أبو القاسم1
02-03-2009, 07:59 AM
السلام عليكم
هنا احد العلمانيين الداعمين للإلحاد يحاول الإطاحة بنظرية الانفجار العظيم لأنها تؤدي إلى اللإيمان بوجود فاعل للكون
كما هنالك مقالة اخرى من علماء للتهوين من شأنها أرجو المساعدة في الرد من الاخوة الدارسين الكبار
النص:
الانفجار العظيم" هو "القوَّة"، أو هو المُوَلِّد لـ "القوَّة"، التي تُمْعِن، مُذْ وُلِدَ الكون، في "مطِّ" الفضاء، أو ما يمكن وصفه بـ "النسيج" الفضائي. وهذه "القوَّة" الكامنة في "النسيج الفضائي" تَدْفَع، في استمرار، وفي سرعة متزايدة الآن على ما يُقال، "أجزاء الكون"، والتي تشبه "جُزُراً" في بحرٍ هو هذا الفضاء أو "النسيج الفضائي"، عن بعضها بعضا، وكأنَّها قوَّة مُوَلِّدة لـ "التنافر" بين تلك الأجزاء. و"الانفجار العظيم"، على ما يقول به أنصار ومؤيِّدو هذا التصوُّر الكوزمولوجي، هو "القوَّة الخالِقة" للفضاء (أو للنسيج الفضائي) ذاته، فهذا "الانفجار" إنَّما وَقَعَ، أو حَدَثَ، في "نقطة (ليس كمثلها شيء في الطبيعة أو في عالَم الفيزياء) متناهية في الصِغَر"، كانت تَخْلو خُلُوَّاً مُطْلَقا من هذا الشيء الذي ندعوه "الفضاء"، أي أنَّها كانت ولم يَكُن فضاء.
وإذا جاز تمييز "المادة" من "الفضاء" فيُمْكننا تشبيه "المادة"، أي "الجُزُر الكونية (كل جزيرة تتألَّف من عدد من المجرَّات)" والمجرَّات والنجوم..، بـ "نُقَطٍ على سطح بالون"، وتشبيه "الفضاء" بـ "مادة المطَّاط" المصنوع منها البالون، والتي مع تَمَطُّطِها، أو تمدُّدِها، تتباعَد تلك "النُقَط"، أي تَظْهَر لنا على أنَّها تتحرَّك مُبْتَعِدَةً عن بعضها بعضا. أقول "تَظْهَر لنا"؛ لأنَّها، في الحقيقة، لا تتحرَّك مُبْتَعِدَةً عن بعضها بعضا، فمادة المطَّاط هي التي تتمدَّد فعلاً.
أنتَ الذي تَقَع في خارج البالون يُمْكِنُكَ أنْ تُشاهِد البالون وهو يتمدَّد؛ ولكن، هل في مقدوركَ أنْ تُشاهِد "البالون الكوني" حتى تستطيع مشاهدته وهو يتمدَّد؟ كلا، لا يُمْكِنَكَ أبدا ذلك؛ لأنْ ليس من مَوْضِع يمكن أنْ نسمِّيه "خارِج، أو حَوْل، البالون (الكوني)".. ليس من شيء يمكن أنْ نتصوَّره على أنَّه "فضاء آخر" يَقَعُ فيه (أو ضِمْنه) البالون الكوني، فلا فضاء إلا الفضاء الذي نُشَبِّهه بـ "غشاء البالون". الكون لا خارِج له، فكل شيء نعرفه، أو يُمْكِننا تَخَيُّله، إنَّما هو جزء من الكون ذاته.
وهذا التمدَّد للفضاء هو الذي تسبَّب بـ "برودة الكون"، فمع كل تمدُّد فضائي تَهْبِط درجة حرارة الكون، أي يقلُّ الكون حرارةً أو سخونةً. وهذا إنَّما يعني، أو يجب أن يعني، أنَّ ظاهرتي "الحرارة" و"البرودة" الكونيتين قد وُلِدتا هما أيضا على يديِّ "الانفجار الكوني"، فليس من المنطق، بحسب منطق نظرية "الانفجار العظيم"، أنْ نتصوَّر تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر"، والتي "وَقَعَ فيها" هذا "الانفجار"، على أنَّها "شيء حار (في منتهى الحرارة) أو بارِد". إنَّها، وبحسب منطق تلك النظرية الكوزمولوجية، شيء يَخْلو خُلُوَّا مُطْلَقا من الفضاء، ومن ظاهرتي "الحرارة" و"البرودة"، ومن "الزمن"، فالزمن ذاته هو أيضا مخلوق من مخلوقات "الانفجار العظيم".
وأنتَ يكفي أنْ تقول بـ "نقطة متناهية في الصِغَر"، تَخْلو خُلُوَّا مُطْلَقا من "الزمن"، حتى لا يبقى لديكَ من مناصٍ لتصوُّر تلك "النقطة" على أنَّها شيء لا يَعْرِفُ شيئاً من "التغيُّر"، فالقول بـ "انتفاء الزمن" إنَّما هو ذاته القول بـ "انتفاء التغيُّر". الشيء الذي لا يَعْرِف شيئاً من "التغيُّر"، على افتراض وجود هذا الشيء، أو على افتراض أنَّه مُمْكِن الوجود، إنَّما هو شيء "عديم الزمن"، فـ "التغيُّر" و"الزمن" صنوان، وبـ "التغيُّر" فحسب يُقاس "الزمن". تَخَيَّل أنَّكَ كنتَ مقيماً في داخل تلك "النقطة"، فكيف لكَ أنْ تَزْعُم أنَّ الزمن لا وجود له إذا ما كان قَلْبُكَ يَدُقُّ ويَنْبُض؟!
وكيف لكَ أنْ تَزْعُم ذلك إذا ما رَأيْتَ هذا الإلكترون يدور حَوْل نواة هذه الذرَّة في استمرار؟!
أعْلَمُ أنَّ تلك "النقطة"، التي فيها تركَّزت "مادة" الكون كلها، أي كل كتلته وطاقته، تَقِلُّ عن الذرَّة، أو عن نواتها، "حجما"؛ ولكنَّ هذا لا يعني، ويجب ألا يعني، أنَّها كانت شيئاً لا يَعْرِفُ شيئا من "التغيُّر".
ثمَّ ما معنى أنْ تُوْصَف تلك "النقطة" بأنَّها "متناهية في الصِغَر"؟ إنَّها ليست "متناهية في الصِغَر" في "كتلتها"؛ لأنَّ كل كتلة الكون تتركَّز فيها. إنَّها في "حجمها" فحسب "متناهية في الصِغَر"، فـ "حجمها"، على ما يُزْعَم، يَقِلُّ كثيرا، وكثيرا جدا، عن حجم "البروتون"، أو "نواة الذرَّة". و"الحجم"، على ما نَعْرِف، يتألَّف من ثلاثة أبعاد هي "الطول" و"العرض" و"الارتفاع (أو "العُمْق"، أو "السُمْك")".
و"حجم" الجسم، أو الجسيم، لا يُمْكِنه أن يتضاءل من غير أنْ تزداد "كثافته" في حال ظلَّت "كتلته" على مقدارها. على أنَّ ازدياد "كثافة" شيء ما لا يُمْكِن فهمه إلا على أنَّه دليل على "تقلُّص (أو انكماش) حجم الفضاء (أو الفراغ) في داخل هذا الشيء"، فالشيء، ولو كان جسيما، يمكن ويجب أن ينطوي على "حجم من الفضاء (أو الفراغ) غير قابلٍ للنفاد". ومهما ازداد الشيء، ولو كان جسيما في حجم "الكوارك" مثلا، كثافة فإنَّه لن يصل أبدا إلى ما يمكن تسميته "الكثافة المُطْلَقة"؛ لأنَّه لا يمكن أن يصبح في حال "الانعدام الفضائي الداخلي"، فشيء من الفضاء، أو الفراغ، يجب أن يبقى في داخل الشيء الذي في منتهى الكثافة.
إذا صحَّ هذا، أي إذا صحَّ أنَّ تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" يجب أن تنطوي على فضاء، أو فراغ، فكيف لهم أن يُوَفِّقوا بينه وبينه قولهم بخلق الفضاء على يديِّ "الانفجار العظيم"؟!
ولكنَّ السؤال الأهم الذي لم يُجِبْهُ مؤسِّسو وأنصار نظرية "الانفجار العظيم" هو الآتي: لماذا افْتَرَضوا تَرَكُّز كل ما في الكون من كتلة وطاقة في "نقطة متناهية في الصِغَر"، أي في نقطة يَقِلُّ حجمها عن حجم "البروتون"؟!
