المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الضوابط المنهجية لدى علماء السلف في الرد على المخالف



علي أبو عبد الله
05-03-2005, 05:17 AM
الضوابط المنهجية لدى علماء السلف في الرد على المخالفين

الضوابط جمع ضابط، وهو في اللغة مأخوذ من الضبط الذي هو لزوم الشيء وحبسه، وللضبط عدة معانٍ في اللغة في أغلبها لا تعدو الحصر والحبس والقوة.
أما في الاصطلاح :
فمن العلماء من لم يفرق بين القاعدة والضابط، ومنهم من فرق فجعل القاعدة لا تختص بباب من أبواب العلم بعينه، وأما ما يختص بباب بعينه فهو الضابط.
وبعبارة أخرى: القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد.( )
ومن الضوابط لدى علماء السلف في الرد على المخالف ما يلي:-
أولاً: الاعتماد على الدليل الشرعي والبرهان العقلي والفطري السليم.
قال تعالى:  فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا  [النساء: 59]
وقال سبحانه:  فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما . [النساء: 65]
وقال – - "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه".( )
من الأمثلة:-
1- عن عبدالله بن مسعود ـ  ـ قال: "سمعت رجلاً قرأ آية سمعت النبي ـ  ـ يقرأ خلافها، فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي ـ  ـ فذكرت ذلك له. فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: كلاكما محسن، ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا".( )
2- وقع مثل ذلك لعمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم –رضي الله عنهما– ( )
3- قصة موت الرسول ـ  ـ وقول عمر: والله ما مات رسول الله ـ  ـ، وخروج أبي بكر للناس وقوله: ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقرأ  إنك ميت وإنهم ميتون  [الزمر: 30] وغيرها من الآيات فنشج الناس يبكون". ( )
4- موقف ابن عباس من الخوارج وجدالهم حيث قال لهم: "أرأيتكم إن أتيتكم من كتاب الله وسنة رسوله ما ينقض قولكم، أترجعون؟ ... " ( ).
5- ما ثبت عن الأئمة الأربعة جميعاً من قولهم: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله  فقولوا بها، ودعوا ما قلته ( ) .
6- مناظرة الإمام عبدالعزيز المكي – رحمه الله – مع بشر عند الخليفة المأمون في مسألة خلق القرآن وفيها قوله للمأمون: "وقد تنازعت أنا وبشر يا أمير المؤمنين فنحن نؤصل بيننا كتاب الله ـ عز وجل ـ وسنة نبيه ـ  ـ كما أمرنا فإن اختلفنا في شيء من الفروع رددناه إلى كتاب الله ـ عز وجل ـ، فإن وجدناه فيه وإلا رددناه إلى سنة نبيه  فإن وجدناه فيها وإلا ضربنا به الحائط ولم نلتفت إليه ... إلى أخر كلامه"( ).
إلى غير ذلك من الأمثلة الواردة عن السلف. ( )
أما الأمثلة على البرهان العقلي فمنها: -
1- الاحتجاج العقلي الذي أورده الإمام أحمد على الجهمية الذين ينفون استواء الله على عرشه فقال: "ومن الاعتبار في ذلك: لو أن رجلاً كان في يده قدح من قوارير صافٍ وفيه شراب صاف، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح, فالله ـ وله المثل الأعلى ـ قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه....." ( ) .
وعلق ابن تيمية على هذا بقوله: "ذكر الإمام أحمد حجة عقلية اعتبارية عقلية قياسية هي من باب أولى فضرب رحمه الله مثالاً وذكر قياساً وهو: أن العبد إذا أمكنه أن يحيط بصره بما في يده وقبضته من غير أن يكون داخلاً فيه ولا محمايثاً له، فالله سبحانه أولى باستحقاق ذلك واتصافه به، وأحق بأن لا يكون ذلك ممتنعاً في حقه، وذكر أحمد في ضمن هذا القياس قول الله تعالى:  وله المثل الأعلى  مطابقاً لما ذكرناه من أن له تعالى قياس الأولى والأحرى، وأما المثل المساوي أو الناقص فليس لله بحال ..." ( )
2- احتجاج أبو عبيد القاسم بن سلام على المرجئة بعدم دخول الأعمال في مسمى الإيمان وأنه يزيد وينقص بقوله: "لو أن قوماً أُمروا بدخول دار، فدخلها أحدهم فلما تعتب الباب أقام مكانه وجاوزه الآخر بخطوات، ومضى الثالث إلى وسطها، قيل لهم جميعاً داخلون وبعضهم فيها أكثر مدخلاً من بعض، فهذا هو الكلام المعقول عند العرب السائر فيهم، فكذلك المذهب في الإيمان. ( )
3- مناظرة أبي حنيفة للدهرية حين أرادوا مناظرته في الربوبية فقال لهم: أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة, تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها, وتعود بنفسها, فترسي بنفسها, وتفرغ وترجع, كل ذلك من غير أن يدبرها أحد؟ فقالوا: هذا محال لا يمكن أبداً, فقال لهم: إذا كان هذا محالاً في سفينة, فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله. ( )
ومن الأمثلة على الاستدلال بالفطرة:
- قصة أبي جعفر الهمذاني مع أبي المعالي الجويني حين قال أبو المعالي في درسه كان الله ولا عرش وهو الآن على ما كان فقال الشيخ أبو جعفر: "أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يالله ، إلا وجد في قلبه ضرورة طلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسر، فكيف ندفع بهذه الضرورة عن أنفسنا؟ قال: فلطم أبو المعالي على رأسه ونزل وقال: وبكى وقال حيرني الهمذاني حيرني" ( ) .
فروع تدخل تحت هذا الضابط ومنها إجمالاً: ( )
1- إن كنت ناقلاً فالصحة أو مدّعيا فالدليل.
2- موافقة النصوص الشرعية لفظا ومعنى، أولى من موافقتها في المعنى دون اللفظ.
3- لا ينبغي بتر الدليل والاستدلال بجزئه.
4- الحق ما وافق الدليل بغض النظر عمن قاله أو أعرض عنه.
5- السكوت عما سكت الله عنه ورسوله ـ  ـ.
6- الدليل المقدم هو الدليل القطعي.
7- الاستدلال على المسألة المتنازع فيها إنما يكون بالدليل المتفق عليه.
8- الباطل لا يُرد بالباطل، بل بالحق.
9- الامتناع عن مناظرة أهل السفسطة.
10- العقل الصحيح لا يمكن أن يتعارض مع العقل الصريح والفطرة السليمة.
11- درء التعارض بين نصوص الكتاب والسنة.

