المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأملات في الهجرة النبوية



muslimah
12-30-2008, 11:55 AM
تأملات في الهجرة النبوية


إن الكثير من أبناء المسلمين في معظم البلاد العربية والإسلامية يحتفلون بذكرى الهجرة في كل سنة ، ولكن للأسف الشديد القليل جداً منهم الذي يعرف الحكمة التي انطوت عليها حادثة الهجرة ، فالله عز وجل في كتابه العزيز قد انحى باللائمة على جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في مكة يصلون ويصومون فقط ، ولا يستطيعون أن يفعلوا أكثر من ذلك من مظاهر الدين لأنهم كانوا تحت سلطة قريش ولاقوة لهم عليها ، ثم هم لم يهاجروا إلى قلعة الإسلام ليكونوا من جنودها ويظهروا شعائر دينهم بكل راحة ، فأنزل الله فيهم قوله تعالى )إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97)

فالحكمة من الهجرة هي أن الإسلام لا يكتفي من أهله بالصلاة والصوم فقط ، بل يريد منهم مع ذلك أن يطبقوا كل أوامر الله عز وجل وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم الظاهرة والباطنة في أنفسهم وفي كل أمور حياتهم اليومية كما قال تعالى )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:208)
والسلم هو الإسلام ، وقال تعالى )قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162)
إن الهجرة باقية لم تنتهي بعد ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه ابوداود و النسائي ، صحيح الإرواء ( 1208 ) .
وعن عبد الله بن عمير عن أبيه عن جده ، أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أفضل الهجرة ؟ قال : (من هجر ما حرم الله) . مشكاه المصابيح ( 3833 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم في حجه الوداع : (ألا أخبركم بالمؤمن ؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم . والمسلم ؟ من سلم الناس من لسانه ويده . والمجاهد ؟ من جاهد نفسه في طاعة الله . والمهاجر ؟(وهنا الشاهد) من هجر الخطايا والذنوب) السلسلة الصحيحة (549).

فلا بد من الهجرة من ترك الصلاة مع الجماعة والنوم عن الصلوات إلى الصلاة على وقتها مع الجماعة في الصف الأول . ولا بد من الهجرة من قراءة المجلات والجرائد التافهة إلى قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته .
ولابد من الهجرة من سماع الأغاني والتلذذ بالغيبة إلى سماع القرآن والمحاضرات المفيدة .
ولابد من الهجرة من النظر المحرم في المجلات والأسواق والقنوات إلى النظر في كتاب الله وسنه رسوله وسيرته وعظمة الله في مخلوقاته .
ولا بد من الهجرة من الكذب والغيبة والكلام البذيء إلى ذكر الله عز وجل ودعائه والتلذذ بمناجاته .
ولا بد من الهجرة من الجلسات الفارغة والتافهة إلى مجالس الذكر وحضور المحاضرات النافعة .
ولا بد من الهجرة من أصدقاء السوء سواء ً كانوا من الأقارب أو من زملاء الدراسة والعمل ، الذين يصدون الإنسان عن سلوك طريق الالتزام والهداية ، إلى الإخوة الصالحين الذين يدلون على الخير ويعينون المسلم عليه .
وباختصار لا بد من الهجرة من كل ما يغضب الله ، إلى كل ما يرضي الله ، ومن كل معصية يبغضها الله إلى كل طاعة يحبها الله .

إن بداية العام الهجري الجديد فرصة لكل واحد منّا لكي يفتح صفحة جديدة مع الله عز و جل ، صفحة بيضاء نقية ، يعاهد الله فيها أن يسلك طريق الالتزام والهداية ، يعاهد الله فيها أن يكون كتاب الله عز وجل جليسه ، وذكر الله عز و جل أنيسه ، وقيام الليل وصيام النهار سبيله ، والأخ الصالح في الله نديمه .
صفحة يعاهد الله فيها أن يترك كل معصية تبغضه ، وكل أغنية ماجنة عن القرآن تحبسه ، وكل نظرة محرمة للقلب تقتله ، وكل جليس سيئ من الله يبعده .

بهذا وهذا وحده نحيي ذكرى الهجرة الشريفة ، ونحقق مقاصدها ، وهذا هو الفلاح الذي يدعونا إليه المؤذن خمس مرات في كل يوم عندما يدعونا إلى الوقوف بين يدي الله عز وجل.

اللهم اجعل عامنا القادم أفضل من عامنا الماضي بتوفيقنا لطاعتك وترك معصيتك يا رب العالمين ، اللهم اجعل عامنا القادم فرصة لقبولنا في قافلة العائدين إليك والمنيبين إليك يا ذا الجلال والإكرام ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
عن مقالة من دليل المهتدين.