المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم الهجر في الإسلام ( ألذبح لغير ألله ألذبح لأرضاء أنسان )



memainzin
07-13-2009, 05:53 PM
حكم الهجر في الإسلام



للشيخ محمد بن عبد الله الامام



المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في عبوديته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:

فقد يسر الله إعادة النظر في هذه الرسالة "حكم الهجر في الإسلام" نظرا لأهميتها ولحاجة المسلمين - وخاصة البلاد اليمنية - لمعرفة الحكم الشرعي في هذه العادة المستقبحة التي تخالف الكتاب والسنة - كما ستراه موضحا في هذه الرسالة - ونظرا لنفاد الطبعة الأولى منها - وقد حصل فيها نفع بحمد الله - أعدنا طباعتها مع بعض الزيادات والتنقيح لما لا بد منه لتخرج هذه الطبعة إن شاء الله في أحسن وجه ليتم النفع، فنسأل الله عز وجل أن ينفع بها كما نفع بسابقتها إنه جواد كريم بر رحيم. والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.





فتوى في حكم الإسلام في الذبح

الذي يقدم لحل النزاع بين المتخاصمين

سؤال: ما حكم الإسلام في الذبيحة التي تسمى بالهجر أو بالعقر أو بالمرضى أو بالهجيم أو الغلاق أو الوصل أو التأدبة أو الصفا أو البرهة أو العتامة أو الفدو أو ذبح الصلح إلى غير ذلك من الأسماء التي صورتها: أنه إذا حصل تخاصم وتشاجر بين اثنين فأكثر, فيحكم عليهم أو على أحدهم بأن يذبح ذبيحة عند الآخر إرضاءً له؟

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن المعلوم عند المسلمين أن الذبح من أعظم القربات إلى الله, ومن أجل العبادات، والأدلة على ذلك من القرآن والسنة ما يلي:



الأدلة من القرآن:

قال الله: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت} الأنعام فقوله جل شأنه: (ونسكي) هي: الذبيحة , بدليل قوله تعالى: { فمن كان مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} البقرة، والنسك في الآية الثانية , هو : الذبيحة بإجماع المفسرين. قاله ابن عطية والقرطبي وأبو حيان والرازي والشوكاني وغيرهم.

وقد أفادت الآية الكريمة أموراً وهي:

1- اقتران الذبح بالصلاة. وهذا يدل على أن الذبح عبادة خالصة لله على وجه القربة , كما أن الصلاة عبادة لله.

2- قوله: (وبذلك أمرت) يدل على أن الصلاة والنسك عبادة , لأن الله عز وجل أمر بهما.

3- قوله: ( لله رب العالمين لا شريك له) دليل على اشتراط الإخلاص لله في عبادة الذبح, وأن صرف شيء منها لغيره سبحانه على وجه القربة والتعظيم يوقع المسلم في الشرك عياذاً بالله.

وقال الله: (فصل لربك وانحر) الكوثر.

فقوله: (وانحر) المراد به النسك, وهذا ما عليه جمهور المفسرين, ولم يصح تفسير النحر بالتكبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يصح عنه أيضاً تفسير النحر في الآية بوضع اليمين على الشمال في الصلاة ـ وإن كان وضعهما من سنن الصلاة بأدلة أخرى ـ وعلى هذا فيكون التفسير المتعين للآية هو: النسك, وقد أفادت الآية ما ذكرته في الآية الأولى.

وقال الله: {والبدن جعلنها لكم من شعائر الله} الحج.

فقد جعل الله الهدي من شعائره سبحانه التي يجب القيام بها وإظهارها, وهذا يدل على عظمة هذه العبادة وهي: عبادة الذبح لله وإن كان الهدي نوعاً من أنواع الذبائح لله إلا أن الآية الكريمة تبين عظمة التقرب إليه سبحانه بهذه العبادة , فكما أن الصلاة عظيمة وجليلة وهي متفاوتة في أنواعها فكذلك الذبح.

وقال سبحانه: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} الحج، فقد جعل الله الذبح عبادة له تدل على تقوى العبد , والآية هذه وإن كانت في سياق ذبح الهدى إلا أنها تشمل كل ذبح , حيث أن الله جعل الذبائح عبادة وقربة له سبحانه.

وقال سبحانه وتعالى: {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خيراً له عند ربه} الحج، فالذبح من حرمات الله, لأن هذه الآية جاءت بعد ذكر أمور ومنها: ذبح الهدي , فهو داخل فيها, وهكذا قل في بقية الذبائح التي شرع الله أنها من حرماته , فقد اتضح من هذه الآيات الكثيرة أن الذبح عبادة وقربة , ومن المعلوم قطعاً أن العبادة لا تكون إلا لله ولا تصرف إلا له سبحانه لأنه قال: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} البينة.

