثقة" ، وعدم علمهما بهذا القول أدل دليل على قصور عملهما في الكتاب ، وعدم الإحاطة بأقوال النقاد ، وهو أمر كلفهما الكثير (كشف الإيهام/526)
أقول : ليت الدكتور ماهرا قبل أن يتعجل ويقول هذا الكلام راجع أصل تهذيب التهذيب ألا وهو تهذيب الكمال 25/70 لوجد العبارة كما يلي : قال الحسين بن الحسن الرازي عن يحيى بن معين : ليس بمتين . بل ليته راجع مصدر هذه العبارة الأساس وهو الجرح والتعديل للرازي 7/226 ترجمة 1251 لوجدها كذلك ، قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسين بن الحسن قال : سألت يحيى بن معين عن محمد بن الحسن بن عطية العوفي قال : هو كوفي ليس بمتين .
وما أكثر ما وصف الدكتور ماهر صاحبي التحرير بالعجلة والتسرع !
كقوله في ص 609 : عدم وقوفكما عليه من قلة التتبع وكثرة العجلة ، فقد وقف عليه غيركما .
وقوله في ص 607 : هذا كلام غير صحيح سببه التسرع .
الوقفة الخامسة
في ترجمة عمران بن حدير الذي قال فيه ابن حجر : ثقة ثقة ، قال الدكتور ماهر : العجب كل العجب ممن يدعي دراسة كتاب ، بل وتعقب أحكامه ونصه ، وهو لا يكاد يعرف منهج مؤلف ذلك الكتاب ، فمعلوم لمن قرأ التقريب قراءة عابرة ، أدرك أنه ليس من منهج ابن حجر تكرار الحكم ، وهما إنما أثبتاه هكذا مكررا "ثقة ثقة" تبعا لأصلهما الأصيل طبعة الشيخ محمد عوامة ، وقد جاء الحكم على الصواب بالإفراد في مخطوطة ص ومخطوطة ق ومطبوعة عبدالوهاب عبداللطيف . (كشف الإيهام/506) .
أقول : قد أثبتها الباكستاني في طبعته كما أثبتها صاحبا التحرير ومحمد عوامة : "ثقة ثقة" ، ونبه الباكستاني في الهامش أنها كذلك في مخطوطة الميرغني مرتين (انظر التقريب بتحقيقه /750 ) ، وأما محمد عوامة فاعتماده على أصل الحافظ الذي بخط يده ، فلايصح للدكتور ماهر أن يلوم هؤلاء ، والحالة هذه . وأما ما ذكره من أن ذلك يخالف منهج الحافظ في كتابه فيرده كلام الحافظ نفسه في مقدمة كتابه وهو يبين خطته فيه فقال : وباعتبار ما ذكرت انحصر لي الكلام على أحوالهم في اثنتي عشرة مرتبة ، وحصر طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة ، فأما المراتب فأولها الصحابة فأصرح بذلك لشرفهم . الثانية : من أكد مدحه إما بأفعل كأوثق الناس أو بتكرير الصفة لفظا كثقة ثقة ، أو معنى كثقة حافظ (التقريب طبعة الباكستاني /80) ، وهذا تصريح منه أنه سيستعمل تلك اللفظة التي أنكرها الدكتور ماهر ، وكون استعماله لها قليلا لايعني النفي .
الوقفة السادسة
وصف الدكتور ماهر الإمام الذهبي بالتناقض ، في تعقب 260/1637 ص 367 في ترجمة خالد بن سارة فقد ذكر أن الذهبي قال في الكاشف : "وثق" ، ثم قال الدكتور ماهر في الهامش : ناقض الذهبي بهذا نفسه إذ إنه قال في ميزان الاعتدال : " وخالد ماوثق ، لكن يكفيه أنه روى عنه أيضا عطاء " .
أقول : لم يقع الذهبي في التناقض فقوله : "وثق" يشير به إلى أن ابن حبان ذكره في الثقات ، وهذه اللفظة أكثر ما يطلقها الذهبي في الكاشف على من انفرد ابن حبان بتوثيقه ، وربما وضع فوقها رمز "حب" (انظر مقدمة تحقيق الكاشف لمحمد عوامة 1/30) ، وذكر الدكتور ماهر في كشف الإيهام ص145 أن هذا هو رسم الذهبي فيمن ذكره ابن حبان في الثقات ، ولم يوثقه بلفظه . وهذا لاينافي قول الذهبي في الميزان في خالد بن سارة :"ماوثق" فإنه يعني بذلك أنه لم يوثقه أحد ممن يعتمد على توثيقه ، فليس بين اللفظين تناقض مادام اصطلاحه قد عرف .
