المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المنطق الجدلي : عرض وآراء



إبن التوحيد
08-04-2009, 10:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
شكلت فلسفة هيغل ركنا أساسيا من أركان الفلسفة الغربية الحديثة ولا شك أن فلسفته قد تركت أثرا كبيرا في الفكر الغربي المعاصر بيد أن أعظم ما خلفه هيغل هو منطقه الجدلي ذو النزعة التطورية والذي هو في الحقيقة لا صلة له بمذهبه الفلسفي المثالي ولا بما أتت بعده من فلسفات غربية أخرى حاولت الإلتصاق بهذا المنطق ونسبه إليها وربما غالت في إحاطته بهالة من التعظيم والقداسة وكأنها بذلك قد إكتشفت سر الحياة ، إن ملاحظة هيغل لمنطق العمليات العقلية الذي يسير عن طريق الوضع والمقابلة والتركيب وربطه بمنطق التطور التاريخي موضوع - نقيض - مركب كانت ملاحظة موضوعية أكثر منها رأيا فلسفيا ، لقد كان هيغل بإكتشافه المنطق الجدلي عالما ومؤرخا أكثر منه فيلسوفا مثاليا ، وفي هذا العرض سوف نعرض المنطق الجدلي كما تصوره هيغل في كتبه المنطقية وبالرغم من تأثر نظرته للمنطق بمذهبه الفلسفي إلا أن الجانب الموضوعي في هذا المنطق كان هو الطاغي دوما على رؤيته الفلسفية الذاتية التي لم تكن سوى هوامش على منطقه الجدلي الموضوعي وأرجو من الجميع وخاصة المطلعين على الفكر الغربي إبداء آرائهم فيما طرح وتبيان موقف الفكر الإسلامي النابع من القرآن الكريم والسنة المطهرة من المنطق الجدلي وآراء هيغل التاريخية ، وقد أخذت طريقة العرض شكل التلخيص لكتاب المنطق الجدلي عند هيغل للدكتور إمام عبد الفتاح.



المنطق الجدلي عند هيغل



الباب الأول
معالم على الطريق
الفصل الأول: المنطق والجدل

المنطق هو دراسة لطبيعة الفكر الخالص أو "دراسة للحياة الباطنية للعقل".
*إن الفلسفة الهيغلية ككل تشكل مثلثا كبيرا هو :
المنطق - فلسفة الطبيعة – فلسفة الروح
والمنطق : هو العقل الخالص , والطبيعة هي النقيض يجمعهما مركب واحد هو فلسفة الروح التي تدرس , العقل كما يظهر في العالم ويمارس نشاطه في التنظيمات والمؤسسات الاجتماعية المختلفة ةما ينتجه من فن ودين وفلسفة , أو باختصار الحياة الروحية للإنسان كما تتجلى في تاريخ العالم ......ص26


الفصل الثاني : مصادر الجدل الهيغلي

"من المسلم به أن الطفل يجب أن يربى في عزلة" ومع ذلك فلا ينبغي أن يظن ظانُ أن شذا العالم الروحي لن يخترق هذه العزلة ويشيع أريجه في أرجائها ,أو أن العقل الكلي ليس من القوة بحيث الإحاطة بزمام هذه الجوانب البعيدة في الحياة .......32

مصادر الجدل
أ- اللاهوت :
المحبة :
في بدايات هيغل نلاحظ تأثيرا كبيرا لكتابات كانط عليه وخاصة في أولى مقالاته التي نشرها بعد أن تخرج من مدرسة اللاهوت حيث يجيب على متناقضات كانط في "نقد العقل الخالص"على أنه ما يجمع المتناقضات هو المحبة , حيث الانسان والإله اجتمعا بمحبة رغم إختلافهما في شخص المسيح فهو تارة ابن الله وتارة اخرى ابن الانسان(تعالى الله عما يصفون)
الحياة:
"إن التفكير الفلسفي "يقتل الحياة" وانه يمزقخا إلى أضداد في الوقت الذي نريد فيه أن نفهم الحياة ككل , كوحدة حية تتصارع في جوفها الأضداد"...........38

ب- الفلسفة :

الفلسفة عند هيغل كل متصل تدفعه ضرورة داخلية "فكل فلسفة كانت ولا تزال ضرورية , وبالتالي فليس منها ما أختفى وزال , وإنما تجد عناصر إيجابية في كل واحد منها ...و أخر فلسفة هي نتيجة لجميع الفلسفات السابقة "40

أولا: الفلسفة اليونانية

1-زينون الايلي:
يقال أن زينون الايلي هو أول من استخدم مصطلح الجدل .........وكانت عبارة عن نقاش وتسليم أولي بهجوم الخصم ثم إثبات نفيه أي نفي الهجوم وتفكيكه.
يقول هيغل : إني لأجد شيئا مميزا عند زينون وهو الوعي بأن سلب التعين تعين , بمعنى أن الإنسان حين ينكر تعيننا ما بأن هذا الانكار أو هذا السلب هو نفسه تعين جديد ................45
2- هيراقليطس:

يقول هيغل: "لن تجد عبارة قالها هيراقليطس إلا وأحتضنتها في منطقي"
* في المدرسة الأيونية , المطلق لم يكن فكرا خالصا وكذلك المدرسة الفيثاغوثية التي رأت أنه اعداد ........."فالتقدم المطلوب الذي أحدثه هيراقليطس هو أن يسير من الوجود باعتباره الفكر المباشر إلى المقولة الثانية وهي الصيرورة وهذه أول فكرة عينية, , فالمطلق هنا هو وحدة الأضداد , وبهذا المعنى تصل الفكرة الفلسفية عند هيراقليطس إلى صورتها النظرية.............48
* يقول هيراقليطس في هذا الصدد عن الإدراك الحسي :
"العيون والأذان شهود سيئة للإنسان" فالعقل هو الحكم وهو الحقيقة , والضرورة المطلقة هي على وجه الدقة ما ينشده الوعي.............49

3- جورجياس :

هيغل يعجب بجورجياس لأنه درس الجدل كما هو موجود في الفكر الخالص . أي أنه درس المقولات الخالصة , ثم بين أنها إذا درست في نقائها الخالص تؤدي إلى "السلب" فالوجود يصل بنا إلى العدم , والواحد ينتقل إلى الكثير , فينتقل الكثير إلى الواحد وهو إن كان قد إنتهى إلى انكار هذه المقولات إذا فصل بعضها عن بعض وقطع ما بينها من ارتباط ضروري فإنها لن تكون حقيقة , وبمعنى أخر أثبت تطبيق مبدا الفهم "إما- أو" على المقولات يفقدها حقيقتها ويظهرها في عناد متبادل.

4- سقراط :

رأي هيغل في المنهج السقراطي يمكن تلخيصه بالأتي:

أولا : يرى أن سقراط عبر عن الجدل في صورتهخ الذاتية بصفة خاصة , وهي الصورة التي تبدو في التهكم , فقد إعتاد أن يمارس جدله ضد المفاهيم والتصورات الشائعة , حيث كان سقراط سخر من خصومه بطريقة حوارية .
ثانيا: كان سقراط ضد السفسطائية حيث كان جريئا في مناقشته يلقي الأسئلة التي يريدها بحذق ومهارة وينتهي بمحاوره إلى عكس البداية التي كان يؤكد صحتها
*لمنهج سقراط نتائج هامة منها:
أنه يطور الكلي من حالة عينية معينة , ويظهر الفكرة الشاملة الكامنة داخل كل فرد ومنها أنها حقائق واضحة , ومنها أنها اهتمامه بالكلي الذي نصل إليه عن طريق الفكر وحده , ولذلك كان هذا المنهج نفسه الذي يشكل معرفة كل إنسان بالكلي , فهو تطوير للوعي الذاتي الذي هو في نفس الوقت تطوير للعقل .


5- أفلاطون :

الأفكار الأفلاطونية التي أثرت في هيغل , وجعلت ميور يذهب إلى أن الجدل الهيغلي مدين لأفلاطون بأكثر مما هو مدين به لأرسطو:
أ- اهتمام أفلاطون بالكليات واعتباره الكلي أو الفكر هو الأساس الحقيقي وراء هذا العالم .
ب- يفرق أفلاطون بين المعرفة الحسية والمعرفة العقلية ثم تقسيمه ثانيا العقل إلى نوعين هما : "قوة الفهم" و"العقل الخالص ".
ت- الجدل عند أفلاطون هو المنهج الذي به ترتفع النفس من المحسوس إلى المعقول دون أن تستخدم شيئا محسوسا وإنما انتقال من فكرة إلى فكرة بوساطة فكرة .
ث- أفلاطون كما يرى هيغل " يتقدم الآن ليضم الجدل الموضوعي عند هيراقليطس إلى الجدل الايلي الذي كان محاولة خارجية للذات تحاول فيها إظهار التناقض , ثم هو فضلا عن ذلك قد عبر عن الفكر الأخلاقي عند سقراط وحوله من فكر ذاتي إلى فكر موضوعي هو المثال الذي يجمع بين الفكر الكلي والموضوعي , ومن هنا نرى في وضوح أن الفلسفات السابقة على أفلاطون لم تختلف بنقد أفلاطون لها , إنما نراه يمتصها في فلسفته".
ج- درس أفلاطون الكثير من المقولات كالوجود واللاوجود والواحد والكثير والكل والازاء والمتناهي واللامتناهي ..الخ ...........وهي كلها أفكار خالصة درسها أفلاطون في وجهة نظر منطقية شاملة....وهو يشير إلى أن هذه النظرة المنطقية في أكثر من مناسبة فيعتبرها المنهج الحقيقي للفلسفة , والطريق الصحيح لمعرفة الحقيقة والمقياس الذي يفرق بين الفلاسفة والسوفسطائين .
ح- عند أفلاطون:
الحكم بالسلب لا يعني أن محموله لا شيئ أو عدم خالص , وإنما يعني إن المحمول هنا هو "الأخرية" وبالتالي فالحمل في هذه الحالة يعبر عن حكم اصيل , فالحكم بأن ( أ ليست ب) يعني أن أ هي شيئ آخر غير "ب" أي أن "ب" صفة حقيقية نستثنيها من "أ" فنفي "ب" لا يعني عدما وإنما سمة حقيقية تمتلكها "أ" من خلال حذفها ل "ب".
خ- يعجب هيغل بربط أفلاطون بين الفلسفة والحكم .


ثانيا : الفلسفة الحديثة :

1- اسبينوزا :

والفكرة الأولى التي أخذ بها هيغل واعترف صراحة أن اسبينوزا أول من صاغها في مبدأ واضح هي القول بأن "كل تعين سلب" وأن جميع التحديدات عبارة عن سلب .
أي أنه كل تعين سلب <= كل سلب تعين
* فكرة اللامتناهي :
كون الشئ لامتناه معناه أنه غير محدد ومن ثم فالشيئ المتعين هو الشئ المحدد لأن التعين تحديد , وبناء على ذلك فاللامتناهي هو اللامحدود .
ومادام الشيئ الذي لا حدود له لا صفات له كذلك من أي نوع فاللامحدود على ذلك هو الفراغ الكامل , والجوهر عند اسبينوزا هو هذه الفراغ اللامتعين.
- يقول اسبنوزا : "إن الجوهر هو علة ذاته" وهو من ثم ليس اللامتعين بل هو المحدود بذاته , متحد بذاته , فتحديداته ليست نابعة من مصدر خارجي بل من ذاته فقط وعلى ذلك فاللامتناهي ليس هو الذي لا نهاية له , أو غير المتعين كما هو مألوف في التصور الشائع , بل هو المحدود بذاته , وتلك هي الفكرة الرئيسية عن اللامتناهي الحقيقي عند هيغل في مقابل اللامتناهي الزائف الذي هو عبارة عن سلب دائم للحد دون انقطاع.
* ذهب مايزر إلى أن هيغل يتفق مع اسبنوزا في اربع عشرة قضية منها:
- التجريد هو الخطر الرئيسي على التفكير
- الافكار المجردة هي الافكار التي عزلت من سياقها المناسب
- العينية في التفكير جوهرية للحقيقة
- الفرق بين الظاهر والحقيقة هو الفرق بين الشيئ المعزول ونفس هذا الشيء حين يفهم من خلاله سياقه المناسب ..........67

2- كانط:
- نظرية المعرفة : صحيح أن كانط ميز بين المعرفة التجريبية والمعرفة العقلية لكنه رد بعد ذلك التجربة وشروطها إلى المعرفة العقلية .
حدود العقل : لقد جعل كانط للعقل حدودا لا يتعداها .
- الفهم : يصف هيغل المنهج الجدلي ذو الثلاث خطوات بقوله: إن الخطوة الأولى من عمل الفهم والثانية من عمل العقل السلبي والثالثة من عمل العقل الايجابي .
- المتناقضات : ذهب كانط إلى أن الفكر ينزع نزوعا طبيعيا إلى الوقوع في التناقض كلما حاول إدراك اللامتناهي ....لكن كانط م يتجاوز النتيجة السلبية للمتناقضات .......أي البقاء في اللحظة الجدلية .
- المقولات : عند كانط كليات خالصة , وهو إن كان قد نظر إليها على أنها تصورات ذاتية للعقل البشري ,…….ولهذه المقولات فئة خاصة من الكليات الأخرى كالمنزل والمنضدة ….الخ كليات حسية بعدية وهذه الكليات نحصل عليها بالتجربة , أما المقولات فهي سابقة على كل تجربة لأنها الشروط التي تعتمد عليها التجربة .
المقولات هي تصورات خالصة لأنها لا تحتوي على أي أثر للحس .

