المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخلاقيات الحوار (((((((((((((( وآدابه ))))))))))))))))



memainzin
07-11-2009, 12:42 PM
(((((((((((((((((((((((((((((أخلاقيات الحوار وآدابه)))))))))))))))))))))))))))))))




((((((((((((((((((((((((((((( أخلاقيات الحوار وآدابه))))))))))))))))))))))))))))


التزام القول الحسن وتجنب منهج التحدي والإفحام



من أخلاقيات الحوار: التزام القول الحسن، وتجنب منهج التحدي والإفحام: أي: حاول وأنت تتحدث أن تختار ألفاظك، وألا تدخل مدخل المفحم، كمن يريد أن يحشر خصمه في زاوية؛ لأن هذا غالباً لا يؤدي إلى حل، إنما يؤدي إلى تشنج وتنتهي القضية، لكن كما قلنا: تحاول أن يقول: نعم، نعم، نعم، فذلك خيرٌ من أن تحشره وتريد أن تظهر عليه، تأكد يا أخي وإن لم تتحدث، أن الحضور يعرفون، الحضور تفهم، وإن لم يقولوا شيئاً، فلابد من التزام القول الحسن، وتجنب منهج التحدي والإفحام، فمن المهم باسم المتحاورين التزام الحسنى في القول، والله عز وجل يقول: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53] وقال: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] فهذا هو الأصل، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83] ويلحق بهذا الأصل -كما قلت- تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث، وتعمد إيقاع الخصم في الإحراج، ولو كانت الحجة بينة والدليل دامغاً، فإن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف -وهذه قاعدة مهمة فالزموها- كسب القلوب مقدم على كسب المواقف مهما كان، لأنك إذا كسبت الموقف وخسرت الناس، فماذا فعلت؟

أنت مقصودك أن تكسب الناس، فقد تكسب الموقف، لكنك لا تكسب الناس، وإذا كسبت الناس، كسبت الموقف، أما إذا كسبت الموقف وخسرت الناس، فقد ذهب كل عملك هباءً، وبخاصة إذا كنت من الناس الذين يدعون إلى الله، وتريد الحق فعلاً، إذا كنت تريد الحق وبسط الحق، فاكسب الناس، ولا تكسب المواقف، فكسب القلوب مقدم على كسب المواقف، وقد تفحم الخصم، لكنك لا تقنعه، وقد تسكته، لكنك لا تكسب تسليمه وإذعانه، وأسلوب التحدي يمنع التسليم، ولو وجدت القناعة العقلية، وهذه طبيعة البشر، ولهذا الأنبياء أتوا بالحجج، ومع هذا فالطغاة رفضوا الإيمان لا لعدم قناعتهم ولكن لاستكبارهم، كما قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً [النمل:14] فليس الذي يمنع خصمك أنك لست على الحق، ينبغي أن تعرف هذا، ومادمت واثقاً من نفسك، فتأكد أن الذي يمنعه ليس أنك على الحق، إنما هو شيء في نفسه، في داخله، فما دام أنه شيء داخلي، وأنك لست مسئولاً، فلماذا التشنج؟ ولماذا الإفحام والإقحام؟

فإذا كنت اتبعت الأصول السابقة من العلم، وأصول العلم، وإقامة الحجة، وإثبات صحة الخبر إلى آخر ما سبق، فالقضية منتهية، فهذا الذي نقول، وإنك لتعلم أن إغلاظ القول ورفع الصوت وانتفاخ الأوداج لا يولد إلا غيظاً وحقداً وحنقاً.

ومن أجل هذا، فليحرص المحاور ألا يرفع صوته أكثر من الحاجة، فهذا رعونة، وإيذاء للنفس وللغير، ورفع الصوت لا يقوي حجة، ولا يجلب دليلاً، ولا يقيم برهاناً، بل إن الصوت العالي لم يعل في الغالب إلا لضعف حجته وقلة بضاعته، فيستر عورته بالصراخ، ويواري ضعفه بالعويل، وهدوء الصوت عنوان العقل والاتزان والفكر المنظم والنقد الموضوعي والثقة الواثقة.

