أبو الفداء
01-05-2009, 04:28 AM
الحمد لله وحده ..
كان في الأزل ولم يكن شيء قبله.. خلق الزمان وأجرى عليه الكون بإرادته، وخلق الإنسان ببديع قدرته ولعظيم حكمته، أوجد الخلق ولم يكن من قبل شيئا... كان ولم يزل قادرا فاعلا لما يريد، لا تدب نملة في أرضه إلا بعلمه وقدرته..
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله ..
أما بعد، فهذا أول طرح لي في هذا المنتدى المبارك، أسأل الله أن ينفع به من يقرأه..
وقد استوقفني في إحدى المناقشات بين الأخ الفاضل أبي مريم – سدده الله ورفع قدره – وبين (ملحد شريف) هذه الفقرة من كلام الأخير، والتي يقول فيها:
"ويستدل المؤمنون على أنه : بما أن لكل شيء صانع فلابد بأن لهذا الكون من صانع. ولكن هناك خلل جوهري في استخدام هذا المبدأ والاستدلال به أو إسقاطه على خلق الكون. المشكله لا تكمن في تجمع الأخشاب لتشكل قارب ولا بالاحتمال الضعيف أو شبه المستحيل لحدوث مثل هذا الشيء. المشكله تكمن في الاعتقاد بخلق المادة من العدم. ففي المثال السابق, لا يعني تشكل القارب خلقا له. بل يعني تجمعا لمواد موجوده في الأصل. إذا إن الاستدلال بأنه (إذا كان لا بد لكل شيء من موجد فإذن لا بد لهذا الكون من موجد) هو إستدلال فيه مغالطه جوهرية. إذا رأيت كرسيا على سبيل المثال, فإنك تعلم أنه لابد أن هناك نجار صنعه. ولكن النجار لم يخلق الأخشاب ومواد الكرسي من العدم . إنما قام بتجميعها أي قام بإستخدام مواد موجوده أصلا وجمعها على شكل كرسي. إذا الإشكال المنطقي ليس في تعامل الإله مع المواد وتجميعها على شكل إنسان أو شجره. إن المشكله هي في كيفية إيجاد هذه المواد الأولية من العدم ! المشكله هي في إيجاد الوحدات المادية الأساسية في تركيب المواد من اللا شيء. هنا يتبين لنا بطلان حجة السببية اللتي يقول بها المؤمنون. وأحب أن أنوه أن المبدأ سليم في ذاته ولكن لا ينطبق على حالة الخلق من العدم.
عند هذه النقطه, غالبا ما يزعم المؤمن بأن الخلق من العدم تم بكيفيه يقدر عليها الله. وهذه الكيفية هي خارج حدود العقل البشري. وهل للعقل البشري حدود ؟؟؟؟ إن الزعم بمحدودية العقل ورمي كل ما لا نستطيع تفسيره الى خارج حدود العقل هو إستسلام وفشل. إن الزعم بمحدودية العقل لا ينقذ المؤمن من هذه التساؤلات أو يحميه منها. بل إنه سلاح يستخدم ضده بدلا من أن يحميه. فإذا كان للعقل حدود فلست ملزما بالإيمان بما وراء عقلي وحدوده. فكيف يُتوقع من شيء ما فعل ما فوق قدرته وطاقته. إن كان هناك إله خلف هذه الحدود العقلية يأمرنا بالإيمان به. فإنه يأمرنا بما ليس في طاقة وقدرة عقولنا. فكيف يريد أن يطاع وهو يأمر بما لا يستطاع. ثم إن المؤمن إذا زعم بأن للعقل حدود فعليه أن لا يستخدم لغة البرهنه العقليه والإستقراء المنطقي لإثبات ما هو خارج حدود العقل أصلا.إنه لتناقض صارخ أن يقوم شخص ما بمحاولة إثبات (خيال ) بلغة المنطق. أسميها خيال لأن كل ما يقبع خارج حدود العقل ليس إلا خيال لا يخضع لقوانين المنطق والعقل.
إذا فزعم محدودية العقل هو إما أن يكون فشلا واستسلاما أو أنه مغالطه و تناقض. فإذا كان شخص ما يتحاور ويحاج في قضية ما مستخدما أدواته المنطقية فوصل لنقطة لا يستطيع التعامل معها بهذه الأدوات فلم يستخدمها منذ البدء.
على أية حال, في قضيتنا الحالية (قضية إيجاد المادة من العدم) يزعم المؤمن بوجود قوة عظمى خارقة بالغة القدرة ولا محدودة القوة لا يستعصي لديها إيجاد المادة من العدم. وأن كيفية إيجاد المادة من العدم تكمن في هذه القوة والقدرة الفائقة. ولكن القدرة والقوة مهما بلغتا مبلغهما فليس لهما الإستطاعه على خلق ذرة واحده من العدم. فالمادة ليست بحاجه لقوة أو قدرة حتى تنبثق منها. فليس هناك أي علاقة بين القوة وإستحداث مادة من العدم. فالقوة إذا مهما بلغت فلا تستطيع فعل المستحيل ولا تستطيع خرق قوانين المادة. فقانون حفظ المادة الشهير ينص على أن المادة لا تنفنى ولا تستحدث من العدم. ولا بد أن يكون فعل القوة خاضع لقوانين الطبيعه ... "
اهـ.
وأقول إن في هذا الكلام لمغالطات شتى، وسأجيب عنها دفعا للشبهة بحول الله تعالى..
إن من أكبر المشكلات محاولة توضيح الواضحات .. وكما قال بعضهم "توضيح الواضحات من الفاضحات".. وهذا لعمر الله من شدة ما أتلفته الفلسفة في عقول وأفهام من أشربوا بها .. فتأمل كيف أن بعض فلاسفة ما بعد الحداثة – مثلا – ذهبوا إلى العبثية والفوضى المحضة، وذهب بعضهم إلى التشكيك في معنى الحقيقة والوجود ذاته، وذهب قوم منهم إلى القول بأن الأشياء ليست كما تبدو، ولا شيء هو في الحقيقة كما نراه، إنما نحن نتوهم جميعا أن للوجود حقيقة وليس ثم شيء!! طاش عقل القوم حتى بلغت بهم عبثيتهم أن إذا قلت لأحدهم افتح عينيك وانظر إلى الشمس في كبد السماء، رأيته يقول لك: "أي شمس؟ ليس هناك شيء اسمه الشمس في الحقيقة! هذا وهم جماعي توهمته أنت وغيرك وتوارثتموه حتى صار عندكم بمنزلة الحقيقة!!" وأقول لا عجب! مثل هذا، هل يستحق أن يناظر على هذا الكلام؟ إنه يماري فيما تراه أعين الناس جميعا ولا يخالف في جلائه ووضوحه إنسان مبصر! ومع ذلك، فمن الفلاسفة من يرى في كلامه وجاهة بل وحكمة كبرى لم يهتد إليها الأولون! كيف غفل المساكين عن هذه الحقيقة الكبرى، أنه لا حقيقة أصلا؟؟ ما أسهله من جواب! لا توجد حقيقة أصلا يا سادة فلا تشغلوا بالكم بطلب الوصول إليها! تقول له هناك واقع وهناك إجماع على أن من ألفاظ اللغة ما اتفق على أنه يدل عليه، فإن طابق اللفظ الواقع كان المتكلم صادقا وان خالفه كان كاذبا، يقول لك وما الذي يلزمني ويلزمك بهذه الدلالة، دلالة المطابقة بين اللفظ ودلالته؟ هذا كلام قالوا به من قبل في البنائية، أما الآن فالتفكيكية أعادت صياغة رؤيتنا لهذا المعنى، فما عاد هناك لازم ولا ملزوم، ولا حق ولا باطل، إنما تحرر في فضاء الوهم اللانهائي!!
هذا الكلام قد يلبسه بعضهم من صنوف الزخرف اللفظي حللا بارعة الاتقان، توحي للسامع بأن الكلام لم يأت إلا من عقل جبار، غاص فيما وراء الفكر واللغة إلى عمق غائر بعيد، ثم خرج إلينا بهذه الأفكار التي لا تبلغ عقولنا تصورها أصلا، لا لفسادها أو سفاهتها أو لا معقوليتها، وإنما لقصور عقولنا نحن – البشر أمثالهم – عن إدراك وتصور ما تصوروه هم، زعموا! فتكون تلك الرؤى والمفاهيم حينئذ حقا عندهم يقلدون عليه بل ويتعصبون له حتى وإن لم يكونوا على الحقيقة يحسنون فهمه على حقيقته!
ليست هذه قضيتنا حتى لا يشغب علينا بعضهم بلا داعي.. إنما هي مقدمة رأيتها مطلوبة في هذا المقام إشارة إلى طبيعة أكثر ما يقع بين الموحدين والملحدين من جدال مبناه إلجاء العقلاء واضطرارهم إلى توضيح الواضحات التي علمها البشر بضرورة العقل منذ أن عرفوا شيئا اسمه العقل! .. وكما قال بعض الفلاسفة: إن من أصعب القضايا الفلسفية على الإطلاق، محاولة إثبات وجود الكون نفسه، أو إثبات وجود الأرض أو السماء أو نحو ذلك ..
وهي مقدمة رأيتها مطلوبة كذلك للتحذير لمنتحلي الفلسفة من الظن بأن زخرف ألفاظهم قد ينطلي على العقلاء الحكماء الذين تشربوا بوحي السماء وإرث الأنبياء، أو أن هؤلاء العقلاء يمرون الكلام على علته أو ينخدعون به دون أن يقفوا على كل صغيرة وكبيرة فيه تدقيقا وتمحيصا وتحقيقا! كلا وهيهات!
