المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظم القرآن فوق مفتريات النقد والتجريح



اخت مسلمة
07-01-2009, 03:26 AM
نظم القرآن فوق مفتريات النقد والتجريح

بقلم الدكتور علي البدري
الأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية


إذا تدبرت قوله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[1].

أو قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم}[2].

أو قوله عز شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[3].

لعرفت أن هذه الآيات الكريمة وما شاكلها فيما تهدف إليه بمثابة مصابيح ساطعة تضيء للمسلم مسالكه في دياجير الظلام.

وبهذا يعرف المسلم بجلاء أعماق ما يدور في نفوس اليهود والنصارى سواء بقوا على كفرهم أم ارتدوا عنه إلى كفر جديد كالشيوعية مثلاً.

فلا هؤلاء ولا أولئك يقبلون العيش مع المسلمين في سلام.

كلا. إنهم وطنوا أنفسهم على حرب المسلمين جيلاً بعد جيل وصمموا على ألا يقبلوا منا سوى ما لا يكون بإذن اللّه أبداً، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم} وهذا بالدرجة الأولى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. الذي بعثه اللّه تعالى ليتمم به مكارم الأخلاق فقال له: {وإنك لعلى خلق عظيم}[4].

فإذا كان هذا موقف اليهود والنصارى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حياته.

فلا ينتظر منهم مع اتباعه إلا كل سوء {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}.

ما أحلى عبارات القرآن. إن لها وقعاً في النفس أسمى من كل عبارات تشرحها وأعلى من كل بيان يجلبها. ولهذا فإني أطلب من كل مسلم أن يتدبر معاني هذه الآيات الكريمة فلعل اللّه تعالى أن يفتح عليه فتحاً مبينا. وهو على ما يشاء قدير.

ولقد ظهر خصوم الإسلام قديماً وفي العصر الحديث هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم ألقابا علمية في عصرنا هذا ويظهرون للناس خداعاً رهيباً متستراً خلف البحوث العلمية والرغبة في الوصول إلى الحقيقة عن طريق البحث والاستقراء وهي صورة.. تلبس الذئاب فيها ثياب الحملان!!

وهكذا أطل على الشرق المسلم هذا الثالوث البغيض الاستعمار، والتبشير، والاستشراق، فالاستعمار حاول أن يكسر عقيدة المسلمين عسكرياً ففشل والحمد للّه تعالى فراح يدرب المبشرين والمستشرقين من عتاة الصليبية واليهودية والإلحاد لكي ينالوا من المسلمين منالا في قرآنهم الكريم أو في سنة نبيهم عليه الصلاة والسلام.

وقد عادوا والحمد لله تعالى بخفي حنين بعد جهود فتاكة مدمرة نجى اللّه تعالى منها المسلمين. ولكن القوم لا يتخلون عن حقدهم أبداً، وستبقى حربهم الظاهرة والخفية فيما أرجح ما بقي الفرقدان وإن تقنعت بأقنعة الطب أو التعليم أو السياسة أو الاقتصاد أو غيرها مما يظنونه أقنعة يخدعون بها الناس ولم تلبث أن كشفت عن وجهها الصفيق!

سيظل القوم يحاربون اللّه ورسوله إلى آخر الزمان - فعلى المسلمين أن يعرفوا ذلك جيداً!! وعليهم أن يتأكدوا من قوله عز وجل: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[5]ومن قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون}[6] وقوله عز شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[7].

لقد افترى اليهود والنصارى والمنافقون قديماً على القرآن الكريم افتراءات يرددها اليوم أحفادهم الجدد في غير حياء.

فقديماً حاولوا التشكيك في اختيار اللّه تعالى لمفردات قرآنه الكريم وجمال عباراته! وتناسق تراكيبه، وإعجاز نظمه الفريدة فقالوا مثلاً: إن جملة {فَأَكَلَهُ الذِّئْب}[8] أحسن منها "فافترسه الذئب"، وعللوا ذلك بأن الأكل يشارك فيه الحيوان الإنسان. ولا كذلك الافتراس.

