المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الترانسفير (*) في العقيدة والممارسة الصهيونية



muslimah
06-21-2009, 10:38 PM
الترانسفير (*) في العقيدة والممارسة الصهيونية

د. رائد نعيرات(**) (watannai@yahoo.com)



(*) الترانسفير مصطلح صهيوني يعني الإبعاد القسري بتهجير الفلسطينيين عن فلسطين وبخاصة عن الأراضي المحتلة عامي 1948 و1967م لتحقيق عملية التطهير العرقي التي يتبناها زعماء الصهاينة المتطرفون من الليكود وكاديما وغيرهم. وللباحث اليهودي المعروف (إسرائيل شاحاك) دراسة مهمة عن (الترانسفير في العقيدة الصهيونية) نشرت عام 1988م وفيها حديث مفصل عن طرد غير اليهود مما يسمونه (أرض إسرائيل) في ضوء النصوص اليهودية المقدسة المؤثرة في مدارك قطاعات كبرى من الناس في المجتمع الصهيوني، وقد أشار (شاحاك) في كتابه هذا إلى أن قومه يخططون ليس لطرد العرب المسلمين الفلسطينيين بل كذلك طرد العرب النصارى أيضاً. وقد نشر الكتاب بعد ترجمته للعربية في دار البيادر بالقاهرة عام 1990م - ^ -.
(**) رئيس المركز الفلسطيني للديمقراطية والدراسات، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية.
انظر: نور الدين حميد، العلاقة التبادلية بين الصهيونية والنازية، مؤسسة المنارة، 2003م.


تعود جذور العقيدة الصهيونية في التفكير تجاه الذات والآخرين إلى فكرةٍ مفادُها: الادِّعاء بالذات السليبة، فالحركة الصهيونية ومنذ بداية تشكيل المجموعات الأولية لها كانت تعيش حالة الجدل مع الذات، واختراع مفهوم التعريف «للأنا» فوجدت الحركة ضالتها في الحركة والنزعة القومية الأوروبية، ومن هنا قامت الحركة باستنطاق الماضي السحيق وتوظيف مفاهيمه وبالذات الدينية من أجل تسخيرها لإنتاج الفرد الصهيوني، وتعريف (الأنا) الصهيونية. وتشكيل هذه الذات افترض على الدوام البحث عن عنصرين رئيسيين:
الأول: هو الأرض.
الثاني: هو العدو.
إلا أن المهم في هذه العقيدة هو أنها حاولت صياغة الذات من هذين المنظورين، فذابت الصهيونية بالأرض، وتم تحديد كل معالم الذات للفرد الصهيوني من مرآة العدو الافتراضي - والذي يجب أن يكون حاضراً على الدوام - بوصفه مبرراً للوجود الذاتي، وبرهاناً على صدقية المقولات الصهيونية.
وعلى هذه الخلفية الفكرية بدأت الحركة الصهيونية مشروع البحث عن الذات بشعار مهم: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»[2]، معللة أن الفرد والعنصر الصهيونــي لا يمكن أن يتحول إلى إنسان إلا بالتصاقه المباشر بالأرض. ونتيجة لعدم وجود هذه الأرض في الذاكرة الصهيونية تم نفي الإنسان الفلسطيني من أرضه معنوياً، وإلصاق هذا المفهوم بالصهيونية عنــوةً عبـر استحضــار دلائـل ديـنية وتـاريخية لا معنى لها واعتبارها إطاراً عاماً للفكرة الصهيونية.
وهكذا تحقق العنصران اللازمان لبناء الذات الصهيونية؛ فتم استحضار مصطلح الأرض الموعودة وجبل صهيون من القاموس الديني، واعتبار ذلك الحل الأكبر لمفهوم المقدس لدى الصهيونية والصهيوني، وهذا المنتج الفكري سيقود إلى ولادة العنصر الثاني وهو العدو الدائم الذي سيضمن بقاء الصهيوني محافظاً على صهيونيته، ولهذا فإن الحركة الصهيونية بادِّعائها أن فلسطين بلا شعب يعني أنها ستحافظ على عداوة الشعب الفلسطيني، والذي سيبقى حاضراً في الذهن الصهيوني[3].
