المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حديث الجارية



الجندى
05-23-2005, 06:03 PM
نقلاً عن منتدى أنا المسلم للأخ الرئيسى

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام مسلم في صحيحه (537) حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح، وأبو بكر بن أبي شيبة (وتقاربا في لفظ الحديث) قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن حجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي؛ قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -. إذ عطس رجل من القوم. فقلت: "يرحمك الله" فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: "واثكل أمياه! ما شأنكم؟ تنظرون إلي". فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني. لكني سكت. فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -. فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه. فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني.
قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن". أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
قلت: "يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية. وقد جاء الله بالإسلام. وإن منا رجالاً يأتون الكهان".
قال: "فلا تأتهم".
قال: "ومنا رجال يتطيرون".
قال: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم. فلا يصدنهم (قال ابن المصباح: فلا يصدنكم)".
قال قلت: "ومنا رجال يخطون".
قال: "كان نبي من الأنبياء يخط. فمن وافق خطه فذاك".
قال: "وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية. فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب [الذئب؟؟] قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم. آسف كما يأسفون. لكني صككتها صكة. فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فعظم ذلك علي".
قلت: "يا رسول الله أفلا أعتقها؟"
قال: "ائتني بها" فأتيته بها.
فقال لها: "أين الله؟"
قالت: "في السماء".
قال: "من أنا؟"
قالت: "أنت رسول الله".
قال: "أعتقها. فإنها مؤمنة".

وهكذا نرى أن الجارية بادرت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بمحض الفطرة بأن الله في السماء - حين سألها أين الله؟

وكل صاحب فطرة مستقيمة لا يمكن أن يجيب على مثل هذا السؤال إلا بما أجابت به الجارية، ففي الخبر مسألتان - كما يقول الذهبي - إحداهما: شرعية قول المسلم: "أين الله؟". وثانيهما: قول المسؤول: "في السماء" فمن أنكر هاتين المسألتين، فإنما ينكر على المصطفى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.

أنظر: العلو (ص26).

وقال الإمام الدارمي في الرد على الجهمية (ص17-18): "ففي حديث رسول الله هذا دليل على أن الرجل إذا لم يعلم أن الله عز وجل في السماء دون الأرض فليس بمؤمن، ولو كان عبداً فأعتق لم يجز في رقبة مؤمنة، إذ لا يعلم أن الله في السماء، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - جعل أمارة إيمانها، معرفتها أن الله في السماء، وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "أين الله؟" تكذيب لقول من يقول: هو في كل مكان، لا يوصف بأين؛ لأن شيئاً لا يخلو منه مكان يستحيل أن يقال: أين هو؟ ولا يقال أين؟ إلا لمن هو في مكان، يخلو منه مكان ولو كان الأمر كما يدعي هؤلاء الزنادقة لأنكر عليها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قولها وعملها، ولكنها عملت به فصدقها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وشهد لها بالإيمان بذلك، ولو كان في الأرض كما هو في السماء لم يتم إيمانها حتى تعرفه في الأرض كما عرفته في السماء. فالله تبارك وتعالى فوق عرشه فوق سماواته، بائن من خلقه، فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبد، وعلمه من فوق العرش بأقصى خلقه وأدناهم واحد لا يبعد عنه شيء".

ويقول محمد خليل الهراس في حاشية التوحيد لابن خزيمة (ص121): "هذا الحديث يتألق ناصعة ووضوحها، وهو صاعقة على رؤوس أهل التعطيل فهذا رجل أخطأ في حق جاريته بضربها، فأراد أن يكفر عن خطيئته بعتقها، فاستمهله الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حتى يمتحن إيمانها، فكان السؤال الذي اختاره لهذا الإمتحان هو: "أين الله؟" ولما أجابت بأنه في السماء، رضي جوابها وشهد لها بالإيمان. ولو أنك قلت لمعطل: أين الله؟ لحكم عليك بالكفران".

ومن أنكر من المبتدعة صحة السؤال عن الله "بأين" فإنه إنما ينكر على رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ويتهمه بارتكاب خطأ كبير، وهذا غاية الضلال، وهو قدح صريح واضح في عصمة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ورسالته".

وقال الألباني في مختصر العلو (ص82): "وهذا الحديث صحيح بلا ريب، لا يشك في ذلك إلا جاهل أو مغرض من ذوي الأهواء، الذين كلما جاءهم نص عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يخالف ما هم عليه من الضلال، حاولوا الخلاص منه بتأويله، بل بتعطيله، فإن لم يمكنهم ذلك حاولوا الطعن في ثبوته كهذا الحديث، فإنه مع صحة إسناده وتصحيح أئمة الحديث إياه دون خلاف بينهم أعلمه، منهم الإمام مسلم حيث أخرجه في صحيحه، وكذا أبو عوانة في مستخرجه عليه، والبيهقي في الأسماء حيث قال عقبه (ص422) وهذا صحيح قد أخرجه مسلم. ومع ذلك نرى الكوثري الهالك في تعصبه يحاول التشكيك في صحته بادعاء الاضطراب فيه، فقد علق على هذا الحديث فيما سوده على كتاب الأسماء بقوله (ص441-442): "انفرد عطاء بن يسار برواية حديث القوم عن معاوية بن الحكم، وقد وقع في لفظ له كما في (كتاب العلو للذهبي) ما يدل على أن حديث الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - مع الجارية لم يكن إلا بالإشارة، وسبك الراوي ما فهم من الإشارة في لفظ اختاره (!) فلفظ عطاء الذي يدل على ما قلنا هو: (حدثني صاحب الجارية نفسه الحديث) وفيه: فمد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يده مستفهماً: من في السماء؟ قالت: الله. قال: فمن أنا، فقالت: رسول الله، قال فإنها مسلمة، وهذا من الدليل على أن (أين الله) لم يكن لفظ الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - (!) وقد فعلت الراوية بالمعنى في الحديث ما نراه من الاضطراب."