الوقفة السابعة
عاب الدكتور ماهر صاحبي التحرير في وصفهم الراوي بأنه تفرد بالرواية عنه واحد اعتمادا على تهذيب الكمال ، مثال ذلك تعقب 566/8264 ص 602 في ترجمة أبي علي الأزدي الذي قال فيه صاحبا التحرير :"مجهول فقد تفرد بالرواية عنه منصور بن المعتمر" ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : "هكذا قالا معتمدين على تهذيب الكمال حسب ، متغافلين أن تهذيب الكمال خاص برجال الكتب الستة ، وبعض مؤلفات أصحابها ، وهذا الراوي قد روى عنه أيضا ابن أبي حسين عند الشافعي في مسنده بتحقيقي " . وكذلك قال في تعقب 374م /4406 ص 464.
أقول : تهذيب الكمال وإن كان خاصا برجال الكتب الستة إلا أن المزي لايقتصر في شيوخ الراوي وتلاميذه على من في الكتب الستة ، وقد بين ذلك في مقدمة كتابه فقال : وذكرت أسماء من روى عنه كل واحد منهم ، وأسماء من روى عن كل واحد منهم في هذه الكتب أو في غيرها على ترتيب حروف المعجم (تهذيب الكمال 1/151) . وواقع الكتاب يشهد بذلك ، فأول ترجمة فيه : أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي ، الذي روى له أبوداود حديثا واحدا ، وروى له ابن ماجه في التفسير ، ذكر المزي في شيوخه ثمانية وعشرين شيخا ، وليس منهم من روى عنه صاحب الترجمة في الكتب الستة وملحقاتها سوى اثنين ، وذكر في تلاميذه أربعة وعشرين راويا ، وليس منهم من روى عن صاحب الترجمة في الكتب الستة وملحقاتها سوى اثنين .
الوقفة الثامنة
في تعقب 227/1227 ص 347 : في ترجمة الحسن البصري قال الدكتور ماهر : " نبه المحرران هنا على شيء ما ، فقالا :" ينبغي التنبه أن تدليس الحسن قادح إذا كان عن صحابي ، أما إذا كان عن تابعي فلا ، ولابد من هذا القيد " ثم قال الدكتور ماهر : هذه قاعدة استخرجاها من كيسهما ، وما في غرائبهما مثلها فلقد نمت أولا : عن جهل بأبسط قواعد مصطلح الحديث ، وثانيا : محاولتهما اختراع قواعد ، والتقول بما لم يقل به سابق قبلهما "
أقول : بل هما مسبوقان إليها ولم يخترعاها . قال الألباني رحمه الله في تدليس الحسن البصري :" الظاهر أن المراد من تدليسه إنما هو ما كان من روايته عن الصحابة دون غيرهم ؛ لأن الحافظ في التهذيب أكثر من ذكر النقول عن العلماء في روايته عمن لم يلقهم ، وكلهم من الصحابة ، فلم يذكروا ولا رجلا واحدا من التابعين روى عنه الحسن ولم يلقه ، ويشهد لذلك إطباق العلماء جميعا على الاحتجاج برواية الحسن عن غيره من التابعين بحيث لا أذكر أن أحدا أعل حديثا ما من روايته عن تابعي لم يصرح بسماعه منه " (السلسلة الصحيحة 2/488 ح 834 )
وذكر الدكتور حاتم العوني في رسالته التي أطال فيها في دراسة روايات الحسن أنه أثبت أن تدليس الحسن ليس إلا رواية المعاصر عمن لم يلقه ، وهو نوع التدليس الذي لا يوجب التوقف في قبول العنعنة مطلقا ، لكنه يوجب في حق من غلب عليه أن يثبت أصل السماع ، وأن يعرف حصول اللقاء ، ولو مرة لنتحقق من انتفاء هذا النوع من التدليس : رواية المعاصر عمن لم يلقه (المرسل الخفي للعوني 1/500) .