يأتيك أحدهم بأطنان من النظريات المتشابكة رياضيا، والقائمة على فرضيات فلسفية تقبل الأخذ والرد والاحتمالات الكثيرة في تأويلها، نظريات ربما يكون هو نفسه غير قادر على فهمها فهما كاملا صحيحا – إن كان يفهم حقيقة معنى كلمة نظرية أصلا! - ثم يرميك بها ويقول انظر ماذا قال العالم فلان والعالم فلان، وما "توصل" اليه العلماء، فهذا عندي دليل – وما أدراهم ما معنى كلمة دليل! – على أني كان أصلي شيمبانزي، أو على أن الكون لم يكن له بداية! مع أنه يعلم أن أقل حدث غير متوقع – كسقوط نيزك مثلا في مكان ما من الأرض – من شأنه أن يغير من خطية (linearity) مسار أي معادلة يزعمون اطراد مسيرها الى الأزل، والمدخلات والمتغيرات التي لا يزال الواحد منهم يكتشف في كل يوم أنها كانت تنقص في معادلته القديمة وينبغي إدخالها في صياغة جديدة، لا حصر لها ولا عد، فكما يقرر العقلاء أن الاحتمالات لا تنحصر ولا حد لها! فكل احتمال تقوم عليه نظرية من النظريات يجب إثبات ضرورة المصير اليه دون غيره أولا، قبل التسليم بصحته، فكيف بالنظرية نفسها؟؟ ولا تزال الأيام تأتيهم بنظريات جديدة تهدم النظريات القديمة في كل يوم، إلا أنهم يصرون إصرارا عجيبا مع ذلك على أن تلك النظرية التي قبلها وارتضاها كل واحد منهم لنفسه تصلح دليلا على إثبات أن المادة قديمة لا بداية لها وعلى أن الكون لم ينشأ من العدم!!
وليس صنيع ماكس بلانك وألبرت أينتشتاين بسابقهما اسحق نيوتن عنا ببعيد! ألم يمكن النموذج الميكانيكي للكون والذي وضعه نيوتن، هو الحق الذي لا محيد عنه في نظر الفيزيائيين في كل مكان، حتى بدايات القرن الماضي؟ بلى! لم يكونوا يسمونها بنظرية أصلا، من فرط ما وثقوا فيها وفي دقتها وصحة تعبيرها عن الطبيعة! ثم اذا بهم يظهر لهم قصورها وعجزها على المستوى الميكروكوزمي بظهور "علم ميكانيكا الكم" ويظهر لهم وفي نفس الوقت عجزها وقصورها على المستوى الماكروكوزمي بظهور نظرية النسبية! فتغير فهم الطبيعيين للطبيعة في بضعة عقود وانقلب رأسا على عقب، من نظرية الى نظرية ومن تفسير الى تفسير .. واليوم يحاولون ربط تلك التصورات كلها على سائر المستويات بنظرية واحدة يسمونها نظرية كل شيء أو Theory of Everything !
انهم يتلذذون بذلك! يفرحون ببقاء باب التحدي العقلي مفتوحا لا انغلاق له، وبأنه لا تزال هناك فرصة دائما وأبدا امام أي نابغة منهم ليطمع في أن يأتي بما يقلب به سائر الموازين وينسف به أكثر المسلمات ليدخل التاريخ من واسع أبوابه كما فعل جاليليو ونيوتن وأينشتاين وغيرهم! ولم لا؟ ما دام الأمر كله مبناه تصورات عقلية لأناس أمثالهم، فما المانع من أن يخرج من هو أنبه وأنبغ وأذكى منهم، ليكشف نقيصة في أساس النظرية قد غفل عنها واضعها، فيهدمها هدما ويجعلها جذاذا كما فعلوا هم؟؟ أليس هذا العمل العبقري العظيم غير المسبوق، هو ما يطمحون اليه جميعا استنادا على أن عقول سابقيهم لم تكن أحسن من عقولهم هم ولم تبلغ من الذكاء والنبوغ منتهاه؟؟ بلى! فلماذا اذا يستقبحون منا تقريرنا بأن العقل البشري محدود قاصر، وأن محدوديته يلزم منها لوازم بدهية لا يسع العقلاء انكارها؟؟ أليس هذا هو محض الكبر والغرور؟؟
نعم والله انه الكبر والغرور بعينه! هوى النفس ومرضها يعميها! يقول بلسان الحال: لماذا تريد يا صاحب الايمان – أيا كان ايمانك وحقيقته وموقعه من الدليل العقلي – أن تحرمنا من هذه الفرصة؟ فرصة أن نكون من كبار الفلاسفة والعلماء الذين توصلوا الى شيء عظيم جديد غير مسبوق، أجابوا به على أكبر وأهم الأسئلة التي حيرت البشرية قرونا طويلة؟؟! لماذا تريد أن تحرمنا من فرصة دخول التاريخ كما دخل هؤلاء، وليحملنا الناس على أكتافهم ولتهتف أجيال البشر باسمنا؟؟ لا لا ! لا يمكن أن يكون الجواب سهلا بسيطا الى هذه الدرجة! كيف يكون بهذه السهولة والبساطة ويحار فيه "عقلاء" كبار ملأوا الدنيا بآثار نبوغهم وذكائهم فيما صنعوا وما كتبوا؟؟
يقولون مخاطبين أهل التوحيد: "هذا هو المخرج السهل لكم، أن تقولوا "الله من وراء الكون" .. تعلقون الشيء بالماورائيات ثم تنامون قريري الأعين!" وكأن الموحدين يستغنون بهذا المعتقد عن النظر في الأسباب المادية ودراستها وتتبعها والاستفادة منها كما هو دأب العقلاء! وكأنهم بذلك يستوون وأهل الأساطير اليونانية الذين كان مبلغهم – لبطلان أساطيرهم ووهائها – تصور الاله في صورة رجل ملتح يجلس فوق سحابة على جبل الأوليمب، ويمسك الصواعق بيده كما يمسك الرجل بالرمح، يقذف بها يمنة ويسرة، ويحرك الرياح بنفخ الشفاه!! ان الالحاد ردة فعل طبيعية لكل تصور وثني عند نقده بميزان العقل السوي! ولكن أين عقيدة الموحدين من هذا الهراء أصلا؟؟
يقول الواحد منهم: "هذا مخرجكم السهل!!" والحسرة تملأ قلوبهم والريبة والشك يقض مضاجعهم، أن فقدوا الجواب على أهم سؤال لا يطيق المرء أن ينام وهو يجهل جوابه، أو أن يتصور قرب لحظة موته منه وهو لما يتأكد من عقيدة قد يكون الخطأ فيها مؤداه هلاكه الأبدي بعد الموت! الهاتف في نفوسهم يحدثهم – وهذا واقع ولابد وان كذبوا: "ماذا لو صدق هؤلاء؟ ماذا لو كان الجواب بهذه البساطة حقا؟ ماذا لو صدق من يزعم منهم بأن الأسباب التي نراها نحن كلها مهما تعقدت وتداخلت طبقاتها ففي آخرها ومن فوقها مسبب غيبي يحدثها جميعا على نحو ما نرصد ونكتشف، وبطريقة لا تطيق عقولنا تصورها؟؟ ماذا لو كان اكتشاف الأسباب الطبيعية على تراكم طبقاتها لا ينفي وجود مسبب غيبي مغاير لها، خارج عنها، غير مقيس عليها ولابد، هو صانعها وهو حافظها؟؟ ماذا لو كان هناك هلاك أبدي ينتظرني بعد موتي حقا كما يزعمون؟؟؟ "
فلإن جاءني من يريد اغراقي بنظريات القوم وتهافتهم يجعلها "دليلا" على عقيدته في الغيب فلأقولن له: "هنيئا لك! لقد بنيت عقيدتك فيما هو واقع لك بعد موتك على كلام ترجو أنت نفسك في قرارة نفسك أن تتمكن يوما ما من أن تهدمه هدما وتأتي بأحسن منه، لتثبت تفوقك العقلي على مبتدعه الذي تعلم تمام العلم أنه بشر مثلك!! وحتى لو فعلت، فأنت ذاهب الى مصيرك بعد الموت – أيا كان - بشيء اخترعه عقلك، تزعم أنه الحق، مع أنك لم تجد عليه دليلا واحدا يثبت صحته، ولعلك أن يأتيك الموت غدا، وحينها يتبين لك يوم لا يجدي الندم، ما هو الحق الذي ينجو من يؤمن به، ويهلك من يحيد عنه! كلنا سنموت وكلنا سنرى بأعيننا ما هو كائن للناس بعد موتهم ولا شك! فستذكر كلامي هذا ولو بعد حين!"
يقول صاحب التعليق: " بما أن لكل شيء صانع فلابد بأن لهذا الكون من صانع. ولكن هناك خلل جوهري في استخدام هذا المبدأ والاستدلال به أو إسقاطه على خلق الكون" ... الى أن قال: "ففي المثال السابق, لا يعني تشكل القارب خلقا له. بل يعني تجمعا لمواد موجوده في الأصل. إذا إن الاستدلال بأنه (إذا كان لا بد لكل شيء من موجد فإذن لا بد لهذا الكون من موجد) هو إستدلال فيه مغالطه جوهرية. إذا رأيت كرسيا على سبيل المثال, فإنك تعلم أنه لابد أن هناك نجار صنعه. ولكن النجار لم يخلق الأخشاب ومواد الكرسي من العدم . إنما قام بتجميعها أي قام بإستخدام مواد موجوده أصلا وجمعها على شكل كرسي. إذا الإشكال المنطقي ليس في تعامل الإله مع المواد وتجميعها على شكل إنسان أو شجره. إن المشكله هي في كيفية إيجاد هذه المواد الأولية من العدم "
اهـ.
ونقول تامل ما يقرر الرجل أنه "مغالطة جوهرية"! المغالطة عنده هي كوننا نجهل "كيفية" الايجاد من العدم! وأجيب على هذا الكلام فأقول:
من الذي قال أن مجرد الجهل بكيفية الشيء، يدل على امتناع وقوعه أو وجوده عقلا؟؟ ان المرء لا يسعه الا أن يعجب حقيقة من كلام هؤلاء القوم بهذه العقلية، وهم الذين يدندنون ليل نهار بأن العالم مليء بالحقائق التي لا يمكننا نفيها لمجرد عجزنا عن فهمها أو تصور كيفية عملها!
