المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حاجتنا إلى فقه الواقع



أمَة الرحمن
07-28-2009, 04:17 PM
إن من أخص سمات التحرك السليم والمأمون العواقب في حياة الدعاة، ضرورة فقه الواقع بآلياته ومكوناته وتناقضاته والعناصر المؤثرة فيه والموجهة له ، سواء كانت مادية أم معنوية ،تاريخية وجغرافية وإجتماعية وإقتصادية وسياسية وفكرية وثقافية .


لأن الجهل بالواقع أو فقهه على غير حقيقته ، يفضي إلى عواقب وخيمة وغير مأمونة، فالسلوك الصحيح والتصرف السليم ، لايعدو أن يكون ثمرة للتصور الصحيح للواقع .

وفقه الشرع كذلك لابد أن يصاحبه فقه الواقع ، أو مقتضى الحال بالمصطلح الفقهي الأصولي ، حيث لايمكن الفصل بينهما في صناعة الحكم الشرعي ، والفتوى خاصة في النوازل والمتغيرات ، وقد ذكر العلامة إبن القيم رحمه الله :(أن الفقيه هومن يزاوج بين الواجب والواقع)،وقد فقه علماؤنا قديما هذا التزاوج ، وتعاملوا بمقتضاه مع كل الأقضية التي حدثت لهم في زمانهم ، فهذا الإمام إبن أبي زيد القيرواني المالكي رحمه الله صاحب كتاب الخلاصة الفقهية المشهورة في الفقه المالكي ، يقتني في عهده كلبا للحراسة مخالفا ماأثر عن صاحب المذهب إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله من كراهية ذلك ، فلما لامه من لامه على مخالفته لإمام المذهب قال: لو كان مالك في زماننا لأتخذ أسدا ضاريا، يعني أن الواقع قد تغير وإختلف ..

لذلك فإن التعامل مع الواقع بمنهجية صحيحة وسليمة ، وفقهه بمقتضى هذه المنهجية أمر في غاية الأهمية، ومقام الشهادة على الناس الذي أوكله الله عز وجل إلى هذه الأمة ، وهو من مقتضيات التفضيل والتمييز الذي منحها المولى سبحانه لها، ومقام الشهادة لابد له من الشهود والحضور ، إذ لاشهادة لغائب أو بعيد ، أو شهود كغياب كما قال الإمام علي رضي الله عنه وهو يصف بعض أصحابه ، ولايمكن أن يتحقق هذا الشهود والحضور لمن لايفقه واقعة أو يتجاهله أو ينعزل عنه ، وقد أكد المفكر المبدع مالك بن نبي رحمه الله هذه الحقيقة لمّا قال :(فالواقع أن الشاهد في أساسه هو الحاضر في عالم الآخرين ، والصفة الأولى المكتسبة لإثبات قيمة أي شهادة ، هي حضور الشاهد ، إذا كان متعينا على المسلم أن يقوم بالدور الملقى على عاتقه في الآية:( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا)(البقرة 143).

فهو مجبر على الحياة في إتصال وثيق بأكبر عدد من الذوات البشرية ومشاكلها كذلك ، ومن ثمّ يتعين على حضوره أن يعانق أقصى حد ممكن في المكان ، لكي تعانق شهادته أقصى كم ممكن من الوقائع، وعلاوة على ذلك فإن المسلم في هذه الحالة ليس صاحب دور سلبي محض، إذ أن حضوره نفسه يؤثر على الأشياء وعلى أعمال الآخرين ، فعندما يكون الشاهد حاضرا ، يمكن لحضوره فحسب أن يغير من سير الأحداث ، وأن يجنب الوقوع في المحظور، وعلى هذا فإن رسالة المسلم في عالم الآخرين لاتتمثل في ملاحظة الوقائع ، ولكن في تبديل مجرى الأحداث ، بردها إلى إتجاه الخير ماإستطاع).


خصائص الواقع:

1- قابلية الخطأ وعدم العصمة

إن الواقع ليس معصوماً فيمكن أن يقع فيه ما يخالف الشرائع والعقول ، لأنه من أفعال الناس وهم معرضون للخطأ والنسيان والإكراه كما جاء في الحديث ( كل ابن آدم خطاء ) ولم تضمن العصمة إلا للأنبياء .