ثانياً: الإفادة من مقررات العلوم والمعارف الصحيحة:
- يقول ابن تيمية في الرد على من ضل في الأسباب: "فالنار التي جعل الله فيها حرارة لا يحصل الإحراق إلا بها وبمحل يقبل الاحتراق, فإذا وقعت على السمندل والياقوت ونحوهما لم تحرقهما, وقد يطلى الجسم بما يمنع إحراقه, والشمس التي يكون عنها الشعاع لا بد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه, وإذا حصل حاجز من سحاب أو سقف لم يحصل الشعاع تحته. ( )
- وقد استدل أهل العلم في إثبات صفة النزول والرد على من قال أنه يلزم أن يكون النزول من علو إلى سفل بقوله تعالى {وأنزلنا الحديد} ثم قالوا: وهذا النزول أيضاً باق على حقيقته التي يعرفها العرب فالحديد إنما يكون في المعادن التي في الجبال, وهي عالية على الأرض, وقد قيل: إن كل ما كان معدنه أعلى كان حديده أجود, فالحديد ينزله الله من معادنه التي في الجبال لينتفع به بنو آدم.
وقد نشرت صحيفة المسلمون في عدد (525) بتاريخ 2/9/1415هـ, خبراً علميًّا مفاده: أن الحديد أنزله الله في باطن الأرض لعمل الاستقرار للأرض فينتفع بذلك الناس وذَكَرتْ أن هذا من الإعجاز لقوله تعالى {وأنزلنا الحديد}.( )
- وقال ابن تيمية في الرد على بعض الخوارق والحيل الشيطانية:
"وكان كثير من الشيوخ الذين حصل لهم كثير من هذه الخوارق إذا كذب بها من لم يعرفها, وقال إنكم تفعلون هذا بطريقة الحيلة كمن يدخل النار بحجر الطلق, وقشور النارنج ودهن الضفادع وغير ذلك من الحيل الطبيعة". ( )
- الأدلة العلمية الحديثة على أن أقوال العبد وأفعاله تحفظ:
"أثبت العلم الحديث إمكانية استرجاع ما يصدر عن الإنسان من الأصوات, ذلك أن كلام الإنسان يتحول إلى موجات هوائية وأن هذه الموجات تبقى كما هي في الأثير إلى الأبد بعد حدوثها, ومن الممكن سماعه مرة أخرى, ولكن علم البشر الآن قاصر عن إعادة هذه الأصوات أو حفظ تلك الموجات مرة أخرى, ولكن من ناحية علمية نظرية من الممكن التقاط هذه الأصوات مرة أخرى وسماع الأصوات القديمة إذا ما نجح الإنسان في اختراع آلة تقوم بذلك, وهذا يجعل ما أخبر به القرآن من تسجيل ما ينطق به الإنسان أمرًا سهلاً ميسوراً". ( )
ثالثاً: التزام الآداب الشرعية في إقامة الحجج والرد على المخالف كالعدل والإنصاف والصدق وترك المراء والابتعاد عما ينافيها.
والأدلة الشرعية التي تؤصل هذا الضابط كثيرة جداً منها على سبيل المثال:
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجز منكم شينئآن قوم على ألا تعدلوا, اعدلوا هو أقرب للتقوى, واتقوا الله, إن الله خبير بما تعلمون} [المائدة: 8]. والآيات والأحاديث كما أشرت كثيرة في هذا المعنى.
وأبدأ الحديث عن هذا الضابط بسؤال هو: لماذا الأدب مع المخالف؟
والإجابة على هذا السؤال تظهر إذا عُرف الهدف من الرد على المخالف ابتداءاً, وقد بيّن أهل العلم جملة من الأهداف للرد على المخالف أكتفي هنا بالإشارة إلى اثنين منها وهي:
1- دلالة المخالف إلى الصراط المستقيم, والعمل على كسب أوبته إلى الحق والإذعان له, ولا يخفى دور الأدب معه في تحقيق هذا الهدف العظيم.
2- كف بأس بدعته عن المسلمين بقطعه وكف عدوانه. ( )
والشواهد على التزام الآداب الشرعية في الرد على المخالف كثيرة جداً وذلك من سيرة الرسول ـ  ـ ثم صحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وسأكتفي هنا بذكر نتفٍ منها حسب ما يسع له المقام:
- أن حبراً من الأحبار أتى رسول الله ـ  ـ فقال: يا محمد, نعم القوم أنتم, لولا أنكم تشركون, فقال رسول الله ـ  ـ: "سبحان الله وما ذاك" قال: تقولون إذا حلفتم والكعبة, فأمهل رسول الله ـ  ـ شيئاً ثم قال: إنه قد قال, فمن حلف فليحلف برب الكعبة". قال يا محمد, نعم القوم أنتم, لولا أنكم تجعلون لله نداً, قال: سبحان الله وما ذاك" قال تقولون: ما شاء الله وشئت, قأمهل رسول الله  شيئاً ثم قال: إنه قد قال, فمن قال: ما شاء الله فليفصل بينهما ثم شئت". ( ) فقبل رسول الله الحق هنا مع أنه من يهودي.
- قصة أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مع الشيطان الذي أراد أن يسرق من طعام الزكاة, وفيها قوله ـ  ـ: "أما إنه قد صدقك وهو كذوب". ( )
ومما ذكره ابن حجر في فوائد هذا الحديث: أن الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها, وأن الكافر قد يَصْدُق ببعض ما يُصدّق به المؤمن ولا يكون بذلك مؤمناً, وبأن الكذاب قد يصدق". ( )
- بين ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن من إنصاف القرآن مع المخالفين من أهل الكتاب أنه نزل بالتصديق بما جاءت به الرسل, والإشارة إلى ما في كتبهم من البشارة بمبعث النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ, وما فيها من تبديل وتحريف" حتى إذا سمع ذلك الكتابي العالم المنصف وجد ذلك كله من أبين الحجة وأقوم البرهان, والمناظرة والمحاجة لا تنفع إلا مع العدل والإنصاف". ( )
- يقول ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير "وإذا قلتم فاعدلوا" مبيناً معنى العدل في القول: "بمراعاة الصدق فيمن تحبون, ومن تكرهون, والإنصاف وعدم كتمان ما يلزم بيانه, فإن الميل على من تكره بالكلام فيه أو في مقالته من الظلم المحرم, بل إذا تكلم العالم على مقالات أهل البدع: فالواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه, وأن يبين ما فيها من الحق والباطل, ويعتبر قربها من الحق وبعدها منه". ( )
