المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإسلام والمسيح ابن مريم نزول وعودة



خالد عكام
03-30-2009, 06:19 PM
الإسلام ..
والمسيح ابن مريم
نزوله وعودته

بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى

حلب
1430ه - 2009م
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة :
هذه مطالعة بيانية ، بقوة الفكر ، حول إحدى المقررات الإسلامية النبوية، ألا وهي نزول السيد المسيح عيسى بن مريم ، قبيل الساعة بقليل ، ومسوِّغاتُ هذا النزول ..
حيث أفاض سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، في هذا السياق، مؤكداً القول في مصداقية ذلك النبأ العظيم ، ونزول ذلك النبي الكريم..
الذي يأتي على حين فترة عصيبة ، وحياة رديئة كئيبة ، آلت فيها القيم الدينية والإنسانية ، إلى النفاد والنضوب ، والاستهلاك الأناني الغوغائي الأهوج ، في سوق النّخاسة الفكرية والسياسية ، والشعارات البراقة ، والازدواجية المفضوحة والمعلَنة ، والتطفيف المكشوف ، والعدوان الصارخ ، والبلاء الأعظم ، والحرب الضروس ..
البيان والمدخل :
روى الإمام البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم : ((كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم )). والإمام هنا هو المهديُّ ذاته ، الذي يحمل البشرى بالمسيح ونزوله ..
وهكذا فقضية نزول عيسى بن مريم ، في هذه الأمة ، آخر الزمان ، ثابتة بالسنة المتواترة ، وبنص القرآن ..
ولعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، كان يستشعر ما قد يكون من إنكار واستبعاد لهذا النزول .. فكان يُقْسم على ذلك فيقول : (( والذي نفسي بيده لَيوشِكنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكماً عدلاً .. إلى آخره .. الحديث )) . متفق عليه ..
وكان أبو هريرة يقول : إقرأوا إذا شئتم ، قوله تعالى (( وإنْ من أهل الكتاب إلا ليؤمننَّ به قبل موته .. )) أي موت عيسى بن مريم ، بعد النزول آخر الدهر ..

وجاء في القرآن تأكيد لذلك ، في قوله تعالى : (( وإنه لعِلْم للساعة )) . أي إن عيسى يكون نزولُه علامةً للساعة وعِلماً بقربها ، ويؤيده القراءة الثانية : (( وإنه لـعَـلـَم للساعة)) .
والحقيقة أن الأمة سلفاً وخلفاً , مجمعةٌ على ذلك ، ومعتقدة به ، فهو جزء من عقيدة الإسلام ، ويقينياته الكبرى ..
ولا يَضير هذا الاعتقادَ ، شذوذُ من شذَّ ، بإنكار هذا النزول ، ورفض الأحاديث الصحيحة والمتواترة ، وتأويل الآيات القرآنية ، تأويلاً يؤكد دعواهم ، وينفي عقيدة النزول ..
ليس البحث هنا في إثبات الثابت ، ونفي المنفيِّ ، بل هو شأن آخر ، يتوضح في الآتي ، ويصبح ضرورة ملحة ..
في البداية ، ما هي النسبة والعلاقة بين النزول وواقع الأمة و العالم ، في وقته وحينه المتصف بالإيجاب والاطرار ؟
ولماذا كل هذا الاستعداد والتهيؤ المبكِّر جداً ؟ رجل نبي كريم ، يريد قومُه أن يصلُبوه ، فيرفعه الله حياً ، ليأذن بنزوله وعودته قبل يوم القيامة ، فيحقق الأهداف الكبرى ، المنوطَة به أصلاً ، في نطاق هذه الأمة ورسالتها المحمدية الخالدة ..
والتي يؤدي تحقيقها ، إلى انفراجٍ أخطر وأعقد أزمة إنسانية حضارية في التاريخ ، تمخضت عن طوفان المآسي والخطوب ..
التمهيد لفهم إشكالية النزول :
بادئَ ذي بدء ، فإن أمة الإجابة من هذه الأمة ، هم الذين يُقرون لله بالوحدانية ، ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة ، أي يقولون : لا إله إلا الله محمد رسول الله ..
