تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المختصر المفيد في أشهر كتب السنة (الصحاح، السنن، المسانيد)



فخر الدين المناظر
01-29-2009, 10:31 PM
بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد..

هو مقال على حلقات متتابعة على نفس الرابط، يحتاجه "قسم السنة وعلومها"، أهدف فيه إلى تلقين المهتم الآتي :

1- التمييز بين كتب السنة : الصحاح، السنن، المسانيد.

2- إدراك الفرق بين البخاري ومسلم من خلال الصحيحين.

3- التعرف على موطأ الإمام مالك.

4- التعرف على أصحاب السنن الأربعة ومنهجية كل منهم في التصنيف.

5- التعرف على مسند الإمام أحمد.

وذلك في محاور هي :

المحور الأول : جمع الحديث في مصنفات خاصة.

المحور الثاني : أصح كتب الحديث :

* الجامع الصحيح للبخاري .
* الجامع الصحيح لمسلم .
* الموطأ لمالك.

المحور الثالث: أشهر كتب السنن وأصحابها:

* سنن أبي داود
* سنن الترمذي.
* كتاب السنن للنسائي.
* سنن ابن ماجة.

المحور الرابع : المسانيد :

* مسند الإمام أحمد.

وبالله تعالى التوفيق.

يتبع .

فخر الدين المناظر
01-29-2009, 10:55 PM
المحور الأول: جمع الحديث في مصنفات خاصة

تحث الكثير من الآثار التي رويت عن رسول الله (ص) وعن صحابته على جمع العلم -ومنه الحديث- وتقييده على صحف وألواح. وقد روى الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله :
عن ثمامة بن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ( ص ) : "قيدوا العلم بالكتاب" [ باب ذكر الرخصة في كتابة العلم ].
وقد تمسك الصحابة والتابعون بكتاب الله حفظا وجمعا وتدوينا. وقد تأخر تدوين السنة في كتب جامعة إلى مطلع القرن الثاني الهجري لأسباب سنفصلها لاحقا في مقال مستقل إن شاء الله تعالى. وفي مطلع القرن المذكور تحول عمل العلماء من جمع الحديث وتقييده إلى تصنيفه على الأبواب، وضمِّ هذه الأبواب إلى بعضها في مصنف جامع، وكانت بداية للتصنيف على الأبواب.
واقتضت مستجدات الحضارة الإسلامية ضرورة نشر حديث رسول الله ( ص ) بطرق الكتابة والتدوين، وجمع السنة في مصنفات تميز الجيد من الزائف والصحيح من السقيم، فبعد أن كانت مختلطة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين وأقضيتهم، أصبحت مع القرن الثالث الهجري مرتبة في مصنفات تنوعت تبعا لتنوع مناهج أصحابها، فكان منها : الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها.

الفرق بين المصنفات

الصحاح جمع صحيح : وهو ما اشتمل على الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله ( ص )دون غيرها، ومن أشهرها صحيحي البخاري ومسلم، ومنها أيضا صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة. وقد يطلق على الصحيح لفظ الجامع إذا شمل أبواب الفقه وغيرها.

والسنن : هي الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية، وتقتصر على أحاديث الأحكام وأبواب الفقه، وبذلك تختلف عن الجوامع. ومن أشهرها كتب السنن الأربعة وهي : سنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجة.

والمسانيد جمع مسند : وهو ما تذكر فيه الأحاديث على أسماء الصحابة حسب السوابق الإسلامية أو تبعا للأنساب، ومن أشهرها مسند أحمد، ومنها مسند أبي يعلى، ومسند ابن راهويه.

يتبع.

فخر الدين المناظر
01-30-2009, 05:59 PM
المحور الثاني : أصح كتب الحديث

الجامع الصحيح للبخاري

أجمع المحدثون على أن أصح كتابين بعد القرآن الكريم هما صحيحا البخاري ومسلم (المتفق عليه)، وقد ولد الإمام البخاري بمدينة بخارى سنة 194 هـ، أقام بمكة مدة ثم رحل إلى شيوخ الحديث في مختلف البلدان كبغداد والبصرة والكوفة وغيرها . طتب عن أكثر من ألف شيخ، وحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف غير صحيح، وكان أعلم الناس بالصحيح من السقيم ومعرفة بأحوال الرجال، وكل ما يتعلق بعلوم الحديث. ولذلك لقب بأمير المؤمنين في الحديث، توفي رحمه الله سنة 256 هـ.
أشهر آثار البخاري كتاب الصحيح الذي سماه :" الجامع الصحيح المسند المختصر من امور رسول الله وسننه وأيامه".. وهو أول مصنف اختص بالحديث الصحيح دون غيره، اختار أحاديثه بين ستمائة ألف حديث ومكث في تأليفه ست عشرة سنة وكان يقول : "جعلته حجة بيني وبين الله عز وجل ".
والجامع الصحيح هو اقتراح من الإمام إسحاق ابن راهويه على البخاري فعن إبراهيم بن معقل النسفي أن البخاري قال :" كنا عند إسحاق بن راهويه فقال :" لو جمعتم كتاب مختصرا لصحيح سنة رسول الله (ص) قال : فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح" [الفصل الأول من هدي الساري ص 7 لابن حجر العسقلاني]

شروط البخاري ومنهجيته في التأليف :

