المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البيان في نصوص الوحي



مسلمة84
05-26-2009, 02:54 PM
البيان في نصوص الوحي

قطع علائق المشركين


قال الله تعالى:﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظهير ولا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ :22-23]

قال ابن القيم رحمه الله مبرزا وجه البيان في هذه الآية الكريمة:"فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع:

- إما مالك لما يريد عابده منه.

- فإن لم يكن مالكا كان شريكا في الملك.

- فإن لم يكن شريكا له كان له معينا وظهيرا.

- فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده.

فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مُتَرَتِّبًا، منتقلا من الأدنى إلى ما دونه، فنفى الملك، والشركة، والمظاهرة، والشفاعة التي يظنها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه.

فكفى بهذه الآية نورا، وبرهانا ونجاة، وتجريدا للتوحيد، وقطعا لأصول الشرك وموادِّه لمن عقلها".


[مدارج السالكين لابن القيم: 1/343]


منقول (http://www.ferkous.com/rep/S.php)

مسلمة84
05-28-2009, 11:47 PM
آداب الضيافة



قال الله تعالى:﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)﴾[الذاريات: 24-27]

قال الأديب السلفي محمود شكري الألوسي معلِّقا على هذه الآية، ومبرزا أوجه البلاغة فيها: "ففي هذا من الثناء على إبراهيم عليه السلام وجوه متعددة:

منها: أنه وصف إكرام ضيفه بأنهم مكرمون أي إن إبراهيم أكرمهم.

ومنها: قوله تعالى (إذ دخلوا عليه) فلم يذكر استئذانهم، ففي هذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم قد عُرِفَ بإكرام الضيفان واعتياد قِراهم فبَقِيَ منزل مضيفه مطروقا لمن ورده لا يحتاج إلى استئذان، بل استئذان الدخول دخوله وهذا غاية ما يكون من الكرم.

ومنها: قوله(سلامٌ) بالرفع وهم سلّموا عليه بالنصب، والسلام بالرفع أكمل، فإنه يدل على الجملة الاسمية الدالّة على الثبوت والدوام، والمنصوب يدل على الفعلية الدالّة على الحدوث والتجدّد، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام حيّاهم بتحية أحسن من تحيتهم فإن قولهم سلاما يدل على سلمنا سلاما وقوله سلام أي سلام عليكم.

ومنها:أنه حذف المبتدأ من قوله (قوم منكرون)، فإنه لمّا أنكرهم ولم يعرفهم احتشم من مواجهتهم بلفظ يُنَفِّرُ الضيف لو قال أنتم قوم منكرون، فحذف المبتدأ هنا من ألطف الكلام.

ومنها: أنه راغ إلى أهله ليجيئهم بنُزُلِهم والروغان هو الذهاب في اختفاء بحيث لا يكاد يشعر به وهذا من كرم المضيف.

ومنها: أنه ذهب إلى أهله فجاء بالضيافة، فدل على أن ذلك كان مُعَدًًّا عندهم مهيَّأًً للضيفان ولم يحتج أن يذهب إلى غيرهم من جيرانه أو غيرهم فيشتريه أو يستقرضه.

ومنها: قوله(فجاء بعجل سمين) دلّ على خدمته للضيف بنفسه ولم يقل فأمر لهم بل هو الذي ذهب وجاء به بنفسه ولم يبعثه مع خادمه وهذا أبلغ في إكرام الضيف.

ومنها: أنه جاء بعجل كامل ولم يأت ببضعة منه وهذا من تمام كرمه.

ومنها: أنه سمين لا هزيل، ومعلوم أن ذلك من أفخر أموالهم، ومثله يُتَّخَذُ للاقتناء والتربية فآثر به ضيفانه.

ومنها: أنه قرّبه إليهم بنفسه ولم يأمر خادمه بذلك.

