المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كَلامٌ أحْرَى أنْ يُكْتَبَ بِمَاءِ العُيونِ الخَاشِعَة ..



مالك مناع
01-21-2009, 01:59 PM
هَذِهِ عَوَاقِبُ الذّنوب ..

قال ابن القيم رحمه الله:

وللمعصية من الآثار القبيحة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله:

فمنها: حرمان العلم ، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور .. ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى أن الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.

ومنها: وحشةٌ يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا توازنها ولا تقارنها لذة أصلاً، ولو اجتمعت لذّات الدنيا بأسرها لم تفتك بتلك الوحشة، وهذا أمر لا يحسّ به إلا من كان في قلبه حياة، وما لجرحٍ بميت إيلام.

ومنها: الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم. فإنه يجد وحشة بينه وبينهم ، وكلما قويت تلك الوحشة بَعُد منهم، ومن مجالستهم وحُرم بركة الانتفاع بهم، وقَرُب من حزب الشيطان، وبقدر ما بَعُد من حزب الرحمن تقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه .. قال بعض السلف : ( إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي ) .

ومنها: تعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا يجده مُغلقاً أو مُتعسراً عليه.

ومنها: ظلمةٌ يجدها في قلبه.

ومنها: أنها توهن القلب والبدن .

ومنها: حرمان الطاعة.

ومنها: تضعف القلب عن إرادته.

ومنها: أنه ينسلخ من القلب استقباحها (أي: المعصية) فتصير عادة.

ومنها: أنها سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه.

ومنها: أن غيره من الناس والدوابّ يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنب والظلم.

ومنها: أن المعصية تورث الذل ولا بدّ، فإن العز كل العز في طاعة الله، قال تعالى: ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ).

ومنها: أنها تطفىء نار الغيرة والعياذ بالله ، فكلما اشتدت مُلابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس .

ومنها: أنها تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره وتسد طرق العلم وتحجب موارد الهداية.

ومنها: سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه.

ومنها: أنها تمحق بركة العمر .

ومنها: ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف والقلق في قلب العاصي فلا تراه إلا خائفاً مرعوباً، فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبة الدنيا والآخرة فمن خاف الله أمنه الله كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء .


انتهى كلامه رحمه الله من كتاب: (الداء والدواء).

قاصمة الباطل
01-22-2009, 03:05 AM
جميل ماشاء الله

اسال الله تعالى العفو والعافية

بارك الله فيك اخي الكريم

قرآن الفجر
01-22-2009, 04:07 PM
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : 55]
رحم الله ابن القيم وجزاه عنا كل خير
وبارك الله فيكم أستاذنا الفاضل، وزادكم علماً وفهماً
ولا حرمنا الله فوائدكم وتذكرتكم

أم حذيفة
01-23-2009, 10:13 AM
جزاكم الله خيرا

ووفقنا واياكم الى ما يحب ويرضى

أنا المسلمة
01-23-2009, 09:05 PM
بارك الله فيك اخي الكريم
نقلته أخي لعموم الأجر
بارك الله فيك..

مالك مناع
02-04-2009, 11:14 AM
ومن فقه المصيبة، وهو فِقهٌ دقيق لا يتأمله كل أحد، أن ينظر العبد المصاب بمصيبة إلى أسبابها وما هو مُقيم عليه من ذنوب، وإلا فقد نظر إلى ظاهر الأمر دون باطنه، فكم من المصائب كان بالإمكان تجنبها لولا هذه الذنوب.

كانت ‏أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تُصدع، فتضع يدها على رأسها وتقول: " هذا ‏بذنبي، ‏وما يغفره الله أكثر " .. ‏أي أنها ما تُصاب إلا بسبب ذنبها، ‏وهي بذلك تُشير إلى قوله تعالى: ( ‏وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )

وكان إبراهيم بن أدهم - ‏رحمه الله - ‏يقول : ‏إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلق زوجتي ودابتي .