- ذكر عن حاتم الأصم أنه قال: "معي ثلاث خصال أظهر بها على خصمي. أفرح إذا أصاب خصمي وأحزن إذا أخطأ, وأحفظ نفسي أن لا أجهل عليه" فبلغ ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال: سبحان الله ما كان أعقله من رجل. ( )
- يقول بكر أبوزيد: "التزام الإنصاف الأدبي بأن لا تجحد ما للإنسان من فضل, وإذا أذنب فلا تفرح بذنبه, ولا تتخذ الوقائع العارضة مُنهية لحال الشخص, وباتخاذها رصيداً ينفق منه الجرّاح في الثلب, والطعن وأن تدعو له بالهداية, أما التزيد عليه وأما البحث عن هفواته, وتصيدها فذنوب مضافة أخرى. والرسوخ في الإنصاف بحاجة إلى قدر كبير من خلق رفيع ودين متين". ( )
- يقول ابن القيم: "ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح, وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان, قد تكون منه الهفوة والزلة, هو فيها معذور, بل ومأجور لاجتهاده, فلا يجوز أن يتبع فيها, ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين". ( )
- ويقول ـ أيضاً ـ في وصف المنصف: "يتوجع لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر حتى كأنه هو الذي عثر بها, ولا يشمت به". ( )
- يقول ابن تيمية: "ومعلوم أن شر الكفار والمرتدين والخوارج أعظم من شر الظالم, وأما إذا لم يكونوا ـ أي المبتدعون أو غيرهم ـ يظلمون المسلمين, والمقاتل لهم يريد أن يظلمهم فهذا عدوان منه فلا يعاون على عدوان". ( )
- ويبين القرافي وجوب إبراز مفاسد كتب المبتدعة فيقول: "ويُنفر عن تلك المفاسد ما أمكن بشرط ألا يتعدى فيها الصدق, ولا يفتري على أهلها من الفسوق والفواحش ما لم يفعلوه بل يقتصر على ما فيهم من المنفرات خاصة فلا يقال على المبتدع: إنه يشرب الخمر, ولا أنه يزني, ولا غير ذلك مما ليس فيه". ( )
- يقول الشوكاني: "دع عنك ما يقع من الاختلاف في المذاهب والمعتقدات, فإنه يبلغ الأمر إلى عداوة فوق عداوة أهل الملل المختلفة, فطالب الإنصاف لا يلتفت إلى شيء مما يقع من الجرح والتعديل بالمذاهب والنحل". ( )
- يقول ابن تيمية: " كثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة, ولم يعلموا أنه بدعة, إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة, وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها, وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم". ( )
- ويقول ابن تيمية ردّاً على بعض أهل الكلام حين ذم أهل الحديث بقلة الفهم وعدم التمييز بين صحيح الحديث من ضعيفه: لا ريب أن هذا موجود في بعضهم, يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الفروع والأصول, وآثار مفتعلة, وحكايات غير صحيحة, ويذكرون من القرآن والحديث ما لا يفهمون معناه وقد رأيت من هذا عجائب, لكنهم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل, فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر, وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم, وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم.
وبإزاء تكلم أولئك بأحاديث لا يفهمون معناها تكلف هؤلاء من القول بغير علم ما هو أعظم من ذلك وأخطر. ( )
- ويقول السعدي في تفسير قوله تعالى: {إذا اكتالوا علىالناس يستوفون, وإذا كالوهم أووزنوهم يخسرون} [المطففين: 2, 3]: "يدخل في عموم هذا: الحجج والمقالات فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ما له من الحجج, فيجب عليه أيضاً أن يبين ما لخصمه من الحجة التي لا يعلمها, وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو, وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه وتواضعه من كبره وعقله من سفهه".
والنقول والآثار في هذا الضابط ـ كما سبق ـ كثيرة جداً, ولعل فيما ذكرته الكفاية وأختم الحديث بذكر بعض الفروع التي تندرج تحت هذا الضابط:
- لا يرد الحق لمجرد أن قائله مبطل, فالعبرة بالقول لا بالقائل.
- الإقرار بفضل المخالف لا ينقص قدر مخالفه.
- الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
- العبرة بغلبة المحاسن وكثرة الصواب لا بالهفوة والزلة لأن المحسن غير معصوم.
- خطأ المخالف لا يبيح ظلمه ولا يهدر حقه ولا يبيح الافتراء عليه.
- نأخذ بالظاهر والله يتولى السرائر.
- الباطل لا يرد بالباطل بل بالحق.
رابعاً ـ الرد على شبهات المخالفين عند الحاجة إجمالاً, أو تفصيلاً عند الضرورة:
كان للسلف ـ رحمهم الله ـ منهج واضح في ذكر الشبهات أذكر هنا أبرز ضوابط وملامح ذلك المنهج ومنها: ( )
1 ـ الأصل ترك الجدل والخصومات ومناقشة الشبهات:
يقول ابن المبارك: "لأن أحكي كلام اليهود والنصارى أحب إلي من أن أحكي كلام الجهمية". ( )
2 ـ تذكر الشبهة ويرد عليها عند اشتهارها وظهورها بين عامة الناس.
يقول ابن قتيبة: "ولم أر في هذه الفرق أقل عذراً ممن أمر بالسكوت والتجاهل بعد هذه الفتنة, وإنما يجوز أن يؤمر بهذا قبل تفاقم الأمر ووقوع الشحناء, وليس في غرائز الناس احتمال الإمساك عن أمر في الدين قد انتشر هذا الانتشار, وظهر هذا الظهور... وإنما يقوى الباطل أن تبصره وتمسك عنه". ( )
3 ـ تذكر الشبهة ويرد عليها عند حصول الضرر والافتتان بها:
يقول الإمام أحمد: "... فأضل بكلامه بشراً كثيراً, وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية..". ( )
4 ـ يجتنب ذكر ما يؤدي إلى الشك والحيرة ومالا تحتمله عقول عامة الناس:
يقول الإمام الدارمي: "... ولكنا نتخوف من هذه الأحاديث, ونخاف أن لا تحتمله قلوب ضعفاء الناس, فنوقع فيها بعض الشك والريبة". ( )
5 ـ إذا أعلن بالشبهة فيجب إعلان الرد عليها, وإن كانت مستترة فلا يسوغ ذكرها ونشرها:
يقول الإمام الدارمي في الكلام على الشبه التي أثيرت في عهد المأمون وغيره ".... فكره القوم الخوض فيه, إذ لم يكن يخاض فيه علانية, وقد أصابوا في ترك الخوض فيه إذ لم يعلن, فلما أعلنوه بقوة السلطان... وكذلك قال ابن حنبل: "كنا نرى السكوت عن هذا قبل أن يخوض فيه هؤلاء, فلما أظهروه لم نجد بداً من مخالفتهم والرد عليهم".( )
6 ـ الأصل عدم تكلف الرد على شبهات لم يقل بها أحد ولم تنتشر بين الناس:
يقول الإمام الدارمي: "فلما لم يجترأ كافر أو متعوذ بالإسلام أن يظهر شيئاً من هذا وما أشبهه في عصرهم لم يجب عليهم أن يتكلفوا لنقض كفر لم يحدث بين أظهرهم فيكونوا سبباً لإظهاره". ( )
7 ـ قد تذكر الشبهة التي لم يعلن بها أهل البدع تبعاً أثناء نقض الشبهة الأصلية ـ لا ابتداءً واستقلالاً ـ لاستكمال نقضها:
وهذا الضابط يعد استثناء على الضابط السابق.
ومثاله ما ذكره أبو عبيد في رده على القائلين بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وبعد ذكر الأدلة عقب بذكر ما يمكن أن يطرأ في الذهن من الشبه المتصلة بشبهتهم الأصلية فقال: "فإن قال لك قائل: فما هذه الأجزاء الثلاثة وسبعون؟" يعني حديث الشعب فذكر ما يتصل بهذا الأمر من شبهات محتملة قد ترد ونقضها وهي تابعة للشبهة الأصلية. ( )
8 ـ قد يذكر الرد دون الإشارة للشبهة:
مثاله: كتاب السنة لابن أبي عاصم سرد فيه الأدلة التي تقرر منهج أهل السنة وترد على أهل البدع دون ذكر شبههم.
وبعد ذكر أبرز ملامح منهجهم في ذكر الشبه أبين هنا منهجهم في ذكر الشبه أبين هنا منهجهم في عرض الشبه والرد عليها ومنها باختصار:
أ ـ ذكر الشبهة مع قائلها إذا كان ممن اشتهر وعرف ـ وكان له اتباع:
مثاله الإمام الدارمي في عنوان كتابه حيث قرنه بصاحب البدعة: "نقض الإمام عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد". وغيره من الأئمة كثير.
ب ـ الإشارة إلى أصل الشبهة وسببها:
مثاله الإمام أحمد حين بين أن سبب وأصل ضلال الجهم مناظرته للسمنية. ( )
جـ ـ الرد على الشبه العقلية والنقلية على حدٍ سواء.
وذلك لثقة السلف بمنهجهم وعمق فهمه له.
د ـ إتباع الشبهة بالرد مباشرة وعدم تأخير الرد أو السكوت عنه.
وذلك حتى لا تعلق الشبه في ذهن القاري أو حتى لا يمل من قراءة الشبه قبل أن يصل إلى الرد, ولأن الجواب بعد الشبهة مباشرة أقرب للفهم والاستيعاب.
هـ ـ القوة في رد ونقض الشبهة وإقناع القاري بفساد بطلان الشبهة:
يقول شيخ الإسلام: "ومما يعجب منه أن بعض المنكرين لمجادلة الكفار بناءً على ظهور دلائل النبوة... يزعمون أنهم قرروا دلائل النبوة, قد أوردوا من الشبهات والشكوك والمطاعن على دلائل النبوة ما يبلغ نحو ثمانين سؤالاً, وأجابوا عنه بأجوبة لا تصلح أن تكون جواباً في المسائل الظنية بل هي إلى تقرير شبه الطاعنين أقرب منها إلى تقرير أصول الدين...". ( )
و ـ الاهتمام بالشبهات الكبرى والتي تعتبر أصلاً يعتمدون عليه:
يقول الدارمي: "وقد كان رأس حجج المريسي وأصحابه من الجهمية وأوثقها في أنفسهم حتى تأولوا فيها على الله خلاف ما أراد". ( )
ز ـ البدء بالرد على الشبه الأقرب إلى العقول فيندفع ما هو أبعد من باب أولى:
يقول شيخ الإسلام: "ولهذا كان العامة من الجهمية إنما يعتقدون أنه في كل مكان, وخاصتهم لا تظهر لعامتهم إلا هذا, لأن العقول تنفر عن التعطيل أعظم من نفرتها عن الحلول.. فكان السلف يردّون خير قوليهم وأقربها إلى المعقول, وذلك مستلزم فساد القول الآخر بطريق الأولى". ( )
خامساً: رد الاستدلال بما خالف المعقول:
يقول تعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} [المؤمنون: 91].
يقول ابن حزم بعد ذكره أقوال النصارى الكفرية وساق بعض الآيات التي كفرتهم:
"ولولا أن الله وصف قولهم في كتابه... لما انطلق لسان مؤمن بحكاية هذا القول العظيم الشنيع, السمج السخيف, وتالله لولا أننا شاهدنا النصارى ما صدقنا أن في العالم عقلاً يسع هذا الجنون ونعوذ بالله من الخذلان". ( )
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن النصارى: "وهم يدعون أن التثليث والحلول والاتحاد إنما صاروا إليه من جهة الشرع وهو نصوص الأنبياء والكتب المنزلة لا من جهة العقل.... وهم يجدون نفرة عقولهم وقلوبهم عن التثليث والاتحاد والحلول, فإن فطرة الله التي فطر الناس عليها وما جعله الله في قلوب الناس من المعارف العقلية, التي قد يسمونها ناموساً عقلياً طبيعياً يدفع ذلك وينفيه وينفر عنه". ( )
وللسلف منهج عام في التعامل مع العقل خلاصته أن العقل الصريح لا يمكن أن يعارض النقل الصحيح. وأن الشرع يأتي بما يحير العقول لا بما تحيله العقول.
وعليه فكل مخالف للنقل الصحيح مخالف للعقل الصريح.
وأختم ببعض ردود السلف بالعقل على المخالفين:
فهذا أبو حنيفة يرد على من أنكر استواء الله على عرشه بقوله: "بأنه كافر لإنكاره علو الله تعالى وأنه في السماء وذلك: لأن الله في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل.
وهذا الإمام أحمد يرد على الجهمية في نفيهم صفة العلو بردٍ عقلي وهو "قياس الأولى" فيقل: "وجدنا كل شيء أسفل منه مذموماً" .... إلخ.
وهذا ابن عبد البر يبين عدم إدراك العقل لكيفية الصفات فيقول:
"وقد عقلنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحاً في أبداننا, ولا نعلم كيفية ذلك, وليس جهلنا بكيفية الأرواح يوجب أنه ليس لنا أرواح, وكذلك ليس جهلنا بكيفيته على عرشه يوجب أنه ليس على عرشه.
إلى غير من الأمثلة, والله تعالى أعلم.

