الجندى
05-23-2005, 06:03 PM
نقلاً عن منتدى أنا المسلم للأخ الرئيسى
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام مسلم في صحيحه (537) حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح، وأبو بكر بن أبي شيبة (وتقاربا في لفظ الحديث) قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن حجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي؛ قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -. إذ عطس رجل من القوم. فقلت: "يرحمك الله" فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: "واثكل أمياه! ما شأنكم؟ تنظرون إلي". فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني. لكني سكت. فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -. فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه. فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني.
قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن". أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
قلت: "يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية. وقد جاء الله بالإسلام. وإن منا رجالاً يأتون الكهان".
قال: "فلا تأتهم".
قال: "ومنا رجال يتطيرون".
قال: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم. فلا يصدنهم (قال ابن المصباح: فلا يصدنكم)".
قال قلت: "ومنا رجال يخطون".
قال: "كان نبي من الأنبياء يخط. فمن وافق خطه فذاك".
قال: "وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية. فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب [الذئب؟؟] قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم. آسف كما يأسفون. لكني صككتها صكة. فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فعظم ذلك علي".
قلت: "يا رسول الله أفلا أعتقها؟"
قال: "ائتني بها" فأتيته بها.
فقال لها: "أين الله؟"
قالت: "في السماء".
قال: "من أنا؟"
قالت: "أنت رسول الله".
قال: "أعتقها. فإنها مؤمنة".
وهكذا نرى أن الجارية بادرت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بمحض الفطرة بأن الله في السماء - حين سألها أين الله؟
وكل صاحب فطرة مستقيمة لا يمكن أن يجيب على مثل هذا السؤال إلا بما أجابت به الجارية، ففي الخبر مسألتان - كما يقول الذهبي - إحداهما: شرعية قول المسلم: "أين الله؟". وثانيهما: قول المسؤول: "في السماء" فمن أنكر هاتين المسألتين، فإنما ينكر على المصطفى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
أنظر: العلو (ص26).
وقال الإمام الدارمي في الرد على الجهمية (ص17-18): "ففي حديث رسول الله هذا دليل على أن الرجل إذا لم يعلم أن الله عز وجل في السماء دون الأرض فليس بمؤمن، ولو كان عبداً فأعتق لم يجز في رقبة مؤمنة، إذ لا يعلم أن الله في السماء، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - جعل أمارة إيمانها، معرفتها أن الله في السماء، وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "أين الله؟" تكذيب لقول من يقول: هو في كل مكان، لا يوصف بأين؛ لأن شيئاً لا يخلو منه مكان يستحيل أن يقال: أين هو؟ ولا يقال أين؟ إلا لمن هو في مكان، يخلو منه مكان ولو كان الأمر كما يدعي هؤلاء الزنادقة لأنكر عليها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قولها وعملها، ولكنها عملت به فصدقها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وشهد لها بالإيمان بذلك، ولو كان في الأرض كما هو في السماء لم يتم إيمانها حتى تعرفه في الأرض كما عرفته في السماء. فالله تبارك وتعالى فوق عرشه فوق سماواته، بائن من خلقه، فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبد، وعلمه من فوق العرش بأقصى خلقه وأدناهم واحد لا يبعد عنه شيء".
ويقول محمد خليل الهراس في حاشية التوحيد لابن خزيمة (ص121): "هذا الحديث يتألق ناصعة ووضوحها، وهو صاعقة على رؤوس أهل التعطيل فهذا رجل أخطأ في حق جاريته بضربها، فأراد أن يكفر عن خطيئته بعتقها، فاستمهله الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حتى يمتحن إيمانها، فكان السؤال الذي اختاره لهذا الإمتحان هو: "أين الله؟" ولما أجابت بأنه في السماء، رضي جوابها وشهد لها بالإيمان. ولو أنك قلت لمعطل: أين الله؟ لحكم عليك بالكفران".
ومن أنكر من المبتدعة صحة السؤال عن الله "بأين" فإنه إنما ينكر على رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ويتهمه بارتكاب خطأ كبير، وهذا غاية الضلال، وهو قدح صريح واضح في عصمة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ورسالته".