كذا قال، وأنت إذا تذكرت ما بيناه لك من صحة الحديث، وإذا علمت أن حديث عطاء عن صاحب الجارية نفسه لا يصح من قبل إسناده، لأنه من رواية سعيد بن زيد، فهو وإن كان في نفسه صدوقاً، فليس قوي الحفظ، ولذلك ضعفه جمع، بل كان يحيى بن سعيد يضعفه جداً وقد أشار الحافظ في (التقريب) إلى هذا فقال: "صدوق له أوهام" زد على هذا أن ما جاء في روايته من ذكر اليد والإستفهام هو ما تفرد به دون كل من روى هذا الحديث من الرواة الحفاظ ومن دونهم، فتفرد بذلك يعده أهل العلم بالحديث منكراً بلا ريب. فتأمل عصمني الله وإياك من الهوى، كيف اعتمد هذا الرجل (الكوثري) على هذه الرواية المنكرة، وليس هذا فقط، بل ضرب بها الرواية الثابتة المتفق على صحتها بين المحدثين. واعتبر الرواية المنكرة دليلاً على ضعف واضطراب الرواية الصحيحة، فماذا يقول المؤمن عن هذا الرجل الذي يستغل علمه وإطلاعه لتشكيك المسلمين في أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ عامله الله بما يستحق، ثم إنه لم يكتف بهذا بل أخذ ينسب إلى الراوي (وهو ثقة أيا كان هذا الراوي لأن كل رواة الحديث ثقات) أخذ ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال للجارية: "أين الله؟" والواقع عند الكوثري أنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يقل ذلك، وإنما الراوي وضعه من عنده مكان رواية سعيد بن زيد "فمد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يده إليها مستفهماً": من في السماء؟".


وقد رد الشيخ عمرو بن عبد المنعم سليم على ما أثاره السقاف الجهمي من شبهات حول حديث الجارية فقال: "قال السقاف في عقيدة أهل السنة والجماعة(!!) (ص36): وقد صح حديث الجارية بلفظ: "أتشهدين أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال نعم" ونحن نقول: هذا هو الثابت عنه? ولفظة أين الله لا تثبت لأنها مروية بالمعنى.

وقال في تعليقه على دفع شبه التشبيه لابن الجوزي (ص186): قد خالف كثير من الحفاظ في مصنفاتهم هذا اللفظ الذي جاء في صحيح مسلمفروه بلفظ: قال أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ فقالت: نعم، قال: أتشهدين أني رسول الله؟ قالت: نعم، قال: أتومنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم، قال: فأعتقها.

رواه أحمد في مسنده (3/452)، وقال الهيثمي في المجمع (4/244): رجاله رجال الصحيح، وعبد الرزاق في المصنف (9/175)، والبراز (1/14) كشف، والدرامى (2/187) والبيهقي (10/57)، والطبراني (12/27) وسنده صحيح، وليس فيه سعيد بن المرزبان كما قال الهيثمي، وابن الجارود في المنتفي (931)، وابن أبي شيبة (11/20).

قلت: وهذا الكلام فيه تدليس عريض، فظاهره أن الاختلاف في اللفظ دون السند، فكأنه يشير بذلك إلى أنه اختلف في متن هذا الحديث على أحد رواة السند، فرواه جماعة عنه بلفظ مسلم، وجماعة آخرون باللفظ الآخر، وهذا غير صحيح.

فما أورد من تخريج هذا اللفظ فلأحاديث عدة بأسانيد مختلفة.

وسوف أذكرها لك أخي القارئ، حتى ترى أي درجة من التدليس وصل إليها السقاف.


أما الحديث الأول:

فالذي أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9/175) – ومن طريقه الإمام أحمد في المسند (3/452) وابن الجارود (931) -: عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن رجل من الأنصار، جاء بأمة سوادء إلى النبي ?، فقال: يا رسول الله، إن علي رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة… الحديث.

وأخرجه البيهقي في الكبرى (10/57) من طريق: يونس بن يزيد، عن الزهري به.

قلت: وهذا الإسناد معلول بجهالة صحابية، فإن قيل ما وجه إعلاله بذلك، والصحابة كلهم عدول؟ فالجواب: أنه لم يرد في طريق من طرق الحديث ما يدل على أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قد سمعه من هذا الأنصاري، فلعله لم يسمع منه، وكما قال السقاف: متى طرأ الاحتمال سقط الاستدلال.

وقد استظهر البيهقي في هذه العلة، فقال عقب إخراجه هذا الحديث: هذا مرسل.


وأما الحديث الثاني:

فما أخرجه البراز في مسنده (13/) كشف والطبراني في الكبير (12/27) من طريق: ابن ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتى رجل النبي ?، فقال: إن على أمي رقبة، وعندي أمة سوداء … الحديث.

قلت: وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعجباً للسقاف كيف صحح الإسناد؟!!.