إذا ما رَأيْتُ مجرَّات، أو "جُزُر الكون"، في تباعُد (تنافُر) مستمر ومتزايد، فإنَّ من المنطق أنْ أفْتَرِض أنَّها في الماضي كانت متقاربة، وأنَّ تقاربها يزداد مع كل تَوَغُّلٍ في الماضي الكوني.
ولكن، أين هو المنطق (الفيزيائي والعِلْمي) في أن أفْتَرِضَ أنَّ هذا التقارب المتزايد (بين الجُزُر الكونية) يمكن ويجب أن ينتهي إلى تركيز كل مادة الكون في نقطة يقلُّ حجمها كثيرا عن حجم "البروتون"؟!
لماذا افْتَرضوا لها حجما يقلُّ عن حجم "البروتون" ولم يفترضوا لها حجما يَعْدِل حجم "البطيخة" مثلاً؟!
ما هي الأسباب والحيثيات والمبرِّرات والدواعي والقوانين الفيزيائية التي حَمَلَتْهُم على افْتَراض ذلك الحجم المتناهي في الصِغَر، وعلى (مِنْ ثمَّ) تصوُّر تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" على أنَّها شيء "عديم الفضاء"، و"عديم الزمان"؟!
وهُمْ يكفي أنْ يتصوَّرونها على هذا النحو حتى يَتَعَيَّن عليهم أنْ يقولوا أيضا بأنَّها شيء "عديم الجاذبية"، فإذا كان "انحناء الفضاء"، أو "انحناء الزمان ـ المكان (الزمكان)"، هو، بحسب "النسبية العامَّة" لآينشتاين، المعنى الجوهري والأساسي لـ "الجاذبية" Gravity فكيف لـ "الجاذبية" أن تقوم لها قائمة، في تلك النقطة، إذا ما كان "الفضاء" و"الزمان" لم يُخْلقا بَعْد؟!
لو سألْتُهُم عن "القوَّة" التي بفضلها تتماسك مكوِّنات نواة الذرة (من بروتونات ونيوترونات) لأجابوكَ قائلين: إنَّها ليست "الجاذبية" وإنَّما "القوَّة النووية الشديدة"، فـ "الجاذبية" في داخل نواة الذرَّة أضعف من أن تكون سبب هذا التماسك. وعليه، تتولى "القوَّة النووية الشديدة" إنجاز المهمَّة.. مهمَّة جعل مكوِّنات نواة الذرَّة متماسكة.
إذا هُمْ قالوا، على تهافت منطق قولهم، بـ "الجاذبية" سببا للتماسك الداخلي لتلك "النقطة المتناهية في الصِغَر"، والتي تتركَّز فيها مادة الكون كلها، فكيف لها أن تكون كذلك وهي التي تُظْهِر عجزا عن أن تكون القوَّة التي بفضلها تتماسك نواة الذرَّة التي هي، في حجمها، أكبر كثيرا من تلك النقطة؟!
الكون الذي انبثق من "الانفجار العظيم" إنَّما هو تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" وقد تحوَّلت (بفضل هذا الانفجار) إلى ما يشبه "غشاء (أو سطح) البالون"، فهذا الكون إنَّما هو في شكل "كرة" ليس من فضاء في داخلها (جوفها) أو في خارجها، فـ "محيطها"، أو "سطحها"، هو "الكون كله"، بفضائه وجُزُرِه ومجرَّاته ونجومه..
لا شيء ممَّا نَعْرِف، أو ممَّا نتخيَّل، يُوْجَد في داخل، أو في خارج، "الكرة الكونية". وإذا كان من شيء في داخلها، أو في خارجها، فلن نتمكَّن أبدا من اكتشافه ومعرفته، أو من التأثير والتأثُّر فيه، فهذا الشيء الافتراضي (أو الوهمي إذا ما أرَدتَ له هذا الوصف) ليس بجزء من كوننا (إذا ما كنتَ من القائلين بـ "التعددية الكونية") أو من الكون (إذا ما كنتَ من القائلين بـ "وحدانية الكون").
البالون في تمدُّده إنَّما يتمدَّد بوصفه جسما في داخله، وفي خارجه، فضاء أو فراغ. أمَّا "البالون الكوني" فهو يتمدَّد بوصفه جسما ليس من فضاء في داخله، أو في خارجه؛ لأنْ لا فضاء إلا الفضاء الذي يقع (مع المجرَّات..) على سطح هذا البالون، الذي في مقدوركَ أن تسير فيه إلى الأمام، وإلى الوراء، إلى اليمين، وإلى اليسار، إلى أعلى، وإلى أسفل، في "خطٍّ مستقيم (بحسب معنى "الاستقامة" في "النسبية العامَّة)"، وفي خطٍّ منحنٍ، فهذا "السطح"، أو "الغشاء"، هو "المكان" بأبعاده الثلاثة، التي لا يمكن أبدا أن تنفصل عن "البُعْد الرابع" وهو "الزمان".
ولتوضيح معنى السير في الفضاء إلى أسفل نُوْرِد المثال الآتي: تخيَّل أنَّكَ تقف فوق القطب الشمالي من الكرة الأرضية، وأنَّ هذه الكرة كانت جسما شفَّافاً.. وأنَّكَ أردتَ أن تسير فيها إلى أسفل، أي أن تسير في خط مستقيم من القطب الشمالي حتى القطب الجنوبي، وأن تَخْتَرِق القطب الجنوبي مواصِلاً سيركَ في الفضاء في خطٍّ مستقيم. بعد مضي مقدار معيَّن من الزمن سترى أن سيركَ في الفضاء إلى أسفل وفي خطٍّ مستقيم قد أعادكَ إلى حيث انطلقت، أي إلى القطب الشمالي. إنَّكَ في هذه الحال قد قُمْتَ برحلة فضائية، قَطَعْتَ فيها مسافة تَعْدِل طول محيط دائرة الكون، فَعُدتَّ إلى القطب الشمالي الذي منه انطلقت.
تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر"، والتي ليس كمثلها جسم، أو جسيم، في "الخواص والصفات المادية والفيزيائية"، إنَّما تشبه، عند "انفجارها"، جسما كرويا أَخْرَجَ كل ما فيه من مادة إلى "سطحه"، فغدا "جوفه"، أو "بطنه"، بالتالي، مُفْرَغا تماما من المادة والفضاء.. من كل شيء نَعْرِف، أو يمكن أن نتخيَّل.
هذا الكون، وبحسب "ساعته" التي وُلِدَت معه، كان في الثواني الأولى من عُمْرِه بحجم "حبَّة الفاصولياء" مثلا. وكان "كوناً جسيمياً"، أي يتألَّف ليس من مجرَّات ونجوم..، وليس من ذرَّات ونوى ذرَّات، وإنَّما من جسيمات كمثل البروتونات والنيوترونات.. ومن فوتونات (جسيمات الطاقة). بعد مرور ثلاث دقائق على "الانفجار" شرعت نوى الذرَّات تتكوَّن. وبعد مرور نحو 500 ألف سنة على "الانفجار" شرعت نوى الذرَّات والإلكترونات تَتَّحِد مؤلِّفةً الذرَّات. وبعد مرور 1000 مليون سنة على "الانفجار" شرعت ذرَّات الهيدروجين والهيليوم تتجمَّع بفضل "الجاذبية" مؤلِّفةً سُحُبا غازيَّة ضخمة Giant Gas Clouds. وهذه السُحُب تحوَّلت إلى مجرَّات. أمَّا السُحُب الأصغر فكانت تنهار مؤلِّفةً النجوم الأولى. واتَّحَدت المجرَّات مع بعضها بعضا مؤلِّفةً ما يشبه "العائلات" و"العشائر" و"القبائل" Galaxy Groups.
علماء الكون يقولون، في غالبيتهم العظمى، بوجود ظاهرة "الثقب الأسود" .Black Hole ويرون تماثُلا، أو أوجه شبه كثيرة، بين تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" التي منها انبثق الكون وبين مَرْكَز (Singularity) الجسم المسمَّى "الثقب الأسود"، فـ "الكتلة" Mass فيهما "عديمة الحجم". ويرون، أيضا، أنَّ "انهيار المادة على ذاتها" في نجم (له كتلة معيَّنة) هو الذي يُولِّد ظاهرة "الثقب الأسود"، أي يحوِّل كتلة النجم ذاتها تقريبا من كتلة لها حجم إلى كتلة لا حجم لها.
وهذا الانهيار إنَّما يُنْتِجه استنفاد النجم ذاك لقدرته على توليد مزيد من الحرارة والضوء (عَبْر عملية "الاندماج النووي") فتَرْجَح، بالتالي، كفَّة قوَّة الجاذبية في النجم على كفَّة القوَّة المضادة (في داخله) لانكماش وتقلُّص حجم كتلته، فتنهار مادته على ذاتها، فيتولَّد عن هذا الانهيار "ثقب أسود".