على أن الإنسان قد يحتاج إلى رفع الصوت قليلاً في بعض الأحيان، أو يغير الإنسان نبرات صوته إذا كانت الصيغة استفهامية، أو تقريرية، أو إنكارية، أو تعجبية، هذه أشياء معروفة في أصول الحوار، لكنها لا تعني السفه على صاحبك، أو أنك تريد أن تسكته برفع صوتك، لكن إذا كان المقصود تغيير لهجة الصوت، لأن المقام يستدعي أن يكون الأسلوب إنكارياً، أو تعجبياً أو استفهامياً أو تقريريا،ً أو غير ذلك من أساليب البلاغة مما يدفع الملل والسآمة، فمعلوم أنه مطلوب.

على أن هناك أحياناً بعض الحالات التي يسمح فيها ويسوغ فيها اللجوء إلى الإفحام، وإسكات الطرف الآخر، لكن هذا ليس الأصل، هذا قد يحتاج إليه، لكنه خلاف الأصل، فإذا استطال مثلاً صاحبك وتجاوز الحد وطغى وظلم وكذب، وأتى بأشياء مكشوفة، وعادى الحق وكابره مكابرةً بينة، فلمثل هذا جاءت الآية الكريمة: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46] فحينئذٍ قد تتجاوز الحسنى، لأن الناس تحب أن ترى الحق عالياً، وتحب أن ترى الباطل مقموعاً، وقال سبحانه وتعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] ففي حالة الظلم والبغي والتجاوز قد يسمح بالهجوم الحاد المركز على الخصم وإحراجه وتسفيه رأيه؛ لأنه يمثل باطلاً، وحسنٌ أن يرى الناس الباطل مهزوماً مدحوراً.

وهناك كلمة لطيفة جميلة على الهامش، وهي أنه لا ينبغي للإنسان أن يستعمل الضمير (أنا) في الحديث، ذكر ذلك كثير من المتأدبين، وقال: لا ينبغي للإنسان أن يقول أنا ونحن إذا استطاع، إنما يستعمل ضمير الغيبة، فهو أحسن، فلا يقول: في رأيي، أو في درسنا، أو في تجربتنا، أو في رأينا، أو على حسب علمنا، يحسن أن يقول: يبدو للدارس، تدل التجارب، الذي يبدو للباحث، ونحو ذلك، فهي ألطف؛ حتى لا يحس السامع بأن ثمة أسلوب تعالٍ على المتحدثين، أو بين المتحاورين.

أخيراً من غاية الأدب واللباقة وإدارة الحوار ألا يفترض في صاحبه الذكاء المفرط، فيكلمه بعبارات مختزلة، ولا يفترض فيه الغباء المفرط، فيأتي بأشياء من المسلمات بحيث يمل منها المتحاوران، أو يمل السامعون، والناس في ذلك درجات في عقولهم وفهمهم.







((((((((((((((((((((((((((((((((الالتزام بوقت محدد))))))))))))))))))))))))))))



القضية الثانية في آداب وأخلاقيات الحوار: الالتزام بوقت محدد في الكلام، وهذه أيضاً مهمة وجميلة، ومع الأسف أنه لا يكاد يُلتزم بها، وبخاصة في الندوات، إذا أقمنا ندوات، فلا يكاد أحد يلتزم، فإذا أتى الإنسان بأوراقه أوجب على نفسه أن يقرأها كلها، كان ينبغي قبل الدخول أن يكون المتحاورون والمنتدون ومدير الندوة متفقين على أن يأتي الواحد بكلمات تغطي الجزء، لكن مع الأسف إذا كانت شهوة الكلام هي المطلوبة، فهذا مشكلة، ومع الأسف ما تعودنا على ذلك عملياً؛ رئيس الندوة يقول: يا إخواني بقيت دقيقتان، ومع هذا لا أحد يستجيب، وإن كان رئيس الندوة أحياناً يستخدم سلطته، ويوقف الكلام، لكن لا ينبغي هذا، فهو يؤثر على مجريات الأمور والهدوء والانسجام الموجود في القاعة وينبغي أن نكون جادين في الالتزام بالوقت في الكلام، فينبغي أن يستقر في ذهن المحاضر ألا يستأثر بالكلام، ويستطيل في الحديث ويسترسل بما يخرج به عن حدود اللباقة والأدب والذوق الرفيع.