أنا – أبو الفداء – لا أدري – مثلا – كيف تعمل شاشة الكمبيوتر التي أنظر فيها الآن! نعم غيري يعرف ولكن ليس هذا هو الاشكال هنا، انما الاشكال في ثبوت حقيقة وجود وعمل هذه الشاشة من عدمه من جهتي أنا! هل يمكنني أن أنفي وجودها وعملها لمجرد كوني لا أدري كيف تعمل ولا أتصور لها كيفية؟؟ هل هذا من منطق العقلاء؟ كلا انما هو منطق قوم يريدون التذرع بالحجج الفارغة الباطلة لنفي الواضحات وتكذيب الجليات البينات! ونقول لهم: ان كنت أنا مبلغ قدرتي في الخلق والتصنيع أن أجمع الأشياء الموجودة بعضها ببعض لأوجد منها شيئا لم يكن موجودا من قبل، فمن باب أولى أن يكون الذي أوجدني وخلقني أنا نفسي وهذه المادة التي بها أصنع وأخلق، قادرا على ايجاد الأشياء من العدم وصنع ما يشاء بها! ما الاشكال العقلي في استحداث شيء من العدم؟ ما الذي يجعله ممتنعا عقلا؟ ان كونهم لا يمكنهم تصور كيفية حدوثه هذا لا ينفي كما تقدم امكان حدوثه، ولا عجب ألا يمكنهم ذلك، لأنهم محدودون بهذا الكون المادي الموجود بالفعل والذي لم يروا فيه الا احداث المادة من المادة لا من العدم! فنحن لا نتصور الكيفيات الا بالقياس على ما نراه من حولنا من الكيفيات! ونحن أبدا ما رأينا "العدم" هذا ولا رأينا عملية تحول لشيء من العدم الى الوجود، انما رأينا موجودات مادية منتظمة بنظام هذا الكون، تتفكك وتتركب، تولد وتتفتت، يلعب البشر بها فكا وتركيبا ليخلقوا ما يخلقون من مادة الى مادة، لا من عدم الى مادة! فبأي عقل نطالب بأن يكون نموذج الايجاد الأول لهذا النظام نفسه، مقيسا على مفردات النظام نفسها ومقيدا بآلياته التي هو محدود بها؟؟ بأي عقل نطالب بأن تكون صورة الايجاد الأول لهذا النظام نفسه، مقيدة بنموذج الفك والتركيب هذا، الذي يحكم سائر عناصر النظام ومكوناته التي نراها من حولنا؟؟ أليس هذا من ضعف العقول بمكان ؟؟
والخلاصة فأنا أسأل كل عاقل منصف أن يجيبني على هذا السؤال:
هذه المقدمة: أنا لا أتصور كيف يمكن ان ينشأ شيء في الوجود من العدم! يمكنني أن أتصور كيف ينشأ موجود من موجود، أما موجود من عدم، فلا!
هل تؤدي هذه المقدمة عقلا الى هذه النتيجة: يستحيل أن ينشأ الكون في الوجود من العدم؟؟
يقول: " المشكله هي في إيجاد الوحدات المادية الأساسية في تركيب المواد من اللا شيء. هنا يتبين لنا بطلان حجة السببية اللتي يقول بها المؤمنون.."
فهل هذا منطق يليق بالعقلاء أن يجعلوا منه طريقا للاستدلال؟؟
تأمل هذه:
المقدمة: المشكلة عندي هي في كيفية ايجاد العقل البشري للأفكار في الخلايا المخصصة لهذه الوظيفة، فأنا لم أتمكن بعد من تصور كيف تنشأ الفكرة كيمائيا ولا يمكنني القول بأنها – أي الأفكار – هي تلك الذبذبات الكهرومغناطيسية أو التفاعلات البيوكيمائية التي تقع في خلايا المخ لأن هذا لم يثبت بدليل قطعي الى الآن:
النتيجة أيها السادة: هنا يتبين لنا بطلان حجة القائلين بأن الانسان له عقل تنشأ فيه الأفكار أصلا!!
المقدمة: المشكلة هي في كيفية صنع كمبيوتر بحجم كف اليد تكون فيه سائر مكونات الكمبيوتر الذي يشغل حيزا كبيرا من غرفتي!
النتيجة: هنا يتبين بطلان حجة القائلين بامكان صناعة كمبيوتر بحجم كف اليد!
فلإن قلت أيها الملحد: أنت تقيس في غير محل للقياس لأنك تساوي اللاشيء بالشيء، وعقولنا لا تتصور اللاشيء، قلنا لك صحيح، ولكن عقولنا لا تمنع وجود كيان قادر على ايجاد الشيء من هذا اللاشيء الذي لا نستطيع نحن تصوره! ألا ترون المادة التي نبصرها ونلمسها بأيدينا، تقوم في أساس تكوينها على جسيمات قد عجزتم عن تصور كيفية عملها وأقررتم بذلك على مستوى ميكانيكا الكم؟ ألا يدل بناء النظام التام على تلك المفردات الغامضة في أساسه على أن عجز عقولكم أنتم لا يمكن أن يكون دليلا على غياب النظام الدقيق المحكم وقيامه بتلك المفردات نفسها، كما أنه لا يمكن أن يدل على استحالة الانتقال من العدم الى الوجود!؟ أنت تتكلم في مقدمة للصنع والايجاد يستحيل عليك أنت بقدرتك المحدودة بحدود هذا الكون، أن تنطلق منها لأي صورة من صور الخلق أو التكوين! بينما نحن نتكلم عن كيان خارج عن هذا النظام أصلا، غير مقيد به ولا بحدوده، بل هو الذي أوجده، فلا يعجزه ما يعجزك، ولا يحده ما يحدك، وهو الذي أنشأ فيك – أصلا – تصور الوجود وأعجزك عن تصور العدم! فكيف لماكينة أنت صنعتها أن ترميك بالعجز عن فعل ما تعجز هي عن فعله؟؟
ولله المثل الأعلى!
ثم يقول مكابرا: " وهل للعقل البشري حدود ؟؟؟؟ إن الزعم بمحدودية العقل ورمي كل ما لا نستطيع تفسيره الى خارج حدود العقل هو إستسلام وفشل. إن الزعم بمحدودية العقل لا ينقذ المؤمن من هذه التساؤلات أو يحميه منها. بل إنه سلاح يستخدم ضده بدلا من أن يحميه. فإذا كان للعقل حدود فلست ملزما بالإيمان بما وراء عقلي وحدوده. فكيف يُتوقع من شيء ما فعل ما فوق قدرته وطاقته. إن كان هناك إله خلف هذه الحدود العقلية يأمرنا بالإيمان به. فإنه يأمرنا بما ليس في طاقة وقدرة عقولنا. فكيف يريد أن يطاع وهو يأمر بما لا يستطاع. ثم إن المؤمن إذا زعم بأن للعقل حدود فعليه أن لا يستخدم لغة البرهنه العقليه والإستقراء المنطقي لإثبات ما هو خارج حدود العقل أصلا.إنه لتناقض صارخ أن يقوم شخص ما بمحاولة إثبات (خيال ) بلغة المنطق. أسميها خيال لأن كل ما يقبع خارج حدود العقل ليس إلا خيال لا يخضع لقوانين المنطق والعقل."
قلت: هذا كلام رجل لا يريد رؤية الشمس في كبد السماء، وقد نزل بكلامه هذا الى منزلة لا أتصور شيئا دونها، في التفلسف بالكذب الواضح لنصرة باطله، ولا حول ولا قوة الا بالله! هل للعقل البشري حدود؟ سبحان الله! لو لم يكن العقل البشري محدودا، أفكنتم يا أدعياء العقل تخرجون كل يوم على ما أنجزه أسلافكم من الانجازات، بما يخرمها ويثبت قصورها وعجزها؟ أفكنتم أنتم انفسكم تخطئون؟ أفكنتم تجهلون وتنسون؟ أفكنتم تغفلون وتتفاوتون في الذكاء على نحو ما تعلمون؟ أفكان يختلف العبقري عن الغبي في قدر ما تجدون له من قدرة عقلية لا يزيد عنها؟؟ ما هذه المكابرة العمياء الفجة؟؟ قطعا للعقل البشري حدود! حدود في الفهم والادراك والتصور، وحدود في الحفظ والاسترجاع والتذكر، وحدود في التخيل والابداع، حدود تتفاوت فيها عقول البشر بشكل واضح! ولولا قدرة البشر على تجميع المعرفة البشرية بصورة تراكمية عبر أجيالهم، بحيث يبدأ كل عقل من حيث انتهى العقل السابق عليه، لما تقدمت البشرية خطوة واحدة عما كانت عليه في زمان العصور الوسطى – مثلا – في مختلف العلوم التجريبية! فما عندكم اليوم من تكنولوجيا لم يولد كله في عقل واحد أبدا، ولا يطيق انسان عاقل أن يخرج به من عند نفسه من فراغ أو من جهل مطبق هكذا في مرة واحدة! الرجل الذي يعيش في أدغال افريقيا عندما تقابله مشكلة قطع الأشجار، هل يمكن ان نتوقع منه مهما بلغت عبقريته أن يخترع منشارا كهربائيا لهذه الغاية؟؟ مستحيل! انما سيخترع فأسا، او شيئا أعقد منه قليلا! هذه غاية قدرته! هل السبب أنه غبي او أننا اليوم أذكى منه؟ كلا ولا شك! انما السبب أنه بدأ من معطيات أقل بقليل جدا مما بدأ منه مخترع المنشار الكهربائي! ولا تزال عقول البشر محدودة القدرة وكل شيء يصنعونه في كل عصر من عصورهم يشهد بذلك! فوالله ما كنت أتصور أن يأتي يوم أضطر فيه الى اثبات هذه الحقيقة التي لا يماري فيها رجل في عينيه بصر!!