وقال الألباني في مختصر العلو (ص82): "وهذا الحديث صحيح بلا ريب، لا يشك في ذلك إلا جاهل أو مغرض من ذوي الأهواء، الذين كلما جاءهم نص عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يخالف ما هم عليه من الضلال، حاولوا الخلاص منه بتأويله، بل بتعطيله، فإن لم يمكنهم ذلك حاولوا الطعن في ثبوته كهذا الحديث، فإنه مع صحة إسناده وتصحيح أئمة الحديث إياه دون خلاف بينهم أعلمه، منهم الإمام مسلم حيث أخرجه في صحيحه، وكذا أبو عوانة في مستخرجه عليه، والبيهقي في الأسماء حيث قال عقبه (ص422) وهذا صحيح قد أخرجه مسلم. ومع ذلك نرى الكوثري الهالك في تعصبه يحاول التشكيك في صحته بادعاء الاضطراب فيه، فقد علق على هذا الحديث فيما سوده على كتاب الأسماء بقوله (ص441-442): "انفرد عطاء بن يسار برواية حديث القوم عن معاوية بن الحكم، وقد وقع في لفظ له كما في (كتاب العلو للذهبي) ما يدل على أن حديث الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - مع الجارية لم يكن إلا بالإشارة، وسبك الراوي ما فهم من الإشارة في لفظ اختاره (!) فلفظ عطاء الذي يدل على ما قلنا هو: (حدثني صاحب الجارية نفسه الحديث) وفيه: فمد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يده مستفهماً: من في السماء؟ قالت: الله. قال: فمن أنا، فقالت: رسول الله، قال فإنها مسلمة، وهذا من الدليل على أن (أين الله) لم يكن لفظ الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - (!) وقد فعلت الراوية بالمعنى في الحديث ما نراه من الاضطراب."
كذا قال، وأنت إذا تذكرت ما بيناه لك من صحة الحديث، وإذا علمت أن حديث عطاء عن صاحب الجارية نفسه لا يصح من قبل إسناده، لأنه من رواية سعيد بن زيد، فهو وإن كان في نفسه صدوقاً، فليس قوي الحفظ، ولذلك ضعفه جمع، بل كان يحيى بن سعيد يضعفه جداً وقد أشار الحافظ في (التقريب) إلى هذا فقال: "صدوق له أوهام" زد على هذا أن ما جاء في روايته من ذكر اليد والإستفهام هو ما تفرد به دون كل من روى هذا الحديث من الرواة الحفاظ ومن دونهم، فتفرد بذلك يعده أهل العلم بالحديث منكراً بلا ريب. فتأمل عصمني الله وإياك من الهوى، كيف اعتمد هذا الرجل (الكوثري) على هذه الرواية المنكرة، وليس هذا فقط، بل ضرب بها الرواية الثابتة المتفق على صحتها بين المحدثين. واعتبر الرواية المنكرة دليلاً على ضعف واضطراب الرواية الصحيحة، فماذا يقول المؤمن عن هذا الرجل الذي يستغل علمه وإطلاعه لتشكيك المسلمين في أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ عامله الله بما يستحق، ثم إنه لم يكتف بهذا بل أخذ ينسب إلى الراوي (وهو ثقة أيا كان هذا الراوي لأن كل رواة الحديث ثقات) أخذ ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال للجارية: "أين الله؟" والواقع عند الكوثري أنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يقل ذلك، وإنما الراوي وضعه من عنده مكان رواية سعيد بن زيد "فمد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يده إليها مستفهماً": من في السماء؟".
وقد رد الشيخ عمرو بن عبد المنعم سليم على ما أثاره السقاف الجهمي من شبهات حول حديث الجارية فقال: "قال السقاف في عقيدة أهل السنة والجماعة(!!) (ص36): وقد صح حديث الجارية بلفظ: "أتشهدين أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال نعم" ونحن نقول: هذا هو الثابت عنه? ولفظة أين الله لا تثبت لأنها مروية بالمعنى.
وقال في تعليقه على دفع شبه التشبيه لابن الجوزي (ص186): قد خالف كثير من الحفاظ في مصنفاتهم هذا اللفظ الذي جاء في صحيح مسلمفروه بلفظ: قال أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ فقالت: نعم، قال: أتشهدين أني رسول الله؟ قالت: نعم، قال: أتومنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم، قال: فأعتقها.