وأما أمة الدعوة ، فهم الذين يرفضون ذلك ، ولا يؤمنون بالرسالة المحمدية الإسلامية ، وهؤلاء هم أمم الأرض ، وشعوب العالم ، الذين تتوجه إليهم الدعوة الإسلامية ، ويُدعون إلى الإسلام ، الذي هو دين كل النبيين والصالحين ..
فسكان الكرة الأرضية ، هم أمته عليه الصلاة والسلام ، وهو مسؤول عن دعوتهم و هدايتهم ، وليس أيُّ نبي آخر ..
وحالُ البشر وواقع أمرهم ، مكشوف ومعروف ، وغير خافٍ ولا مبهم ولا غامض .. المعاناة واحدةُ الأسباب
والدواعي، والشذوذُ في كل شيء ، يَجثم على صدر هذا العالم، ويحطم فيه كل المناعات والقناعات ..
فأينما ذهبت ، وحيثما حللت ، فإنك واجد ضلالاً رهيباً يكتنف الجميع ، لم يمر له مثيل ولا قريب منه من قبل ، إلى جانب حروب وصراعات وتحديات مدمرةٍ لكل خير ، ومقوِّضة لكل حضارة ، تجري فيها الدماء و الدموع والأشلاء أنهاراً ..
وأخلاقيات و أدبيات وسلوكيات ، وأنماط عيش وحياة ، واستراتيجيات وسياسات ، كل ذلك رديء ووبيئ ، وظالم وآثم ، ومستنقعات من المآسي والفظائع والجرائم ، والأرض كلها ساحة رقص و مآتم :أغنيات ومعازف ، ودموع ودماء ، وأصوات استغاثة ..
الداء واحد في جميع القارات : كفر بالقيم الإنسانية ، وهدر للكرامة الآدمية، وضياع كبير ، وسوء منقلب ومصير ، وشر مستفحل ومستطير ، ونزعة عدوانية وحشية ، وهتك لكل الحرمات والحقوق والمحرمات .. وعاصفة من إباحية ..
ولا حلول من وقاية أو علاج ، اللهم إلا ما يَصب الزيت على النار ، ويزيدها اشتعالاً واستفحالاً ..
ورجال المعابد والكهنوت ، والفكرِ الديني المصادَر والمتهافِت ، يضربون في حديد بارد ، ويَلْوون ألسنتَهم بالكتاب وبالخطاب ، لكي تكون النتيجة لا يخذل الباطل ، ولا يُنصر الحق ، ولا يُمس الظالممون والمفسدون بسوء ، والهدف المستهدف عند هؤلاء ، دنيا عريضة ، تأكل دين صاحبها كما تأكل النار الحطب.. (( يبتغون عرض الحياة الدنيا ، ويقولون : سيُغفر لنا)) غرور وتفريط غير مبرر ، وأمنيات كاذبة خاطئة .
امتلأت الأرض حقاً : ظلماً وجوراً ، وتحققت هذه المقولة، أكثر من أي وقت مضى ، وكما لم تمتلئ من قبل ..
وفي كل شبر من المعمورة ، فإنك واجد من الفتن والدواهي والمحن ، والمشكلات والموبقات ، والمظالم المروِّعة ، مايفتت الأكباد ، ويُذهل العقول ، ويخرب العواطف ، ويُحيِّر الحليم والعليم ، فالحليم عديم الرشْد ، والعليم تائه في الأرض !.
والحياة بأوسع مجالاتها ، دوامات ومتاهات وانحرافات خطيرة ، تهوي بالبشر في مكان سحيق ، وتُطوِّح بهم في خنادق النار والعار والدمار .. وترى الناس سكارى وما هم بسكارى !.
أضف إلى كل ذلك ، صراع العقائد ، وصدام الحضارات ، بين الشرق والغرب ، أو بين الشمال والجنوب ، أو بين الغرب الأوروبي وأمة العروبة والإسلام ، حيث كانوا لنا مفرقين ومستعمرين ومحاربين ومعتدين ، وما زالوا حتى الآن يشنون علينا حرباً لا هوادة فيها ، ويجيئوننا تحت كل راية وغاية ، مدجَّجين ومهاجمين ، ولما ظهروا علينا لم يَرقُبوا فينا إلَّاً ولا ذمة، ولم تأخذهم تُجاهَنا آصرة ولا رحمة ، ولم يكتفوا بذلك ، بل زرعوا في قلب وجودنا ، ذلك الجسم الطفيلي الغريب ، الذي يمنع ويحول دون أن يلتئم لنا شمل ، وتتوحد لنا كلمة ، ويكون لهذه الأمة موقف تضامني فاعل في هذا الوجود ، الذي العدل فيه مفقود .. وكل شيء فيه آيل إلى التداعي والسقوط !.
