أبو الحجاج علاوي
02-24-2009, 03:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
وليبرالية ابتدعوها
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلا يخفى على من لديه أدنى نظر واطلاع على ما في الساحة الإعلامية من حملة ليبرالية إلحادية تنادى إلى الانسلاخ من سائر الثوابت الشرعية والأخلاقية وإن ركزت الجهد على بعض تلك الثوابت، إلا أن ما أباح لهم الكلام في أصلٍ لن يمنعهم الكلام في آخر، ولهذا من تتبع مقالاتهم، ورواياتهم، ومداخلاتهم المكتوبة والمقروءة رأى تتابع خرز عقائدهم من سيءٍ إلى أسوأ، ومن خوض في أبواب الآداب ثم عموم الأحكام ثم خصوص الأحكام ثم العقائد.
وفي مقالٍ لي سابق كتبته معارضة للقاء تلفازي لبعض رموز هذا الفكر المنحرف عنوانه (ولقد مضى مثل الأولين) ذكرتُ ما يخدّر جهود القوم، ويفسد مخططاتهم، ويبطل كيدهم، ويفتك قوة عزمهم، بأن هذا الدين العظيم عمره 1430 سنة!!، وأصوله تعود من حين خُلِق أبونا آدم، ونحن في صلبه عليه السلام: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الرُّوم:30) .
ولمثل هذا يقال ما قال الله تعالى في أسلافهم المنافقين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (البقرة:11-12) .
فدين عمره هذا العمر المديد، ومجده هذا المجد التليد، وأصوله بهذه القوة من الثبات، لن يستطيع أقماع القول، وعصارة الغربية المعاصرة أن يزيلوا هذه الثوابت بمقال في صحيفة، أو لقاء في قناة، أو رواية تذهب أدراج الرياح مع كل نهيق ونباح، لا يعدو أن تُكَدَّر مسامع الطاهرين بها لحظة من الزمن ثم يصفو الجو من كدر أولئك النتنى.
دعونا من السعودية يا ليبرالية الشر!.
وانظروا إلى التوجه الديني في العالم أجمع ولا أخص الإسلامي من غيره!، فسيرى من لديه أدنى مسكة من عقل أن الناس قد عرفوا زيف الحضارة – عفواً - الخسارة الغربية في إنجاح الحياة المدنية، ودعاوى تحقيق حقوق المرأة، فها هي الشعوب تخرج بالملايين تطالب بتحكيم الشريعة، وتحاسب الحكومات على تطبيق الكتاب والسنة، وتحيي روح مفاصلة المشركين، بل وجهادهم، وتعود المرأة بكامل قواها الفكرية الحرة إلى لبس الحجاب، ونبذ الاختلاط، والاتجاه إلى مهمتها الأنثوية العادلة.
قال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ) (الأعراف:56) ، فتأكد لدى الشعوب مسلمهم وكافره أن الحياة المدنيّة التي يدعو إليها أعداء الفضيلة، ما هي إلا شعارات زائفة، دعا إليها سخفاء العقول في فترة سُكْرِهم بحب الحياة الغربية المزيفة.
والليبرالية العربية ترسم أفكارها على سطح من ماء، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله تعالى، فمع جهودهم المتهالكة يوماً بعد يوم للتغريب الهابط إلا أن الشعوب العربية لا تسكن لتوجهاتهم، ولا تميل لرغباتهم، ولن نذهب إلى أقاصي البلدان العربية المتأثرة بثقافات الجوار، ولن ندخل في حصن بلاد الحرمين، وإنما نتجه إلى دول الخليج العربي كأقرب مثال، وأبسط حجة تدمغ الليبرالي المنتفخ على أمِّ رأسه، فمع ما عند تلك الدول من الحرية المزعومة، ومن رفع إقامة الحدود الشرعية على كلّ مارق زنديق تطاول على ثوابت الشريعة، إلا أن الجلّ السائد يتمتع بالتمسك بصالح عادات الآباء والمشايخ، فكيف بصادق ثوابت الشريعة من التي تتسابق أفئدتهم إليها؟!.
