المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سؤال إلى الأستاذ ناصر الشريعة .. ما معنى مشيئة الله للمعاصي



سليمان السيف
01-25-2009, 06:01 PM
أود أن تكون الإجابة على تساؤلاتي من الأستاذ الكبير ناصر الشريعة لحسن كتاباته وجميل أسلوبه

أستاذي

ما معنى أن الله تعالى يشاء المعصية من العباد؟

وهل مشيئته للمعصية من العبد نافذة أم لا؟

وهل لمشيئته تعالى للمعصية من العبد أثر على حرية العبد في الاختيار؟

ولماذا احتج الكفار بأن الله تعالى لو شاء ما أشركوا لو كانت مشيئة الله تتعلق بالمعاصي والشرك فعلاً؟

وما الذي أخطأ فيه المعتزلة عندما نفوا أن يكون الله تعالى لا يشاء المعصية ؟ مع أنهم يقولون أنه شاء للعبد أن يكون مريداً مختاراً للمعصية أو الطاعة؟ هل ثمّت فرق جوهري بين الرأيين؟

وإذا كان للعبد مشيئة واختيار، أفليس تلك المشيئة والاختيار هي تابعة لمشيئة الله واختياره، فما الذي استقل به العبد حتى استوجب الثواب والعقاب؟

هذه بعض الأسئلة التي أتمنى منك أستاذي أن تجليها لي وسأكون لك شاكراً ممتناً.

تحياتي لك.

سليمان السيف
01-28-2009, 09:48 PM
تأخر الأستاذ ناصر الشريعة في الجواب عن أسئلتي، ولا أدري ما السبب.

أرجو ممن لديه علم بالجواب أن يتحفنا به.

مجرّد إنسان
01-29-2009, 08:08 AM
الأستاذ ناصر لعله لم ينتبه إلى هذا الموضوع...


ليتك تذكّره به على الرسائل الخاصة

مالك مناع
02-03-2009, 12:29 PM
بدا لي من الأسئلة أن الأخ لا يفرق بين الإرادة والمشيئة من جهة وبين الإرادة الكونية والشرعية من جهة أخرى وهو مكمن جميع الإشكالات التي أوردها الأخ الكريم، وأرجو من الله العلي الأعلى أن يكون جوابي نافعاً له، حتى يأتي الأستاذ/ ناصر الشريعة فننهل من علمه جميعاً.

بداية لا بد أن نفرق بين الإرادة والمشيئة، فالإرادة أعم من المشيئة، لأن إرادة الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة دينية شرعية. وأما المشيئة فلم ترد في النصوص إلا كونية قدرية فلا تنقسم، ويندرج تحتها كل ما شاءه الله عز وجل، وكل ما قضاه الله وقدّره في هذا الكون؛ فالخير والشر وكل حادث وكائن في هذا الكون مندرج تحت مشيئة الله عز وجل.

أما الإرادة فإنها تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: إرادة شرعية دينية.
والقسم الثاني: إرادة كونية خلقية.

والفرق بينهما: أن الإرادة الشرعية الدينية تتعلق فيما يحبه الله عز وجل، فكل ما أمر الله به ديناً من الواجبات والمستحبات فإنه يدخل تحت الإرادة الشرعية، فالأمر بالصلاة والزكاة والصوم من الإرادة الشرعية، وهكذا كل ما أمر الله به ورسوله.

والإرادة الكونية بمعنى المشيئة التي تقدم ذكرها، فالإرادة الكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات، فإذا فهمت هذا فاعلم أن الإرادة الشرعية لا يلزم وقوع المراد فيها، فالله عز وجل أراد من عباده أن يعبدوه، قال الله جل وعلا: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات:56]، فهل تحققت هذه الإرادة؟ لا، قال الله: " إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ "[الشعراء:8]، فالآيات التي تدل على أن مراد الله عز وجل أن يعبده الناس كثيرة، وهذا لم يتحقق، فعلمنا بهذا أن الإرادة الشرعية لا يلزم وقوعها، فقد يريد الله عز وجل الشيء شرعاً، لكنه لا يقع كوناً.

أما الإرادة الكونية الخلقية القدرية فإنها تتعلق فيما يقع سواء أحبه الله أم لام يحبه. فما تضمنته وما يندرج تحتها ليس لازماً أن يكون مما يحبه الله عز وجل، بل يقضي الله كوناً وقدراً وخلقاً ما يكرهه ويبغضه ويسخطه، وهي بذلك إرادة نافذه لازمة الوقوع، فما أراده الله كوناً لابد أن يقع، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، فما قضاه كوناً لابد أن يقع، وبهذا نفهم أن قوله: (لا راد لقضائه) المراد بالقضاء هنا القضاء الكوني. ومنه نفهم قوله تعالى: " وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ " [الكهف:39]، وقوله تعالى: " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ " [البقرة:253]، فالقتال لا يحبه سبحانه وتعالى، فلما وقع علمنا أنه من الإرادة الكونية.