علي أبو عبد الله
05-03-2005, 05:24 AM
أعتذر للأخوة القراء لأني نقلت الموضوع من الوورد بحواشيه ولا أعرف لماذا ذهبت الحواشي الظاهر أني غشيم ( عليمي ) :confused:

علي أبو عبد الله
05-03-2005, 08:16 AM
حديثنا هنا وأمثلتنا من القرون الثلاثة الأولى على منهج السلف فيما يخص استيعابهم للحجج والأدلة أثناء الرد على المخالفين متجاوزين الحديث عن استيعابهم للحجج والأدلة أثناء تقريرهم لمسائل الاعتقاد لأن هذا ليس مقامه.
وسوف يظهر لنا من خلال عرض هذا المبحث كيف أن السلف كانت ردودهم شافية كافية وبها أقاموا الحجة على مخالفيهم ولم يدعوا حجة لمحتج سواء كان بحسن نية أو بسوء نية –رحمهم الله رحمة واسعة-.

أ‌- منهجهم في عرض الحجج واستيعاب الأدلة في الرد على المخالف:
تنوعت طرائق الأئمة في استيعاب الحجج والأدلة على النحو الآتي :
1. حشد أنواع من النصوص في القضية الواحدة التي يراد الرد عليها:
من أبرز مظاهر الاستيعاب وهي التي يحسن البدء بها وهي استيعاب أنواع الأدلة أثناء الرد على المخالف ، ونقصد بأنواع الأدلة :أن الأدلة من الكتاب نوع ، والأدلة من السنة نوع ثانٍ، والأدلة من إجماع سلف الأمة نوع ثالث ، والأدلة العقلية نوع رابع ، ونقل ما يؤيده من أقوال السلف نوع خامس من الأدلة وهكذا .
وأيضاً يحشدون النصوص في النوع الواحد من الأدلة فقد يوردون جميع الأدلة في القرآن التي تصرح بالرد على بدعة من البدع كبدعة مثلاً : نفي الرؤية –نفي العلو- نفي النزول –نفي بعض الصفات الفعلية وهكذا ...
المثال على هذه الطريقة :الإمام أحمد في الرد على الجهمية والزنادقة :
قال رحمه الله-في معرض رده على بدعة القول بخلق القرآن - :" وقد ذكر الله كلامه في غير موضع من القرآن ، فسماه كلاماً ولم يسمه خلقاً :
قوله:فتلقى آدم من ربه كلمات ( ).
وقال: وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ( ).
وقال : ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه  ( ).
وقال:إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ( ).
وقال :وكلم الله موسى تكليماً ( ).

وقال :فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته  ( )فأخبرنا الله أن النبي  كان يؤمن بالله وبكلام الله .
وقال :يريدون أن يبدلوا كلام الله ( ).
وقال :لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي  ( ).
وقال : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله  ( )ولم يقل حتى يسمع خلق الله .
فهذه نصوص بلسان عربي مبين لايحتاج إلى تفسير هو مبين بحمد الله .."أ.هـ( )
ومن خلال هذا النقل عن هذا الإمام يتبين لنا أنه رحمه الله لم يقتصر على آية أو آيتين وإنما استوعب كل الآيات أو أغلبها والتي دلت على أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق .
فهذا نوع من الاستيعاب وهو الاستيعاب للأدلة في النوع الواحد،وهناك نوع آخر من الاستيعاب وهو ذكر أنواع متعددة من الأدلة فيذكرون الكتاب والسنة والإجماع واللغة والعقل وغير ذلك .
ولعل من الأمثلة على هذا النوع ما ذكره الإمام أبي عبيد في كتابه الإيمان عند تقريره لمذهب أهل السنة والرد على المخالفين فقد قال رحمه الله :
"فوجدنا تأويل القرآن ، وآثار النبي  وما مضت عليه العلماء ، وصحة النظر ، كلها تصدق أهل السنة في الإيمان ، فيبقى القول الآخر فأي شيء يتبع بعد هذه الحجج الأربع .."أ.هـ( ).


2. الرد على المخالف بنفس نوع الدليل :
فإذا استدل المخالف بآية يردون عليه بنفس نوع الدليل وهو ذكر آيات أخرى تنقض هذا الاستدلال وتبين المعنى الصحيح للآية التي استدل بها المخالف.
وغالباً تستخدم هذه الطريقة حينما يلبس أهل البدع على الناس باستدلالهم ببعض الآيات أو حينما يشككون في كتاب الله بذكر بعض الآيات التي ظاهرها التعارض فيضطر أهل السنة للرد عليها بنفس الطريقة بذكر آيات أخرى تبين وتزيل التعارض المتوهم لدى المخالف أو المشكك.
المثال على هذه الطريقة :
ولعل من أبرز الأمثلة ما ذكره الإمام أحمد حينما رد على الزنادقة المشككين في آي القرآن فقد أوردوا شبهة مفادها :" أن الله عز وجل قال في آية :هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( ) ثم قال في آيــة أخرى  ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون  ( )فقالوا هذا تناقض كيف ينسب لهم عدم الكلام ثم يثبته في موضع آخر ".( )
ثم شرع في الرد على هذه الشبهة بنفس نوع الأدلة بأن أزال هذا التناقض بذكر أدلة من القرآن ولم يأت بأدلة من السنة لتكون الحجة أقوى على المخالف حتى يثبت أن القرآن غير متناقض وأن من ادعى ذلك فهو من أجهل الناس بكتاب الله .
فقد قال رحمه الله :" أما تفسير  هذا يوم ل ينطقون  ( ) فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ، ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون ، ثم يؤذن لهم في كلام فيتكلمون ، فذلك قوله ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً ( )فإذا أذن لهم في الكلام واختصموا فذلك قوله :ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون  ( )عند الحساب وإعطاء المظالم ، ثم يقال لهم بعد ذلك  لا تختصموا لدي  ( )أي عندي وقد قدمت إليكم بالوعيد ( )فإن العذاب مع هذا القول كائن.."ـ.هـ( )
فهذا البيان العظيم من هذا الإمام يوضح لنا الطريقة الأخرى في استيعابهم للحجج أثناء ردهم على المخالفين، وهي تبين كذلك منزلة الإمام أحمد وعميق فقهه بكتاب الله رحمه الله رحمة واسعة .
3. إبراز وإظهار مخالفة أهل البدع للنصوص الصريحة:

من أساليب السلف في استيعاب الحجج في الرد على أهل البدع أنهم يظهرون ويبرزون المخالفة ويبينون وجه مخالفتها لصراحة النصوص .
وهذا الأسلوب يظهر شناعة وقبح قولهم حتى لعامة الناس مما يزيد في قناعة من يقرأ في كتب السلف بالحق الذي معهم ويزيده قناعةً بباطل البدعة وفسادها .
وممن درج على هذا الأسلوب الإمام المحدث البخاري كما في كتابه خلق أفعال العباد.
المثال على هذه الطريقة : البخاري في خلق أفعال العباد:
قال الإمام البخاري :" وقال علي بن الحسن : سمعت ابن مصعب يقول : كفرت الجهمية في غير موضع من كتاب الله :
(قولهم إن الجنة لا تفنى) وقال الله :إن هذا لرزقنا ماله من نفاد ( )فمن قال إنها تنفد فقد كفر .
وقال : أكلها دائم وظلها  ( ) فمن قال إنها لا تدوم فقد كفر .