2- البشرية

الواقع هو عبارة عن تصرفات الخلق وأعمال الناس ، وهم بشر تجري عليهم أحكام البشرية بكل خصائصها وطبائعها ، ولهذا نسب القرآن أفعال البشر إليهم في آيات كثيرة ، وهذا إذا أخرجنا من الواقع ما هو من أفعال الله تعالى وصنعه كوضع السنن الإلهية وإيقاع الكوارث العامة ونحو ذلك .



3- التنوع والتعـدد

من خصائص الواقع أنه متنوع الأشكال ومتعدد الصور، فالواقع في بلد يختلف عنه في بلد آخر، والواقع في زمان يختلف عنه في زمان آخر ، ولا نجد واقعين متشابهين من كل الجهات .



4- التغيّر والتحول

من خصائص الواقع أنه متغيّر الأطوار، متحوّل الأوصاف وليس هناك شيء ثابت غالباً كما قالوا : " دوام الحال من الحال" فقد يكون الناس في واقع حرب ثم يتحولون إلى واقع أمن وسلام ، وقد يكون واقع الناس الجهل فيتحولون إلى العلم ، وقد يكون واقعهم الفقر فيتغير إلى الغنى كما قال تعالى : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس )، وهذا ما ينطبق على واقع الأفراد أيضا ، فقد يعيش الشخص واقعا سيئا ثم يتحول مع الأيام إلى واقع حسن .

ومعرفة هذه الخصائص للواقع تدلنا على أن الواقع في حدّ ذاته ليس بحجة، ولا يصلح الاستدلال به في إثبات الحكم أو نفيه ، ولكنه قد يؤثر في الحكم أحياناً كما ستأتي الإشارة إليه.

إن الاستقراء الكامل لآيات القرآن الكريم يدلنا على أن التعريف بواقع الناس وأفكارهم وسلوكهم هو مقصد من مقاصد القرآن وهدف من أهدافه.

من ذلك : قوله تعالى:" وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين" سورة الأنعام 55 .

في الآية قراءتان، برفع اللام وفتحها، ويكون المعنى على قراءة الرفع: لتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين.ويكون المعنى على قراءة النصب:" ولتستبين أي يا محمد أو يا مخاطب سبيل المجرمين".

قال الإمام الطبري :" وأولى القراءتين بالصواب عندي في السبيل الرفع لأن الله تعالى ذكره فصّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبين الحق بها من الباطل جميع من خوطب بها لا بعض دون بعض"[5].

قال الإمام ابن القيم:" فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية فاستبان لهم السبيلان"[6]، وقال أيضاً :" وهذه حال المؤمن يكون فطناً حاذقاً أعرف الناس بالشر وأبعدهم منه، فإذا تكلم في الشرّ وأسبابه ظننته من شر الناس فإذا خالطته وعرفت طويته رأيته من أبرّ الناس"[7].

ومن ذلك أيضاً تقسيم الناس في سورة الفاتحة إلى مهتدين وضالين ومغضوب عليهم.

وفي بداية سورة البقرة نجد حديثاً واضحاً عن المؤمنين والكافرين والمنافقين، مع استطراد واضح في بيان طائفة المنافقين" ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ... ".

وقال فيهم أيضاً:" ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد".

وتحدث عنهم القرآن في سورة التوبة حديثاً يكشف عن طبائعهم وسلوكهم حتى سميت السورة بالفاضحة لأنها تفضح أحوال المنافقين .

وتحدث عنهم في سورة الأحزاب، وكشف عن نواياهم السيئة وتخذيلهم للأمة في الأزمات والمواقف التاريخية، كما أفردهم القرآن بسورة خاصة سميت بسورة المنافقين، وكشف القرآن عن دعاواهم وإثارتهم للفتن في المجتمع الإسلامي.

وهكذا تحدث القرآن عن اليهود وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوفهم ضد دعوته، وحرصهم على قتله وتأليب القبائل عليه، واستعرض القرآن تاريخهم الأسود مع الرسل والأنبياء من خلال قصص بني إسرائيل، وجعلهم القرآن في رأس قائمة العداوة فقال:" لتجدن أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى..".

هكذا تحدث القرآن عن النصارى وتاريخهم وطبائعهم وانحرافاتهم ومقالاتهم " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد..".


