المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "الاحترام": قيمة ومطلب نبيل



memainzin
07-15-2009, 11:57 AM
"الاحترام": قيمة ومطلب نبيل

العلاقات الإنسانية يقدر الجميع أهمية وقيمة الاحترام. فليس هناك اختلاف على أن الاحترام بجميع أنواعه أمر مهم جداً في أي مجتمع. احترام الصغير للكبير، الزوج لزوجته، الزميل لزميله، الأبناء لأهلهم، المرؤوس لرئيسه... إلخ، باختصار: احترام الإنسان لأخيه الإنسان بصفة عامة. ولو تخيلنا عكس ذلك لاندلعت المشكلات في كل مكان ولما استقام حال الدنيا. هناك الكثير الذي يمكن أن يقال عن الاحترام: أنواعه المختلفة، من احترام حقيقي، بروتوكولي واجتماعي، تباين المفاهيم حسب المجتمعات والثقافات. ومثال ذلك احترام الصغار للكبار واختلاف التعبير عنه في كل مجتمع عن الآخر. ومن الممكن أن يتوفر الاحترام بدون الاتفاق في الرأي والعكس صحيح. ولكن من المهم في كل الحالات ضرورة توفر عنصر المعرفة للطرف الآخر من أجل الوصول إلى الاحترام الحقيقي قبل أن تنشأ أي نوع من العلاقة المستديمة بين الطرفين كما يؤكد د. أحمد جاد استشاري الطب النفسي بمستشفى الملك فيصل ومركز الأبحاث، ويضيف: الاحترام قيمة معنوية حضارية يحث عليها الدين الحنيف { ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً}. ونحن نلاحظ أن المجتمعات العربية بالذات يترعرع فيها الأبناء على احترام الآباء والأمهات وكبار السن في العائلة. وقد كان هذا الاحترام يصل إلى درجة كبيرة من التبجيل تمنـع الأبنــاء من أي مناقشـــة أو اعتـــراض على ما يقولــه من هــم أكبر منهم. ولكن تغيرت تلك الصورة حالياً إلى تبجيل أقل واعتراض ومناقشة أكثر مع استمــرار المبدأ الأساس وهو ضرورة تواجد الاحترام. الاحترام عكس التسلط! ويؤكد د. جاد أن الاحترام في الطب النفسي هو عكس السيطرة والتسلط على الآخرين. وهذا يعني أن أحترم الآخر بصفاته وشخصيته الخاصة به. وألا أفرض عليه أن يتشكل بالطريقة التي تلائمني أنا ، وألا يختفي احترامي له! وهذا لا يتنافى مع إمكانية التكيف التي يمكن أن يسعى إليها الشخص لتحسين علاقاته بالآخرين.. ومثال ذلك العلاقة الزوجية واحترام كل طرف للآخر ولطباعه وشخصيته مع إمكانية تكيفه معه قدر الإمكان، وهذا النوع من الاحترام يتطلب المعرفة الحقيقية بخصال وطباع الطرف الآخر، نقاط ضعفه ومواطن قوته.. ثم الاستعداد لقبول الشخص في مجمله بمميزاته وعيوبه.. أي احترام نقاط ضعفه..والشيء نفسه يفعله الطرف الآخر.. وبذلك تسير الأمور بسلاسة وبدون صراعات. الاحترام يقاس أيضاً بمدى شعور الشخص نفسه بالاستقرار النفسي داخله. فكلما كان مستقراً داخلياً كان قادراً على احترام الآخرين حتى لو كانوا أصغر منه مركزاً أو سناً. لن يكون هناك ندم لو أنه بدأ باحترام شخص ما ثم لم يبادله الاحترام نفسه.. إنه هنا يعبر عن مدى نضجه النفسي داخلياً ولا ينتظر أي مقابل. إن الشخص المحترم لن يتدخل في شؤون الآخرين ولن يتأفف مما يأتونه من أفعال لا يوافق عليها ولكنها تخصهم فقط. إنه يرسم لنفسه حدوداً في التعامل مع الآخرين لا يتعداها ويكون الهدف الأساس فيها هو احترام خصوصياتهم وحريتهم الشخصية. يقول د. أحمد جاد: إن