وأما الحديث الثالث:

فهو الحديث الذي أشار إليه عند الدارمى (2348) من طريق: حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن الشريد، قال: أتيت النبي? فقلت: إن على أمي رقبة، وإن عندي جارية سوداء نوبية، أفتجزي عنها؟ قال: ادع بها… الحديث.

قلت: وهذا الحديث دليل قاطع على تدليس السقاف، فحديث مسلم إنما هو من رواية معاوية بن الحكم، مما يدل على الواقعتين مختلفتان، وأن واقعة الشريد في التفكير عن أمه، وبها يفسر الحديثان السابقان، وأما واقعة معاوية بن الحكم فتختص بعتقها لأنه صكها على وجهها.

فلا أدري كيف يُشذذ لفظة في حديث ورد في واقعة معينة بحديث آخر في واقعة أخرى؟!!

وما أجود ما علقه شيخنا عبد الله بن يوسف الجديع على من يعل الحديث باختلاف اللفظ من أهل البدع.

قال حفظه الله – في تعليقه على ذكر الاعتقاد لأبي العلاء بن العطار (ص75): من زعم الاختلاف في متنه فلم يصب، لأنه احتج لما ذهب إليه بروايات أحسن مراتبها الضعف، على أنها عند التحقيق لا تُعد اختلافاً، وإنما أراد بعض أهل البدع التعليق بهذا لإبطال دلالة هذا الحديث على اعتقاد أهل السنة من أن الله فوق خلقه وأنه في مكان.

كذلك تشكيك بعض أهل الزيغ في ثبوت هذا الحديث في صحيح مسلم هو أوهي من بيت العنكبوت لمن علم وفهم وأنصف، وشبهات أهل البدع لم تسلم منها آيات الكتاب فكيف تسلم منها السنن؟؟!.

هذا والله الموفق.

الجندى
06-24-2005, 09:20 AM
حديث الجارية ورد الشبهات حوله

منقول
المصدر (http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=132671)


إنّ الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إلـه إلاّ الله وحده لا شريكَ لـه، وأشهدُ أنّ محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أمّا بعدُ:

فهذه خلاصة يسيرة فيها الدفاع عن حديث الجارية أردت فيها المنافحة عن عقيدة أهل السنة مثبتا ما ثبت بالدليل ، فأقول مستعينا بالله جل وعلا:

قال معاوية بن الحكم السلمي ( ) t:

(( أتيت رسول الله r بجارية، فقلت: يا رسول الله، عليّ رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله: (( أين الله؟ )) فقالت: في السماء، فقال: (( من أنا؟ ))، قالت: رسول الله، قال: (( اعتقها فإنّها مؤمنة )) )) أهـ.

رواه الإمام مالك في (( الموطأ )) (2/776 )، والإمام الشافعيّ في (( الرّسالة )) (ص/75 -واللفظ لـه- )، وابن أبي شيبة في (( الإيمان )) (ص/36 رقم: 84 )، والإمام أحمد في (( المسند )) (5/448 )، وأبو داود في (( السنن )) (1/260 الصحيح )، والدّارميّ في (( الرّد على الجهميّة )) (ص/39 )، وفي (( الرّد على المريسي )) (1/491 )، وعبد الله ابن الإمام أحمد في (( السنّة )) (1/306 )، وابن خزيمة في (( التوحيد )) (1/279 )، واللالكائيّ في (( شرح أصول الاعتقاد )) (3/392 )، والبيهقيّ في(( الأسماء والصفات )) (ص/532 )، وفي(( السنن الكبرى )) (7/354 و10/98 )، ومسلمٌ في (( صحيحه )) (5/23 رقم: 1199 )، والذّهبي في (( العلو )) (ص/81 المختصر )، وغيرهم -رحم الله الجميع-.

من طرق؛ عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم به؛ ورواه من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن معاوية بن الحكم جماعة كما في (( المصنّف لعبد الرزاق )) (10/402 )، و (( مسند الإمام أحمد )) (3/443 و5/448 ) وغيرهم -رحم الله الجميع-.

وقد ذكر طرق الحديث وخرّجه بإيعابٍ واستيعاب شيخنا البحاثة، مشهور بن حسن -حفظه الله- في تحقيقه على كتاب (( الموافقات )) (1/60-64 ) للشاطبيّ، فلينظره من شاء التفصيل ( ).

وهذا الحديث، وهو المشهور بحديث الجارية، حديثٌ صحيحٌ باتفاق أهل النقل، صححه-تصريحاً أو ما يقوم مقامه- جمهرةٌ من أهل العلم؛ منهم الإمام مسلم حيث أخرجه في ((صحيحه )) (5/23 رقم: 1199 )، والحافظ ابن حجر في (( الفتح )) (13/359 )، والبيهقيُّ في (( الأسماء والصفات )) (ص/533 )، والذهبيّ في (( العلو ))(ص/81 مختصر )، والألبانيّ في مواضع منها (( الإيمان ))(ص/36) لابن أبي شيبة، حيث قال-رحمه الله-: (( إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين ))( )، وقال في (( مختصر العلو ))(ص/81): (( فإنّه مع صحّةِ إسناده، وتصحيح أئمة الحديث إيّاه دون خلافٍ بينهم أعلمه )) أهـ.