السنة النبوية وفقه الواقع :

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بصيراً بالواقع عالماً بأحوال الناس، وطبائع الرجال، وصور الخير والشر في المجتمع.


1- علمه بأحوال الأمم والملوك

ويظهر لنا هذا جلياً في توجيه أصحابه بمكة إلى الهجرة نحو الحبشة دون غيرها من البلاد مع قوله:" إن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد فلو خرجتم حتى يجعل الله لكم فرجاً"[8].

ومن ذلك علمه بطبائع الشعوب، وقوله لرجل من أصحابه لما ذهب إلى حي من أحياء العرب فسبوه وضربوه:" لو أن أهل عمان أتيت ما سبّوك ولا ضربوك"رواه مسلم.

وقوله :" أتاكم أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً الفقه يمان والحكمة يمانية" متفق عليه.

بل إنه صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال:" إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله.." متفق عليه، فعرفه بحال القوم حتى يستعد لهم بما يناسبهم .


2- علمه بطبائع الأفراد وأخلاقهم

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقرؤهم بكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد بسند صحيح.

وفي هذا شواهد كثيرة بمراجعة أبواب المناقب والفضائل في كتب السنة.


3- علمه بالمقالات الباطلة والديانات الفاسدة

لما قدم عدي بن حاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لعدي:" يا عدي ابن حاتم أسلم تسلم-ثلاثا- قال :قلت: إني على دين، قال"أنا أعلم بدينك منك،فقلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال: نعم ألست من الركوسية؟ وأنت تأكل مرباع قومك؟قلت: بلى، قال:هذا لا يحلّ في دينك. قال: نعم، فلم يعد أن قالها، فتواضعت لها، قال: أما إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد سمعت بها، قال: فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير أحد.."[9].


4- طلبه لأخبار الناس ولا سيما الأعداء

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب:" من يأتيني بخبر القوم؟ قال الزبير : أنا ثم قال: من يأتني بخبر القوم، قال: الزبير أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن لكل نبي حوارياً، وحواريَّ الزبير" رواه البخاري برقم 2847، وهذا من باب الحذر منهم كما في قوله تعالى :" ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم"


ـــ نواقض الفقه السليم للواقع:

ومما يتنافى والفقه السليم للواقع ، ويناقضه وينقضه :

1) ــ العشوائية والفوضى والإرتجال و سوء التقدير.

2) ــ المبالغة المفرطة في تقييم القدرات المختلفة ، وذلك بتضخيم الهين وتهوين العظيم.

3) ــ غياب وتغييب فقه السنن الكونية الجارية والخارقة.

4) ــ الفقر العلمي والمعرفي والثقافي وضعف الإلمام بالمعطيات والمستجدات.

5) ــ تشوش الأولويات وإضطراب ترتيبها.

6) ــ التحديد الخاطيء لخارطة الأعداء والخصوم ، وكذلك الأصدقاء .

7) ــ التخلف والقصور في توظيف الوسائل الحديثة وإستخدامها .

8) ــ الفهم الخاطيء والممارسة الخاطئة للإستعلاء والولاء والبراء.

9)ــ الإنكماش على الذات والشعور بالقداسة والطهر المطلق والنقاء التام، مع المثالية الجانحة.

10) ــ الأحكام المسبقة والصور النمطية



ـــ مستلزمات الفقه السليم للواقع:

ومما يساعد على الفقه السليم للواقع ، ويكسب الطريقة المثلى للتعامل معه:

1) ــ المتابعة المستمرة والمبصرة ، والإلمام بمكونات الواقع ومستجدّاته المتتالية.

2) ــ المرونة ،وذلك بإنسجام الأفكار والأقوال والأفعال والمواقف مع ماتقتضيه المرحلة ،من غير تجاوز للضوابط الشرعية ، ولامصادمة للحقائق الواقعية.

3) ــ سعة الأفق وبعد النظر، والتقدير الصائب للإحداث وتحليلها وتقييمها .

4) ــ التحلّي بالحكمة ، وهي كما عرفت:(فعل ماينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي).

5) ــ ألمعية الذهن وسرعة البديهة ، وذلك بالإبتعاد عن العقلية التي إشتكى منها الشاعر:


أقول له عمرا فيسمع خالدا ويقرؤها زيدا ويكتبها بكرا.

فاللبيب تكفيه الإشارة ، وتغنيه العبارة.

