المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إتحاف السادة المؤمنين بما ورد في رؤية رب العالمين



ماكـولا
06-19-2009, 07:05 PM
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين اما بعد

فقد قال ابن القيم في حادي الأرواح الى بلاد الافراح

" هذا الباب اشرف أبواب الكتاب و اجلها قدرا و أعلاها خطرا و اقرها عينا أهل السنة و الجماعة و اشدها على أهل البدعة و الضلالة و هي الغاية التي شمر إليها المشمرون و تنافس فيها المتنافسون و تسابق إليها المتسابقون و لمثلها فليعمل العاملون إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم وحرمانه و الحجاب عنه لأهل الجحيم اشد عليهم من عذاب الجحيم اتفق عليها الأنبياء و المرسلون و جميع الصحابة و التابعون و أئمة الإسلام على تتابع القرون و أنكرها أهل البدع المارقون و الجهمية المتهوكون و الفرعونية المعطلون و الباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون و الرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون و من حبل الله منقطعون و على مسبة أصحاب رسول الله عاكفون و للسنة و أهلها محاربون و لكل عدو لله و رسوله و دينه مسالمون و كل هؤلاء عن ربهم محجوبون و عن بابه مطرودون أولئك أحزاب الضلال و شيعة اللعين و أعداء الرسول و حزبه..."


يقول الله " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " القيامة 22- 23


يقول شمس الدين" فإنه لا شيء أشهى إليهم وأقر لعيونهم وأنعم لبواطنهم من النظر إليه فنضر وجوههم بالحسن ونعم قلوبهم بالنظر إليه...

وقال الحسن البصري في قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال حسنها الله تعالى بالنظر إليه سبحانه وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى ربها عز وجل

قال أبو سليمان الداراني لو لم يكن لأهل المحبة أو قال المعرفة إلا هذه الآية وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة لاكتفوا بها...


ويقول الله " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" المطففين (15)

قال ابن كثير أي لهم يوم القيامة منزل ونزل سجين ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم

قال الإمام أبو عبد الله الشافعي : وفي هذه الاية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ وهذا الذي قاله الإمام الشافعي رحمه الله في غاية الحسن وهو استدلال بمفهوم هذه الاية

كما دل عليه منطوق قوله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الاخرة رؤية بالأبصار في عرصات القيامة وفي روضات الجنات الفاخرة..."

ومقولة الشافعي" لما أن حُجب هؤلاء في السخط , كان في هذا دليل على أن أواياءه يرونه في الرضا" -العقيدة الطحاوية-

قال :النبي صلى الله عليه وسلم جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" متفق عليه


وقال صلى الله عليه وسلم "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" مسلم

(سبحات وجهه) نوره وجلاله وبهاؤه أما الحجاب فأصله في اللغة المنع والستر


وقال الله " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " الرحمن (27)

قال ابن كثير" وهذه الاية كقوله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الاية بأنه ذو الجلال والإكرام أي هو أهل أن يجل فلا يعصى وأن يطاع فلا يخالف كقوله تعالى : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } وكقوله إخبارا عن المتصدقين : { إنما نطعمكم لوجه الله } قال ابن عباس : ذو الجلال والإكرام ذو العظمة والكبرياء ولما أخبر تعالى عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة وأنهم سيصيرون إلى الدار الاخرة فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل"


وقال تعالى" تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما " الاحزاب 44

قال ابو الفداء "الظاهر أن المراد ـ والله أعلم ـ تحيتهم أي من الله تعالى يوم يلقونه سلام أي يوم يسلم عليهم كما قال عز وجل : { سلام قولا من رب رحيم }..."

وعن جرير قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة - يعني البدر - فقال "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب"متفق عليه

(لا تضامون ) لا ينالكم ضيم أي تعب أو ظلم بسبب انضمام بعضكم لبعض عن رؤية الملك الجبار


قال النووي في المنهاج شرح مسلم ابن الحجاج " أي ترونه رؤية محققة لا شك فيها ولا مشقة كما ترون هذا القمر رؤية محققة بلا مشقة فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئى بالمرئي والرؤية مختصة بالمؤمنين ..."

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة" بخاري

(أيمن منه ) عن يمينه . ( أشأم منه ) عن شماله


قال الله "ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد " ق 34-35


ولدينا مزيد كقوله "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" يونس 26

فالحسنى : الجنة

والزيادة : هي النظر الى وجه الله الكريم

فعن ثابت البناني عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " في قوله { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } قال: فإذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل" ترمذي واحمد واصله عند مسلم


اما في الدنيا فلا احد يراه ...