توازن الإنسان النفساني سيجعله لا يلفظ الرأي الآخر حتى لو اختلف معه.. سيحترمه حتى لو لم يعمل به! هذه النظرة الموضوعية للأشياء هي نتاج عملية الاحترام والذي تولد من الشعور الداخلي بالإشباع والطمأنينة والثقة بالنفس.. لن يهزها رأي آخر أو انتقاد لها. إن الشعور الداخلي «بالامتلاء» والثقة بالنفس يجعل التفاعل مع الوسط الخارجي، أي في التعامل مع الناس، متوازناً، ناضجاً.. ومحترماً. إن عدم الاستقرار الداخلي، أي عدم الثقة بالنفس، سيؤدي إلى شعور مستمر بالضعف والهشاشة والتي ينتج عنها الحذر والحيطة في التعامل مع الناس لئلا يكتشف هذا الضعف وهذه الهشاشة الداخلية. وستكون تصرفات الشخص تتجه للشك فيمن حوله، في آرائهم وتصرفاتهم والتي سيعتبرها موجهة لشخصه. فيتصور أنهم يستهزئون به ولا يقدرونه فقط لأنهم يجادلونه فيما يقول أو ينتقدون آراءه... كل هذا لأنه يخشى أن يكشفوا ضعفه الداخلي.. وهو ما لا يحتمله. فيكون رد فعله عدم الاحترام في الرد والتشدد أكثر في الأفكار ثم الانعزال والتقوقع. ويمكن أن نشبه هذه الشخصية بالبيضة، فهي تبدو صلبة من قشرتها الخارجية.. أي قوية الشخصية، ولكن هذه الصلابة تخفي وراءها هشاشة كبيرة. فيتصرف هذا النوع من الشخصيات بأسلوب خارجي - مع الناس - يختلف تماماً عن طبيعته الحقيقية التي يعرفها ويخشى أن تنكشف للآخرين! إذا فالاحترام يبدأ أولاً بتقييم الذات. فإذا كان تقييمي لنفسي إيجابياً فستكون تصرفاتي تنم عن احترامي لذاتي ورغبتي في أن يحترمني الآخرون. ولذلك سأحترمهم لكي يعاملونني بالطريفة نفسها. ونحن - وبدون أن ندري - عندما نتعامل مع أي إنسان، فنحن نتصور أنفسنا نتقمص دوراً ما مع هذا الإنسان: أب - أخ - صديق.. إلخ. ويختلف هذا الدور على حسب الإنسان الذي نتعامل معه. فتارة نلعب دور الأب حتى ولو لم يكن هناك فارق في السن، الذي يسدي النصيحة للآخر ويحرص على مصلحته، وتارة أخرى يكون الآخر هو الأب وذلك عندما نكون نحن في حاجة لذلك، وفي أحيان أخرى نرى أنفسنا في موقع الرئيس الذي يعطي أوامر... وهكذا. ثم، وبدون أن ندري، نعطي أنفسنا كل حقوق الدور الذي تقمصناه! والمهم هنا ألا نتعالى على الشخص الذي نتعامل معه ونظل متواضعين.. أو بمعنى آخر نحترمه على أي وضع كان! بعد ذلك نتساءل - وبدون أن ندري - ما هي قيمتي بالنسبة للآخرين، أذكى؟ أفضل؟ أغنى؟ أكبر؟... إلخ. فلو أنني كنت ممتلئاً نفسياً ولدي نضوج.. فلن أتصور نفسي أفضل - حتى لو كنت أفضل - لأنني لن أكون بحاجة لإثبات ذلك بسبب اطمئناني لقدراتي ولثقتي في نفسي.. وسأتعامل مع الجميع بالاحترام نفسه. من هنا يتضح أن مفهوم الاحترام ليس بالشيء اليسير ولكنه عملية نفسية طويلة الأمد تتكون بالتدريج داخل الشخص وتؤدي إلى امتلاء الذات والشعور بالنضوج والاستقلالية ومن ثم سلاسة وبساطة التعامل مع الآخرين واحترامهم.. الصغير قبل الكبير، الفقير قبل الثري! الاحترام.. اجتماعياً والاحترام.. هو سلوك يرغب الناس به إذاً فهو قيمة اجتماعية تحكم عملية التفاعل الاجتماعي بين الناس ولها أهمية لا يستهان بها في تكوين الإطار المرجعي لسلوك الناس. يحدثنا عن ذلك بالتفصيل الاختصاصي الاجتماعي إبراهيم الحزر بمستشفى الملك فيصل