تجتمع الإرادتان في حق المؤمن كأبي بكر – رضي الله عنه-، فإن الله أراد منه الإيمان قدراً وشرعاً.

وتتخلف في حق الكافر، فإن الله أراد الإسلام لأبي لهب ديناً وشرعاً، ولم يرده كوناً وقدراً.

ثم لا بد من التنبيه على أن الإرادة الكونية والمشيئة تتعلق بكل ما وجد وخلق. وأفعاله سبحانه وتعالى تتعلق بها إرادته. والممتنع والمحال هل تتعلق بهما الإرادة؟ الجواب: لا تتعلق بهما الإرادة ؛ لأن الممتنع والمحال ليسا بشيء، ففهمنا من هذا أن القدرة والإرادة أمرهما واحد في كونهما يتعلقان بالممكنات وبالواجبات، أما الممتنعات والمستحيلات فإنهما لا يتعلقان بها، وإنما ننبه على هذا حتى لا يأتينا أحد ويقول: هل يستطيع الله جل وعلا أن يوجد مثل نفسه؟ الجواب: هذا مما لا تتعلق به القدرة، والصواب في السؤال أن يُقال: هل يقدر الله جل وعلا أن يوجد مثله أو أن يعدم نفسه؟ هذا سؤال من سفيه لم يقدر الله حق قدره، والجواب عليه: أن القدرة لا تتعلق بالممتنعات، وهذا منها، وكذلك الإرادة لا تتعلق بالممتنعات، وهذا منها، فالسؤال هنا فاسد والرد عليه يأتي بإبطال مقدماته، ومن الممكن أن ترد عليه إذا لم يفهم - وفي الغالب أنهم لن يفهموا - بتقريب الأمثلة: فمثلاً قل له: أجبني أولاً: ما اسم زوجة الأعزب ؟! فيتبين له مرادك من أن السؤال فاسدا وليس له جواب !

وأما أهل البدع فإنهم لم يقسموا الإرادة إلى قسمين فضلوا وأضلوا، فالجبرية لم يثبتوا إلا الإرادة الكونية، والمعتزلة أثبتوا الإرادة الدينية الشرعية، ولم يثبتوا الإرادة الكونية فضلوا، وهدى الله أهل السنة والجماعة؛ فأثبتوا الإرادتين عملاً بالنصوص، فكان مذهب أهل السنة والجماعة هو الحق ووسط بين مذهبين باطلين الجبرية الذين لا يثبتون إلا الإرادة الكونية، والمعتزلة الذين لا يثبتون إلا الإرادة الدينية الشرعية.

ناصر الشريعة
02-08-2009, 03:49 AM
جزاك الله خيرا أخي مالك مناع، كفيت ووفيت بارك الله فيك.

وفهم هذا الموضوع لا بد فيه من فهم الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية، وهذا ما تفضل أخي الكريم مالك مناع ببيانه بيانا شافيا كافيا.

فلا يبقى إلا تلخيص الجواب على أسئلة الأخ الكريم:



ما معنى أن الله تعالى يشاء المعصية من العباد؟
معناه أن الله يريدها كونا، فيخلقها، فلا خالق إلا الله، ولا يوجد في ملك الله ما هو خارج عن خلق الله ومشيئته الكونية.


وهل مشيئته للمعصية من العبد نافذة أم لا؟
المشيئة الكونية يلزم منها وجود المراد سواء كان خيرا أو شرا، ولكن وجود الخير والشر في أفعال العباد لا ينفي اختيارهم لها.


وهل لمشيئته تعالى للمعصية من العبد أثر على حرية العبد في الاختيار؟
مشيئة الله تعالى لا تنفي حرية العبد، لأن الله شاء أن يجعل للعبد مشيئة يختار بها أفعاله، ولهذا كان القدر من سر القدرة، فإن الله بكمال قدرته جعل للعبد مشيئة وإرادة حرة مع ثبوت مشيئة الله تعالى لكل ما في الكون.


ولماذا احتج الكفار بأن الله تعالى لو شاء ما أشركوا لو كانت مشيئة الله تتعلق بالمعاصي والشرك فعلاً؟
الكفار احتجوا على الاستمرار في المعصية بالقدر الذي هو مغيب عليهم، والاحتجاج بالقدر إنما يكون في الصبر عند المصائب لا في الاستمرار على المعاصي والمعايب التي لم يتب منها الإنسان، وهذا فرق مهم جدا، فالقدر يحتج به في المصائب لا المعايب، كما احتج آدم على موسى بأن الله قد قدر عليه الخروج من الجنة، وتلك مصيبة، كما أن آدم قد تاب من مخالفة النهي.
بينما المشركون يحتجون بقدر مغيب عليهم ليكفروا بالله تعالى، ولهذا أنكر الله عليهم قولهم فقال تعالى: { قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}

ولهذا لو قتل قاتل ثم احتج بأن الله قدر عليه ذلك، فلا ننكر أن كل ذلك قدر من الله، ولكن القدر لا ينافي حرية العبد في اختياره، ولهذا لا يتنافى القدر مع إثابة الطائع ومعاقبة العاصي.