قال صلى الله عليه وسلم "إنكم لن تروا ربكم عز و جل حتى تموتوا"
صحيح الجامع الصغير وزيادته 4076 ورواه ابن ماجه


وعن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال نور أنى أراه" مسلم

نسأل الله من فضله العظيم وأن لا يحرمنا لذة النظر الى وجهه الكريم

ماكـولا
11-26-2010, 03:35 PM
اشكالات وردود ..

فيما اشتبه على بعضهم من قوله تعالى " لا تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِير "

قد ثبت في قوله صلى الله عليه وسلم" إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز و جل " مسلم


فاذا ثبت هذا فلا اشكال فيما ذكر من الاية لان القرآن والسنة كله من الله , فقوله تعالى " لا تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِير "

فالاية تنفي الادراك ولا تنفي الرؤية فإن المعنى: إنه يُرى ولا يدرك ولا يحاط به، فقوله: ( لا تدركه الأبصار ) [ الأنعام : 103] يدل على كمال عظمته، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن " الإدراك " هو الإحاطة بالشيء ، وهو قدر زائد على الرؤية، كما قال تعالى: ( فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا [ الشعراء: 61-62].

فلم ينف موسى الرؤية، وإنما نفى الإدراك، فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالرب تعالى يرى ولا يدرك ، كما ان العبد يعلم ما الله , ولكن لا يحيطُ به علماً، وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية، كما ذكرت أقوالهم في تفسير الآية. بل هذه الشمس المخلوقة لا يتمكن رائيها من إدراكها على ما هي عليه.

وقد يحمل على الدنيا اما في الاخرة فقد ثبت عن أبي هريرة: " أن ناساً قالوا: يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل تُضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا :لا يا رسول الله، قال:هل تُضارّون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا ، قال فإنكم ترونه كذلك

وحديث أبي سعيد الخدري أيضاً في "الصحيحين" نظيره. وحديث جرير بن عبد الله البجلي، قال: " كنا جلوساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: إنكم سترون ربكم عياناً، كما ترون هذا ، لا تضامون في رؤيته ". الحديث أخرجاه في "الصحيحين".



وان قيل ان الادراك هو التتابع كقوله " حتى اذا ادّاركوا فيها "
فيقال لا يحمل سياق اية على اخرى , لاختلاف المبنى فالمعنى , حتى لو سلمنا بذلك , فلا تناف بين اللفظين لانهم اذا تتابعوا ادرك كل واحد منهم صاحبه , فهذا مقتضى التتابع من تفسير الاي , فلا خلاف !

و الادراك وادركه لي لحقه فاذا لحقه وتابعه فقد ادرك كنه من لحق به اذا التقى به !! فلابد من التفريق بين الفعل اللازم وما يلزم منه !

نقل ابو منصور الازهري في تهذيب اللغة " وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الاَْبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَْبْصَارَ ) ( الأنعام : 103 ) ، أعلمَ اللَّهُ جلّ وعزّ أنّه يُدرك الأبصار ، وفي هذا الإعلام دليلٌ على أن خَلْقَه لا يُدرِكون الأبصارَ ، أي : لا يعرفون حقيقة البَصر ، وما الشيءُ الَّذي به صارَ الإنسانُ يُبصِرُ من عَيْنيه دون أن يُبصِر من غيرهما من سائر أعضائه ، فأَعلَم أنّ خَلْقاً مِنْ خَلْقِه لا يُدرِك المخلوقون كُنْهَه ، ولا يُحيطون بِعلمه ، فكيف به جلَّ وعزّ ، فالأبصارُ لا تُحيط به ، وهو اللَّطيفُ الخبيرُ .

فأمّا ما جاء من الأخبار في الرؤية وصحّ عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فغيرُ مدفوع ، وليس في هذه الآية دليلٌ على دَفعها ، لأن معنى هذه الآية معنى إدراكِ الشيء ، والإحاطة بحقيقته ، وهذا مَذهبُ أهلِ السّنّة والعلم بالحديث



"

ماكـولا
11-26-2010, 04:05 PM
فيما اشتبه على بعضهم من قوله تعالى "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ"

اما ما فهم من قوله تعالى " ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) بقولهم "الايه من المتشابه اي تحتمل عدة معان فكلمة ناظر في لغة العرب تاني بمعنى الرؤية بالعين وتاتي بمعنى الانتظار وتاتي بمعنى الامهال والى غيره من المعاني
والمتشابه يؤول وفقا للمحكم لا العكس" !! ( كذا )


والجواب

النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعديه بنفسه: فإن عدي بنفسه فمعناه : التوقف والانتظار: (انظرونا نقتبس من نوركم ) [ الحديد : 13]. وإن عدي بـ " في" فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله: ( أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ) [ الأعراف: 185].