3- فشته:
إن الفضل الأول يرجع إلى فلسفة فشتة في إنها لفتت الأنظار إلى الحاجة إلى إظهار الضرورة في هذه المقولات واستنباطها استنباطا أصيلا وبذلك فإن فشتة لا بد أن يكون قد ترك أثرا واحدا على الأقل على منهج المنطق .
• الأنا يضع نفسه اذن ويضع مقابله "هو" اللأنا ولكن هذا المقابل ليس شيئا في ذاته , وليس شيئا خارح الأنا لأن الأنا مطلقة فلا يمكن تجاوزها ....فالأنا لا تضع نفسها وتشعر بوجودها إلا إذا حددتها اللأنا , واللأنا لا يكون لها وجود إلا إذا حددتها الأنا , واللأنا لا يكون لها وجود إلا إذا حددتها الأنا , وهذا هو التأليف أو المركب....72
• والمبادئ الثلاثة السابقة هي الأفعال الضرورية للعقل وهي الوضع والمقابلة ثم التوحيد بين المتقابلين ....ويمكن وصفها بإنها موضوع ونقيض ومركب......72

1- التأليف عند فشتة هو مجرد جمع وتركيب للحدين السابقين أما المركب عند هيغل هو حقيقة الحدين السابقين .
2- المنهج عند فشتة هو : أولا قضية تعبر عن لحظة جوهرية من لحظات الحقيقة ثم يتبعها قضية تعبر عن لحظة مضادة , وهي لحظة لايمكن استنباطها من اللحظة الأولى ثم يصل وحدة اللحظتين السابقتين .
ثانيا : لا يمكن أبدا أن يكون المبدأ الثاني مستنبطا من المبدأ الأول وهنا يفترق منهج التناقض عند فتشة عما يسمى بالمنهج الجدلي عند هيغل .

4- شلنج:
وبعكس فستة الذي رد كل شيئ الى الذات كان شلنج يبرهن على أن الطبيع توجد مستقلة عن الموضوعات الأساسية .......فهو يرى أن الوعي في مروه من خلال الكثرة يصبح طبيعة , ومن خلال الطبيعة يستيقظ ليصبح روحا إنسانيا.
إذن مبدأ الأشياء ليس هو الانا كما هي الحال عند فشتةة بل الهوية بين الطبيعة والروح المطلق الذهني و الطبيعة والروح معا .
* اتجه هيغل في نفس الاتجاه فاتفق مع شلنج في الاعتراف بالطبيعة واخذ على فشتة نزعته الذاتية المطلقة التي تجعل كل حقيقة واقعية من خلق الذات ومنسوبة إليها , وكان هيغل معنيا بدراسة التاريخ وشؤون السياسة والاجتماع ولهذا اهتم بما هو عيني وبما هو واقعي.


خاتمة الباب الأول :
يقول هيغل :
( إن الصورة الصحيحة التي توجد فيها الحقيقة لا يمكن أن تكون إلا المذهب العلمي " أي الفلسفي" وإني لأعلم أن هذا الرأي قد يبدو مناقضا لفكرة منتشرة في عصرنا انتشارا واسعا المدى ..... ويؤكدها أصحابها بكل قوة إذ يطالبون الفلسفة أن تتخذ في عرضها صورة مضادة لصورة التصورات العقلية إنهم لا يريدون منا أن ندرك المطلق إدراكا تصوريا عقليا بل أن نحسب به أو أن نتلقفه مباشرة عن طريق الوجدان ويريدون أن نجعل في المقام الأول الشعور به لا "تصوره"........)












الباب الثاني : شعاب الطريق

كانط أول من تسائل , ما المعرفة؟ وما حدودها ؟وكيف تكون ممكنة ؟ وهو يخبرنا أن هذه الأسئلة فرضت نفسها عليه عن طريق هيوم. ومن هنا فقد بدأت الفلسفة النقدية تدعونا إلى التريث قبل أن نبحث في الله أو في الوجود الحقيقي للأشياء , وتطلب منا أولا وقبل كل شيء أن نفحص ملكة المعرفة وننظر فيما إذا كانت قادرة على القيام بالمعرفة أم لا . إذ ينبغي فيما يقول كانط أن نفحص الأداة قبل أن نعهد إليها بالعمل .

* المعرفة عند كانط كلها عقلية باستثناء ذلك العنصر الذي يرد علينا من الخارج والذي لا بد له من "علة" لكن العلة نفسها هي مقولة من مقولات العقل والمقولات عند كانط نفسه لا تنطبق على "الشيء في ذاته" أي "العلة" إنما هو شيء موجود فحسب .....وبهذا النقد وصل هيغل إلى أن المعرفة كلها عقلية وأنكر الفصل بين الفكر والمعرفة ........فالعقل هو الذي يدرك ادراكا حسيا وهو الذي يتخيل ويتصور ويرغب ويريد .....الخ فهو لا بد أن يشبع حياته الداخلية العليا وهي الفكر ومن هنا فإن العقل يجعل من الفكر موضوعا له , وهو بذلك يعود إلى نفسه بأعمق معنى لهذه الكلمة لأن الفكر هو مبدا العقل وهو ذاته النقية الصافية ....92
يقول هيغل :
إن المعيار في التمييز بين الألوان المختلفة لنشاط العقل هو " الموضوع" :
فإن كان نشاط العقل ينصب على موضوع حسي سمي النشاط العقلي في هذه الحالة إدراكا حسي .
واذا كان انصب على تصوير ذهني كان تخيلا .......الخ , ومن ثم فإن ضروب النشاط العقلي هي تلك التي يتخذ فيها العقل من نفسه موضوعا لنشاطه حيث يصبح هو نفسه الذات والموضوع في أن معا والحوار الذي يدور بين هذه الذات وهذا الموضوع هو ما نسميه بالمنهج الجدلي الهيغلي .

أولا: الوعي المباشر :

1- الوعي الحسي أو اليقين الحسي:
* وهو الذي يدرس الموضوع مباشرة .....وهنا الموضوع يقف في استقلال وعزلة عن الذات إنه "هذا" أو "ذاك" , ومباشرة العلاقة تعني أن الموضوع يوجد مباشرة أمام الوعي أعني أنه يدرك إدراكا مباشرا فليس ثمة حلقة وسط بين الفكر وموضوعه .
* وتبدو الأنا حالة من حالات المعرفة تعرف "الموضوع" فقط لأنه موجود وهو الحقيقي وهو الماهية إنه موجود لا يتأثر بأن يعرف أو لا يعرف في حين أن المعرفة لا يمكن أن توجد مال لم يوجد الموضوع.
* الموضوع المباشر مثل "هذه الشجرة" أو "الآن ليل" أو " هنا منزل" وقصدنا هنا بالاشارة إلى الموضوع الجزئي والاشارة اليه معرفة .
- لكن الصورة المزدوجة التي يوجد عليها الموضوع صورة كلية , فالآن كلية والهنا كلية وبالتالي حقيقة الموضوع كلية ...........97
2- الإدراك الحسي :
إن الانسان يقول : إني أرى شقيقي , فإن عبارته هنا ليست صحيحة لأن ما يراه , فعلا هو سطح معين له لون , أما الوعي بأن هذا السطح هو شقيقه , فإن ذلك ليس ملاحظة مباشرة "شيء مباشر" وإنما هو استدلال "أي توسط" ولكن لو إننا افترضنا أننا حين نهبط إلى (سطح معين له لون) بأننا نصل إلى المباشرة , فإننا نكون جد مخطئين , فاللون والسطح هي "كليات" ومن هنا فإن الإحساس كلي . والمباشرة الخالصة لا يمكن الوصل إليها مطلقا , لأنه حتى أدنى الاحساسات تتضمن توسطا وكلية وأقل وعي حسي يمكن تصوره يوجد فيه توسط ومن ثم فهو إدراك حسي ...103
* فالموضوع : بما أنه شيئ فهو "واحد" وبما أن له خواص وصفات نستطيع بها إدراكه فهو "كثير" ولكن كون الشيء واحدا وكثيرا في آن معا يعني أنه متناقض مع نفسه : بل هو بالأحرى "نسيج من المتناقضات" وجميع هذه المتناقضات هي من حيث الأساس استناطات فحسب عن التناقض الرئيسي وتطوير له ....104

3- الفهم:
إن الوعي في إرتفاعه من الإدراك الحسي ينتقل بالضرورة إلى كليات لا تدرك إدراكا حسيا أي كليات لا حسية , وهذه الكليات الجديدة عيارة عن كليات غير مشروطة , فهيغل يرى أنه مادامت كليات الحس كليات مشروطة " أعني إنها كليات لا تنطبق على الخبرة , إلا بشرط أن تكون هنالك كليات أخرى تنطبق عليها أيضا , فإنه لابد أن تكون هنالك كليات غير مشروطة هي موضوع الفهم .
فإنه لا بد أن تكون هنالك كليات غير مشروطة هي موضوع الفهم , وهذا شيء لا يدركه الإدراك الحسي وحده .فالادراك الحسي خاضع للمتناقضات التي ذكرناها آنفا بين وحدة الموضوع وتعدد خواصه . ومن هنا فلا مندوحة للإدراك الحسي من مواجهة مشكلة الواحد والكثير .
ويستطيع الفهم حل هذه المشكلة بالرجوع إلى الكلي غير المشروط , ويطلق هيغل على هذا الكلي الغير مشروط اسم "القوة" وهي في الواقع فكرة شبيهة بالقانون , لأن الارتباطات التي تشبه القانون تبين خواص الشيء التي تحدد وحدته ....105

* يقول جوته :
من يأخذ على عاتقه القيام بعمل عظيم "عليه أن يتعلم كيف يحدد نفسه , أما من يود أن على العكس أن يفعل كل شيء فإنه لن يفعل شيئا ".........107

ثانيا: الوعي الذاتي

الذات ترى أن ما هو حقيقي في الموضوع هو في بساطة نفسها , فهي ترى صورتها خالصة وانعكاسها في مرآة الموضوع فهي لم تعد تجد الموضوع غريبا عنها وإنما وجودها الخالص نفسه وهذا الوعي الذاتي .