والليبرالية السعودية وصف حالها يُضحك الثكلى مع مصابها عندما تتصور حقيقته!، وكيف يطيرون مع الرياح، ويخفقون مع كلّ ذي جناح، (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون:4).
فما إن يحصل في المجتمع أمراً ينساق مع ميولهم إلا وطاروا به فرحاً، وزمروا وطبلوا تشجيعاً له، وتكلموا بلسان النصر، وخطاب الفتح، ثم ما إن تمضي مدة يسيرة إلا وتزول نشوة السُكر الغربي ثم يعودون في كتاباتهم إلى الحزن والأسى من (التخلف الفكري السعودي) و(الجمود المذهبي الوطني) و(الرجعية الفكرية) وغير ذلك من أساليب الخيبة، والتخلف عن ركب الصالحين.
فخلاصة القول!، الليبراليون السعوديون أشبه بالقمل! الذي لا يتحرك إلا في رأس المهمل!، وفردهم قملة منتهاها الموت بين أظفرين!، فلم يعرف الواقع منهم قوة على نظار، ولا جلادة في حوار، وإنما يسلكون مسالك الجبناء بالكلام تحت حماية الإعلام الهزيل، أو يإقحام أمير متهور، أو وجيه مخبول، أو مسؤول أحمق، فيتكلم بما يريدون.
وما هذه القوة إلا بإهمال أهل الحق عندما اتجهت همومهم إلى الأدنى وتركوا مضاعفة الجهود في تأكيد الكلام عن ثوابت العقيدة، وقواعد الشريعة، ومحاسن الأخلاق والآداب الشرعية في الخطب والمحاضرات والكتب واللقاءات الصحفية.
إني أراهن واثقاً بوعد الله تعالى وحكمته أن الدعاة الإعلاميين إلا ضاعفوا جهودهم بالكلام عن هذه الثوابت فإن الليبرالية سوف تعض الأحذية حسرة وكمداً.
ولكن المؤسف أن القملة الليبرالية لم تنشط إلا عندما أهمل أولئك الصلحاء الأهم، ويا ليتهم اتجهوا للمهم، بل تركه الجلُّ، واتجهوا إلى التهريج والضحك والتنكيت والمجون تحت مسمى (عصرية المواجهة) و(الأسلوب الدعوي الحديث!) وخيرهم من يتكلم في القضايا الاجتماعية من هموم الأسرة والأبناء الزوجات مما لا يحقق المفاصلة بينهم بين أرباب الزندقة مما يمهد للقملة الليبرالية العبث بهم، وإفساد ثوابتهم من حيث لا يشعرون.
إن قصاصة الصحيفة الليبرالية، ودقائق اللقاء التلفازي لا يستقطب من المشاهدين والمتابعين أكثر من عدد من يسمع في اليوم والليلة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(الفاتحة:5).
ولا أكثر ممن يجدد العهد والميثاق بين وبين ربه في كل صباح ومساء ويقول: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
ولا أكثر ممن يجتمعون في كلّ أسبوع تحت منبر الجمعة.
ولا أكثر من يحضرون المحاضرات ولا الدروس.
ولا أكثر من أعضاء الدور النسائية، فإن هذه الجموع توهن كيد الليبرالي القملة!، وتبين له حقيقة حجمه، ومبلغ جهده، مع ضعف الدعوة، وتكاسل الصلحاء عن المهم.
وقبل الختام، أوجه نداءات لإخواني الدعاة، فأقول:
يا دعاة الإسلام، ويا حملة الأقلام، ويا أسود المنابر، ويا عليّة الأكابر، ويا روّاد القنوات، ويا أعمدة اللقاءات:
اتقوا الله تعالى ولا يؤتى للإسلام من قبلكم!.
اتقوا الله تعالى وقد ابتلاكم بالظهور أمام الرأي العام، وعبر شاشات الإعلام، وبينوا ما أوجب الله تعالى من دين الله، وأعلنوا البراءة من الليبرالية بالتصريح من فاسد أفهاهم، وقبيح أقلامهم، بل وتعرية أسمائهم، وكشف مخططاتهم للمسلمين، وأنهم الفساد على البلاد والعباد، والراعي والرعية، ولا يغركم طلب الظهور عبر وسائل الإعلام بمداراة ملاّكها، والله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة:159) .