وإن عدي بـ " إلى" فمعناه: المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر ) [ الأنعام: 99] .

فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر ؟


وعلى هذا كلام السلف فعن " الحسن قال: نظرت إلى ربها فنضرت بنوره ، وقال أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، ( إلى ربها ناظرة) [ القيامة : 23] . قال : تنظر إلى وجه ربها عز وجل. وقال عكرمة: ( وجوه يومئذ ناضرة ) [القيامة : 22]. قال : من النعيم، ( إلى ربها ناظرة ) [القيامة : 23] قال : تنظر إلى ربها نظراً، ثم حكى عن ابن عباس مثله. وهذا قول المفسرين من أهل السنة والحديث. وقال تعالى: ( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) [ق: 35] .

قال الطبري: قال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك: هو النظر إلى وجه الله عز وجل .


ثم ذكر معنى الزيادة في قوله تعالى: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26]، وأنها النظر إلى وجه الله الكريم وساق في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب، قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس : 26] ، قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى مناد : يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، فيقولون: ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة


ورواه غيره بأسانيد متعددة وألفاظ أخر ، معناها أن الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل . وكذلك فسرها الصحابة رضي الله عنهم . روى ابن جرير ذلك عن جماعة، منهم : أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة، وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، رضي الله عنهم.


والتأويل لا يصار اليه الا بقرينة والا الاصل في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقة الا ان تدل قرينة على صرفه عن ظاهره , والرؤية حقيقية والمكان غير المكان والزمان المخلوق الذي تعيشه المخلوقات


وشبهة ان ( الى ) بمعنى الانتظار والاستدلال على ذلك بقوله تعالى : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ) فهنا تعديت بإلى والمعنى الانتظار, وان الوجه ليس محل البصر بل هي العينان" ( كذا )!

فالجواب :

يقول الله " وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة " فالنضرة سببها انها تنظر الى الله , وهذا اعظم الاسباب في نضرة القلوب والوجوه , والنظر اذا عدي بالى فهو كما ذكرت لك كقول الله " ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت" وما ذُكر في سياق الاية يوضح انه غير المراد لسياق ايات النظر الى , وهذا معلوم من كلام العرب واساليبها اما لو تتبعت ما ذكرت لك لظهر لك ان الامر المقصود به الرؤيا


قال البيهقي "ولا يجوز ان يكون الكلام في الرؤية " الى ربها ناظرة " اي نظر التفكر والاعتبار لأن الآخرة ليست بدار استدلال واعتبار وإنما هي دار اضطرار ولا يجوز أن يكون عنى نظر الانتظار لأنه ليس في شيء من أمر الجنة انتظار لأن الانتظار معه تنغيص وتكدير والآية خرجت مخرج البشارة وأهل الجنة فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من العيش السليم والنعيم المقيم فهم ممكنون مما أرادوا وقادرون عليه وإذا خطر ببالهم شيء أتوا به مع خطوره ببالهم وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون الله أراد بقوله "إلى ربها ناظرة نظر الانتظار "

ولأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجوه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه كما في قوله تعالى "قد نرى تقلب وجهك في السماء "وأراد بذلك تقلب عينيه نحو السماء ولأنه قال" إلى ربها ناظرة" ونظر الانتظار لا يكون مقرونا ب إلى لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا في نظر الانتظار إلى ألا ترى أن الله عز و جل لما قال "ما ينظرون إلا صيحة واحدة"
لم يقل إلى إذ كان معناه الانتظار وقالت بلقيس فيما أخبر الله عنها فناظرة بم يرجع المرسلون فلما أرادت الانتظار لم تقل إلى قلنا ولا يجوز أن يكون الله سبحانه أراد نظر التعطف والرحمة لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم

فإذا فسدت هذه الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع من أقسام النظر وهو أن معنى قوله إلى ربها ناظرة أنها رائية ترى الله عز و جل

ولا يجوز أن يكون معناه إلى ثواب ربها ناظرة لأن ثواب الله غير الله وإنما قال الله عز و جل إلى ربها ولم يقل إلى غير ربها ناظرة والقرآن على ظاهره وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا بحجة..."