لا يكتفي البخاري لقبول الحديث بشرط المعاصرة، أي معاصرة الراوي لمن روى عنه، بل يضيف شرط اللقاء، أي لقاء الراوي لمن روى عنه ولو مرة واحدة. وبهذا التشدد أخذ كتابه المنزلة الأولى في أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، لكونه بالغ في التحري عن الرواة وبالبحث والاستقصاء بالشروط المتعارف عليها في علم مصطلح الحديث.
والبخاري يشترط أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلا غير مقطوع، وإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن، وإن لم يكن إلا راو واحد وصح الطريق إليه كفى.
وقسم البخاري الجامع الصحيح إلى كتب بلغ مجموعها سبعة وتسعين كتابا، وقسم كل كتاب إلى أبواب وصل مجموعها إلى خمسين وأربعمائة وثلاثة آلاف باب، وقد كرر في صحيحه بعض الأحاديث أو اختصرها في الأبواب المختلفة بسبب ما يستنبط منها من أخكام، فالحديث الواحد قد يكون فيه من العلم والفقه ما يوجب وضعه في أكثر من باب.
والبخاري كان دقيقا في اختياره لمفرداته، واحتاط لصحيحه ما لم يحتط لغيره من مصنفاته، فمثلا إن صادفت قول "قال فلان" فاعلم أن البخاري يستعملها في الأحاديث التي يكون في إسنادها عنده نظر، أو التي تكون موقوفة، أو التي رواها مُسندة في موضع آخر، وقد سمى الدمياطي: ما يعلقه البخاري عن شيوخه "حوالة"، يقول الشيخ عبد العزيز الطريفي: "وإذا قال البخاري: "قال فلان"، وهو من شيوخه، كما حكاه عن هشام بن عمار وعلي بن المديني وعبدالله بن صالح وغيرهم، فيظهر أنه أراد أنه دون شرطه في الصحيح، مع ثبوت الاتصال في هذا الخبر لأن البخاري ليس من أهل التدليس. والله أعلم".
وقال الشيخ صالح الجزائري في كتابه "التدليس وأحكامه" :"وباستقرائي للجامع الصحيح، مع ملاحظة المواضع التي استعمل فيها البخاري هذه الصيغة، ثم الاستعانة بكلام الحافظ ابن حجر في توضيحها، تبين لي أن البخاري رحمه الله، استعمل صيغة "قال لنا" غالبا في الآثار الموقوفة، التي يكون ظاهرها الوقف لكنها تحتمل الرفع وليست بصريحة فيه. واستعملها أيضا –ولكن في مواضع نادرة– لأغراض أخرى كفائدة في إسناد –نحو التصريح بالسماع من مدلس– أو قصور في السند –كوجود راو فيه ليس على شرطه– أو في المتابعات".

يتبع.

فخر الدين المناظر
02-01-2009, 01:44 AM
الجامع الصحيح لمسلم

ولد الإمام مسلم بنيسابور سنة 204 هـ، زار عدة أماكن لجمع العلم، كخراسان والعراق والحجاز ومصر وغيرها. ولما زار البخاري نيسابور تتلمذ له. ويعتبر كتابه مكملا لكتاب أستاذه، ومن شيوخه الكبار أيضا إسحاق ابن راهويه وأحمد ابن حنبل، ومن الذين أخذوا عنه أبو حاتم الرازي وأبو بكر ابن خزيمة. توفي بنصر آباد قرب نيسابور سنة 261هـ، وخلف الإمام مسلم عدة مؤلفات من أشهرها الجامع الصحيح.
يتألف صحيح مسلم من أربعة وخمسين كتابا أولها كتاب الإيمان وآخرها كتاب التفسير. فرع كل كتاب منها إلى أبواب بلغ عددها واحدا وثلاثين وثلاثمائة وألف باب، يدخل فيها ثلاثا وثلاثين وثلالة آلاف، حيث استغرق مسلم في جمع الصحيح خمسة عشر عاما عرضه على أئمة السنة في عصره قبل إخراجه للناس.

شروط مسلم ومنهجيته في التأليف

من خلال المقدمة التي وضعها الإمام مسلم لصحيحه يتضح منهجه العلمي في التأليف، فهو من أوائل الذي وضعوا مقدمات منهجية لكتبهم، وتشتمل مقدمته على عدة أمور في وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين والضعفاء. كما تشتمل على نوع الحديث الذي سيرويه والمتمثل في ما رواه الحفاظ المتقنون أولا، ثم مارواه المستورون متوسطو الحفظ والإتقان، أما المتروكون فلا يروي عنهم شيئا، ومن عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها في الصحة، الأصح ثم الأصح..
يقول المعلمي في "الأنوار الكاشفة" :"من عادة مسلم في صحيحه أنه عند سياق الروايات المتفقة في الجملة يقدم الأصح فالأصح. فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمال أو خطأ تبينه الرواية المقدمة في ذاك الموضع".
وقسم مسلم صحيحه إلى كتب، وقسم كل كتاب إلى أبواب شملت معظم المباحث الفقهية المعروفة. وتمتاز طريقته بجمع الروايات ذات الموضوع الواحد في مكان واحد، وهو ما جعل التعامل معه سهلا ميسورا.
أما شروط قبول الحديث عنده فقد اكتفى منها بشرط معاصرة الراوي لمن يروي عنه مخالفا بذلك أستاذه البخاري الذي اشترط اللقاء كما سبق.

مقارنة بسيطة بين منهجي الصحيحين :

1- الإمام البخاري يشترط المعاصرة واللقاء لقبول الرواية في حين أن الإمام مسلم يكتفي بالمعاصرة بين الراويين دون اللقاء.

2- البخاري يترجم لأبوابه بذكر الحكم الفقهي ويورد أجزاء الحديث أو كله في مواضيع مختلفة، أما مسلم فيجمع الأحاديث ذات الموضوع الواحد في مكان واحد.

3- ُيستنبط رأي البخاري الفقهي من الأبواب المختلفة، أما مسلم فيسهل تناوله على الدارس.

4- الإمام البخاري بوب صحيحه ووضع عناوينه بنفسه، في حين أن الإمام مسلم لم يضع العناوين بنفسه وإنما وضعها الإمام النووي رحم الله الجميع.

مراتب الصحيح

قال الإمام النووي في التقريب : " الصحيح أقسام: أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم مسلم، ثم على شرطهما، ثم على شرط البخاري، ثم مسلم، ثم صحيح عند غيرهما".
وبهذا مراتب الصحيح سبعة:

1- ما اتفق عليه البخاري ومسلم.

2- ما انفرد به البخاري.

3- ما انفرد به مسلم.

4- ما كان على شرطهما.

5- ما كان على شرط البخاري.

6- ما كان على شرط مسلم.

7- ما كان صحيحا عند غيرهما.

والله تعالى أعلى وأعلم.

يتبع.

فخر الدين المناظر
03-02-2009, 05:22 PM
ترجمة المؤلف:

أما عن ترجمة الإمام مالك فيرجى مطالعة هذا الرابط: الإمام مالك بن انس (http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php?t=1505)