فإذا سكت أمثالكم عن بيان الحق للناس، فمن يبينه لهم؟!.
يتكلم كل ملحد بصريح عقيدته، وينافح عنها في كل لقاء ومحفل، ويستغل الوقائع والأحداث لصبها في مجرى دعوته، وأنتم تتكلمون في وادٍ والناس في وادٍ آخر.
بل الرزية كلّ الرزية أن ممن يظن بهم الصلاح يتكلمون فيما يدعم أصول الليبرالية اللعينة من حيث لا يشعرون حتى أصبحنا نسمع منهم (حقوق المرأة) و(عصرية المواجهة) و(الوسطية) و(نبذ الجمود المذهبي) والطعن في رموز الإسلام ذلة ومهانة لمن لمعوا تحت أيديهم من أرباب تلك المجاري –عفواً- القنوات الإعلامية!.
إن القلب ليحزن عندما أقرأ مقالاً لزنديق من زنادقة الليبرالية في صحيفة سعودية، وهو يسب الدين، ويستهزئ بالصالحين، وينقض عرى توحيد رب العالمين.
وبجانبه عمود لمن هو محسوب على الدعوة الإسلامية ببواقي لحيته، وجميل هندامه وهو يتكلم غلاء الاقتصاد العالمي، أو عن
وإن القلب ليتقطع عندما يتكلم زنديق ليبرالي في برنامج عبر قناة فضائية عن أصل دينه وعقيدته، ويأتي بعده أو قبله داعية يتكلم عن أخلاق وسلوكيات تتفق فيها كافة الشعوب مسلمهم وكافرهم!.
فأين المفاصلة؟!.
وأين إعلان البراءة من دين الملحدين؟.
قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (هود:113).
وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ) (الممتحنة:4) .
فهل أنتم قائلون لليبرالية وكل ملحدٍ بأوصافهم وأشخاصهم: (إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ)؟!.
فوحدوا صفوفكم فللدين عليكم حق، وللشريعة عليكم واجب، واعلموا أن العزة كلّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين: (وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8) .
وأظهروا عوارهم، واهتكوا أستارهم، وانقضوا مقالاتهم، وأبطلوا مخططاتهم، بالخطب والمقالات واللقاءات والكتب، ووحدوا صفوفكم، وجاهدوهم بالقرآن والسنة جهاداً كبيراً، وليجدوا فيكم غلظة، فهم منافقون، وقد أمر الله تعالى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بجهادهم، فقال : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ)(التوبة:73) ، وما حمل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم السلاح، ولم يكن جهادهم إلا بفضحهم، وكشف أساليبهم، والتحذير منهم، ومن أخلاقهم، وتعزيز الدين الذي به ترغم أنوفهم، وتنكس رؤوسهم.
وأنشدوا:
كفى حزنا بالدين أن حماته **** إذا خذلوه قل لنا: كيف يُنصرُ؟
متى ينصر الإسلام مما أصابه **** إذا كان من يُرجى يخاف ويحذر؟
فعليكم بأصلين عظيمين من أصول الدين، إذا أضعتموهما وأنتم أنتم في المكانة بين الناس فقل على دين خير المرسلين في بلادكم السلام، وسوف يبعث الله له من ينصره في بلاد أخرى كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54)، وقال تعالى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] {محمد:38} ، وهذان الأصلان هما:
(1) الولاء والبراء على توحيد رب العالمين، وسنة خير المرسلين.
(2) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا يحقق هذين الأصلين إلا أنصار الله ورسوله حقاً وصدقاً وعدلاً، ولهم العزة والرفعة والمكنة بهما متى تحققا.