مراحل القضية الفلسطينية:
ومن هنا نجد - وعلى مدار الصراع في فلسطين - أن الحركة الصهيونية عمدت إلى المحافظة على هذين العنصرين، فلم تقم العصابات الصهيونية بتطهير فلسطين من كامل أهلها، على الرغم من أنه كان بمقدورها جزئياً فعل ذلك في النكبة، وإنما عمدت إلى ترحيل الفلسطينيين، وارتكاب المجازر بشكل يُبقي الأرض بيد الحركة الصهيونية، ويتحول اللاجئون إلى أعداء دائمين يشكلون خطراً للفكرة الصهيونية وهو ما يمنحها دائماً الالتصاق والشعور بعقدة التهديد (الوجود واللا وجود)، فالمجازر تقلل عدد السكان وتجعل كِلا الطرفين مستهدَفاً من الآخر ويشعر أن طبيعة العلاقة وجودية على الدوام، والترانسفير والتهجير يحافظان على العداوة الدائمة والمطلقة والذي بشكل غير مباشر يجيب عن الحفاظ على الذات و (الأنا) الصهيونية.
بناء على هذه العقيدة جاء السلوك الصهيوني في فلسطين، حيث إن هذا السلوك لم يختلف رغم اختلاف طبيعة المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية، منذ النشأة الأولى لها وحتى يومنا هذا، فجلُّ تركيز الحركة الصهيونية يقوم على تهويد الأرض بكل الوسائل، وكذلك الحفاظ على ذهنية العدو بالنسبة للفرد الصهيوني في فلسطين والخارج، وتركيز السياسات جميعها على رسالة واحدة وهي رسالة الاستهداف الدائم، واعتبار أن التهديد الموجه إلى الفعل الصهيوني هو تهديد وجودي، ويرتكز على معطيات تخص الوجود وليس على مرتكزات تتعلق بالاحتلال، ومن هنا نرى أن الحركة الصهيونية استطاعت أن تربط بين احتلالها لفلسطين والتغطية على مجازرها وتهجير أهلها؛ سواء كان ذلك إلى داخل فلسطين أو إلى خارجها؛ بالمذابح التي واجهت اليهود إبان الحرب العالمية الثانية أو ما يطلق عليه «الهلوكوست».
إن تتبُّع السياسة الصهيونية تجاه الإنسان والأرض الفلسطينية لم يختلف كثيراً في أوقات المعارك عنه خلال مشروع التسوية السلمية؛ فمنذ أوسلو في عام 1993م ولغاية عام 2000م وحتى بعد طرح مشروع أنابوليس للسلام عملت الصهيونية لسياستها على مضاعفة عدد المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية[4]، والذي أدَّى إلى قضم الأرض وتهجير قسري للسكان: تارة اقتصادياً، وتارة نتيجة لتهديدات المستوطنين، وتارة أخرى نتيجة لفقدان مكونات الوجود وهي الأرض. أما القضية الأخرى فهي إبقاء قضية عودة النازحين واللاجئين خطاً أحمر لدى كل القوى السياسية الصهيونية بغضِّ النظر عن اختلاف توجهاتهم ونظرتهم إلى القضية. وألَّا يسمح بالعودة إلا لفئة قليلة جداً لا تتجاوز مئة ألف فلسطيني للقيام بأعباء السلطة.
وجدلية العلاقة بين الصهيونية والترانسفير في الفكر والممارسة الصهيونية على الأرض الفلسطينية وتجاه الإنسان الفلسطيني؛ كانت المشهد الناظم للصورة والذهنية الفلسطينية، وكلما تطورت هذه العلاقة باتجاه الاعتراف بالحق الفلسطيني بشكل أو بآخر؛ جعلت الصهيونية من هذا الاعتراف قضية مبتذلة لا معنى لها وحاولت إفراغها من محتواها بشتى الوسائل، فتتبُّع مسيرة السلوك السياسي للصهيونية في فلسطين يقود إلى التعامل مع المراحل التي مرت بها هذه العلاقة بغضِّ النظر عن التطورات التي أحاطت بها.
وبدأت العلاقة - كما ذكرنا – بشعار: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهنا تم نفي الوجود الفلسطيني كاملاً بشكل معنوي، وتمت عملية صناعة العدو بشكل افتراضي، ومنذ عام 1917- 1948م عملت الحركة الصهيونية على إسقاط المشروع على الأرض، ضمن ثلاث آليات رئيسية وهي: السيطرة على الأرض وإقامة المستوطنات والتي انتهت باحتلال أراضي عام 1948. وهنا تم نفي الشعب الفلسطيني فعلاً والإقرار الرسمي بالنفي الفعلي للشعب الفلسطيني[5]. تلا ذلك المجازفة التي هدفت الحركة الصهيونية من خلالها إلى إرعاب الآخر (الفلسطيني) ومحاولة تفريغ الأرض. أما الآلية الأخيرة في هذه المرحلة فكانت التهجير حيث هُجِّر قرابة مليون فلسطيني من أرضه، وهنا تمت عملية صناعة العدو الفعلي والدائم بالنسبة للفرد الصهيوني الذي سيبقى يعيش حالة العداوة طالما بقي يحافظ على الوضع الحالي الذي صنع عام 1948م، بمعنى: أنه منذ هذه الفترة استطاعت الصهيونية أن تثبت منطوق النظرية الصهيونية على الأرض وبشكل دائم؛ سواء كان ذلك بالنسبة للفلسطينيين أو بالنسبة لأبناء الصهيونية.