رواه أحمد في مسنده (3/452)، وقال الهيثمي في المجمع (4/244): رجاله رجال الصحيح، وعبد الرزاق في المصنف (9/175)، والبراز (1/14) كشف، والدرامى (2/187) والبيهقي (10/57)، والطبراني (12/27) وسنده صحيح، وليس فيه سعيد بن المرزبان كما قال الهيثمي، وابن الجارود في المنتفي (931)، وابن أبي شيبة (11/20).
قلت: وهذا الكلام فيه تدليس عريض، فظاهره أن الاختلاف في اللفظ دون السند، فكأنه يشير بذلك إلى أنه اختلف في متن هذا الحديث على أحد رواة السند، فرواه جماعة عنه بلفظ مسلم، وجماعة آخرون باللفظ الآخر، وهذا غير صحيح.
فما أورد من تخريج هذا اللفظ فلأحاديث عدة بأسانيد مختلفة.
وسوف أذكرها لك أخي القارئ، حتى ترى أي درجة من التدليس وصل إليها السقاف.
أما الحديث الأول:
فالذي أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9/175) – ومن طريقه الإمام أحمد في المسند (3/452) وابن الجارود (931) -: عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن رجل من الأنصار، جاء بأمة سوادء إلى النبي ?، فقال: يا رسول الله، إن علي رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة… الحديث.
وأخرجه البيهقي في الكبرى (10/57) من طريق: يونس بن يزيد، عن الزهري به.
قلت: وهذا الإسناد معلول بجهالة صحابية، فإن قيل ما وجه إعلاله بذلك، والصحابة كلهم عدول؟ فالجواب: أنه لم يرد في طريق من طرق الحديث ما يدل على أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قد سمعه من هذا الأنصاري، فلعله لم يسمع منه، وكما قال السقاف: متى طرأ الاحتمال سقط الاستدلال.
وقد استظهر البيهقي في هذه العلة، فقال عقب إخراجه هذا الحديث: هذا مرسل.
وأما الحديث الثاني:
فما أخرجه البراز في مسنده (13/) كشف والطبراني في الكبير (12/27) من طريق: ابن ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتى رجل النبي ?، فقال: إن على أمي رقبة، وعندي أمة سوداء … الحديث.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعجباً للسقاف كيف صحح الإسناد؟!!.
وأما الحديث الثالث:
فهو الحديث الذي أشار إليه عند الدارمى (2348) من طريق: حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن الشريد، قال: أتيت النبي? فقلت: إن على أمي رقبة، وإن عندي جارية سوداء نوبية، أفتجزي عنها؟ قال: ادع بها… الحديث.
قلت: وهذا الحديث دليل قاطع على تدليس السقاف، فحديث مسلم إنما هو من رواية معاوية بن الحكم، مما يدل على الواقعتين مختلفتان، وأن واقعة الشريد في التفكير عن أمه، وبها يفسر الحديثان السابقان، وأما واقعة معاوية بن الحكم فتختص بعتقها لأنه صكها على وجهها.
فلا أدري كيف يُشذذ لفظة في حديث ورد في واقعة معينة بحديث آخر في واقعة أخرى؟!!
وما أجود ما علقه شيخنا عبد الله بن يوسف الجديع على من يعل الحديث باختلاف اللفظ من أهل البدع.
قال حفظه الله – في تعليقه على ذكر الاعتقاد لأبي العلاء بن العطار (ص75): من زعم الاختلاف في متنه فلم يصب، لأنه احتج لما ذهب إليه بروايات أحسن مراتبها الضعف، على أنها عند التحقيق لا تُعد اختلافاً، وإنما أراد بعض أهل البدع التعليق بهذا لإبطال دلالة هذا الحديث على اعتقاد أهل السنة من أن الله فوق خلقه وأنه في مكان.
كذلك تشكيك بعض أهل الزيغ في ثبوت هذا الحديث في صحيح مسلم هو أوهي من بيت العنكبوت لمن علم وفهم وأنصف، وشبهات أهل البدع لم تسلم منها آيات الكتاب فكيف تسلم منها السنن؟؟!.