وقوله سبحانه: (وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه) الإسراء.

الأدلة من السنة النبوية:

ما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله j: ((لعن الله من ذبح لغير الله ...)) واللعن هو الطرد والإبعاد، وهو إما إخبار أن من ذبح لغير الله فهو ملعون، وإما دعاء عليه من النبي صلى الله عليه وسلم وكلا الأمرين عظيم.

وهذا يدل على أن الذبح عبادة لله وحده لا شريك له ومن صرفها لغيره فقد عرض نفسه للعن عياذا بالله.

الذبائح التي شرعها الله قسمان

قسم: عبادة محضة، وقسم: جائز في الشرع.

أما القسم الأول: فكالهدي والأضاحي والفدية وغير ذلك.

وأما القسم الثاني: فكالذبيحة للأكل والبيع , وذبيحة العقر عند فلان من الناس لا تدخل في أحد النوعين, فهي خارجه عن الذبائح الشرعية جملة وتفصيلا.



ذبح الهجر داخل في عموم ما أهل به لغير الله

أيها القارئ: إذا علمت أن ذبيحة العقر عند فلان ليست من الذبائح الجائزة في الشرع فضلاً عن أن تكون من نوع العبادة المحضة , دل هذا أنه من الذبح الممنوع شرعاً , لأنه أهل به لغير الله, قال الله ـ في سياق بعض المحرمات ـ : {وما أهل لغير الله به} المائدة.

والرسول صلى الله عليه وسلم بين خطورة الذبح لغير الله بقوله: ((لعن الله من ذبح لغير الله ...)) رواه مسلم من حديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فبين الرسول jأن الذابح لغير الله ملعون ـ واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ـ ونستفيد من هذه الآية والحديث فوائد مهمة:

‌أ- العموم في الذبح لغير الله , سواء كانت للأوثان والأصنام أو كان للجن أو كان مما نحن بصدده.

‌ب- العموم في الذابحين , فكل من ذبح لغير الله فهو داخل في اللعن.

‌ج- التحريم الشديد لأي نوع من أنواع الذبائح الممنوعة في الشرع, بدون استثناء لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لعن الله من ذبح لغير الله ) .

‌د- الحديث يبين أن الآية للعموم وهي: قوله تعالى: {وما أهل لغير الله به} وأما قوله: {وما ذبح على النصب} المائدة, فليست تفسيراً لقوله: (وما أهل لغير الله به) وإنما هي معطوفة على المحرمات قبلها , قال ابن عطية: (وما ذبح على النصب ليس جزءا مما أهل لغير الله به ...) ورجح هذا القول جمهور المفسرين, فتكون من باب عطف الخاص على العام.

وقد جاء عند أحمد وأبي داود من حديث أنس ابن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا عقر في الإسلام)) فاتضح من هذا أن الذبح الذي نحن بصدده وهو الهجيم أو العقر إلى آخره داخل تحت عموم الآية والحديث, وإذا كان داخلاً في العموم , فقد أفادت الآية والحديث أن هذا الذبح لغير الله , وإن فاعله ملعون, وكيف لا يكون كذلك؟! وهو صرف عبادة اختص الله بها نفسه دون غيره.



أمور تدل على أن الذبح المذكور أجنبي عن الإسلام

1- بقي الرسول j ثلاثة وعشرين سنة داعياً إلى الله وحاكماً بين المسلمين في قضايا كثيرة ولم يحصل قط أنه فعل هذا أو أشار إلى فعله إشارة فضلاً عن أن يرغب في هذا الفعل , بل حذر منه كما سبق.

2- لم يفعل هذا الصحابة في حياتهم كلها , وقد واجهوا قضايا كثيرة وحصلت مشاكل كبيرة ولم يحصل هذا قط , فدل هذا على أن الذبح هذا لا يجوز مع وجود المقتضى له وهي المشاكل التي هي من جنس المشاكل التي هي واقعة الآن في بلادنا.

3- لا نعلم وجود لهذا الذبح حتى بعد العصور المفضلة , باعتبار أن الفتن انتشرت , والبدع ظهرت , والمشاكل كثرت , وصار تمسك الناس بدينهم ضعيف إلا من رحمه الله سبحانه وتعالى.

4- لا نعلم وجود له في عرف الناس, لا في الجاهلية ولا في الإسلام, لا عند عالمهم ولا جاهلهم, ولا عند حاكمهم ولا محكومهم , وأكثر ما وجد في الجاهلية (العقر) عند موت الميت, كما ذكرنا حديث أنس الدال على ذلك.

5- وجود هذه القضية في اليمن مستنكرة, عند العقلاء في اليمن وغيره.

6- لم تكن موجودة في اليمن ـ إلا من عهد قريب ـ فقد عاش الآباء والأجداد القرون الكثيرة لا يعرفون هذا الذبح .