عن الموطأ

أما موطأ الإمام مالك رحمه الله، فهو كتاب حديثي فقهي، جمع بين الأصل والفرع، تحرى فيه مؤلفه القوي من أحاديث أهل الحجاز ممزوجا بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، وقد كان الموطأ يعتبر أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى قبل أن يؤلف البخاري ومسلم صحيحيهما، وقد قال فيه الشافعي : " مافي الأرض كتاب في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك " [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد]
ومنزلة الموطأ مستمدة من منزلة الإمام مالك في العلم فقد قال سفيان بن عيينة‏:‏ كنا نرى في الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ تضرب أكباد الإبل في طلب العلم فلا يوجد عالم أعلم من عالم المدينة ‏"‏ أنه مالك بن أنس‏، ‏وقال الشافعي أيضا‏:‏ إذا جاء الأثر فمالك النجم وقال‏:‏ إذا جاءك الحديث فمالك أمير المؤمنين‏.‏وقد ألف الناس فضائله كتبا وشأنه مشهور‏.
ويروى في سبب تأليف الموطأ أن المنصور لما حج اجتمع بالإمام مالك وسمع منه الحديث والفقه وأعجب به ، فطلب منه أن يدون في كتاب ما ثبت عنده صحيحـًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسائل العلم ، وطلب أن يوطئه للناس، فاستجاب الإمام مالك لطلب المنصور ، وصنف كتابه الموطأ.
وذكر ابن خلدون في تاريخه سببا آخر وهو: "‏وأما الذي بعثه على تصنيف الموطأ - فيما نقل أبو عمر بن عبد البر - فهو أن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عمل كتاباً على مثال الموطأ ذكر فيه ما اجتمع عليه أهل المدينة ولم يذكر فيه شيئاً من الحديث فأتي به مالك ووقف عليه وأعجبه وقال‏:‏ ما أحسن ما عمل هذا ولو كنت أنا الذي عملت لبدأت بالآثار ثم شددت ذلك بالكلام‏."
وفي موضع آخر: ‏"حج أبو جعفر المنصور ولقيه مالك بالمدينة فأكرمه وفاوضه، وكان فيما فاوضه : يا أبا عبد الله لم يبق على وجه الأرض أعلم مني و منك، وقد شغلتني الخلافة، فضع أنت للناس كتابا ينتفعون به تجنب فيه رخص ابن عباس،وشدائد ابن عمر، ووطئه للناس توطئة."
وقد كان مالك متشددا في منهج الأخذ عن الرواة، معلوم شدة تحريه ونقده للرجال، وقد أحصى أبو بكر الأبهري ألفا وسبعمائة وعشرون حديثـا في الموطأ، المسند منها: ستمائة حديث، والمرسل: مائتان واثنان وعشرون حديثـًا، والموقوف: ستمائة وثلاثة عشر حديثـًا، ومن قول التابعين: مائتان وخمسة وثمانون حديثـا..

ويقول الشهاب في موقع الرابطة المحمدية للعلماء حول الموطأ الآتي:

"كتاب الموطأ عمدة مذهب مالك وأساسه، توخى فيه الإمام مالك القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، وبوبه على أبواب الفقه فأحسن ترتيبه وتبويبه، فكان كتابا حديثيا فقهيا جمع بين الأصل والفرع، ويُروى في سبب تأليفه أن المنصور لما حجّ اجتمع بالإمام مالك، وسمع منه الحديث والفقه وأُعجب به، فطلب منه أن يدون في كتابٍ ما ثبت عنده صحيحـًا عن رسول الله من مسائل العلم، وطلب أن يوطئه للناس، فاستجاب الإمام مالك لطلب المنصور، وصنف كتابه العظيم الموطأ.

ويعتبر كتاب الموطأ أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى منذ ألفه الإمام مالك إلى أن صنف الإمام البخاري صحيحه الذي أجمعت الأمة على تقديمه، قال الإمام الشافعي ـ وهو من أخص تلاميذ إمامنا مالك ـ : «مافي الأرض كتاب في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك».

ويكتسب الموطأ قيمته من مكانة مصنفه الإمام مالك في الحديث والفقه، وجودة انتقائه، وشدة تحريه ونقده للرجال، ويمكن القول أن تأليف الموطأ كان نِتاجاً لعُمر طويل قضاه الإمام مالك في التربية والتعلُّم والتعليم، مع إخلاص العمل وصدق الطلب، مما جعل طلبة العلم يضربون أكباد الإبل من شتى البلاد نحو المدينة النبوية للتلقي عن الإمام مالك وسماع الموطأ منه، لقد لقي الموطأ قبولا عظيما حتى إن الخليفة هارون الرشيد لما حجّ قدم إلى مالك وسمع الموطأ منه، ورَغب أن يعلِّقه في الكعبة، ويحمل الأمة كافة على العمل بما جاء به، فأجابه الإمام مالك رحمه الله: لا تفعل يا أمير المؤمنين؛ فإن أصحاب رسول الله اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلاد، وكلٌّ مصيب، وأنا جمعت من حديث أهل المدينة ما جمعت، ما كان لله فسيبدو، فعدل الرشيد عن ذلك.

وجملة ما في الموطأ من الأحاديث عن النبي والآثار عن الصحابة والتابعين ـ على ما قاله أبو بكر الأبهري ـ ألف وسبعمائة حديث وعشرون حديثـًا، المسند منها: ستمائة حديث، والمرسل: مائتان واثنان وعشرون حديثـًا، والموقوف: ستمائة وثلاثة عشر حديثـًا، ومن قول التابعين: مائتان وخمسة وثمانون حديثـًا.

وبعض العلماء يَعُدّ أحاديث الموطأ أكثر، وبعضهم يعدها أقل، والسبب في ذلك أن رواة الموطأ عن الإمام مالك كثيرون، ويوجد عند بعضهم ما لا يوجد عند الآخر، وأشهر روايات الموطأ وأكثرها تداولا رواية يحيى بن يحيى الليثي تلميذ مالك وعاقل الأندلس، وإذا أطلق في عصرنا موطأ الإمام مالك فإنما ينصرف لرِوَايته، وهي معتمد المغاربة، وعليها عوّل الحافظ ابن عبد البر في شرحيه العظيمين للموطأ التمهيد والاستذكار.

وقد طبع الموطأ بعدد من الروايات منها رواية ابن القاسم بتلخيص القابسي، ورواية محمد بن مسلمة القعنبي، ورواية سويد بن سعيد الحدثاني، ورواية زياد، أما رواية يحيى بن يحيى فطبعاتها كثيرة أشهرها طبعة محمد فؤاد عبدالباقي وأجودها طبعة الدكتور بشار عواد معروف وطبعة الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ويتوقع أن تصدر طبعة مغربية محققة متقنة بأمر ملكي في المستقبل القريب عن المجلس العلمي الأعلى."

ويضم الموطأ بين ثناياه سبعة أصناف :

1- متصل.

2- مرسل.

3- منقطع.

4-- موقوف.

5- بلاغات.

6- أقوال التابعين من الفقهاء.

8- استنباطات الإمام مالك واجتهاداته.