ثالثا: مرحلة العقل

نستطيع أن نتبين هنا عاملين "أ" العامل الأول هو الموضوع وهو عبارة عن أخر مستقل "ب" الموضوع وهو نفسه الذات , أعني أنه ليس آخر ولا مستقلا .
فالذات تسلم بتمييز نفسها من موضوعها ولكنها مع ذلك تقرر أن هذا التمييز ليس تميزا , أو أن التميز يوجد بداخلها , فالذات تجد أن الموضوع يقف أمامها ولكنها مع ذلك تتخطاه وتتجاوزه وتحتفظ به في جوفها .
* وتلك هي وجهة نظر العقل , لأن العقل هو المبدأ الذي يسلم بالتميز والاختلاف ولكنه يرى في الوقت نفسه الهوية الكامنة وراء هذا الاختلاف فهو يأخذ بمبدأ هوية الأضداد فالموضوع الآن متميز عن الذات ولكنه متحد معها في وقت واحد .....118
* فقانون العقل هو الهوية في "الاختلاف"
أما الفهم فقوانينه هي :
أ- المتحد متحد أو الذاتي هو الذاتي (أ هو أ) وهذا هو قانون الذاتية أو الهوية .
ب- المختلف مختلف ( أ ليست لا أ ) وهذا قانون التناقض .
أما قانون العقل فهو: المختلف هو أيضا متحد (أ هي أيضا لا أ) ولهذا كان للعقل جانيان جانب سلبي حين يحطم موقف الفهم , ثم جانب إيجابي حين يقوم بعملية التوحيد ويكشف عن الهوية الكامنة وراء الاختلاف وهما بالطبع جانبان لشيء واحد .
* يصف هيغل الحدود الثلاثة في أي مثلث :
الحد الأول هو من عمل الفهم لأنه يثبت نفسه بنفسه في استقلال كامل عن غيره ولا يعني ذلك سوى قانون الهوية (أ هي أ) فهو مبدأ الفهم .
الحد الثاني : خاص بالعقل السلبي الذي يحطم الاستقلال الظاهري للحد الأول ويقلبه إلى , فالعقل يستخدم جميع مقولات الفهم غير أن العقل لا يستخدمها فحسب و لكنه يحطمها أيضا . وتلك عملية تضايق الفهم لأنه يظن أن العقل مادام يستخدم هذه المقولات فإنها تكتسب بذلك حقا في الوجود .
الحد الثالث: هي الخطوة التي يقوم بها العقل "الايجابي" وهو عود إلى الإثبات من جديد وهو إثبات يمكن أن يكون حدا جديد في مثلث جديد .
* ويطلق هيغل اسم الحركة الجدلية على حركة الحدود الثلاثة اسم "المنهج الجدلي" على سلسلة المثلثات التي تنتجها هذه الحركة .....113

الفصل الثاني : المقولات
أولا : ما المقولة؟

هي الكليات العقلية الخالصة وهي التي يسميها هيغل بتحديدات الفكر أو المقولات .
* يميز هيغل بين نوعين متضادين من العقل ويوحد بينهما :
العقل بمعنى الكليات الذاتية ينظر إليه من زاوية المعرفة .
العقل الذاتي هو العقل المنظور إليه من زاوية الوجود .

لكن المعرفة والوجود متحدان مع إختلافهما , فالعقل الذاتي يتحد مع العقل الموضوعي في العالم لأنه مكون عن طريق نشاط هذا العقل الكلي الذي يشارك فيه , ومن هنا يمكننا القول بان عقلنا متحد مع العقل الموضوعي في هوية واحدة .
لذلك يزول في المقولات ذلك التعارض المألوف بين الذاتي والموضوعي .
* القول بأن المقولات موضوعية يعتمد أساس على التوحيد بين المعرفة والوجود .
الوجود يعني هنا الخارجي أو موضوع الوعي بصفة عامة .
ومعنى ذلك أن الذات "جانب المعرفة" والموضوع "جانب الوجود " متحدان فالذات والموضوع ليسا حقيقين مستقلين تقابل كل منها الأخرى في إختلاف وتعارض إنما هما متحدان لأنها جانبان لحقيقة واحدة .
* فالمقولات إذن :
- هي العمود الفقري للأشياء بمعنى أنها تعبر عن طبيعتها الحقيقية.
- إنها تعريفا ...ذاتية للمطلق أو هي لحظات تعبر كل منها عن تعين من تعيناته .
* أقسام المنطق ثلاثة هي:
الوجود : يقدم لنا معرفة الفهم المشترك وهي المعرفة المباشرة .
الماهية : تمثل معرفة الفهم التي يأخذ بها العلم الذي ينشد إدراك الأشياء في علاقتها بعضها مع بعض .
الفكرة الشاملة : معرفة العقل , وهي المعرفة التي تأخذ بها الفلسفة فترى الكون كله عبارة عن فكرة مطلقة , وهذه المعرفة لا تصل إليها إلا عن طريق المرحلتين السابقتين فهي تشملهما لكنها لا تقتنع بأي منهما .

ثانيا : أضلاع المثلث الجدلي
يرى هيغل أن المثلث الجدلي يتصف بالخصائص الآتية:
الضلع الأول "مباشرة" أو يتصف بالمباشرة , والضلع الثاني "متوسط" , والضلع الثالث يجمع بينهما , أي أنه المباشر الذي دخله التوسط .
* يطلق هيغل على الضلع الأول من كل مثلث مصطلحا خاصا هو "ماهو في ذاته" أي ما هو ضمني أو ما هو بالقوة بلغة أرسطو , وعلى الضلع الثالث "إسم ما هو لذاته" أي ما هو صريح أو علانية أو بالفعل .

بداية الطريق :
يقول هيغل : " الوجود الخالص , ذلك لأن المنهج إذا ما بدأ بغيره فلا بد أن يبدأ بشيء أخر أكثر تحديدا , ومن هنا فسوف يكون شيئا متوسطا لا مباشرا مع أن المنهج لم يخط خطوته الأولى بعد " ومعنى ذلك ان إننا لا نستطيع أن نبدأ بشيء عيني لأن الشيء العيني يتضمن في جوفه علاقات , وذلك يعني أن يتضمن توسطا وهو في هذه الحالة يكون نتيجة ولا يكون بداية ...........لأن البداية لا بد أن تكون مباشرة وخالصة أي لا بد أن تكون هي الوجود الخالص .

خاتمة :
إن المنهج الجدلي عند هيغل منهج موضوعي وليس منهج ذاتيا يضمنه الباحث لنفسه , وهو موضوعي لأنه يعبر عن نشاط العقل الموضوعي كما يتمثل في حركة المقولات وتسلسلها.






الباب الثالث
طريق الجدل
الفصل الأول : الوجود



أ- الكيف
أولا الوجود :
1- الوجود الخالص:
كل ما نستطيع أن نحدد به من الوجود الخالص هو ان نقول أنه الهوية الخالصة أو الحيادية المطلقة فهو لا يدل على شيء بالذات له وجود معين .
• والواقع أن هذا الوجود الخالص أو هذا اللاتعين المباشر هو العدم لا أكثر ولا أقل .
"لأن الشيء الذي يخلو تماما من كل تحديد أو تعين هو بالضبط ما نقصده اللاتعين"
إذن لا نستطيع أن نفرق بين الوجود و العدم لأن كل تفرقة تتضمن شيئين وإن بينهما صفة توجد في الواحد دون الأخر , ولكن الوجود خلو من كل صفة وكذلك العدم .
وهذه التحديدات –العدم الوجود- ليس لها حقيقة سوى انتقال أحدهما إلى الآخر وهذا الانتقال هو :
2- الصيرورة:
هي ذلك الاتحاد الذي يعبر عن الهوية والتبيان في آن معا أو هو الهوية في التباين .
3- الوجود والعدم ينتقل الواحد منهما إلى الآخر إنتقالا منطقيا ولا ينتقل الواحد منهما إلى الأخر إنتقالا زمنيا .
ثانيا : الوجود المتعين
إن الصيرورة تعني اختفاء الوجود في العدم , أو تحول الوجود إلى شيء أخر غير نفسه وهي كذلك تحول العدم إلى وجود أي اختفاء العدم مع إنها من ناحية أخرى تعتمد أساسا على ما بين الوجود والعدم من تمايز واختلاف ومن ثم كان اختفاؤها يعني اختفاء الصيرورة أو قل إنه اختفاء الاختفاء نفسه .....158
• طالما أن الوجود والعدم يختفيان في الصيرورة فإن الصيرورة لا بد هي الأخرى من أن تفنى .
• إذا كنا نتحدث عن الوجود المتعين فلا بد أن نلاحظ أنه يتضمن السلب كذلك إنه وجود كذا وليس وجود شيء أخر , ولو رفع السلب لعدنا من جديد إلى الوجود الخالص الفارغ أو اللاتعين بما هو كذلك .
والتعيين المستنبط على هذا النحو هو "الكيف"
• الكيف " هو إيجاب وسلب في أن معا .
فالكيف من ناحية تعين للشيء أي هو ما هو عليه أعني وجوده , فإذا كان الشيء يتصف بصفات معينة كأن يكون لاذع المذاق أبيض اللون على شكل مكعبات .....الخ ......والكيف من ناحية أخرى جانب سلبي فالكيفيات التي تجعل الشيء قطعة من الملح , تجعله أيضا ليس قطعة من السكر .
الحد
كل تعين سلب "قاعدة عامة" والكيف تعين للشيء فالكيف سلب , وسلب الشيء أو نفيه معناه وضع حد له ومن ثم فالكيف حد وهكذا نصل إلى مقولة الحد .ومقولة الحد تتضمن بالضرورة مقولة التناهي ذلك لأن التعين معناه التحديد .والتحديد معناه وجود حد , ووجود الحد يعني أن الشيء متناه .
الأخرية
أي أن تعين الشيء بحد هو سلب ليس له بل لشيء أخر , أي أن فكرة الحد نفسها تعني أنها لا بد أن يكون هنالك وراء هذا الحد ...وهو الاخر .

اللامتناهي الزائف :
الشيء يصبح أخر , وهذا الأخر بدوره شيء ما ومن ثم فهو بالمثل يصبح أخر ...وهكذا إلى ما لا نهاية .

اللامتناهي الحقيقي :
مادام الشيء هو المتناهي والأخر هو اللامتناهي فإننا نصل إلى هذه النتيجة وهي أن اللامتناهي الحقيقي هو اتحاد المتناهي واللامتناهي .

الوجود للذات :
الأنا : التي تفكر بالأشياء الخارجية وبنفسها هي أكبر مثال عن الوجود للذات , حيث تختلف عن وجود الشجرة مثلا .


(ب) الكم


بدأ الجدل سيره بالوجود الخالص , ثم اتضح لنا أن حقيقة هذا الوجود الخالص هي الصيرورة . غير أن الصيرورة لم تكن سوى قنطرة ومعبر إلى الوجود المتعين , وظهرت حقيقة هذا الوجود المتعين في الأخرية , ثم اتضح لنا أن نتيجة الأخرية هي الوجود للذات محررا من الارتباط بالأخر ومن العبور إلى الأخر ... وانتهينا إلى أن الوجود للذات هو للطرد والجذب واتضح أن الطرد والجذب يلغيان نفسيهما (لأن كل منهما ينتقل إلى الأخر ) وبالتالي ينسخان الكيف كله في جميع مراحله .
وهذا الكيف الملغى أو المنسوخ ليس عدما مجردا , كما أنه ليس وجودا خالصا , إنه لا يتأثر بالتعين "أو الكيف" و هذا الوجود الذي لايتأثر بالكيف هو : الكم .............169

أولا : الكم الخالص
1- الكم الخالص :
الكم الخالص هو اتحاد الطرد والجذب أو انه اتحاد الانفصال والاتصال فحالة الاتحاد هذه هي ما ينقلنا إلى الكم الخالص .
2- المقدار المنفصل والمتصل
اذا نظرنا إلى الكم في علاقته مع نفسه أو إلى خاصيته التي يظهرنا عليها الجذب صراحة لوجدنا ان الكم من هذه الناحية هو المقدار المتصل .
ولكننا لو نظرنا إلى الناحية الأخرى التي يظهرها الطرد لوجدنا ان الكم من هذه الناحية هو المقدار المنفصل .
* فالكمين السابقين ما هما إلا نتيجة لتفكيرنا التجريدي الذي يتأرجح حين ينظر إلى المقادير المحددة بين هذا العنصر أو ذاك , بينما هما عنصران يكونان اتحاد لا ينفصم في فكرة واحدة هي الكم .
فيمكن أن نقول إن المقدار المنفصل , هو المقدار الذي يتألف من مائة رجل , مقدار متصل أيضا ويعتمد اتصاله على العنصر المشترك بين الرجال أي على النوع الانساني الذي يشمل جميع الافراد ويوحد بينهم .
3- تحديد الكم :
صحيح أن المقدار المنفصل بما هو كذلك غير محدد , إلا أن تحديده يأتي عن طريق تمييزه عن المقدار المتصل وهو هنا يعتبرا سلبا أو حدا .