فدلت هذه الأوجه: على شؤم هذا الذبح, وإذا علمنا تحريم هذا الذبح, فلننظر إلى أضراره, لأن الإسلام لا يحرم شيئاً إلا لما فيه من أضرار تلحق بالمسلمين.



أضرار هذا الذبح

أضرار هذا الذبح كثيرة: أذكر منها ما تيسر وهي كالآتي:

1- قبول هذا الذبح تعاون على الإثم والعدوان , وكيف لا يكون كذلك!! وهو تعاون على تنفيذ ما حرم الله , وقد قال الله : {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.

2- فيه مضادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم , لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره...) رواه الطبراني والحاكم عن ابن عمر ـ وهو صحيح ـ وسيأتي توضيحه برقم أربعة.

3- الحاكم بالهجر حاكم بغير ما أنزل الله , وكيف لا يكون كذلك!! وقد جعل الحكم بالذبح إرضاء للخصم حالاً محل أحكام شرعية كثيرة يوضحها الآتي:

4- الحكم بهذا الذبح يؤدي إلى تعطيل حدود الله , ففي هذا الحكم تعطيل لأحكام القذف وأحكام السرقة والقتال العمد والضرب وتعطيل لأحكام الدية تارة وغير ذلك.

5- فيه تشريع أحكام جديدة , فالذي يسب فلاناً يقال له: اذبح كذا, والذي يلعن فلاناً يقال له: اذبح كذا, والذي يهدد فلاناً يقال له: اذبح كذا, وقد قال الله عز وجل: {أم لهم من شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} الشورى .

6- فيه نسبة النقص إلى الشريعة , بلسان الحال ولا بد أو بلسان المقال, وهذا خلاف قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتمتت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة, لأن ديننا لم يشرع مثل هذا, بل نهى عنه, وقد روي عن الإمام مالك أنه قال: (من ابتدع بدعة في الإسلام فقد زعم أن محمداً خان الرسالة).

7- رد حلول الاختلافات والتنازعات لغير الكتاب والسنة ينافي الإيمان, قال الله: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} النساء، وقال الله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} النساء، ورحم الله ابن تيمية حيث قال: (لا يفصل النزاع بين الناس إلا كتاب منزل من عند الله , ولو ردت القضايا إلى العقول فكل الناس لهم عقول) قلت: فإلى عقل من نحتكم به.

8- فيه فتح أبواب الفتن, وكيف لا يكون هذا فاتحاً أبواب الفتن!! وأنت ترى أنه سبب للوقوع في الآتي:

‌أ- أنهم لا يراقبون الله ولا يخافونه, لأنهم صاروا مقتنعين بأن الحكم عليهم أن يذبحوا كذا وكذا, فهم عند أن ارتكبوا هذا الذنب ينظرون إلى هذا الحكم ولا يكترثون من عذاب الله على ما ارتكبوه , بل يروا أنهم قد أدوا ما عليهم بقبول هذا الحكم , فوا حسرتاه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

‌ب- القوي تزداد صولته على الضعيف , فينفذ غرضه ويشفي غيضه ويأتي رافعاً رأسه, وكونه يذبح كذا وكذا هذا في نظره أمره سهل جداً , وإذا كان هذا كذلك فهو بإمكانه يعود إلى هذا الفعل مرات وكرات مع الأول أو مع غيره من الناس.

‌ج- هذا الحكم يجلب للناس التعصب لهذا الباطل, لأن المجني عليه لا يرى لنفسه قيمة إلا إذا نفذ هذا الحكم, فقد يبذل الجاني لصاحب الحق أكثر مما يطلب منه فيأبى إلا هذا الحكم, والحاكم إذا حكم بهذا الحكم قبل حكمه وإلا فلا, فيحصل الانتصار لهذا الشر من قبل المحكوم له والمحكوم عليه والحاكم به إلا من رحم الله.

‌د- العقوبة بهذا الذبح ليست زاجرة للجاني ولا لعمومية الناس مثل إقامة الحدود الشرعية, كما هو واضح مما سبق ذكره.

فعلى ما تقدم فالذبح المذكور في السؤال يكون شركاً أكبر إذا حصل التعظيم والقربة بهذا الذبح من الذابح للمذبوح له , لأنه صرف في هذه الحالة عبادة على وجه التعظيم والقربة للمخلوق, فهو من جنس ما يفعله المشركون عند الأوثان تعظيماً لها وتقرباً, وإذا لم يقصد به التقرب والتعظيم, فهو ذبح محرم , لأنه لم يخرج عن أن يكون ذبحاً لغير الله داخلاً في قوله عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله من ذبح لغير الله)) والمسلم يبتعد عن الذبح لغير الله خشية الوقوع في الشرك أعاذنا الله من ذلك.