وقالوا: إن النظم القرآني {وَانْطَلَقَ الْمَلاُّ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ}[9] أبلغ منه أن يكون النظم هكذا "امضوا وانطلقوا على آلهتكم" لأن المقام مقام انزعاج هكذا يهرفون بما لا يعرفون!!

وقالوا أيضاً: إن العبارة القرآنية {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} أفضل منها "ذهب عني سلطانيه" ويعللون ذلك بأن الهلاك في الأعيان والأشخاص.

ويقولون: أنت تقول: هلك زيد ولا تقول هلك جاهه أو سلطانه. وإنما تقول: ذهب سلطانه وانتهى جاهه.!! هكذا يزعم القوم اللئام.

ثم يمضون في سرد مفترياتهم على نظم القرآن فيقولون: إن الآية القرآنية {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}[10] أبلغ !!منها "للزكاة مؤدون".

ولم تقف اعتراضات الخصوم الفجرة عند حد الجمل والتراكيب بل تعدوها إلى أدوات الربط فقالوا: إن مجيء الباء في الآية القرآنية {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}[11] ليس في موطنه فلو قيل: "ومن يرد فيه إلحاداً" لكان أبلغ!! هكذايتصور الجاهلون الحاقدون!‍!

ثم انتقلوا من هذا إلى رمي القرآن الكريم بالتناقض! وضربوا لذلك مثلاً بقوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} وزعموا أن القرآن هنا يذم المؤمنين فكيف يتفق هذا مع مديحهم قبل هذه الآية مباشرة. بالآية القرآنية: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[12].

وهذا في نظر ذوي البصائر العمياء ضرب من التناقض والسير على غير هدى.

ولم يلبث شياطين الإنس أن تناولوا بعض الصور البيانية في القرآن الكريم بالتجريح وهي بالغة حد الروعة والإعجاز. فقالوا: إن الآية القرآنية: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}[13].

وقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ}[14]

قالوا إن أدوات التشبيه هنا قد أتبعت بالمشبه به ولم تسبق بالمشبه وهذا على حد مزاعمهم ضرب من الغموض.‍!! مع أن هذا من بديهيات البيان العربي!

ثم اعترضوا على حذف جواب الشرط في قوله تعالى مثلا: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأََرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}[15] ونحو هذه الآية.

فزعموا أن هذا تبتير للكلام! وقطع لأجزائه.

وكما اعترضوا على الحذف فلم يسلم الذكر من اعتراضات المجرمين!! فزعموا أن الحذف وتكرار الذكر كلاهما ليس محموداً ولا معدوداً في النوع الأفضل من فنون البيان.

وعلى هذا فقد اعترضوا على تكرار قوله تعالى في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، واعترضوا أيضاً على تكرار قوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في سورة المرسلات.

وفات هؤلاء الضعفاء والمهازيل أن يعترضوا أيضاً على تكرار قوله تعالى: في سورة التكاثر: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}.

كما فاتهم أن يعترضوا على تكرار قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[16]وجهل شياطين الإنس أن التكرار المحمود أحد فنون الإطناب وهو فن بلاغي من علم المعاني به يطابق الكلام مقتضى الحال.

هذا وقد اعترض هؤلاء المفترون على اللّه الكذب. اعترضوا على ترتيب آيات القران الكريم وسوره فقالوا: لو جاء ترتيب القران الكريم بحيث تكون أخبار القرون الأولى في سورة.. والحكم والمواعظ والأمثال في سورة أخرى، وأحكام الأفراد والمجتمعات في سورة ثالثة مثلاً وهكذا.. لكان ذلك أحسن ترتيباً، وأيسر حفظاً، وأبلغ من تكرار بعض هذه الأمور في سور كثيرة، ولكان القرآن بهذا موضوعياً!! هذه مختارات من مفتريات شياطين الإنس.. وتلك ألوان من افتراءات المفترين على حروف وكلمات وجمل ونظم القرآن الكريم.

إنهم لم يتركوا شيئاً بدون افتراءات أبدا!!

ولكن مفترياتهم والحمد لله تعالى لن تصمد أمام شمس الحقيقة أبداً.

إنها والحمد للّه تعالى أوهى من بيت العنكبوت قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض} وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[17].

