المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفطره التى فُطر الناس عليها والطب النفسى..



اسلام الصالح
07-12-2009, 02:45 AM
نشرت فى روز اليوسف

7 – 10 – 2005

سلسلة الإنسان

أ.د.يحيى الرخاوى

أما قبل

"فطرة الله التى فطر الناس عليها". وصلتنى تلك الحقيقة من كل مصدر، حتى تيقنت أن الإيمان هو أصل فى الوجود البشرى البيولوجى الكيانى الممتد. الفطرة لغة هى"..الطبيعة السليمة لم تُـشَبْ بعيب .." (الوسيط). هذه الفطرة تتجلى فى الأديان عبادات وعقائد : المعتقد يخاطب العقل الظاهر كما نعرفه، أما العبادات فهى تحرك نبض الإيمان مباشرة من خلال الجسد والحركة والجماعة، تفعل ذلك بانتظام وتكرار لتنقية الوعى السليم نحو ما خلق به، وما خلق له. من هنا يمكن القول: إنه لا فائدة من العبادة إلا العبادة نفسها، وما يترتب عليها من رحابة وتسامح وإبداع وتواصل إلى غاية ما تعد به الفطرة فى رحاب الكون الأعظم نحو وجه الحق تعالى، الذى ليس كمثله شىء، وهو السميع البصير.

مناسبة تكرار ذلك الآن هى محاولة التذكرة بأننا نصوم لأن ديننا قال ذلك، لا أكثر، نحن لا نصوم إذن، من باب الرجيم أو لتقوية الإرادة أو لخفض السكر فى الدم أو لعلاج آلام المفاصل.....، الناس تحتاج إلى الإيمان لتصوم، كما تحتاج للصوم لتزداد إيمانأ، هذا هو كل ما فى الأمر.

حكايات وأغانى: عن الفطرة والأطفال(1)

"ربّى كما خلقْتَنى...!!"

لابد أن نفرق ابتداء بين تصويرنا للطفل كيانا بريئا ساذجا غُفْلا، وأحيانا أبلهاً، وبين حقيقة الطفل مشروعا بشريا واعدا يتجاوزنا - كبارا - نموا وتطورا؟ لابد-كذلك- أن نتذكر أننا إذ يتقدم بنا العمر، لا يتقدم على حساب ما هو طفُل فينا. المفروض أننا لا نحذف طفولتنا لنحل – كبارا- محلها، وإنما أن نتقدم فى العمر بأطفالنا فينا، فى جدل مستمر، وليس مجرد تبادل نوْبى.

وأخيرا: فإن البدائية غيرالفطرة، بل تكاد تكون عكسها، البدائية تشير إلى مرحلة كامنة قديمة قابعة متربصة بين جنباتنا، بقدر ما هى خارجنا عشوائية فجة تتمثل فى مجتمعات مغلقة مهملة منسية، وملغاة فى مكان جغرافى ما، على جانب من الدنيا الواسعة. وهى – البدائية - يمكن أن تنقض علينا فى أى وقت منفصلة عن باقى ما هو نحن. أخطر أنواع البدائية هو ما لبس ثوب المدنية القاتلة القاسية الميكانيكية العمياء المتعملقة (فى العراق أو فلسطين أو أفغانستان مثلا)، مثلها فى القبح والخطر: البدائية التى تدعى لبس ثوب الدين، وهى تختبئ وراء دروع تفسير خاص لكلماته، لتنفجر فى نفسها وفى الآخرين، غباءً، وفناءَا.

الفطرة السليمة عكس ذلك تماما، الفطرة هى "المشروع البشرى التطورى". هى البرامج البيولوجية الجاهزة للجدل، الحاضرة نبضا فى الإيقاع الحيوى طول الوقت، طول العمر. الفطرة هى أصل وقوانينَ وبرامجُ ونبضُ وحركةُ وجدلُ معا.

لكل هذا نقول: إن الإيمان إنما يتجلى فى انطلاق الفطرة السليمة : "فطرة الله التى فطر الناس عليها".

كل هذا يبدأ منذ الطفولة الباكرة.

السؤال العملى الذى يطرح نفسه بإلحاح بعد هذه المقدمة يقول: إذا كان الأمر كذلك فكيف نرعى الطفل الذى يمثل هذه الفطرة أكثر، وكيف نحافظ عليه حتى يصير وعينا "بنا-إليه" هو سبيل الإيمان السليم؟

الطفل يولد وهو يحمل كل يقين برامج فطرته القادرة على بسط نفسها فى الاتجاه الصحيح . فى الحديث الشريف "..ما ن مولود إلا يولد على الفطرة، وأهله ..إلخ" . إذن: كيف نحسن الاستماع إلى تلك الفطرة، بدلا من أن نشكلها قسراً فيما هو ضدها من أوهامنا وضلالاتنا؟ كيف نحافظ على سلامة خطى أطفالنا "بها/نحوها" برغم أننا نزعم أننا نخاف عليهم، فى الحقيقة نحن نخاف منهم؟ نخاف منهم أن يحركوا أطفالنا داخلنا؟ أطفالنا الذين قتلناهم أو نسنياهم أو شوهناهم.