وأي رفعة بغير هذين الأصلين فهي رفعة وهمية ستزول ولو طال زمانها، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
جزى الله من نشره خير الجزاء.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
الرياض 29 صفر 1430هـ
وليبرالية ابتدعوها
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلا يخفى على من لديه أدنى نظر واطلاع على ما في الساحة الإعلامية من حملة ليبرالية إلحادية تنادى إلى الانسلاخ من سائر الثوابت الشرعية والأخلاقية وإن ركزت الجهد على بعض تلك الثوابت، إلا أن ما أباح لهم الكلام في أصلٍ لن يمنعهم الكلام في آخر، ولهذا من تتبع مقالاتهم، ورواياتهم، ومداخلاتهم المكتوبة والمقروءة رأى تتابع خرز عقائدهم من سيءٍ إلى أسوأ، ومن خوض في أبواب الآداب ثم عموم الأحكام ثم خصوص الأحكام ثم العقائد.
وفي مقالٍ لي سابق كتبته معارضة للقاء تلفازي لبعض رموز هذا الفكر المنحرف عنوانه (ولقد مضى مثل الأولين) ذكرتُ ما يخدّر جهود القوم، ويفسد مخططاتهم، ويبطل كيدهم، ويفتك قوة عزمهم، بأن هذا الدين العظيم عمره 1430 سنة!!، وأصوله تعود من حين خُلِق أبونا آدم، ونحن في صلبه عليه السلام: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الرُّوم:30) .
ولمثل هذا يقال ما قال الله تعالى في أسلافهم المنافقين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (البقرة:11-12) .
فدين عمره هذا العمر المديد، ومجده هذا المجد التليد، وأصوله بهذه القوة من الثبات، لن يستطيع أقماع القول، وعصارة الغربية المعاصرة أن يزيلوا هذه الثوابت بمقال في صحيفة، أو لقاء في قناة، أو رواية تذهب أدراج الرياح مع كل نهيق ونباح، لا يعدو أن تُكَدَّر مسامع الطاهرين بها لحظة من الزمن ثم يصفو الجو من كدر أولئك النتنى.
دعونا من السعودية يا ليبرالية الشر!.
وانظروا إلى التوجه الديني في العالم أجمع ولا أخص الإسلامي من غيره!، فسيرى من لديه أدنى مسكة من عقل أن الناس قد عرفوا زيف الحضارة – عفواً - الخسارة الغربية في إنجاح الحياة المدنية، ودعاوى تحقيق حقوق المرأة، فها هي الشعوب تخرج بالملايين تطالب بتحكيم الشريعة، وتحاسب الحكومات على تطبيق الكتاب والسنة، وتحيي روح مفاصلة المشركين، بل وجهادهم، وتعود المرأة بكامل قواها الفكرية الحرة إلى لبس الحجاب، ونبذ الاختلاط، والاتجاه إلى مهمتها الأنثوية العادلة.
قال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ) (الأعراف:56) ، فتأكد لدى الشعوب مسلمهم وكافره أن الحياة المدنيّة التي يدعو إليها أعداء الفضيلة، ما هي إلا شعارات زائفة، دعا إليها سخفاء العقول في فترة سُكْرِهم بحب الحياة الغربية المزيفة.
والليبرالية العربية ترسم أفكارها على سطح من ماء، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله تعالى، فمع جهودهم المتهالكة يوماً بعد يوم للتغريب الهابط إلا أن الشعوب العربية لا تسكن لتوجهاتهم، ولا تميل لرغباتهم، ولن نذهب إلى أقاصي البلدان العربية المتأثرة بثقافات الجوار، ولن ندخل في حصن بلاد الحرمين، وإنما نتجه إلى دول الخليج العربي كأقرب مثال، وأبسط حجة تدمغ الليبرالي المنتفخ على أمِّ رأسه، فمع ما عند تلك الدول من الحرية المزعومة، ومن رفع إقامة الحدود الشرعية على كلّ مارق زنديق تطاول على ثوابت الشريعة، إلا أن الجلّ السائد يتمتع بالتمسك بصالح عادات الآباء والمشايخ، فكيف بصادق ثوابت الشريعة من التي تتسابق أفئدتهم إليها؟!.