فقد جاء عن طارق ابن شهاب عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب , قالوا : وكيف يا رسول الله ؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً , فقالوا لأحدهما : قرب , قال: ليس عندي شيء أقرب, قالوا: قرب ولو ذباباً, فقرب ذباباً, فخلوا سبيله ,فدخل النار, وقالوا للآخر: قرب فقال: ما كنت لأقرب شيئاً دون الله عز وجل , فضربوا عنقه , فدخل الجنة) رواه أحمد وأبو داود والصحيح أنه موقوف على سلمان وليس له حكم الرفع , ولكن معناه صحيح , فمن تقرب إلى مخلوق ولو بذبيحة عصفور فقد وقع في الشرك ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تنبيه: لا يجوز لأي مسلم ومسلمة أن يأكلوا من الذبيحة المذكورة لأنها داخلة في قوله: {وما أهل به لغير الله} وأيضاً قد حرم الرسول صلى الله عليه وسلم أكل ذبائح أقل شراً من هذه الذبيحة , ومن ذلك ما أخرجه النسائي عن ابن عباس قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب) ـ والمعاقرة هي: ذبح الإبل عند المباراة ـ ومن حديثه أيضاً قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام المتباريين أن يؤكل) رواه أبو داود والحاكم وهو صحيح .



الحكم بالهجر إهانة للمعتدى عليه

لم ينتبه كثير من الناس إلى أن الهجر إهانة للمجني عليه , وكيف لا؟! والمعتدي يصول على المعتدى عليه إلى حد أن يسفك دمه أو يزهق روحه , وبعد هذا يقال له : أعط له لحم الثور أو غنم , فهل كرامة المسلم صارت لا تتجاوز قطعة لحم ؟ فالمدرك لهذه الإهانة لو يعطى ألف ثور ما كان ذلك مجزئاً عن حقه , ومع الأسف أن الناس يرون أن حصول الهجر كاف في رد اعتبار الشخص , ويصير ذلك المجني عليه يشعر أنه قد رد اعتباره بعد أن كسر شرفه , ويا عيباه إن حكم للشخص المجني عليه بالهجر ثم يرفضه , بل إذا حصل ذلك تتحول القضية كأنه هو المتعدي الظالم الآثم , وعلى كل لا يقبل الهجر إلا من كان جاهل بكرامته أو غير مبال بحقوقه التي تحفظ بها كرامته , وهنا لطيفة حصل أن مجموعة من البدو في اليمن قاموا بضرب أحد الخواجة لأنه جعل خط الطريق في أراضيهم , وبعد أن ضربوه حتى كاد يموت , جاءوا إليه بثور قالوا : هذا هجر لك فقال : ما ضربني هذا وليس بيني وبين هذا شيء .



الحكم بالعقر انتصار للجاني فقط

مما ينبغي أن يدرك هو أن الحُكم بالهجر نصراً للجاني فقط , ولقصر نظرة بعض الناس في هذا يتباكون على الحكم بالهجر , قائلين : أن الفتن تحل به بسرعة , والحقيقة أنها تحل من جانب الجاني فقط , فقد كان يخاف من يضرب أو يقتل أو يسجن كذا زمان , فنجي من هذا كله , وأما المجني عليه فما معه إلا قطعة لحم , وقد يكون ممن يخاف الوقوع في الشرك إن ذبح الهجر , فيقول : مقبول مردود , وبهذا التعاون مع المعتدين تفتح أبواب الفتن حقاً ,ويصير من أخطأ عليه أخوه يكلمه فما عنده إلا أن يضربه أو يقبله أو غير ذلك لأنه لا يخشى عاقبة , وبهذا تكثر الفتن في وسط المجتمع ويزداد الاندفاع إليها , ويصير من يفعل هذا هو شجاع , فكم من شجاع ذهبت شجاعته بسبب هذه الإهانة ولا حول ولا قوة إلا بالله .



المحكوم له بالهجر يحرم أجر العفو والصفح عند الله

إن الله قد تفضل على من يعفوا عن المسيئين والمعتدين ابتغاء وجهه بأجر عظيم , قال الله: ( فمن عفى وأصلح فأجره على الله ) الشورى , وقال سبحانه: ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) المائدة .

فالذي يتنازل عن حق له بسبب أنه حكم له بذبيحة تعقر عنده يحرم من الأجر الذي وعد الله به العافين عن الناس ,لأنه لم يتنازل عن حقه ابتغاء مرضات الله , فهل يرضى بهذا عاقل !! .



أقوال العلماء في الذبح للمجني عليه

وبما أن هذه البدعة حدثت قريباً , فلم تجد أقوالاً للعلماء المتقدمين ـ اليمنيين ـ وحسبنا أننا نجد أقوال العلماء الذين ظهرت هذه البدعة وهم متواجدون ومنهم:

1- العلامة محمد ابن إسماعيل الأمير فقد ألف رسالة مختصرة في بيان حكم الذبح للقبور وغيرها, وقد ذكر بالنص قائلاً: (ومن ذلك الذبح لرضا السوق كما تفعله القبائل) ص (43).

