المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القيم من منظور اسلامي والسياسة الشرعية



اخت مسلمة
04-12-2009, 10:12 PM
القيم هي الأساس التي تقوم عليها كل المجتمعات، ولا يمكن أن نجد مجتمعا بدون قيم، مهما كان نوعها، أو مدى إرتباط المجتمع بها. من هنا، فإننا نجد كل المثقفين والمفكرين في كل المجتمعات وكل الحضارات قد اهتمت بدراسة القيم وكيفية ترتيبها. وأغلب هؤلاء المثقفين والمفكرين يعرفون القيم على أنها "الأشياء المفضلة لدى الإنسان، والتي تحددها الثقافة التي يعيش فيها". والحقيقة أن مفهوم القيم من منظور إسلامي لا يختلف إختلافا جوهريا مع هذا المفهوم، وإنما يختلف معه فيما أطلق عليه في الغرب بنظرية "سلم القيم"، أي نظرية ترتيب هذه القيم وأنواعها. فالمفكرون الغربيون يؤمنون بأن للقيم قائمة ترتيب حسب أولويات المصالح صعودا ونزولا، وأن هذه القائمة تتغير بتغيرالعصور والجماعات والظروف. بمعنى أنه لا توجد قيم ثابتة، فالكل في نظرهم متغير،. أما القيم من منظور إسلامي فيمكن تقسيمها إلى قسمين أساسيين هما: قيم ثابتة، وقيم متغيرة.

فأما القيم الثابتة، فثابتة دائما، لأنها من أصل الإسلام من جهة، ومرتبطة بطبيعة الإنسان من جهة أخرى. وهي لا تخضع للزمان ولا للمكان ولا للبيئة. وهي قيم محدودة ومحصورة. وأما القيم المتغيرة فهي تختلف بإختلاف الزمان والمكان، وتخضع لإختلاف الظروف الاجتماعية والبيئة.

وإنطلاقا من هذه النظرة الإسلامية للقيم، يمكننا القول بأن السياسة من منظور إسلامى تقوم على مجموعة من الثوابت، ومجموعة من المتغيرات، ويجب على كل سياسي مسلم أن يدركها، وأن يميزها إذا أراد النجاح في عمله. وعليه،

ما هي أهم الثوابت في السياسة الإسلامية ؟

والذي أعنيه بالثوابت هنا، هو مجموع القيم التي لابد على كل سياسي إسلامي الإلتزام بها، وألا يتخلى عنها مهما كانت الظروف، أو كلف الثمن. ومن أهم هذه الثوابت الآتي:

الشرع : إن القيمة الثابتة الأولى التي لابد على كل سياسي مسلم الإلتزام بها، هي قيمة "الشرع"، وهو يشمل كل ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فالشرع هو المبدأ الذي يجب الإنطلاق منه، والتحاكم إليه في جميع الأمور، وهو الميزان الذي نزن به كل الأعمال. فالحرام حرام، والواجب واجب في كل زمان ومكان، وما على السياسي المسلم إلا الإلتزام بهما. بمعنى أن كل شيء فيه نص فهو مشروع، ويعتبر مقترنا بمصلحة لا شك ولا جدال ولا مناقشة فيها. وهذا النوع من المصالح يسميها الفقهاء بـ "المصالح المقيدة"، والشعار الذي يجب أن يرفع في التعامل مع هذا النوع من المصالح هو: "لا إجتهاد يخالف النص .. ولكن يمكن .. الإجتهاد في فهم النص". والحقيقة أن هناك حوادث عديدة يمكن الإستدلال بها على عدم المساومة أو التنازل على المبادئ الثابتة، لعل من أهمها حادثة الرسول صلى الله عليه وسلم مع وفد ثقيف. فعندما إلتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد ثقيف وبدأوا حديثهم معه سألوه أن يدع لهم "اللات"، لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فما برحوا يسألونه سنة سنة، والرسول يأبى عليهم، حتى تنازلوا إلى إلتماس إبقائها شهرا واحدا،

