المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإسلام والعلمانية أزمة المصطلح والارتباط



ماهررر
05-04-2009, 10:38 AM
الإسلام والعلمانية
أزمة المصطلح والارتباط

د.ماهر خميس maher_khamis@hotmail.com
كثيراً ما يطرق أسماعنا العديد من المصطلحات الغريبة مثل: أسلمة العلمانية أو علمنة الإسلام أو الإسلام دين علماني ..... أو غير ذلك من المصطلحات التي يتنافس المفكرون القدامى والجدد في ابداعها
سناقش في هذه المقالة مشكلة المصطلحات السابقة بعرض بسيط بعيد عن التقعر والتحدب والإغراب.
أولاً: ماهو الإسلام الذي تبحث عنه العلمانية:
لكي نرتكز على قاعدة متينة في النقاش يجب أن نقر المبادئ التالية:
الإسلام دين سماوي وهو خاتم الأديان ويتألف في مضمونه من ثلاثة أقسام كبرى:
1-العقيدة:وترتكز على أنه لا إله إلا الله ......وبقية أركان الإيمان.
2-التشريع: وهنا لب الموضوع.......
3-الاخلاق: أقرها الإسلام ويشترك فيها غالبة البشر مثل تحريم السرقة والقتل والكذب .......
أما عن التشريع الإسلامي فله قسمان كبيران:
1- التشريع الأخروي: ويمثل علاقة العبد الروحية مع خالقه كالصلاة والصيام والحج .....
2- التشريع الدنيوي: ويهتم بأمور الحياة مثل :أحكام الزكاة والمعاملات والجنايات ....
وهذان القسمان لا يفترقان تماماً بل هما متداخلان فلكل تشريع دنيوي أثر أخروي ،ولكل تشريع أخروي أثر دنيوي ..ولن نفصل كثيراً في ذلك.
ولنأتي إلى التشريع الدنيوي والذي يتألف من أقسام عديدة ومتجددة حسب حاجات الإنسانية ومن أهم اقسامه:
1- التشريع الاقتصادي.
2- التشريع السياسي.
3- التشريع الجنائي والمدني.
4- التشريع الاجتماعي..........
ومن المعروف أن التشريع الإسلامي يتمتع بالمرونة الكافية لمواكبة التقدم العصري واستيعاب كل المستجدات في أحكامه، ومما يدل على غنى التشريع الإسلامي وعدم تحجُّره تعدد المدارس التشريعية وتعدد الآراء الفقهية وكثرة الفقهاء والمجتهدين عبر التاريخ الإسلامي وحتى الآن.
ولنعد لفكرتنا الأساسية حول العلمانية التي تركز اهتماماتها دائماً على نقطة واحدة وتمثل جزء من التشريع السياسي وهي(فصل الدين عن الدولة) على الرغم من أن العلمانية العربية المعاصرة تشعبت كثيراً وابتعدت عن الفكرة الأساسية وأوجدت لنفسها شكلاً جديداً أسميه بـ(العلمانية الإسلاموية) التي تتخذ من الإسلام قاعدة لتجديده أو نقضه أو تحويره أو إعادة هيكلته على أسس فكرية غربية وهو ما سأناقشه في مقالات لاحقة.
ولكن تبقي فكرة (فصل الدين عن الدولة) الهدف الأسمى للعلمانية العربية بأي وسيلة على النهج الميكافيللي. وسنطرح في هذا المقام الأسئلة التالية لتوضيح المصطلحات:
1- ما هو مفهوم الدين الذي يجب فصله عن الدولة؟
2- من يمثل الدين (أشخاص)والذين يجب ابعادهم عن السلطة السياسية؟
3- ما هو مفهوم الدولة وشكلها التي يجب إبعاد الدين عنها ؟
4- هل في الدين الإسلامي نموذج واحد للدولة؟
واعتقد أن العلمانيين العرب عندما يجيبون على هذه الأسئلة بموضوعية سوف يدورون في حلقة مفرغة لا نهاية لها ......
وكإجابة بسيطة على هذه الأسئلة:
من الصعوبة والمفارقة الغريبة مقارنة الدين الإسلامي بالدين المسيحي الذي ولد من رحمه العلمانية ,لأن العلمانية في الغرب قامت لإقصاء الدين المسيحي ورجالاته عن السياسة وإعادته لأصله الروحي (اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله) فالدين المسيحي في جوهره فلسفة روحية أخلاقية لا تشريعية. فتوحيد مصطلح الدين ليشمل كل الأديان لهو عين الخطأ .