وتأمل هذه المكابرة الأشد بطلانا: " فإذا كان للعقل حدود فلست ملزما بالإيمان بما وراء عقلي وحدوده." وأقول يا ملحد أنت أصلا لا يمكنك أن تتصور كيف يعمل عقلك نفسه، فكيفية عمل عقلك نفسها، هي مما يخرج تصوره عن حدود عقلك! بل لقد ذهب بعض فلاسفة العقل الى أنه لا يمكن التوصل الى نظرية شاملة تصف كيفية عمل العقل وصفا مقبولا! فالحاصل اذا أنك لست ملزما بالايمان بوجود عقلك!! ولست ملزما كذلك بالايمان بنصف ما توصل اليه العلماء من جسيمات تحت ذرية subatomic particles لأنهم لا يزالون يعانون أشد المعاناة من تصور كيفية حركتها وانتقالها وعلاقاتها ببعضها البعض!
الشاهد أن اطلاقاتك العنترية هذه لو ألزمناك بها أيها الملحد لضاع شطر كبير مما تؤمن بوجوده ولكن حدود عقلك – أنت وحدك او عموم البشر - لا تتسع لتصوره! بل ولضاع شطر المعرفة البشرية والحافز على تحصيلها أصلا! فمن ذلك الذي لا يدخل في تصور عقلك اليوم ولا شك، كل اختراع شديد التعقيد يتمكن أحفادك في يوم من الأيام من التوصل الى اختراعه ولا يمكنك أنت الآن أن تتصوره! نعم مثل هذا قد يكون وجوده خارج حدود العقل أمرا نسبيا، مرتبطا بتراكم معارف البشر وما يتوصلون اليه، فهو اليوم خارج حدود عقولنا جميعا، ولكن لعله بعد مئة أو مئتي سنة أو ربما ألف سنة، لن يكون خارجا عن حدود المعقول بشريا!
فالعجب كل العجب من معتقد يلزم منه لوازم تدمر أبجديات العقل والمعرفة البشرية نفسها تدميرا، ويزعم أصحابه أنه صفوة ما أنتجته العقول في تفسير وجود الكون وفي هدم الاعتقاد في وجود الاله والحاقة بجملة الأساطير! فصدق الذي قال: شر البلية ما يضحك .. والله المستعان!
يقول: " فكيف يُتوقع من شيء ما فعل ما فوق قدرته وطاقته. إن كان هناك إله خلف هذه الحدود العقلية يأمرنا بالإيمان به. فإنه يأمرنا بما ليس في طاقة وقدرة عقولنا"
قلت هذا باطل وكذب! فالايمان به وبوجوده وبكمال صفاته ولا محدودية قدرته، هذه معان لا ينفيها العقل ولا يعسر عليه الاقرار بها وبضرورتها، ومن ثم الايمان بها والعمل عليها! قد أقبل منك زعمك هذا لو حدثتني عن الاله المثلث الذي ابتدعه النصارى، فرية وسبة ونقيصة كبرى في ذات رب العالمين! كيف يطالب عاقل بأن يعتقد بأن واحدا هو في نفس الوقت ثلاثة، وثلاثة هم في نفس الوقت واحد؟؟ هذا المعنى باطل وممتنع عقلا، والمطالبة بقبوله من قبيل المطالبة بأمر يخرج عن حدود العقل البشري! ولكن الله الحق لم يخبر عن نفسه بهذا الكذب والباطل المنافي للعقول السوية! وانما أخبرنا بأنه بالغ حد الكمال في كل صفاته، وهذا أمر يوجبه العقل في حقه لدلالة آيات قدرته على ضرورة ذلك! فهل طالبنا بأن نتصور كيف يفعل ما يفعل أو كيف هو في ذاته وكيف هي صفاته؟ كلا! ولو أنه فعل لظلمنا ولطالبنا بما لا نطيق ولا تحده عقولنا! ولكنه لم يفعل، بل يحرم على المسلمين – باجماع – أن يحاولوا تصور صفاته سبحانه أو أن يقيسوه على شيء من خلقه، كما هو معلوم بالاضطرار في دين الله! فتامل أيها القارئ المنصف من أي ملة كنت: كيف تحمل المكابرة ويحمل الغرور أصحابه على ادعاء معان يخالفها العقل الواضح، ويهدمها الواقع والتاريخ ولا تحتاج أصلا – لولا التلبيس على ضعاف العقول – للرد عليها!
فتامل كيف بني فوق هذا الباطل قوله: "ثم إن المؤمن إذا زعم بأن للعقل حدود فعليه أن لا يستخدم لغة البرهنه العقليه والإستقراء المنطقي لإثبات ما هو خارج حدود العقل أصلا.إنه لتناقض صارخ أن يقوم شخص ما بمحاولة إثبات (خيال ) بلغة المنطق. أسميها خيال لأن كل ما يقبع خارج حدود العقل ليس إلا خيال لا يخضع لقوانين المنطق والعقل"
قلت لو قرأ صاحب هذا الكلام كل ما تقدم الرد به على مقدماته السابقة لتبين له بطلان هذا المعنى دون الحاجة الى تكلف رد مخصوص!
ويقول المكابر: " إذا فزعم محدودية العقل هو إما أن يكون فشلا واستسلاما أو أنه مغالطه و تناقض. فإذا كان شخص ما يتحاور ويحاج في قضية ما مستخدما أدواته المنطقية فوصل لنقطة لا يستطيع التعامل معها بهذه الأدوات فلم يستخدمها منذ البدء."
قلت أي فشل وأي استسلام؟ الاقرار بالأمور الواضحة الجلية، وتقدير الشيء بقدره الصحيح، هذا فشل واستسلام؟ القول بأن الانسان محدود القدرة، وأن المرء مضطر الى الاستعانة بما يجتمع له من منتجات غيره من أصحاب العقول حتى يزداد حجم انتاجه، هذا فشل واستسلام؟؟ سبحان الله! تامل أيها القارئ المحترم كيف ينقلب الحق باطلا والباطل حقا، مئة وثمانين درجة كاملة!
أما قوله بأننا وصلنا الى نقطة لا نستطيع معها التعامل بهذه الأدوات فباطل! لأننا وصلنا بأدوات العقل الى ضرورة وجود خالق قدير، ووصلنا كذلك الى ضرورة ألا يكون لقدرته حد يحدها، أما مطالبة تلك الأدوات بأن تنتج لنا تصورا لما ثبت من طريقها هي نفسها أن حقيقته لا حد لها، وأن العقل لا يمكنه تصور شيء لا حد له، فهذا مجاوزة لما يراد من العقل السوي الوصول اليه، ومطالبة له من بعد ما أطاق، بما لا يطيق وليس مطالبا به أصلا ولا يضيره الجهل به والعجز عنه! فتكلف تصور كيفية صفات الرب وطبيعة ذاته، هذا أمر يوجب العقل السوي أن يكون خارجا عن حدود قدرته أصلا، وليس ذلك التصور مما يتوقف عليه قبول أو رد حقيقة وجود الاله، ولا هو من المقدمات التي يمتنع على العقل الايمان بدونها! فلا هو يطيقها ولا هو مكلف بها أصلا! فقوله أننا وصلنا بذلك الى نقطة لا نستطيع معها التعامل بهذه الأدوات – هكذا باطلاق – فلا يمكننا اذا التعويل عليها من البداية، هذا قول ظاهر الفساد وتلبيس واضح!
وتامل قوله: " ولكن القدرة والقوة مهما بلغتا مبلغهما فليس لهما الإستطاعه على خلق ذرة واحده من العدم. فالمادة ليست بحاجه لقوة أو قدرة حتى تنبثق منها. فليس هناك أي علاقة بين القوة وإستحداث مادة من العدم. فالقوة إذا مهما بلغت فلا تستطيع فعل المستحيل ولا تستطيع خرق قوانين المادة. فقانون حفظ المادة الشهير ينص على أن المادة لا تنفنى ولا تستحدث من العدم. ولا بد أن يكون فعل القوة خاضع لقوانين الطبيعه"
قلت أي تصور هذا الذي تصورته بأن المادة "انبثقت" من القدرة؟؟ ومن أين جئت به؟ أما هذا التحكم العجيب : القوة والقدرة مهما بلغتا فليس لهما الاستطاعة على خلق ذرة واحدة من العدم، فهذا كلام باطل في محل النزاع ولا شك! فان كنت تتكلم عن مخلوق محدود بحدود هذا الكون ونظامه الذي ليس فيه شيء اسمه العدم أصلا يمكننا أن نتصوره، فاننا نقول نعم، صدقت، فلا يمكن لقدرة كائن مخلوق محدود بنظام الكون، مهما بلغت، أن تخلق شيئا من العدم! ولكن نحن لا نتكلم عن كائن مخلوق محدود بالكون ونظامه، وانما نتكلم عن خالق وصانع الكون ونظامه!!
فاصراركم أيها الملاحدة على حجز قدرة ذلك الخالق داخل حدود تلك النواميس التي نقول بأنه هو الذي وضعها ابتداءا لتحديد مخلوقاته، هذا باطل بين التهافت وليس فيه شيء يلزمنا أصلا!! فلا قانون المادة ولا قانون حفظ المادة والطاقة ولا شيء من ذلك يسري على ذلك الحالق لسبب بسيط جدا: لأنه هو الذي وضع تلك القوانين لتقيد المخلوقات في هذا الكون جميعا وتضبطه باحكام لا يخرج عنه شيء من المخلوقات قيد أنملة! فهل أنتم منتهون ؟؟
فختاما أسأل الله أن يفتح عقل وقلب كل ملحد ولا أدري صادق في طلب الحق، وأن يرفع الضباب والسواد من على عقول المكابرين المستكبرين من الملاحدة هنا وفي كل مكان ..