والرسول صلى الله عليه وسلم يأبى أن يدعها يوما واحد.، وكان غرضهم من ذلك أن يسلموا بعد عودتهم من سخط سفهائهم ونسائهم وصبيانهم، وألا يروعوا قومهم بهدمها، حتى ينتشر الإسلام بينهم. فسألوه أخيرا أن بعفيهم من تحطيم أصنامهم بأيديهم، فأجابهم إلى ذلك، وأرسل معهم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة ليهدماها". (خليل ص 259). هذه الحادثة وغيرها كثير يوضح بكل جلاء بأن كل ما هو واجب في الإسلام فهو واجب، وكل ما هو حرام في الإسلام فهو حرام. ولعله من الملفت للنظر هنا أننا نجد كل علماء الأمة عندما يتحدثون عن السياسة لا يتحدثون عنها بإنفراد، بل يربطونها دائما بالشرع، وبذلك سميت في المصطلح الفقهي بـ "السياسة الشرعية" تأكيدا على إرتباط السياسة في الإسلام بالشرع، وليس العكس.

العدل : أما القيمة الثابتة الثانية التي لابد على كل سياسي مسلم الإلتزام بها فهى قيمة: "العدل". إن غاية السياسة الإسلامية دائما تحقيق العدل بين كل الناس، وقد أجمع علماء الأمة على أن الله "ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة".

وفي هذا الصدد يقول الإمام أبو حامد الغزالي: "إن عدل الحاكم من أسباب العمران، ومن عوامل التقدم: أما ترى أنه إذا وصفت بعض البلدان بالعمارة والبنيان، وأن أهلها في راحة وأمان، فإن ذلك دليل على عدل الحاكم وعقله وسداده وحسن نيته في رعيته".

فالعدل يجب أن يكون هو غاية الغايات في أي دولة إسلامية، وذلك لأن الله عز وجل جعل العدل الغاية التي أرسل لتحقيقها كل الرسل الكرام عليهم جميعا السلام. يقول تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى" (المائدة:8). ويقول: "وإذا قلتم فاعدلوا، ولو كان ذا قربى" (الأنعام:152). ويقول: "ولا تتبعوا الهوى أن تعدلوا" (النساء:135). ويقول: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وأنزلنا معهم الكتاب والميزن ليقوم الناس بالقسط"(الحديد:25). ويقول: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" (النساء:58).

ولقد ذهب الإمام ابن تيمية رحمه الله إلى التأكيد على أن أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل هما جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة فى الإسلام، مستخلصا ذلك من قوله تعالى: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". وفي هذا الصدد يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "أحب الخلق إلى الله إمام عادل، وأبغضهم إليه إمام جائر" (ابن تيمية، ص23).

ومن الطرائف الجميلة والمضيئة في تاريخنا الإسلامي التي توضح قيمة العدل في الفكر الإسلامي السياسي، هذه الحادثة: "يرى سيدنا على بن أبي طالب درعا له على يهودي. فقال الإمام علي لليهودي: هذا درعي؟

وينكر اليهودي أن الدرع لعلي! فيتحاكمان إلى القاضى في الكوفة. فيقول القاضي: يا أمير المؤمنين، لا أكذبك ولكن ليس لك بينة، فالدرع لليهودي. فولى الإمام علي ضاحكا، وهو يقول: أضاع قاضي المسلمين درع أمير المؤمنين! ويعجب اليهودي لهذه المثالية. ويسرع اليهودي وراء علي قائلا: يا أمير المؤمنين: والله إنها لدرعك وجدتها يوم خيبر فأخدتها .. فهى لك. وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فيقول علي: إذن فالدرع لك هدية" (سرور، 1982).

الأخلاق : أما القيمة الثابتة الثالثة التي لابد على كل سياسي إسلامي الإلتزام بها فهى قيمة "الأخلاق". إن من أهم ما يميز السياسة الإسلامية عن غيرها من السياسات الأخرى، أنها سياسة أخلاقية بالدرجة الأولى، بمعنى لا يمكن عزلها عن الأخلاق، والأبعد من كل ذلك، أن لابد أن تنطلق منها، وهي سياسة لا تؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة، بل تشترط في الوسيلة أن تكون من طبيعة الغاية، وذلك لأن السياسة في الإسلام هي فضيلة من الفضائل، وعبادة من العبادات، وغرضها خدمة الناس وتمكين الإسلام في الأرض، وليست مجرد حيازة السلطة، وإكتساب الشهرة.