وقال ناصر الفهد : والمتتبع لمرويات الحسن في الصحاح ، وحال سماعاته ممن فوقه ، وطريقة الأئمة المتقدمين في تصحيحها وتضعيفها ، وأقوال المتقدمين في تدليسه يرى أن غالب تدليسه المراد به :( الرواية عمن لم يسمع منه ) ، فهو من قبيل المرسل في الحقيقة ، فلاينظر فيه إلى العنعنة ولا التحديث بل ينظر فيه إلى كتب المراسيل فمن ثبت عدم سماعه منه فهو منقطع وإلا فمتصل (منهج المتقدمين في التدليس/72) .
ثم قال الدكتور ماهر :" فمن المعروف بداهة لمن له أدنى ممارسة وطلب في هذا العلم الشريف أن من عرف بالتدليس لم تقبل عنعنته مطلقا ، وإن كانت عن معاصر ، وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين ، بل نقل النووي في المجموع الاتفاق على رد عنعنة المدلس ، بل نقل الرامهرمزي والخطيب البغدادي عن بعض الفقهاء وأهل الحديث رد حديث المدلس مطلقا سواء بين السماع أم لا" (كشف الإيهام/347) .
أقول : إذا كان الأمر كما ذكر الدكتور ماهر وأن من عرف بالتدليس لم تقبل عنعنته مطلقا ، وإن كانت عن معاصر فماذا يقول الدكتور ماهر في تقسيم ابن حجر المدلسين إلى خمس مراتب ، وفي الأولى من لايوصف بذلك إلا نادرا ، وفي الثانية من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح وذلك لإمامته وقلة تدليسه أو كان لايدلس إلا عن ثقة (انظر تعريف أهل التقديس/62) ، فماذكره الدكتور ماهر يقتضي أن عنعنة المذكورين في المرتبة الأولى والثانية غير مقبولة مطلقا !
قال الشيخ عبدالله السعد : فإن كان تدليس الإسناد فالذي ينبغي عمله هو : هل هو مكثر من هذا التدليس أو مقل ؟ فمن المعلوم إذا كان مقلا من هذا النوع من التدليس ؛ يعامل غير فيما لو كان مكثرا . قال يعقوب بن شيبة السدوسي : سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس ؛ أيكون حجة فيما لم يقل : حدثنا ؟ قال : إذا كان الغالب عليه التدليس فلا حتى يقول : حدثنا (الكفاية :362) . وماذهب إليه علي بن المديني ظاهر لأنه إذا كان مقلا من التدليس فالأصل في روايته الاتصال ، واحتمال التدليس قليل أو نادر فلايذهب إلى القليل النادر ، ويترك الأصل والغالب .ولأنه أيضا يكثر من الرواة الوقوع في شيء من التدليس فإذا قيل : لابد في قبول حديثهم من التصريح بالتحديث منهم ردت كثير من الأحاديث الصحيحة . ولذلك لم يجر العمل عند من تقدم من الحفاظ أنهم يردون الخبر بمجرد العنعنة ممن وصف بشيء من التدليس ، ودونك ماجاء في الصحيحين وتصحيح الترمذي وابن خزيمة وغيرهم من الحفاظ . (من تقديم الشيخ السعد لمنهج المتقدمين في التدليس/22) .
وقال ناصر الفهد : إن المتتبع لأحكام المتقدمين على أحاديث المدلسين يجدهم مخالفين للمتأخرين تماما في مسألة الحكم على عنعنة المدلس ، فلاتجد حديثا رده المتقدمون لمجرد العنعنة فقط ، بل لابد من وجود التدليس فعلا أو علة حملوها على العنعنة بخلاف المعاصرين الذين يكتفون بمجرد رؤية الإسناد ثم يقولون : ضعيف ، فيه فلان وهو وإن كان ثقة إلا أنه مدلس وقد عنعن (منهج المتقدمين في التدليس/155) .