وقال أبو الحسن الاشعري في الابانة عن أصول الديانة " ومما يبطل قول المعتزلة : أن الله عز و جل أراد بقوله : ( إلى ربها ناظرة ) نظر الانتظار أنه قال : ( إلى ربها ناظرة ) ونظر الانتظار لا يكون مقرونا بقوله : ( إلى ) لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا في نظر الانتظار " إلى " ألا ترى أن الله تعالى لما قال : ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة ) من الآية لم يقل " إلى " إذ كان معناه الانتظار
وقال عز و جل مخبرا عن بلقيس : ( فناظرة بم يرجع المرسلون ) من الآية فلما أرادت الانتظار لم تقل " إلى "

وقال امرؤ القيس :
فإنكما إن تنظراني ساعة من الدهر تنفعني لدى أم جندب
فلما أراد الانتظار لم يقل " إلى " فلما قال سبحانه : ( إلى ربها ناظرة ) علمنا أنه لم يرد الانتظار وإنما أراد نظر الرؤية

ولما قرن الله عز و جل النظر بذكر الوجه أراد نظر العينين اللتين في الوجه كما قال : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها )فذكر الوجه وإنما أراد تقلب عينيه نحو السماء ينظر نزول الملك عليه يصرف الله تعالى له عن قبلة بيت المقدس إلى القبلة

فإن قيل : لم قلتم : إن قوله تعالى : ( إلى ربها ناظرة ) إنما أراد إلى ثواب ربها ناظرة ؟

قيل له : ثواب الله غيره والله سبحانه وتعالى قال : ( إلى ربها ناظرة ) ولم يقل : إلى غيره ناظرة
والقرآن العزيز على ظاهره وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا بحجة وإلا فهو على ظاهره

ألا ترى أن الله عز و جل لما قال : صلوا لي واعبدوني لم يجز أن يقول قائل : إنه أراد غيره ويزيل الكلام عن ظاهره فلذلك لما قال : ( إلى ربها ناظرة ) لم يجز لنا أن نزيل القرآن عن ظاهره بغير حجة

ثم يقال للمعتزلة : إن جاز لكم أن تزعموا أن قول الله تعالى : ( إلى ربها ناظرة ) إنما أراد به أنها إلى غيره ناظرة فلم لا جاز لغيركم أن يقول : إن قول الله سبحانه وتعالى : ( لا تدركه الأبصار ) أراد بها لا تدرك غيره ولم يرد أنها لا تدركه ؟ وهذا مما لا يقدرون على الفرق فيه .."


سئل الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة عن قوله تعالى: ( إلى ربها ناظرة ) [ القيامة : 23]، فقيل : إن قوماً يقولون : إلى ثوابه. فقال مالك: كذبوا ، فأين هم عن قوله تعالى: ( إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [المطففين: 15]؟ قال مالك: الناس ينظرون إلى الله يوم القيامة بأعينهم، وقال: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة، لم يعبر الله عن الكفار بالحجاب، فقال: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ المطففين : 15] ، رواه في " شرح السنة"

وكذا قال الامام الشافعي " لما أن حجب هؤلاء في السخط ، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا ."



وفي سير اعلام النبلاء 15-101 " حدثنا ابن حيان، حدثنا ابن أبي داود، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، قال:قال مالك: الناس ينظرون إلى الله -عز وجل- يوم القيامة بأعينهم."

وفي 15-103 "قال القاضي عياض في سيرة مالك: قال ابن نافع، وأشهب - وأحدهما يزيد على الآخر -:
قلت: يا أبا عبد الله: {وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22 - 23] ينظرون إلى الله؟
قال: نعم، بأعينهم هاتين.

قلت: فإن قوما يقولون: ناظرة: بمعنى منتظرة إلى الثواب.

قال: بل تنظر إلى الله، أما سمعت قول موسى: {رب أرني أنظر إليك} [الأعراف: 143] أتراه سأل محالا؟ قال الله: {لن تراني} في الدنيا، لأنها دار فناء، فإذا صاروا إلى دار البقاء، نظروا بما يبقى إلى ما يبقى.

قال -تعالى-: {كلا، إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15]."