وما في الموطأ من المراسيل والبلاغات والمنقطعات، وصلها الحافظ ابن عبد البر في كتابه التمهيد. ومن مزايا الموطأ أنه جمع الرواية عن معظم شيوخ الحجاز، واختار الإمام مالك الثقات منهم والأصح من حديثهم، كما ضم رواية غير الحجازيين، وانتقى الأصح من الروايات.
وييعد الموطأ أول مؤلف ثابت النسبة من غير شك إلى مؤلفه، وهو اول ما أُلف في الفقه والحديث معا، فقد كان الناس يعتمدون على الذاكرة أكثر مما يعتمدون على الكتاب، أما التدوين والتأليف الحق فقد ابتدأ بالموطأ، وقد كان عصر مالك يدعو إلى التأليف بسبب ظهور الفرق وأهل الأهواء والوضاعين والمبتدعة.

الموطأ ومنهجه:
يقول صاحب كتاب الفكر المنهجي عند أئمة المحدثين:
"عب الإمام مالك من علم أهل المدينة والوافدين عليها، وتمرس في معرفة تلك البيئة العلمية التي كان الحديث مادتها الرئيسة، وكانت السنة حياتهم اليومية المعاشة. وكان قد ظهر في المدينة عدد من العلماء النابهين المجتهدين الأفذاذ، منهم فقهاء المدينة السبعة الذين لم يجتمع مثلهم في بلد من بلدان العالم الإسلامي. وكان لهؤلاء أثرهم البالغ في إشاعة العلم وإظهاره، فجاء مالك يقطف الثمرة، ويعرف كيف يحتفظ بها، ويصنفها، وييسر الفائدة منها، فصنف كتاب الموطأ، وهو كتاب في الحديث يهتم بالأحكام الشرعية، وقد تميز هذا الكتاب بأنه كتاب منهجي ذو طريقة واضحة محددة التزمها مالك، وحافظ عليها في الكتاب كله:

1- فقد التزم بذكر الثقات من الرجال، حتى كان ذكر الرجل في الموطأ حكماً عليه بالتوثيق. قال ابن معين: كل من روى عن مالك فهو ثقة، إلا عبد الكريم أبا أمية[أوجز المسالك 1/26.]. وكان الإمام مالك ينتقي رجاله، ويميز بين الصالح الورع الحافظ والصالح الورع غير الحافظ، وقد ترك الكثير من رجال الحديث المأمونين لما رأى من قلة بصرهم في الحديث. وكان يعتد بالأسانيد المدنية الراسخة، فقد قال الرشيد لمالك: (لم لا نرى في كتابك ذكراً لعلي وابن عباس؟ فقال: لم يكونا ببلدي، ولم ألق رجالهما)[تنوير الحوالك 1/7] قال الزرقاني: فكأنه أراد ذكراً كثيراً، وإلا ففي الموطأ أحاديث عنهما. قال الكاندهلوي: والأوجه عندي أنه ذكر رواياتهما بعد ذلك، فإنه -رضي الله عنه- كان ينقيه ويختبره عاماً فعاماً، ولذا ترى الاختلاف في النسخ من الزيادة والنقص[أوجز المسالك إلى موطأ مالك 1/31].

2- التزم الإمام مالك بذكر الحديث الصحيح وفق مذهبه واجتهاده، ففي الكتاب الأحاديث المتصلة التي حملت أعلى شروط الصحة، وهذه لا جدال في صحتها، والعلماء على قبولها والأخذ بها، وقد دخلت في كتب السنة الصحيحة، وهي ستمائة حديث. وفيه أحاديث لم يتصل سندها بل هي بلاغات أو مرسلات كان الإمام مالك يقول فيها: "بلغني أن ابن عمر أو أن عمر أو أن أبا هريرة قال" ويغفل ذكر السند إلى من ذكر بلاغه عنه، أو كان يذكر السند حتى إذا وصل إلى التابعي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وهو المرسل- ومذهب مالك تصحيح هذه البلاغات والمرسلات، لقربها من عصر النبوة، ولتميز رواتها بالأمانة والعدالة والثقة، ولكن العلماء لم يقبلوا هذه البلاغات والمرسلات على إطلاقها، وذهبوا يلتمسون لها طرقاً متصلة فتبين لهم أن الإمام مالكاً لم ينشط في ذكر هذه الحلقات، وهي موجودة ومن يبحث عنها يجدها. وهذا ما فعله ابن عبد البر في كتابه "التمهيد" الذي وصل فيه روايات الموطأ.

مثال: عن مالك، أنه بلغه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجد ثوبين فليصل في ثوب واحد، ملتحفاً به، فإن كان الثوب قصيراً فليتزر به)[لموطأ 1/141] هذا الحديث رواه مالك بلاغاً، فأسقط السند بينه وبين جابر، وقد روي متصلاً عند غيره:

فأخرجه البخاري في صحيحه قال: حدثنا يحيى بن صالح قال: حدثنا فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث قال: (سألنا جابر بن عبد الله عن الصلاة في الثوب الواحد. فقال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته يصلي، وعليَّ ثوب واحد، فاشتملت به، وصليت إلى جانبه فلما انصرف قال: ما السرى يا جابر؟ فأخبرته بحاجتي. فلما فرغت، قال: ما هذا الاشتمال الذي رأيت؟ قلت: كان ثوب -يعني ضاق- قال: فإن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به)[أخرجه البخاري في الصحيح 1/472 بهامش فتح الباري].

هذا المثل يكشف عن جانب من جوانب منهج الإمام مالك الذي يحتج بالبلاغ والمرسل لما يعلم من ثبوتهما عنده وعند غيره. والبلاغات والمرسلات التي بقيت في دائرة الضعيف قليلة، وقد بلغ عدد البلاغات والمرسلات في الموطأ مائتين واثنين وعشرين حديثاً.

يقول السيوطي: (ما فيه من المراسيل -مع كونها حجة عنده بلا شرط، وعند من وافقه من الأئمة على الاحتجاج بالمرسل- فهي أيضاً حجة عندنا، لأن المرسل عندنا حجة إذا اعتضد، وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد كما سأبين ذلك في هذا الشرح. فالصواب إطلاق أن الموطأ صحيح لا يستثنى منه شيء، وقد صنف ابن عبد البر (ت463هـ) كتاباً في وصل ما في الموطأ من المرسل والمنقطع والمعضل، قال: وجميع ما فيه من قوله: بلغني، ومن قوله: عن الثقة عنده مما لم يسنده واحد وستون حديثاً كلها مسندة من غير طريق مالك، إلا أربعة لا تعرف)[تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك للسيوطي 1/8 ] ثم ذكرها.