آمين.
والحمد لله رب العالمين.
كان في الأزل ولم يكن شيء قبله.. خلق الزمان وأجرى عليه الكون بإرادته، وخلق الإنسان ببديع قدرته ولعظيم حكمته، أوجد الخلق ولم يكن من قبل شيئا... كان ولم يزل قادرا فاعلا لما يريد، لا تدب نملة في أرضه إلا بعلمه وقدرته..
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله ..
أما بعد، فهذا أول طرح لي في هذا المنتدى المبارك، أسأل الله أن ينفع به من يقرأه..
وقد استوقفني في إحدى المناقشات بين الأخ الفاضل أبي مريم – سدده الله ورفع قدره – وبين (ملحد شريف) هذه الفقرة من كلام الأخير، والتي يقول فيها:
"ويستدل المؤمنون على أنه : بما أن لكل شيء صانع فلابد بأن لهذا الكون من صانع. ولكن هناك خلل جوهري في استخدام هذا المبدأ والاستدلال به أو إسقاطه على خلق الكون. المشكله لا تكمن في تجمع الأخشاب لتشكل قارب ولا بالاحتمال الضعيف أو شبه المستحيل لحدوث مثل هذا الشيء. المشكله تكمن في الاعتقاد بخلق المادة من العدم. ففي المثال السابق, لا يعني تشكل القارب خلقا له. بل يعني تجمعا لمواد موجوده في الأصل. إذا إن الاستدلال بأنه (إذا كان لا بد لكل شيء من موجد فإذن لا بد لهذا الكون من موجد) هو إستدلال فيه مغالطه جوهرية. إذا رأيت كرسيا على سبيل المثال, فإنك تعلم أنه لابد أن هناك نجار صنعه. ولكن النجار لم يخلق الأخشاب ومواد الكرسي من العدم . إنما قام بتجميعها أي قام بإستخدام مواد موجوده أصلا وجمعها على شكل كرسي. إذا الإشكال المنطقي ليس في تعامل الإله مع المواد وتجميعها على شكل إنسان أو شجره. إن المشكله هي في كيفية إيجاد هذه المواد الأولية من العدم ! المشكله هي في إيجاد الوحدات المادية الأساسية في تركيب المواد من اللا شيء. هنا يتبين لنا بطلان حجة السببية اللتي يقول بها المؤمنون. وأحب أن أنوه أن المبدأ سليم في ذاته ولكن لا ينطبق على حالة الخلق من العدم.
عند هذه النقطه, غالبا ما يزعم المؤمن بأن الخلق من العدم تم بكيفيه يقدر عليها الله. وهذه الكيفية هي خارج حدود العقل البشري. وهل للعقل البشري حدود ؟؟؟؟ إن الزعم بمحدودية العقل ورمي كل ما لا نستطيع تفسيره الى خارج حدود العقل هو إستسلام وفشل. إن الزعم بمحدودية العقل لا ينقذ المؤمن من هذه التساؤلات أو يحميه منها. بل إنه سلاح يستخدم ضده بدلا من أن يحميه. فإذا كان للعقل حدود فلست ملزما بالإيمان بما وراء عقلي وحدوده. فكيف يُتوقع من شيء ما فعل ما فوق قدرته وطاقته. إن كان هناك إله خلف هذه الحدود العقلية يأمرنا بالإيمان به. فإنه يأمرنا بما ليس في طاقة وقدرة عقولنا. فكيف يريد أن يطاع وهو يأمر بما لا يستطاع. ثم إن المؤمن إذا زعم بأن للعقل حدود فعليه أن لا يستخدم لغة البرهنه العقليه والإستقراء المنطقي لإثبات ما هو خارج حدود العقل أصلا.إنه لتناقض صارخ أن يقوم شخص ما بمحاولة إثبات (خيال ) بلغة المنطق. أسميها خيال لأن كل ما يقبع خارج حدود العقل ليس إلا خيال لا يخضع لقوانين المنطق والعقل.
إذا فزعم محدودية العقل هو إما أن يكون فشلا واستسلاما أو أنه مغالطه و تناقض. فإذا كان شخص ما يتحاور ويحاج في قضية ما مستخدما أدواته المنطقية فوصل لنقطة لا يستطيع التعامل معها بهذه الأدوات فلم يستخدمها منذ البدء.
على أية حال, في قضيتنا الحالية (قضية إيجاد المادة من العدم) يزعم المؤمن بوجود قوة عظمى خارقة بالغة القدرة ولا محدودة القوة لا يستعصي لديها إيجاد المادة من العدم. وأن كيفية إيجاد المادة من العدم تكمن في هذه القوة والقدرة الفائقة. ولكن القدرة والقوة مهما بلغتا مبلغهما فليس لهما الإستطاعه على خلق ذرة واحده من العدم. فالمادة ليست بحاجه لقوة أو قدرة حتى تنبثق منها. فليس هناك أي علاقة بين القوة وإستحداث مادة من العدم. فالقوة إذا مهما بلغت فلا تستطيع فعل المستحيل ولا تستطيع خرق قوانين المادة. فقانون حفظ المادة الشهير ينص على أن المادة لا تنفنى ولا تستحدث من العدم. ولا بد أن يكون فعل القوة خاضع لقوانين الطبيعه ... "
اهـ.
وأقول إن في هذا الكلام لمغالطات شتى، وسأجيب عنها دفعا للشبهة بحول الله تعالى..
إن من أكبر المشكلات محاولة توضيح الواضحات .. وكما قال بعضهم "توضيح الواضحات من الفاضحات".. وهذا لعمر الله من شدة ما أتلفته الفلسفة في عقول وأفهام من أشربوا بها .. فتأمل كيف أن بعض فلاسفة ما بعد الحداثة – مثلا – ذهبوا إلى العبثية والفوضى المحضة، وذهب بعضهم إلى التشكيك في معنى الحقيقة والوجود ذاته، وذهب قوم منهم إلى القول بأن الأشياء ليست كما تبدو، ولا شيء هو في الحقيقة كما نراه، إنما نحن نتوهم جميعا أن للوجود حقيقة وليس ثم شيء!! طاش عقل القوم حتى بلغت بهم عبثيتهم أن إذا قلت لأحدهم افتح عينيك وانظر إلى الشمس في كبد السماء، رأيته يقول لك: "أي شمس؟ ليس هناك شيء اسمه الشمس في الحقيقة! هذا وهم جماعي توهمته أنت وغيرك وتوارثتموه حتى صار عندكم بمنزلة الحقيقة!!" وأقول لا عجب! مثل هذا، هل يستحق أن يناظر على هذا الكلام؟ إنه يماري فيما تراه أعين الناس جميعا ولا يخالف في جلائه ووضوحه إنسان مبصر! ومع ذلك، فمن الفلاسفة من يرى في كلامه وجاهة بل وحكمة كبرى لم يهتد إليها الأولون! كيف غفل المساكين عن هذه الحقيقة الكبرى، أنه لا حقيقة أصلا؟؟ ما أسهله من جواب! لا توجد حقيقة أصلا يا سادة فلا تشغلوا بالكم بطلب الوصول إليها! تقول له هناك واقع وهناك إجماع على أن من ألفاظ اللغة ما اتفق على أنه يدل عليه، فإن طابق اللفظ الواقع كان المتكلم صادقا وان خالفه كان كاذبا، يقول لك وما الذي يلزمني ويلزمك بهذه الدلالة، دلالة المطابقة بين اللفظ ودلالته؟ هذا كلام قالوا به من قبل في البنائية، أما الآن فالتفكيكية أعادت صياغة رؤيتنا لهذا المعنى، فما عاد هناك لازم ولا ملزوم، ولا حق ولا باطل، إنما تحرر في فضاء الوهم اللانهائي!!
هذا الكلام قد يلبسه بعضهم من صنوف الزخرف اللفظي حللا بارعة الاتقان، توحي للسامع بأن الكلام لم يأت إلا من عقل جبار، غاص فيما وراء الفكر واللغة إلى عمق غائر بعيد، ثم خرج إلينا بهذه الأفكار التي لا تبلغ عقولنا تصورها أصلا، لا لفسادها أو سفاهتها أو لا معقوليتها، وإنما لقصور عقولنا نحن – البشر أمثالهم – عن إدراك وتصور ما تصوروه هم، زعموا! فتكون تلك الرؤى والمفاهيم حينئذ حقا عندهم يقلدون عليه بل ويتعصبون له حتى وإن لم يكونوا على الحقيقة يحسنون فهمه على حقيقته!
ليست هذه قضيتنا حتى لا يشغب علينا بعضهم بلا داعي.. إنما هي مقدمة رأيتها مطلوبة في هذا المقام إشارة إلى طبيعة أكثر ما يقع بين الموحدين والملحدين من جدال مبناه إلجاء العقلاء واضطرارهم إلى توضيح الواضحات التي علمها البشر بضرورة العقل منذ أن عرفوا شيئا اسمه العقل! .. وكما قال بعض الفلاسفة: إن من أصعب القضايا الفلسفية على الإطلاق، محاولة إثبات وجود الكون نفسه، أو إثبات وجود الأرض أو السماء أو نحو ذلك ..
وهي مقدمة رأيتها مطلوبة كذلك للتحذير لمنتحلي الفلسفة من الظن بأن زخرف ألفاظهم قد ينطلي على العقلاء الحكماء الذين تشربوا بوحي السماء وإرث الأنبياء، أو أن هؤلاء العقلاء يمرون الكلام على علته أو ينخدعون به دون أن يقفوا على كل صغيرة وكبيرة فيه تدقيقا وتمحيصا وتحقيقا! كلا وهيهات!