فـابن عقيل الحنبلي يقول في كتابه فن الجدل : وليتناوبا الكلام مناوبةً لا مناهبةً؛ بحيث ينصت المعترض للمستدل حتى يفرغ من تقريره للدليل، ثم المستدل للمعترض حتى يقرر اعتراضه، ولا يقطع أحدٌ منهما على الآخر كلامه، وإن فهما مقصوده من بعضه.

حتى إن فهمت فاسكت حتى ينتهي، لا تقل له: كفى فقد فهمت، ولهذا قال ابن عقيل : وبعض الناس يفعل هذا - أي: يقاطع- تنبيهاً للحاضرين على فطنته وذكائه، وليس في ذلك فضيلة إذ المعاني بعضها مرتبطٌ ببعض، وبعضها دليل على بعض، وليس ذلك علم غيب، أو زجراً صادقاً، أو استخراج ضمير حتى يفتخر به، وبخاصة إذا افترضنا أن المتحاورين على مستوى من العلم، ومستوى من العقل، ومستوى من الفهم.

وغالباً المستمعون كذلك على مستوى من الفهم، فليس ذكاءً أنك تفهم من منتصف الطريق، فإذا فهمت فاسكت.

قال ابن عقيل : ومن المفيد أن نعلم أن أغلب أسباب الإطالة في الكلام ومقاطعة حديث الرجال يرجع إلى ما يلي:

أولاً: إعجاب المرء بنفسه.

ثانياً: حب الشهرة والثناء.

ثالثاً: ظن المتحدث أن ما يأتي به جديدٌ على الناس، وهذه مشكلة فلا ينبغي أن تفترض أن الناس كلهم جهال.

رابعاً: قلة المبالاة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم، لو كنت تحترم الناس ما حاولت أن تستطيل في شيء ليس لك فيه حق.

قال: والذي يبدو أن واحداً من هذه الأسباب إذا استقرت في نفوس السامعين كافٍ في صرفهم وصدهم ومللهم واستثقالهم لمحدثيهم.

وأرجو ألا أكون منهم!






((((((((((((((((((((((((((((((حسن الاستماع والإنصات))))))))))))))))))))))))))



الثالث من الآداب: حسن الاستماع، وأدب الإنصات، وتجنب المقاطعة، وهذه قضية مكملة لما سبق، ينبغي للمتحاور -الطرف الثاني أو كل واحد بالنسبة لصاحبه- ينبغي له أن يحسن الاستماع وأدب الإنصات وأدب المقاطعة، وهذا والله نحتاجه كثيراً في مدارسنا، وبخاصة بين الأستاذ وتلميذه، يعني: لو أن أساتذتنا اجتهدوا في أن يعلموا تلاميذهم أدب الحديث بمعنى أن يكونوا هم القدوة، فالمشكلة أن الأستاذ يريد الكلام، وهو الذي يُسمع فقط، لا يكاد يحسن أن يعطي طالبه فرصة الحوار، ولو فرصة الحديث، فهذا نوع من التعالي مع الأسف، ويجب أن نكون صادقين في نقد أنفسنا، وبخاصة في مثل هذه المدرسة الثانوية -كما قلنا-: الثانوية طلابها في مستوى المراهقة، والمراهق -كما يقول علماء النفس- يريد أن يثبت ذاته، وينبغي أن يعطيه المدرس فرصة في أن يثبت ذاته بحيث يتحدث ويتكلم ويعطيه فرصة، ولا يستهزئ به، ولا يجعل زملاءه يسخرون منه، فحسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة من أخلاقيات الحوار.