وما الذي أخطأ فيه المعتزلة عندما نفوا أن يكون الله تعالى لا يشاء المعصية ؟ مع أنهم يقولون أنه شاء للعبد أن يكون مريداً مختاراً للمعصية أو الطاعة؟ هل ثمّت فرق جوهري بين الرأيين؟
نعم هناك فرق جوهري، وهو أن المعتزلة لم يفرقوا بين الإرادة الشرعية والكونية، فجعلوا المعاصي والكفر حاصلة بغير مشيئة الله تعالى، وجعلوا العاصي خالقا لفعله، فأنكروا أمران:
الأول: مشيئة الله الكونية
الثاني: خلق الله لأفعال العباد.
فلزمهم على ذلك أن الله يعصى قهرا، وأنه يوجد في ملكه ما لا يملكه ولا يشاؤه ولا يخلقه!!!


وإذا كان للعبد مشيئة واختيار، أفليس تلك المشيئة والاختيار هي تابعة لمشيئة الله واختياره، فما الذي استقل به العبد حتى استوجب الثواب والعقاب؟
تبعية مشيئة العبد لمشيئة الله تعالى ليست تبعية إكراه، وإنما شاء الله بقدرته أن يجعل حرية العبد في اختياره تابعا لمشيئته سبحانه، ولا يلزم على ذلك أن يفعل العبد ما لا يريده، بل إذا انتفى الاختيار عند العبد سقط الثواب والعقاب.
وأما كيفية قدرة الله تعالى على جعل مشيئة العبد غير خارجة عن مشيئة الله تعالى فهي كيفية لا نعلمها، وهي من كمال قدرة الله تعالى، ولهذا كان هناك فرق بين دراسة موضوع القدر، وبين الخوض البدعي في القدر الذي منه طلب تكييف قدرة الله تعالى ومشيئته في قدره وقضائه.

وكما لا يجوز تكييف ذات الله تعالى أو صفة من صفاته أو فعل من أفعاله، فكذلك لا يجوز تكييف قدرة الله تعالى في جعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب مع عدم انتفاء اختيار العبد لأفعاله، فإننا نعلم قدرة الله على ذلك، ولكن السؤال عن كيف يكون ذلك سؤال عن غيب وعن تكييف صفة، وما الفائدة من هذا السؤال وما الحاجة إليه بعد أن علمنا يقينا أن الله قادر عليه.

ويكفينا أن نعلم أن الله عز وجل خلق الإنسان وخلق إرادته وقدرته وإدراكه ودواعي الخير والشر، وخلق له ملكا يأمره بالخير، وقرينا من الجن يوسوس له، وأرسل الرسل وأنزل الكتب، فعدل الله بين الناس، ووفق من شاء بفضله إلى طاعته، وخذل من شاء من عباده فوكلهم إلى أنفسهم وما اختاروه من العصيان.

وهذا يدعو العبد إلى أن يقابل نعم الله عليه بالطاعة والشكر، وأن يتبع المعصية بالاستغفار والتوبة، وهذا هو ثمرة البحث في هذه المسائل، فمن لم يستفدها فقد هلك وخسر والعياذ بالله تعالى.

مجرّد إنسان
10-03-2010, 07:00 PM
يُرفع للحاجة إليه

عَرَبِيّة
12-11-2010, 03:53 PM
يُرفع رفع الله قدركم

عَرَبِيّة
12-12-2010, 01:13 AM
إخوتي بارك الله فيكم
فقط أريد أن أتأكد .. هل لفظة " الكونية " مقتبسة من الكائن أي { كُنْ فَيَكُونُ } أم من الكون = universe ؟

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
12-12-2010, 05:07 AM
الفاضلة وفقها الله

الإرادة الكونية هي الإرادة الكائنة واللازمة والتي لابد من وقوعها وفي الحديث (( اكتب كل ما هو كائن )) يعني ما قدره الله في علمه الازلي

اما كلمة الكون فجاء في مختار الصحاح (( مادة كون ))

نسبة إلى الكون وهو الوجود بعد العدم تقول : كان الشىء يكون كوناً ، إذا وجد بعد أن لم يكن

فكل ما في هذا الكون وما في هذا الوجود وما يكون وما سيوجد فان الله أراده كونا وقدرا يعني كائنا في هذا الوجود من خير أو شر فهي مشيئة عامة

عَرَبِيّة
12-13-2010, 03:44 AM
بارك الله فيك .