يأتيك أحدهم بأطنان من النظريات المتشابكة رياضيا، والقائمة على فرضيات فلسفية تقبل الأخذ والرد والاحتمالات الكثيرة في تأويلها، نظريات ربما يكون هو نفسه غير قادر على فهمها فهما كاملا صحيحا – إن كان يفهم حقيقة معنى كلمة نظرية أصلا! - ثم يرميك بها ويقول انظر ماذا قال العالم فلان والعالم فلان، وما "توصل" اليه العلماء، فهذا عندي دليل – وما أدراهم ما معنى كلمة دليل! – على أني كان أصلي شيمبانزي، أو على أن الكون لم يكن له بداية! مع أنه يعلم أن أقل حدث غير متوقع – كسقوط نيزك مثلا في مكان ما من الأرض – من شأنه أن يغير من خطية (linearity) مسار أي معادلة يزعمون اطراد مسيرها الى الأزل، والمدخلات والمتغيرات التي لا يزال الواحد منهم يكتشف في كل يوم أنها كانت تنقص في معادلته القديمة وينبغي إدخالها في صياغة جديدة، لا حصر لها ولا عد، فكما يقرر العقلاء أن الاحتمالات لا تنحصر ولا حد لها! فكل احتمال تقوم عليه نظرية من النظريات يجب إثبات ضرورة المصير اليه دون غيره أولا، قبل التسليم بصحته، فكيف بالنظرية نفسها؟؟ ولا تزال الأيام تأتيهم بنظريات جديدة تهدم النظريات القديمة في كل يوم، إلا أنهم يصرون إصرارا عجيبا مع ذلك على أن تلك النظرية التي قبلها وارتضاها كل واحد منهم لنفسه تصلح دليلا على إثبات أن المادة قديمة لا بداية لها وعلى أن الكون لم ينشأ من العدم!!
وليس صنيع ماكس بلانك وألبرت أينتشتاين بسابقهما اسحق نيوتن عنا ببعيد! ألم يمكن النموذج الميكانيكي للكون والذي وضعه نيوتن، هو الحق الذي لا محيد عنه في نظر الفيزيائيين في كل مكان، حتى بدايات القرن الماضي؟ بلى! لم يكونوا يسمونها بنظرية أصلا، من فرط ما وثقوا فيها وفي دقتها وصحة تعبيرها عن الطبيعة! ثم اذا بهم يظهر لهم قصورها وعجزها على المستوى الميكروكوزمي بظهور "علم ميكانيكا الكم" ويظهر لهم وفي نفس الوقت عجزها وقصورها على المستوى الماكروكوزمي بظهور نظرية النسبية! فتغير فهم الطبيعيين للطبيعة في بضعة عقود وانقلب رأسا على عقب، من نظرية الى نظرية ومن تفسير الى تفسير .. واليوم يحاولون ربط تلك التصورات كلها على سائر المستويات بنظرية واحدة يسمونها نظرية كل شيء أو Theory of Everything !
انهم يتلذذون بذلك! يفرحون ببقاء باب التحدي العقلي مفتوحا لا انغلاق له، وبأنه لا تزال هناك فرصة دائما وأبدا امام أي نابغة منهم ليطمع في أن يأتي بما يقلب به سائر الموازين وينسف به أكثر المسلمات ليدخل التاريخ من واسع أبوابه كما فعل جاليليو ونيوتن وأينشتاين وغيرهم! ولم لا؟ ما دام الأمر كله مبناه تصورات عقلية لأناس أمثالهم، فما المانع من أن يخرج من هو أنبه وأنبغ وأذكى منهم، ليكشف نقيصة في أساس النظرية قد غفل عنها واضعها، فيهدمها هدما ويجعلها جذاذا كما فعلوا هم؟؟ أليس هذا العمل العبقري العظيم غير المسبوق، هو ما يطمحون اليه جميعا استنادا على أن عقول سابقيهم لم تكن أحسن من عقولهم هم ولم تبلغ من الذكاء والنبوغ منتهاه؟؟ بلى! فلماذا اذا يستقبحون منا تقريرنا بأن العقل البشري محدود قاصر، وأن محدوديته يلزم منها لوازم بدهية لا يسع العقلاء انكارها؟؟ أليس هذا هو محض الكبر والغرور؟؟
نعم والله انه الكبر والغرور بعينه! هوى النفس ومرضها يعميها! يقول بلسان الحال: لماذا تريد يا صاحب الايمان – أيا كان ايمانك وحقيقته وموقعه من الدليل العقلي – أن تحرمنا من هذه الفرصة؟ فرصة أن نكون من كبار الفلاسفة والعلماء الذين توصلوا الى شيء عظيم جديد غير مسبوق، أجابوا به على أكبر وأهم الأسئلة التي حيرت البشرية قرونا طويلة؟؟! لماذا تريد أن تحرمنا من فرصة دخول التاريخ كما دخل هؤلاء، وليحملنا الناس على أكتافهم ولتهتف أجيال البشر باسمنا؟؟ لا لا ! لا يمكن أن يكون الجواب سهلا بسيطا الى هذه الدرجة! كيف يكون بهذه السهولة والبساطة ويحار فيه "عقلاء" كبار ملأوا الدنيا بآثار نبوغهم وذكائهم فيما صنعوا وما كتبوا؟؟
يقولون مخاطبين أهل التوحيد: "هذا هو المخرج السهل لكم، أن تقولوا "الله من وراء الكون" .. تعلقون الشيء بالماورائيات ثم تنامون قريري الأعين!" وكأن الموحدين يستغنون بهذا المعتقد عن النظر في الأسباب المادية ودراستها وتتبعها والاستفادة منها كما هو دأب العقلاء! وكأنهم بذلك يستوون وأهل الأساطير اليونانية الذين كان مبلغهم – لبطلان أساطيرهم ووهائها – تصور الاله في صورة رجل ملتح يجلس فوق سحابة على جبل الأوليمب، ويمسك الصواعق بيده كما يمسك الرجل بالرمح، يقذف بها يمنة ويسرة، ويحرك الرياح بنفخ الشفاه!! ان الالحاد ردة فعل طبيعية لكل تصور وثني عند نقده بميزان العقل السوي! ولكن أين عقيدة الموحدين من هذا الهراء أصلا؟؟
يقول الواحد منهم: "هذا مخرجكم السهل!!" والحسرة تملأ قلوبهم والريبة والشك يقض مضاجعهم، أن فقدوا الجواب على أهم سؤال لا يطيق المرء أن ينام وهو يجهل جوابه، أو أن يتصور قرب لحظة موته منه وهو لما يتأكد من عقيدة قد يكون الخطأ فيها مؤداه هلاكه الأبدي بعد الموت! الهاتف في نفوسهم يحدثهم – وهذا واقع ولابد وان كذبوا: "ماذا لو صدق هؤلاء؟ ماذا لو كان الجواب بهذه البساطة حقا؟ ماذا لو صدق من يزعم منهم بأن الأسباب التي نراها نحن كلها مهما تعقدت وتداخلت طبقاتها ففي آخرها ومن فوقها مسبب غيبي يحدثها جميعا على نحو ما نرصد ونكتشف، وبطريقة لا تطيق عقولنا تصورها؟؟ ماذا لو كان اكتشاف الأسباب الطبيعية على تراكم طبقاتها لا ينفي وجود مسبب غيبي مغاير لها، خارج عنها، غير مقيس عليها ولابد، هو صانعها وهو حافظها؟؟ ماذا لو كان هناك هلاك أبدي ينتظرني بعد موتي حقا كما يزعمون؟؟؟ "
فلإن جاءني من يريد اغراقي بنظريات القوم وتهافتهم يجعلها "دليلا" على عقيدته في الغيب فلأقولن له: "هنيئا لك! لقد بنيت عقيدتك فيما هو واقع لك بعد موتك على كلام ترجو أنت نفسك في قرارة نفسك أن تتمكن يوما ما من أن تهدمه هدما وتأتي بأحسن منه، لتثبت تفوقك العقلي على مبتدعه الذي تعلم تمام العلم أنه بشر مثلك!! وحتى لو فعلت، فأنت ذاهب الى مصيرك بعد الموت – أيا كان - بشيء اخترعه عقلك، تزعم أنه الحق، مع أنك لم تجد عليه دليلا واحدا يثبت صحته، ولعلك أن يأتيك الموت غدا، وحينها يتبين لك يوم لا يجدي الندم، ما هو الحق الذي ينجو من يؤمن به، ويهلك من يحيد عنه! كلنا سنموت وكلنا سنرى بأعيننا ما هو كائن للناس بعد موتهم ولا شك! فستذكر كلامي هذا ولو بعد حين!"
يقول صاحب التعليق: " بما أن لكل شيء صانع فلابد بأن لهذا الكون من صانع. ولكن هناك خلل جوهري في استخدام هذا المبدأ والاستدلال به أو إسقاطه على خلق الكون" ... الى أن قال: "ففي المثال السابق, لا يعني تشكل القارب خلقا له. بل يعني تجمعا لمواد موجوده في الأصل. إذا إن الاستدلال بأنه (إذا كان لا بد لكل شيء من موجد فإذن لا بد لهذا الكون من موجد) هو إستدلال فيه مغالطه جوهرية. إذا رأيت كرسيا على سبيل المثال, فإنك تعلم أنه لابد أن هناك نجار صنعه. ولكن النجار لم يخلق الأخشاب ومواد الكرسي من العدم . إنما قام بتجميعها أي قام بإستخدام مواد موجوده أصلا وجمعها على شكل كرسي. إذا الإشكال المنطقي ليس في تعامل الإله مع المواد وتجميعها على شكل إنسان أو شجره. إن المشكله هي في كيفية إيجاد هذه المواد الأولية من العدم "
اهـ.
ونقول تامل ما يقرر الرجل أنه "مغالطة جوهرية"! المغالطة عنده هي كوننا نجهل "كيفية" الايجاد من العدم! وأجيب على هذا الكلام فأقول:
من الذي قال أن مجرد الجهل بكيفية الشيء، يدل على امتناع وقوعه أو وجوده عقلا؟؟ ان المرء لا يسعه الا أن يعجب حقيقة من كلام هؤلاء القوم بهذه العقلية، وهم الذين يدندنون ليل نهار بأن العالم مليء بالحقائق التي لا يمكننا نفيها لمجرد عجزنا عن فهمها أو تصور كيفية عملها!