ومن الوجهة النظرية الصرف، يمكن أن ينشأ "ثقب أسود" من أي مقدار من الكتلة إذا ما ضُغِطَ هذا المقدار إلى حدٍّ معيَّن، فلو جِئت بمادة ما، مقدار كتلتها واحد غرام مثلا، وقُمْتَ بضغطها (أي تقليص حجمها وزيادة كثافتها بالتالي) إلى حدٍّ معيَّن، فإنَّها تتحوَّل إلى "ثقب أسود"، لا يختلف نوعا عن "ثقب أسود" ناشئ عن ضغط كتلة الشمس، مثلا، إلى حدٍّ معيَّن، فهذان "الثقبان" إنَّما يختلفان في "نصف القطر"، فنصف قطر الأوَّل يقلُّ كثيرا عن نصف قطر الثاني.
"الثقب الأسود" إنَّما هو الظاهرة الكونية التي تنشأ عَبْر جَعْل الكتلة ذاتها (مهما كان مقدارها كبيرا أو صغيرا) في أصغر حجم ممكن.
ولكل "كتلة"، مهما كانت صغيرة، "سرعة إفلات (من جاذبيتها)" Escape Velocity. و"سرعة الإفلات" إنَّما هي السرعة التي ينبغي لجسم ما بلوغها من أجل الإفلات من جاذبية تلك الكتلة. و"الثقب الأسود" لو كان مقدار كتلته واحد غرام فإنَّ الضوء (أو جسيم "الفوتون") لن يتمكَّن أبدا من الإفلات من قبضة جاذبيته؛ لأنَّ "سرعة الإفلات" من هذا الجسم الكوني تفوق السرعة القصوى في الطبيعة التي هي 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (سرعة الضوء). وليس من جسم، أو جسيم، بحسب نظرية "النسبية" لآينشتاين، يمكن أن يسير في الفضاء بسرعة تفوق سرعة الضوء.
إنَّ الضوء يستطيع الإفلات من جاذبية الشمس مثلا؛ ولكن إذا ما تحوَّلت كل الكتلة الشمسية إلى "ثقب أسود" فإنَّ الضوء لن يتمكَّن، عندئذٍ، من الإفلات من جاذبية هذا الجسم الكوني على الرغم من تساويه مع الشمس في الكتلة. وهذا إنَّما يُفسَّر بـ "الفرق الهائل في الكثافة"، فكثافة المادة في هذا "الثقب الأسود" تفوق كثيرا، وكثيرا جدا، كثافتها في الشمس. وهذا التفوُّق في الكثافة (أي هذا الحجم المفرِط في ضآلته للكتلة ذاتها) يؤدِّي إلى جَعْل نصف قطر "الثقب الأسود" مُفْرِطا في ضآلته، فيترتَّب على ذلك ظاهرة "استحالة إفلات الضوء من جاذبيته".
"الجاذبية"، بحسب نظرية "النسبية العامَّة" لآينشتاين، هي مَظْهَر من مظاهر تَقَوُّس (انحناء) الزمان ـ المكان، أو "الزمكان". هذا التقوُّس هو في الشمس أشد منه في الأرض مثلا، أي أنَّ مسارات الأجسام (أو الجسيمات) حَوْل الشمس (أو على مقربة منها) تكون أكثر انحناءً؛ وسير الزمن يكون في بطء أعظم.
وهذا التقوُّس في "الزمكان" الشمسي سيُصبح في منتهى الشدة لو تحوَّلت الشمس، بكتلتها ذاتها، إلى "ثقب أسود". هنا، على ما يُقال، تتوقَّف عقارب الساعة عن الحركة، ويتقوَّس الفضاء، أو المكان، تقوُّسا يَحُول بين الضوء وبين إفلاته من جاذبية "الثقب الأسود" الذي نَتَج من انهيار مادة الشمس على ذاتها.
وكلَّما زادت كتلة "الثقب الأسود" زاد نصف قطره، أي المسافة الفاصلة بين مَرْكَزه (Singularity) وسطحه، أو محيطه، المسمَّى "أُفْق الحدث" Event Horizon. و"أُفْق الحدث" هو الخطِّ الفاصل بين "الجاذبية العادية" لـ "الثقب الأسود" و"جاذبيته المطلقة".
إذا قُلْنا بظاهرة "الثقب الأسود" فلا مناص لنا، بالتالي، من القول بأنَّ هذا "الانهيار" هو الذي بفضله نشأت وتكوَّنت تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" التي منها جاء الكون. وهذا إنَّما يعني، ويجب أن يعني، أنَّ كَوْناً آخر قد انهارت مادته، أو كتلته التي كان لها حجم معيَّن، على ذاتها قبل، ومن أجل، نشوء تلك "النقطة"، التي تركَّزت فيها كل مادة الكون (كل كتلته وطاقته) ولكن في "حجم معدوم"، فـ "الكتلة المعدومة الحجم" لا يمكن أن تأتي إلا من "كتلة لها حجم".
ويكفي أن نفهم "النقطة" التي انبثق منها الكون على هذا النحو حتى ينتفي المنطق من قول من قبيل إنَّ العِلْم لن يتمكَّن أبدا من إجابة سؤال "مِنْ أين جاءت تلك النقطة؟".
حتى الآن، ليس من خلاف بين علماء الكون في أنَّ "النقطة الكونية" و"مَرْكَز الثقب الأسود" يشتركان في كونهما "كتلة عديمة الحجم". وليس من خلاف بينهم في أنَّ "الكتلة عديمة الحجم" في مَرْكَز "الثقب الأسود" قد جاءت من "كتلة لها حجم" إذ انهارت على ذاتها.
وعليه، لا يقولون إنَّ العِلْم لن يتمكَّن أبدا من إجابة سؤال "مِنْ أين جاء الثقب الأسود؟"، فإجابته هي عندهم معلومة على وجه اليقين. أمَّا إذا سُئِلوا "مِنْ أين جاءت تلك النقطة الكونية؟" فإنَّ إجابتهم عندئذٍ تكون "لا نعرف، ولن نعرف أبدا"!
لو أنَّهم فهموا وفسَّروا "النقطة الكونية" على أنَّها ثمرة انهيار "المادة الكونية"، من قبل، على ذاتها لانتفت الحاجة لديهم إلى السؤال عن مصير ومستقبل "التمدُّد الكوني"، ولانتفت الحاجة لديهم أيضا إلى أن يقولوا في إجابتهم: "إذا كانت كتلة الكون تقلُّ عن مقدار معيَّن فلن يعرف التمدُّد الكوني نهاية؛ لأنَّ الجاذبية الكونية لن تكون قوية بما يكفي لِجَعْل الكون يتوقَّف عن التمدُّد، ولِجَعْلِه، من ثمَّ، يسير في مسار التقلُّص والانكماش، وصولا إلى نقطة كونية جديدة.. أمَّا إذا كانت كتلة الكون تزيد عن ذاك المقدار فإنَّ تمدُّد الكون (المستمر والمتسارع) سيتوقَّف عن حدٍّ معيَّن، ليشرع يتقلَّص وينكمش، وصولا إلى نقطة كونية جديدة".
إذا فهمنا وفسَّرنا "النقطة الكونية" على ذاك النحو، وإذا ظللنا على إيماننا بقانون حفظ المادة، فلن نجد مناصا عندئذٍ من القول بضرورة وحتمية أن يتوقَّف تمدُّد الكون عند نقطة معيَّنة، وأن يشرع الكون، من ثمَّ، يسير في مسار التقلُّص والانكماش، وصولا إلى نقطة كونية جديدة، تتركَّز فيها الكتلة الكونية ذاتها؛ لأنْ لا زيادة ولا نقصان في مادة الكون، أي في كتلته وطاقته.
إننا يكفي أن نقول بـ "الدورة الكونية" غير القابلة للنفاد، حتى لا نجد سببا موجِبا لسؤال "هل في الكون من الكتلة ما يكفي لتحوُّل تمدُّده وتوسُّعه إلى تقلُّص وانكماش؟". ليس من سبب موجِبٍ لهذا السؤال؛ لأنَّ "المقدار ذاته" من الكتلة (الكونية) صَنَع أكوان كثيرة، وخَلَق، بالتالي، ظاهرة "التعاقب الكوني".