والليبرالية السعودية وصف حالها يُضحك الثكلى مع مصابها عندما تتصور حقيقته!، وكيف يطيرون مع الرياح، ويخفقون مع كلّ ذي جناح، (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون:4).
فما إن يحصل في المجتمع أمراً ينساق مع ميولهم إلا وطاروا به فرحاً، وزمروا وطبلوا تشجيعاً له، وتكلموا بلسان النصر، وخطاب الفتح، ثم ما إن تمضي مدة يسيرة إلا وتزول نشوة السُكر الغربي ثم يعودون في كتاباتهم إلى الحزن والأسى من (التخلف الفكري السعودي) و(الجمود المذهبي الوطني) و(الرجعية الفكرية) وغير ذلك من أساليب الخيبة، والتخلف عن ركب الصالحين.
فخلاصة القول!، الليبراليون السعوديون أشبه بالقمل! الذي لا يتحرك إلا في رأس المهمل!، وفردهم قملة منتهاها الموت بين أظفرين!، فلم يعرف الواقع منهم قوة على نظار، ولا جلادة في حوار، وإنما يسلكون مسالك الجبناء بالكلام تحت حماية الإعلام الهزيل، أو يإقحام أمير متهور، أو وجيه مخبول، أو مسؤول أحمق، فيتكلم بما يريدون.
وما هذه القوة إلا بإهمال أهل الحق عندما اتجهت همومهم إلى الأدنى وتركوا مضاعفة الجهود في تأكيد الكلام عن ثوابت العقيدة، وقواعد الشريعة، ومحاسن الأخلاق والآداب الشرعية في الخطب والمحاضرات والكتب واللقاءات الصحفية.
إني أراهن واثقاً بوعد الله تعالى وحكمته أن الدعاة الإعلاميين إلا ضاعفوا جهودهم بالكلام عن هذه الثوابت فإن الليبرالية سوف تعض الأحذية حسرة وكمداً.
ولكن المؤسف أن القملة الليبرالية لم تنشط إلا عندما أهمل أولئك الصلحاء الأهم، ويا ليتهم اتجهوا للمهم، بل تركه الجلُّ، واتجهوا إلى التهريج والضحك والتنكيت والمجون تحت مسمى (عصرية المواجهة) و(الأسلوب الدعوي الحديث!) وخيرهم من يتكلم في القضايا الاجتماعية من هموم الأسرة والأبناء الزوجات مما لا يحقق المفاصلة بينهم بين أرباب الزندقة مما يمهد للقملة الليبرالية العبث بهم، وإفساد ثوابتهم من حيث لا يشعرون.
إن قصاصة الصحيفة الليبرالية، ودقائق اللقاء التلفازي لا يستقطب من المشاهدين والمتابعين أكثر من عدد من يسمع في اليوم والليلة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(الفاتحة:5).
ولا أكثر ممن يجدد العهد والميثاق بين وبين ربه في كل صباح ومساء ويقول: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
ولا أكثر ممن يجتمعون في كلّ أسبوع تحت منبر الجمعة.
ولا أكثر من يحضرون المحاضرات ولا الدروس.
ولا أكثر من أعضاء الدور النسائية، فإن هذه الجموع توهن كيد الليبرالي القملة!، وتبين له حقيقة حجمه، ومبلغ جهده، مع ضعف الدعوة، وتكاسل الصلحاء عن المهم.
وقبل الختام، أوجه نداءات لإخواني الدعاة، فأقول:
يا دعاة الإسلام، ويا حملة الأقلام، ويا أسود المنابر، ويا عليّة الأكابر، ويا روّاد القنوات، ويا أعمدة اللقاءات:
اتقوا الله تعالى ولا يؤتى للإسلام من قبلكم!.
اتقوا الله تعالى وقد ابتلاكم بالظهور أمام الرأي العام، وعبر شاشات الإعلام، وبينوا ما أوجب الله تعالى من دين الله، وأعلنوا البراءة من الليبرالية بالتصريح من فاسد أفهاهم، وقبيح أقلامهم، بل وتعرية أسمائهم، وكشف مخططاتهم للمسلمين، وأنهم الفساد على البلاد والعباد، والراعي والرعية، ولا يغركم طلب الظهور عبر وسائل الإعلام بمداراة ملاّكها، والله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة:159) .