هذا والله الموفق.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام مسلم في صحيحه (537) حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح، وأبو بكر بن أبي شيبة (وتقاربا في لفظ الحديث) قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن حجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي؛ قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -. إذ عطس رجل من القوم. فقلت: "يرحمك الله" فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: "واثكل أمياه! ما شأنكم؟ تنظرون إلي". فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني. لكني سكت. فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -. فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه. فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني.
قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن". أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
قلت: "يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية. وقد جاء الله بالإسلام. وإن منا رجالاً يأتون الكهان".
قال: "فلا تأتهم".
قال: "ومنا رجال يتطيرون".
قال: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم. فلا يصدنهم (قال ابن المصباح: فلا يصدنكم)".
قال قلت: "ومنا رجال يخطون".
قال: "كان نبي من الأنبياء يخط. فمن وافق خطه فذاك".
قال: "وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية. فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب [الذئب؟؟] قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم. آسف كما يأسفون. لكني صككتها صكة. فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فعظم ذلك علي".
قلت: "يا رسول الله أفلا أعتقها؟"
قال: "ائتني بها" فأتيته بها.
فقال لها: "أين الله؟"
قالت: "في السماء".
قال: "من أنا؟"
قالت: "أنت رسول الله".
قال: "أعتقها. فإنها مؤمنة".
وهكذا نرى أن الجارية بادرت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بمحض الفطرة بأن الله في السماء - حين سألها أين الله؟
وكل صاحب فطرة مستقيمة لا يمكن أن يجيب على مثل هذا السؤال إلا بما أجابت به الجارية، ففي الخبر مسألتان - كما يقول الذهبي - إحداهما: شرعية قول المسلم: "أين الله؟". وثانيهما: قول المسؤول: "في السماء" فمن أنكر هاتين المسألتين، فإنما ينكر على المصطفى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
أنظر: العلو (ص26).
وقال الإمام الدارمي في الرد على الجهمية (ص17-18): "ففي حديث رسول الله هذا دليل على أن الرجل إذا لم يعلم أن الله عز وجل في السماء دون الأرض فليس بمؤمن، ولو كان عبداً فأعتق لم يجز في رقبة مؤمنة، إذ لا يعلم أن الله في السماء، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - جعل أمارة إيمانها، معرفتها أن الله في السماء، وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "أين الله؟" تكذيب لقول من يقول: هو في كل مكان، لا يوصف بأين؛ لأن شيئاً لا يخلو منه مكان يستحيل أن يقال: أين هو؟ ولا يقال أين؟ إلا لمن هو في مكان، يخلو منه مكان ولو كان الأمر كما يدعي هؤلاء الزنادقة لأنكر عليها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قولها وعملها، ولكنها عملت به فصدقها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وشهد لها بالإيمان بذلك، ولو كان في الأرض كما هو في السماء لم يتم إيمانها حتى تعرفه في الأرض كما عرفته في السماء. فالله تبارك وتعالى فوق عرشه فوق سماواته، بائن من خلقه، فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبد، وعلمه من فوق العرش بأقصى خلقه وأدناهم واحد لا يبعد عنه شيء".
ويقول محمد خليل الهراس في حاشية التوحيد لابن خزيمة (ص121): "هذا الحديث يتألق ناصعة ووضوحها، وهو صاعقة على رؤوس أهل التعطيل فهذا رجل أخطأ في حق جاريته بضربها، فأراد أن يكفر عن خطيئته بعتقها، فاستمهله الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حتى يمتحن إيمانها، فكان السؤال الذي اختاره لهذا الإمتحان هو: "أين الله؟" ولما أجابت بأنه في السماء، رضي جوابها وشهد لها بالإيمان. ولو أنك قلت لمعطل: أين الله؟ لحكم عليك بالكفران".
ومن أنكر من المبتدعة صحة السؤال عن الله "بأين" فإنه إنما ينكر على رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ويتهمه بارتكاب خطأ كبير، وهذا غاية الضلال، وهو قدح صريح واضح في عصمة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ورسالته".