وهذا ‏الإمام وكيع بن الجراح ‏رحمه الله ‏لما أغلظ له رجل في القول دخل بيتاً فعفّر وجهه، ثم خرج إلى الرجل، ‏فقال: ‏" زد وكيعاً بذنبه، فلولاه ما سلطت عليه ".‏أي لولا ذنوبي لما سُلّطت عليّ تُغلظ لي القول.

‏ولما ‏استطال رجل على أبي معاوية الأسود فقال له رجل كان عنده: ‏مه ! ‏فقال أبو معاوية: ‏دعه يشتفي، ثم قال: ‏اللهم اغفر الذّنب الذي سلّـطت عليّ به هذا.

فكم نحن بحاجة إلى تلك النظرة الفاحصة التي ننظر بها إلى ذنوبنا قبل كل شيء.فإذا وقعت مصيبة أو نزلت نازلة أو ساءت أخلاق من يتعامل معنا من أهلٍ وأصحاب وجيران فلننظر في ذنوبنا الكثيرة : ‏من أيها أُصبنا ؟

أمِنْ ارتكاب ما حرّم الله ؟
أم مِن تضييع فرائض الله ؟
أم مِن تخلّفنا عن صلاة الفجر ؟
أم مِن السهر المُحـرّم ؟
أم مِن إدخال ما حرم الله إلى البيوت من صور ومعازف، وغيرها من وسائل تجلب الشياطين، وتتسبب في خروج الملائكة ؟
أم مِن الأسفار المُحرّمـة . ‏سعيا في الأرض فسادا ؟
أم مِن ضعف مراقبتنا لله عز وجل ؟
أم ... ‏أم ...

‏أحببت تذكير نفسي وإخواني وأخواتي .

( ‏وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ )

فرُحماك ربنا رُحماك
وعاملنا ربنا بلطفك الخفيّ
وعاملنا بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين .

مالك مناع
02-04-2009, 11:29 AM
سَنَسْتَدْرِجَهُم مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُون

قَالَ تعالى:
" فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِين أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ "

(سورة المؤمنون 54-56)

قَالَ ابنُ كَثير رَحِمهُ الله في تَفْسِير الآية:
" أَيَظُنُّ هَؤُلَاءِ الْمَغْرُورُونَ أَنَّ مَا نُعْطِيهِمْ مِنْ الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْنَا وَمَعَزَّتهمْ عِنْدنَا كَلَّا .. لَقَدْ أَخْطَئُوا فِي ذَلِكَ وَخَابَ رَجَاؤُهُمْ، بَلْ إِنَّمَا نَفْعَل بِهِمْ ذَلِكَ اِسْتِدْرَاجًا وَإِنْظَارًا وَإِمْلَاء ". وَأَخْطَرُ مَا في الأمْرِ أنّهُم لا يَشْعُرُونَ بِذَلِك !!

وَعَنْ عُقْبَةُ بِنُ عَامِر، عَنِ النّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أنّهُ قَال:‏
" إذَا رَأَيتَ الله عَزّ وَجَلّ يُعْطِي العَبْدَ مِنَ (الدُّنيَا) عَلَى مَعَاصِيه مَا (يُحِبّ)، فَإنّمَا هُوَ اسْتِدْرَاج".

(رَوَاهُ الإمام أحْمَد وَصَحّحَهُ الألْبَاني)

هَذَا مِيزَانٌ دَقِيقٌ، قَلَّ مَنْ يَتَفَطَّن إلَيْه ..

فَزِنْ نَفْسَكَ وأدْرِكْهَا قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَان، فاليَومَ عَمَلٌ وَلا حِسِاب، وَغَداً حِسِابٌ ولا عَمَلْ.

قَالَ عُمَر بِن الخَطّاب لمّا حمُِلَت إلَيْهِ كُنوز كِسْرى :
" اللّهُمّ إني أعُوذُ بِكَ أنْ أكُونَ مُسْتَدْرَجَاً فإني أسْمَعُكَ تَقُول: " سَنَسْتَدْرِجَهُم مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُون ".