وسنتناول هذه المفتريات بالدحض والإبطال في إيجاز بإذن اللّه تعالى على النحو التالي:

إن تفضيلهم لعبارة: "فافترسه الذئب" على العبارة القرآنية {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} فاسد حقود ذلك لأن الفرس معناه دق العنق (الفرْس بسكون الراء).

وإخوة يوسف لم يدعوا على أبيهم أن الذئب قد دق عنقه فقتله!! وانتهى الأمر.

وإلا لطالبهم يعقوب عليه السلام بجسد أخيهم ميتاً.

ولكن القوم أرادوا أن يقطعوا على أبيهم المطالبة بجسد يوسف حياً أو ميتاً.

فادعوا أن يوسف الآن في بطون الذئاب وهذا ما لا يؤديه سوى الجملة القرآنية {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} أما الافتراس فقد تحقق مثلاً في عتبة بن أبي لهب.

ذلكم الذي دعا عليه رسول الله صلى اللّه عليه وسلم بقوله: "اللهم سلط عليه كلباً من كلابك!"

ثم كان في تجارة قرشية إلى الشام فحذر أبوه القافلة من دعوة محمد صلى اللّه عليه وسلم. وطاف بهم أسد في الطريق فضرب عتبة بيده فأرداه قتيلاً. وقال الناس يومئذ قد افترسه الأسد ولم يقولوا أكله!!

وإخوة يوسف قد ادعوا على أبيهم أن الذئب قد أكل يوسف تماماً بشحمه ولحمه. فما أدق عبارة القرآن الكريم وما أحسن نظمه المعجز الأخاذ بالألباب.

فأما تفضيل المعترضين "امضوا وانطلقوا" على {امْشُوا وَاصْبِرُوا..} في سورة ص. فذلك خطأ بين. لأن المشركين قصدوا الاستمرار على دين آبائهم في غير انزعاج ولا انتقال. وهذا المعنى لا تؤديه إلا الجملة القرآنية وحدها.

لأن المعنى الذي يريدونه. استمروا على ما أنتم عليه ولا تبالوا بالقرآن الكريم. واطمئنوا ولا تنزعجوا على أنه قد قيل: إن المشي هنا يراد به كثرة العدد. فالعرب يقولون مشى الرجل إذا كثر ولده.

قال شاعرهم:

والشاة لا تمشي على الهلع...

أي لا يكثر نتاجها إذا قربت منها الذئاب. وبهذا نرى أن خصوم القرآن يخادعون اللّه والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.

فأما اعتراضهم على الاستعارة القرآنية في قوله تعالى: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}

فاعتراض متهافت، لأن الاستعارة هنا أبلغ من الحقيقة، ذلك لأن الشيء إذا ذهب فقد يعود أما إذا هلك استحالت عودته، والمشركون يعلمون أن سلطانهم الفاني لن يعود إليهم أبداً يوم القيامة. وبالإضافة إلى هذا فقد قيل: إن السلطان هنا بمعنى الحجة والبرهان.

فأما افتراؤهم على الجملة القرآنية {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} فساقط عديم الجدوى. لأن لفظ (فاعلون) أبلغ من (مؤتون أو مؤدون) ونحوهما.

فالجملة القرآنية تفيد المبالغة في أداء الزكاة والمواظبة عليها حتى تكون سجية لهم. وهذا مالا يؤديه إلا لفظ (فاعلون) على أنه قيل: إن الزكاة هنا تقابل كل الأعمال الصالحة. وبذا تكون الكلمة القرآنية أدق من كل كلمة سواها.

أما اعتراضهم على الباء في قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ...} فإن هذا غير خارج عن سنن العرب في كلامهم. وإلا لاعترض عليه مشركو مكة وهم أرباب الفصاحة وأئمة البيان. قال الراعي النميري:

سود المحاجر لا يقرأن بالسور
هن الحرائر لا ربات أحمرة

فأدخل الباء على المفعول وذلك غير ممنوع في اللغة.

فأما اعتراضهم على وجود المشبه به بعد كاف التشبيه دون المشبه فباطل أيضا.