وقال : لا مقطوعة ولا ممنوعة  ( ) فمن قال إنها تنقطع فقد كفر .
وقال : عطاءً غير مجذوذ  ( ) فمن قال إنها تنقطع فقد كفر"أ.هـ( ) .
ووجه الاستيعاب ذكر جميع الآيات المصرحة بخلاف ما يقوله أهل البدع من مواضع مختلفة في القرآن .
وهذا الأسلوب يقطع حجة الخصم فلا يدع مجالاً له لأن يجادل بالباطل فالذي أبطل حجته ليس قول عالم يقبل النقاش والجدال ولا حديث مختلف في صحته فيمكن رده ولكن الذي أبطل الحجة نص صريح في كتاب الله جل وعلا ولا يرد صراحة هذه النصوص إلا ضال طمس الله بصيرته وأعمى قلبه عن اتباع الحق .
4. شرحهم للنص الذي يستدل به على إبطال حجة الخصم:
وذلك من خلال: - بيان معناه .
- بيان وجه الاستدلال منه .
- ضربهم للأمثلة التي توضح المعنى المراد من الدليل .
ولعلي أقتصر على مثال عند الإمام أحمد في رده على الجهمية :
مما أورده أهل البدع من الشبهات النقلية لنفي صفة العلو عن الله عز وجل قوله تعالى :
 وهو الله في السموات وفي الأرض ( ) وغيرها من الآيات المشابهة لها .
فكان مما أجاب به الإمام بعض النصوص المصرحة بعلوه ثم ذكر المعنى الصحيح من الآية فقال :"وقلنا لهم : أليس تعلمون أن إبليس كان مكانه والشياطين مكانهم فلم يكن الله ليجتمع هو وإبليس في مكان واحد ، وإنما معنى قول الله جل ثناؤه : وهو الله في السموات والأرض  ( ) ، يقول : هو إله من في السموات وإله من في الأرض وهو على العرش قد أحاط علمه بما دون العرش ، ولا يخلو من علم الله مكان ، ولا يكون علم الله في مكان دون مكان فذلك قوله : لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علماً  ( ).
ومن الاعتبار في ذلك لو أن رجلاً كان في يديه قدح من قوارير صاف وفيه شراب صاف ، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح ، فالله –وله المثل الأعلى – قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيءٍ من خلقه "أ.هـ( )
فالإمام هنا استخدم في الرد عليهم عدة أمور :
-إيراد النصوص الشرعية التي تبين مراد النص الشرعي.
-صرح بالمعنى الصحيح للآية التي استدلوا لها وشرحها .
-بين وجه الاستدلال من الدليل .
-ضرب الأمثلة التي تقرب ما يريد بيانه بأسلوب سهل ميسر .
-تأييد معنى الآية الصحيح بآيات ونصوص أخرى .


5. بيان بطلان الاستدلال بالدليل –من جهة المعنى –ولو كان ضعيفاً من جهة الثبوت :
ومن ذلك أن أهل البدع قد يستدلون بحديث ضعيف أو هالك كما هي عادتهم فهم أجهل الناس بصحيح الحديث وسقيمه ، فلا يكتفي أهل السنة بإثبات ضعف الحديث بل يضيفون إليه عدم صحة الاستدلال به من جهة المعنى .
وهذا والله فيه إقفال كل الطرق والمنافذ على الخصم فإما أن يقر على نفسه بالخطأ وإما أن يعترف بفساد استدلاله .
وبهذه الطريقة يثبت أهل السنة أنهم من أعرف الناس بمعاني النصوص حتى الضعيفة منها وليس كما يزعم أهل البدع أنهم لا يعرفون معاني النصوص وما دلت عليه .
الأمثلة على هذه الطريقة :
والأمثلة على هذه الطريقة كثيرة وهي تثبت بطلان اتهام أهل البدع لأهل السنة بأنهم لا علم لهم إلا بالراوية ،وسيأتي تفصيل الرد على هذه الشبهة في آخر مبحث من هذه الرسالة –إن شاء الله -.
المثال الأول: البخاري في خلق أفعال العباد :
ذكر الإمام البخاري شبهة من لم يفرق بين التلاوة والمتلو والقراءة والمقروء وهي : الاستدلال بحديث مرفوع هذا نصه :" فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه " ( ).
فعقب على هذا الإمام قائلاً:" قيل له: لو صح الخبر لم يكن لك فيه حجة ، لأنه قال "كلام الله " ولم يقل " قول العباد من المؤمنين والمنافقين وأهل الكتاب الذين يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم "، وهذا واضح بين عند من كان عنده أدنى معرفة أن القراءة غير المقروء ، وليس لكلام الفجرة وغيرهم فضل على كلام غيرهم كفضل الخالق على المخلوق ، وتبارك ربنا وتعالى عز وجل عن صفة المخلوقين "أ.هـ( )
فالإمام لا يرى صحة الخبر ومع ذلك بين المعنى الصحيح منه ورد على استدلالهم به من جهة المعنى ، وهذا يدل على أمور:
-خبرته التامة بصحيح الحديث من سقيمه بخلاف أهل البدع .
-معرفته التامة بمعاني النصوص والروايات سواء ما صح أو لم يصح .
-بيانه ضعف استدلال أهل البدع بالنصوص الشرعية وأنهم يضعونها في غير مواضعها .
-استيعابه في الرد على كل حجج الخصوم فلم يقتصر على بيان ضعف الرواية بل أضاف إليها عدم صحة المعنى الذي قصدوه من الدليل .



المثال الثاني : الدارمي في الرد على الجهمية :
أورد الإمام الدارمي شبهة لأهل البدع احتجوا بها على باطلهم وهي حجة وشبهة باطلة من ناحية الثبوت ومن ناحية المعنى .
قال الإمام الدارمي مبيناً حجة أهل البدع على إنكارهم علو الله ونزوله:
"سمعت محتجاً يحتج عنهم في إنكارهم الحد والنزول ، وفي قولهم :"هو في كل مكان " بحديث :" أربعة أملاك التقوا : أحدهم جاء من المشرق ، والآخر من المغرب ، والثالث من السماء ، والرابع من الأرض فقالوا أربعتهم : جئنا من عند الله "( )...."أ.هـ( )
فحاصل حجة أهل البدع هو هذا الحديث الضعيف بل المتهالك الذي لم يثبت فقال الإمام في رده على هذا الحديث من جهة عدم ثبوته ما يلي:
"إن أفلس الناس من الحديث وأفقرهم فيه الذي لا يجد من الحديث ما يدفع به تلك الأحاديث الصحيحة المشهورة في تلك الأبواب إلا هذا الحديث .."أ.هـ( )
ثم أردف رده على الحديث من جهة عدم ثبوته الرد عليه من جهة المعنى فقال :
" قلنا هذا الحديث لو صح لكان معناه مفهوماً معقولاً لا لبس فيه لأنهم جاؤا كلهم من عند الله كما قالوا ، لأن الله تعالى على عرشه فوق سمواته ، وسمواته فوق أرضه كالقبة ، ...."أ.هـ( )
فالأئمة رحمهم الله لم يكتفوا بذكر عدم ثبوت الحديث من جهة السند بل بينوا عدم صحة المعنى الذي يستدلون به من خلال هذا الحديث وهذا يبين قوة حجتهم وعمق فهمهم وسعة علمهم وجهل مخالفهم وضعف حجته.( )
والأمثلة على هذه الطريقة والمنهج كثيرة ولعلنا نكتفي بما ذكر من أمثلة .