أنا – أبو الفداء – لا أدري – مثلا – كيف تعمل شاشة الكمبيوتر التي أنظر فيها الآن! نعم غيري يعرف ولكن ليس هذا هو الاشكال هنا، انما الاشكال في ثبوت حقيقة وجود وعمل هذه الشاشة من عدمه من جهتي أنا! هل يمكنني أن أنفي وجودها وعملها لمجرد كوني لا أدري كيف تعمل ولا أتصور لها كيفية؟؟ هل هذا من منطق العقلاء؟ كلا انما هو منطق قوم يريدون التذرع بالحجج الفارغة الباطلة لنفي الواضحات وتكذيب الجليات البينات! ونقول لهم: ان كنت أنا مبلغ قدرتي في الخلق والتصنيع أن أجمع الأشياء الموجودة بعضها ببعض لأوجد منها شيئا لم يكن موجودا من قبل، فمن باب أولى أن يكون الذي أوجدني وخلقني أنا نفسي وهذه المادة التي بها أصنع وأخلق، قادرا على ايجاد الأشياء من العدم وصنع ما يشاء بها! ما الاشكال العقلي في استحداث شيء من العدم؟ ما الذي يجعله ممتنعا عقلا؟ ان كونهم لا يمكنهم تصور كيفية حدوثه هذا لا ينفي كما تقدم امكان حدوثه، ولا عجب ألا يمكنهم ذلك، لأنهم محدودون بهذا الكون المادي الموجود بالفعل والذي لم يروا فيه الا احداث المادة من المادة لا من العدم! فنحن لا نتصور الكيفيات الا بالقياس على ما نراه من حولنا من الكيفيات! ونحن أبدا ما رأينا "العدم" هذا ولا رأينا عملية تحول لشيء من العدم الى الوجود، انما رأينا موجودات مادية منتظمة بنظام هذا الكون، تتفكك وتتركب، تولد وتتفتت، يلعب البشر بها فكا وتركيبا ليخلقوا ما يخلقون من مادة الى مادة، لا من عدم الى مادة! فبأي عقل نطالب بأن يكون نموذج الايجاد الأول لهذا النظام نفسه، مقيسا على مفردات النظام نفسها ومقيدا بآلياته التي هو محدود بها؟؟ بأي عقل نطالب بأن تكون صورة الايجاد الأول لهذا النظام نفسه، مقيدة بنموذج الفك والتركيب هذا، الذي يحكم سائر عناصر النظام ومكوناته التي نراها من حولنا؟؟ أليس هذا من ضعف العقول بمكان ؟؟
والخلاصة فأنا أسأل كل عاقل منصف أن يجيبني على هذا السؤال:
هذه المقدمة: أنا لا أتصور كيف يمكن ان ينشأ شيء في الوجود من العدم! يمكنني أن أتصور كيف ينشأ موجود من موجود، أما موجود من عدم، فلا!
هل تؤدي هذه المقدمة عقلا الى هذه النتيجة: يستحيل أن ينشأ الكون في الوجود من العدم؟؟
يقول: " المشكله هي في إيجاد الوحدات المادية الأساسية في تركيب المواد من اللا شيء. هنا يتبين لنا بطلان حجة السببية اللتي يقول بها المؤمنون.."
فهل هذا منطق يليق بالعقلاء أن يجعلوا منه طريقا للاستدلال؟؟
تأمل هذه:
المقدمة: المشكلة عندي هي في كيفية ايجاد العقل البشري للأفكار في الخلايا المخصصة لهذه الوظيفة، فأنا لم أتمكن بعد من تصور كيف تنشأ الفكرة كيمائيا ولا يمكنني القول بأنها – أي الأفكار – هي تلك الذبذبات الكهرومغناطيسية أو التفاعلات البيوكيمائية التي تقع في خلايا المخ لأن هذا لم يثبت بدليل قطعي الى الآن:
النتيجة أيها السادة: هنا يتبين لنا بطلان حجة القائلين بأن الانسان له عقل تنشأ فيه الأفكار أصلا!!
المقدمة: المشكلة هي في كيفية صنع كمبيوتر بحجم كف اليد تكون فيه سائر مكونات الكمبيوتر الذي يشغل حيزا كبيرا من غرفتي!
النتيجة: هنا يتبين بطلان حجة القائلين بامكان صناعة كمبيوتر بحجم كف اليد!
فلإن قلت أيها الملحد: أنت تقيس في غير محل للقياس لأنك تساوي اللاشيء بالشيء، وعقولنا لا تتصور اللاشيء، قلنا لك صحيح، ولكن عقولنا لا تمنع وجود كيان قادر على ايجاد الشيء من هذا اللاشيء الذي لا نستطيع نحن تصوره! ألا ترون المادة التي نبصرها ونلمسها بأيدينا، تقوم في أساس تكوينها على جسيمات قد عجزتم عن تصور كيفية عملها وأقررتم بذلك على مستوى ميكانيكا الكم؟ ألا يدل بناء النظام التام على تلك المفردات الغامضة في أساسه على أن عجز عقولكم أنتم لا يمكن أن يكون دليلا على غياب النظام الدقيق المحكم وقيامه بتلك المفردات نفسها، كما أنه لا يمكن أن يدل على استحالة الانتقال من العدم الى الوجود!؟ أنت تتكلم في مقدمة للصنع والايجاد يستحيل عليك أنت بقدرتك المحدودة بحدود هذا الكون، أن تنطلق منها لأي صورة من صور الخلق أو التكوين! بينما نحن نتكلم عن كيان خارج عن هذا النظام أصلا، غير مقيد به ولا بحدوده، بل هو الذي أوجده، فلا يعجزه ما يعجزك، ولا يحده ما يحدك، وهو الذي أنشأ فيك – أصلا – تصور الوجود وأعجزك عن تصور العدم! فكيف لماكينة أنت صنعتها أن ترميك بالعجز عن فعل ما تعجز هي عن فعله؟؟
ولله المثل الأعلى!
ثم يقول مكابرا: " وهل للعقل البشري حدود ؟؟؟؟ إن الزعم بمحدودية العقل ورمي كل ما لا نستطيع تفسيره الى خارج حدود العقل هو إستسلام وفشل. إن الزعم بمحدودية العقل لا ينقذ المؤمن من هذه التساؤلات أو يحميه منها. بل إنه سلاح يستخدم ضده بدلا من أن يحميه. فإذا كان للعقل حدود فلست ملزما بالإيمان بما وراء عقلي وحدوده. فكيف يُتوقع من شيء ما فعل ما فوق قدرته وطاقته. إن كان هناك إله خلف هذه الحدود العقلية يأمرنا بالإيمان به. فإنه يأمرنا بما ليس في طاقة وقدرة عقولنا. فكيف يريد أن يطاع وهو يأمر بما لا يستطاع. ثم إن المؤمن إذا زعم بأن للعقل حدود فعليه أن لا يستخدم لغة البرهنه العقليه والإستقراء المنطقي لإثبات ما هو خارج حدود العقل أصلا.إنه لتناقض صارخ أن يقوم شخص ما بمحاولة إثبات (خيال ) بلغة المنطق. أسميها خيال لأن كل ما يقبع خارج حدود العقل ليس إلا خيال لا يخضع لقوانين المنطق والعقل."
قلت: هذا كلام رجل لا يريد رؤية الشمس في كبد السماء، وقد نزل بكلامه هذا الى منزلة لا أتصور شيئا دونها، في التفلسف بالكذب الواضح لنصرة باطله، ولا حول ولا قوة الا بالله! هل للعقل البشري حدود؟ سبحان الله! لو لم يكن العقل البشري محدودا، أفكنتم يا أدعياء العقل تخرجون كل يوم على ما أنجزه أسلافكم من الانجازات، بما يخرمها ويثبت قصورها وعجزها؟ أفكنتم أنتم انفسكم تخطئون؟ أفكنتم تجهلون وتنسون؟ أفكنتم تغفلون وتتفاوتون في الذكاء على نحو ما تعلمون؟ أفكان يختلف العبقري عن الغبي في قدر ما تجدون له من قدرة عقلية لا يزيد عنها؟؟ ما هذه المكابرة العمياء الفجة؟؟ قطعا للعقل البشري حدود! حدود في الفهم والادراك والتصور، وحدود في الحفظ والاسترجاع والتذكر، وحدود في التخيل والابداع، حدود تتفاوت فيها عقول البشر بشكل واضح! ولولا قدرة البشر على تجميع المعرفة البشرية بصورة تراكمية عبر أجيالهم، بحيث يبدأ كل عقل من حيث انتهى العقل السابق عليه، لما تقدمت البشرية خطوة واحدة عما كانت عليه في زمان العصور الوسطى – مثلا – في مختلف العلوم التجريبية! فما عندكم اليوم من تكنولوجيا لم يولد كله في عقل واحد أبدا، ولا يطيق انسان عاقل أن يخرج به من عند نفسه من فراغ أو من جهل مطبق هكذا في مرة واحدة! الرجل الذي يعيش في أدغال افريقيا عندما تقابله مشكلة قطع الأشجار، هل يمكن ان نتوقع منه مهما بلغت عبقريته أن يخترع منشارا كهربائيا لهذه الغاية؟؟ مستحيل! انما سيخترع فأسا، او شيئا أعقد منه قليلا! هذه غاية قدرته! هل السبب أنه غبي او أننا اليوم أذكى منه؟ كلا ولا شك! انما السبب أنه بدأ من معطيات أقل بقليل جدا مما بدأ منه مخترع المنشار الكهربائي! ولا تزال عقول البشر محدودة القدرة وكل شيء يصنعونه في كل عصر من عصورهم يشهد بذلك! فوالله ما كنت أتصور أن يأتي يوم أضطر فيه الى اثبات هذه الحقيقة التي لا يماري فيها رجل في عينيه بصر!!