وَرَحِمَ الله الحْسَنَ البَصْرِي حِينَ قَال:
" كَمْ مُسْتَدْرَجٍ بِالإحْسَانِ إلَيْهِ، وَكَمْ مَفْتُونٍ بالثّنَاءِ عَلَيْه، وَكَمْ مَغْرورٍ بِالسّتْرِ عَلَيْه ".


فَاللهُمَّ سَلِّم .. سَلِّم ..

مالك مناع
02-04-2009, 11:36 AM
تَنْبِيهٌ لِكُلّ لَبِيب .. !

إذَا رَأَيْتَ مِنْ قَلْبِكَ الغَفْلَةَ عَنْ ذُنوبِك فَاعْلَم أنّ قَلْبَكَ مَرِيض، لأنّ القَلْبَ الحَيّ لا يُمْكِن أنْ يَرْضَى بِالمَرَض، وَمَرَضُ القُلُوبِ هِيَ الذّنُوب.


قَالَ يَحْىَ بِنُ مُعَاذ:
"سَقَمُ الجَسَدِ بِالأَوْجَاع، وَسَقَمُ القُلُوبِ بِالذّنُوب، فَكَمَا أنّ الإنْسَان لا يَجِدُ لذّةَ الطّعَام مَعَ الأَمْرَاضِ وَالأَوْجَاع، فَكَذَلِكَ لا يَجِدُ لَذّةَ العِبَادَةِ وَحَلاَوَةَ الطّاعَةِ مَعَ الذّنُوب".


وَرَحِمَ الله عَبْدُ الله بِنُ المُبَارَك حِينَ قَال:

رَأَيْتُ الذّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوب *** وَقَدْ يُورِثُ الذلّ إدْمَانهـا

وَتَرْكُ الذّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوب *** وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانهـا

مالك مناع
02-08-2009, 09:27 AM
النّظَرُ إلَى النّهَايَات يُصَحّحُ الأوَلَوِيّات ..!


قَالَ رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم:
"حَقٌّ عَلَى الله عَزّ وَجَلّ أَنْ لا يَرْفَع شَيْئاً (مِنَ الدُّنيَا) إلا وَضَعَه"

أخرجه البخاري (6501/2871 ) وغيره.


قال ابن القيم في "الفروسية" (ص91) تعليقاً على الحديث:
" تَأمّلْ! قَوْلُهُ (مِنَ الدُّنْيَا)، فَجَعَلَ الوَضْعَ، لا لِمَا رَفَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (بِطَاعَتِهِ)، فَإنّهُ سُبْحَانَهُ إذا رَفَعَ عَبْدَهُ بِطَاعَتِهِ، وَأَعَزَّهُ بِهَا، لا يَضَعَهُ أبَداً ".


وَرَحِمَ اللهُ القَائِل:
لا تَأسَفَنَّ عَلَى الدُّنْيـَا وَزِينَتِهَــا *** وأَرِحْ فُؤَادَكَ مِنْ هَــمٍّ وَمِنْ حَزَنِ

وانْظُر إلى مَنْ حَوَى الدّنيا بِأَجْمَعِهَا *** هَلْ رَاحَ مِنْهَا بِغَيْرِ القُطْنِ وَالكَفَنِ ؟!

مالك مناع
02-24-2009, 07:17 AM
" حَاسِبُوا أنْفُسَكُمْ قَبْلَ أنْ تُحَاسَبُوا "


يخطأ من يظن أن مُحَاسبةُ النّفْس مُقْتصرةً عَلَى نِهَايَةِ العَام، أو نِهَايَةِ الشّهْرِ أو نِهَايَةِ اليَوْم، فإنّ الصّالحين كانُوا يحَاسِبُون أنْفُسَهم عِنْد كُلّ عَمَلٍ مِنَ الأعْمَال أو قَوْلٍ مِنَ الأقْوَال..