فلا نعلم في صحّة هذا الحديث خلافاً، ولم نرَ أحداً تعرّض لـه بتضعيف، بل إجماع أهل الحديث والسنّة منعقدٌ على صحته، ولم يخالف في ذلك إلاّ المتأخرون من شذاذ الجهميّة( )، كالكوثري والغماري والسقاف، وذلك موافقة منهم لأهوائهم، ولتسلم لهم عقيدة التعطيل، وإن كان ذلك على حساب النّص الشرعيّ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

وهنا لفتة، وهي أن الذي حمل نفاة العلو للطعن في حديث الجارية هو اشمئزاز نفوسهم من السؤال بـ (أين ) ولازم هذا عندهم أن يكون الله جل وعلا في مكان، فيقال جواباً عن هذا:

أنّ النبي r قد صرح بجواز السؤال بـ ( أين ) من غير لبس أو خفاء _كما ثبت في الحديث _ ، فالذي ينكر ذلك إنما ينكر على النبّي r سؤاله للجارية ، خاصة بعدما علمت _ أخي القارئ _ إجماع أهل النقل على صحة الحديث ، وحسبك بمن نخّل كتب السنة تنخيلاً الإمام الألباني _ طيب الله ثراه_ حيث قال: ((… وتصحيح أئمة الحديث إياه دون خلاف بينهم أعلمه )) أهـ. هذا أولاً؛ أمّا ثانياً:

أن منشأ الغلط عند هؤلاء النفاة هو بسبب خلطهم بين نوعي المكان الوجودي المخلوق، والعدمي، فلم يفهموا من معنى المكان إلاّ الأول، وصواب القسمة أن يقال: من أراد بالمكان الشيء الوجودي المخلوق الذي كان بعد أن لم يكن _وهو الذي يتبادر لأذهان جماهير الناس من معنى المكان _فهو مبطل قائل بالكفر، ولم يقل بذلك عالم من علماء السنّة فضلاً عن أن ينسب القول بذلك لشيخ الإسلام_كما ادّعاه من ضعف دينه وعقله وفهمه_ فالله تعالى لا تحوزه المخلوقات وهو أكبر وأعظم وقد وسع كرسيه السماوات والأرض؛ ففي (( الصحيحين )) عن النبيّ r قوله: (( يقبض الله الأرض والسماوات بيمينه… الحديث ))، وأمّا من أراد بالمكان الشيء العدمي وهو ما فوق العالم وليس ثمّة مخلوق ولا جهات إلاّ العلو المطلق فلا شك أنّ هذا من أعظم الكمال اللائق به سبحانه والذي لا يجوز نفيه أو صرفه عن رب الأرض و السماوات جل وعلا.

والمسألة تحتاج إلى تفصيل وليس هنا موضعه.

وممّا يعجب منه اللّبيب، هو اختلاف مسالك هؤلاء النفاة في ردّ الحديث، ورفضه، فتارة ينفون أن يكون رواه الإمام مسلم، ويقولون: لعلّها زيدت فيما بعد( )، وتارةً بأنّه مضطرب( )، وتارةً أخرى بأنّه شاذ( )، وغير ذلك من الدعاوى والتي تدلُّ بكثرتها وتنوّعها على البعد كلَّ البعد عن جادّة الحقّ والصّواب، فلو أنّ كلمتهم اتفقت على مطعنٍ واحدٍ، لقلنا ننظر في قولهم؛ أمّا أن يكون الحال كذلك، بحيث لم يتركوا مطعناً أو مدخلاً إلاّ ذكروه وجاهدوا في إثباته، ممّا يدلّ -من حيث الجملة- على بطلان قولهم وفساده.

فقد روى اللالكائي (1/149) بسنده إلى مطرف بن الشخير، قال: (( لو كانت هذه الأهواء كلّها هوىً واحداً لقال القائل: الحقّ فيه، فلمّا تشعبت واختلفت عرف كلّ ذي عقلٍ أنّ الحقّ لا يتفرّق )) أهـ.

وإليك أخي القارئ مجمل الاعتراضات على هذا الحديث والردّ عليها:

أقول:

1- زعم الكوثري أنّ الحديث مضطرب، فقال: إنّ حديث الرسول r مع الجارية لم يكن إلاّ بالإشارة، فعبّر الرّاوي عمّا فهمه من إشارة الجارية باللّفظ المذكور، ثمّ اشتهر اللفظ بعد ذلك بين الصحابة، وصواب الحديث وأصله... فمدّ النبي r يده إليها مستفهماً، من في السماء؟ قالت: الله، قال: من أنا؟ قالت: رسول الله…كذا قال( )،ولاحول ولاقوة إلابالله، وإلى الله وحده المشتكى؛ فإنّ الحديث الذي ادّعى فيه المعارضة لا يصحّ، وقد رواه الذهبيّ في (( العلو )) بالمعنى المذكور آنفاً، وكونه لا يصحّ، فذلك من وجهين:

أولاً: من جهة إسناده، فهو من رواية سعيد بن زيد أبو الحسن البصري، وقد ضعفه الأئمة، كالقطان، والنسائي، قال الجوزجاني: (( سمعتهم يضعّفون أحاديثه، فليس بحجةٍ بحال )) ( )، وقال ابن حبان في(( المجروحين )) (( وكان ممّن يخطأ في الأخبار، ويهم في الآثار، حتى لا يُحتجّ به إذا انفرد ))( )، وترجم له الحافظ في(( التقريب )) ( ) فقال: (( صدوق لـه أوهام ))؛ وأورده ابن عدي في(( الكامل ))(3/378)؛ فالإسنادُ ضعيفٌ.