وقال الدكتور عواد الخلف : ويؤيد هذا القول – قبول حديث المدلس مطلقا إلا إذا تبين في حديث بعينه أنه لم يسمعه – صنيع عدد من الأئمة ، منهم ابن عبدالبر حيث قال :" قتادة إذا لم يقل سمعت ، وخولف في نقله فلاتقوم به حجة" ، فقد اشترط لرد حديثه في حال عدم السماع المخالفة في النقل ، أما إذا عنعن عنده ولم يخالف فعنعنته مقبولة ، ويدل على ذلك قوله في موطن آخر :"قال بعضهم : قتادة إذا لم يقل سمعت أو حدثنا فلاحجة في نقله . وهذا تعسف " ، كذا يدل عليه قول يعقوب الفسوي : " وحديث سفيان وأبي إسحاق والأعمش مالم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة" ( روايات المدلسين في صحيح مسلم /65)
الوقفة التاسعة
في تعقب 64/205 ص 202 : في ترجمة إبراهيم بن عبدالرحمن المخزومي ذكر صاحبا التحرير أن ابن خلفون وثقه ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " وأما توثيق ابن خلفون فلم يذكره أحد سوى مانقله الدكتور بشار في تعليقه على تهذيب الكمال (2/133-134 هامش 3) عن إكمال مغلطاي (ا/الورقة56) ، ولم ينقله أحد ، وأنا أشك في ذلك النقل ، لاسيما أن الحافظ لم ينقله في التهذيب مع ولعه بذلك "
أقول : ماكان ينبغي أن يشكك الدكتور ماهر في نقل شيخه ، وقد حدد المصدر وعين الورقة التي ذكر فيها ذلك ، وقد صدق الدكتور بشار في نقله ، وقد طبع إكمال مغلطاي في سنة 1422هـ أي قبل صدور كتاب الدكتور ماهر بخمس سنين فكان الواجب عليه أن يراجع الإكمال قبل أن يشكك في نقل شيخه ، ولو راجعه لوجد مغلطاي يقول في ترجمته : قال ابن خلفون : هو ثقة مشهور (إكمال تهذيب الكمال 1/240) .
الوقفة العاشرة
في تعقب 72/235 ص 212 : في ترجمة إبراهيم بن محمد بن العباس المطلبي الذي قال فيه ابن حجر : صدوق ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :" بل : ثقة ، وثقه النسائي ، والدارقطني ، وابن حبان ، وقال أبوحاتم وحده : صدوق ، ولا أعلم فيه جرحا" فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " قولهما :" قال أبوحاتم وحده صدوق" غير صحيح فقد نقل الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب عن صالح بن محمد أنه قال عنه :صدوق فالحافظ لم يأت بدعا من القول ، فقد أخذ بقول عالمين معتبرين " .
أقول : قد أصاب صاحبا التحرير في حكمهما على هذا الراوي بأنه ثقة .فقد قال النسائي : ثقة ، وقال الدرقطني : ثقة ، وأحسن الإمام أحمد الثناء عليه (تهذيب الكمال 2/175) .
ولما سأل أبوداود الإمام أحمد عمن يكتب بمكة أجاب بذكر اثنين ، هذا أحدهما (انظر سؤالات أبي داود/237) .
والإمام أحمد لا يأمر بالكتابة إلا عن الثقات ، وقال في عدد من الرواة : " اكتب عنه فإنه ثقة "(انظر تاريخ بغداد 3/322 ، 7/331 ، 13/319 ، الكامل 5/213)
وذكره ابن حبان في الثقات (8/73) ، وروى له في صحيحه ثلاثة أحاديث ، كلها صحيحة (انظر الإحسان ح 2282 ، 3946 ، 5465 )
وقال ابن عبدالبر : كان ثقة حافظا للحديث (الانتقاء /104).
وذكره ابن خلفون في الثقات ، وذكر أنه من أهل الثقة والأمانة (إكمال تهذيب الكمال1/179) .
وقال الذهبي : ثقة (الكاشف 1/221) .وقال أيضا : كان كثير الحديث ثقة (العبر 1/425) .
وقال الألباني : شيخ لابن ماجه ، وهو ثقة (السلسلة الصحيحة 5/125 ) .
ويتحصل من هذا كله أن هذا الراوي ثقة ، ولم يشر أحد في ترجمته إلى أنه وقع في أوهام أو أخطاء تقتضي إنزاله عن مرتبة الثقة .
وأما قول أبي حاتم فيه "صدوق" فلاينافي ماتقدم لأن أباحاتم من المتشددين في التعديل ، وأطلق هذه اللفظة على بعض كبار الحفاظ كالإمام مسلم بن الحجاج .
قال الذهبي : إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث ، وإذا لين رجلا أو قال فيه : لا يحتج به ؛ فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه ؛ فإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم فإنه متعنت في الرجال ، قد قال في طائفة من رجال الصحاح : ليس بحجة ليس بقوي أو نحو ذلك (سير أعلام النبلاء 13/260).