هل للكون (أي لكوننا) من حافَّة؟ بفضل التلسكوبات المتطوِّرة رأيْنا في السماء أجساما كونية (مجرَّات مثلا) تَبْعُد عنَّا (أي عن الكرة الأرضية) مسافة (فضائية) يقطعها الضوء (الذي هو أسْرَع ما في الكون) في زمن مقداره 15 مليار سنة.
ولفهم أبعاد ومعاني هذه الظاهرة نُوْرِد (أو نتخيَّل) المثال الآتي: في موضع ما في الفضاء، يُوْجَد طفل عُمْرُه سنة واحدة. ويُوْجَد إلى جانبه مُصَوِّر فوتوغرافي، قام بالتقاط صورة له، ثمَّ حَمَل الصورة، مُنْطَلِقا في الفضاء نحو كوكب الأرض لِيْرينا إيَّاها. وكان هذا المُصَوِّر يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. وَصَل إلى كوكب الأرض بعد 10 سنوات. لكَ، إذا شئت، أن تَحْسِب كم ثانية تَتَضَمَّن السنوات العشر، وكم كيلومتر قد قطع في خلال تلك السنوات العشر.
الآن، أرانا الصورة، فَرَأيْنا أنَّها صورة طفل عمره سنة واحدة، فهل عُمْر هذا الطفل "الآن" سنة واحدة فحسب؟ كلا، ليس سنة واحدة. عُمْرُه "الآن" 10 سنوات، إذا ما افْتَرَضنا أنَّه ما زال على قيد الحياة.
وذاك الجسم الكوني (مجرَّة مثلا) الذي يَبْعُد عنَّا 15 مليار سنة ضوئية والذي نراه الآن (من خلال التلسكوب) إنَّما هو "صورته التي الْتُقِطَت له قبل 15 مليار سنة". إنَّنا نراه الآن في الهيئة (أو الصورة) التي كان عليها قبل 15 مليار سنة، أي عندما كان طفلا رضيعا، ففي الكون يُعَدُّ الأبْعَد (أي الجسم الكوني الأكثر بُعْدا من غيره عن كوكب الأرض) الأصغر سِنَّا مِمَّا هو عليه اليوم، إذا ما افْتَرَضنا أنَّه ما زال على قيد الحياة.
لِنَفْتَرِض أنَّ عُمْر كوننا 20 مليار سنة. يترتَّب على ذلك أنَّ هذا الجسم الكوني الذي نراه الآن والذي يَبْعُد عنَّا 15 مليار سنة لا نراه إلا في الهيئة التي كان عليها بَعْد 5 مليارات سنة من ولادة الكون.
لو جئنا بتلسكوب أكثر تطوُّرا فسوف نرى جسما كونيا يَبْعُد عنَّا 19 مليار سنة ضوئية مثلا. لقد اقتربنا كثيرا مِمَّا يمكن تسميته "حافَّة" الكون، أي النقطة الكونية التي تَبْعُد عنَّا 20 مليار سنة ضوئية.
إذا ما تمكَّنا من رؤية تلك النقطة فإنَّنا سنرى عندئذٍ الحال التي كانت عليها مادة كوننا عند الولادة. وإذا ما رَأيْنا تلك النقطة، أو تلك الحال، فلا بدَّ لنا، عندئذٍ، من أن نسأل "ماذا يُوْجَد بَعْد تلك الحافَّة؟"، أي "ما الذي يمكننا رؤيته، إذا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، بَعْد تلك النقطة، أو تلك الحافَّة؟".
أوَّلا، لن نتمكَّن أبدا من رؤية الكون في لحظة ولادته؛ لأنَّ "المُصَوِّر" الذي كان هناك، والذي التقط له الصورة عند ولادته، لم يستطع مغادرة المكان، وقُتِل، وأُتْلِفت كاميرته مع الصورة التي التقطها. هذا "المُصَوِّر"، وهو الضوء، كان يحاول السفر؛ ولكنَّ كان هناك ما يلتهمه ويمتَّصه، وهو "الجسيمات المادية". عندما بلغ الكون حجما معيَّنا في نموِّه، وصار الفضاء شفَّافا، أي خاليا من "المصائد" لتضاؤل كثافة "الجسيمات المادية"، تمكَّن الضوء (المُصَوِّر) من الانطلاق والسفر.
لسببٍ ثانٍ لن نرى أبدا "حافَّة" الكون؛ وهذا السبب إنَّما هو "التمدُّد المستمر (والمتسارع) للكون"، فالنقطة الكونية الأبْعَد، والتي قد نتخيَّلها على أنَّها "حافَّة" الكون، ليست بالثابتة. إنَّها تتحرَّك مُبْتَعِدة عنَّا بسبب التمدُّد المستمر للكون. و"ابتعادها" هذا إنَّما هو "تباعُد" في حقيقته، فتلك "الحافة" وكوكب الأرض في تنافُر، أي أنَّهما طرفان يبتعد كلاهما عن الآخر في اللحظة نفسها، وبالمقدار نفسه. وملاحقتنا لـ "الحافَّة" بالتلسكوب إنَّما يشبه ملاحقة سفينة لنقطة الأفق، أي للنقطة التي عندها تبدو لنا السماء ملتصقة بماء البحر، فكلَّما اقْتَرَبْنا من نقطة الأفق ابتعدت تلك النقطة.
لسبب ثالثٍ لن نرى أبدا للكون "حافَّة" إذا ما تخيَّلنا تلك "الحافَّة" على أنَّها أبْعَد نقطة كونية عن الأرض. وهذا السبب إنَّما يَكْمُن في فرضية أنَّ الكون كروي الشكل، عِلْماً أنَّ الفرضية التي يكاد أن يُجْمِع علماء الكون على صحَّتها هي أنَّ الكون ليس بكروي الشكل، وأنَّه يشبه "الورقة المنبسطة"، أي أنَّ تقوُّس (أو انحناء) الزمكان فيه يكاد أن يكون معدوما.
إذا قُلْنا بفرضية أنَّ الكون كروي الشكل، وأنَّ كل الكون (الفضاء والمجرَّات..) يقع على سطح يشبه سطح البالون الضخم، فهذا إنَّما يعني، ويجب أن يعني، أنَّ "حافَّة" الكون هي حيث أقِفْ ناظِرا عَبْر التلسكوب إلى "حافَّته".
بقي أن نقول في دحض فرضية "الحافَّة الكونية" إنَّ نجما يُوْلَدُ "الآن" في موضع ما في الفضاء لن نراه عَبْر التلسكوب إلا بعد مرور بعضٍ من الوقت (بَعْد سنة أو 100 سنة أو مليون سنة..). ولكن، لنَفْتَرِض أنَّنا رأيْنا الآن عبر تلسكوب متطوِّر جدا جسما كونيا يَبْعُد عن الكرة الأرضية 25 مليار سنة ضوئية، فهل يعني هذا، أو يجب أن يعني، أنَّ الضوء الصادِر عن هذا الجسم الكوني قد وصل إلينا الآن؟ كلا، لا يعني بالضرورة، فضوء هذا الجسم كان موجودا في السماء حتى عند ولادة كوكب الأرض؛ ولكنَّنا بفضل هذا التلسكوب المتطوِّر جدا تمكَّنا الآن من رؤية هذا الضوء.
أمَّا تعليل هذه الظاهرة فيكمن في الآتي: أجزاء الكون الأساسية كانت قبل نحو 10 مليارات سنة مثلا متقاربة جدا، وكان الضوء الصادِر عن كل جزء يصل إلى سائر الأجزاء؛ لأنْ لا شيء في الكون يمكنه أن يسبق الضوء، أو أن يسير بسرعة تفوق سرعته. ومع استمرار الفضاء في التمدُّد استمرت أجزاء الكون الأساسية في التباعد (التنافر). وعلى الرغم من تباعُد تلك الأجزاء، واستمرارها في التباعد، ظل الضوء الصادِر عن كل جزء منها يصل دائما إلى سائر الأجزاء؛ لأنَّ ظاهرة التباعُد لا تعني أبدا أنَّ جزءا ما من تلك الأجزاء قد ابتعد عنَّا بسرعة تزيد عن سرعة الضوء.
وهذا إنَّما يعني أنَّ أجزاء الكون الأساسية قد ظلَّت مُذْ وُلِدَ الكون في حالٍ من "الاتِّصال الضوئي". وإذا كان من فَرْق في ظاهرة "الاتِّصال الضوئي" فهذا الفَرْق إنَّما هو الاتِّساع المستمر والمتزايد للمسافة الفضائية الفاصلة بين كل جزء وسائر الأجزاء نتيجةً لاستمرار وتزايد تمدُّد الفضاء.