قال الحَسَن البَصْريّ رَحِمَهُ الله:
"رَحِمَ اللهُ عَبْداً وَقَفَ عَنْ هَمَّه، فَإنْ كَانَ لله مَضَى، وإنْ كَانَ لِغَيْرِهِ تَأَخَّر".

وقال الحسن أيضاً في قوله تعالى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2]:
"لا تَلْقَى المُؤْمِن إلاّ يُعَاتِبُ نَفْسه: مَاذا أردتُ بِكَلِمَتي؟ مَاذا أردتُ بِأكْلَتي؟ مَاذا أردتُ بِشَرْبتي؟، والعَاجِزُ يَمْضِي قُدماً لا يُعَاتِبُ نَفْسه".

وقال مَيْمُون بن مَهْران:
" لا يَكونُ الرّجُلُ تَقِيّاً حَتّى يَكُونَ لِنَفْسِهِ أشَدّ مُحَاسَبَةً مِنَ الشّريكِ لِشَريكه".

وقال إبراهيم التيمي:
" مثّلتُ نفسي في الجنة آكلُ مِن ثِمَارها، وأشْرَبُ مِن أنهارِها، وأعَانق أبْكَارها. ثم مثَّلتُ نَفْسي في النّار؛ آكلُ من زَقّومِها، وأشربُ مِن صَدِيدِها، وأعالجُ سَلاسِلها وأغْلالها، فقلتُ لنفسي: أيْ نَفْسي!! أيّ شيءٍ تُريدين؟ قالت: أرُيد أن أُردّ إلى الدّنيا فأعملَ صَالحاً. قلت: فأنْتِ في الأمنية .. فاعْمَلي".

وكذلكَ أنت أيها الحبيب .. لازالتْ الفُرْصة أمَامك فاغْتَنمها ولا تُضَيّعها، فإنّ كثيراً غيرك قد حُرموا تلك الفرصة، ووُسِّدوا القبور، وجُندلوا في صفائِحها، فاشكر الله على تلك المُهلة، وتُبْ إليه مما مَضَى، وأحْسِنِ العَمَل فيما بَقِي، فإنّ الأعمالَ بِالخَواتِيم، والتّوبةُ تَمْحُو ما كان قَبْلها من الذّنُوب، فَخُذ نَفْسَك بالجِدّ، ودَعْ عنك الكسل والفُتور، ودَعْ عَنْك التّسْويف والغفلة، وإيّاك إيّاك وطُول الأمَل، ولا يَغُرّنك الذين عَمَّروا طَويلاً، ولكن انْظُر كَم يَمُوتُ من الشّباب.

قال ابن الجوزي رحمه الله:
"يجب على مَنْ لا يَدْرِي مَتَى يَبْغَتُه الموتُ أنْ يَكُونَ مُسْتعدّاً، ولا يَغْترّ بالشّباب والصّحة، فإن أقلَّ من يموتُ الأشْيَاخ، وأكثرُ مَنْ يَمُوت من الشّباب، ولهذا يَنْدُرُ مَنْ يَكْبر" .

فَكَمْ مِن الشّباب يَمُوتون بالأمراض الفتّاكة؟ وكَمْ من الشّباب يَمُوتون بِسَبَبِ الحوادث القاتِلَة؟ وَكَمْ مِن الشّباب يَمُوتون بِسَبَبِ الإدْمَان؟ وَكَمْ مِن الشّباب يَمُوتون بِسَبَب الحروب والخُصُومات؟

فَعَلَى الحَازِمُ أن يَتَجَهّز لِلِقَاء الله، وأن يُبَادِر إلى التّوبة والأعْمَال الصّالحة، ولا يَفْتُر مِن مُحَاسَبَة نَفْسِه ومُعَاتَبَتِها في سَاعَتِهِ، في يَوْمِهِ، في شَهْرِهِ، في سَنَتِهِ، حتّى يُدْرِكَه الموت عَلَى حَالٍ مِنَ اليَقَظَة والاسْتِعْدَاد والتّأهب.