نستمع إلى هذا الطفل أولا وما دار بينى وبينه بعد حادث الأقصر الإرهابى المشئوم

اسلام الصالح
07-12-2009, 02:47 AM
حكاية(1): الله أكبر

النص: (نشر النص فى 26/11/1997)

(حين سمعت خبر الاعتداء على السائحين بالأقصر) " ... هبطت بى ‏الأرض‏ ‏جزعا وكأنى أتكوم، حططت‏ ‏على ‏أريكة‏ ‏غاصت‏ ‏بى ‏حتى ‏كدت‏ ‏أنفذ‏ ‏من‏ ‏قعرها، ‏وضعت‏ ‏يدى ‏على ‏خدى ‏وصمتّ، ‏ولاحظت‏ ‏زوجتى ‏ما‏ ‏حل‏ ‏بى ‏فسكتت، ‏فهى ‏تعرفنى ‏حين‏ ‏أحزن‏ ‏هذا‏ ‏الحزن‏ ‏فلا‏ ‏أنبس، ‏لكن‏ حفيدى "‏على‏" (‏أربع‏ ‏سنوات‏) -... تقدم و قال‏ ‏لى ‏فى ‏حذر‏:"‏جدى ‏إنت‏ ‏زعلان‏‏؟‏", ‏رددت‏ ‏فى ‏اقتضاب‏ "‏أيوه‏", ‏فلم‏ ‏تكفه‏ ‏الإجابة‏ ‏إذ‏ ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏جلستى ‏ووجهى ‏بيّنا‏ ‏له‏ ‏درجة‏ ‏من‏ ‏الحزن‏ ‏فوق‏ ‏تصوره، ‏فتمادى‏:"‏إنت‏ ‏زعلان‏ ‏قوى؟‏" , ‏فكررت‏ ‏ردى ‏بنفس‏ ‏الاقتضاب‏ ‏ومازالت‏ ‏يدى ‏على ‏خدى، ‏والأرض‏ ‏تغوص‏ ‏بى ‏أكثر‏ ‏فأكثر‏: "‏أيوه‏", ‏لم‏ ‏تكفه‏ ‏الإجابة‏ برغم أن صوتى كان أعلى، يبدو أنه لم يَخَفْ، فمضى ‏يقول‏:"‏إنت‏ ‏زعلان‏ ‏أكتر‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏حاجة‏ ‏؟‏", ‏قلت‏ ‏بنفس‏ ‏الطريقة‏، و بصوت أعلى :"‏أيوه‏", ‏وكدت‏ ‏أزيحه‏ ‏بيدى ‏بهدوء‏ ‏بعيدا‏ ‏عنى ‏حتى ‏لا‏ ‏أضطر‏ ‏إلى ‏نهره‏ جدا.‏ ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏حزنى ‏كان‏ ‏أوضح وأشد من أن يجعله يدعنى وحدى، ‏فاستمر‏ ‏مندهشا متعجبا:‏ " ‏إنت‏ ‏زعلان‏ ‏أكبر‏ من كل حاجة؟ يعنى أكبر ‏من‏ ‏ربنا‏ ‏؟‏" ‏فقلت‏ ‏مفحما‏:‏ لا‏ ", ‏فقال‏ ‏على الفور‏: ‏أيوه كده، ‏عشان‏ ‏ما‏ ‏فيش‏ ‏حاجة‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏ربنا‏ . ‏فهدهدت‏ ‏ظهره‏ ‏ولم‏ ‏أستطع‏ ‏تقبيله، لكن رسالته وصلتنى.‏ ....


القراءة

.. حين قرأت هذا النص الآن بعد ما يقرب من عشر سنوات رحت أتساءل عما نفعله بأطفالنا الذين يقولون بتلقائية مثل هذا الكلام فى سن 4 سنوات، ثم نراهم عكس ذلك تماما بعد خمسة عشرة عاما أو عشرين؟؟ لم أربط آنذاك بين حفيدى فى الرابعة من عمره، وبين "القتلة /الضحايا" الذى دارت حولهم هذه الحكاية. ألم يكونوا يوما ما أطفالا مثل هذا الطفل؟. ما الذى يجرى لهذا الطفل حين يكبر؟ لماذا لم تصل هؤلاء الشباب القتلة تلك الحقيقة البسيطة التى أوصلها لى "على" أن "الله أكبر"، فخفف عنى بكل يقين، لقد كان أحرى – لو وصلهم مثل ذلك- أن يكونوا غير ذلك. "الله أكبر" !!! تلك الكلمات نقولها فى الأذان، وفى كل تكبيرة صلاة، ومع كل ركعة، وسجدة، وفى حروب التحرير، وعند مواجهة الظلم، لكن يبدو أننا نقولها ونحن منفصلون عنها. هؤلاء الشباب القتلة من الأقصر إلى شرم الشيخ قد يكونون قد قالوها مئات الآلاف من المرات دون أن تصلهم أصلاً، بل ربما هم قالوها وهم يطلقون رصاصهم،أو يفجرون أنفسهم. الله أكبر فى المكبرات ربما تخترق الليل ولا تصل إلى وعيهم، تخترق الظلام لكنها لا تضيئ بصيرتهم لأنها تصلهم مغتربة عن حركية الفطرة إلى وجه الله. "، الله أكبر المفرغة من معناها وفاعليتها تخترق السكون فلا تحركه، وإنما تجمده فى تعصب متشنج جاهز للتفجر فالقتل، فى حين أن "الله أكبر" التى قالها لى حفيدى، والتى نرددها فى كل صلاة، وفى كل أذان يحترم الناس ليلا ونهارا، ، هى أكبر من كل ذلك ومن غير ذلك