فكما قلنا في آداب الحوار: الالتزام بوقتٍ محددٍ، وتجنب الإطالة، كذلك نطلب حسن الاستماع، واللباقة في الإصغاء، وعدم قطع حديث المحاور، وإن من الخطأ -وهذه قضية يا إخواني مهمة جداً- أن تحصر همك في التفكير فيما ستقوله، وألا تلقي بالاً لمحدثك ومحاورك، وهذا كثير؛ زميلك يتحدث وأنت مشغول بالرد، لا يا أخي اسمع ما يقول، يمكن أن يقول حقاً، هذه قضايا دقيقة، وهي ترجع إلى الضمير يا إخواني، إن أغلب أخلاقيات الحوار ضميرية؛ أنت بنفسك أبصر، ليست أشياء تقاس بالترمومتر، لو كانت تقاس، لم تكن هناك مشكلة، بل كلنا سنكون منضبطين، فحينما يتحدث صاحبك، ينبغي أن تكون مستمعاً جيداً، لا أن تكون مشتغلاً بالرد، ومن الخطأ أن تشغل همك في التفكير فيما ستقوله، وألا تلقي بالاً لمحدثك ومحاورك، وقد قال الحسن بن علي رضي الله عنهما لابنه رضي الله عنهم أجمعين: [[ يا بني إذا جالست العلماء، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام، ولا تقطع على أحدٍ حديثاً، وإن طال حتى يمسك ]] ويقول ابن المقفع : تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام، ومن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه، وقلة التلفت إلى الجوار، والإقبال بالوجه، والنظر إلى المتكلم، والوعي بما يقول.

إذاً: لا بد في الحوار الجيد من سماع جيد، والحوار بلا حسن استماع -كما تقول العامة- حوار طرشان -جمع أطرش- فكل من طرفيه منعزلٌ عن الآخر، فالسماع الجيد يتيح القاعدة الأساسية لالتقاء الآراء وتحديد نقاط الخلاف وأسبابه.

حسن الاستماع يقود إلى فتح القلوب واحترام الرجال وراحة النفوس، تسلم فيه الأعصاب من التوتر والتشنج، كما يُشْعِر بجدية المحاور وتقدير المخالف وأهمية الحوار، ومن ثم يتوجه الجميع إلى تحصيل الفائدة والوصول إلى نتيجة.







(((((((((((((((((((((((((((((((تقدير الخصم واحترامه))))))))))))))))))))))))))))



الرابع من الآداب والأخلاقيات: تقدير الخصم واحترامه، وهذه مهمة جداً أن تقدره، وقد نكون أشرنا إليه في بعض الطروحات التي تطرح في وسائل الإعلام في الردود، لا يكاد يكون فيها تقدير إلا في الحلقة الأولى، أو الثانية بعد ثلاث أو أربع حلقات تجد الدنيا انفتحت على التجريح الشخصي وإلى الكلام في الشهادات، وإلى الكلام في السيرة الذاتية، وإلى الكلام في تاريخه العلمي أين ذهب؟ وأين أتى؟

ما كان ينبغي هذا أبداً، والتقدير أيضاً قلبي، وبقدر ما تكون صادقاً في التقدير يظهر هذا على سلوكك وأسلوبك وكلامك وحديثك وكتابك، فينبغي في مجلس الحوار التأكيد على الاحترام المتبادل من الأطراف، وإعطاء كل ذي حق حقه، والاعتراف بمنزلته ومقامه، فيخاطب بالعبارات اللائقة وبالألقاب المستحقة والأساليب المهذبة، فتبادل الاحترام يقود إلى قبول الحق، والبعد عن الهوى، والانتصار للنفس.

