المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل الاختلاف الفقهي رحمة .



مؤمن بالرحمن
06-15-2009, 07:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم




الاختلاف الفقهيّ هل هو رحمة :


المشهور أنّ اختلاف مجتهدي الأمّة في الفروع رحمة لها وسعة . والّذين صرّحوا بذلك احتجّوا بما رواه ابن عبّاس مرفوعاً « مهما أوتيتم من كتاب اللّه فالعمل به لا عذر لأحد في تركه . فإن لم يكن في كتاب اللّه فسنّة منّي ماضية . فإن لم تكن سنّة منّي فما قال أصحابي . إنّ أصحابي بمنزلة النّجوم في السّماء ، فأيّما أخذتم به اهتديتم ، واختلاف أصحابي لكم رحمة » . وفي الحديث أيضاً « وجعل اختلاف أمّتي رحمةً وكان فيمن كان قبلنا عذاباً » . واستأنسوا لذلك بما روي عن بعض التّابعين من مثل قول القاسم بن محمّد : لقد نفع اللّه باختلاف أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في أعمالهم ، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلاّ رأى أنّه في سعة ، ورأى أنّ خيراً منه قد عمله . وعن عمر بن عبد العزيز : ما أحبّ أنّ أصحاب رسول اللّه لم يختلفوا ؛ لأنّه لو كان قولاً واحداً كان النّاس في ضيق ، وأنّهم أئمّة يقتدى بهم ، فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة . وعن يحيى بن سعيد أنّه قال : اختلاف أهل العلم توسعة ، وما برح المفتون يختلفون ، فيحلّل هذا ويحرّم هذا ، فلا يعيب هذا على هذا ، ولا هذا على هذا . وقال ابن عابدين : الاختلاف بين المجتهدين في الفروع - لا مطلق الاختلاف - من آثار الرّحمة فإنّ اختلافهم توسعة للنّاس . قال : فمهما كان الاختلاف أكثر كانت الرّحمة أوفر . وهذه القاعدة ليست متّفقاً عليها ، فقد روى ابن وهب عن مالك أنّه قال . ليس في اختلاف أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سعة ، وإنّما الحقّ في واحد . وقال المزنيّ صاحب الشّافعيّ : ذمّ اللّه الاختلاف وأمر بالرّجوع عنده إلى الكتاب والسّنّة . وتوسّط ابن تيميّة بين الاتّجاهين ، فرأى أنّ الاختلاف قد يكون رحمةً ، وقد يكون عذاباً . قال : النّزاع في الأحكام قد يكون رحمةً إذا لم يفض إلى شرّ عظيم من خفاء الحكم . والحقّ في نفس الأمر واحد ، وقد يكون خفاؤه على المكلّف - لما في ظهوره من الشّدّة عليه - من رحمة اللّه به ، فيكون من باب { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } . وهكذا ما يوجد في الأسواق من الطّعام والثّياب قد يكون في نفس الأمر مغصوباً ، فإذا لم يعلم الإنسان بذلك كان كلّه حلالاً لا شيء عليه فيه بحال ، بخلاف ما إذا علم . فخفاء العلم بما يوجب الشّدّة قد يكون رحمةً ، كما أنّ خفاء العلم بما يوجب الرّخصة قد يكون عقوبةً ، كما أنّ رفع الشّكّ قد يكون رحمةً وقد يكون عقوبةً . والرّخصة رحمة . وقد يكون مكروه النّفس أنفع كما في الجهاد .