التخصصي قائلاً إننا نرى الاختلاف من مجتمع إلى آخر فيما نطلق عليه «الاحترام»، فتمديد الرجلين أمام شخص آخر يعد في عرف بعض المجتمعات دلالة على قلة الاحترام لهذا الشخص، بينما في مجتمعات أخرى غير ذلك. وكذلك كنا نرى تقليداً كان يدل على الاحترام هو اليوم لا يحمل الدلالة نفسها، وهذا راجع إلى عملية التنشئة الاجتماعية التي نقصد بها بصورة بسيطة إكساب الطفل للعادات والتقاليد وأعراف المجتمع الذي يعيش فيه. وتوجد عوامل عدة تؤثر في عملية التنشئة الاجتماعية وبالتالي في السلوك الذي نطلق عليه «الاحترام». فالأسرة هي الجماعة الأولية التي تصبغ سلوك الطفل بالصبغة الاجتماعية، وقد طرأ تغير في دور الأسرة في مجتمعنا، فنجد أن علاقة الأب بالأبناء أصبح يسودها التفاهم والتشاور بدلاً من العلاقة السابقة التي اتصفت بالسلطة والخوف. وهذا شيء جيد ولكن صاحَبَهُ ابتعاد من الآباء بسبب ظروف العمل أو بحثهم عن التربية بعيداً عن الأسرة وهذا قلل فرص التلقي للأبناء واكتساب السلوكيات الحسنة. وهذا ينسحب على دور الأمهات أيضاً في كثير من الأسر وربما الاعتماد على الخادمات أضاف مؤثراً سلبياً أحياناً كثيرة في اكتساب الأبناء للسلوكيات الاجتماعية اللائقة. والأسرة غدت تعيش بعيداً عن الأقارب نتيجة البحث عن فرص العمل أو البحث عن المسكن المناسب فجعل عملية الضبط الاجتماعي للأبناء أخف مما قبل بالنسبة للتمسك بالعادات والتقاليد. ولثقافة المجتمع دور في تثبيت السلوك الاجتماعي وربما اختلاط المجتمع بثقافات أخرى وافدة عديدة عمل على عدم تركيز مرجع لسلوكيات بعض الأطفال والناشئة. وهذا يدفعنا للحديث عن وسائل الإعلام وخصوصاً التلفاز وما يبثه من أفلام لا تحمل خصائص مجتمعنا وقيمه، بل تركز على خصائص مجتمعات أخرى. يتمثل فيها البطل من يخرج على تقاليد وعادات مجتمعه. وكما نعرف أن الشباب يتقمص دور البطل ويتخذ سلوكه كمنهج له. فلم نعد نرى النموذج الذي يطمح إليه الشباب هو المحترم، المثابر، الذي يعير أهمية للآخرين، بل العكس من ذلك مع الأسف الشديد! والمدرسة تعنى بوظيفة التربية ونقل ثقافة المجتمع إلى الأجيال الصغيرة، وعلى ما يبدو خفت وظيفتها كعامل ضبط اجتماعي للطلاب وهذه الأسباب عدة ليس المجال لذكرها ويكفي ما نسمعه ونشاهده أمام المدارس من تجميع للطلاب وما يصاحبه من سلوك طائش أخرق. ويشدد إبراهيم الحرز على أهمية الدور الذي تلعبه جماعة الأقران من خلال التأثير في سلوك الفرد الاجتماعي. حيث يستجيب المراهق أحياناً لهذه الجماعة أكثر من استجابته لأسرته وظهور هذه الجماعات بسمة التحدي والخروج على العادات والتقاليد لأجل البروز والاستقلال. وهناك عوامل كثيرة لا يمكننا هنا أن نبينها ولكن نجمل القول بأن علينا أن ننظر إلى الاحترام كنسق اجتماعي للمجتمع أي له مدخلات ومخرجات ولكي تتكون المخرجات بالشكل الذي نرغب فعلينا أن نتحكم ما أمكننا بالمدخلات وألا ننسى أن العادات والتقاليد والأعراف تتغير من جيل إلى جيل، لذا لا يمكننا أن نقصر أبناءنا على ما تربينا عليه. المهم في هذه القضية حسب ما نعتقد – نحن المسلمين - هو أن نحافظ على ما أمرنا به الشرع الحنيف لأنه المحك الثابت لسلوكنا.

الرياض - منيرة محمدالشب