قَالَ الإمِامُ ابْن القَيّم رَحِمَهُ الله في طَرِيقة مُحَاسَبَةِ النّفْس:
"وَجِماعُ ذلك أن يُحاسِبَ نَفْسَهُ أولاً عَنِ الفَرَائِض، فإن تَذَكَّر فِيها نَقْصَاً تَدَارَكه، إمّا بِقَضَاء أو إصْلاح، ثم يُحاسِبَها عَنِ المَنَاهِي، فإذا عَرَف أنّّه ارْتَكَبَ مِنْها شيئاً تَدَارَكه بالتّوبَةِ والاسْتِغْفَار والحَسَنَاتِ المَاحِيَة، ثم يُحَاسِبُ نَفْسَه عَلَى الغَفْلَة، فإنْ كَانَ قَدْ غَفَل عَمّا خُلِق لَه، تَدَارَكهُ بِالذّكر والإقْبَال عَلَى الله تَعَالى، ثم يُحَاسِبها بما تَكَلَّم بِهِ، أو مَشَت إلَيْه رِجْلاَه، أو بَطَشَتْ يَدَاه، أو سَمِعَتهُ أذُناه: مَاذا أرَدْتِ بهذا؟ ولمِنْ فعلته؟ وعَلَى أيّ وَجْهٍ فعلته؟ ويَعْلَم أنّه لابُدّ أن يَنْشر لِكُلّ حَرَكَةٍ وَكَلِمَة ديوانان: دِيوانُ: لمِن فَعَلْته؟ وديوانُ: كَيْفَ فَعَلْته؟ فالأول: سؤالٌ عن الإخلاص، والثاني: سؤالٌ عن المُتابَعَةِ لهَدْي النّبي وَطَرِيقَتِهِ". فَمَنْ فَقَدَ الأوّلَ كَانَ مُشْرِكاً، ومَنْ فَقَدَ الثّاني كَانَ مُبْتَدِعاً، وَكِلا الأمْرَيْنِ أو أحَدَهُمَا سَبَبٌ لإحْبَاطِ العَمَل وعَدَمِ قَبُولِهِ.

مالك مناع
02-24-2009, 07:20 AM
تَأَمّلْ!

مَنْ عَمِلَ عَمَلاً يَسْتَحِي مِنْهُ في العَلانِيَة، فَلَيْسَ لِنَفْسِهِ عِنْدَهُ قَدْر ..!

مالك مناع
03-02-2009, 12:32 PM
إلى القَابِضينَ عَلَى الْجَمْر ..!


رِسَالَةُ تَثْبِيتٍ لَكُم ..

فِي زَمَنٍ انْقَلَبَتْ فِيه المَفَاهِيم وَأصْبَحَ الحَقّ غَرِيباً بَيْنَ أهْلِهِ .. فِي زَمَنٍ أصْبَحَ مَنْ يَجْعَلُ الآخَرِةَ همّه سُبَّةً وَعَيْباً ..!

أنْتُم عَلَى الحَقّ .. فَلا يَغُرّنكُمْ وَحْشَةُ الطَّرِيقِ.. وَقِلَّةُ السَّالِكين ..


قَالَ تَعَالَى:
" فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ "

(سورة النجم 29-30)



قَالَ ابن كَثِير رَحِمَهُ الله فِي تَفْسِيره:
أَيْ طَلَبُ الدُّنْيَا وَالسَّعْي لَهَا هُوَ غَايَة مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ .. وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَحْمَد عَنْ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَار لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَال لَهُ، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ " .


وَفِي الدُّعَاء الْمَأْثُور:

" اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغ عِلْمنَا"


هَذِهِ الدّنْيَا التي تَشَاجَرْتُمْ عَلَيْهَا:


‏رَوَي ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهُ قَالْ‏:‏

يُؤْتَى بِالدّنْيَا يَوْمَ القِيَامَة فِي صُورَةِ عَجُوزٍ شَمْطَاء زَرْقَاء أنْيَابُهَا بَادِيَة، مُشَوّهٌ خَلْقُها، فَتُشْرِفُ عَلَى الخَلْق، فَيُقَالْ‏:‏ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذِه‏؟‏ فَيَقُولون: نَعُوذُ بَالله مِنْ مَعْرِفَةِ هَذِه ‏.‏ فَيُقَال :‏ هَذِهِ الدّنيا التي َتشَاجَرْتُم عَلَيْهَا وَبِهَا تَقَاطَعْتُم الأرْحَام، وَبِهَا تَحَاسَدْتُم وَتَبَاغَضْتُم وَاغْتَرَرُتم، ثُمّ تُقْْذَفُ في جَهَنّم، فَتُنَادى‏:‏ يَا رَبّ أيْنَ أتْبَاعِي وَأشْيَاعِي‏؟‏ فَيَقُول‏:‏ ألحِْقُوا بِهَا أتْبَاعَهَا وَأشْيَاعها‏.‏


فاعْلَم أيّها الحَبِيب أنّ العُمْر قَصِير وَالمَوْتُ آتٍ، وَكُلّ آتٍ قَرِيب، ‏وَمَنْ رَأى الدّنْيا بِهَذِهِ العَيْن لَمْ يَرْكَنْ لَهَا، وَلَمْ يُبَال كَيْف انْقَضَت أيّامه فِي ضَرَرٍ وَضِيق، أو سِعَة وَرَفَاهِيّة، وَلِهَذا لَمْ يَضَعْ رَسُول الله صَلّى الله عَلَيْه وَسَلّم لَبِنَة عَلَى لَبِنَة ، وَلا قَصَبَة عَلَى قَصَبة وقال‏:

" ‏مَالِي وَللدّنيا‏؟‏ إنّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدّنيا كَرَاكِبٍ قَالَ (‏‏(‏مَنَ القَيْلُولة))تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمّ رَاحَ وَتَرَكَها‏"

ولا يَحْمِلَنّك بُغْض الدّنيا أنْ تَجْهَلَ حَقّ نَفْسِك، وَلا يَحْمِلَنّك حُبّها أنْ تَجْهَلَ حَقّ رَبّك، وَابْتَغِ بَيْن ذَلِك سَبِيلاً وَسَطا، وَانْظُر في سِيرةِ رَسُول الله صَلّى الله عَلَيْه وَسَلّم وَصَحَابَتِه الكِرَام فَإنّهُم مَا كَانَ لَهُم إفْرَاطٌ في تَنَاوُل الدّنيا ، وَلا تَفْريطٌ في حُقوق النّفس.

فَحَسْبُك مِنَ الدّنيا قَدْرَ مَا تَحْتَاجُ إليْهِ مِنَ الزّاد، وَلْتَجْعَل هَمّك هُنَاك، حَيْثُ الجنّة.

مالك مناع
03-02-2009, 12:34 PM
قَالَ الحَسَنُ البَصْري رحمه الله:

المُؤْمِنُ فِي الدُّنيا كالغَرِيب..
لا يَجْزَعُ مِن ذُلِّها..
ولا يُنَافِسُ فِي عِزِّها..
للنَّاس حالٌ..
ولَهُ حالٌ..
النَّاس مِنْهُ فِي رَاحَةٍ..
وَهُو مِنْ نَفسِهِ في تَعَبٍ!

أبو عمير السلفي
03-02-2009, 02:45 PM
جزاكم الله خيرا

مالك مناع
03-08-2009, 12:52 PM
فَتِّشْ عَنْ هَمِّك!


عَنْ أَنَس بِنِ مَالك رَضَيَ اللهُ عَنْه قَال: قَالَ رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْه وَسَلّم:

" مَنْ كَانَت الدُّنيَا همّّه، شَتّتَ الله شَمْلَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيه، وَلمْ يُؤْتِهِ مِنَ الدّنْيَا إلا مَا قُدِرَ لَه، وَمَنْ كانَت الآخِرَة همّه، جَمَعَ عَلَيْه شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنِاهُ في قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَة. "

***

قَدِمَ على مُحمّد بن واسع ابنُ عمٍّ له ..