3- لم يقتصر كتاب الموطأ على الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت متصلة أو منقطعة، بل احتوى على طائفة من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، فبلغت الموقوفات ستمائة وثلاثة عشر، وأقوال التابعين مائتين وخمسة وثمانين، وكانت أقوال التابعين وأهل المدينة هدفاً مقصوداً عند مالك في الموطأ، ويذكر أن (أول من عمل كتاباً في المدينة على معنى الموطأ عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وعمل ذلك كلاماً بغير حديث فأتى به مالكاً فنظر فيه فقال: ما أحسن ما عمل، ولو كنت أنا الذي عملت ابتدأت بالآثار، ثم شددت ذلك بالكلام، ثم إن مالكاً عزم على تصنيف الموطأ فصنفه)[تنوير الحوالك 1/70].

وفيما يلي نموذج كامل من كتاب الموطأ:

مثال:

باب القضاء باليمين مع الشاهد:

(قال مالك: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد، وعن مالك، عن أبي الزناد، أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وهو عامل على الكوفة: أن اقض باليمين مع الشاهد.

وعن مالك أنه بلغه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار سئلا: هل يقضى باليمين مع الشاهد؟ فقالا: نعم.

قال مالك: مضت السنة في القضاء باليمين مع الشاهد الواحد. يحلف صاحب الحق مع شاهده. ويستحق حقه، فإن أبى أن يحلف أُحلف المطلوب، فإن حلف سقط عنه ذلك الحق، وإن أبى أن يحلف ثبت عليه الحق لصاحبه.

قال مالك: إنما يكون ذلك في الأموال خاصة. ولا يقع ذلك في شيء من الحدود ولا في نكاح ولا طلاق، ولا في عتاقة ولا سرقة، ولا في فرية. فإن قال قائل: فإن العتاقة من الأموال، فقد أخطأ، ليس ذلك على ما قال. ولو كانت ذلك على ما قال لحلف العبد مع شاهده -إذا جاء بشاهدٍ- أن سيده أعتقه، وأن العبد إذاجاء بشاهد على مال من الأموال ادعاه حلف مع شاهده واستحق حقه كما يحلف الحر.

قال مالك: فالسنة عندنا أن العبد إذا جاء بشاهد على عتاقته استُحلِف سيده ما أعتقه وبطل ذلك عنه. قال مالك: وكذلك السنة عندنا أيضاً في الطلاق، إذا جاءت المرأة بشاهد أن زوجها طلقها أُحلف زوجها ما طلقها، فإذا حلف لم يقع عليه الطلاق)[الموطأ 2/721 -722]

ففي هذا المثال نرى الإمام مالكاً يمزج بين الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والأثر عن الصحابة والتابعين، ويذكر أقوال علماء أهل المدينة، ويذكر السنة العملية التي يسير عليها أهل المدينة، كما في قوله: مضت السنة في القضاء باليمين والشاهد الواحد. وفي قوله: وكذلك السنة عندنا أيضاً في الطلاق.

قال الشيخ ولي الله الدهلوي في كلام له عن منهج الإمام مالك: (جعل بناء مذهبه على الروايات المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم موصولة كانت أو مرسلة، وبعدها على قضايا عمر ثم على فتاوى ابن عمر -رضي الله عنهما- وبعد ذلك على أقوال فقهاء المدينة كابن المسيب وعروة وقاسم وسالم وسليمان بن يسار وأبي سلمة وأبي بكر بن عمرو بن حزم وعمر بن عبد العزيز وغيرهم). وقال أيضاً: (إن الإمام يعبر عن أقوال الفقهاء السبعة وفقهاء المدينة بقوله: السنة عندنا كذا وكذا. قال الإمام الشافعي: وهذا ليس بإجماع، بل هو مختار الإمام مالك -رضي الله عنه- ومشايخه)[أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك 1/34.]

4- إن كتاب الموطأ يمزج بين الحديث وفقه الحديث. ونرى الإمام مالكاً يستنبط ويفرع، وينقل القارئ إلى بيئة السنة والحديث. وهذه ميزة ينفرد بها الموطأ بين كتب السنة الأخرى، إذ أن كتب السنة الأخرى تتضمن مجموعات من النصوص الحديثية المجردة عن الزمان والمكان، بينما يحافظ الموطأ على هذه العلاقات وينقل طالب العلم إلى معايشة السنة النبوية فيقف على دلالاتها. وبشكل موجز يمكننا المعرفة الحديثية، أو هو كتاب الثقافة الحديثية، لأن الثقافة لا تقتصر على المعارف بل تحتوي على عناصر نفسية وبيئية، وتتناول تفاعل الناس مع هذه المعارف عن طريق المواقف وأنماط السلوك.

5- كتاب الموطأ هو أول كتاب منهجي، فلا غرابة أن نجد هذا الثناء الكبير على هذا المصنف حتى قال القاضي أبو بكر بن العربي في مقدمة "عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي": (اعلموا -أنار الله أفئدتكم- أن كتاب الجعفي -البخاري- هو الأصل الثاني في هذا الباب والموطأ هو الأول واللباب).[عارضة الأحوذي 1/5]"

منزلة الموطأ:

والموطأ هو بعد الصحيحين، عند الجمهور، وهناك من عده قبل الصحيحين كالحافظ ابن العربي وبعض حفاظ المغرب، وقد قسم الإمام ولي الله الدهلوي في كتابه "حجة الله البالغة" كتب الحديث إلى خمس طبقات، جعل أعلاها الصحيحين والموطأ.ونقل الحافظ ابن حجر أن كتاب مالك صحيح عنده وعند من يقلده على ما اقتضاه نظره من الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما، وقد تعقب الحافظ السيوطي كلام الحافظ هذا بقوله "ما فيه من المراسيل فإنها مع كونها حجة عنده بلا شرط، وعند من وافقه من الأئمة على الاحتجاج بالمرسل فهي أيضا حجة عندنا، لأن المرسل عندنا حجة إذا اعتضد، وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد، فالصواب إطلاق أن الموطأ صحيح لا يستثنى منه شيء وبما أن المحدثين لا يعتدون بالمرسل والمنقطع لذلك جعلوا رتبة الموطأ دون رتبة الصحيحين.
وقد حكم ابن حزم على الموطأ بأن فيه أحاديث ضعيفة ورتبه في الطبقة الأخيرة من كتب الحديث!!!!
وقد رد الحافظ الذهبي قائلا: ما أنصف ابن حزم، بل رتبة الموطأ أن يذكر تلو الصحيحين مع سنن أبي داود والنسائي، لكنه تأدب وقدم المسندات النبوية الصرفة، وإن للموطأ لوقعا في النفوس، ومهابة في القلوب، لا يوازيها شيء ". [ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد]
قلتُ: وما قاله االذهبي هو الصحيح إن شاء الله وعليه الجمهور، اما ابن حزم رحمه الله فمعلوم تحامله على المالكية نتيجة ما مر به من مشادات ومناظرات مع فقهاء مالكية تصدوا للمذهب الظاهري.. غفر الله للجميع.
واختلاف المحدثين في هذا مبني على اختلاف الاعتبارات، فمن نظر إلى اختلاط الأحاديث بالفروع جعله مؤخرا، ومن نظر إلى صحة أسانيد الروايات في الكتاب جعله مقدما.