المرحلة الأولى: حاولت الحركة الصهيونية في هذه المرحلة تركيز السمات الأساسية للمشروع الصهيوني وتحويله إلى ثوابت على الأرض، فتم سنُّ قانون العودة في الكنيست الصهيوني والذي يسمح لكل يهودي في العالم أن يحضر إلى (أرضنا المحتلة) وامتلاك (الجنسية الإسرائيلية)، ثم تلا ذلك وثيقة الاستقلال التي بموجبها أعلنت الحركة الصهيونية أن «الدولة الصهيونية دولة يهود العالم». وبالمقابل وفي سبيل تهويد الأرض سُنَّ قانون أملاك الغائبين وعدم السماح للسكان بالعودة إلى أراضيهم.
أما المرحلة الثانية: فجاءت في أواخر الستينيات ومنتصف السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، والتي تمثلت بظهور المقاومة الفلسطينية، فعملت الحركة الصهيونية على ربط المقاومة الفلسطينية بالإرهاب أولاً، واستغلال ذلك لإكمال المخطط الصهيوني بقضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية، ولقد تسنَّى ذلك للحركة الصهيونية ضمن مسارين: الأول: حرب عام 1967م والبدء بمشاريع الاستيطان، والثاني: مهاجمة مواقع المقاومة الفلسطينية وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين أينما حلوا وارتحلوا: في الأردن ولبنان وسورية وغيرها، وليس أقلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م.
المرحلة الثالثة: جاءت بعد حرب لبنان 1982م، والتي استمرت فيها الحركة الصهيونية أيضاً في ارتكاب المجازر من جهة، ومحاولة انتزاع ما حصل عليه الإنسان الفلسطيني من جزء من حقوقه والذي تمثل بالاعتراف الدولي بحق الشعب الفلسطيني وبكينونته من جهة أخرى، وهنا التفَّت الحركة الصهيونية على هذا القرار وهذه التوجهات بربطها بالاعتراف بالوجود الصهيوني في فلسطين ودون تحديد لمدى الرقعة التي توجد عليها «دولة إسرائيل»، وهذا ما حدث فعلاً؛ حيث إن الاعتراف الصهيوني الذي تم في اتفاق إعلان المبادئ عام 1993م من قِبَل الجانب الإسرائيلي؛ بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير تم إفراغه من محتواه عبر قضيتين رئيسيتين: الأولى: اعتراف منظمة التحرير بالحق الصهيوني في فلسطين، والثانية: الممارسات الصهيونية على أرض الواقع أو ما سمِّي لاحقاً بالحقائق على أرض الواقع؛ كربط الفلسطينيين بإسرائيل، وبناء المستوطنات.. إلخ وليس آخرها رفض قيام الدولة الفلسطينية أياً كان نوعها وحجمها.
المرحلة الرابعة: وهي مرحلة الانتفـاضـة الفلسطينيـة وما تلا ذلك من أحداث عملت الحركة الصهيونية من خلالها على بناء الجدار العازل الذي أتى على الأخضر واليابس بحق الأرض الفلسطينية، والتوسع في الاستيطان بشكل لم يسبق له نظير، وكذلك القتل وارتكاب المجازر بشكل فردي وجماعي.
وإذا أردنا تتبُّع حقيقة السلوك والممارسة الصهيونية في فلسطين فسنجد أنها وإلى الآن لا تحيد عن المرتكزَيْن اللذين أتى على ذكرهما هذا التحليل وهما: نفي الآخر فعلياً بالسيطــرة علــى الأرض، ونفــي الآخــر معنــوياً بالتهجيــر أو إنكار حقه في الإرادة وإجباره على الهجرة القسرية. [2] ديانا مور: (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض).. أسطورة بربرية لسرقة فلسطين، «ميدل إيست كوارتلي».
[3] انظر: عبد الوهاب المسيري، البروتوكولات واليهودية والصهيونية، دار الشروق، 2003.
[4] معهد الأبحاث التطبيقية - القدس (أريج) ، النشاطات الاستيطانية الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ما بعد مؤتمر أنابوليس 1/1/2008م.
[5] انظر: وليد الخالدي، الصهيونية في مئة عام، دار النهار، 2002.