الصدق : أما القيمة الثابتة الرابعة التي لابد على كل سياسي مسلم الإلتزام بها، فهي قيمة "الصدق". بمعنى لابد على السياسي المسلم أن يكون صادقا في تصرفاته وأعماله، وأن يسعى أن يكون مع الصادقين. يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" (التوبة:119). وفي هذا الصدد أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بأن نتحلى بالصدق، ونهانا عن الكذب عندما قال: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الخير، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" (متفق عليه).

من هنا يمكن القول أن الصدق يجب أن يكون ثابتا من ثوابت السياسة الإسلامية. وألا يجوز الكذب إلا في الحالات الضرورية، والإستثنائية، كحماية الأمن العام، أو في الحروب. فعلى سبيل المثال قصة الصحابي الجليل نعيم بن مسعود لخير مثال على ذلك. فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه محاصرين في معركة الخندق، ما لبثت العناية الإلهية أن ساقت إليه رجلا قد أسلم حديثا، يدعى نعيم ابن مسعود، فعرض على الرسول خدماته قائلا: إن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل هنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة". (خليل، ص215).

الوفاء : أما القيمة الثابتة الخامسة التي لابد على كل سياسي مسلم الإلتزام بها فهى قيمة "الوفاء." والمقصود بالوفاء هنا هو الوفاء بالعهد. فإلى جانب التحلي بالصدق واجتناب الكذب، على السياسي المسلم أن يوفي بالعهد. يقول الله تعالى: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا" (الإسراء:34).

والحقيقة أن هناك أحداث ومواقف كثيرة تشير إلى مكانة الوفاء بالعهد في السياسة الإسلامية، منها على سبيل المثال موقف رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته عندما حاصروا يهود بني قريظة. ففي أثناء ذلك الحصار دعى الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود الذين رفضوا الغدر بالمسلمين، أثناء غزوة الأحزاب وطلب منهم الخروج، من الحصار جزاء لوفاءهم بالعهد، وإستجابة لقول الله تعالى: "وما جزاء الإحسان إلا الإحسان". (الغزالي، ص335).

أما الموقف الثاني فكان يوم صلح الحديبية ".. فما أن إنتهى الرسول صلى الله عليه وسلم ومندوب قريش من المفاوضات، ولم يبق سوى تسجيل الوثيقة والتوقيع، إذ بشاب من المضطهدين في مكة يطلع على المسلمين يرسف في قيوده والسيف فى يده طالبا من المسلمين في الحديبية حق اللجوء، ليفر بدينه من المناخ الشركي الخانق. وقد زاد الأمر تعقيدا هو أن هذا الشاب اللاجئ ابن رئيس الوفد القريشي سهل بن عمرو الذي لم يكد يرى إبنه المسلم (أبي جندل)، حتى استشاط غضبا، ونهض إلى إبنه فضربه على وجهه، وأخذ يدفع به أمامه ليعيده إلى معسكر المشركين تمهيدا إلى إعادته إلى سجنه بمكة. وعندما اعتدى سهيل على إبنه وأخذ يدفعه بعنف لإعادتة إلى المعتقل، صاح أبو جندل مستعينا بالمسلمين: يا معشر المسليمن أرد إلى المشركين فيفتنونني عن ديني! فإلتهبت عواطف المسلمين، وتدخلوا لحمايته، وأخذوه من أبيه. فلم يحاول سهيل إنتزاع إبنه بالقوة من أيدي المسلمين، بل لجأ إلى الإحتجاج لدى النبى صلى الله عليه وسلم، وطلب منه تسليم إبنه تطبيقا لبند الإتفاقية الذي ينص على: "... أن يلتزم النبي بأن يرد إلى قريش كل من جاء إليه من أبنائها بعد إبرام هذه المعاهدة إذا كان قد جاء بغير إذن أهله، وعلى النبى الإلتزام بذلك حتى ولوكان اللأجئ مسلما". فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشاب المسلم، وإعتذر له وأعلمه بأنه لا يمكن القيام بأي عمل يحول بينه وبين أبيه، لأن ذلك لو فعله يعتبر ذلك نقضا للعهد، وغدرا لا يرضاه أبو جندل لأبيه." (ياشميل ص262).