ثانيا :الكمية
1- الكمية
حين يدخل الحد على الكم الخالص يصبح كمية فالكمية هي الكم الخالص وقد دخل عليه الحد الكمي فأصبح كما معينا أو محددا .....172
2- الجملة والاتحاد :
الكمية كقولنا عشرون ميلا تتضمن عنصري الاتصال والانفصال فهي من ناحية عبارة عن عدة أميال , ميل وميل وميل ..الخ, وهذا هو عنصر الانفصال ومن هنا يمكن أن نقول عنها إنها مجموعة من الأميال أو كثرة من الأميال أو جملة , وهي من ناحية ثانية تتضمن عنصر الاتصال لأن الاميال تتصل كلها في كمية واحدة فهي من هذه الناحية تشكل اتصالا من الاميال أو هي اتحاد .
3- العدد :
في مقولة العدد تصل الكمية إلى تتطورها النهائي إلى تمامها فالعدد هو الكمية وقد اكتلمت ..........البقية العلاك في نقد فيثاغورث والعودة إلى الفكر الخالص ...........174

ثالثا : الدرجة
1- الدرجة :
ان الوحدة العاشرة في العدد 10 تعتبر لحظة الجملة أو المجموع فالعدد من ثم هو كمية ممتدة .........بل هو الكمية المدمجة أو الدرجة .
2- التسلسل الكلي اللامتناهي :
إن الأحاد داخل الحد مثل 1,2,3......الخ حتى الدرجة مائة متحدة مع الأحاد أي 101 , 102 , 103, ,,,الخ وهكذا يتحطم الحد ويمكن تجاوزه .
وسير الجدل هنا شبيه بسيره في دائرة الكيف حين وصلنا إلى اللامتناهي الزائف فهنالك نجد أن الشيء ينتقل إلى الأخر ..........وهكذا إلى مالا نهاية .
* وبما ان اللامتناهي ضد المتناهي , لنه داخل هذا الكم غير المحدد يظهر حد جديد باستمرار.
3- النسبة الكمية :
الفكرة التي وصلنا إليها الآن لها جانبان :
أ- كميتان مرتبطتان
ب- كمية ثالثة تتشكل بإتاحد الكميتين .

ولكن هذين الجانبين متحدان لأن الجانب الثاني وهو الكمية الثالثة هو نفسه الجانب الاول , والجانبان طالما أنهما مرتبطان في كمية واحدة فهما يؤلفان واحدا هنا ونجد إننا أمام معادلة : شطري المعادلة كميتين مرتبطتين في جانب واحد .
ومعنى ذلك أن النسبة تعيطنا علاقة بين كميتين وتبدو في صورة كمية ثالثة وهي بذلك تعبر عن اللحظة السلبية التي هي تمييز الكمية من الآخر الذي ظهر فعلا في التسلسل الكمي اللامتناهي .
وهكذا نجد أن طرفي المعادلة عبارة عن كميات خالصة بينا النسبة هي : في علاقة ذاتية لا متناهية , وهذا يعني أن النسبة علاقة كيفية , وليست علاقة كمية خالصة بين الكميتين . ولقد رأينا أن الكم قد سلب الكيف فيما سبق ومن هنا أصبحت خصائص الوجود هي التخارج الذاتي , وأن يكون محايدا للكيف وهذه هي خاصية الكم , ولكن سير الجدل في مقولات الكم أدى إلى ظهور الكيف من جديد , وهذا معناه أننا بدأنا نترك دائرة الكم وهذا الظهور الجديد للكيف لن يتضح صراحة إلا في القدر .


(ج) القدر

في المعادلة الآتية :6\3=2 نجد أن الجانب الأول 6\3 هو علاقة خارجية بين كميتين وهي لهذا السبب علاقة كمية , اما الجانب الثاني 2 فهو كمية تحدد نفسها بنفسها أو لها علاقة بذاتها لأنها تكونت عن طريق الجمع بين كميتين في كمية واحدة , وهاتان الكميتان مرتبطتان إحداهما بالأخرى بعلاقة خارجية , ولكن حين يجمع بينهما فإن العلاقة تصبح علاقة داخلية لكمية واحدة , وهي علاقة كمية واحدة بنفسها , ولأن لها علاقة بنفسها فهي كيفية .
ومن هنا كان لدينا في مقولة النسبة ربط بين الكم والكيف..................
فالقدر هو مركب من الكيف والكم " والقدر باعتباره اتحادا بين الكيف والكم هو بذلك تمام الوجود أو هو الوجود وقد اكتمل ..." موسوعة فقرة 107
تنقسم دائرة القدر إلى ثلاثة أقسام هي :
1- الكمية النوعية:
انتهينا إلى أن القدر هو اتحاد الكم والكيف ولكن هذا الاتحاد اتحاد مباشر فقط ومعنى المباشرة هنا أن الارتباط بينهما غير كامل , لأن الوحدة الكاملة إنما تعني أن أي تغير في الكم لا بد أن يعقبه تغير في الكيف أيضا , وفي هذه الحالة تصبح الوحدة كاملة والارتباط كاملا ووثيقا : أما الاتحاد الحالي المباشر فهو يعني أنه على الرغم من أن الكيف يعتمد على الكم إلى حد ما فإن الكم بمكن أن يتغير داخل حدود معينة دون ان يؤثر ذلك في الكيف , وعلى ذلك فالارتباط بينهما فضفاض بدلا من أن يكون دقيقا وحاسما . وهكذا نصل إلى تصور كمية معينة محددة تمثل الحد الذي إذا تخطاه الكم حدث تغير في الكيف وهذه هي الكمية النوعية .
والمثل الذي يذكر عادة لهذه المقولة هو تغير الماء إلى ثلج أو بخار , فهنالك كمية نوعية محددة للحرارة هي مائة درجة إذا جاوزناها اختفى كيف السيولة , وكمية الدرجة يمكن أن تتغير إذا شئنا حتى تصل إلى 100 درجة دون أن يحدث تغير . ولكن ما إن تجاوز هذا الحد حتى يختفي كيف السيولة ويتحول الماء إلى بخار وتحول الماء إلى بخار يعني تحوله إلى كيف جديد ....
والنقطة التي تبدأ التغيرات الكمية عندها في التأثير في الكيف هي ما يسميه هيغل "بالعقدة" ويسمى مجموعة النقط بالخط العقدي , وهو ما يمكن أن نسميه بنقطة التقاطع وخط التماس ....180
2- ما لا قدر له
وصلنا في مقولة الكمية النوعية إلى تصور لكيف معين كالماء يعتمد على حد كمي معين 100درجة لا يمكن تجاوزه , ولكن طالما ليس ثمة ما يمنع الخط العقدي من الامتداد فإننا نتجاوز هذا الخط وهكذا يختفي الكيف (السيولة) بمجرد تجاوزنا للحد الكمي "100درجة" وهكذا نجد أنفسنا أمام كم خالص قائم بذاته دون أن يخالطه كيف ما , ذلك لأن الدرجة 101 , 102 لا تعبر عن كيف جديد بعد , ولكنها مجرد كم لا يرتبط بأي لون من ألوان الكيف : وهذا ما يسميه هيغل بمقولة ما لا قدر له .
3- اللامتناهي الحقيقي في دائرة القدر :
حين تصل درجة جرارة الماء إلى مائة درجة تختفي سيولته وبذلك يظهر ما لا قدر له أي يختفي القدر القديم وهو الماء ما دامت درجة الحرارة قد جاوزت مائة درجة بمراحل .
أما القول بأن ما لا قدر له يصبح من جديد قدرا فيمكن ملاحظته حين يظهر كيف جديد هو الغازية فهي تعتمد على درجة الحرارة التي لا تقل عن المائة , وهكذا يصبح لدينا قدر جديد , غير أن هذا القدر الجديد باعتباره قدرا يعود فيتحول إلى لاقدر ..وهكذا باستمرار . وهنا نجد لدينا سلسلة لا متناهية زائفة تماثل بالضبط اللامتناهي الزائف في مجالي الكم والكيف ففي الكيف نجد الشيء المتناهي يصبح شيئا أخر لامتناهيا . ويصبح اللامتناهي من جديد متناهيا وهكذا باستمرار وفي القدر يتحول ما لاقدر له إلى قدر وهكذا باستمرار .

وفي الكم والكيف نصل إلى اللامتناهي الحقيقي عن طريق تبيان أن الانتقال إلى شيء أخر أو من كمية إلى أخرى هو عبارة عن الانتقال من الشيء إلى نفسه ومن ثم نجد أن القدر في انتقاله إلى ما لاقدر له ينتقل إلى نفسه فحسب لأن ما لاقدر له يتحول إلى قدر جديد أي أنه يعود مرة أخرى إلى نفسه .



الفصل الثاني: الماهية

تمهيد
انتهينا في القسم السابق إلى ان الكم والكيف متحدان , لأن الكيف يتحول إلى الكم , والكم يعود بدوره ويتحول إلى كيف من جديد , وبالتالي فكل منهما يتحول إلى الأخر , وإذن فهما متحدان , غير أن القول بأن كلا منهما يتحول إلى الأخر يتضمن أنهما متباينان , لأن تحول الشيء إلى شيء أخر يعني أن الشيء الثاني مختلف عن الشيء الأول , وإلا لما كان هنالك تحول وعلى ذلك يكون لدينا جانبان : جانب اتحاد الكم والكيف في هوية واحدة , وجانب اختلافهما أو تباينهما , ويؤدي ذلك إلى ظهور طبقتين للوجود : الطبقة السفلى وهي الوحدة الذاتية أو الاتحاد الدائم , أو الوجود غير المتميز , وهي طبقة تقوم على تبيان الكم والكيف ...وهذا التصور المزدوج للوجود هو الماهية ...185
* ويمكن أن نعتبر الماهية وصفا أو تعريفا لله , فالمطلق هو ماهية العالم أو الوجود المختبئ وراء العالم على أنه مصدره غير المرئي وهو تعريف قالت به الهندوسية والفكر الشرقي بصفة عامة ...189

وتنقسم الماهية كما انقسم الوجود من قبل إلى ثلاثة أقسام على التوالي:


أ-الماهية باعتبارها أساسا للوجود
أولا: المبادئ الخالصة أو مقولات الفكر النظري:
1- الهوية:

قلنا إن جانبي الماهية –كمايظهران أمامنا ذي بدء- هماالماهية وغير الماهوي , وقلنا إن التفرقة بينهما خاطئة,لأن غيرالماهوي ماهوي تماما كالماهية سواء بسواء , ومن ثم فغير الماهوي بما أنه ماهوي فهو نفسه ماهية ,فأي جانب منهما يمكن أ، نعتبره ما هية دون أن يغير ذلك من الأمر شيئا . فالجانبان ليسا شيئين ولكنهما شيء واحد , ينظر إليه تارة على أنه الماهية وتارة أخرى على أنه الظاهر .
وعلى ذلك فالماهية تعتبر ماهية بفضل علاقتها بنفسها وبالتالي فالماهية هي الانتساب إلى الذات والانتساب إلى الذات هو الذاتية أو الهوية . فكونك لا ترتبط إلا بنفسك يعني أنك تتحد مع نفسك في هوية واحدة .
* فالهوية حد نسبي وهو لهذا السبب يفترض الاختلاف , والاختلاف للسبب نفسه يفترض الهوية ولا معنى له بدونها , فليس هنالك اختلاف بدون هوية ولا هوية بدون اختلاف ومن هنا يمكن أن نقول عن الهوية إنها كل –يكونه عنصرا الهوية والاختلاف , وكذلك يمكن ان يقال عن الاختلاف أنه كل- يكونه عنصرا الاختلاف والهوية , أو قل إن الهوية تحتوي على نفسها وعلى الاختلاف معا , وأن الاختلاف يحتوي على نفسه وعلى الهوية في نفس الوقت ...194
2- الاختلاف :