6. عقد مقارنة بين أقوال أهل البدع وأقوال الكفار والمشركين والمرتدين:
وهذه الطريقة تدل على فساد قول المخالف وخبث المذهب الذي يسلكه مما يزيد قناعة القاري والمريد للحق بفساد طريقة أهل البدع وسوء مذهبهم .
بل إن السلف عند إجراءهم المقارنة بين الكفار وأهل البدع يبينون في بعض المواضع أن الكفار في بعض المسائل أسد وأصح مذهباً من أهل البدع .
الأمثلة على هذه الطريقة :
المثال الأول:الدارمي في رده على بشر المريسي:
من المسائل التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وأهل البدع مسألة العلو وكان مما استدل به أهل السنة على إثبات العلو حديث حصين الخزاعي والد عمران الصحابي المشهور والذي أثبت العلو لله عز وجل مع أنه كان كافراً فقال الإمام الدارمي معلقاً على هذا الدليل :
" فحصين الخزاعي في كفره يومئذٍ كان أعلم بالله الجليل الأجل من المريسي وأصحابه مع ما ينتحلون من الإسلام ؛ إذ ميز بين الإله الخالق الذي في السماء وبين الآلهة والأصنام المخلوقة التي في الأرض .."أ.هـ( )
المثال الثاني :الإمام البخاري في خلق أفعال العباد:
مما احتج به الإمام البخاري لبيان ضلال أهل البدع أن أهل الجاهلية قبل الإسلام كانوا يثبتون القدر فهم أسد مذهباً وأصح طريقة في هذا الباب من أهل البدع نفاة القدر المكذبين به .
قال رحمه الله :" وقال همام عن قتادة : كانت العرب تثبت القدر في الجاهلية "أ.هـ( )
المثال الثالث : الدارمي في الرد على الجهمية :
تقدم أن الإمام الدارمي استدل على أن القرآن غير مخلوق أن الله عاب في كتابه على المشركين من أمثال الوليد بن المغيرة قوله عن القرآن أنه قول بشر أي مخلوق وهو نفس قول أهل البدع .
قال الإمام الدارمي :
" وقوله : إن هذا إلا قول البشر ( )وقول هؤلاء الجهمية "هو مخلوق " واحد لا فرق بينهما ، فبئس التابع وبئس المتبوع .."أ.هـ( )
ومن خلال هذه الأمثلة يتبين لنا ما يلي :
1-أن السلف كانوا يعقدون المقارنة بين أقوال أهل البدع وأقوال الكفار أثناء الرد على أهل البدع.
2-أنهم كانوا يستخدمون هذه الطريقة لإظهار قبح مذهب أهل البدع وفساد طريقتهم وهذه الطريقة بالغة النكاية في أهل البدع لأنها تحط من قدر مذاهب وتجعلها في بعض المواضع أشر من مذاهب الكفار والمشركين .
3-كانوا يستخدمون هذه الطريقة بأسلوبين :
الأول :بيان موافقة أهل البدع للكفار في قولهم الفاسد كما في مسألة خلق القرآن في المثال الثالث.
الثاني : بيان أن أهل البدع أشر وأفسد مذهباً في بعض المسائل من الكفار والمشركين كما في مسألة العلو والقدر في المثال الأول والثاني .
7. التنزل مع المخالف في قوله والانتقال معه إلى حجة أخرى لإلزامه وإقامة الحجة عليه :
وهذه طريقة الرسل وأتباعهم في إقامة الحجة على المخالف وإفحامه وإسكاته كما أخبرنا الله عن المناظرة بين إبراهيم والنمروذ فقال جل وعلا :
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت ( )


قال الشيخ السعدي ( ):
"فلما رآه الخليل مموها تمويهاً ربما راج على الهمج الرعاع .
قال إبراهيم –ملزماً بتصديق قوله إن كان كما يزعم:
قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الضالين ( )
فإبراهيم انتقل من الحجة التي قد يجادل معها الخصم إلى الحجة التي لا يستطيع معها الجدال ولا حتى بالباطل وهذا من أروع وأعلى مقامات المناظرة أن تجعل الخصم يقف مبهوتاً وعاجزاً عن أن يرد على حجتك ودليلك .
قال ابن كثير :" ولهذا قال له إبراهيم لما ادعى هذه المكابرة :فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب  أي : إذا كنت كما تدعي من أنك تحيي وتميت؛ فالذي يحيي ويميت هو الذي يتصرف في الوجود في خلق ذواته، وتسخير كواكبه وحركاته ،فهذه الشمس تبدو كل يوم من المشرق فإذا كنت إلهاً كما ادعيت تحيي وتميت فأت بها من المغرب، فلما علم عجزه وانقطاعه وأنه لايقدر على المكابرة في هذا المقام : بهت :أي أخرس فلا يتكلم وقامت عليه الحجة ...."أ.هـ ( )
وهنا لابد من تنبيه وهو :
أن إبراهيم لم ينتقل من دليل إلى دليل آخر بل ألزم النمرود بطرد دليله إن كان صادقاً.( )
قال ابن كثير :
"وهذا التنزيل على هذا المعنى أحسن مما ذكره كثير من المنطقيين أن عدول إبراهيم عن المقام الأول إلى المقام الثاني انتقال من دليل إلى أوضح منه ، ومنهم من قد يطلق عبارة ردية . وليس كما قالوه ، بل المقام الأول يكون كالمقدمة للثاني ويبين بطلان ما ادعاه نمروذ في الأول والثاني .."أ.هـ( )
وهذا الكلام على قصة إبراهيم مع النمروذ وعندي أن الأمر فيه سعة ولا حرج لو قلنا أن إبراهيم انتقل معه من حجة ودليل إلى دليل أصرح وأوضح وأبلغ في إفحامه وإسكاته وإقامة الحجة عليه .
الأمثلة على هذه الطريقة :
ممن أكثر من هذه الطريقة الإمام الدارمي في رده على بشر في أكثر من موضع وهذه المواضع كالتالي :
الموضع الأول: حول إثبات الأصابع لله عز وجل :
قال رحمه الله :" ولئن جزعت (يعني المريسي وأتباعه) من حديث ابن مسعود عن النبي  في قصة الحبر ، مالك راحة في رواية عائشة وأم سلمة وغيرهم مما يحقق حديث ابن
مسعود وثبت روايته "أ.هـ( )
فالدارمي انتقل من الحجة التي حاول التهرب منها المريسي والطعن فيها إلى روايات أخرى مثلها وأصرح منها فما ذا سوف يجيب عنها أهل البدع .
الموضع الثاني : إثبات الضحك لله عز وجل :
قال رحمه الله :" ولئن جزعت من حديث أبي موسى عن النبي في الضحك حتى نفيته عن الله بمعنى ضحك الزرع ، مالك راحة فيما روى ابن مسعود  مما يكذب دعواك ويستحيل به تفسيرك "أ.هـ( )

الموضع الثالث : حول إثبات الضحك لله عز وجل أيضاً:
قال رحمه الله :
" وسنذكر لك أيضاً بعض ماروي عن النبي  في ضحك الرب تعالى مما ينقض دعواك حتى تضمه إلى حديث أبي رزين وأبي موسى رضي الله عنهما فتعلم أن الله لم يوفقك للصواب من التأويل "أ.هـ( )
8. شرح الأحاديث التي تتضمن الرد على المخالفين :
وبيان معناها الصحيح الموافق لما جاء عن الله وعن رسوله وما جاء عن الصحابة والسلف الكرام .
وهذه الطريقة تشعر بقوة مذهب أهل السنة المؤصل والمعتمد على النصوص الشرعية لا على الأوهام العقلية كما هو حال أهل البدع .
وغالباً ما يشرح أهل السنة الأحاديث التي فيها أصول الإسلام وقواعده الكبار .
ومن الأمثلة على هذه الطريقة :
الإمام محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة : شرحه لحديث جبريل المشهور:
فقد شرح الإمام هذا الحديث العظيم الذي يعد من أصول الدين وبين بطلان مذهب المرجئة من خلال شرحه وقد صرح بذلك في مقدمة شرحه للحديث فقال :
" اختلف الناس في تفسير حديث جبريل عليه السلام هذا فقال طائفة من أصحابنا : قول النبي  "الإيمان أن تؤمن بالله " ، وما ذكر معه ، كلام جامع مختصر ، له غور وقد أوهمت المرجئة في تفسيره ، فتأولوه على غير تأويله ؛قلة معرفة منهم بلسان العرب ، وغور كلام النبي  الذي قد أعطي جوامع الكلم ، وفواتحه ، واختصر له الحديث اختصاراً ...."أ.هـ ( )ثم شرع في شرحه جملة جملة .