ومنها: أنه قرّبه إليهم ولم يقرِّبهم إليه، وهذا أبلغ في الكرامة، أن تُجلِسَ الضيف ثم تقرِّب الطعام إليه وتحمله إلى حضرته ولا تضع الطعام في ناحية ثم تأمر ضيفك بأن يتقرب إليه.

ومنها: أنه قال لهم (ألا تأكلون)، وهذا عرض وتلطّف في القول وهو أحسن من قوله كُلُوا أو مُدُّوا أيديكم ونحوها مما يعلم الناس بعقولهم حسنه ولطفه.

ومنها: أنه إنما عرض عليهم الأكل لأنه رآهم لا يأكلون، ولم يكن ضيوفه يحتاجون معه إلى الإذن في الأكل بل كان إذا قدّم لهم الطعام أكَلوا، وهؤلاء الضيوف لمّا امتنعوا من الأكل قال لهم ألا تأكلون، ولهذا أَوْجَسَ منهم خيفة أي: أحسَّها وأضمرها في نفسه ولم يبدها لهم.

فقد جمعت هذه الآية آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب وكفى بها شرفا وفخرا.




["بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب" الألوسي: 1/375]

مسلمة84
05-29-2009, 06:07 PM
من الأمثال النبوية

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: « مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ، عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ - أَوْ وَفَرَتْ - عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِىَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَّسِعُ ».

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ضرب رسول الله مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد أو جنتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثدييهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها قال أبو هريرة فأنا رأيت رسول الله يقول بإصبعه هكذا في جبته فرأيته يوسعها ولا تتسع ".[البخاري: 1443، مسلم: 2406]

لما كان البخيل محبوسا عن الإحسان ممنوعا عن البر والخير، كان جزاؤه من جنس عمله فهو ضيق الصدر، ممنوع من الانشراح، ضيق العطن، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهم، والغم، والحزن، لا يكاد تقضى له حاجة، ولا يعان على مطلوب، فهو كرجل عليه جبّة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من إخراجها، ولا حركتها، وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبّة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها، وهكذا البخيل كلّما أراد أن يتصدّق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو.

والمتصدِّق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه فكلما تصدق اتسع وانفسح، وانشرح وقوي فرحه، وعظم سروره، ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقا بالاستكثار منها والمبادرة إليها، وقد قال تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر : 9].

والفرق بين الشح والبخل، أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله، وحبه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح، والشح يدعو إلى البخل والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، ومن لم يبخل فقد عصى شحه، ووقى شره وذلك هو المفلح، ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، والسخيّ قريب من الله تعالى ومن خلقه ومن أهله وقريب من الجنّة وبعيد من النار، والبخيل بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده.