وقال محمد بن إسحاق الصاغاني: حدثنا لوين، قال: قيل لابن عيينة: هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية؟
قال: حق على ما سمعناها ممن نثق به ونرضاه."


15-491 " الطبراني: حدثنا بشر بن موسى، حدثنا الحميدي، قيل لسفيان بن عيينة: إن بشرا المريسي يقول: إن الله لا يرى يوم القيامة.

فقال: قاتل الله الدويبة، ألم تسمع إلى قوله تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15]، فإذا احتجب عن الأولياء والأعداء، فأي فضل للأولياء على الأعداء."


18-116 " أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، أخبرنا الحسين بن بطحاء، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي، حدثني الحسين بن داود بن معاذ البلخي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله عز وجل: {وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة}، قال: تنظر في وجه الرحمن -عز وجل-."


19-450 " قال أحمد بن حنبل: أخبرني رجل من أصحاب الحديث، أن يحيى بن صالح قال: لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث -يعني: هذه التي في الرؤية- ثم قال أحمد: كأنه نزع إلى رأي جهم.

قلت: والمعتزلة تقول: لو أن المحدثين تركوا ألف حديث في الصفات والأسماء والرؤية والنزول، لأصابوا. والقدرية تقول: لو أنهم تركوا سبعين حديثا في إثبات القدر.

والرافضة تقول: لو أن الجمهور تركوا من الأحاديث التي يدعون صحتها ألف حديث، لأصابوا وكثير من ذوي الرأي يردون أحاديث شافه بها الحافظ المفتي المجتهد أبو هريرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويزعمون أنه ما كان فقيها، ويأتوننا بأحاديث ساقطة، أو لا يعرف لها إسناد أصلا محتجين بها.

قلنا: وللكل موقف بين يدي الله -تعالى- يا سبحان الله! أحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة، والقرآن مصدق لها، فأين الإنصاف؟!


31-281 " قال أبو القاسم القشيري:سمعت أبا بكر بن فورك، يقول:سئل الأستاذ أبو سهل عن جواز رؤية الله بالعقل، فقال:الدليل عليه شوق المؤمنين إلى لقائه، والشوق إرادة مفرطة، والإرادة لا تتعلق بمحال."


وعلى ذلك الاجماع


قال الاجري في الشريعة " واعلم - رحمك الله - أن عند أهل العلم باللغة أن اللقي ههنا لا يكون إلا معاينة ، يراهم الله عز وجل ويرونه ، ويسلم عليهم ، ويكلمهم ويكلمونه .

وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون .
وكان مما بينه صلى الله عليه وسلم لأمته في هذه الآيات : أنه أعلمهم في غير حديث : إنكم ترون ربكم عز وجل رواه جماعة من صحابته رضي الله عنهم ، وقبلها العلماء عنهم أحسن القبول ، كما قبلوا عنهم علم الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ، وعلم الحلال والحرام ، كذا قبلوا منهم الأخبار : أن المؤمنين يرون الله عز وجل ، لا يشكون في ذلك ، ثم قالوا : من رد هذه الأخبار فقد كفر "


وقال "حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثني مضر القاري قال : حدثنا عبد الواحد بن زيد قال : سمعت الحسن يقول : لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم عز وجل لذابت أنفسهم في الدنيا .

حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد العطشي قال : حدثنا أبو حفص عمر بن مدرك القاضي قال : حدثنا مكي بن إبراهيم قال : حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال : إن الله عز وجل ليتجلى لأهل الجنة ، فإذا رآه أهل الجنة نسوا نعيم الجنة ."

وقال " حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا عبد الوهاب الوراق قال : قلت للأسود بن سالم : هذه الآثار التي تروي معاني النظر إلى الله عز وجل ونحوها من الأخبار ؟ فقال : نحلف عليها بالطلاق والمشي . قال عبد الوهاب : معناه : نصدق بها .

حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال : حدثنا محمد بن سليمان لوين قال : قلت لسفيان بن عيينة : هذه الأحاديث التي تروون في الرؤية ؟ فقال : حق على ما سمعناها ممن نثق به .

حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا الفضل بن زياد قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ، وبلغه عن رجل أنه قال : إن الله عز وجل لا يرى في الآخرة ، فغضب غضباً شديداً ثم قال : من قال : إن الله عز- وجل لا يرى في الآخرة فقد كفر ، عليه لعنة الله وغضبه ، من كان من الناس ، أليس الله جل ذكره قال : وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة وقال عز وجل : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون هذا دليل على أن المؤمنين يرون الله عز وجل "

وقال " حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا حنبل بن إسحاق بن حنبل قال : سمعت أبا عبد الله يقول قالت الجهمية : إن الله عز وجل لا يرى في الآخرة ، قال الله عز وجل : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فلا يكون هذا إلا أن الله عز وجل يرى ، وقال عز وجل : وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، فهذا النظر إلى الله عز وجل والأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنكم ترون ربكم بروايات صحيحة ، وأسانيد غير مدفوعة ، والقرآن شاهد أن الله عز وجل يرى في الآخرة ..."

" حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال : حدثنا أبو داود السجستاني قال : سمعت أحمد بن حنبل - وذكر عنده شيء من الرؤية - فغضب وقال : من قال : إن الله عز وجل لا يرى ، فهو كافر .
حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري قال : سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول - وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية - فقال : هذه عندنا حق ، نقلها الناس بعضهم عن بعض .
قال محمد بن الحسين رحمه الله : فمن رغب عما كان عليه هؤلاء الأئمة الذين لا يستوحش من ذكرهم ، وخالف الكتاب والسنة ، ورضي بقول جهم وبشر المريسي وبأشباههما ، فهو كافر ."

ثم ساق الاحاديث الواردة في الباب ..

وقال الامام أبو اسماعيل الصابوني " ويشهد أهل السنة ان المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة بأبصارهم وينظرون اليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " عقيدة السلف اصحاب الحديث 65

وقال عبد الغني المقدسي " وأجمع اهل الحق واتفق أهل التوحيد والصدق أن الله يرى في الاخرة كما جاء في كتابه وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم " 58

فكيف يقال بعد هذا ان الاحاديث معلولة وغير متواترة ولا يجوز فهم الاية على هذا الموال بعد هذا الايضاح وقد صنف فيها المصنفون المنصفون كالاجري والبيقهي والاصبهاني والدارقطني !



الجنة والنار - الاشقر
الاثار الواردة في باب الاعتقاد في سير اعلام النبلاء- بشير بادي
الشريعة - الاجري
الاعتقاد - البيهقي
شرح العقيدة الطحاوية - ابن ابي العز
عقيدة عبد الغني المقدسي
الابانة- الاشعري

ماكـولا
11-26-2010, 04:10 PM
ومما نقله ابن ابي العز في نقض استدلالات المعتزلة
تعرض لاستدلال المعتزلة بقوله تعالى: ( لن تراني ) [ الأعراف : 143]. وبقوله تعالى: ( لا تدركه الأبصار ) [ الأنعام: 103]، وذكر أن الآيتين دليل عليهم ، فالآية الأولى : تدل على ثبوت رؤيته من وجوه :

أحدها : أنه لا يظن بكليم الله ورسوله الكريم وأعلم الناس بربه في وقته أن يسأل ما لا يجوز عليه، بل هو عندهم من أعظم المحال.

الثاني : أن الله لم ينكر عليه سؤاله ، ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر سؤاله، وقال: ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) [هود:46] .

الثالث : أنه تعالى قال: ( لن تراني ) ، ولم يقل : إني لا أرى ، أو لا تجوز رؤيتي ، أو لست بمرئي. والفرق بين الجوابين ظاهر. ألا ترى أن من كان في كمه حجر فظنه رجل طعاماً صح أن يقال: إنك لن تأكله. وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار، لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى.

الرابع : يوضح الوجه الثالث قوله تعالى: ( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) [ الأعراف : 143]. فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار، فكيف بالبشر الذي خُلق من ضعف ؟ .

الخامس : أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقراً، وذلك ممكن ، وقد علق به الرؤية ، ولو كانت محالاً لكان نظير أن يقول : إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام. والكل عندهم سواء .

السادس : قوله تعالى: ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) [الأعراف: 143]، فإذا جاز أن يتجلى للجبل، الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب ، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسوله وأوليائه في دار كرامته؟ ولكن الله أعلم موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار، فالبشر أضعف .

السابع : أن الله كلم موسى ، وناداه ، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبة كلامه بغير واسطة، فرؤيته أولى بالجواز. ولهذا لا يتم إنكار رؤيته بإنكار كلامه، وقد جمعوا بينهما .