سأقوم بنشر كل محاولاتهم لأني لست بعالم في الفلك وأرجو الرد من الاخوة , وآمل الرد على كل ما ينشرونه
( ص )
هنا احد العلمانيين الداعمين للإلحاد يحاول الإطاحة بنظرية الانفجار العظيم لأنها تؤدي إلى اللإيمان بوجود فاعل للكون
كما هنالك مقالة اخرى من علماء للتهوين من شأنها أرجو المساعدة في الرد من الاخوة الدارسين الكبار
النص:
الانفجار العظيم" هو "القوَّة"، أو هو المُوَلِّد لـ "القوَّة"، التي تُمْعِن، مُذْ وُلِدَ الكون، في "مطِّ" الفضاء، أو ما يمكن وصفه بـ "النسيج" الفضائي. وهذه "القوَّة" الكامنة في "النسيج الفضائي" تَدْفَع، في استمرار، وفي سرعة متزايدة الآن على ما يُقال، "أجزاء الكون"، والتي تشبه "جُزُراً" في بحرٍ هو هذا الفضاء أو "النسيج الفضائي"، عن بعضها بعضا، وكأنَّها قوَّة مُوَلِّدة لـ "التنافر" بين تلك الأجزاء. و"الانفجار العظيم"، على ما يقول به أنصار ومؤيِّدو هذا التصوُّر الكوزمولوجي، هو "القوَّة الخالِقة" للفضاء (أو للنسيج الفضائي) ذاته، فهذا "الانفجار" إنَّما وَقَعَ، أو حَدَثَ، في "نقطة (ليس كمثلها شيء في الطبيعة أو في عالَم الفيزياء) متناهية في الصِغَر"، كانت تَخْلو خُلُوَّاً مُطْلَقا من هذا الشيء الذي ندعوه "الفضاء"، أي أنَّها كانت ولم يَكُن فضاء.
وإذا جاز تمييز "المادة" من "الفضاء" فيُمْكننا تشبيه "المادة"، أي "الجُزُر الكونية (كل جزيرة تتألَّف من عدد من المجرَّات)" والمجرَّات والنجوم..، بـ "نُقَطٍ على سطح بالون"، وتشبيه "الفضاء" بـ "مادة المطَّاط" المصنوع منها البالون، والتي مع تَمَطُّطِها، أو تمدُّدِها، تتباعَد تلك "النُقَط"، أي تَظْهَر لنا على أنَّها تتحرَّك مُبْتَعِدَةً عن بعضها بعضا. أقول "تَظْهَر لنا"؛ لأنَّها، في الحقيقة، لا تتحرَّك مُبْتَعِدَةً عن بعضها بعضا، فمادة المطَّاط هي التي تتمدَّد فعلاً.
أنتَ الذي تَقَع في خارج البالون يُمْكِنُكَ أنْ تُشاهِد البالون وهو يتمدَّد؛ ولكن، هل في مقدوركَ أنْ تُشاهِد "البالون الكوني" حتى تستطيع مشاهدته وهو يتمدَّد؟ كلا، لا يُمْكِنَكَ أبدا ذلك؛ لأنْ ليس من مَوْضِع يمكن أنْ نسمِّيه "خارِج، أو حَوْل، البالون (الكوني)".. ليس من شيء يمكن أنْ نتصوَّره على أنَّه "فضاء آخر" يَقَعُ فيه (أو ضِمْنه) البالون الكوني، فلا فضاء إلا الفضاء الذي نُشَبِّهه بـ "غشاء البالون". الكون لا خارِج له، فكل شيء نعرفه، أو يُمْكِننا تَخَيُّله، إنَّما هو جزء من الكون ذاته.
وهذا التمدَّد للفضاء هو الذي تسبَّب بـ "برودة الكون"، فمع كل تمدُّد فضائي تَهْبِط درجة حرارة الكون، أي يقلُّ الكون حرارةً أو سخونةً. وهذا إنَّما يعني، أو يجب أن يعني، أنَّ ظاهرتي "الحرارة" و"البرودة" الكونيتين قد وُلِدتا هما أيضا على يديِّ "الانفجار الكوني"، فليس من المنطق، بحسب منطق نظرية "الانفجار العظيم"، أنْ نتصوَّر تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر"، والتي "وَقَعَ فيها" هذا "الانفجار"، على أنَّها "شيء حار (في منتهى الحرارة) أو بارِد". إنَّها، وبحسب منطق تلك النظرية الكوزمولوجية، شيء يَخْلو خُلُوَّا مُطْلَقا من الفضاء، ومن ظاهرتي "الحرارة" و"البرودة"، ومن "الزمن"، فالزمن ذاته هو أيضا مخلوق من مخلوقات "الانفجار العظيم".
وأنتَ يكفي أنْ تقول بـ "نقطة متناهية في الصِغَر"، تَخْلو خُلُوَّا مُطْلَقا من "الزمن"، حتى لا يبقى لديكَ من مناصٍ لتصوُّر تلك "النقطة" على أنَّها شيء لا يَعْرِفُ شيئاً من "التغيُّر"، فالقول بـ "انتفاء الزمن" إنَّما هو ذاته القول بـ "انتفاء التغيُّر". الشيء الذي لا يَعْرِف شيئاً من "التغيُّر"، على افتراض وجود هذا الشيء، أو على افتراض أنَّه مُمْكِن الوجود، إنَّما هو شيء "عديم الزمن"، فـ "التغيُّر" و"الزمن" صنوان، وبـ "التغيُّر" فحسب يُقاس "الزمن". تَخَيَّل أنَّكَ كنتَ مقيماً في داخل تلك "النقطة"، فكيف لكَ أنْ تَزْعُم أنَّ الزمن لا وجود له إذا ما كان قَلْبُكَ يَدُقُّ ويَنْبُض؟!
وكيف لكَ أنْ تَزْعُم ذلك إذا ما رَأيْتَ هذا الإلكترون يدور حَوْل نواة هذه الذرَّة في استمرار؟!
أعْلَمُ أنَّ تلك "النقطة"، التي فيها تركَّزت "مادة" الكون كلها، أي كل كتلته وطاقته، تَقِلُّ عن الذرَّة، أو عن نواتها، "حجما"؛ ولكنَّ هذا لا يعني، ويجب ألا يعني، أنَّها كانت شيئاً لا يَعْرِفُ شيئا من "التغيُّر".
ثمَّ ما معنى أنْ تُوْصَف تلك "النقطة" بأنَّها "متناهية في الصِغَر"؟ إنَّها ليست "متناهية في الصِغَر" في "كتلتها"؛ لأنَّ كل كتلة الكون تتركَّز فيها. إنَّها في "حجمها" فحسب "متناهية في الصِغَر"، فـ "حجمها"، على ما يُزْعَم، يَقِلُّ كثيرا، وكثيرا جدا، عن حجم "البروتون"، أو "نواة الذرَّة". و"الحجم"، على ما نَعْرِف، يتألَّف من ثلاثة أبعاد هي "الطول" و"العرض" و"الارتفاع (أو "العُمْق"، أو "السُمْك")".
و"حجم" الجسم، أو الجسيم، لا يُمْكِنه أن يتضاءل من غير أنْ تزداد "كثافته" في حال ظلَّت "كتلته" على مقدارها. على أنَّ ازدياد "كثافة" شيء ما لا يُمْكِن فهمه إلا على أنَّه دليل على "تقلُّص (أو انكماش) حجم الفضاء (أو الفراغ) في داخل هذا الشيء"، فالشيء، ولو كان جسيما، يمكن ويجب أن ينطوي على "حجم من الفضاء (أو الفراغ) غير قابلٍ للنفاد". ومهما ازداد الشيء، ولو كان جسيما في حجم "الكوارك" مثلا، كثافة فإنَّه لن يصل أبدا إلى ما يمكن تسميته "الكثافة المُطْلَقة"؛ لأنَّه لا يمكن أن يصبح في حال "الانعدام الفضائي الداخلي"، فشيء من الفضاء، أو الفراغ، يجب أن يبقى في داخل الشيء الذي في منتهى الكثافة.
إذا صحَّ هذا، أي إذا صحَّ أنَّ تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" يجب أن تنطوي على فضاء، أو فراغ، فكيف لهم أن يُوَفِّقوا بينه وبينه قولهم بخلق الفضاء على يديِّ "الانفجار العظيم"؟!
ولكنَّ السؤال الأهم الذي لم يُجِبْهُ مؤسِّسو وأنصار نظرية "الانفجار العظيم" هو الآتي: لماذا افْتَرَضوا تَرَكُّز كل ما في الكون من كتلة وطاقة في "نقطة متناهية في الصِغَر"، أي في نقطة يَقِلُّ حجمها عن حجم "البروتون"؟!