2- العلامة محمد ابن علي الشوكاني ـ رحمه الله ـ ذكر في رسالته "الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد " ـ وهي مطبوعة ضمن الرسائل السلفية له ـ كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ نقله من الاقتضاء , ومقتضى الكلام : ( أن كل ما ذبح وقصد به غير الله وإن سمى الذابح فهو حرام ) .

3- الشيخ مقبل ابن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ فقد بح صوته من كثرة التحذير من هذا الذبح , وأشرطته وكتبه طافحة بذكر ذلك , فقد تكلم عنه في " المخرج من الفتنة " وكذلك في كتاب " إجابة السائل على أهم المسائل " وغيرهما .

4- الشيخ عبد العزيز ابن عبد الله ابن باز ـ رحمه الله ـ فقد سئل عن حكم العقيرة فأجاب قائلاًَ: ( الذي يظهر لنا من الشرع المطهر أن هذه العقائر لا تجوز لوجوه : أولها : أن هذه من سنة الجاهلية , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عقر في الإسلام)) والثاني: أن هذا العمل يقصد منه تعظيم صاحب الحق والتقرب إليه بالعقيرة, وهذا من جنس ما يفعله المشركون من الذبح لغير الله, ومن جنس ما يفعله بعض الناس من الذبح عند قدوم بعض العظماء, وقد قال جماعة من العلماء: إن هذا يعتبر من الذبح لغير الله, وذلك لا يجوز, بل هو في الجملة من الشرك, كما قال سبحانه: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} والنسك هو: الذبح, قرنه إليه بالصلاة لعظم شأنه, فدل ذلك على أن الذبح يجب أن يكون لله وحده, كما أن الصلاة لله وحده , وقد قال الله: {إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر} وقال النبي j: )) لعن الله من ذبح لغير الله(( الثالث: إن هذا العمل من حكم الجاهلية, وقد قال الله: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} وفيه مشابهة لأعمال عباد الأموات والأشجار والأحجار كما تقدم, فالواجب تركه وفيما شرع الله من الأحكام ووجوه الإصلاح ما ينبغي ويكفى عن هذا الحكم, والله ولي التوفيق) انظر "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"1/ 446ـ 447

5- وهناك فتوى للجنة الدائمة حول هذه المسألة, انظر "فتاوى العقيدة" 1/139ـ 140، الجواب على السؤال الثاني من الفتوى رقم (1984).

6- الشيخ محمد ابن عبد الوهاب الوصابي ـ حفظه الله ـ فقد سمعنا منه أكثر من مرة يفتي بتحريمه.



البديل عن هذا الحكم وهو الذبح لإرضاء فلان

اعلم أن الإسلام دعا المتخاصمين إلى حلول عظيمة لمشكلاتهم, ومن المعلوم أن المشاكل كثيرة ومتفاوتة, وهكذا الحلول كثيرة ومتفاوتة ومن هذه الحلول :

1- العفو من المجني عليه, إن كانت مما يقبل فيه العفو, وفي العفو مصلحة.

2- الدية, إن كانت الجناية مما تقبل فيها الدية.

3- القصاص, إن كانت مما يقبل فيها القصاص.

4- الصلح, إن كانت مما يقبل فيها الصلح.

5- الاستضافة, من قبل الجاني للمجني عليه, بل ينبغي أن يحرص على ذلك حتى الحاكم والمصلح بين المختلفين, فليحسن الجاني ضيافة المجني عليه, فإن هذا من أعظم أسباب التقارب والتصالح, وعلى كل فهذه البدائل عن الحكم المشئوم تستوعب كل قضايا الأمة لا يند عنها شيء.



أنواع التأديبات الجائزة شرعاً على الجاني

أنواع التأديبات كثيرة ويشترط أن لا يكون فيها ارتكاب محرم أو ترك واجب أوجبه الله على الجاني وهي كالآتي:

1- التأديب بالمال, وقد أدب النبي صلى الله عليه وسلم بالمال, راجع "الطرق الحكمية" لابن القيم ـ رحمه الله ـ والتأديب بالمال إما بإتلافه أو بأخذه والانتفاع به, والمطلوب أن يراعى في هذه المصلحة الشرعية التي تعود على الجاني والمجني عليه, ولا يكون الغرض هو الحصول على المال ليناله أشخاص, ولا يكون الحكم دائماً بالمال, فإن هذا مخالف للقرآن والسنة.

2- التأديب بالسجن, مع مراعاة الآداب الشرعية والأحكام.

3- يؤدب بالكلام الزاجر.