وأفضل ما قرأتُ في شروح الموطأ فهو القبس في شرح موطأ مالك بن انس للإمام ابن العربي رحمه الله تعالى، والتمهيد لحافظ المغرب ابن عبد البر...
وهناك شروحات مدحها اهل العلم منها المنتقى للإمام أبي الوليد الباجي رحمه الله تعالى.

يتبع.

فخر الدين المناظر
03-06-2009, 05:16 PM
المحور الثالث: أشهر كتب السنن وأصحابها:

ازدادت أهمية الحفاظ على السنة بتباعد الناس عن الحقبة النبوية وموت الحفاظ من الصحابة والتابعين، مما استدعى تدوين السنة في كتب خاصة ..
وقد تعرفنا على الطبقة الأولى منها وهي تضم صحيحي البخاري ومسلم والموطأ، ونخصص الحديث هنا للطبقة الثانية.

والطبقة الثانية هي الكتب التي لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين، ولكنها تتلوها، كان مصنفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحر في فنون الحديث، ولم يرضوا في كتبهم بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم، وعلى تلك الأحاديث بناء عامة العلوم كسنن أبي داود وجامع الترمذي ومجتبى النسائي.


1- سنن أبي داود

وهو سليمان بن الأشعت الأزدي السجستاني ولد سنة 202هـ، رحل في طلب العلم، فزار الحجاز والشام ومصر والعراق وغيرها، حيث تلقى العلم عن كبار العلماء أمثال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. توفي بالبصرة سنة 275هـ.
وأشهر مصنفاته كتاب السنن، وصنف أبو داود كتابه على أبواب الفقه مقتصرا على السنن والأحكام متوسعا في جمعها وتبويبها، رتبه على خمسة وثلاثين كتابا أولها كتاب الطهارة، وآخرها كتاب الأدب وقسم كل كتاب على أبواب..
عن أبي بكر بن داسة أنه قال: سمعتُ أبا داود يقول: " كتبتُ عن رسول الله (ص) خمسمائة ألف حديث انتخبتُ منها ما ضمنتُ هذا الكتاب: جمعتُ فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديثذكرتُ الصحيح وما يشبهه وما يقاربه" [ رسالة أبي داود إلى أهل مكة ص 32]

يقول أبو بكر الحازمي في شروط "الأئمة الخمسة" :

"وقد احتوى كتاب السنن على أحاديث ضعيفة، وهذا ما بينه أبو داود، حيث قال: "وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته. ومنه ما لا يصح سنده". وهذا يعني أنه قد يذكر ما فيه وهن غير شديد، ولا يبينه بالكلام عليه، إلى جانب أن أبا داود يذكر المرسل في كتابه، وقد بيّن وجهة نظره في المرسل بقوله: "وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى، مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيها، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره - رضوان الله عليهم - فإذا لم يكن مسندٌ غير المراسيل ولم يوجد المسند، فالمرسل يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة، وهذا القول يبين لنا مذهب أبي داود في المرسل، وأنه بديل عن المسند المتصل عند فقد المسند المتصل، وهذا الذي جعل أبا داود يكثر من المرسل في كتابه. واحتجاجه بالمرسل على هذا النحو لا يُوافق عليه؛ لأن فقدان المتصل لا يبرر قبول المرسل، إلا إذا فهم من كلامه أنه يريد مذهب الشافعي في قبول المرسل بشروط منها: أن يكون المرسِل من كبار التابعين، وأن يكون إذا سمى الحلقة المفقودة من السند لا يسمى إلا ثقة، أو أن يأتي بمثله قولٌ لأهل العلم، فعندئذٍ يحتج بالمرسل، ولكنه لا يصل إلى المتصل في القوة."

وقد توسع أبو داود في دائرة الرجال فروى عن الطبقة الرابعة إضافة إلى الطبقات الأولى والثانية والثالثة، في حين ان البخاري كان يروي عن الطبقة الأولى والثانية فقط، اما مسلم فيروي عن الطبقة الثالثة أيضا.

وكتب الحديث مصنفة إلى خمس طبقات، وكتاب السنن لأبي داود مصنف في الطبقة الثانية التي تضم سنن النسائي وسنن الترمذي.. وستجد في هذا الكتاب من السنن القولية والفعلية والتقريرية والصفة النبوية، ما يجعلك تعيش مع السنة في دقائق تفاصيلها، وأجلى صورها.

يتبع.

فخر الدين المناظر
07-02-2009, 02:20 AM
2- سنن الترمذي

وهو أبو عيسى محمد بن سَورة الترمذي، ولد بترمذ سنة 200هـ، رحل لطلب العلم وهو صغير، فزار العراق والحجاز وخراسان وتتلمذ على كبار علماء عصره، كالبخاري ومسلم وأبي داود. اشتهر بالحفظ والضبط والإتقان والتمكن من معرفة الحديث ورجاله وعلله، توفي رحمه الله تعالى بترمذ عام 279 هـ بعد ان كُف بصره آخر حياته.
خلف كتبا كثيرة وجليلة منها : كتاب "العلل" و "الشمائل" و "أسماء الصحابة" .. وأشهرها كتاب السنن المسمى بجامع الترمذي.

ولم يقتصر جامع الترمذي على أحاديث الأحكام كما هو الشأن في سنن أبي داود بل شمل مختلف أبواب الحديث.. قال الترمذي: " صنفت كتابي هذا فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم" [ نيل الأوطار للشوكاني]
أبواب الكتاب تجمع بين الأحاديث الصحيحة والحسنة والضعيفة. إلا أنه لم يخرج إلا الأحاديث المعمول بها سواء كانت صحيحة السند أم لا، وهذا سبب اشتماله على الأحاديث الضعيفة.
جمع الترمذي بعض المصطلحات التي لم يسبقه إليها أحد، فهو أول من قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، فالحديث إذا كان عنده في أعلى درجات الاحتجاج فهو حسن صحيح، وإذا كان في أدنى درجات الاحتجاج فهو حسن، إذ أن مقصوده في السنن ذكر المعمول به من الحديث على عكس البخاري ومسلم اللذين عنيا بتحديد الصحيح وتعريفه.
ويشير أحمد محمد شاكر في مقدمة تحقيقه لكتاب سنن الترمذي إلى مميزات مؤلفه فيحصرها في ثلاثة أمور:
1- اختصار طرق الحديث بحيث يذكر واحدا ويمئ الباقي.
2- ذكر اختلاف الفقهاء في المسائل الفقهية -غالبا- ودلائل كل منهم مع ذكر الأحاديث المتعارضة.
3- العناية بتعليل الحديث بذكر درجته من الصحة والضعف.