إذا ما رَأيْتُ مجرَّات، أو "جُزُر الكون"، في تباعُد (تنافُر) مستمر ومتزايد، فإنَّ من المنطق أنْ أفْتَرِض أنَّها في الماضي كانت متقاربة، وأنَّ تقاربها يزداد مع كل تَوَغُّلٍ في الماضي الكوني.
ولكن، أين هو المنطق (الفيزيائي والعِلْمي) في أن أفْتَرِضَ أنَّ هذا التقارب المتزايد (بين الجُزُر الكونية) يمكن ويجب أن ينتهي إلى تركيز كل مادة الكون في نقطة يقلُّ حجمها كثيرا عن حجم "البروتون"؟!
لماذا افْتَرضوا لها حجما يقلُّ عن حجم "البروتون" ولم يفترضوا لها حجما يَعْدِل حجم "البطيخة" مثلاً؟!
ما هي الأسباب والحيثيات والمبرِّرات والدواعي والقوانين الفيزيائية التي حَمَلَتْهُم على افْتَراض ذلك الحجم المتناهي في الصِغَر، وعلى (مِنْ ثمَّ) تصوُّر تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" على أنَّها شيء "عديم الفضاء"، و"عديم الزمان"؟!
وهُمْ يكفي أنْ يتصوَّرونها على هذا النحو حتى يَتَعَيَّن عليهم أنْ يقولوا أيضا بأنَّها شيء "عديم الجاذبية"، فإذا كان "انحناء الفضاء"، أو "انحناء الزمان ـ المكان (الزمكان)"، هو، بحسب "النسبية العامَّة" لآينشتاين، المعنى الجوهري والأساسي لـ "الجاذبية" Gravity فكيف لـ "الجاذبية" أن تقوم لها قائمة، في تلك النقطة، إذا ما كان "الفضاء" و"الزمان" لم يُخْلقا بَعْد؟!
لو سألْتُهُم عن "القوَّة" التي بفضلها تتماسك مكوِّنات نواة الذرة (من بروتونات ونيوترونات) لأجابوكَ قائلين: إنَّها ليست "الجاذبية" وإنَّما "القوَّة النووية الشديدة"، فـ "الجاذبية" في داخل نواة الذرَّة أضعف من أن تكون سبب هذا التماسك. وعليه، تتولى "القوَّة النووية الشديدة" إنجاز المهمَّة.. مهمَّة جعل مكوِّنات نواة الذرَّة متماسكة.
إذا هُمْ قالوا، على تهافت منطق قولهم، بـ "الجاذبية" سببا للتماسك الداخلي لتلك "النقطة المتناهية في الصِغَر"، والتي تتركَّز فيها مادة الكون كلها، فكيف لها أن تكون كذلك وهي التي تُظْهِر عجزا عن أن تكون القوَّة التي بفضلها تتماسك نواة الذرَّة التي هي، في حجمها، أكبر كثيرا من تلك النقطة؟!
الكون الذي انبثق من "الانفجار العظيم" إنَّما هو تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" وقد تحوَّلت (بفضل هذا الانفجار) إلى ما يشبه "غشاء (أو سطح) البالون"، فهذا الكون إنَّما هو في شكل "كرة" ليس من فضاء في داخلها (جوفها) أو في خارجها، فـ "محيطها"، أو "سطحها"، هو "الكون كله"، بفضائه وجُزُرِه ومجرَّاته ونجومه..
لا شيء ممَّا نَعْرِف، أو ممَّا نتخيَّل، يُوْجَد في داخل، أو في خارج، "الكرة الكونية". وإذا كان من شيء في داخلها، أو في خارجها، فلن نتمكَّن أبدا من اكتشافه ومعرفته، أو من التأثير والتأثُّر فيه، فهذا الشيء الافتراضي (أو الوهمي إذا ما أرَدتَ له هذا الوصف) ليس بجزء من كوننا (إذا ما كنتَ من القائلين بـ "التعددية الكونية") أو من الكون (إذا ما كنتَ من القائلين بـ "وحدانية الكون").
البالون في تمدُّده إنَّما يتمدَّد بوصفه جسما في داخله، وفي خارجه، فضاء أو فراغ. أمَّا "البالون الكوني" فهو يتمدَّد بوصفه جسما ليس من فضاء في داخله، أو في خارجه؛ لأنْ لا فضاء إلا الفضاء الذي يقع (مع المجرَّات..) على سطح هذا البالون، الذي في مقدوركَ أن تسير فيه إلى الأمام، وإلى الوراء، إلى اليمين، وإلى اليسار، إلى أعلى، وإلى أسفل، في "خطٍّ مستقيم (بحسب معنى "الاستقامة" في "النسبية العامَّة)"، وفي خطٍّ منحنٍ، فهذا "السطح"، أو "الغشاء"، هو "المكان" بأبعاده الثلاثة، التي لا يمكن أبدا أن تنفصل عن "البُعْد الرابع" وهو "الزمان".
ولتوضيح معنى السير في الفضاء إلى أسفل نُوْرِد المثال الآتي: تخيَّل أنَّكَ تقف فوق القطب الشمالي من الكرة الأرضية، وأنَّ هذه الكرة كانت جسما شفَّافاً.. وأنَّكَ أردتَ أن تسير فيها إلى أسفل، أي أن تسير في خط مستقيم من القطب الشمالي حتى القطب الجنوبي، وأن تَخْتَرِق القطب الجنوبي مواصِلاً سيركَ في الفضاء في خطٍّ مستقيم. بعد مضي مقدار معيَّن من الزمن سترى أن سيركَ في الفضاء إلى أسفل وفي خطٍّ مستقيم قد أعادكَ إلى حيث انطلقت، أي إلى القطب الشمالي. إنَّكَ في هذه الحال قد قُمْتَ برحلة فضائية، قَطَعْتَ فيها مسافة تَعْدِل طول محيط دائرة الكون، فَعُدتَّ إلى القطب الشمالي الذي منه انطلقت.
تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر"، والتي ليس كمثلها جسم، أو جسيم، في "الخواص والصفات المادية والفيزيائية"، إنَّما تشبه، عند "انفجارها"، جسما كرويا أَخْرَجَ كل ما فيه من مادة إلى "سطحه"، فغدا "جوفه"، أو "بطنه"، بالتالي، مُفْرَغا تماما من المادة والفضاء.. من كل شيء نَعْرِف، أو يمكن أن نتخيَّل.
هذا الكون، وبحسب "ساعته" التي وُلِدَت معه، كان في الثواني الأولى من عُمْرِه بحجم "حبَّة الفاصولياء" مثلا. وكان "كوناً جسيمياً"، أي يتألَّف ليس من مجرَّات ونجوم..، وليس من ذرَّات ونوى ذرَّات، وإنَّما من جسيمات كمثل البروتونات والنيوترونات.. ومن فوتونات (جسيمات الطاقة). بعد مرور ثلاث دقائق على "الانفجار" شرعت نوى الذرَّات تتكوَّن. وبعد مرور نحو 500 ألف سنة على "الانفجار" شرعت نوى الذرَّات والإلكترونات تَتَّحِد مؤلِّفةً الذرَّات. وبعد مرور 1000 مليون سنة على "الانفجار" شرعت ذرَّات الهيدروجين والهيليوم تتجمَّع بفضل "الجاذبية" مؤلِّفةً سُحُبا غازيَّة ضخمة Giant Gas Clouds. وهذه السُحُب تحوَّلت إلى مجرَّات. أمَّا السُحُب الأصغر فكانت تنهار مؤلِّفةً النجوم الأولى. واتَّحَدت المجرَّات مع بعضها بعضا مؤلِّفةً ما يشبه "العائلات" و"العشائر" و"القبائل" Galaxy Groups.
علماء الكون يقولون، في غالبيتهم العظمى، بوجود ظاهرة "الثقب الأسود" .Black Hole ويرون تماثُلا، أو أوجه شبه كثيرة، بين تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" التي منها انبثق الكون وبين مَرْكَز (Singularity) الجسم المسمَّى "الثقب الأسود"، فـ "الكتلة" Mass فيهما "عديمة الحجم". ويرون، أيضا، أنَّ "انهيار المادة على ذاتها" في نجم (له كتلة معيَّنة) هو الذي يُولِّد ظاهرة "الثقب الأسود"، أي يحوِّل كتلة النجم ذاتها تقريبا من كتلة لها حجم إلى كتلة لا حجم لها.
وهذا الانهيار إنَّما يُنْتِجه استنفاد النجم ذاك لقدرته على توليد مزيد من الحرارة والضوء (عَبْر عملية "الاندماج النووي") فتَرْجَح، بالتالي، كفَّة قوَّة الجاذبية في النجم على كفَّة القوَّة المضادة (في داخله) لانكماش وتقلُّص حجم كتلته، فتنهار مادته على ذاتها، فيتولَّد عن هذا الانهيار "ثقب أسود".