ثم أجاب على دعواهم أن " لن " تفيد التأبيد وتدل على نفس الرؤية في الآخرة، وبيّن الشيخ أنها لو قيدت بالتأبيد فلا تدل على دوام التفي في الآخرة، فكيف إذا أطلقت ؟ ولهذا نظائر في القرآن ، قال تعالى: ( ولن يتمنوه أبدا ) [ البقرة: 95]، مع قوله: ( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك ) [ الزخرف : 77]. ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها، وقد جاء ذلك ، قال تعالى: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبى ) [ يوسف : 80].
فثبت أن ( لن ) لا تقتضي النفي المؤبد .

قال الشيخ جمال الدين بن مالك رحمه الله :
ومن رأى النفي بلن مؤبداً ××× فقوله اردد وسواه فاعضدا


انظر الجنة والنار

ماكـولا
03-16-2011, 01:30 PM
مسألة : هل يُرى الله في المنام ؟

قال شيخ الاسلام في الفتاوى 2 / 336 : والناس في رؤية الله على ثلاثة أقوال :فالصحابة والتابعون وأئمة المسلمين : على أن الله يرى في الآخرة بالأبصار عيانا وأن أحدا لا يراه في الدنيا بعينه , لكن يرى في المنام ويحصل للقلوب من المكاشفات والمشاهدات ما يناسب حالها , ومن الناس من تقوى مشاهدة قلبه حتى يظن أنه رأى ذلك بعينه وهو غالط , ومشاهدات القلوب تحصل بحسب إيمان العبد ومعرفته في صورة مثالية , كما قد بسط في غير هذا الموضع .

والقول الثاني : قول نفاة الجهمية أنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة .
والثالث : قول من يزعم أنه يرى في الدنيا والآخرة اهـ .

وقال في تلبيس الجهمية 1 / 72 : وقد يكون التوهم والتخيل مطابقا من وجه دون وجه , فهو حق في مرتبته وإن لم يكن مماثلا للحقيقة الخارجة مثل ما يراه الناس في منامهم , وقد يرى في اليقظة من جنس ما يراه في منامه , فإنه يرى صورا وأفعالا ويسمع أقوالا , وتلك أمثال مضروبة لحقائق خارجية , كما رأى يوسف سجود الكواكب والشمس والقمر له , فلا ريب أن هذا تمثله وتصوره في نفسه , وكانت حقيقته سجود أبويه وإخوته , كما قال { يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا } .

وكذلك رؤيا الملك التي عبرها يوسف , حيث رأى السنبل , بل والبقر , فتلك رآها متخيلة متمثلة في نفسه , وكانت حقيقتها وتأويلها من الخصب والجدب , فهذا التمثل
والتخيل حق وصدق في مرتبته , بمعنى أن له تأويلا صحيحا يكون مناسبا له ومشابها له من بعض الوجوه , فإن تأويل الرؤيا مبناها على القياس والاعتبار والمشابهة والمناسبة , ولكن من اعتقد أن ما تمثل في نفسه وتخيل من الرؤيا هو مماثل لنفس الموجود في الخارج , وأن تلك الأمور هي بعينها رآها , فهو مبطل مثل من يعتقد أن نفس الشمس التي في السماء والقمر والكواكب انفصلت عن أماكنها وسجدت ليوسف , وأن بقرا موجودة في الخارج سبعا سمانا أكلت سبعا عجافا , فهذا باطل .

وإذا كان كذلك فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه , فهذا حق في الرؤيا , ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام , فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا , ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه , فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك , وإلا كان بالعكس , قال بعض المشايخ : إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجابا بينه وبين الله .

وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام , ويخاطبهم , وما أظن عاقلا ينكر ذلك , فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره , وهذه مسألة معروفة , وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله , والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام , ولكن لعلهم قالوا لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة , كسائر ما يرى في المنام , فهذا مما يقوله المتجهمة , وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها , بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم .

وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى , وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده واستقامة حاله وانحرافه , وقول من يقول ما خطر بالبال أو دار في الخيال , فالله بخلافه ونحو ذلك , إذا حمل على مثل هذا كان محملا صحيحا , فلا نعتقد أن ما تخيله الإنسان في منامه أو يقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك , فإنه ليس هو في نفسه مثل ذلك , بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان ويتخيلها على حقيقتها , بل هي على خلاف ما يتخيله ويتصوره في منامه ويقظته , وإن كان ما رآه مناسبا مشابها لها , فالله تعالى أجل وأعظم اهـ .


-المسائل المرضية-