4- التأديب بالهجر, على حسب المصلحة, وهذه التأديبات نافعة جداً إذا نفذت على وجهها الشرعي.



مسائل تتعلق بموضوع الذبح لفلان من فلان

مسألة : ما حكم من عمل هذا العمل وهو جاهل لا يعرف أنه حرام؟

الجواب كالآتي:

1- إن كان لا يعلمه بسبب أنه لا يسأل أهل العلم مع إمكان ذلك ولا يهمه ذلك فهو آثم لعدم الرجوع إليهم, لأن الله قد أمره بسؤالهم حيث قال: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} النحل.

2- وإن كان جهله بسبب من يستفتيهم في بلده, فيفتونه بجواز ذلك فلا إثم عليه, والإثم عليهم, وأما بعد أن تكلم العلماء على تحريم الذبيحة المذكورة وانتشر كلامهم المدعوم بالبراهين الشرعية وبلغ إليه ولم يتركها فلا عذر له في ذلك.

مسألة: ما حكم الذبح بين يدي السلطان عند قدومه؟

الجواب: الذبح له شرك أكبر إذا كان على وجه التعظيم والقربة, وهو من جنس ذبائح المشركين لأصنامهم, وإن كان خالياً من التعظيم والقربة فهو محرم, وحكم أكل هذه الذبيحة حكم ذبيحة الهجر وقد سبق بيانه.

مسألة: إذا حكم الحاكم أن يساق المذبوح ولا يذبح فهل يجوز هذا؟

الجواب: لا يجوز هذا الحكم, لأنه بغير ما أنزل الله, وإذا كان بغير ما أنزل الله فالحاكم والمحكوم واقعان في الظلم , قال الله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الظالمون} المائدة, وأيضاً فيه فتح الذريعة إلى الشرك.

مسألة: إذا ذبح الهجيم أصحاب المجني عليه فهل يرتفع الشرك؟

الجواب: نعم هنا لم يحصل الشرك , لأن الذبح من قبل الجاني لم يحصل وإذا لم يحصل فلم يحصل التقرب إلى المخلوق بإراقة الدم, وأما المجني عليه فإن شاء ذبحها وإن شاء ذبح غيرها, فلا يقع الشرك بقبوله الحيوان, نعم حصل قبول الحكم بغير الحق والله يقول: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} النساء .

مسألة: أحياناً يحكم الحاكم بين المتخاصمين أن يبقى مدة أيام عند كل واحد منهما يذبح له فيها تغريماً لهما, فهل يصلح هذا؟

الجواب: هذا حكم من أجل شبع البطون, وقد قال الله: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} النساء, فالذي يسعى بين الناس للإصلاح بحاجة إلى الإخلاص لله, لا لأخذ أموال الناس وأكل مواشيهم, فليحذر المسلم من سلوك طريق استغلال الفرص للتسلط على الناس بصورة وبأخرى.

مسألة: ما حكم الذبح للمكان الذي وقع الاعتداء فيه كالمدرسة أو مبنى حكومي أو نحو ذلك؟

الجواب: الذبح لهذا المكان حرام , لأنه داخل في قوله عليه الصلاة والسلام: ( لعن الله من ذبح لغير الله) رواه مسلم.



شبه من يجوزون مثل هذا الذبح والرد عليها

بعض الناس يتعلقون بشبه ومنها:

الشبهة الأولى: أن الذبح لإرضاء فلان وتسكين ثائرته هو بمنزلة الذباحة للضيافة, وهذا القياس غير صحيح لوجود فوارق ظاهرة ومنها:

1- الذباحة لإرضاء فلان فيه أدلة وبراهين دالة على تحريمها كما تقدم, فلا يصح القياس إطلاقاً هنا, لأن القياس يشترط فيه أن يكون المقيس ليس عليه براهين تدل عليه وهي هنا موجودة , فلا قياس مع النص كما هي القاعدة المجمع عليها.

2- الذباحة لإرضاء فلان أو فلان داخلة تحت الحرام, والذباحة للضيافة داخلة تحت الواجب أو المستحب.

3- الضيافة يقوم بها من ليس جاني ولا مجني عليه, والذباحة لإرضاء الخصم يقوم بها الجاني لإرضاء الخصم .

4- الضيافة يقوم على الذباحة من قبل المضيف أو يشتري لحماً أو يكون عنده لحم مدخر أو لا يذبح بالكلية , وأما الذباحة لإرضاء الخصم فلا يقبل منه أن يأتي بلحم أو يأتي بدون لحم, كأن يأتي بمال أو يقول للخصم أشتري المذبوح واذبحه هذا كله لا يقبل من الجاني وإنما يذبحه هو.