ويُظهِرُ عيبَ المرء في الناس بُخلُه * ويَسْتُره عنهم جميعـًا سَخاؤُهُ

تَغطَّ بأثوَابِ السَّخاءِ فإنَّني * أرَى كلَّ عيب فالسخاء غِطَاؤُهُ

وقـَارِنْ إذا قارَنْتَ حرًّا فإنَّما * يَزِينُ ويُزرِي بالفَتى قُرَنَاؤُهُ

وأقلِلْ إذا ما استطعْتَ قوْلاَ فإنّه * إذا قلَّ قوْلُ المرْءِ قلَّ خَطاؤُهُ

إذا قلَّ مَال المرْءِ قلَّ صَدِيقـُهُ * وضاقت عليه أرضُه وسمَاؤُهُ

وأصْبَحَ لا يدري وإنْ كان حَازِمًا * أَقدَّامُه خيرٌ له أمْ وَرَاؤُهُ

إذا المرءُ لمْ يختَرْ صَدِيقًا لنَفْسِه * فناد به في الناس هذا جَزَاؤُهُ

وحدُّ السخاء: بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة، وليس كما قال البعض: من نقص عمله حد الجود بذل الموجود. ولو كان كما قال هذا القائل لارتفع اسم السرف والتبذير، وقد ورد الكتاب بذمهما وجاءت السنة بالنهي عنهما، وإذا كان السخاء محمودا فمن وقف على حدّه سمي كريما، وكان للحمد مستوجبا ومن قصر عنه كان بخيلا وكان للذم مستوجبا، والسخاء نوعان: فأشرفهما سخاؤك عما بيد غيرك، والثاني سخاؤك ببذل ما في يدك فقد يكون الرجل من أسخي الناس وهو لا يعطيهم شيئا لأنه سخا عما في أيديهم وهذا معنى قول بعضهم: السخاء أن تكون بمالك متبرعا وعن مال غيرك متورعا.


[ الروح لابن القيم: 408]

مسلمة84
08-01-2009, 02:58 AM
فضل العلم والعلماء

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يوَرِّثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»


[رواه أبو داود: 3641، والترمذي:2682، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود":3641]

وفي هذا الحديث النبوي بيان للتكريم العظيم والمنزلة الكبيرة التي يحظى بها العالم والمتعلم، وإشارة إلى أهمية العلم، لأنه الطريق الموصل إلى الجنة، وهو ميراث الأنبياء، وبه حياة القلوب وسعادة النفوس.

ولا شك أن تشبيه العلماء بالقمر ليلة البدر يعد من البلاغة النبوية، فالقمر يضيء الآفاق ويمتد نوره، أما الكواكب الأخرى فنورها ضئيل، وإذا كان الجهل كالليل في ظلمته، فإن العلماء بمنزلة القمر ليلة البدر الذي يبدد الظلام ويزين السماء.

وهناك لطيفة أخرى في هذا التشبيه النبوي، فالقمر يضعف نوره ثم يزداد، وتراه كاملا ثم يتضاءل وينقص، وكذلك العلماء تتفاوت مراتبهم في العمل الصالح و الدعوة إلى دين الله.

وفي قوله (إن العلماء ورثة الأنبياء) تنبيه للعلماء أن يسلكوا هدي الأنبياء وطريقتهم في الدعوة وتزكية النفوس وتربية الأمة، وبذلك يحصل لهم نصيبهم من هذا الميراث العظيم.

وإذا كان قِوام حياة البدن وأمور المعيشة عن طريق المال، فإن حياة القلب وغذاءه وشفاءه من أسقامه لا يكون إلا بالعلم النافع الذي يورث العمل الصالح، ومن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر.


[«منهج الإسلام في تزكية النفوس» لأنس أحمد كرزون: (187/1)]

مسلمة84
02-15-2010, 11:23 PM
سبعة يظلهم الله في ظله

(الجزء الأول)



عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ".

قال الشيخ عطية محمد سالم: " مِن مبادئ البلاغة والعادة: أنه لا تورد متعددات إلا مع التجانس، لحسن النسق وجمال التنسيق، كلبنات الجوار، وحبات العقد، وكذلك الكلام والبلاغة النبوية: هي الذروة والقمة، وقد أعطِيَ صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وكذلك مجامع الحكم، فكما أن أسلوب الحديث النبوي مبرّأ من تنافر الكلمات، ونشاز العبارات، فكذلك في المعاني، فإيراد هذه الأصناف السبعة في أسلوب واحد، مع تفاوتها في مواضيعها، وبعد ما بين بعضها البعض، لا بد أن فيها ما يربط بعضها ببعض من معنى شامل يسوغ نظمها في إيرادها لما تقتضيه البلاغة النبوية العالية، ويستوجبه خلو الحديث النبوي من النشز والتنافر، وقد أعطي في ذلك ما لم يعطه أحد، وهو صلى الله عليه أفصح العرب والعجم، مما يدعونا إلى تأملها بعين تتطلع إلى ما يقال له: فائدة الخبر ولازم الفائدة، وهو أبعد غايات البلاغة "

1- الرغبة والرهبة في الله ومن الله.