الهوية إذا سلبية و لكنها ليست عدما خالصا فارغا , إنما هي سلب للوجود وخصائصه وهي تشبه الوجود في أنها علاقة ذاتية , وتزيد عنه في إنها علاقة ذاتية , وتزيد عنه في إنها علاقة ذاتية سلبية , أو بعبارة أخرى في إنها تفرق بينها وبين نفسها .
* وينقسم الاختلاف داخليا إلى ثلاث مقولات أو ثلاثة أوجه هي : التنوع-والمشابهة و المخالف-والتضاد .
التنوع :
قلنا أن الهوية تشتمل على نفسها وعلى الاختلاف , وأن الاختلاف يشمل على نفسه وعلى الهوية ومعنى ذلك أن كلا منهما يكون كلا مستقرا أو متوازنا طالما أنه يشتمل على مقابله في جوفه , وبذلك نستطيع أن نقول إن الوحدة منهما في حالة حياد مع الأخرى , والأشياء التي تكون في حالة حياد بهذا الشكل هي الأشياء المتنوعة .
المشابهة والمخالفة:
كانت الأشياء في مقولة التنوع في حالة حياد بعضها مع بعض , فكل منها هو ما هو عليه بذاته دون ان يتأثر في علاقته بأشياء أخرى ومن هنا كانت العلاقة بينهما خارجية , بمعنى أن أنها ليست جزءا من طبيعة الشيء لأنه هو ما هو عليه دون الإشارة إلى الأشياء الأخرى , وهذا يعني أنه إذا كان هنالك شيئان أ,ب فإن العلاقة بينهما لا يمكن أن توجد كلها في أ وحدها أو في ب وحدها , وإنما يمكن أن توجد فقط عن طريق المقارنة بينهما مقارنة خارجية ومثل هذه العلاقة الخارجية هي ما يسمى بالمشابهة والمخالفة .
التضاد :
في حالة الكهرباء نجد أن الموجب والسالب ليسا تيارين مختلفين يستقل كل منهما عن الأخر بل هما مرتبطان ارتباطا كاملا , فكل منهما يستمد أسمه وخصائصه من اسم الآخر وخصائصه , وليس ثمة قيمة لأحدهما بمعزل عن الأخر ففي التضاد نجد أن الشيء لا يواجه أي شيء وإنما هو يعارض شيئا آخر معينا .
وقانون التناقض هو الذي يصهرهما جميعا ويقال : إن جميع الأشياء هي في ذاتها متناقضة , كما يجب الإشارة إلى أن هذا المبدأ هو من أكثر المبادئ تعبيرا عن حقيقة الأشياء وماهيتها , والتناقض الذي ينبثق من التضاد ليس إلا العدم المتطور المتضمن في الهوية والذي يعبر عنه بالقول بأن قانون الهوية لا يقرر لنا شيئا , وهذا السلب في تحديده يصبح متنوعا , ثم يصبح تضادا , وها هو الآن يصبح تناقضا .
* ومن الآراء المبسترة التي يقدمها لنا المنطق التقليدي وكذلك خيالنا المألوف أن التناقض فكرة تقل أهمية عن الهوية غير أننا في الواقع إذا أردنا أن نبقي هاتين الفكرتين منفصلتين (الهوية والتناقض) وأن نرتبهما , فيجب علينا أن نعتبر التناقض أعمق من الهوية وأكثر منها جوهرية والواقع أن الهوية ليست بالنسبة إلى التناقض إلا تحديدا لما هو مباشر وبسيط , أو هي تحديد للوجود الميت فحسب , في حين أن التناقض هو مصدر كل حركة وكل حياة فالشيء لا يتحرك إلا أنه يحوي في صميمه تناقضا وقوة دافعة ونشاطا .
* والتناقض هو نفسه المبدأ المحرك للعالم: ومن السخف أن يقال إن التناقض لا يمكن التفكير فيه والشيء الوحيد الصحيح في هذه العبارة أن التناقض ليس نهاية المطاف بل إنه يلغي نفسه, ولكنه حين يلغي نفسه يصل إلى فكرة أعلى هي مقولة الأساس التي تشمل مقولة الهوية ومقولة الاختلاف معا : تشملهما كعناصر مكونة لفكرة جديدة.

3- الأساس :
الموجب يكون كذلك بالإشارة إلى السالب , والسالب سالب فحسب لأنه مضاد للموجب وبما أن كلا منهما يحمل نفس العلاقة , فإن الواحد منهما يمكن لذلك أن يحل محل الأخر , فالموجب هو كذلك سالب , والسالب هو كذلك موجب, فنحن نستطيع أن ننظر إلى الشمال على أنه موجب وفي هذه الحالة يكون الجنوب سالبا , ومن ثم فالموجب هو السالب , والسالب هو الموجب , فهما شيء واحد , وكل منهما يعتمد على الأخر اعتمادا مطلقا , وهذا الاعتماد المطلق هو ما يكون مقولة الأساس لأن السالب يعتمد على الموجب , ومن ثم الموجب هو أساس السالب , وبالمثل نجد السالب هو أساس الموجب وبالتالي فكل منهما هو أساس الأخر على حد سواء فالتمييز بينهما قد تلاشى , واتحادهما هو مقولة الأساس والأساس هو وحدة الهوية والاختلاف , هو حقيقتهما كما يكشف عنها سير الجدل , وقانون الأساس يقول "كل شيء له أساسه الكافي" أعني أن الوصف الحقيقي لأي شيء ليس هو وصفه بأنه هوية مع نفسه أو بأنه مختلف , أو بأنه موجب فحسب , أو سالب فقط , وإنما بأنه يشتمل في وجوده على آخر هو ماهيته وبهذا لا تكون الماهية انعكاسا مجردا في الذات وإنما انعكاسا في الآخر , و الأساس هو الماهية في جوانيتها الخاصة , فالماهية من الناحية الداخلية الذاتية عبارة عن أساس , وهي لا تكون أساسا إلا حين تكون أساسا لشيء ما , أعني أساسا لآخر .
ثانيا: الوجود الفعلي
في الأساس نجد أن التوسط بين الجانبين قد اختفى , و لا نجد أمانا الآن إلا المباشرة , فما له أساس باعتباره واقعة حاضرة أمامنا هو الوجود الفعلي فالمؤسس هو الموجود, ولكن الأساس متحد مع المؤسس ومن ثم فالأساس هو نفسه موجود أخر وهكذا نجد أمامنا فكرة عدد من الموجودات التي تحدد بعضها بعضا بالتبادل كأساس ومؤسس .
* فالوجود الفعلي يخرج من الأساس , بل إن كلمة الوجود الفعلي نفسها existenz مشتقة من الكلمة اللاتينية existere التي تعني الخروج من شيء ما ...204
* ويجب أن لا نخلط بين مقولة الوجود ومقولة الوجود الفعلي :
فالوجود الخالص هو لا تعين خالص .
اما الوجود الفعلي , ليس الوجود فحسب وإنما هو بدوره مدعوم الأساس عن طريق شيء ثالث .
وهكذا نجد ان الوجود الفعلي شيء أكثر تعقيدا وفكرة أكثر تقدما وأكثر غنى من التجريد الفارغ الذي بدأ به المنطق .

ثالثا: الشيء
رأينا أن الوجود الفعلي هو اتحاد مباشر للانعكاس في الذات والانعكاس في الآخر .
والتركيز على جانب الانعكاس في الذات وحده يبين لنا الأصل الذي ظهرت منه الفكرة الكانتية الشهيرة عن "الشيء في ذاته" فالشيء في ذاته عند كانت ليس إلا الانعكاس المجرد في الذات الذي يستبعد الانعكاس في الأشياء الأخرى , بحيث يصبح الشيء في ذاته –هوية ذاتية فارغة أو حملا فارغا لعلاقته بالأشياء الأخرى .
* وتنقسم مقولة الشيء في ذاته إلى ثلاث مقولات فرعية هي :
1- الشيء و خواصه :
أ- الانعكاس في الذات. ب- الانعكاس في الأخر .
إذا ما حللنا المفهوم الشائع للوجود الفعلي لوجدنا أن الكون وفقا لهذا المفهوم يتألف من (أ) أشياء (ب) ترتبط بشبكة من العلاقات .
* الشيء يمثل وحدة طاردة وهو بذلك له نشاطه الخاص , فهو يطرد الخواص الأخرى وهو بذلك أكثر من أن يكون مجرد جملة أو مجموعا للخواص , أو مكانا تتجمع فيه هذه الخواص : إنه شيء يكون مجرد جملة أو مجموعا للخواص , أو مكانا تتجمع فيه هذه الخواص : إنه شيء يكمن خلفها , شيء له هذه الخواص ويرفض أن يكون له غيرها : إنه الماهية.
* ويجب علينا أن لا نخلط بين الخاصية والكيف , إذ لا ريب إننا نقول إن الشيء له كيف غير أننا كثيرا ما نخطئ التعبير فنضع كلمة الشيءding التي تشير إلى شيء من الاستقلال مكان كلمة شيء etwas التي تشير إلى الشيء الذي يتحد مع كيفه اتحادا مباشرا في هوية واحدة بحيث يصبح هو ما هو عليه بفضل كيفه وحده .
فالشيء له خواص ويرجع ذلك إلى أن الخاصية هي الانعكاس في الآخر أي إنها ليست جزءا من الشيء ذاته وإنما هي تأثيره في الأشياء الأخرى وتأثره بها – فالماء مثلا يسبب صدأ للحديد فهذه الخاصية للماء أن يؤثر في الحديد, وخاصية للحديد أن يتأثر بالماء وتلك العلاقة هي علاقة متبادلة بين الماء والحديد وهي انعكاسها أو اعتمادها المتبادل , وهو ما نعنيه بالخاصية وهي فكرة أكثر تعقيدا من فكرة الكيف المجرد الذي يتحد مع الوجود في هوية واحدة بطريقة تجعل اختفاء الكيف يتسبب في اختفاء الوجود كذلك .
2- الشيء والمواد
الشيء وخواصه متبادلان , فالشيء الآن خاصية وليس شيئا والخاصية تتحد مع نفسها في هوية واحدة ويصبح لها وجود قائم بذاته , ولقد كان الشيء سبق هو ما "يوجد في ذاته" أو ما يتحد مع نفسه, أو الوجود الداخلي , او الماهية , بينما كانت الخواص هي الوجود الخارجي غير الماهوي , ألإصبحت الخاصية الأن ما يتحد مع نفسه أ, ما هو قائم بذاته , او هما الوجود الداخلي ذو الماهية , ولم يكن للخاصية وجود منفصل عن الشيء الي يلازمه بل كان الشيء هو وحده الذي له وجود مستقل ولكن الخاصية الآن أصبحت شيئا أعني وجودا مستقلا أو شبه مستقل , ومن هنا فإن الخواص لم يعد ينظر إليها على أنها ملاصقة للشيء وأنها هي نفسها موجودات مستقلة صلبة منعزلة عن الشيء الذي يتكون منها , إنها المواد التي يتألف منها الشيء , ومن ثم فقد توقفت الخواص عن أن تكون خواص وأصبحت موادا.
3- المادة والصورة
إن تجريد الفهم هو الذي يعزل المادة ويتصورها بلا شكل وبلا صورة معينة , ذلك لأن فكرة المادة نفسها تتضمن عنصر الصورة , ولا يمكن أن تظهر لنا مادة بلا صورة في أي مكان .