أما انتقاص الرجال، وتجهيلها، فأمر معيبٌ محرمٌ، وما قيل من ضرورة التقدير والاحترام لا ينافي النصح وتصحيح الأخطاء بأساليبه الرفيعة، وطرقه الوقورة، فالتقدير والاحترام غير الرخيص، والنفاق المرذول، والمدح الكاذب، والإطراء على الباطل، وهذا يقودنا إلى قضية أخرى تنبع من التقدير، وهي أنك تتوجه بالحوار إلى القضية المطروحة، ويصرف الفكر إلى المسألة المبحوثة ليتم تناولها بالبحث والتحليل والإثبات والنقد بعيداً عن صاحبها أو قائلها، كل ذلك حتى لا يتحول الحوار إلى مبارزة كلامية، طابعها الطعن والتجريح والعدول عن مناقشة القضايا والأفكار إلى مناقشة التصرفات والأشخاص والشهادات والمؤهلات والسيرة الذاتية.







((((((((((((((((((((((((((((حصر المناظرات في مكان محدود))))))))))))))))))))))))))))



ومن الآداب: حصر المناظرات في مكان محدود، هذه قضية دقيقة، وأظن أن أكثر من نبه إليها علماؤنا المتقدمون، وهي قضية دقيقة، وأظنها تحتاج إلى نظرة، وقد تكون مستغربة، وهي حصر المناظرات في مكان محدود، ما معنى ذلك؟

أهل العلم يقولون: إن المحاورات والجدل ينبغي أن يكون في خلوات محدودة الحضور، قالوا: وذلك أجمع للفكر والفهم، وأقرب لصفاء الذهن، وأسلم لحسن القصد، وإن في حضور الجمع الغفير ما يحرك دواعي الرياء والحرص على الغلبة بالحق والباطل، مع الأسف في الوقت الحاضر الآن أصبحت محاورات تلفزيونية خاصة في الخارج بين رؤساء الأحزاب، وبين المرشحين للانتخابات، غالباً هذه المحاورات لا تؤدي إلى حق، إنما استعراض عضلات، وتقديم طروحات كاذبة، وكما يقال: كل واحد يطرح مشروعه الانتخابي، وكل مشروع كذاب، لماذا؟

لأنهم أمام الجمهور، ويريدون مجرد المفاخرة، والرياء والأطروحات الكاذبة، ولو انفردوا بأنفسهم وصدقوا، لكانت مصلحة الوطن أجدى وأولى وأوصل للحق؛ لكن القضية من أجل الفوز في الانتخابات واستمالة الجمهور، وهم كذابون، ولهذا أكثر الطروحات الانتخابية كاذبة وأفاكة، ولا يصلون إلى شيء، بل حتى على مستوى الانتخابات الأمريكية وغيرها يطرحون أشياء، وتجد الرئيس حينما يذكر، يشتغل في قضايا السياسة الخارجية، ويذهب عن كثير من القضايا التي وضعها في سياسات اقتصادية، أو سياسات اجتماعية، أو أشياء غيرها، لأن القضية جماهيرية، ولا يكادون يلتزمون بأدبيات الحوار؛ لأنه لا يريد أن ينهزم أمام الجمهور، أو أمام جمهوره الذين يرغبون ترشيحه، ولهذا يذكر أهل العلم عن المحاورات أنها ينبغي أن تكون في خلوات، واستدل أهل العلم بآية لطيفة من كتاب الله عز وجل، وهي قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا [سبأ:46] فالله عز وجل أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه: ما جئت به، فكروا به منفردين؛ لأنكم إذا فكرتم متداخلين، كل واحد يتعصب، ولهذا في قصة طويلة حقيقة ذكرها المؤرخون أن أبا سفيان بن حرب ، و أبا جهل بن هشام ، و الأخنس كانوا يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد منفرد، فإذا خرجوا تقابلوا في الطريق، ثم تعاهدوا على عدم السماع، فكان كل واحد منهم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن معجباً به، لكن إذا اجتمعوا كل واحد كذب على الآخر، حتى قال بعضهم: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود، لكن في النهاية قال: يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياءً أعرفها، وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياءً ما عرفت معناها، قال الأخنس : وأنا، إلى أن قال: خرج الأخنس من عندي حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟

فقال أبو جهل : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاشينا على الركب -أي: تساوينا- وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه وحي من السماء، فمتى ندرك هذا؟ ما معنا إلا أن نكذب فقط، والله لا نؤمن به، ولا نصدقه، قال: فقام من عنده الأخنس وتركه.