ثانياً: من جهة متنه، فما جاء من روايته من ذكر اليد والاستفهام، هو ممّا تفرّد به دون كلّ من روى هذا الحديث من الرواه الحفّاظ، فتفرّده بذلك ممّا يدلُّ على نكارة الحديث( )؛ فلفظ الإشارة ضعيف سنداً ومتناً، فلا يصحّ بحال اعتباره معارضاً للفظ (( أين الله؟ ))حتى يُقال بعد ذلك بالاضطراب، فتبين بذلك أنّ دعوى الاضطراب مضطربة.
2- أمّا دعوى أنّ الصحابي قد صاغ الحديث من عند نفسه، وعبّر عن إشارة الجارية بهذا اللفظ، فكلامٌ سخيفٌ ودعوى باطلة، وما أسهل الدعاوى أن تطلق، ولكنّها عند التحقيق لا تكون شيئاً، فأين الدليل على ذلك؟! أهو اللّفظ الضعيف الذي فيه سعيد بن زيد؟، أم هو الهوى ورفض الحق؟ -وعلى فرض التسليم بقوله من باب المناظرة- أليس هذا دليلاً واضحاً على أنّ الصحابة y قد تلقّوا الحديث بهذا اللّفظ بالقبول، من غير إنكارٍ ولا ردّ؟ ألم يكن الصحابة يفهمون عقيدة التنـزيه فيبادروا إلى رد الحديث ورفضه( )، وهذه اعتراضات ملزمة، إذ لا مفرّ منها لمن سلك هذا المسلك المنحرف.

3- وأمّا ما ذهب إليه الغماري مِنْ أنّ الحديث شاذ، فالصواب أن يُقال: بل قول الغماري هو الشاذّ، فإنّ الشاذ في اصطلاح المحدّثين، هو مخالفة الثقة للأوثق منه، وأين هذا في الحديث؟! اللّهم إن كان يقصد العكس من كون رواية سعيد بن زيد -والتي فيها الإشارة- هي الشاذة، فعندئذٍ يُنظر في قوله ويُصوّب، ويُقال: بل هو منكر.

4- وأمّا قول الكوثري أنّ في الحديث يحيى بن كثير، وهو مدلس وقد عنعن( )، فمردود، فإنّه وإن كان أكثر الطرق مدارها على يحيى بن كثير إلاّ أنّه ورد من غير طريقه كما في (( الموطأ ))(2/776).

قال الإمام مالك -رحمه الله-: عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن عمر بن الحكم( )..وذكره، وعنه الإمام الشافعيّ في (( الرّسالة ))(ص75 فقرة242).

ثمّ إن يحيى بن كثير قد صرّح بالتحديث في روايته عن هلال كما عند الإمام أحمد في (( المسند ))(5/448-449)، فانتفت شبهة التدليس بهذين الوجهين، ولله الحمد.

وحديث معاوية بن الحكم الذي فيه قصة الجارية لا يُنافي ما رواه الإمام أحمد في (( مسنده ))(3/451)، ومالك في (( موطئه ))(2/777) من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود، عن رجلٌ من الأنصار( )، أنّه جاء بأمّةٍ سوداء، وقال: يا رسول الله، إنّ عليّ رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة، أُعتقها؟ فقال رسول الله r: (( أتشهدين أنّ لا إله إلاّ الله؟ ))، قالت: نعم، قال: (( أتشهدين أنّي رسول الله؟ ))، قالت: نعم، قال: (( أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ ))، قالت: نعم، قال: (( أعتقها )) ))أهـ.

فهذا الحديث صحيحٌ، وحديث معاوية بن الحكم أصح منه، ولا تنافي بين الحديثين، فضلاً عن أن يكون حديث الأنصاري مُعلاً لحديث معاوية بن الحكم، فكلاهما ثابتان من جهة النقل، وإعلال حديث معاوية بحديث الأنصاري خطأٌ محض، فإنّه لا تنافي بين الحديثين، فكلٌّ منهما في مناسبة مختلفة عن الأخرى، فهما متنان لقصتين مختلفتين .
ثمّ إنّ حديث معاوية أصح إسناداً من حديث الأنصاري، فإعلال حديث الأنصاري أولى من حديث معاوية-إن كان هناك عِلّة( )-.

وبالجملة؛ فحديث الجارية صحيح، والمعارض لـه من الأحاديث، إمّا ضعيف لا يثبت، أو ليس بينه وبين حديث الجارية مناسبة.

ورحم الله الإمام الألباني حيث قال: (( وهذا الحديث صحيحٌ بلا ريب، ولا يشكّ في ذلك إلاّ جاهلٌ أو مغرضٌ من ذوي الأهواء الذين كلّما جاءهم نصٌّ عن رسول الله r يُخالف ما هم عليه من الضلال، حاولوا الخلاص منه بتأويله بل بتعطيله، فإن لم يمكنهم ذلك، حاولوا الطعن في ثبوته كهذا الحديث )) أهـ.

5- ومما لا يفوتني ذكره أيضاً والتنبيه عليه، هو ما ادّعاه الكوثري من أنّ سؤال النبيّ r للجارية (( أين الله؟ )) هو سؤال عن المكانة لا المكان، وهذا هو موقف المعتزلة أيضاً من الحديث.