ذلك لأن الله تعالى يشبه حال المسلمين في اختلافهم على الغنائم بحالهم في كراهة القتال في أول الأمر. قال تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}.

ولا تناقض بين الآية وما قبلها. لأن الثانية توضح معنى قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وطرفا التشبيه أيضاً في قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً} هما.يتم اللّه نعمته عليكم كما أتمهابأن أرسل فيكم رسولا من أنفسكم.

وأما افتراؤهم على حذف جواب الشرط. فإن هذا الحذف أبلغ من الذكر. وتقدير الجواب، لكان هذا القرآن والنفس تذهب في المحذوف كل مذهب. وأما المذكور فليس له سوى هذه الصفة ا لمذكورة.

وصاحب الذوق السليم يدرك بلاغة الحذف في قولك مثلاً لو رأيت الفاروق عمر... بحذف الجواب فهو أبلغ من ذكره مهما قدرته. فالنفس تذهب في عظمة الفاروق رضي اللّه عنه كل مذهب. وهكذا الشأن دوما مع حذف جواب الشرط أو غيره.

فأما اعتراضهم على أسلوب التكرار في القرآن الكريم. فإن التكرار في اللغة قسمان محمود ومذموم، الثاني عديم القيمة والمعنى. وهو ليس موجوداً في القرآن... إطلاقاً.

وقد بين الله تعالى لماذا كرر القصص في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[18]. {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}[19].

فأما ما عابه المفترون من تكرار قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}. (في سورة الرحمن).

فذلك لتكرار النعم. والخطاب للإنس والجن فالتكرار لتعدد المتعلق.

فأما تكرار قوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في سورة المرسلات. فلأن السورة قد عرضت لأهوال يوم القيامة بتفصيل ملحوظ وعقب الحديث عن كل هول من أهوالها المتعددة جاء هذا الإنذار للمكذبين بيوم الدين. فهو تكرار لتعدد المتعلق أيضاً.

ولقد يتساءل خبيث حقود أو جهول عن سر مجيء قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (في سورة الرحمن) بعد آيات التهديد والوعيد كمجيئها بعد قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} فهي تهديد بلهيب السعير والدخان المستطير..

والرد على هذا التساؤل الهين أن الترغيب والترهيب كلاهما من نعم اللّه تعالى. قال الشاعر:

فهو الذي أنباك كيف نعيمهـا
والحادثات وإن أصابك بؤسها

وأما دحض الافتراء الطاعن في القرآن من حيث عدم موضوعيته. فإن توزيع المسائل عن النحو الذي جاء في القرآن من الفروق بينه وبين تأليف البشر. ومن جهة أخرى فيه عظة واعتبار متكرر! وبهذا تكون استفادة الناس منه أكثر من انفراد السورة بموضوع واحد. وحتى لا تصير السور عرضة للإيمان ببعضها والكفر بالبعض الآخر.

فإن زعم ذئاب البشر أن بعض الناس قد عارضوا القرآن معارضة ناجحة ونقدوه نقداً جوهرياً أثناء نزوله. بيد أن المسلمين قد كتموا هذه المعارضات ومنعوا غيرهم من تسجيلها! فذلك إهدار للعقول.

وهذا في الحق تساؤل سخيف. فالناس في كل الأزمنة والأمكنة يهتمون بالأخبار المثيرة عامتهم وخاصتهم. فلئن كتم المسلمون هذه المعارضات المزعومة فلا يعقل أبداً ألا يسجلها المشركون وهم غالبية أهالي المشارق والمغارب.

إن ذلك التساؤل لو استسيغ، لجاز لممسوخي الضمائر أن يقولوا بوجود عدة أنبياء بعد خاتم المرسلين عليه السلام ثم يتهمون المسلمين بالقضاء عليهم سراً. ومثل هذه الأقاويل واضحة البطلان بينة الكفران- وسيبقى القرآن الكريم على مر العصور كالطود الشامخ. ولن ينال منه اليهود ولا النصارى ولا الشيوعيون منالاً أبدا بإذن الله تعالى. فهؤلاء يخادعون اللّه والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون. والقرآن الكريم فوق النقد والتجريح أو المعارضة وما أصدق قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

تحياتي للموحدين