ضرورات النزول ومسوِّغاته :
فنزول ذلك الإنسان ، سوف يلغي كثيراً من القناعات التي مضت عليها القرون ، ويحْدث في الأرض قناعات جديدة وبركات، قد تبدو الآن شبه مستحيلة.. أو هي كذلك حقاً ..
نزول المسيح ، أعظم تحول في تاريخ آخر الزمن ، حيث يُصَدَّق قوله تبارك وتعالى:((وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم)) ..
إن الحرب الاستعمارية ، والهجمة الصليبية القديمة والحديثة، التي شنها ويشنها علينا أعداء الله والحياة ، وأعداء أنفسهم ، هي التي فرضت وجودها على هذا العالم ، وأحدثت فيه انقسامات ، لا يرأب صَدْعها ، ولايَدِرُّ ضرعها !.
ومن المستحيل الخروجُ من تحت ركامها ، والوصولُ إلى كلمة سواء بيننا وبينهم ، قد دعا إليها صراحة القرآن المجيد ..
ولدى التدقيق وإنعام النظر ، في هذه القضية ، تلوح لنا حكمة الخالق العظيم، الذي ادخر هذا الإنسان ، ليقوم بأعظم رتْق وجمع في آخر الزمان ، حيث يوحِّد الموقف والدين ، وتضع الحرب أوزارها .. التي اشتعلت من عهد آدم ، وإلى اليوم ..
إذ تبدو الأمور الآن ، وكأنه لا عودة ، ولا مَن يمتلك ناصية التغيير والإغاثة, ومن المستحيل إحداث تغيير جذري ، في بنية العالم الإنساني ، و مآلاته الفاضحة ، وغير الفالحة ..
بالنسبة لنا ، ليس لدينا مشكلة في التعامل مع الآخرين وسوانا من خلق الله ، على قدم التكافؤ والاحترام والمساواة ، والتعاون المثمر والبنَّاء .. ولكن المشكلة الحقيقية ، المفعمة تعقيداً ورسوخاً ، التي لا تبدو أنها قابلة للحل والتجاوز ، هي في غطرسة الغرب الأوروبي والأمريكي ، وشعوره بالتفوق العرقي والعنصري ، واعتزازه بفرط القوة الطاغية ، واعتبارنا عنده غنائمَ حرب ، وأُسارى ومرتهنين ، ومخلفات من الرجعية والتخلف ، وأننا لا نستحق الحياة إلا بقدْر خدمة مصالحه ، وتحقيق مطامعه، ونهبنا وسلبنا ، واجتياح هويتنا ووجودنا ، لنبقى بلا هوية وبلا وجود ..
بيد أن المسيح الذي ينتسب إليه المسيحيون في الغرب الأوروبي والأمريكي ، هو الكفيل بإفهامهم وإرغامهم ، على أن الحقيقة المطلقة ، هي غير ما يعتقدون ويفكرون ويعملون ..
على حد قول الله تبارك وتعالى :(( وشهد شاهد من أهلها )) وقوله تعالى:(( وشهد شاهد من بني إسرائيل )) .
إننا لا ننكر أن المسيح سوف يأتي مبعوثَ الحضرة الإلهية النبوية ، ليغيث هذه الأمة ، وكل المؤمنين بالله في الأرض ، وليعيد الأمور إلى نصابها ومجاريها ، بعد أن آلت أوضاع هذه الحياة ، على ظهر هذا الكوكب المنكوب و المغلوب ، إلى طرق مسدودة ، وعقد مستعصية ، وكراهية بين البشر ، وفردية وأنانية،لم نعهد بمثلها ولا قريب منها في الغابرين ،والأقوام الهالكين.
أعظم شاهد على العصر :
إن المسيح هو أعظم شاهد على العصر حقاً ، وهو أعظم من كل الشهود ، ولن ينطق إلا بالحق الذي طال عليه ليل الإظلام والتعتيم ، وسيعمل على إنقاذ الناس من حياة الجحيم ..