فالإسلام دين إذا اعتبرنا أن الدين يعني الارتباط الروحي والإسلام نظام تشريعي ، والإسلام فلسفة فكرية ،والإسلام نموذج إلهي للحياة البشرية.........إذن فعبارة( فصل الدين عن الدولة) لا تقابل عبارة (فصل الإسلام عن الدولة).
وأما عن آلية فصل الدين عن الدولة فهل تقوم على فصل رجال الدين الإسلامي عن القيادة السياسية للدولة؟ أم فصل التشريع الإسلامي السياسي والاقتصادي عن الدولة؟ أم إزاحة نموذج الدولة الإسلامية واستبداله بالنموذج الغربي؟
فمن المعروف أن التشريع السياسي في الإسلام هو تشريع غير محدد المعالم فالنبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يعطي نموذجاً لشكل الحكم في الإسلام بل تركه للصحابة الذين انتخبوا أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم الحسن وبعدهم تحول نظام الحكم من الإنتخاب إلى الملك وأقرها مجمل الصحابة ومن ثم تحول إلى نموذج الوزارة والغلبة وتعدد الدول والخلافات وقد أقر معظم العلماء في تلك العصور تطور شكل الحكم في الإسلام..........إذن لا يوجد نموذج إسلامي موحد لشكل الحكم ومع ذلك فالإسلام يقدم المبادئ الأساسية والقواعد الأولية للفقه السياسي والتي يرتكزعليها الفقهاء في إقرار أشكال الحكم المختلفة.
وفي التشريع الإسلامي ليس من المهم والضروري أن يكون رأس السلطة السياسية وبقية أركان الحكم من رجال الدين أو المجتهدين ، فالسياسي مهني مثله مثل الطبيب والمهندس والعامل، فكما يعمل الطبيب وفق مبادئ الطب وأخلاقياته كذلك يعمل السياسي وفق مبادئ السياسة واخلاقياتها
وإن إقصاء التشريع الإسلامي نهائياً عن التشريع السياسي لهو نوع من الغباء - وكما قلت سابقاً عن مرونة التشريع الإسلامي وقدرته على استيعاب جميع المتغيرات – فكيف لنا أن نقصي أصولنا وفكرنا وابداعنا ونلهث وراء أصول وفكر وابداع الغرب وكأننا نعاج وبحاجة للغرب ليقودوننا ،أو نحن أغبياء بالفطرة والغرب أذكياء بالفطرة ،
و طبعاًهذا لا يعني أن التشريع الإسلامي لا يستفيد من التشريع الغربي ، فأي تشريع غربي يتوافق مع أصول التشريع الإسلامي فلا بأس به.
ثانياً: وتعود بنا الدائرة الآن إلى نقطة البداية هل هنالك تقابل بين الإسلام والعلمانية أم تداخل أم تكيف؟
الجواب بسيط:رفض كل الاحتمالات، فلا مجال للمقارنة ين الإسلام والعلمانية كمن يقارن بين الحب والنظرية النسبية ويؤكد بأن الحب إذا دخل في النظرية النسبية فإنه يطورها أويمثل بديل عنها فهذا ضرب من الهذيان فالحب مشاعر والنظرية النسبية مجموعة قوانيين فيزيائية!!!!
وأكد دائماً بأننا لسنا في موقف الضعف لكي نبحث عن كل ما هو غربي في الإسلام ، فما من فكرة غربية جديدة أو قديمة إلا ونحث الخطا لنجد لها شكلاً أو بديلاً اسلامياً:
فمع الاشتراكية قالوا الإسلام دين اشتراكي
ومع الليبرالية قالوا الإسلام دين ليبرالي
ومع العلمانية قالوا الإسلام دين علماني
ومنهم حاول قولبة العلمانية على الشكل الإسلامي وفق مصطلح أسلمة العلمانية
ومنهم من حاول أن يجدد في الإسلام ويقولبه ضمن العلمانية وفق مصطلح علمنة الإسلام
ونغوص في أزمة المصطلحات الكثيرة والتعاريف والتوضيحات
ثالثاً:النتيجة النهائية:
الإسلام ككيان متكامل شيء ،والعلمانية كفكرة أو فكر شيء آخر لا وجه للمقارنة بينهما ولا جدوى من إلصاق العلمانية بالإسلام أو استبدال الإسلام بالعلمانية أو التحوير أو التجميل أو التجديد .........
فلننتهي من هذه السجالات والنقاشات ولنتطلع إلى ايجاد فكر إسلامي سياسي واقتصادي يحتذي الغرب به ويقلده ويحدث ثورة في بنيانه كما أثر ابن رشد سابقاً ويحاول الاقتصاد الإسلامي (البنوك الإسلامية) أن تحدثه الآن في ظل المتغيرات الاقتصادية الأخيرة.

العطاب
05-17-2009, 09:42 AM
جزاك الله خيرا يا دكتور وبارك فيك