هاتان الحادثتان وغيرهما الكثير، تدلان دلالة قاطعة على ضرورة إعتبار الصدق فى المعاملة والوفاء بالعهود من الواجبات الأساسية في السياسة الإسلامية، وأن يكون شعارنا: "إذا وعد أحدكم فلا يخلف".

الشورى : أما القيمة الثابتة السادسة التي لابد على كل سياسي مسلم الإلتزام بها فهى قيمة "الشورى". بمعنى لابد لأن يستشير المسئول السياسي أتباعه في جميع الأمور حتى تتحقق المصلحة العامة، ويسير الناس وهم على علم بما يقومون به. يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله أنه لا غنى لولي الأمر عن المشاورة، فإن الله تعالى أمر نبيه فقال: "فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين".

والجميل في هذه القاعدة السياسية إنها مطلقة ليست محددة. بمعنى إن الله عز وجل قال: "وشاورهم في الأمر" ولم يقل "شاورهم في بعض الأمر". هذا يعني أن المشاورة واجبة في كل الأمور التي لم ينص عليها الشرع. وأن قرار المشاورة ملزم لكل الأطراف.

روى ابن مردويه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى كلمة "العزم" الواردة في الآية، فقال إنها تعني" "مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم" (ابن كثير1/420، وأبو حبيب ص131). وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "لم يكن أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم" (ابن تيمية، ص 135).

يبقى سؤال يطرح نفسه
هل ممكن ان تقوم دولة او مؤسسة او جماعه بغير هذه القيم وتزدهر وتتقدم ؟
اليس هدم قيمةواحدة منها في اي تجمع من اي نوع هو معول هدم في هذا التجمع ؟
لا ادري كيف يمكن الحكم على ان هذه الثوابت ممكن ان تكون متغيرة ولا اتصور ان تغيير تعاطي الانسان لها على اختلاف مكانه ومكانته وثقافته ومسؤوليته يمكن ان يلقي اللوم او التبعية عليها كقيمة لاجدال في ثبوتها او صحتها ,
ان كان طرحي صوابا فمن الله تعالى واساله جل شانه ان يفيد , وان كان فيه خطأ في تصوري او عرضي فليتقدم اي اخ مشكورا بتصحيحه حتى تعم الفائدة
تحياتي للموحدين

فطرة التوحيد
04-25-2009, 05:40 AM
بارك الله فيك اخت مسلمه على الجهود الرائعه التي تقومين بها وعسى الله ان يبارك فيك وينفع بك الامه
وعلى جميع من قام بهذا الصرح الرائع والسد المنيع والحجه الواضحه .

من وجهة نظري ان ماأتيت به صحيح واكبر دليل هي اختلاف المجتمعات لاختلاف قيمها

فتجدين بدول العالم وبعض مدن العالم اختلافا جوهريا مع انها متجاوره اقليميا لماذا ؟

لاختلاف قيمها .

وبالنسبه لتساؤولاتك ... الجواب لا يمكن ان تزدهر اي دولة او مؤسسة او جماعه بغير هذه القيم
لان مابني على باطل فهو باطل من الاساس .

ولو قامت تلك الدول او المؤسسات او الجماعات ستكون هشه جدا وليس لها قاعده اوثوابت
ترسو عليها . واضرب لك مثال بسيطه وهو هدم قيمه واحده
ممكن ان يطيح بها . لو كان بينهم خونه فبلحظه
سيقلبون الطاوله عندما ينقضون عهدهم على وجه من اسسو تلك الدول او المؤسسات
او الجماعات وهذا مثل بسيط .جدا من مااوردتي . فكلامك صحيح حيث ان الخيانه
هي ترك قيمة الامانه التي زرعها الاسلام بقلوبنا نحن المسلمين وهي كفيله
لهدم اي دوله اوتجمع بلحظه .
جزاك الله خيرا على الطرح الرائع ونفع بك .