ب-الظاهر
يتم الانتقال من الماهية باعتبارها أساسا للوجود الفعلي إلى الظاهر على النحو التالي : لقد انشطر الشيء إلى نصفين : هما المادة والصورة ولكن ظهر إلا أن كل نصف هو الكل لأنه يحتوي على النصف الأخر , فالصورة تشمل كل المادة , والمادة تشمل كل الصورة لأن المادة هي الفراغ الذي يتحد مع نفسه في هوية واحدة.
• وعلى ذلك فالشيء يتضمن تناقضا لأنه من ناحية مادة , أعني انعكاسا في الذات , وهو من ناحية أخرى صورة , أعني انعكاسا في الأخر .
• وعلى ذلك فهو وجود يلغي استقلاله نفسه ويتحول إلى اعتماد على شيء أخر , والوجود الفعلي منظورا إليه بهذا الشكل هو الظاهر .
• إن الفلسفة ترى الطابع الظاهري لما يفترض الوعي المألوف أنه وجود قائم بذاته.
• فالظاهر مرتبة أعلى من مجرد الوجود, هي مقولة أغنى لأنها تمسك بالعنصرين معا : عنصر الانعكاس في الذات وعنصر الانعكاس في الأخر , على حين أن الوجود "أو المباشر" تنعدم فيه كل علاقة (أي كل انعكاس في الآخر) ولا يعتمد إلا على نفسه فقط .
وينقسم الظاهر إلى ثلاثة أقسام هي :
1- عالم الظاهر
الشيء يتألف من المادة والصورة , والمادة باعتبارها الانعكاس في الذات هي الوجود الداخلي أو الماهية, والصورة باعتبارها الانعكاس في الأخر هي الوجود الخارجي أو هي الظاهر.
ومن هنا كان أساس الظاهرة هو ظاهرة أخرى وأساس هذه الظاهرة الجديدة هو ظاهرة ثالثة ...وهكذا تستمر الظاهرة في التعدد بفضل الصورة حتى نجد لدينا كثرة من الظواهر هي التي نسميها بعالم الظواهر .
* فما استنبطناه هنا ليس هو العالم نفسه وإنما هو ظاهرية هذا العالم "والظاهرية فكرة خالصة وليست شيئا, فنحن حين استنبطنا في المراحل الأولى من سير المنطق مقولة الكم لم نستبنط الأشياء الحسية التي ينطبق عليها الكم ولكنا استنبطنا فقط الفكرة الخالصة . وكذلك ترانا هنا لا نستنبط عالم الحواس او أي عالم أخر . وإنما نستنبط فقط المقولة الخالصة التي يطبقها العقل حين ينظر إلى الكون ويعتبره عالم الظواهر .
2-المضمون والشكل
بمعنى أن الحركة الجدلية من المادة والصورة خلال عالم الظواهر إلى المضمون والشكل هي انتقال المادة التي لم تكن سوى صورة بالقوة إلى المضمون الذي هو الشكل .
3- الإضافة
كانت المادة والصورة في حالة حياد متبادل فالمادة ينظر إليها على أنها لا صورة لها . والصورة ينظر إليها على أنها لا مادة لها , فكل منهما لا تكترث بالأخرى, أو هما لا ترتبطان إلا ارتباطا خارجيا فحسب , ثم تحولت المادة إلى مضمون حين ارتبطت بالصورة ارتباطا ضروريا واتحدت معها في هوية واحدة , وهذا يؤدي بنا إلى مقولة النسبة أو الإضافة , حيث نجد أن المقولتين تتحدان في هوية واحدة على الرغم من أنهما متمايزتان ومع ذلك فأي المقولتين هو المقولة الأخرى منظورا إليها بنظرة مختلفة.
وتنقسم دائرة الإضافة إلى ثلاث مقولات فرعية هي :
- الكل والأجزاء
المضمون هو الكل وهو يتألف من الأجزاء "الشكل" أو الطرف المقابل لهذا الكل . والكل والأجزاء في حالة حياد لأنهما مباشران. ومع ذلك فهما متساويان تماما, إذ من الواضح أن الحدين هنا متحدان ومتساويان كل منهما مع الأخر.
فالأعضاء والأطراف مثلا في الجسم العضوي , ليست مجرد أجزاء فيه , لأن كل عضو هو ما هو عليه بواسطة وحدة الأعضاء كلها , ولا شك ان الأعضاء تتأثر بهذه الوحدة وتؤثر فيها بدورها , وهذه الأعضاء والأطراف تصبح مجرد أجزاء فحسب حين توضع بين يدي عالم التشريح الذي نعرف أن عمله لا ينصب على الجسد الحي وإنما على الجثة أو الجسد الميت , وعلى ذلك فالعلاقة الخارجية الآلية بين الكل والأجزاء لا يمكن أن ترضينا أو ان تكون كافية إذا نحن أردنا دراسة الحياة العضوية في حقيقتها وإذا كانت هذه المقولة لا تنطبق على الحياة العضوية فإنها هي نفسها الحال- إلى حد كبير جدا – حين نطبقها على العقل وعلى تكوينات العالم الروحي .
- القوة ومظهر تحققها
الكل هو لحظة الانعكاس في الذات"الأجزاء" غير أن الانعكاس في الذات هو نفسه الانعكاس في الآخر "الأجزاء" ولحظة الانعكاس في الذات هي لحظة الهوية أو الاتحاد , ولحظة الانعكاس في الآخر هي لحظة الاختلاف والتعدد , وهما متحدان في هوية واحدة , وهكذا نصل إلى القوة أو الكل الذي يتحد مع نفسه في هوية واحدة أو إلى الطاقة الكامنة التي تلغي كمونها وتعبر عن نفسها أو العكس .
* فالقوة ليست شيئا ومظهرها شيء أخر وإنما هما شيء واحد .

- الجواني والبراني
قلنا إن القوة ليست شيئا ومظهرها شيئا آخر , وإنما هما شيء واحد ,لأن القوة ليست إلا الانعكاس في الذات, فالقوة ومظهرها متحدان في هوية واحدة . ونحن الآن نستطيع أن نضيف أن القوة هي الوجود الداخلي أو جانب الماهية .
ويمكن أن نقول أيضا إن مظهرها هو الوجود الخارجي لأنه جانب الاختلاف أو هو الانعكاس في الآخر , وهكذا نصل إلى مقولة الوجود الداخلي والوجود الخارجي أو الجواني والبراني .
* والعلاقة بين الجواني والبراني تربط بين المقولتين السابقتين وتوحد بينهما لأن كلا منهما يتضمن الآخر تضمنا كاملا , ويعتمد على الأخر اعتمادا كاملا , فما هو جواني لابد بالضرورة أن يصبح برانيا والعكس , إلا أن الفهم قد يبقي على الفصل بين الجواني والبراني ويباعد بينهما , وهما حينئذ سيكونان صورتين فارغتين لا يقل أحدهما وهما عن الأخر .
* يجب أن نتجنب الوقوع في التصور الخاطئ الذي يذهب إلى أن الجواني هو الجانب الجوهري أو الماهوي الذي يعتمد عليه كل شيء آخر , بينما البراني ليس سوى الجانب الماهوي التافه.. والواقع أن الشيء يصبح ناقصا ومعيبا إذا نظر إليه على أنه براني فقط فلا ريب أن الطفل مثلا –كطفل- لا يكون بادئ ذي بدء إلا حالة جوانية فقط أي مجرد إمكانية واستعداد طبيعي .....220

ج- الحقيقة الواقعية أو الوجود بالفعل
قلنا إن الحقيقة الواقعية هي اتحاد الجواني والبراني, ولكننا سبق أن رأينا أن الجواني هو أساس البراني أو البراني هو نفسه الجواني, ومن ثم فالجواني يشمل في جوفه أساساه الخاص ولا يحتاج إلى شيء من خارج, وعلى ذلك فالحقيقة الواقعية هي المدعوم الأساس بذاته, الذي يحدد نفسه بنفسه وينعدم فيه الافتقار إلى شيء أخر .
والحقيقة الواقعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- الجوهر والعرض :
فالجوهر يميز نفسه في تنوع خارجي , ولكن ما يخرجه الجوهر من نفسه ليس إلا ذاته وهكذا يختفي من جديد في علاقة بالذات هي الجوهر فهو ليس إلا لحظة من لحظات الجوهر ينظر إليها إلى أجل موقوت كما لو كانت شيئا منفصلا وهذا النوع من اللحظات الفانية التي يظهرها الجوهر من ذاته ثم يمتصها من جديد باعتبارها تحولات في وجوده الخاص هي ما نسميه بالأعراض . ومن هنا لدينا علاقة الجوهر بالعرض.
2- السبب والنتيجة:
الجوهر إذن عبارة عن علاقة ذاتية , وبالتالي فهو يسلب نفسه ويتجلى في العرض , أي أن الجوهر يخرج العرض من ذاته ولكن ما يخرجه الجوهر ليس إلا نتيجة لسلب نفسه , ولذلك فهو قوة سالبة أو هو قوة ناشطة , إنه جوهر نشط أو فعال , ومن ناحية أخرى فإن ما يقدمه لنا الجوهر ليس إلا ذاته , أعني أنه هو نفسه الجوهر , ومن هنا كان العرض جوهرا هو الأخر نتصوره على انه : متقبل لهذه القوة وتلك هي العلاقة بين السبب والنتيجة فالجوهر الفاعل هو السبب والجوهر المتقبل هو النتيجة والعلاقة بينهما هي العلاقة بين الجوهر الفاعل والجوهر المنفعل .
3- التفاعل :
تعتمد مقولة السببية على التمييز بين الجوهر الفاعل والجوهر المنفعل إلا أن التمييز لا يمكن ان يستمر , ذلك لأن ما هو منفعل هو كذلك فاعل لأنه الجوهر هو الآخر وبذلك ينهار التمييز بين السبب والنتيجة ويصبح كل منهما سببا ونتيجة في آن واحد , فالجوهر "أ" مثلا باعتباره فاعلا يؤثر في الجوهر "ب" باعتباره منفعلا ...ولكن "ب" باعتباره فاعلا يؤثر كذلك في "أ" وذلك هو التفاعل , أو فعل ورد فعل .







الباب الثالث: الفكرة الشاملة



تمهيد
بدأ المنهج الجدلي سيره بدائرة الوجود , ثم بين لنا أن هذه الدائرة لا يمكن أن تقوم بذاتها ولكنها لا أن تسلمنا إلى دائرة أخرى تمثل درجة أعلى في سلم المعرفة وهذه الدائرة هي الماهية . وها نحن أولاء نصل إلى القسم الثالث والأخير الذي يعتبر أعلى درجات المعرفة . فإذا كانت مقولات الوجود تمثل درجة دنيا من المعرفة . فإن مقولات الماهية تمثل معرفة الفهم , قي حين أن المقولات الفكرة الشاملة هي أساس المعرفة العقلية بصفة خاصة .
* إذ ليس الوجود والماهية إلا لحظتين من لحظات الفكر ..ومعنى ذلك أن الفكر هو حقيقتهما وهو أساسهما لأنه الهوية التي تجمعهما معا ..ومعناه أيضا أن الوجود والماهية تضمنتا البذور الأولى للفكرة الشاملة .
وعودة إلى العرض والجوهر حيث الأول هو نفسه ما يخرجه الجوهر من نفسه فإنه كذلك جوهر , والعلاقة بين جوهرين أحدهما فاعل والثاني منفعل , وهذه العلاقة هي علاقة السبب والنتيجة , فالجوهر الأول هو السبب والجوهر الثاني هو النتيجة . ولكن طالما ان النتيجة جوهر فهي لذلك سبب يؤثر مع ضده في هوية واحدة بحيث يختفي التمييز بين السبب والنتيجة فيصبح السبب نتيجة وتصبح النتيجة سببا , ومن هنا يصبح الجوهران جوهر واحدا فحسب , بمعنى أن الضد ليس شيئا مختلفا وإنما هو نفسه الجوهر , ومعنى ذلك أن الجوهر يبقى في التضاد في هوية واحدة مع نفسه وهذا هو تعريف الفكر .
• بقي بعد ذلك أن نعرف معنى قولنا إن الفكر هو مبدأ الحرية , وذلك سيتطلب منا أن نعود مرة ثانية إلى مقولات الماهية حيث نجد أن عنصر الضرورة الكامن في مقولة الجوهر والعرض قد تطور من خلال مقولة السبب والنتيجة بحيث لا يكونان لحظتين ترتبطان ضرورة وإنما تصبحان وجهين لنشاط حر وهكذا يتضح لنا ان حقيقة الضرورة هي الحرية وعلى هذا النحو ننتقل من دائرة الماهية إلى دائرة الفكر الشاملة .

*ووجهة النظر العامة لدائرة الفكر الشاملة هي أن كل الاشياء عبارة عن فكر ولكن الفكر له جانبان هما : الذات والموضوع . ومن هنا سنجد أن كل جانب من هذين الجانبين يركز عليه بادئ ذي بدء تركيزا تجريديا , فيوصف الكون أولا بأنه ذات , ثم يوصف-ثانيا- بأنه موضوع , وفي النهاية يرفع هذا الانفصال وتوصف طبيعة الكون بنها الفكر الذي لاهو ذات فحسب ولا هو موضوع فقط وإنما هو الذات والمضوع في أن معا ..............231
فحسبنا نقول الآن إن الفكر ينقسم ثلاثة أقسام هي :


أ- الفكر الذاتي :

أولا الفكرة الشاملة بما هي كذلك
الكلي والجزئي والفردي
الكلي بمعناه الصحيح الشامل هو , الهوية المتحدة مع نفسها والتي تبقى في ذاتها أيضا حين تكون مع ضدها , أو هي التوسط الذاتي أو التحديد ومن ثم فهي هوية تحدد نفسها تحديدا مطلقا , وهذه العلاقة الذاتية هي الكلي .
• إذا كان الكلي هو لحظة هوية , والجزئي هو لحظة الاختلاف أو السلب , فإن الفردي هو لحظة سلب ثانية , أو هو سلب للسلب الأول , ولكن الفردي عبارة عن جماع كلي والجزئي فهو يشملهما في جوفه والكلي بدوره هو مجموع الفردي والجزئي , والجزئي كذلك يشمل الكلي والفردي في داخله , ومن هنا يكون لدينا ثلاثة مجاميع كل منها يشمل اللحظتين الأخريين في جوفه , وهذا الانقسام للفكرة هو الحكم .