وقال الألباني في مختصر العلو (ص82): "وهذا الحديث صحيح بلا ريب، لا يشك في ذلك إلا جاهل أو مغرض من ذوي الأهواء، الذين كلما جاءهم نص عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يخالف ما هم عليه من الضلال، حاولوا الخلاص منه بتأويله، بل بتعطيله، فإن لم يمكنهم ذلك حاولوا الطعن في ثبوته كهذا الحديث، فإنه مع صحة إسناده وتصحيح أئمة الحديث إياه دون خلاف بينهم أعلمه، منهم الإمام مسلم حيث أخرجه في صحيحه، وكذا أبو عوانة في مستخرجه عليه، والبيهقي في الأسماء حيث قال عقبه (ص422) وهذا صحيح قد أخرجه مسلم. ومع ذلك نرى الكوثري الهالك في تعصبه يحاول التشكيك في صحته بادعاء الاضطراب فيه، فقد علق على هذا الحديث فيما سوده على كتاب الأسماء بقوله (ص441-442): "انفرد عطاء بن يسار برواية حديث القوم عن معاوية بن الحكم، وقد وقع في لفظ له كما في (كتاب العلو للذهبي) ما يدل على أن حديث الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - مع الجارية لم يكن إلا بالإشارة، وسبك الراوي ما فهم من الإشارة في لفظ اختاره (!) فلفظ عطاء الذي يدل على ما قلنا هو: (حدثني صاحب الجارية نفسه الحديث) وفيه: فمد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يده مستفهماً: من في السماء؟ قالت: الله. قال: فمن أنا، فقالت: رسول الله، قال فإنها مسلمة، وهذا من الدليل على أن (أين الله) لم يكن لفظ الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - (!) وقد فعلت الراوية بالمعنى في الحديث ما نراه من الاضطراب."
كذا قال، وأنت إذا تذكرت ما بيناه لك من صحة الحديث، وإذا علمت أن حديث عطاء عن صاحب الجارية نفسه لا يصح من قبل إسناده، لأنه من رواية سعيد بن زيد، فهو وإن كان في نفسه صدوقاً، فليس قوي الحفظ، ولذلك ضعفه جمع، بل كان يحيى بن سعيد يضعفه جداً وقد أشار الحافظ في (التقريب) إلى هذا فقال: "صدوق له أوهام" زد على هذا أن ما جاء في روايته من ذكر اليد والإستفهام هو ما تفرد به دون كل من روى هذا الحديث من الرواة الحفاظ ومن دونهم، فتفرد بذلك يعده أهل العلم بالحديث منكراً بلا ريب. فتأمل عصمني الله وإياك من الهوى، كيف اعتمد هذا الرجل (الكوثري) على هذه الرواية المنكرة، وليس هذا فقط، بل ضرب بها الرواية الثابتة المتفق على صحتها بين المحدثين. واعتبر الرواية المنكرة دليلاً على ضعف واضطراب الرواية الصحيحة، فماذا يقول المؤمن عن هذا الرجل الذي يستغل علمه وإطلاعه لتشكيك المسلمين في أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ عامله الله بما يستحق، ثم إنه لم يكتف بهذا بل أخذ ينسب إلى الراوي (وهو ثقة أيا كان هذا الراوي لأن كل رواة الحديث ثقات) أخذ ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال للجارية: "أين الله؟" والواقع عند الكوثري أنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يقل ذلك، وإنما الراوي وضعه من عنده مكان رواية سعيد بن زيد "فمد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يده إليها مستفهماً": من في السماء؟".
وقد رد الشيخ عمرو بن عبد المنعم سليم على ما أثاره السقاف الجهمي من شبهات حول حديث الجارية فقال: "قال السقاف في عقيدة أهل السنة والجماعة(!!) (ص36): وقد صح حديث الجارية بلفظ: "أتشهدين أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال نعم" ونحن نقول: هذا هو الثابت عنه? ولفظة أين الله لا تثبت لأنها مروية بالمعنى.
وقال في تعليقه على دفع شبه التشبيه لابن الجوزي (ص186): قد خالف كثير من الحفاظ في مصنفاتهم هذا اللفظ الذي جاء في صحيح مسلمفروه بلفظ: قال أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ فقالت: نعم، قال: أتشهدين أني رسول الله؟ قالت: نعم، قال: أتومنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم، قال: فأعتقها.