لأنه مدعَّم بأدلة وثبوتيات وحيثيات ، لم تتوفر لكل الشهداء على هذا العصر ، لأن شهادته عملية و إجرائية ، وشهادة أولئك : نظرية مبتورة ومجتزأة ومتقاصرة .. ومن زوايا ضيقة وشخصية ..
وإن شهادة المسيح ، غير قابلة للرد والنقض والرفض ، حتى من أشد خصومنا اليوم وظالمينا ، لأنه ستنهار حجتهم الداحضة أصلاً ..
فالحقيقة سوف تفاجئهم وتُذهلهم ، وتنتزع منهم كل ما يقال ويُدَّعى ، من أوراق هذه اللعبة اللعينة والقذرة ، وتجعلهم لا يُحيرون جواباً، إلا أن يُذعنوا ويؤمنوا ، ويسلِّموا بالحق ، وسطوع الشمس ، ورائعة الضياء الباهر ، بنزول الإنسان الذي يقيم الشهادة لله ..
وبالتالي يكتشفون أنهم كانوا مخدوعين ومخادعين ، ويتخلون عن كل ثوابتهم المزعومة ، وعقائدهم الموهومة ، وأنهم كانوا كاذبين!.
نزول وقدَر إلهي :
نزول المسيح وعودته ، ليست قضية مُتْرفة ولا واغلة ولا متطفلة ، وليست لحسابات كهنوتية وعنصرية ، وإنما هي قدَر مقدور ومقدَّر أزلاً ، اقتضته ضرورات ما مر مثلها في التاريخ ، وبدونها سوف يظل هذا العالَم ، يتخبط في هذا الترنح الكبير والمبير ، والمنذر والمهدد بأوخم العاقبة والمصير ..
وسيظل الذين أعلنوا عليه الحرب والعداوة ، قبل ألفْي عام ، يفسدون في الأرض ، ويدمرون الكوكب ، ويُكذِّبون الحضرة الإلهية , بقولهم (( إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم )) .
سبحان الله العظيم .. أعظم أكذوبة في التاريخ ، عمرها عشرون قرناً ، هي التي صبغت العالَم ، وزلزلته زلزالاً شديداً ، وتحكمت بمصائر أقوامه وشعوبه حتى اليوم، وأججت حروباً طاحنة و متواترة ، وأسالت الدماء البشرية أنهاراً ، وتمخضت عن أحداث وتحولات وتواريخ ، ليس لها من سند ولا مبرر ، إلا تلك الأكذوبة الفجة ، وما أحدثته في الأرض من عوج وانهيار ..
وقد أحالت كوكب الأرض ، إلى طواعينَ وسجون ، ومقابرَ جماعيةٍ لا نهاية لها .. وعذاباتٍ من كل لون ونوع وفن ..
وإلى اليوم ، ورغم ما توصل إليه البشر ، من سرعة الصوت والضوء ، والأقمار الصناعية العملاقة ، والمراكب الفضائية الهائمة ، والمخترعات الهائلة ، والاتصالات والانجازات ، التي يعجز العقل عن تصورها ومداها ، فإنه ما زالت الأساطير والخرافات والأكاذيب ، والمزاعم الساقطة ، تهيمن على هذا العالم ، وتحركه في كل اتجاه ، وتسوقه إلى مسالخ الذبح والجريمة والجنون ، وهيستيريا الأحلام والأوهام ، وتفجير بحر المآسي والفواجع والنكبات ، والأوجاع والآلام،وهذا بعض ما يعانيه البشر اليوم ..
إن فضح هذه الأكذوبة التاريخية العالمية ، هو الذي يتكفل نزول المسيح به ، ووقفِ طوفان ما بُني عليه ، وما آل إليه ..
وختاماً ، فمن ذا الذي يمتلك القدرة على الفصل في كل هذا الواقع الذميم والجسيم ، والمعتَّق منذ الأجيال والقرون ، ولا تزيده الأيام ، إلا كالنار اتِّقاداً واشتعالاً ؟! وتقول: هل من مزيد ؟!
لعلي بذلك أكون قد أزحت الستار ، عن جدوى ومصداقية المسيح في عودته ونزوله ، وإنجاز ما عجزت عنه القارات والمعسكرات ، وكبرى التحكم والرئاسات ، بل كانت هي الوقودَ ، لحرب الصدام والخصام والعداوات .. والانشطار الممزق ..