ثانيا: الحكم
لا الحكم ولا الفكرة توجد في رؤوسنا فقط أو نقوم نحن بتكوينها , ذلك ان الفكرة هي قلب الأشياء ومركزها , وهي التي تجعل الأشياء على ما هي عليه ومن هنا كان تكوين فكرة عن شيء ما يعني أن نصبح نحن على وعي بفكرة هذا الشيء وحين نتقدم أكثر من ذلك ونحكم على هذا الشيء , فإننا لا نحكم على الموضوع , فإننا لا نقوم بفعل ذاتي فننسب هذا المحمول أو ذاك إلى الموضوع , بل إننا على العكس نلاحظ الموضوع في طابعه النوعي كما تضعه فكرته , ومن هنا أمكننا ان نقول "إن كل شيء حكم" كما سنقول فيما بعد " أن كل شيء عبارة عن قياس".....238
وتنقسم الأحكام إلى أربعة أقسام هي :

1-الحكم الكيفي :
الحكم هو خروج الفكرة إلى الآخرية وهي في القياس تعود إلى نفسها وتضم عواملها معا من جديد في هوية مطلقة . ومن هنا كانت الأنواع المختلفة من الحكم تؤلف حركة تدريجية تسير بها الفكرة من الاستقلال الكامل لعواملها إلى أن تعود إلى هويتها التي تصل إليها أخيرا في القياس .

الحكم الموجب :
و صورة هذا الحكم هي "الفردي هو الكلي" وكل من الحدين مباشر, فالفردي المباشر هو موضوع فرد مثل "هذه الوردة" والكلي المباشر الذي لا توسط فيه أو الذي لا يحتوي على الجزئي والفردي أي "الكلي المجرد".

الحكم السالب:
نجد ان الحكم الموجب حكم ناقص ويرجع نقصه إلى تداخل الموضوع والمحمول في الوقت الذي يهدف فيه الحكم إلى العثور على محمول يستوعب الموضوع تماما ويوضحه الأمر الذي لا نجده أمامنا في الحكم الموجب , إذ إننا نجد ان المحمول ينطبق نفسه , ومن هنا يقودنا إلى صورة يتضح فيها صراحة عدم التكافؤ بين الفردي والكلي أو التفاوت بين الموضوع والمحمول , وهذا ما نجده في الحكم السلبي "هذه الوردة ليست حمراء" وصورته هي "الفردي ليس هو الكلي" .

الحكم المعدول :
الواقع أن الحكم السلبي هو نفسه حكم إيجابي لأن إنكارك ان الوردة حمراء هو إثبات ضمني , بأن لها لونا أي ان لونا خير غير اللون الأحمر , وهذا نفسه حكم إيجابي .
وصورته هي "الفردي هو الجزئي"
فأنت لا تقول شيئا واضحا أو شيئا من الأحكام لا تصف الموضوع بكيفيته العارضة وإنما تصفه من حيث علاقته بغيره أي لا بد أن ننتقل من أحكام الملازمة إلى أحكام الانعكاس .

2- حكم الانعكاس :
يختلف حكم الانعكاس عن الحكم الكيفي في أن محموله ليس كيفا مباشرا أو مجردا وإنما هو حكم يكون فيه الموضوع على علاقة بشيء آخر . فلقد كنا نقول مثلا "هذه الوردة حمراء" ونحن في هذه الحالة ننظر إلى الموضوع في فرديته المباشرة دون الإشارة إلى شيء أخر , ولو قلنا من ناحية أخرى "هذا النبات صحي" أو "هذا العشب له فوائد طبية" فإننا فيه هذه الحالة ننظر على الموضوع وهو البنات أو العشب في علاقته بشيء أخر وهو "المرض الذي يعالجه" عن طريق محموله وهو "كلمة صحي او له فوائد طبية" .
فنحن في جميع هذه الأمثلة نجد ان المحمول هو مقولة من مقولات الانعكاس وهي كلها تعبر عن تقدم أبعد من الفردية المباشرة التي كانت للموضوع في الحكم الكيفي , وإن لم تؤد أي منها إلى الفكرة التامة الكاملة عن الحكم .

الحكم الفردي
ان أول صورة من حكم الانعكاس هي صورة "الفردي هو الكلي" وهي نفسها أو صورة من صور الحكم الكيفي وهو الحكم الموجب . والفرق بينهما ان الفردية في المثلث السابق كانت جزءا من طبيعة حكم باعتباره حكما كيفيا , انا هنا فهي الصورة التي نبدا بها فحسب, مثل "هذا المنزل نافع" أو "هذا العشب سام"

الحكم الجزئي
ليس صحيحا في هذه المرحلة أن الفردي هو الكلي أي "ليس الفردي هو الكلي" وإنما الصحيح أن الجزئي هو الكلي. وهكذا نصل إلى الحكم الجزئي مثل: "بعض المنازل نافعة" أو بعض العشب سام"
فعن طريق الجزئية يفقد الفرد المباشر استقلاله ويدخل في علاقة مع شيء أخر.

الحكم الكلي
الحكم الجزئي هو حكم موجب وسالب في آن معا فلو كانت بعض الأجسام مرنة لكان من الواضح أن بعضها الأخر ليس مرنا , وهنا يتضح الحكم الجزئي.
ومن ثم فنحن نقول عن كل فرد من أفراد هذه الفئة إنه قد تكون له هذه الصفة وقد لا تكون , مع أننا ننشد القول بأن هذا الفرد له هذه الخاصية , ومن هنا فإن حكمنا لا بد أن يشمل كل الأفراد وهكذا نصل إلى الحكم الكلي مثل: "كل الناس فانون" "كل المعادن موصلة للحرارة"....245

3- حكم الضرورة:
لا بد أن تكون كلية شاملة لهؤلاء الأفراد بالذات دون أن تشمل غيرهم , لأنها لو شملت غيرهم فسوف نعود من جديد إلى الحكم الجزئي . ولعلاج هذا النقص لا بد من الانتقال من هذه الأحكام التي يكون فيها الموضوع مجرد إحصاء أو كلية عددية إلى أحكام فيها الموضوع جنسا.

الحكم الحملي
وأول صورة من صور حكم الضرورة هي الحكم الحملي الذي نربط فيه بين نوع معين كالورد بما هو كذلك , بالجنس الذي يكون هذا النوع جزءا منه وهو النبات في هذه الحالة فيكون لدينا حكم مثل: "الورد نبات" أو "الذهب معدن" ...الخ وهذا هو الحكم المباشر في أحكام الضرورة , وهو يقابل مقولة الجوهر في دائرة الماهية.

الحكم الشرطي المتصل
إلا أن الحكم الحملي هو إلى حد ما حكم ناقص , ذلك لأنه يفسح المجال لعامل الجزئية . صحيح إن الذهب معدن إلا أن الفضة , والنحاس والحديد معادن هي أخرى.
فما كان ضمنيا في الحكم الحملي يظهر صريحا في الحكم الشرطي المتصل مثل "إذا كان هذا ذهبا فهو معدن"

الحكم الشرطي المنفصل
وهنا يظهر الجنس نفسه كمحمول وموضع في آن واحد فهو يظهر في كليته مرة , وفي مجموع أنواعه مرة أخرى, فإذا قلنا إن أ لا بد بطبيعتها أن تكون إما ب أو ج فإننا نصل بذلك إلى الهوية .

4- حكم الفكرة
الحكم الإخباري
ويقرر الحكم الإخباري الاتفاق أو الاختلاف مع المثل الأعلى مثل: "هذا الفعل خير" أو "هذا السلوك حق" أو "هذا الإنسان عاقل" ..الخ . أي أن الموضوع هنا فرد مثل هذا الفعل , وهذا السلوك, وهو بما أنه فرد فلا يمكن أن يكون بالضرورة خيرا أو حقا ...الخ إذ قد يظهر حكم معارض –وله نفس الحق في الظهور- ينكر هذا الحكم ويقرر "هذا السلوك ليس خيرا" وهكذا نضطر إلى الانتقال إلى الحكم الاحتمالي.

الحكم اليقيني
إننا نصل إلى حكم مثل : "الفعل بما أنه عبارة عن كذا وكذا فهو خير" , و"هذه الصورة بما أنها مرسومة بهذا الشكل فهي جميلة" وبهذا يرتفع الموضوع الآن من العرض إلى الضرورة فالصورة لابد أن تكون جميلة لأنها رسمت بهذا الشكل أو بمعنى آخر جمال الصورة قائم على طبيعة الصورة نفسها فهي أساس نفسها وإذا كان الشيء أساس نفسه فهو ضروري ومن هنا كان مثل هذا الحكم هو الحكم اليقيني

ثالثا: القياس
القياس هو مركب الفكرة والحكم .
فالقياس فكرة لأنه يعبر عن هوية بسيطة "عن طريق الحد الأوسط" وهو حكم لأنه يوضح في صورة حدود.
القياس من ناحية يتسم بالتعبير عن هوية الأضداد , ولهذا فهو صورة العقل ونتاجه . ومن هنا كان القياس هو أساس كل شيء "لأن العقل هو أساس كل شيء والقياس هو صورته المناسبة" إذ يمكن أن نقول إن كل شيء عبارة عن قياس .
والقياس كغيره من المقولات تعريف للمطلق إذ يعرف المطلق الآن , بأنه قياس , فالله ليس هو الكلي المجرد الفارغ وإنما هو الكلي الذي يخرج من ذاته إلى الجزئي في صورة الطبيعة ثم يعود إلى نفسه من جديد في الفردية العينية وهي الروح.
* فالحرية والحق والواجب وما إليها لا تظل كليات مجردة فارغة , وإنما تميز نفسها وتظهر نفسها وتظهر من خلال الجزئية على أنها هذه الحرية وهذا الحق وهذا الواجب , وهي لهذا أقيسة لأن القياس يعبر عن فكرة مؤداها أن الحد الأوسط يجمع بين حدين أقصيين والصورة القياسية بهذا الشكل هي صورة عامة للأشياء جميعا.

وللقياس ثلاثة أنواع هي :
1- القياس الكيفي:
وفيه نجد عناصر الفكرة تواجه بعضها بعضا دون أن ترتبط إلا برباط خارجي . فنحن لدينا بادئ ذي بدء طرفان هما : الفردي والكلي يربط بينهما الجزئي المجرد , ولهذا يوضع الطرفان في استقلال دون ارتباط حقيقي بينهما وبين الحد الأوسط . ولهذا قيل إنه قياس الفهم.
ولهذا القياس ثلاثة أشكال هي:
*الشكل الأول
ف-ج-ك
والفكرة تكون في هذا القياس في أعلى درجات الاغتراب عن ذاتها : إذ نجد فيه أن شيئا مباشرا هو الموضوع الفرد (ف) تلحق به خاصية جزئية عارضة (ج) وعم طريق هذه الخاصية يتحول الكلي(ك) .كما هي الحال حين تقول مثلا: الاحمرار لون , وهذه الوردة حمراء , إذن "هذه الوردة لها لون" وتلك هي صورة القياس الشائعة التي يعالجها المنطق الصوري.
* الشكل الثاني
ج-ف-ك
صورة هذا القياس على النحو التالي:
ف هي ك
ف هي ج
ـــــــــــــــــــــ
إذن ج هي ك
إلا أننا نجد أن هذا القياس لم يغير إلا في ترتيب الحدود فحسب , فهذا الفردي هو كما سب شيئ فردي والحدان الآخران هما صفتان عشوائيتان يتصادف إرتباطهما بنفس الموضوع مثل :
هذا الغراب أسود اللون
هذا الغراب مكروه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذن اللون الأسود مكروه
فالنتيجة التي ينتهي إليها هذا القياس , وهي أن اللون الأسود مكروه قد تكون صادقة في الواقع ولكن صدقها هذا لا يرجع إلى كونها نتيجة في القياس , وإنما هي شيء عرضي وهذه العرضية في الربط بين الجنس ونوع واحد من أنواعه هي ما تعبر عنه نتيجة هذا الشكل : (ج هي ك) تعبيرا واضحا. وهو ما كان ضمنيا في الشكل الأول . غير أن ذلك لا يعني أننا لم نتقدم عن الشكل الأول , صحيح أن الحدود لا تزال غير مرتبطة إلا أن نتيجة هذا الشكل وهي (ج هي ك) هي المقدمة الكبرى في الشكل الأول ومن ثم فهذا الشكل يعالج النقص الموجود في الشكل السابق.
* الشكل الثالث
ف-ك-ج
وصورة هذا القياس:
ج هي ك
ف هي ك
ـــــــــــــــــــــــ
إذن ف هي ك

اللون الأخضر محبوب
هذه الفاكهة محبوبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
إذن هذه الفاكهة الخضراء محبوبة

ويكمن النقص في هذا القياس في أن الكلي –وهو الحد الأوسط- لا يرتبط ارتباطا لازما بين الحدين الآخرين , وهذا نقص يؤخذ على القياس الكيفي بأشكاله الثلاثة وسوف يعالج في ألوان تالية في القياس.