6) ــ الموازنة والقياس والتمحيص والتنقيح والغربلة والتصفية ، عملا بنصيحة شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله لتلميذه إبن القيم:(لاتجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها لاينضج إلا بها ،ولكن إجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ، ولاتستقر فيها ، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها ، صار مقرا للشبهات )

7) ــ دراسة التجارب بأنواعها ، دراسة نقدية بناءة ،لتجنب العثرات ، وإستثمار الإيجابيات ، وقد صدق الرافعي رحمه الله لما قال:(إذا أردت أن تأخذ الصواب ، فخذه عمّن أخطأ)

8) ــ معاشرة الآخرين على أحسن ما معهم،أشار إلى هذه القاعدة الإمام ابن القيم رحمه الله بقوله:(والبصير الصادق من يضرب في كل غنيمة بسهم ، ويعاشر كل طائفة على أحسن ما معها )

9) ــ التكيف الإيجابي وعدم التعامل بسياسات ردود الأفعال، وقد ذكر الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله أن :( الظروف تستطيع تكييفنا ولا تستطيع بإذن الله إتلافنا ). مع ضرورة توفر المناعة العلمية والفكرية والتربوية.

10) ــ التحرر من ذهنيات الانغلاق: ذهنية المغالبة والتحدي ، ذهنية الانكماش والانغلاق على الذات ، ذهنية التكبر والاستعلاء على الآخر ،ذهنية الدروشة وغفلات الصالحين ، ذهنية فكر المحنة ، ذهنية الأحكام المسبقة ، ذهنية الغلو والتشدد ، ذهنية الرفض والتعصب المقيت ، ذهنية التهوين والتهويل ، ذهنية الأسود والأبيض ، ذهنية البساطة والسطحية... إلخ.


ـــ إتجاهات خاطئــة في فقه الواقع:

وعند دراسة الواقع والتعامل معه ، لابد من الإبتعاد عن جملة من الإتجاهات الخاطئة في فقهه وفهمه وهي:

1) ــ الاتجاه الإطرائي: وهو محاولة تحسين الواقع ، وإبراز صورته سالمة من العيوب ، وغض الطرف عن سلبياته .

2) ــ الاتجاه التشاؤمي: الذي ينظر إلى الواقع بمنظار أسود قاتم ، يجرده من كل حسنة أو إيجابية، ويلحق به كل النقائص ، ولايراه إلا ظلمات بعضها فوق بعض.

3) ــ الاتجاه التآمري: الذي يرى أن من وراء كل حدث ـ وإن صغر ـ أيادي خفية تحركه من وراء ستار.

4) ــ الاتجاه التنصلي: بحيث لايريد أن يتحمل مسؤولية مافي هذا الواقع من أحداث ، فكل فريق يريد أن يحمل غيره مايقع وإبعاد التبعة عن نفسه.

5) ــ الاتجاه التبريري: وذلك بأن يضفي على الواقع مايجعله مقبولا ومشروعا ، وإن إبتعد عن جادة الصواب.

6) ــ الاتجاه الصدامي والتهديدي: الذي يتعامل مع الواقع بمنطق المواجهة والصدام وردود الأفعال، مع الإستجابة للإستفزاز، يتنادى للنزال ، متحفز له دوما ، شعاره: السيف أصدق أنباء من الكتب.

7) ــ الاتجاه المصلحي الإنتهازي: الذي يحدد مواقفه من الواقع وفق مصالحه الخاصة ، فكل ماوافقها نال الرضا منه والقبول ، وإن عارض المصلحة العامة، وكل ماتعارض معها نال الرفض وإن كان هو عين الصالح العام، إنتهازي في إستغلال كل مايخدم رغباته ويحققها ، شعاره :أنا وبعدي الطوفان.

8) ــ الاتجاه الانسحابي والإنعزالي: الذي يعجز في مواجهة الواقع ، ويتملص من المسؤولية ، ولايكلف نفسه تبعات ذلك ، يتبع أيسر الحلول وهو الإنسحاب والإنعزال كلية ، ويترك الجمل بما حمل، وكأن الواقع لايعنيه من قريب أو بعيد.