ومن الوجهة النظرية الصرف، يمكن أن ينشأ "ثقب أسود" من أي مقدار من الكتلة إذا ما ضُغِطَ هذا المقدار إلى حدٍّ معيَّن، فلو جِئت بمادة ما، مقدار كتلتها واحد غرام مثلا، وقُمْتَ بضغطها (أي تقليص حجمها وزيادة كثافتها بالتالي) إلى حدٍّ معيَّن، فإنَّها تتحوَّل إلى "ثقب أسود"، لا يختلف نوعا عن "ثقب أسود" ناشئ عن ضغط كتلة الشمس، مثلا، إلى حدٍّ معيَّن، فهذان "الثقبان" إنَّما يختلفان في "نصف القطر"، فنصف قطر الأوَّل يقلُّ كثيرا عن نصف قطر الثاني.
"الثقب الأسود" إنَّما هو الظاهرة الكونية التي تنشأ عَبْر جَعْل الكتلة ذاتها (مهما كان مقدارها كبيرا أو صغيرا) في أصغر حجم ممكن.
ولكل "كتلة"، مهما كانت صغيرة، "سرعة إفلات (من جاذبيتها)" Escape Velocity. و"سرعة الإفلات" إنَّما هي السرعة التي ينبغي لجسم ما بلوغها من أجل الإفلات من جاذبية تلك الكتلة. و"الثقب الأسود" لو كان مقدار كتلته واحد غرام فإنَّ الضوء (أو جسيم "الفوتون") لن يتمكَّن أبدا من الإفلات من قبضة جاذبيته؛ لأنَّ "سرعة الإفلات" من هذا الجسم الكوني تفوق السرعة القصوى في الطبيعة التي هي 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة (سرعة الضوء). وليس من جسم، أو جسيم، بحسب نظرية "النسبية" لآينشتاين، يمكن أن يسير في الفضاء بسرعة تفوق سرعة الضوء.
إنَّ الضوء يستطيع الإفلات من جاذبية الشمس مثلا؛ ولكن إذا ما تحوَّلت كل الكتلة الشمسية إلى "ثقب أسود" فإنَّ الضوء لن يتمكَّن، عندئذٍ، من الإفلات من جاذبية هذا الجسم الكوني على الرغم من تساويه مع الشمس في الكتلة. وهذا إنَّما يُفسَّر بـ "الفرق الهائل في الكثافة"، فكثافة المادة في هذا "الثقب الأسود" تفوق كثيرا، وكثيرا جدا، كثافتها في الشمس. وهذا التفوُّق في الكثافة (أي هذا الحجم المفرِط في ضآلته للكتلة ذاتها) يؤدِّي إلى جَعْل نصف قطر "الثقب الأسود" مُفْرِطا في ضآلته، فيترتَّب على ذلك ظاهرة "استحالة إفلات الضوء من جاذبيته".
"الجاذبية"، بحسب نظرية "النسبية العامَّة" لآينشتاين، هي مَظْهَر من مظاهر تَقَوُّس (انحناء) الزمان ـ المكان، أو "الزمكان". هذا التقوُّس هو في الشمس أشد منه في الأرض مثلا، أي أنَّ مسارات الأجسام (أو الجسيمات) حَوْل الشمس (أو على مقربة منها) تكون أكثر انحناءً؛ وسير الزمن يكون في بطء أعظم.
وهذا التقوُّس في "الزمكان" الشمسي سيُصبح في منتهى الشدة لو تحوَّلت الشمس، بكتلتها ذاتها، إلى "ثقب أسود". هنا، على ما يُقال، تتوقَّف عقارب الساعة عن الحركة، ويتقوَّس الفضاء، أو المكان، تقوُّسا يَحُول بين الضوء وبين إفلاته من جاذبية "الثقب الأسود" الذي نَتَج من انهيار مادة الشمس على ذاتها.
وكلَّما زادت كتلة "الثقب الأسود" زاد نصف قطره، أي المسافة الفاصلة بين مَرْكَزه (Singularity) وسطحه، أو محيطه، المسمَّى "أُفْق الحدث" Event Horizon. و"أُفْق الحدث" هو الخطِّ الفاصل بين "الجاذبية العادية" لـ "الثقب الأسود" و"جاذبيته المطلقة".
إذا قُلْنا بظاهرة "الثقب الأسود" فلا مناص لنا، بالتالي، من القول بأنَّ هذا "الانهيار" هو الذي بفضله نشأت وتكوَّنت تلك "النقطة المتناهية في الصِغَر" التي منها جاء الكون. وهذا إنَّما يعني، ويجب أن يعني، أنَّ كَوْناً آخر قد انهارت مادته، أو كتلته التي كان لها حجم معيَّن، على ذاتها قبل، ومن أجل، نشوء تلك "النقطة"، التي تركَّزت فيها كل مادة الكون (كل كتلته وطاقته) ولكن في "حجم معدوم"، فـ "الكتلة المعدومة الحجم" لا يمكن أن تأتي إلا من "كتلة لها حجم".
ويكفي أن نفهم "النقطة" التي انبثق منها الكون على هذا النحو حتى ينتفي المنطق من قول من قبيل إنَّ العِلْم لن يتمكَّن أبدا من إجابة سؤال "مِنْ أين جاءت تلك النقطة؟".
حتى الآن، ليس من خلاف بين علماء الكون في أنَّ "النقطة الكونية" و"مَرْكَز الثقب الأسود" يشتركان في كونهما "كتلة عديمة الحجم". وليس من خلاف بينهم في أنَّ "الكتلة عديمة الحجم" في مَرْكَز "الثقب الأسود" قد جاءت من "كتلة لها حجم" إذ انهارت على ذاتها.
وعليه، لا يقولون إنَّ العِلْم لن يتمكَّن أبدا من إجابة سؤال "مِنْ أين جاء الثقب الأسود؟"، فإجابته هي عندهم معلومة على وجه اليقين. أمَّا إذا سُئِلوا "مِنْ أين جاءت تلك النقطة الكونية؟" فإنَّ إجابتهم عندئذٍ تكون "لا نعرف، ولن نعرف أبدا"!
لو أنَّهم فهموا وفسَّروا "النقطة الكونية" على أنَّها ثمرة انهيار "المادة الكونية"، من قبل، على ذاتها لانتفت الحاجة لديهم إلى السؤال عن مصير ومستقبل "التمدُّد الكوني"، ولانتفت الحاجة لديهم أيضا إلى أن يقولوا في إجابتهم: "إذا كانت كتلة الكون تقلُّ عن مقدار معيَّن فلن يعرف التمدُّد الكوني نهاية؛ لأنَّ الجاذبية الكونية لن تكون قوية بما يكفي لِجَعْل الكون يتوقَّف عن التمدُّد، ولِجَعْلِه، من ثمَّ، يسير في مسار التقلُّص والانكماش، وصولا إلى نقطة كونية جديدة.. أمَّا إذا كانت كتلة الكون تزيد عن ذاك المقدار فإنَّ تمدُّد الكون (المستمر والمتسارع) سيتوقَّف عن حدٍّ معيَّن، ليشرع يتقلَّص وينكمش، وصولا إلى نقطة كونية جديدة".
إذا فهمنا وفسَّرنا "النقطة الكونية" على ذاك النحو، وإذا ظللنا على إيماننا بقانون حفظ المادة، فلن نجد مناصا عندئذٍ من القول بضرورة وحتمية أن يتوقَّف تمدُّد الكون عند نقطة معيَّنة، وأن يشرع الكون، من ثمَّ، يسير في مسار التقلُّص والانكماش، وصولا إلى نقطة كونية جديدة، تتركَّز فيها الكتلة الكونية ذاتها؛ لأنْ لا زيادة ولا نقصان في مادة الكون، أي في كتلته وطاقته.
إننا يكفي أن نقول بـ "الدورة الكونية" غير القابلة للنفاد، حتى لا نجد سببا موجِبا لسؤال "هل في الكون من الكتلة ما يكفي لتحوُّل تمدُّده وتوسُّعه إلى تقلُّص وانكماش؟". ليس من سبب موجِبٍ لهذا السؤال؛ لأنَّ "المقدار ذاته" من الكتلة (الكونية) صَنَع أكوان كثيرة، وخَلَق، بالتالي، ظاهرة "التعاقب الكوني".