2- مراقبة الله والإخفاء عن الناس.

3- ارتباط هذه الأجناس بعضها ببعض، وتأثير بعضها في بعض.

4- اشتراكهم في مخالفة هواهم.

وقال ابن القيم: " إنك إذا تأملت السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وجدتهم إنما نالوا ذلك الظل بمخالفة الهوى:

- فإن الإمام المسلّط القادر لا يتمكن من العدل إلا بمخالفة هواه.

- والشاب المؤثر لعبادة الله على داعي شبابه لولا مخالفة هواه لم يقدر على ذلك.

- والرجل الذي قلبه معلق بالمساجد إنما حمله على ذلك مخالفة الهوى الداعي له إلى أماكن اللذات.

- والمتصدق المخفي لصدقته عن شماله لولا قهره لهواه لم يقدر على ذلك.

- والذي دعته المرأة الجميلة الشريفة فخاف الله عز وجل وخالف هواه.

- والذي ذكر الله عز وجل خاليا ففاضت عيناه من خشيته إنما أوصله إلى ذلك مخالفة هواه، فلم يكن لحر الموقف وعرقه وشدته سبيل عليهم يوم القيامة.


[«ترطيب الأفواه» للعفاني: (1/ 45-49) بتصرف]


منقول (http://www.ferkous.com/rep/S.php)

مسلمة84
02-15-2010, 11:32 PM
سبعة يظلهم الله في ظله

(الجزء الثاني)



عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه »

بتأمل هذا الترتيب، نجد تلك الأصناف بعضها مع بعض، بمثابة المقدمات والنتائج والأسباب ومسبباتها، والآثار ومؤثراتها، فما يشهد حقا بأن كل متعددات في الحديث النبوي مترابطة المعاني وإن اختلفت المباني.

- فالإمام العادل سيقيم مجتمعا فاضلا ولاسيما وهو في ذاته عدل أي: مستقيم، آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر مقيم للصلاة ومؤتٍ للزكاة، ومن الأمر بالمعروف: إقامة محاسن التشريع، ومن النهي عن المنكر: إقامة الحدود، سيكون مجتمعه حقا فاضلا تنشأ فيه النشأة، ويشب فيه الشباب على هذا المنهج في عبادة الله.

- ومِن أخص تلك النشأة ارتياد المساجد، حفاظا على الصلوات في الجماعة، ومن كان هذا حاله من أول نشأته، لا شك أنه سيتعلق قلبه بالمساجد، ومن تعلق قلبه بالمساجد داوم على ارتيادها، وكان من لوازم ذلك التعارف على المصلين ومحبتهم والشعور بالإخاء معهم، فينتج قطعا التحابّ في الله، لأنهم جميعا مثله ما جاؤوا إلى المساجد إلا لِما جاء هو إليه، وهو ابتغاء وجه الله، وإلى هنا قوي وجه الارتباط، وظهر مدى هذا التأثير في تكوين أفراد المجتمع.

- وأما من دعته امرأة فتعفف عنها، فإن عفته عنها لم تأت عفوا بل بعد مغالبة الغريزة والفطرة ولا يغلب الغرائز إلا ما كان أقوى منها، ولا يكون إلا الإيمان بالله، والخوف من الله، ولا يورّث هذا إلا تلك الصلوات في تلك المساجد، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾[العنكبوت : 45].

- وكذلك إخراج المال في غير معاوضة، وتخطي غريزة الشح، وجِبلة حبّ الثناء كان من تلك المؤثرات، ومن قدر على مغالبة الغريزة الجنسية فهو على غيرها أقوى، وهل من يستطيع ذلك كله يكون غافلا عن ذكر الله في السر والعلانية؟ لا، وكلا، وهكذا فكل صفة في صنف تؤثر في الصنف الذي يليها.


[«ترطيب الأفواه» للعفاني: (1/ 48)]


منقول (http://www.ferkous.com/rep/S.php)