9) ــ الاتجاه الإستعلائي المتعصب: الذي يتعامل مع الواقع بنظرة إستعلائية متعصبة ، تضفي الصوابية المطلقة عن كل مايملك من أفكار وآراء ومواقف، مكتفيا بما عنده ، منغلقا ومنكمشا داخل أسواره الخاصة ، رافضا كل مايجود به الواقع ، محتقراله ومستهترا به ، مستصغرا كل الأحداث والحوادث مهما تعاظمت خطورتها.

10) ــ الاتجاه المثالي: الذي يجنح دائما إلى المثالية الجانحة التي تحلق بعيدة عن حقائق الواقع، ولاينزل من أبراجه العاجية التي حشر نفسه فيها، يتصور أن الواقع إما بياضا مطلقا ، أو سوادا مطلقا ، لاتوسط لديه ، يريد أن يكون الواقع إيجابيا وتمام التمام بين عشية وضحاها ، دون أن يساهم هو في ذلك ولو بالشيء القليل.

فلابد من التعامل مع الواقع بموضوعية وعدل وإنصاف ، فتكون مواقفنا ومعاملاتنا مع غيرنا وفق هذه الموضوعية وهذا الإنصاف، فلانغالي في التصلب فنكسر، ولانتمادى في التفريط والتسهيل فنعصر.

نريد من كل مامضى أن يتحرك الدعاة بدعوتهم ـــ في طريق مليئة بالكسور ومتشعبة المسالك ، وحبلى بالعجائب والمفاجآت ـــ وفق القاعدة التي أصلها المتنبي الشاعر بقوله:


عرفت الليالي قبل ماصنعت بنا فلما دهتني لم تزدني بها علما


وأن يتكيفوا مع الظروف تكيف التاجر الحاذق البصير ، الذي إن رأى كسادا في السوق حافظ على أقل تقدير على رأس ماله .

فالدعوة التي تتجاهل واقعها ، محكوم عليها بالفشل والإضمحلال إن عاجلا أو آجلا.

فإذا أراد الدعاة أن يحموا دعوتهم ويعصموها من الإنسياق والإستدراج والإحتواء والإنحراف والإستنزاف والتعويم كتعويم العملات النقدية ، فليحرصوا على فقه واقعهم مع فقه شرع ربهم مع فقه إنزال الشرع على الواقع أو ماسماه الأصوليون بتحقيق المناط.

جـواد
07-28-2009, 05:43 PM
بارك الله فيكم اختاه على الموضوع

وإسمحيلي بهاته الاضافة هي أن الاسلام مشروع تغيير -راديكالي- أي أنه ليس مشروع تصالح مع الجاهلية ويجب هنا الانتباه الى التلبيس الذي يلبسه العلمانيون والماركسيون عندما يقولون ان الاسلام دين إصلاحي بالمعنى السياسي للكلمة كما هو في القاموس السياسي الاوروبي حيث أن كلمة reformist تعني أن تكون محافظا على الواقع وتسعى الى تعديله من الداخل جزئيا عن طريق نوع من الترقيع والتصالح مع هذا الواقع
في حين أن مفهوم الاسلامي للاصلاح هو إجثتات الفساد من جذوره .......
وكما وجبت الاشارة إلا أن الاسلام لا يخضع للواقع ولكنه -يعتبره ليغيره-ومن تم فلا سبيل لتغيير واقع دون معرفته ونستند هنا للقاعدة الفلسفية المعروفة
شرط التجاوز الاستعاب ...............

اخت مسلمة
07-29-2009, 12:09 AM
موضوع اكثر من ممتاز ووجب ان يكون من اولويات الدعاة الى دين الله
فهناك فجوة لدى الكثير من الدعاة أيدهم الله ,بعدم معرفة وفهم الواقع كما يجب
وانعزاليتهم هذه تجعل حديثهم وان كان شرعيا صافيا في واد والمتلقي من العامة
في واد آخر لذلك كان من المهم تدريسه كفرع بجانب العلوم الشرعية للدعاة وطلبة
العلم في كل الدول الاسلامية وان كنا نعلم ان هناك الكثير الكثير ممن برعوا واجادوا
ولكن يبقى هناك من عندهم هذه الفجوة الخطيرة في زمن التقدم والمادية الآن.
جزاك الله خيرا اختي واحسن اليك

تحياتي للموحدين

محمد عبدو
08-06-2009, 12:16 AM
السلام عليكم
أنصح الجميع للإستماع للدرس
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=1459