فسأله: من أيْنَ أقبلت ؟

قال: مِنْ طَلَبِ الدُّنيا !

فقال: هل أدركتها ؟

قال: لا ..

فقال: واعَجَباً !! أنتَ تَطْلُبُ شَيْئاً لَمْ تُدْرِكُه، فَكَيْفَ تُدْرِكُ شَيْئاً لَمْ تَطْلُبُه ؟!!

مالك مناع
03-08-2009, 12:55 PM
وقيل ليحيى بن معاذ الواعظ الزاهد: إنك لتحبّ الدنيا ..!

فقال: أين السائل ؟!

قال: هأنا ..

قال: أخبرني أيها السائل عنها .. أبالطاعة تنال الآخرة أم بالمعصية ؟

قال: لا، بل بالطاعة ..

قال: فأخبرني عن الطاعة، أبالحياة تنال أم بالممات ؟

قال: لا، بل بالحياة ..

قال: فأخبرني عن الحياة، أبالقوت والطعام تنال أم بغيره ؟

قال: لا، بل بالقوت والطعام..

قال: فأخبرني عن القوت، أمن الدنيا هو أم من الآخرة ؟!

قال: لا، بل من الدنيا ..

قال: فكيف لا أحبّ دنيا قُدِّر لي فيها قوتٌ أكتسب به حياةً أُدرك بها طاعةً أنال بها الآخرة ؟!

فقال الرجل: أشهد أن ذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنّ من البيان لسحراً ).

***

وَرِحَمَ اللهُ مَنْ قَال:
" أَعْقَلُ النّاسِ مُحْسِنٌ خَائِف، وأَحْمَقُ النّاسِ مُسِئٌ آمِن" ..

مالك مناع
12-15-2009, 11:41 AM
أوَ نُؤجَرُ ويأثمونَ؟!

كانَ إبراهيمُ النخعيُّ رحمهُ اللهُ تعالى أعورَ العينِ، وكانَ تلميذهُ سليمانُ بنُ مهرانٍ أعمشَ العينِ (ضعيفَ البصرِ).
وقد روى عنهما ابنُ الجوزيّ في كتابهِ [المنتظم في التاريخ (7/15)]:

" أنهما سارا في أحدِ طرقاتِ الكوفةِ يريدانِ الجامعَ، وبينما هما يسيرانِ في الطريقِ.

قالَ الإمامُ النخعيُّ: يا سليمان! هل لكَ أن تأخذَ طريقًا وآخذَ آخرَ؟ فإني أخشى إن مررنا سويًا بسفهائها، لَيقولونَ أعورٌ ويقودُ أعمشَ! فيغتابوننا فيأثمونَ.

فقالَ الأعمشُ: يا أبا عمران! وما عليك في أن نؤجرَ ويأثمونَ؟!

فقال إبراهيم النخعي : يا سبحانَ اللهِ! بل نَسْلَمُ ويَسْلَمونُ خيرٌ من أن نؤجرَ ويأثمونَ ".


سبحان الله! أيَّ نفوسٍ نقيةٍ هذهِ؟! والتي لا تريدُ أن تَسْلَمَ بنفسها .. بل تَسْلَمُ ويَسْلَمُ غيرُها ..

وَرَضِيَ اللهُ عن عمرَ إذ كانَ يسألُ الرجلَ فيقولُ: كيف أنت؟ فإن حمدَ اللهَ.

قال عمرُ : (( هذا الذي أردتُ منكَ )).

أي: أردتك أن تحمدَ اللهَ فتؤجرَ.

كانوا يسوقونَ الناسَ سوقًا للخيرِ؛ لينالوا الأجرَ ..!

فأين نحن من ذلك ؟!

أوَ ليسَ: نَسْلَمُ ويَسْلَمونَ .. خيرٌ من أن: نُؤجَرُ ويأثمونَ؟!