وأما صالح بن محمد فقول الجماعة المذكورين مقدم على قوله ؛ لأنهم أكثر عددا وفيهم من وصف بالتشدد ومن وصف بالاعتدال .ولم يأت الدكتور بدليل سديد في رد حكم صاحبي التحرير على الراوي بأنه ثقة .
وقوله :"إن ابن حجر أخذ بقول عالمين معتبرين فحكم على الراوي بحكمهما ، وهو "صدوق" ؛ يرد عليه بأن أباحاتم الرازي لايعني بلفظة "صدوق" مايعنيه ابن حجر بها ، فهناك كثير من الرواة وصف أبوحاتم كلا منهم بأنه صدوق ، يكتب حديثه ولايحتج به (انظر الجرح والتعديل 2/80 ، 4/180 ، 4/392 ، 4/465 ، 7/85 ، 9/7). بل قال ابن أبي حاتم في بيان مراتب الرواة : وإذا قيل له إنه صدوق أو محله الصدق أولا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية (الجرح والتعديل 2/37) ، وأما مرتبة "صدوق" فليست كذلك عند ابن حجر ، فهي مرتبة الحديث الحسن لذاته كماهو معلوم . ونسي الدكتور ماهر تنبيهه في أول كتابه على الفرق بين المتقدمين والمتأخرين في الدلالة المعنوية للصدق (انظر كشف الإيهام/99)
الوقفة الحادية عشرة
في تعقب 320/2854 ص 413 : في ترجمة صالح بن خيوان الذي نقل صاحبا التحرير عن ابن خلفون أنه قال : لايحتج به ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " نقلهما عن ابن خلفون لا أصل له ألبتة في كتب الرجال " .
أقول :بل هو مذكور في كتاب مغلطاي ، وقد نقله الدكتور بشار عواد في حاشية تحقيقه لتهذيب الكمال 13/38 هامش (4) فقال : وذكره ابن خلفون في الثقات وقال : غمزه بعضهم ، وكان لايحتج به (إكمال مغلطاي 2/الورقة 180) ، فمن العجيب جدا أن يتعجل الدكتور ماهر في نفي مانقله صاحبا التحرير عن ابن خلفون والمبالغة في النفي دون التفات إلى ماذكره بشار عواد ، ولاسيما أن الدكتور ماهر قد اعتاد على تتبع مايذكره بشار عواد في حاشية تهذيب الكمال والاستعانة به على نقده .
وقد راجعت كتاب الإكمال المطبوع فوجدت مغلطاي يقول : ولما ذكره ابن خلفون في الثقات قال : غمزه بعضهم . وقال : لايحتج به (إكمال تهذيب الكمال 6/326) لكن يبقى السؤال : هل فاعل "قال" الأخيرة هو "ابن خلفون" أو "بعضهم" ؟ ، وأيا كان الفاعل فماكان ينبغي للدكتور ماهر أن ينفي النقل عن ابن خلفون في هذا الراوي دون بيان الواقع .
الوقفة الثانية عشرة
في تعقب 452/5870 ص 528 : في ترجمة محمد بن دينار الأزدي الذي قال فيه ابن حجر : صدوق سيء الحفظ ، ورمي بالقدر ، وتغير قبل موته ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما : "بل : ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد ، فقد ضعفه أبوداود .." ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " بان لي من خلال عملي في هذا الكتاب أن المحررين شعارهما التسرع ، وديدنهما عدم التدقيق والتأني ، فهما إذا وجدا كلمة يظن بها خطأ ابن حجر قالا بها قبل أن يسبرا غورها ، ويعرفا دقتها ، ويتوثقا صحتها ، وإن كان غير ذلك عميا الأمر على من لم يكن هذا الأمر من صنعته . فقولهما :"ضعفه أبوداود" تدليس قبيح ، فأبوداود إنما قال عنه :"كان ضعيف القول في القدر" (تهذيب التهذيب 9/155) ، وهذه كلمة مدح لاذم ، يعني بها أنه كان على غير سنة البصريين من الإغراق في القول بالقدر ".