5- المضيف يذبح متى أراد وفي أي مكان شاء , فإذا كان الضيف سيأتي في الظهر فهو يذبح في الصبح ولا يحتاج حضور الضيف إلا ليأكل , أما الذي يذبح لإرضاء الخصم فلا يقبل منه أن يذبح إلا عند الخصم الذي يريد إرضاءه وبوجوده.

6- الضيافة يقوم بها صاحبها إكراماً واحتراماً لأي شخص, وأما الذباحة فإنه يقوم بها الجاني لإرضاء الخصم.

7- الذباحة في الضيافة, الشخص يفعل هذا باختياره ورغبته في الإكرام, وأما الذباحة لإرضاء الخصم فيفعلها الشخص مجبوراً من قبل من حكم عليه بذلك, وإن لم يصل هو أو من ينوب عنه لم تقبل الذبيحة.

8- الذباحة للضيافة القصد منها الأكل, وأما الذباحة للخصم فالقصد منها إرضاء الخصم, لأنه إن لم يرض لم تحتل المشكلة, وكفى بهذا فارقاً.

9- الذباحة للضيافة ليس للضيف أن يتحكم في رد المذبوح, أما الذباحة للخصم فإن الخصم له أن يطلب رد الذبيحة وأن لا تذبح .

الشبهة الثانية: يقول القائل: الجاني هو مكره عند أن يأتي بالذبيحة للخصم.

والرد على هذه الشبة من وجوه وهي كالآتي :

1- الواقع أن أغلب الناس الذين يقدمون الذبيحة للمجني عليه يكونون في غاية الفرح, إما لأنه نفذ غرضه وانحلت المشكلة, وإما لأنه كان يتوقع أنه سيعاقب بعقوبة أكبر من هذا, فهذه أخف عليه فكيف لا يفرح!! فأغلب هؤلاء فرحون وعلى هذا فالنادر لا حكم له.

2- لو سلمنا جدلاً أنه مكره, فالإكراه هنا غير تام, لإنه غير ملجئ إلى التلف أو أمر خطير, بل هناك من يرفض الحكم بالهجر إما تدينا وإما أنه يراه فوق طاقته فيذهب أحد أقربائه بالنيابة عنه, فالإكراه هنا ليس بتام فلا يكون له حكم المكره فيعذره.

الشبهة الثالثة: يقول قائلهم: ليس هذا الفعل محرماً, لأن الجاني يصل بالمذبوح ويسمي الله عند أن يذبح ويفهمون أن التسمية كافية لرفع الحرام.

والرد على هذه الشبهة من وجوه:

1- أن التسمية ليست هي النية والقصد, بل النية غير التسمية, ولهذا لو سمى الله الذابح وهو ينوي هذه الذبيحة للقبر الفلاني الحكم عليه بأنه متقرب للضريح.

2- أن الذين حملوا على أن التسمية كافية قوله سبحانه: {وما أهل لغير الله به} المائدة أن المراد بالآية التسمية, والصحيح أن الآية تشمل الأمرين، وهي أظهر في قصد التقرب إلى غيره سبحانه.

3- تحصل التسمية عند الذبح فقط, وأما النية والمقصد فُهِم من قبل هذا, فالشخص الذي يربي مذبوحاً ليذبحه لصاحب القبر هو ناوي ذلك من مدة كبيرة, بل قد تستمر هذه النية العمر كله والذي يذبح إرضاء للخصم هو يذهب يشتري ويبحث عن المذبوح ويتحرك ويحدد يوماً من أجل هذا المقصد, فاتضح من هذا كله أن التسمية إن حصلت لم تكن كافية في حل الذبيحة مع فساد النية.

4- التسمية من باب الاستعانة بالله, والنية من باب العبادة لله, والعبادة مطلوبة من العبد فإذا جاء بالاستعانة ولم يأت بالعبادة لكان غير عابد لله.

الشبهة الرابعة: يقول بعض الناس: إذا لم نحكم بمذبوح على الجاني للمجني عليه زادت الفتن واتسعت دائرتها, فلا نجد حلاً لهذه المشاكل إلا الحكم به.

والرد على هذه الشبهة من وجوه :

1- قد تقدم أن ذكرنا حلولاً كثيرة ترضي الله وتصلح بها الأحوال ومن لم يسعه الحق فلا وسع الله عليه, وهي قائمة على العدل والرحمة فقولهم : إن هذا هو الحل الوحيد للمشاكل غلو في الباطل.

2- لو سألناهم قائلين لهم: ها هو العالم من حولكم لا يحكم بهذا الحكم فهل انسدت عليهم الأبواب؟

3- من كان لأهل اليمن قبل هذا الحكم؟ فهل يستطيع هؤلاء أن يقولوا إن آباءنا من بعثة الرسول j إلى أن جاء الحكم المذكور كانوا في ضياع , فأنقذهم هذا الحكم؟ أم أن الأمر بعكس هذا؟

4- كونهم يحلون المشاكل بهذا الحكم ويقبله الناس وتنتهي نوعاً (ما), هذا لا يدل على أن هذا الحكم قد صار حقاً ولا نافعاً, لأن الحق ما وافق الحق أما ما خالفه فهو باطل وإن رآه من رآه حسناً.