وأختم بقول الشوكاني في نيل الأوطار: "الترمذي أحسن الكتب وأكثرها فائدة وأحكمها ترتيبا وأقلها تكرارا، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال والإشارة إلى ما في الباب من الأحاديث وتبيين أنواع الحديث من الصحة والحسن والغرابة والضعف وفيه جرح وتعديل"

وقول ابن العربي في عارضة الأحوذي: "وليس فيهم مثل كتاب أبي عيسى حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرع، وفيه أربعة عشر علمًا، وذلك أقرب إلى العمل وأسلم: أسند، وصحّح، وضعّف، وعدّد الطرق، وجرح، وعدَّل، وأسمى، وأكنى، ووصل، وقطع، وأوضح المعمول به، والمتروك، وبين اختلاف العلماء في الرد والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله، وكل علم من هذه العلوم أصل في بابه وفرد في نصابه، فالقارئ له لا يزال في رياضٍ مونقة، وعلوم متفقة متسقة، وهذا شيء لا يعمه إلا العلم الغزير والتوفيق الكثير، والفراغ والتدبير".

يتبع..

أبو مريم
07-02-2009, 06:03 AM
جزاك الله خيرا أستاذنا الفاضل على هذا الموضوع القيم المفيد .

فخر الدين المناظر
07-03-2009, 01:08 AM
جزاك الله خيرا أستاذنا الفاضل على هذا الموضوع القيم المفيد .

وإياكم أستاذي المفضال، نفعني الله بعلمكم وزادكم من نعمه ...

منهجية الترمذي

أؤكد هنا بأن الترمذي بحر من بحور علم مصطلح الحديث، ومصطلحات الترمذي في سننه تصلح لأن تكون رسالة دكتوراه مستقلة في علم الحديث.. إلى درجة ان العلماء أنفسهم اختلفوا في قصد الترمذي من بعض مصطلحاته، كمصطلح "غريب" ولكن الراجح أن الترمذي يقصد بالغرابة إشارة وصفية وليست علية، إذ غالبا ما يقرن نفس المصطلح بالصحة او الحسن ..
وكثرة تقسيمات الترمذي مردها إلى ان رواة الحديث يتفاوتون في مرتبهم من العدالة والضبط، كما أنه انفتح على فئة من الرواة ليسوا متروكين ولا فاحشي الخطأ، إنما من الطبقة المستورة المعروفة بالصدق والعلم، يحتج بهم إذا أيدت رواياتهم أحاديث أخرى.. ولولا منهجية الترمذي لرد الكثير من الأحاديث، إذ يوجد رواة قل ضبطهم فاضطرب بذلك حديثهم، ومن الخطأ رد حديثهم كما أنه من الخطأ قبوله، يحتاجون لقرائن ومتابعات وشواهد، فأتى الترمذي رضي الله عنه بالشواهد والمتابعات والقرائن فعدل حال أولئك الرواة فظهر مصطلح الحسن عنده ... وهو ما حسُن إسناده ولا يكون شاذا ولا فيه من يتهم بالكذب ولا يكون في إسناده مغفل يخطئ كثيرا ومروي من غير وجه.
هذا ولا نحبذ الدخول في تفصيلات أخرى تخصصية حتى لا يتعارض مع مقاصد الموضوع.


3-كتاب السنن للنسائي

وهو أبو عبد الله أحمد بن شعيب الخراساني النسائي ولد "بنسا" بنواحي خراسان سنة 215 هـ. سمع من علماء عصره متنقلا بين الحجاز والعراق والجزيرة ومصر التي استوطنها. ومن أشهر من أخذ عنهم: إسحاق بن راهويه وأبو داود والترمذي.
توفي رحمه الله تعالى بالرملة بفلسطين الغالية سنة 302 هـ. وقد خلف عدة مؤلفات أشهرها: السنن الكبرى والسنن الصغرى المسماة "المجتبَى" وهو المعروف بسنن النسائي.
صنف النسائي المجتبى في البداية لأمير الرَّملة وسماه "السنن الكبرى" وضمنه الصحيح والحسن والضعيف، ثم استخلص منه الصحيح فقط وسماه المجتبى من السنن، وهو أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا لما امتاز به النسائي من الدقة والاحتياط.
منهجية النسائي

قال النسائي:" لما عزمتُ على جمع كتابي السنن استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء فوقعت الخيرة على تركهم، فنزلتُ في جملة من الحديث كنت أعلو فيه عنهم". [ شروط الأئمة الستة ص26].

والكتاب مرتب على أبواب الفقه ككل الكتب، يبين فيه المصنف حال الرواة الذين فيهم ضعف ويغلب على روايتهم أنها تذكر للتعليل والمقارنة بغيرها، مما هو أصوب منها. وهذه ميزة سنن أبي داود والترمذي والنسائي ثم هو يوازن ويقارن ويذكر العلل والصحيح والأضعف، مبينا كل ما في الرويات من اختلاف، وبهذا يختلف مع البخاري ومسلم اللذين كانا يكتفيان بتسجيل النتائج.
وهذا عين ما قرره الشيخ همام سعيد في كتابه الفكر المنهجي عند المحدثين ص 153: "ولا يكتفي الإمام النسائي في كثير من الأحيان بذكر الحديث، بل يذكر ما بين الروايات من اختلاف، ويوازن ويقارن، ويذكر العلل، والصحيح، والأصح، والضعيف، والأضعف، ومنهج الإمام النسائي هذا يأخذ بيد طالب الحديث من بداية العملية الحديثية إلى نهايتها؛ فالنسائي لا يكتفي بتسجيل النتائج كما يفعل الإمامان البخاري ومسلم، فهما يذكران الحصيلة الصحيحة من الحديث، ولا يذكران شيئًا من الحوار حول التصحيح والتضعيف، وكأن هذين الإمامين يعرضان الحديث في صورته النهائية كما يعرض الصائغ سبائكه الذهبية في خزائن العرض؛ بينما نجد الإمام النسائي كالصانع الذي يأخذ بنا إلى مصنع الصياغة، وهنالك نرى الذهب بأشكاله الأولية، وعبر عملياته التحويلية، حتى يخلص إلى مرحلته النهائية".
ولقد تجنب الإمام النسائي التخريج عن رجال خرج لهم البخاري ومسلم وأبو داود، لما فيهم من التجريح، وقد جمع الإمام الدارقطني أسماء الذين ضعفهم النسائي وأخرج لهم الشيخان في صحيحيهما.
ومن عادته في سننه أن يبين حال الرواة الذين فيهم ضعف، ويغلب على رواياتهم أنها تذكر للتعليل والمقارنة بغيرها، مما هو أصوب منها، وهذه الميزة لم يتصف بها الصحيحان، وهي مما اتصفت بها سنن أبي داود والترمذي.
هذا وأقسام أحاديث المجتبى ثلاثة:
القسم الأول: المخرج في الصحيحين، وهو أكثر كتابه.
القسم الثاني: الصحيح على شرطهما.
القسم الثالث: أحاديث أبان عن علتها بما يفهمه أهل المعرفة.