9. إيراد بعض المسائل الفقهية ضمن مصنفاتهم العقدية:
وقد تنوعت أغراضهم وأهدافهم من إيراد هذه المسائل ويمكن إجمالها فيما يلي :
‌أ- بيان جهل أهل البدع ببعض المسائل الفقهية الواضحة:
وذلك لبيان بعدهم عن العلم وأهله وأنهم من أجهل الناس بهذا الدين حتى لا يغتر بهم الناس ويظنون أنهم على شيء .
ومن ذلك صنيع الإمام البخاري في خلق أفعال العباد حيث قال :
" وقد سئل جهم عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها فقال : عليها العدة .
فخالف كتاب الله بجهله ، وقال سبحانه :فمالكم عليهن من عدة تعتدونها( )..."أ.هـ( )
‌ب- ذكر بعض المسائل التي يكون الخلاف فيها مبني على الخلاف العقدي:
كمسألة ترك الصلاة فالذي يكفر تارك الصلاة هم أهل السنة ولا يمكن أن يقارن فعلهم هذا بفعل الخوارج الذي يكفرون بارتكاب الكبائر .
المثال الأول :حكم تارك الصلاة .
قال الحميدي في رسالته في السنة :
" وأن لا نقول كما قالت الخوارج من أصاب كبيرة فقد كفر ولا نكفر بشيء من الذنوب إنما الكفر في ترك الخمس التي قال رسول الله  :" بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت " ( ).
فأما ثلاث منها فلا يناظر تاركه : من لم تشهد ولم يصل ولم يصم لأنه لا يؤخر شيء
من هذا عن وقته و لا يجزيء من قضاه بعد تفريطه فيه عامداً عن وقته "أ.هـ( )
وكذلك ممكن أن يقال أن المرجئة لا يكفرون تارك الصلاة بناءً على اعتقادهم الفاسد في الإيمان وهو : إخراج العمل من الإيمان ، فمن ترك كل الأعمال عندهم ومنها الصلاة لا يكون كافراً بحال .
المثال الثاني : حكم المسح على الخفين :
قال محمد بن نصر في كتابه السنة :
"وقد أنكر طوائف من أهل الأهواء والبدع من الخوارج والروافض : المسح على الخفين ، وزعموا أن ذلك خلاف لكتاب الله .
ومن أنكر ذلك لزمه إنكار جميع ما ذكرنا من السنن ، وغير ذلك مما لم نذكر ، وذلك خروج من جماعة أهل الإسلام "أ.هـ( )
فمسألة المسح على الخفين مسألة فقهية والخلاف فيها بين أهل السنة وأهل البدع لعدم احتجاجهم الكامل بالسنة النبوية .
فالخلاف وإن كان في مسألة فقهية فالخلاف مبني على الخلاف العقدي بين أهل السنة وأهل البدع.

‌ج- الاستدلال ببعض المسائل الفقهية لإبطال بعض ما يحتج به أهل البدع في بعض مسائل الاعتقاد:
وقد برز هذا بصورة جلية عند الإمام البخاري لكي يثبت أن أفعال العباد مخلوقة وأن فعل العبد غير كلام الله فالقرآن كلام الله غير مخلوق والقراءة فعل العبد وهي مخلوقة .
ولها صلة بالفتنة التي تعرض لها حول مسألة اللفظ، والتي أنكر بعض الناس عليه قوله إن القراءة فعل العبد وهي مخلوقة .
وقد أورد الإمام البخاري بعض المسائل الفقهية -والتي يقر بها مخالفوه – ليثبت الفرق بين المقروء وهو كلام الله وهو غير مخلوق وبين القراءة وهو فعل العبد وهو مخلوق.

المواضع التي ذكر فيها الإمام البخاري هذه المسائل :
أكثر الإمام البخاري من ذكر المسائل الفقهية التي قد يستدل بها على أن هناك فرقاً بين القراءة والمقروء والكتابة والمكتوب والتلاوة والمتلو وإليك هذه المواضع:
الموضع الأول :
قال رحمه الله :
"وليس لأحدٍ أن يحلف بالمخلوقين ولا بأعمارهم ولا بكلامهم ولا بكلام الكفار والمنافقين ولا بقول إبليس ، فمن حلف بقول المجوس أو نحوهم لم يلزمه حنث ، إنما يذكر عن ابن مسعود وإبراهيم عن النبي  :" من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية منها كفارة "؛ فأما أصوات المخلوقين فليس فيها كفارة "أ.هـ( ).
وجه الاستدلال:
أن من حلف بالله أو بشيء من صفاته ككلامه سبحانه فيلزمه الكفارة ، وأما من حلف بالمخلوق فليس عليه كفارة فالحديث فيه إثبات أن القرآن كلام الله وصفة من صفاته لأن فيه الكفارة .
ووجه الشاهد قوله (فأما أصوات المخلوقين فليس فيها كفارة ) ففرق بين كلام الله وهو المتلو المقروء وبين التلاوة والقراءة وهي أفعال العباد.
الموضع الثاني :
قال رحمه الله :
"ولا نشك في قراءة الكفار وأهل الكتاب أنها أعمالهم ، وأما المقروء فهو كلام الله العزيز المنان ليس بمخلوق ، فمن حلف بأصوات قيصر وبنداء المشركين الذين يقرون بالله لم يكن عليه يمين دون الحلف بالله لقول النبي  :" لاتحلفوا بغير الله " ( ).
وليس لأحدٍ أن يحلف بالخواتيم والدراهم البيض وألواح الصبيان التي يكتبونها ثم يمحونها مرة بعد مرة ، وإن حلف فلا يمين عليه لقول الله عزوجل : فلا تجعلــوا لله أنداداً( )....."أ.هـ( ).
وهذا الموضع أصرح من الذي قبله في المراد ولعل ما ذُكر من أمثلة فيه كفاية والله المستعان.
مرجع هذه المشاركة رسالة الدكتوراه للحنيني ( تدوين علم العقيدة )

حازم
05-04-2005, 12:53 AM
ما شاء الله على هذه الدرر بارك الله فيك ونفع بك

علي أبو عبد الله
05-04-2005, 02:05 AM
وبارك فيك ياأخ حازم ونفع بك أيضا ،،،،،، آميـــــــن،،،،،،،،،،،،