ولعلي أكون أيضاً ، قد زففت البشرى الأعظم ، إلى هذا العالَم المتهدم ، الذي تحركه الأصابع الخفية ، ونصوص الفلسفة الميكيافيلية ، وأن المسيح مات على الصليب !!
تتمة ..وتمام المعنى :
يتحدث القرآن المجيد ، عن قضية جوهرية ، هي الأساس في كل ما ذُكر آنفاً ، وهي أن السيد المسيح ، لم يمت بعدُ ، وأنه رُفع إلى السماء حياً بجسده وروحه ، وصُلب بالنيابة عنه ، الذي شُبِّه لهم ، وهو إما الذي خانه ، أو الذي افتداه ..
ومن أجل التحقق من ذلك ، سوف ينزل ويعيش بقية عمره المقدر له ، ثم يموت كما مات الصالحون من قبله ..
ولكن قبل موته ، هناك إيمان به من نوع آخر ، غير الذي عرف به في التاريخ.. وكان سبباً في ظهور الدجال المسيخ ..
فالذين أحبوا المسيح ، وانتسبوا إليه ، وغالوْا في هذا الحب، وفرَّطوا بالتعاليم والبشارة التي جاء بها ، في حياته الأولى..
هؤلاء سوف يؤمنون من جديد ، بالمسيح المبارَك ، على أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروحٌ منه ..
وإيمانهم الجديد هذا ، سوف يقودهم إلى الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم - ويحبونه حباً جماً ، ويشهدون أن
لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ..
وبذلك يصبح المسلمون والمسيحيون أمة واحدة ، ذات عقيدة واحدة ، وهذا ما سيؤدي بالطبع ، إلى توحيد العالم الإنساني ، وإنهاء تعدد الأديان والعقائد ، وتضع الحرب أوزارها ، ويطفئ الله نارها .. ويكون على الأرض السلامُ حقاً ..
يقول سبحانه :(( وإنْ من أهل الكتاب إلَّا لَيؤمننَّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً )) . صدق الله العظيم.فالمسيح شاهد لله،وشهيد على أهل الكتاب..
خاتمة وختام :
لقد جاء هذا النبي والرسول ، بمعجزات لم يأت بها نبي من قبل ، إلى درجة أنه دُعي آلهاً تجسَّد وتأنَّس ، وانتهت الرسالة الإلهية بنهايته ، ولا حاجة بعده لنبي آخر ، حسبما يزعمون ..
وحُرِّفت بشارة الإنجيل بأحمد ومحمد ، وأنها ليست لخاتم النبيين .. ثم كانت نهاية المسيح ، كما هو شائع في العالم ، رغم أن القرآن المجيد ، ينفي ذلك ، ويُتلى آناء الليل والنهار ..
فهل من المنطقي والمعقول ، أن تُطوى هذه الصفحة بتلك البساطة ، وأن يذهب دم المسيح هدْراً ، دون أن يكون من حضرة العلي القدير ، تمحيص وكشف ، وتظهر الحقيقة المطلقة ، وتفنى كل المزاعم الرائجة ، التي اصطنعها اليهود ، أعداء المسيح ، الذين كانوا ضحية وهم كبير ، وظلم أكبر ، فعَميت عليهم الأنباء ، واشتبهت لديهم الأمور؟!. وكانوا بحق أكذب الخلق ..
ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى ، لن يترك الأمر يذهب سُدىً ، وتكون لإبليس اللعين ، خاتمة الصدق والتصديق ، فيما راج عبر القرون ، بل لا بد من أن يُصَدَّق الرحمن ، أي يظهر صدقه للعيان ، ويُكذَّب الشيطان ، وحزبه الخاسرون ، ولا تتم هذه الإرادة والمعطيات ، إلا بنزول ذلك الإنسان ، وظهوره شخصياً بلحمه ودمه ، فيخاطب البشر بالحق الأبلج ، ولا تقوم الساعة ، وتنتهي الحياة ، إلا وقد حصحص الحق ، وانهارت دنيا الأكاذيب والأساطير والترهات ، وتداعى تاريخ الإفك والظلم ، وثبت الحق والصدق ، لبارئ الأرض والسمـوات ..
ولاية محمدية :
يقول سيدنا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم :(( أنا أولى الناس بعيسى بن مريم )) . رواه أبو داود وأحمد ..