وأختم بقول الذهبي: "ولم يكن أحد في رأس الثلاثمائة أحفظ من النسائي، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ومن أبي داود ومن أبي عيسى، وهو جارٍ في مضمار البخاري وأبي زُرعة" [ وفيات الأعيان 1/77، وتهذيب التهذيب 1/36، النجوم الزاهرة 3/188. تذكرة الحفاظ 2/697. سير أعلام النبلاء 14/125-135، طبقات الشافعية3/14.]

يتبع..

فخر الدين المناظر
07-05-2009, 10:01 PM
4- سنن ابن ماجة

وهو أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني الملقب بابن ماجة. ولد بقزوين سنة 209 هـ، رحل كباقي المحدثين لطلب العلم فزار عدة بلدان واتصل بعدد من شيوخ عصره حتى صار محدث عصره وشيخا في التفسير والحديث، توفي سنة 273 هـ.
صنف في التاريخ والتفسير والحديث، وأهم ما اشتهر به كتاب السنن.

منهج ابن ماجة في سننه:

صنف ابن ماجة كتاب السنن على أبواب الفقه ولم يخصصه للصحيح فقط كما فعل البخاري ومسلم، فهو يشمل الضعيف أيضا، يقع في سبعة وثلاثين كتابا جمعت الأحكام والأدب وقضايا العلم وغيرها، ومجموع أحاديثه حوالي أربعة آلاف.
يقول فيه جمال الدين قاسمي في قواعد التحديث ص 255: "قد كان ابن ماجة حافظا صدوقا واسع العلم وإنما عض من رتبة سننه ما في الكتاب من المناكير وقليل من الموضوعات".
لكن يُلاحظ بأن الضعفاء والمجاهيل في سنن ابن ماجة ليس فيهم من أجمع العلماء على رد حديثه أو تركه، فابن ماجة ضمن في كتابه الأحاديث التي كانت أسانيدها ذات درجات دنيا لا يحتج بها لكنها تكتب وتصلح للتعضيد، وهذا عين ما قرره ابن حجر رحمه الله حين قال: "أن الضعيف قد يكون في رجل من رجال الإسناد أو أكثر، ولكن الحديث صحيح أو حسن لوجود روايات أخرى تقويه وتعضده." كما انه يروي عن شيوخه بصيغة "حدثنا". كما يلاحظ أن ابن ماجة كان إذا كرر الحديث فإنما يكرره في الباب نفسه لبيان اختلاف في السند أو المتن، ولتتقوى الأحاديث في الموضوع الواحد.


المحور الرابع : مسند الإمام أحمد

وهو أبو عبد الله بن حنبل الشيباني، ولد ببغداد سنة 164 هـ ونشأ بها، رحل في طلب الحديث متنقلا بين الكوفة والبصرة ومكة والمدينة والشام واليمن، متلقيا العلم نت أئمة السنة وحفاظها إلى ان اعتبر إمام السنة في عصره، وقد كان يجمع بين الحديث والفقه. تعرض للمحنة وتوفي رحمه الله سنة 241هـ مخلفا كتابه الضخم المسند.


منهجية الإمام أحمد في مسنده:

يعد مسند الإمام أحمد من أهم ما ألف من المسانيد وأضخمها، فقد أورد فيه نحو أربعين ألف حديث منها عشرة آلاف مكررة من مجموع الصحابة الذين أخرج عنهم والذي يناهز الثمانمائة. ويضم المسند الصحيح والحسن والضعيف.
وقد جمع فيه أحاديث كل صحابي في باب واحد رغم اختلاف موضوعاتها. فما روي عن أبي بكر يخصص له بابا، وما روي عن عمر كذلك وهكذا، وبهذا تختلف طريقة المسانيد عن طريقة الجوامع والسنن فصاحب المسند يصنف الحديث تبعا لراويه، بينما يعتمد أصحاب السنن على المتن يبوبون كتبهم تبعا له، وترتيب أسماء الصحابة داخل المسند، قد يكون على نسق حروف الهجاء، وهو أسهل تناولا، وقد يكون على القبائل أو على السابقة في الإسلام، أو البلدان. وقد يقتصر في بعضها على أحاديث صحابي واحد أو احاديث جماعة من الصحابة يشتركون في أمر من الأمور كالعشرة المبشرين بالجنة. واجتهد الإمام في جمع الأحاديث فلم يخرجها إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته، ودقق في متون كتابه كما محص في رجاله.

والله تعالى اعلى وأعلم.

رحم الله أئمتنا الأعلام وألحقنا بهم مسلمين والحمد لله رب العالمين ..

تم بحمد الله عز وجل.

فخر الدين المناظر
11-19-2009, 01:57 AM
هل كل شيء في هذا المقال واضح ؟؟ أم هناك مستغلقات تحتاج إلى فك ؟

mrkira
02-15-2011, 04:51 PM
موضوع مفيد لم أكمل قراءته, يستحق الرفع (و ربما التثبيت ) خاصة لطلبة العلم.

ابن عبد البر الصغير
01-15-2012, 10:21 PM
وشيخنا يقول أنه سيُحال على المعاش، بل نحن من هم على المعاش أصالة قبل أن نبدأ . ابتسامة.

أهل الحديث
01-16-2012, 07:12 AM
وشيخنا يقول أنه سيُحال على المعاش، بل نحن من هم على المعاش أصالة قبل أن نبدأ . ابتسامة.

صدقتَ شيخنا الحبيب ، غفر الله لكم شيخنا تلاميذكم نحنُ وتقول أنك ستحالُ إلي المعاش . :):