رواه أحمد في مسنده (3/452)، وقال الهيثمي في المجمع (4/244): رجاله رجال الصحيح، وعبد الرزاق في المصنف (9/175)، والبراز (1/14) كشف، والدرامى (2/187) والبيهقي (10/57)، والطبراني (12/27) وسنده صحيح، وليس فيه سعيد بن المرزبان كما قال الهيثمي، وابن الجارود في المنتفي (931)، وابن أبي شيبة (11/20).
قلت: وهذا الكلام فيه تدليس عريض، فظاهره أن الاختلاف في اللفظ دون السند، فكأنه يشير بذلك إلى أنه اختلف في متن هذا الحديث على أحد رواة السند، فرواه جماعة عنه بلفظ مسلم، وجماعة آخرون باللفظ الآخر، وهذا غير صحيح.
فما أورد من تخريج هذا اللفظ فلأحاديث عدة بأسانيد مختلفة.
وسوف أذكرها لك أخي القارئ، حتى ترى أي درجة من التدليس وصل إليها السقاف.
أما الحديث الأول:
فالذي أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9/175) – ومن طريقه الإمام أحمد في المسند (3/452) وابن الجارود (931) -: عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن رجل من الأنصار، جاء بأمة سوادء إلى النبي ?، فقال: يا رسول الله، إن علي رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة… الحديث.
وأخرجه البيهقي في الكبرى (10/57) من طريق: يونس بن يزيد، عن الزهري به.
قلت: وهذا الإسناد معلول بجهالة صحابية، فإن قيل ما وجه إعلاله بذلك، والصحابة كلهم عدول؟ فالجواب: أنه لم يرد في طريق من طرق الحديث ما يدل على أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قد سمعه من هذا الأنصاري، فلعله لم يسمع منه، وكما قال السقاف: متى طرأ الاحتمال سقط الاستدلال.
وقد استظهر البيهقي في هذه العلة، فقال عقب إخراجه هذا الحديث: هذا مرسل.
وأما الحديث الثاني:
فما أخرجه البراز في مسنده (13/) كشف والطبراني في الكبير (12/27) من طريق: ابن ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتى رجل النبي ?، فقال: إن على أمي رقبة، وعندي أمة سوداء … الحديث.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعجباً للسقاف كيف صحح الإسناد؟!!.
وأما الحديث الثالث:
فهو الحديث الذي أشار إليه عند الدارمى (2348) من طريق: حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن الشريد، قال: أتيت النبي? فقلت: إن على أمي رقبة، وإن عندي جارية سوداء نوبية، أفتجزي عنها؟ قال: ادع بها… الحديث.
قلت: وهذا الحديث دليل قاطع على تدليس السقاف، فحديث مسلم إنما هو من رواية معاوية بن الحكم، مما يدل على الواقعتين مختلفتان، وأن واقعة الشريد في التفكير عن أمه، وبها يفسر الحديثان السابقان، وأما واقعة معاوية بن الحكم فتختص بعتقها لأنه صكها على وجهها.
فلا أدري كيف يُشذذ لفظة في حديث ورد في واقعة معينة بحديث آخر في واقعة أخرى؟!!
وما أجود ما علقه شيخنا عبد الله بن يوسف الجديع على من يعل الحديث باختلاف اللفظ من أهل البدع.
قال حفظه الله – في تعليقه على ذكر الاعتقاد لأبي العلاء بن العطار (ص75): من زعم الاختلاف في متنه فلم يصب، لأنه احتج لما ذهب إليه بروايات أحسن مراتبها الضعف، على أنها عند التحقيق لا تُعد اختلافاً، وإنما أراد بعض أهل البدع التعليق بهذا لإبطال دلالة هذا الحديث على اعتقاد أهل السنة من أن الله فوق خلقه وأنه في مكان.
كذلك تشكيك بعض أهل الزيغ في ثبوت هذا الحديث في صحيح مسلم هو أوهي من بيت العنكبوت لمن علم وفهم وأنصف، وشبهات أهل البدع لم تسلم منها آيات الكتاب فكيف تسلم منها السنن؟؟!.
هذا والله الموفق.