فلذلك قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى [سبأ:46] فالإنسان إذا انفرد يكون أقرب إلى قبول الحق، أما أمام الناس، فذلك يؤدي كثيراً إلى حجب الحق والوصول إلى الحقيقة.




((((((((((((((((((((((((((من آداب المحاورات الإخلاص))))))))))))))))))))))))))))



الأدب الأخير وهو المهم، وهو الأول والأخير: الإخلاص.

هذه الخصلة من الأدب متممة لما ذكر، من أصل التجرد الذي قلناه قبل قليل في طلب الحق إلى آخره، ومن أجلى المظاهر في ذلك أن يدافع المحاور عن نفسه حب الظهور، والتميز على الأقران، وإظهار البراعة وعمق الثقافة والتعالي عن النظراء والأنداد.

إن قصد انتزاع الإعجاب والثناء واستجلاب المديح مفسد للأمر صارف عن الغاية، وسوف يكون فحص النفس ناجحاً ودقيقاً لو أن المحاور توجه إلى نفسه بهذه الأسئلة، هذا من الأسئلة التي يوجهها الإنسان إلى نفسه، ليختبر إخلاصه، هل ثمة مصلحة ظاهرةٌ ترجى من هذا النقاش وهذه المشاركة؟

هل يقصد تحقيق الشهرة أو إشباع الشهوة في الحديث؟

هل يتوخى أن يتمخض هذا الحوار عن نزاع وفتنة وفتح أبواب من هذه الأبواب التي من حقها أن تسد؟

من التحسس الدقيق ومن تصادق النفس أن يحذر بعض التلبيسات النفسية والشيطانية، فقد تتوهم بعض النفوس أنها تقصد إحقاق الحق، وواقع دخيلتها أنها تقف مواقف انتصار ذات هوى، ويدخل في باب الإخلاص والتجرد توطين النفس على الرضا والارتياح من ظهور الحق كما سبق.

كل المبادئ السابقة الذي يبلورها واقعاً ملموساً ومجسداً هو أن يكون لدى الإنسان الإخلاص الصادق لله عز وجل: بأن يقصد إعلاء الحق والدين، ونفع الناس، وأن يقصد ظهور الحق، ولو على غير يديه، وعلى لسان غيره.

ومما يعينك على الإخلاص أن تعلم أن الآراء والأفكار ومسالك الحق ليست ملكاً لواحدٍ، أو طائفة، والصواب ليس حكراً على واحدٍ بعينه، فَهَمُّ المخلص ومهمته أن ينتشر الحق في كل مكان، ومن أي مكان، ومن أي وعاء، وعلى أي وسيلة.

وإن من الخطأ -وافهموا هذه يا إخواني- إن من الخطأ البين في هذا الباب أن تظن أن الحق لا يغار عليه إلا أنت، ولا يحبه إلا أنت، ولا يدافع عنه إلا أنت، وليس له مخلص إلا أنت، ولا يتبناه إلا أنت، ولا تحرسه إلا أنت، فإن من الجميل وغاية النبل والصدق إحسان الظن بالناس.

ومن الصدق مع النفس وقوة الإرادة أن توقف الحوار إذا وجدت نفسك قد تغير مسارها، ودخلت في مسالك اللجج والخصام ومدخولات النوايا، وأكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=27787


مواضيع متنوعه عن ألحوار

http://www.ibtesama.com/vb/tags/%C7%E1%CD%E6%C7%D1.html

متى يكون الحوار مفيدا وبناءا ومتى يكون سيئا ومدمرا وعقيما

http://www.ibtesama.com/vb/showthread-t_37756.html

أخلاقيات الحوار في المنتديات

http://forums.fonon.net/showthread.php?t=8573