فإذا سكت أمثالكم عن بيان الحق للناس، فمن يبينه لهم؟!.
يتكلم كل ملحد بصريح عقيدته، وينافح عنها في كل لقاء ومحفل، ويستغل الوقائع والأحداث لصبها في مجرى دعوته، وأنتم تتكلمون في وادٍ والناس في وادٍ آخر.
بل الرزية كلّ الرزية أن ممن يظن بهم الصلاح يتكلمون فيما يدعم أصول الليبرالية اللعينة من حيث لا يشعرون حتى أصبحنا نسمع منهم (حقوق المرأة) و(عصرية المواجهة) و(الوسطية) و(نبذ الجمود المذهبي) والطعن في رموز الإسلام ذلة ومهانة لمن لمعوا تحت أيديهم من أرباب تلك المجاري –عفواً- القنوات الإعلامية!.
إن القلب ليحزن عندما أقرأ مقالاً لزنديق من زنادقة الليبرالية في صحيفة سعودية، وهو يسب الدين، ويستهزئ بالصالحين، وينقض عرى توحيد رب العالمين.
وبجانبه عمود لمن هو محسوب على الدعوة الإسلامية ببواقي لحيته، وجميل هندامه وهو يتكلم غلاء الاقتصاد العالمي، أو عن
وإن القلب ليتقطع عندما يتكلم زنديق ليبرالي في برنامج عبر قناة فضائية عن أصل دينه وعقيدته، ويأتي بعده أو قبله داعية يتكلم عن أخلاق وسلوكيات تتفق فيها كافة الشعوب مسلمهم وكافرهم!.
فأين المفاصلة؟!.
وأين إعلان البراءة من دين الملحدين؟.
قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (هود:113).
وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ) (الممتحنة:4) .
فهل أنتم قائلون لليبرالية وكل ملحدٍ بأوصافهم وأشخاصهم: (إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ)؟!.
فوحدوا صفوفكم فللدين عليكم حق، وللشريعة عليكم واجب، واعلموا أن العزة كلّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين: (وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8) .
وأظهروا عوارهم، واهتكوا أستارهم، وانقضوا مقالاتهم، وأبطلوا مخططاتهم، بالخطب والمقالات واللقاءات والكتب، ووحدوا صفوفكم، وجاهدوهم بالقرآن والسنة جهاداً كبيراً، وليجدوا فيكم غلظة، فهم منافقون، وقد أمر الله تعالى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بجهادهم، فقال : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ)(التوبة:73) ، وما حمل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم السلاح، ولم يكن جهادهم إلا بفضحهم، وكشف أساليبهم، والتحذير منهم، ومن أخلاقهم، وتعزيز الدين الذي به ترغم أنوفهم، وتنكس رؤوسهم.
وأنشدوا:
كفى حزنا بالدين أن حماته **** إذا خذلوه قل لنا: كيف يُنصرُ؟
متى ينصر الإسلام مما أصابه **** إذا كان من يُرجى يخاف ويحذر؟
فعليكم بأصلين عظيمين من أصول الدين، إذا أضعتموهما وأنتم أنتم في المكانة بين الناس فقل على دين خير المرسلين في بلادكم السلام، وسوف يبعث الله له من ينصره في بلاد أخرى كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54)، وقال تعالى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] {محمد:38} ، وهذان الأصلان هما:
(1) الولاء والبراء على توحيد رب العالمين، وسنة خير المرسلين.
(2) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا يحقق هذين الأصلين إلا أنصار الله ورسوله حقاً وصدقاً وعدلاً، ولهم العزة والرفعة والمكنة بهما متى تحققا.
وأي رفعة بغير هذين الأصلين فهي رفعة وهمية ستزول ولو طال زمانها، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
جزى الله من نشره خير الجزاء.
كتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
الرياض 29 صفر 1430هـ