أقول : سبحان الله ! كيف يقول الدكتور ماهر هذا ، وغاب عن ناظره كلمة ابن حجر التي أمامه :"ورمي بالقدر" ، فإن كانت هذه كلمة مدح لاذم كما ادعى الدكتور ماهر فلماذا قال ابن حجر في ترجمة الراوي : " ورمي بالقدر " ، هل هو يعني بذلك مدحه ؟ أو أن فعله أيضا تدليس قبيح ؟ أو أنه يعمي الأمر على من لم يكن هذا الأمر من صنعته كماذكر الدكتور ماهر في صاحبي التحرير ؟
الوقفة الثالثة عشرة
في تعقب 182/857 ص 305 : في ترجمة ثواب بن عتبة الذي قال فيه ابن حجر : مقبول ، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما :" بل : صدوق حسن الحديث ..." ، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : هذا الاستدراك والتعقب ليس هو إلا من إطالة وتسويد الورق ، إذ لامنافاة بين الحكمين ، فالمقبول عند الحافظ : يقبل حديثه ويحتج به .
أقول : هذا عجيب ، فقد سوى الدكتور ماهر بين "صدوق" و "مقبول" ، وهذا خطأ ظاهر ، فالصدوق عند ابن حجر يقبل حديثه بلامتابعة ، والمقبول لايقبل حديثه إلا بالمتابعة ، كما بين ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة التقريب فقال في مراتب الرواة :
السادسة : من ليس له من الحديث إلا القليل ، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله ، وإليه الإشارة بلفظ : مقبول ، حيث يتابع ، وإلا فلين الحديث (تقريب التهذيب/81)
ونسي الدكتور ماهر ذلك ، ونسي ما نقله عن شيخه الدكتور هاشم جميل مقرا له ، وهو قوله : وإطلاق الحافظ وصف مقبول على الراوي ليس توثيقا له ، وإنما يعني أنه ضعيف ، وضعفه يسير ينجبر بأدنى متابعة (كشف الإيهام/359 )
الوقفة الرابعة عشرة
في تعقب 8/13 ص 151 : في ترجمة أحمد بن بشير المخزومي الذي قال فيه ابن حجر : صدوق له أوهام فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما : " بل : صدوق له مناكير .." فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله : " هذا اعتراض معترض عليه بني على أصل خاطئ ، وهو أنهما وصفا أخطاءه بالمناكير ، وإنما المناكير أحاديث الضعيف التي خالف فيها الثقات ، وأحمد بن بشير لم يكن ضعيفا بل هو صدوق " .
أقول : أصلهما صحيح وليس بخاطئ ، فحصر المنكر بمخالفة الضعيف للثقة ليس معروفا في مصطلح الأئمة المتقدمين . ولما عرف ابن حجر في النخبة "المنكر" بمخالفة الضعيف تعقبه ابن قطلوبغا بقوله : قد أطلقوا في غير موضع النكارة على رواية الثقة مخالفا لغيره ، ثم ضرب مثالا ثم قال : وكأن المحفوظ والمعروف ليسا بنوعين حقيقيين تحتهما أفراد مخصوصة عندهم ، وإنما هي ألفاظ تستعمل في التضعيف ، والله أعلم ، فجعلها المصنف أنواعا ، فلم توافق ماوقع عندهم (حاشية ابن قطلوبغا/68)
وذكر الدكتور حمزة المليباري أن المعنى الاصطلاحي للمنكر استقر عند كثير من المتأخرين بأنه حديث رواه الضعيف مخالفا فيه الثقات . قال : لكن الذي يتأكد من خلال التتبع والاستقراء لمصادر العلل والتراجم أن هذا الاصطلاح الذي استقر عليه رأي المتأخرين تضييق لما وسعه نقاد الحديث في استعمال لفظة المنكر إذ المعنى عندهم "حديث غير معروف عن مصدره" سواء من رواية الثقة أم لا ، سواء تفرد به الراوي مع المخالفة أم لا (الحديث المعلول/67) .
وذكر الدكتور حاتم العوني أنه تبين له بعد التتبع والاستقراء أن المنكر عند من كان قبل ابن الصلاح هو : مايستفحشه الناقد من مخالفة الصواب (شرح الموقظة للعوني/94) .
وقد عرف الشيخ عبدالرحمن السلمي في رسالته في الحديث المنكر عرف النكارة بقوله : خلل في الرواية يستفحشه الناقد ، ويدركه بقرائن أهمها التفرد أو المخالفة(الحديث المنكر 1/96) . وذكر عبدالله الجديع سبع صور يطلق أئمة الحديث المتقدمون على كل منها وصف المنكر (انظر تحرير علوم الحديث 2/1035)