هذه الولاية المحمدية ، تعطي السيد المسيح ، ميزة عزيزة المنال ، ليست لغيره وسواه ، من الأنبياء والمرسلين ، وكان عيسى شديد الحب والتقدير والأدب والاحترام ، لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم:خاتم النبيين، كمايشير الإنجيل الصادق.
فرسول الله عليه صلى الله ، هو أولى وأخص وألصق بعيسى ، من أمه التي حملته وولدته ، ومن حوارييه ، ومن كل أتباعه ومحبيه ، إلى يوم الدين .. وبذلك قضي الأمر من الله ..
وكأن نبيَّ الإسلام ، يحتضن المسيح ، ويضمه إليه ، في حنان ومودة ، ونُصرة كريمة ، بعد أن ضاع في خضم الاتهامات الباطلة ، ويدفع عنه قالة السوء ، التي أُقحمت فيه ، من قبل أعدائه اللدودين الجاحدين ، الذين تناولهم بالنقد والتوبيخ ..
فهو عند هؤلاء : دجال وساحر ، وطالب مُلك ، ومحرض على الفتنة ، ومجدِّف على الشريعة ، ومخالف تعاليمها ، ومصرح بأن إسماعيل هو الذبيح ، وليس إسحق .. ومبشر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .. والإنجيل هو البشارة بمحمد حصراً..
فكوْن المسيح تحت الولاية المحمدية المباشرة ، يعطيه الحق لأن تكون له تلك القيمة الغالية ، ويرشحه للتدخل في حياة الأمة ، وردها إلى دينها ، وإحياءِ منهج نبيها، واتباع طريقة الخلفاء الراشدين ، وكبار الصحابة والتابعين ، في اتباعهم رسول الله ..
والرسول عليه الصلاة والسلام ، بقوله ذاك : قد وضع المسيح المبارك ، في الإطار الصحيح ، وجعله واحداً من أهل البيت المحمدي ، وحينما ينزل يصلي خلف المهديِّ : آخرِ الأئمة وخاتمهم ، ويتعاونان في وضع الأسس ، للإصلاح العالمي العام ، ونشر ألوية الحب والسلام .. اهتداء و عملاً بقول الله تبارك وتعالى: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين))
هذه المقالة ، تفسير وكشف وبيان ، واقعي ومنطقي ، للوعد الموعود، ألا وهو : نزول السيد المسيح عليه السلام ، من السماء التي رفع فيها ، إلى الأرض التي وُعد بالعودة إليها ، ليقوم عملياً وعلى مشهد من العالم ، بالإيمان بمحمد صلى الله عليه و آله وسلم ، الذي بَشر به كثيراً، ووقف عنده طويلاً ، ولينصره فعلاً وقوة ، وقولاً وإرادةً ، وليعليَ من شأن رسالته في الكون من جديد ، وليرفع ذكره مرة أخرى ، وذلك في آخر الدنيا ، ونهاية التاريخ ، واكتمال ملحمة الإنسان ..
يفعل ذلك نيابة عن كل النيين والمرسَلين ، الذين آتاهم الله الكتاب والحكمة والنبوة ، وتحقيقاً وتطبيقاً لقول الله تبارك وتعالى، في محكم القرآن المجيد : (( وإذْ أخذ الله ميثاقَ النبيين لماَ أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدِّق لما معكم لتؤمننَّ به ولَتنصرنَّـه قال : أأقررتم وأخذتم على ذلكم إِصْري قالوا : أقررنا قال : فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين )) ..
ولعل موجبات هذه الآية ، كافيةٌ في إثبات واقعية ومنطقية عقيدة النزول ، لهذا السيد المبارك الكريم ، زيادة عما تقدم ، وإلا تبقى الآية في حَيِّز الغيب ، والخبر الصادق ، دون أن تتاح لها الفرصة في يوم من الأيام ، لأن تُترجم فعلاً وحالاً :تاريخياً ومرحلياً ، في عالم الواقع والوقائع والأحداث المحْدَثة والمفعولة ، والشهادة المرئية والمسموعة ، والحضور الكوني المشهود ..
إنه نزول لوفاءٍ وإقرارٍ واستقرار ... والله سبحانه وتعالى أعلم.
بقلم الشيخ عبد الرحمن العيسى