ويُجاب عن هذا بأنّه تأويلٌ فاسد بغير بيّنة أو دليل، وهو صرف للنّص عن ظاهره بمحض الهوى والتجنّي، فإنّ المكانة لا يُقال عنها أين؟ ولا يُجاب عنها بأنّها في السماء، إلاّ إذا دخلت عليها (( من ))، كقولك: أين الثرى من الثريا؟؛ أو أين أنت من فلان؟، فعندها يصحّ، أما والحال كما تعرف من لفظ الجارية، فإنّ حمله على معنى المكانة لا يصح لا عقلاً، ولا لغةً، ولا شرعاً، لما تظافر من الأدلة على ثبوت العلو الذّاتي لله جلَّ وعلا

لذلك قال شيخ الإسلام-رحمه الله- في (( الفتاوى ))(5/122):

((… وقد وصف الله تعالى نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله بالعلو والاستواء على العرش والفوقية في كتابه في آيات كثيرة حتى قال بعض اكابر أصحاب الشافعي: في القرآن آلف دليل أو أزيد على أن الله تعالى عالٍ على الخلق وانه فوق عباده )). أهـ

ورحم الله ابن القيم حين قال في (( النونية ))(1/249 هراس ):

ألفا تدل عليه بل ألفانالأولى وذوق حلاوة القرآنفوق السماء مباين الأكوانلناجع التعطيل والهذيانإلى أن ترجعوا للوحي بالإذعانتحكيم تسليم مع الرضوان يا قومنا والله إن لقولناعقلا ونقلا مع صريح الفطرةكل يدل بأنه سبحانهأترون أنا تاركون ذا كلهيا قوم ما أنتم على شيءوتحكموه في الجليل ودقه

والمقصود أن الكوثري بتأويله هذا يجعل فوقيّة الله على خلقه في كلّ النصوص الواردة في الكتاب والسنّة بمعنى أنّه أفضل منهم منـزلة وأعلى قدراً، ولا شكّ أنّ هذا المعنى لو صرّح به في حقّ الله جلّ وعلا، لكان قبيحاً، فإنّ ذلك إنّما يُقال في المتقاربين في المنـزلة، وأحدهما أفضل من الأخر، أمّا من كان الفرق بينهما كالفرق الذي بين العبد وربّه، فممّا يُنـزه كلام النبيّ r عنه، وكلام الله جلّ وعلا -بطريق الأولى- أن يجعل علامة صدق إيمان العبد، أو أن يرتب مدحاً أو ثواباً على مجرّد معرفته أنّ الخالق أعلى مكانة وأجلَّ قدراً من المخلوق، فإنّ هذا الأمر بديهي لا يحتاج إلى تأمّل، ويستقل العقل بإثباته، وحتى سفلة الناس وسقطهم وكافرهم ومؤمنهم يُثبته، فهل يقول مؤمن بعد هذا أن نصوص الكتاب المصرّحة بلفظ العلو والفوقيّة والاستواء هي فقط لإثبات علو القدر والمكانة، سبحانك هذا بهتانٌ عظيم( ).

إذا قيل أنّ السيف أمضى من العصى ألم تر أنّ السيف ينقص قدره

ومما يُستدلُّ به أيضاً على بطلان هذا القول وردّه، هو حديث النـزول، فإذا كان العلو، علو قدرٍ ومكانة، فهل يقول الكوثري أنّ نـزوله جلّ شأنه إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير هو نـزول قدر ومكانة أيضاً،-تعالى الله عمّا يقول أدعياء التنـزيه علواً كبيراً-.

فهذه جملة من شبه النفاة حول الحديث، والرّد عليها باختصار.

وإليك أخي القارئ شيئاً من كلام أهل العلم وأئمته على هذا الحديث حتى تطمئن نفسك.

يقولُ الحافظ ابن عبد البرّ-رحمه الله-في (( التمهيد ))(22/80):

(( معاني هذا الحديث واضحة، يستغنى عن الكلام فيها، وأمّا قوله: (( أين الله؟ )) فعلى هذا أهل الحق لقوله تعالى: } أمنتم من في السماء { ولقوله: } إليه يصعد الكلم الطيّب { ولقوله } تعرج الملائكة والـروح إليه { ومثل هذا في القرآن كثير ))؛ وانظر (7/128) فإنّه مهم.

ويقول -رحمه الله- في (( الاستذكار ))(23/167):

(( وأمّا قوله في هذا الحديث للجارية (( أين الله؟ )) فعلى ذلك جماعة أهل السنّة، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه وسائر نقلته، كلّهم يقول ما قال الله في كتابه.. . ومخالفونا ينسبونا في ذلك إلى التشبيه، والله المستعان، ومن قال بما نطق به القرآن، فلا عيب عليه عند ذوي الألباب )).

ويقول الذهبي -رحمه الله- في ((مختصر العلو ))(ص/81):

(( ففي الخبر مسألتان:

إحداهما: شرعية قول المسلم: أين الله؟.

ثانيهما: قول المسؤول: في السماء، فمن أنكر هاتين المسألتين فإنّما يُنكر على المصطفى r )).

ويقول الإمام الدارميّ -رحمه الله-في (( الردّ على الجهميّة ))(ص/175):

(( ...ونكفرهم أيضاً لأنهم لا يدرون أين الله، ولا يصفونه بـ (( أين؟ )) والله قد وصف نفسه بـ (( أين؟ )) فقال: } الرحمن على العرش استوى { } وهو القاهر فوق عباده { } إنّي متوفيك ورافعك إليّ { } يخافون ربّهم من فوقهم { ...فهذا كلّه وصف بـ (( أين؟ ))؛ ووصفه رسول الله r بـ (( أين؟ )) فقال للأمة السوداء: (( أين الله؟ )) فقالت: في السماء، فقال: (( من أنا؟ )) قالت: رسول الله، قال: (( اعتقها فإنّها مؤمنة ))؛ والجهمية تكفر به، وهذا من واضح كفرهم، والقرآن كلّه ينطق بالردّ عليهم، وهم يعلمون ذلك، أو بعضهم، ولكنهم يكابرون ويغالطون الضعفاء، فقد علموا أنّه ليس من حجة أنقض لدعواهم من القرآن )). وانظر (ص/39).