وتأمل هذه المكابرة الأشد بطلانا: " فإذا كان للعقل حدود فلست ملزما بالإيمان بما وراء عقلي وحدوده." وأقول يا ملحد أنت أصلا لا يمكنك أن تتصور كيف يعمل عقلك نفسه، فكيفية عمل عقلك نفسها، هي مما يخرج تصوره عن حدود عقلك! بل لقد ذهب بعض فلاسفة العقل الى أنه لا يمكن التوصل الى نظرية شاملة تصف كيفية عمل العقل وصفا مقبولا! فالحاصل اذا أنك لست ملزما بالايمان بوجود عقلك!! ولست ملزما كذلك بالايمان بنصف ما توصل اليه العلماء من جسيمات تحت ذرية subatomic particles لأنهم لا يزالون يعانون أشد المعاناة من تصور كيفية حركتها وانتقالها وعلاقاتها ببعضها البعض!
الشاهد أن اطلاقاتك العنترية هذه لو ألزمناك بها أيها الملحد لضاع شطر كبير مما تؤمن بوجوده ولكن حدود عقلك – أنت وحدك او عموم البشر - لا تتسع لتصوره! بل ولضاع شطر المعرفة البشرية والحافز على تحصيلها أصلا! فمن ذلك الذي لا يدخل في تصور عقلك اليوم ولا شك، كل اختراع شديد التعقيد يتمكن أحفادك في يوم من الأيام من التوصل الى اختراعه ولا يمكنك أنت الآن أن تتصوره! نعم مثل هذا قد يكون وجوده خارج حدود العقل أمرا نسبيا، مرتبطا بتراكم معارف البشر وما يتوصلون اليه، فهو اليوم خارج حدود عقولنا جميعا، ولكن لعله بعد مئة أو مئتي سنة أو ربما ألف سنة، لن يكون خارجا عن حدود المعقول بشريا!
فالعجب كل العجب من معتقد يلزم منه لوازم تدمر أبجديات العقل والمعرفة البشرية نفسها تدميرا، ويزعم أصحابه أنه صفوة ما أنتجته العقول في تفسير وجود الكون وفي هدم الاعتقاد في وجود الاله والحاقة بجملة الأساطير! فصدق الذي قال: شر البلية ما يضحك .. والله المستعان!
يقول: " فكيف يُتوقع من شيء ما فعل ما فوق قدرته وطاقته. إن كان هناك إله خلف هذه الحدود العقلية يأمرنا بالإيمان به. فإنه يأمرنا بما ليس في طاقة وقدرة عقولنا"
قلت هذا باطل وكذب! فالايمان به وبوجوده وبكمال صفاته ولا محدودية قدرته، هذه معان لا ينفيها العقل ولا يعسر عليه الاقرار بها وبضرورتها، ومن ثم الايمان بها والعمل عليها! قد أقبل منك زعمك هذا لو حدثتني عن الاله المثلث الذي ابتدعه النصارى، فرية وسبة ونقيصة كبرى في ذات رب العالمين! كيف يطالب عاقل بأن يعتقد بأن واحدا هو في نفس الوقت ثلاثة، وثلاثة هم في نفس الوقت واحد؟؟ هذا المعنى باطل وممتنع عقلا، والمطالبة بقبوله من قبيل المطالبة بأمر يخرج عن حدود العقل البشري! ولكن الله الحق لم يخبر عن نفسه بهذا الكذب والباطل المنافي للعقول السوية! وانما أخبرنا بأنه بالغ حد الكمال في كل صفاته، وهذا أمر يوجبه العقل في حقه لدلالة آيات قدرته على ضرورة ذلك! فهل طالبنا بأن نتصور كيف يفعل ما يفعل أو كيف هو في ذاته وكيف هي صفاته؟ كلا! ولو أنه فعل لظلمنا ولطالبنا بما لا نطيق ولا تحده عقولنا! ولكنه لم يفعل، بل يحرم على المسلمين – باجماع – أن يحاولوا تصور صفاته سبحانه أو أن يقيسوه على شيء من خلقه، كما هو معلوم بالاضطرار في دين الله! فتامل أيها القارئ المنصف من أي ملة كنت: كيف تحمل المكابرة ويحمل الغرور أصحابه على ادعاء معان يخالفها العقل الواضح، ويهدمها الواقع والتاريخ ولا تحتاج أصلا – لولا التلبيس على ضعاف العقول – للرد عليها!
فتامل كيف بني فوق هذا الباطل قوله: "ثم إن المؤمن إذا زعم بأن للعقل حدود فعليه أن لا يستخدم لغة البرهنه العقليه والإستقراء المنطقي لإثبات ما هو خارج حدود العقل أصلا.إنه لتناقض صارخ أن يقوم شخص ما بمحاولة إثبات (خيال ) بلغة المنطق. أسميها خيال لأن كل ما يقبع خارج حدود العقل ليس إلا خيال لا يخضع لقوانين المنطق والعقل"
قلت لو قرأ صاحب هذا الكلام كل ما تقدم الرد به على مقدماته السابقة لتبين له بطلان هذا المعنى دون الحاجة الى تكلف رد مخصوص!
ويقول المكابر: " إذا فزعم محدودية العقل هو إما أن يكون فشلا واستسلاما أو أنه مغالطه و تناقض. فإذا كان شخص ما يتحاور ويحاج في قضية ما مستخدما أدواته المنطقية فوصل لنقطة لا يستطيع التعامل معها بهذه الأدوات فلم يستخدمها منذ البدء."
قلت أي فشل وأي استسلام؟ الاقرار بالأمور الواضحة الجلية، وتقدير الشيء بقدره الصحيح، هذا فشل واستسلام؟ القول بأن الانسان محدود القدرة، وأن المرء مضطر الى الاستعانة بما يجتمع له من منتجات غيره من أصحاب العقول حتى يزداد حجم انتاجه، هذا فشل واستسلام؟؟ سبحان الله! تامل أيها القارئ المحترم كيف ينقلب الحق باطلا والباطل حقا، مئة وثمانين درجة كاملة!
أما قوله بأننا وصلنا الى نقطة لا نستطيع معها التعامل بهذه الأدوات فباطل! لأننا وصلنا بأدوات العقل الى ضرورة وجود خالق قدير، ووصلنا كذلك الى ضرورة ألا يكون لقدرته حد يحدها، أما مطالبة تلك الأدوات بأن تنتج لنا تصورا لما ثبت من طريقها هي نفسها أن حقيقته لا حد لها، وأن العقل لا يمكنه تصور شيء لا حد له، فهذا مجاوزة لما يراد من العقل السوي الوصول اليه، ومطالبة له من بعد ما أطاق، بما لا يطيق وليس مطالبا به أصلا ولا يضيره الجهل به والعجز عنه! فتكلف تصور كيفية صفات الرب وطبيعة ذاته، هذا أمر يوجب العقل السوي أن يكون خارجا عن حدود قدرته أصلا، وليس ذلك التصور مما يتوقف عليه قبول أو رد حقيقة وجود الاله، ولا هو من المقدمات التي يمتنع على العقل الايمان بدونها! فلا هو يطيقها ولا هو مكلف بها أصلا! فقوله أننا وصلنا بذلك الى نقطة لا نستطيع معها التعامل بهذه الأدوات – هكذا باطلاق – فلا يمكننا اذا التعويل عليها من البداية، هذا قول ظاهر الفساد وتلبيس واضح!
وتامل قوله: " ولكن القدرة والقوة مهما بلغتا مبلغهما فليس لهما الإستطاعه على خلق ذرة واحده من العدم. فالمادة ليست بحاجه لقوة أو قدرة حتى تنبثق منها. فليس هناك أي علاقة بين القوة وإستحداث مادة من العدم. فالقوة إذا مهما بلغت فلا تستطيع فعل المستحيل ولا تستطيع خرق قوانين المادة. فقانون حفظ المادة الشهير ينص على أن المادة لا تنفنى ولا تستحدث من العدم. ولا بد أن يكون فعل القوة خاضع لقوانين الطبيعه"
قلت أي تصور هذا الذي تصورته بأن المادة "انبثقت" من القدرة؟؟ ومن أين جئت به؟ أما هذا التحكم العجيب : القوة والقدرة مهما بلغتا فليس لهما الاستطاعة على خلق ذرة واحدة من العدم، فهذا كلام باطل في محل النزاع ولا شك! فان كنت تتكلم عن مخلوق محدود بحدود هذا الكون ونظامه الذي ليس فيه شيء اسمه العدم أصلا يمكننا أن نتصوره، فاننا نقول نعم، صدقت، فلا يمكن لقدرة كائن مخلوق محدود بنظام الكون، مهما بلغت، أن تخلق شيئا من العدم! ولكن نحن لا نتكلم عن كائن مخلوق محدود بالكون ونظامه، وانما نتكلم عن خالق وصانع الكون ونظامه!!
فاصراركم أيها الملاحدة على حجز قدرة ذلك الخالق داخل حدود تلك النواميس التي نقول بأنه هو الذي وضعها ابتداءا لتحديد مخلوقاته، هذا باطل بين التهافت وليس فيه شيء يلزمنا أصلا!! فلا قانون المادة ولا قانون حفظ المادة والطاقة ولا شيء من ذلك يسري على ذلك الحالق لسبب بسيط جدا: لأنه هو الذي وضع تلك القوانين لتقيد المخلوقات في هذا الكون جميعا وتضبطه باحكام لا يخرج عنه شيء من المخلوقات قيد أنملة! فهل أنتم منتهون ؟؟
فختاما أسأل الله أن يفتح عقل وقلب كل ملحد ولا أدري صادق في طلب الحق، وأن يرفع الضباب والسواد من على عقول المكابرين المستكبرين من الملاحدة هنا وفي كل مكان ..
آمين.
والحمد لله رب العالمين.