5- قد سبق أن ذكرنا أضراراً كثيرة تلحق بالمسلمين بسبب الحكم بهذا الحكم أو قبوله فلا داعي أبداً للتقليل من شأن الحق والترقيع من شأن الباطل والدفاع عنه.

6- ها هم الأخيار من علماء المسلمين وغيرهم يقومون بحل نزاعات عظيمة وخصومات كبيرة بين الناس دون احتياج إلى الحكم بالهجر أو غيره مما خالف الشرع, وهذا كاف في إثبات بطلان هذا القول.



شروط يجب توفرها في المصلحين بين الناس

من المعلوم قطعاً أن الواجب على كل مسلم أن يسعى في إصلاح نفسه أولا وفي إصلاح غيره ما استطاع, وهذا هو الكمال.

ولا يخفى علينا أهمية وجود المصلحين وعلو منزلتهم في الشريعة وعظيم إكرام الله لهم, فقد قال الله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما} النساء.

ولا يمكن يعطى المصلح هذا الخير إلا إذا توافرت فيه ثلاثة شروط:

1- الحكم بالحق, أما إذا خالف فهو مفسد وإن كان اسمه مصلحا.

2- الإخلاص لله, لئلا يفعل ذلك رياءً ولا سمعة ولا طلباً لجاه ولا لمنصب ولا لمال.

3- أن يكون معتقده صحيحاً, لأن المعتقد الفاسد يحبط الأعمال الصالحة ويفسدها كما يفسد السم العسل.



نصائح مختصرة نافعة

1- أدعو أهل الحل والعقد من مشائخ قبائل وعقال وأعيان ومسئولين في الدولة إلى أن يغتنموا فرصة حياتهم ووجودهم وقبول الناس لهم ولأحكامهم , فليكونوا شجعانا في قول الحق الموافق للشرع, والشجاعة التي هي ثبات القلب هي: المطلوبة شرعاً لأنها قوة قلبية تظهر صاحبها أنه مع الحق ولا يخشى الناس, بل يخشى عليهم وعلى نفسه من عذاب الله إذا حصل التفريط والمخالفة.

2- أدعو كل مسلم إلى أن يكون شجاعاً حقاً, يقول لمن يحكم عليه أن يذبح لفلان: اتق الله فإن هذا الحكم مخالفاً لشرع الله, وينصح له برفق ولين وحكمة , فإن أصر على حكمه قال له : اقطع رأسي ولا تطلب مني أن أذبح لفلان , ويقول أيضاً: أرحل من البلاد ولا أعمل هذا, ويقول: أدخل السجن ولا أعمل هذا, والغيرة على الدين والشجاعة إنما تعرف في هذه المواقف فلا تورط نفسك بالذهاب إلى حاكم غاشم يحكم بغير ما أنزل الله, تذهب تتحاكم إلى من يحكم على فلان أن يذبح لفلان, فتكون قد جررت النار إلى قدمك.

3- استعمال الصبر المناسب للمقام ولا بد, فإن الصبر بلسم للجراحات.

4- الدعاء على الجاني, فقد دعا بعض الصحابة على من ظلمهم - ولكن بدون تجاوز - واستجاب الله دعاءهم، وحصل لمن ظلمهم عواقب وخيمة.

5- تذكير الجاني بعذاب الله وبطشه, فقد قال الرسول j: ((أبا مسعود لله أقدر عليك منك على هذا, فقال أبو مسعود: والله لا أضرب غلاماً بعده أبدا)) رواه مسلم.

6- أدعو الجاني والمجني عليه إلى الاعتراف كل بخطئه, وهنا يستريح الناس وتسير الأمور إلى السداد.

7- أنصح للشهود والمناصرين والحكام في قضايا الناس أن يلزموا العدل دون تعصب لأحد, فإن العدل قامت به السماوات والتعصب يفسد القضايا ويصور الباطل حقا والحق باطلا.

8- قيام جميع الأخيار في وجه المبطل ولا يهابونه, بل يحرصون على تحقيق الحق رضي أم سخط أحب أم كره أدرك ذلك أم جهله.



الخاتمة

الحمد لله لقد يسر الله لي كتابة هذه الرسالة التي دعت الحاجة إليها وعظمة الرغبة في الإصلاح بسببها في مسألة الذبح.

نسأل الله قبولها وتيسير النفع بها, فحري بنا السعي لإزالة هذا المنكر العظيم, والله الهادي إلى الصراط المستقيم.

انتهينا من تعديل النسخة في 8/2/1425هـ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.