ويقول شيخ الإسلام (4/62):

(( والجارية التي قال لها النبيّ r: (( أين الله؟ )) قالت: في السماء، قال: (( اعتقها فإنها مؤمنة ))، جارية أعجمية، أرأيت من فقهها وأخبرها بما ذكرته؟ وإنّما أخبرت عن الفطرة التي فطرها الله تعالى عليها، وأقرّها النبيّ r على ذلك وشهد لها بالإيمان، فليتأمّل العاقل ذلك يجده هادياً لـه على معرفة ربّه بالإقرار به كما ينبغي، لا ما أحدثه المتعمقون المتشدقون ممّن سوّل لهم الشيطان وأملى لهم )) أهـ

ويقولُ الإمام أبو محمد عبد الغني المقدسي( ) بعد ذكره لحديث معاوية بن الحكم:

(( ...ومن أجهل جهلاً وأسخف عقلاً وأضلّ سبيلاً ممن يقول أنّه لا يجوز أن يقال: (( أين الله؟ )) بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله (( أين الله؟ )) ))أهـ.

وبعد؛ فهذه عقيدة أهل السنّة، وهذا كلام أئمتهم، فأيُّ عيب على من نطق بما في الكتاب والسنّة، مثبتاً ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله r.

والكلام في هذه المسائل يحتاج إلى تقعيد وتأصيل وإلى ذكر النظائر والأدلة و المقام لا يحتمل

والحمد لله رب العالمين.

الجندى
06-24-2005, 09:22 AM
وهذا موضوع الأخ ( أبو ريان الطائفي ) نقلاً عن نفس المصدر السابق وهو رد على ابن حفيظ .

ابن حفيظ : ينكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم !! .

قال في كتابه " مواهب المنان بشرح أحاديث نور الإيمان " في الفوائد والملحقات ص (38) عند شرح الحديث الثامن عشر حديث عائشة ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ) ، قال :

(( من أقرب الأمثلة لهذا الحديث أن من في زماننا هذا من يترك الآيات المحكمات في القرآن والأحاديث المحكمة في السنة ويتبع المتشابه , ومن أصرح الأمثلة في ذلك حديث الجارية التي في رواية قال لها مرةً : من ربك ؟ قالت : الله , ومن نبيك ؟ قالت : محمد , قال أعتقها فأنها مؤمنة , وجاء في رواية [ أتشهدين أن لا أله إلا الله ] ، وجاء في رواية : [ أين الله ؟ قالت : في السماء , وجاء في رواية [ أنها أعجمية ] فقال لها : أين الله , فأشارت إلى السماء , قال من أنا فأشارت إليه بالسماء تعني أنه رسول الله ] هذه , روايات أربع , ثلاث منهن محكمات لا إشكال فيها , وواحدة هي التي فيها الإشكال وهي رواية [ أين الله قالت في السماء ] فتجد أن كثيراً تميل قلوبهم و تتعلق بواطنهم بالرواية المتشابهة وهذا إظهار لما وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولما أخبر وعلم من أعلام نبوته [ فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ] )) ا.هـ

قلت : وهذا من كذب ابن حفيظ ، ولا غرو إذا كان ( إمام ضلالة ) بين يدي ( أتباع حماقة ! ) فغرهم بشكله وجبته وخرقته ، وذكره عدد الروايات الأربع !!!!! ، فظنوا أنه من أهل التحقيق !!! .

فيذكر الأحمق للحديث أربع روايات !! .

الأولى : رواية قال لها مرةً : من ربك ؟ قالت : الله , ومن نبيك ؟ قالت : محمد , قال أعتقها فأنها مؤمنة

الثانية : جاء في رواية [ أتشهدين أن لا أله إلا الله ] .

الثالثة : وجاء في رواية : [ أين الله ؟ قالت : في السماء ] .

الرابعة : , وجاء في رواية [ أنها أعجمية ] فقال لها : أين الله , فأشارت إلى السماء , قال من أنا فأشارت إليه بالسماء تعني أنه رسول الله ] .

فأقول ، وأن العبد الفقير ، وطالب العلم الصغير !! ، ناقداً لهذا التحقيق المزعوم ، وهذا الفقه المذموم ! :

هذا دجل وخطل ، وسوف أسوق أولاً روايات الحديث ثم أنقد قوله .

الحديث رواه مالك في " الموطأ " من حديث هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم ، ولفظه : ( فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله فقالت في السماء فقال من أنا فقالت أنت رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها ) هكذا قال الإمام مالك : عمر بن الحكم ، وهو وهم .

ورواه الإمام أحمد من حديث يزيد أخبرنا المسعودي عن عون عن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء أعجمية فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله فأشارت إلى السماء بإصبعها السبابة فقال لها من أنا فأشارت بإصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال أعتقها .

ورواه أبو داود الطيالسي من حديث يحي عن هلال عن عطاء عن معاوية به ولفظه : ( فقال لها : أين الله ؟ ، قالت : في السماء ، قال : ومن أنا ؟ ، قالت : أنت رسول الله .. ) .

ورواه مسلم في " صحيحه " من حديث يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي ، ولفظه : ( فقال لها أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة ) .