هل للكون (أي لكوننا) من حافَّة؟ بفضل التلسكوبات المتطوِّرة رأيْنا في السماء أجساما كونية (مجرَّات مثلا) تَبْعُد عنَّا (أي عن الكرة الأرضية) مسافة (فضائية) يقطعها الضوء (الذي هو أسْرَع ما في الكون) في زمن مقداره 15 مليار سنة.
ولفهم أبعاد ومعاني هذه الظاهرة نُوْرِد (أو نتخيَّل) المثال الآتي: في موضع ما في الفضاء، يُوْجَد طفل عُمْرُه سنة واحدة. ويُوْجَد إلى جانبه مُصَوِّر فوتوغرافي، قام بالتقاط صورة له، ثمَّ حَمَل الصورة، مُنْطَلِقا في الفضاء نحو كوكب الأرض لِيْرينا إيَّاها. وكان هذا المُصَوِّر يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. وَصَل إلى كوكب الأرض بعد 10 سنوات. لكَ، إذا شئت، أن تَحْسِب كم ثانية تَتَضَمَّن السنوات العشر، وكم كيلومتر قد قطع في خلال تلك السنوات العشر.
الآن، أرانا الصورة، فَرَأيْنا أنَّها صورة طفل عمره سنة واحدة، فهل عُمْر هذا الطفل "الآن" سنة واحدة فحسب؟ كلا، ليس سنة واحدة. عُمْرُه "الآن" 10 سنوات، إذا ما افْتَرَضنا أنَّه ما زال على قيد الحياة.
وذاك الجسم الكوني (مجرَّة مثلا) الذي يَبْعُد عنَّا 15 مليار سنة ضوئية والذي نراه الآن (من خلال التلسكوب) إنَّما هو "صورته التي الْتُقِطَت له قبل 15 مليار سنة". إنَّنا نراه الآن في الهيئة (أو الصورة) التي كان عليها قبل 15 مليار سنة، أي عندما كان طفلا رضيعا، ففي الكون يُعَدُّ الأبْعَد (أي الجسم الكوني الأكثر بُعْدا من غيره عن كوكب الأرض) الأصغر سِنَّا مِمَّا هو عليه اليوم، إذا ما افْتَرَضنا أنَّه ما زال على قيد الحياة.
لِنَفْتَرِض أنَّ عُمْر كوننا 20 مليار سنة. يترتَّب على ذلك أنَّ هذا الجسم الكوني الذي نراه الآن والذي يَبْعُد عنَّا 15 مليار سنة لا نراه إلا في الهيئة التي كان عليها بَعْد 5 مليارات سنة من ولادة الكون.
لو جئنا بتلسكوب أكثر تطوُّرا فسوف نرى جسما كونيا يَبْعُد عنَّا 19 مليار سنة ضوئية مثلا. لقد اقتربنا كثيرا مِمَّا يمكن تسميته "حافَّة" الكون، أي النقطة الكونية التي تَبْعُد عنَّا 20 مليار سنة ضوئية.
إذا ما تمكَّنا من رؤية تلك النقطة فإنَّنا سنرى عندئذٍ الحال التي كانت عليها مادة كوننا عند الولادة. وإذا ما رَأيْنا تلك النقطة، أو تلك الحال، فلا بدَّ لنا، عندئذٍ، من أن نسأل "ماذا يُوْجَد بَعْد تلك الحافَّة؟"، أي "ما الذي يمكننا رؤيته، إذا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، بَعْد تلك النقطة، أو تلك الحافَّة؟".
أوَّلا، لن نتمكَّن أبدا من رؤية الكون في لحظة ولادته؛ لأنَّ "المُصَوِّر" الذي كان هناك، والذي التقط له الصورة عند ولادته، لم يستطع مغادرة المكان، وقُتِل، وأُتْلِفت كاميرته مع الصورة التي التقطها. هذا "المُصَوِّر"، وهو الضوء، كان يحاول السفر؛ ولكنَّ كان هناك ما يلتهمه ويمتَّصه، وهو "الجسيمات المادية". عندما بلغ الكون حجما معيَّنا في نموِّه، وصار الفضاء شفَّافا، أي خاليا من "المصائد" لتضاؤل كثافة "الجسيمات المادية"، تمكَّن الضوء (المُصَوِّر) من الانطلاق والسفر.
لسببٍ ثانٍ لن نرى أبدا "حافَّة" الكون؛ وهذا السبب إنَّما هو "التمدُّد المستمر (والمتسارع) للكون"، فالنقطة الكونية الأبْعَد، والتي قد نتخيَّلها على أنَّها "حافَّة" الكون، ليست بالثابتة. إنَّها تتحرَّك مُبْتَعِدة عنَّا بسبب التمدُّد المستمر للكون. و"ابتعادها" هذا إنَّما هو "تباعُد" في حقيقته، فتلك "الحافة" وكوكب الأرض في تنافُر، أي أنَّهما طرفان يبتعد كلاهما عن الآخر في اللحظة نفسها، وبالمقدار نفسه. وملاحقتنا لـ "الحافَّة" بالتلسكوب إنَّما يشبه ملاحقة سفينة لنقطة الأفق، أي للنقطة التي عندها تبدو لنا السماء ملتصقة بماء البحر، فكلَّما اقْتَرَبْنا من نقطة الأفق ابتعدت تلك النقطة.
لسبب ثالثٍ لن نرى أبدا للكون "حافَّة" إذا ما تخيَّلنا تلك "الحافَّة" على أنَّها أبْعَد نقطة كونية عن الأرض. وهذا السبب إنَّما يَكْمُن في فرضية أنَّ الكون كروي الشكل، عِلْماً أنَّ الفرضية التي يكاد أن يُجْمِع علماء الكون على صحَّتها هي أنَّ الكون ليس بكروي الشكل، وأنَّه يشبه "الورقة المنبسطة"، أي أنَّ تقوُّس (أو انحناء) الزمكان فيه يكاد أن يكون معدوما.
إذا قُلْنا بفرضية أنَّ الكون كروي الشكل، وأنَّ كل الكون (الفضاء والمجرَّات..) يقع على سطح يشبه سطح البالون الضخم، فهذا إنَّما يعني، ويجب أن يعني، أنَّ "حافَّة" الكون هي حيث أقِفْ ناظِرا عَبْر التلسكوب إلى "حافَّته".
بقي أن نقول في دحض فرضية "الحافَّة الكونية" إنَّ نجما يُوْلَدُ "الآن" في موضع ما في الفضاء لن نراه عَبْر التلسكوب إلا بعد مرور بعضٍ من الوقت (بَعْد سنة أو 100 سنة أو مليون سنة..). ولكن، لنَفْتَرِض أنَّنا رأيْنا الآن عبر تلسكوب متطوِّر جدا جسما كونيا يَبْعُد عن الكرة الأرضية 25 مليار سنة ضوئية، فهل يعني هذا، أو يجب أن يعني، أنَّ الضوء الصادِر عن هذا الجسم الكوني قد وصل إلينا الآن؟ كلا، لا يعني بالضرورة، فضوء هذا الجسم كان موجودا في السماء حتى عند ولادة كوكب الأرض؛ ولكنَّنا بفضل هذا التلسكوب المتطوِّر جدا تمكَّنا الآن من رؤية هذا الضوء.
أمَّا تعليل هذه الظاهرة فيكمن في الآتي: أجزاء الكون الأساسية كانت قبل نحو 10 مليارات سنة مثلا متقاربة جدا، وكان الضوء الصادِر عن كل جزء يصل إلى سائر الأجزاء؛ لأنْ لا شيء في الكون يمكنه أن يسبق الضوء، أو أن يسير بسرعة تفوق سرعته. ومع استمرار الفضاء في التمدُّد استمرت أجزاء الكون الأساسية في التباعد (التنافر). وعلى الرغم من تباعُد تلك الأجزاء، واستمرارها في التباعد، ظل الضوء الصادِر عن كل جزء منها يصل دائما إلى سائر الأجزاء؛ لأنَّ ظاهرة التباعُد لا تعني أبدا أنَّ جزءا ما من تلك الأجزاء قد ابتعد عنَّا بسرعة تزيد عن سرعة الضوء.
وهذا إنَّما يعني أنَّ أجزاء الكون الأساسية قد ظلَّت مُذْ وُلِدَ الكون في حالٍ من "الاتِّصال الضوئي". وإذا كان من فَرْق في ظاهرة "الاتِّصال الضوئي" فهذا الفَرْق إنَّما هو الاتِّساع المستمر والمتزايد للمسافة الفضائية الفاصلة بين كل جزء وسائر الأجزاء نتيجةً لاستمرار وتزايد تمدُّد الفضاء.
سأقوم بنشر كل محاولاتهم لأني لست بعالم في الفلك وأرجو الرد من الاخوة , وآمل الرد على كل ما ينشرونه
( ص )