ورواه أبو داود من حديث يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي ، ولفظه : ( فقال أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة ) .

ورواه أبو داود : من حديث يزيد بن هارون قال أخبرني المسعودي عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة ، ولفظه : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء أعجمية فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله فأشارت إلى السماء بإصبعها السبابة فقال لها من أنا فأشارت بإصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال أعتقها .

ورواه النسائي من حديث يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة قال حدثني عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي ، ولفظه : ( فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله عز وجل قالت في السماء قال فمن أنا قالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها مؤمنة فاعتقها ) .

ورواه في " الكبرى " في كتاب ( النعوت – أي الصفات - ) بمثل ذلك .

وكذلك رواه سائر من أخرجه من الأئمة كالبخاري في " خلق أفعال العباد " ، وغيره .

قال ابن قدامة في " كتاب العلو " [ ص : 47 ] : هذا حديث صحيح ، رواه مسلم في " صحيحه " ومالك في " موطئه " وأبو داود والنسائي وأبو داود الطيالسي .

فهذه روايات الحديث عند هؤلاء الأئمة ، كلها متفقة على السؤال عن الله تعالى بـ ( الأين ) ، وإخبار الجارية له بـ : أن الله في السماء ، وشهادة النبي لها بالإيمان .

فأما الراويات التي ذكرها [ المريض ابن حفيظ ! ] فالأولى ، وهي قوله : ( من ربكِ .. ) .

فهذا من كذبه وتلبيسه فلم يرد هذا اللفظ في حديث الجارية مطلقاً ! ، وإنما جاء في حديث آخر رواه النسائي قال : أخبرنا موسى بن سعيد قال حدثنا هشام بن عبد الملك قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشريد بن سويد الثقفي قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة وإن عندي جارية نوبية أفيجزئ عني أن أعتقها عنها قال ائتني بها فأتيته بها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم من ربك قالت الله قال من أنا قالت أنت رسول الله قال فأعتقها فإنها مؤمنة .

وفي رواية الإمام أحمد : عن الشريد أن أمه أوصت أن يعتق عنها رقبة مؤمنة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال عندي جارية سوداء أو نوبية فأعتقها فقال ائت بها فدعوتها فجاءت فقال لها من ربك قالت الله قال من أنا فقالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعتقها فإنها مؤمنة .

ومثله ما ذكره [ المريض ابن حفيظ ] في الرواية الثانية من قوله : [ أتشهدين أن لا إله إلا الله ] ، وهي عند الإمام مالك في " الموطأ " عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهدين أن لا إله إلا الله قالت نعم قال أتشهدين أن محمدا رسول الله قالت نعم قال أتوقنين بالبعث بعد الموت قالت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها .

وهذه قصة مغايرة لقصة معاوية بن الحكم السابقة ، رواها الإمام أحمد في " المسند " والدارمي في " السنن " وسمى الصحابي وهو الشريد بن سويد ، إضافة إلى أن في القصة هنا ما يدل على المغايرة ، ففيها بيان السبب وهو أن عليه كفارة عتق رقبة ! ، أما في حديث معاوية ، فليس عليه كفارة ، وإنما أراد أن يعتقها مقابل ضربه لها .

وبقية الروايات التي ذكرها [ المريض ابن حفيظ ! ] معناهما واحد ! ، فالثالثة : هي المشهورة الواضحة ، والرابعة في ذكر الأعجمية – وإن كان سندها ضعيف – إلا أنها لا تخالف رواية الأئمة ، ففيها : (فقال لها أين الله فأشارت إلى السماء بأصبعها فقال لها فمن أنا فأشارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى السماء يعني أنت رسول الله فقال أعتقها فإنها مؤمنة ) .

فسألها : أين الله ، فأشارت بأصبعها إلى السماء .

وسألها من أنا ؟ ، فأشارت بإشارتين الأولى إلى الرسول : لتحقيق معنا الرسالة ، والثانية : إلى السماء ، لتحقيق معنا : أنه مرسل من الله الذي في السماء – أي العلو والفوقية .

وكما تقدم الإشارة إليه أن هذه الرواية ضعيفة لضعف المسعودي في هذه الطريق بخاصة ، وللاختلاف عليه في إسناده ، وللمخالفة في متنه ! ، فالرواية الصحيحة في " الموطأ " و " صحيح مسلم " وغيرهما ، أنها : تكلمت ، ولم تشر بأصبعها ، وقالت : أنت رسول الله ، فتنفي صفة العجمة ! .

فمن الذي يتبع المتشابه بعد هذا ؟ .

أليس هو الذي يترك الروايات الواضحات التي رواها هؤلاء الأئمة ، ثم يلّفق على السامعين برواياتٍ لم ترد في الحديث أصلا ؟! .

ألا لعنة الله على الكاذبين .

ألا فاحذروا من يتبع المتشابه فإنه من الذين سمى الله ممن في قلوبهم زيغ والعياذ بالله .

قال الذهبي في " العلو " :

هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وغير واحد من الأئمة في تصانيفهم ، يمرونه كما جاء ولا يتعرضون له بتأويل ولا تحريف ، وهكذا رأينا كل من يسأل : أين الله ؟ ، يبادر بفطرته ويقول : في السماء ، ففي الخبر مسالتان :

إحداهما : شرعية قول المسلم : أين الله .

الثانية : قول المسؤول : في السماء .

فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم .

انتهى كلامه .

تكرار للتنبيه : فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم .

أبو ريان الطائفي