* الشكل الرابع أو القياس الرياضي
الحدود سابقا غير أماكنها , وأصبح كل منها حدا أوسط على التوالي (الجزئي-الفردي- الكلي) إلا أن ذلك يؤدي إلى رفع أو إلغاء ما بينهما من اختلافات نوعية , ومن هنا لا يكون هنالك فرق بين هذه العناصر الثلاثة المكونة للفكرة , فهي كلها متحدة ما دام كل عنصر يمكن أن يحل محل الأخر . ويؤدي بنا ذلك إلى قياس نجد فيه هذه الحيادية الكاملة بين الحدود بحيث تصبح حدود القياس مرتبطة بعلاقة التساوي أو الهوية الخارجية هوية الفهم , وذلك هو القياس الكمي أو الرياضي الذي يقول : الشيئان المساويان لثالث متساويان, وصورته:
أ=ب
ب=ج
ــــــــــــــ
إذن أ=ج

2- قياس الانعكاس:
النتيجة الإيجابية لهذه العملية السابقة هي أننا لابد أن نضع الحد الأوسط كما يجب أن يكون فعلا أي اتحاد عينيا . وبما أن الأطراف هي أولا الفردية والكلية, فإن الحد الأوسط سيكون هو الجزئية التي تجمع في جوفها بين الفردية والكلية , مثل هذا القياس سيكون قياس الانعكاس.
* قياس الكل
لن يكون الحد الأوسط هنا مجرد طابع جزئي بل سيكون هو الجزئية التي تتألف من جميع أفراد الموضوع التي لها مثل هذا الطابع , ومن هنا سنقول : كل المعادن وكل الناس وبهذا سنصل إلى القياس الأتي:
كل المعادن موصلة للحرارة
الذهب معدن
ــــــــــــــــــــــــ
إذن الذهب موصل للحرارة

وصورته هي:

ج هي ك
ف هي ج
ــــــــــــــــــ
إذن ف هي ك
إلا هذا القياس يعالج الواقع ما في القياس الكيفي من نقص , ذلك أن الحد الأوسط كان هنالك مجرد تجريد أو طباع جزئي , أو خاصية لموضوع له خصائص متعددة يمكن أن تكون إحداها حدا أوسط ومن هنا كان اختيار الحد الأوسط إنما يكون عرضا واتفاقا . ولكن الحد الأوسط في قياس الكل ليس خاصية جزئية وإنما هو جملة من الأشياء العينية مثل : كل المعادن , وكل الناس...الخ
* قياس الاستقراء
لنتأكد من صحة الكلي , العلاج الوحيد لهذا النقص هو أن نحصي الأفراد فردا فردا لكي نتبين أن كلا منهم موصل للحرارة أو أن كلا منهم فان ....الخ. وهذا هو قياس الاستقراء (ج-ف-ك) وصورته هي على النحو التالي:
ف
ف
ك ف ك
ف
إلى ما لا نهاية
وتكون المقدمتان على هذا النحو:
ف
ف
ف ج مقدمة صغرى
ف
إلخ
وهي تعني أن الذهب والفضة والنحاس والرصاص إلخ هي كلها معادن
ف
ف ك مقدمة كبرى
ف
ف
الخ
وهي تعني أن الذهب موصل للحرارة والفضة موصلة للحرارة........الخ وتكون النتيجة هي (ج-ك) أي أن كل المعادن موصلة للحرارة.
* قياس المماثلة
كنا نحاول في قياس الاستقراء القيام بعملية حصر أو إحصاء كامل للأفراد , إلا أن ذلك في الواقع محال , لأننا لا يمكن أن نحصي الأفراد إلى ما لا نهاية . ومن هنا فإن قولنا "كل المعادن" أو "كل الناس" أو"كل النبات" لا يعني أكثر من إننا نقصد كل الأفراد الذين عرفناهم حتى الآن.....261
وهذا العجز يدفعنا إلى لون أخر من القياس هو قياس المماثلة وفي قياس المماثلة ترانا نقوم بعملية استنتاجية نقول عنها إنه بما أن بعض أفراد النوع المعين لها هذه الخاصية أو تلك, فإن هذه الخاصية تصدق على جميع أفراد هذا النوع.
فلو قلنا إن جميع الكواكب التي اكتشفناها حتى الآن تخضع لقانون الحركة , وبالتالي فإن أي كوكب نكتشفه بعد ذلك سوف يخضع للقانون نفسه .
*غير أننا لا بد أن نحذر من أن المماثلة قد تكون سطحية فتسوقنا إلى لون سيئ جيد من المماثلة كأن نقول مثلا: بما أن زيد من الناس عالم, وبما أن عمر إنسان مثله , فإن الأرجح أن يكون عمر عالما أيضا ....

3- قياس الضرورة
النقص الموجود بقياس المماثلة يمكن أن نعالجه بطريقة واحدة هي أن يتخذ القياس شكل ف-ج-ك حقا , أي أن يكون الحد الأوسط كليا حقيقيا , أي جنسا يربط بين الحدين الآخرين ارتباطا ضروريا ويعتبرهما جانبين من طبيعته الخاصة .
وهذا هو قياس الضرورة الذي يعبر فيه الحد الأوسط عن ماهية الحدين الآخرين وبالتالي يتجنب ما وقع فيه قياس الاستقراء وقياس المماثلة من نقص. وأشكال قياس الضرورة ثلاث هي:

* القياس الحملي
الحد الأوسط هنا هو الجنس الذي يجمع ضرورة بين الحدين الآخرين وهو أساس الفردي إذ بدونه لا يكون على ما هو عليه مثل:
الذهب معدن
المعدن عنصر
ــــــــــــــــــ
إذن الذهب عنصر
* القياس الشرطي المتصل
المثال السابق "في القياس الحملي" نجد ان يعبر صراحة عما كان غير صريح في القياس الحملي ويمكن ان نعبر عنه بصورة أخرى:
إذا كان الذهب معدنا فهو عنصر
الذهب عنصر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذن الذهب معدن
والحد الأوسط هنا يعبر عن الفردي ولهذا فإن صورة هذا القياس هي: ج-ف-ك وهو الشكل الثاني.

* القياس الشرطي المنفصل
الحد الأوسط هنا هو الجنس العيني الذي يشمل في جوفه كلا من الفردي والجزئي , أو بمعنى أخر الحد الأوسط في القياس الشرطي المنفصل هو الجنس والحدين الآخرين هما أنواعه وصورته هي (ف-ك-ج) وهو الشكل الثالث.
الكائنات العاقلة إما بشر أو ملائكة
سقراط عاقل وهو ليس ملاكا
ــــــــــــــــــــــــــ
إذن سقراط بشر
أو يكون على النحو التالي:
الكائنات العاقلة إما تكون بشر أو ملائكة
سقراط كائن عاقل وهو بشر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذن سقراط ليس ملاكا


ب- الفكر الموضوعي


1- الآلية:
وأول وجه للفكر الموضوعي هو الموضوعية المباشرة , وهذا يعني أن كل موضوع هو موجود قائم بذاته لا يؤثر ولا يتأثر بغيره على الإطلاق, ومن ثم فوجوده لا يتأثر قط بغيره من الموضوعات , وبالتالي فالعلاقات الوحيدة بين هذه الموضوعات هي العلاقات الخارجية الخالصة.
ويمكن أن نقول إن العلاقات المجردة بين المادة في كتلها الجامدة هي وحدها التي تخضع للقوانين الآلية.
* لا شك أن الآلية تجد لها مكانا في عالم الروح : فنحن نكون على حق حين نتحدث عن الذاكرة الآلية, وعن جميع العمليات الآلية كالقراءة والكتابة والعزف على الآلات الموسيقية....إلخ
* إلا أننا يجب ألا نبالغ في الدور الذي تلعبه الآلية في عالم الروح , فإذا كانت الآلية تلعب دورا هاما في الذاكرة فلا يصح أن نوسع هذا الدور ونفسر طبيعة الذاكرة بالآلية ونطبق القوانين الآلية على الروح , إن كل مظهر الآلية في الذاكرة يمكن في أن بعض العلاقات والرموز ...الخ تدرك في ترابطها الخارجي الخالص , ثم تسترجع بهذا الترابط وحده دون الالتفاف إلى معناها أو ترابطها الداخلي.

2- الكيميائية :
لقد كانت الطبيعة الداخلية للموضوعات في مقولة الآلية تتسم بالحياد , فكل موضوع هو ما هو عليه من ذاته وفي استقلال كامل عن الموضوعات الأخرى: شانه في ذلك شأن غيره, وبالتالي فوجود الموضوعين له سمة واحدة, فكل منهما له هذه السمة المميزة وهي أنه لا يؤثر في الموضوع الأخر , وبما أن هذه السمة يتمتع بها الموضوعان , فإنهما يكونان موضوعا واحدا ومن هنا يندمج الموضوعان ويصبحان شيئا واحدا .
وفي هذا الاندماج تختفي الطبائع الداخلية المنفصلة , وتتلاشى الخواص النوعية والكيفيات الخاصة للموضوعين – وهذا التطور الذي يكشف عنه سير الجدل وهو الكيميائية .

3- الغائية :
ان السير الجدل في مقولة الكيميائية قد كشف عن اعتماد متبادل بين الموضوعات , ومن هنا فقد عادت وحدة الأضداد إلى الظهور من جديد
وتلك أول علامة من علامات العودة الذاتية أو عودة الفكر إلى نفسه .
ويمكن ان نفهم هذه الفكرة جيدا إذا أشرنا إلى تصور أرسطو للحياة فالحياة أو الروح هي نظر أرسطو "صورة" للجسم والصورة عبارة عن وظيفة أو غاية فهو الصورة والمبدأ المنظم أو الاتحاد . وباعتباره وسيلة فهو المادة التي تتشكل فيها هذه الصورة , ومن ثم كانت الصورة أو الكلي أو الفكر هو عالم الاتحاد وهو الغاية والمادة التي هي عامل التعدد هي الموضوع وهي الوسائل.


ج- الفكرة

- إن الشيء لا يكون حقيقيا ما لم يكن هو نفسه فكرة.
* علينا أن نرفض ما يقوله الناس من أن الفكرة لا توجد بالفعل . أو أنها ليست حقيقة واقعة , و إنها عبارة عن مجرد أفكار , لن معنى ذلك أن الفكرة ذاتية فحسب , ولو صح وكانت الفكرة ذاتية وعارضة فحسب فإنها لن تكون لها قيمة أبعد من ذلك . غير أن الفكرة كما بين لنا سير الجدل هي وحدة الذاتية والموضوعية .
* حين تنصهر الوسيلة والغاية في اتحاد واحد فإن ذلك يعني أن الذات والموضوع قد انصهرا في هوية واحدة, ومن هنا فقد وصلنا إلى مقولة يتحد فيها الموضوع والذات في هوية واحدة وهذه المقولة هي الفكرة .
وتقسم الفكرة إلى ثلاثة أقسام هي:

1- الحياة:
بهذه الفكرة قد تجاوزنا دائرة المنطق وفقا للفكرة الشائعة عما يدرسه المنطق من موضوعات .
والفكرة في مباشرتها هي: الحياة.
إن الوسيلة أو التعدد لا توجد إلا في الغاية وعن طريقها , والاتحاد لا يوجد إلا في التعدد وعن طريقه , فلا يمكن لأحدهما أن يوجد بذاته , فكل ما هو عن طريق الآخر , وفضلا عن ذلك فهما ليسا لونين من الوجود وإنما وجهان لوجود واحد . وهذا التصور للوحدة التي تكمن طبيعتها كلها في التعدد , والتعدد الذي تكمن طبيعته كلها في تكوينه لهذه الوحدة- هذا التصور يؤلف ما نسميه مقولة الحياة .
* وأول وجه من أوجه الحياة هو الوجه المباشر أعني الحياة أو الكائن الحي الفرد أو الفرد الحي , وفيه نجد التعدد والوحدة في اتحاد مباشر ومع ذلك فهما متمايزان , فمن حيث اتحادهما في هوية واحدة تكون العلاقة بينهما هي علاقة الذات بالأخر الذي يقف في مقابلها ويواجهها على أنه اللاذات , إلا أن الكائن الحي يجاهد للتغلب على هذا العنصر الأخر , وهذا الصراع الذي يقوم به الكائن الحي لكي يتغلب على ضده هو الوجه الثاني للحياة وهو عملية الحياة . وحين يمتص الكائن الحي العنصر الأخر في جوفه لا يعود فردا كما كان وإنما يصبح جنسا أو نوعا وهذا هو الوجه الثالث والأخير من أوجه الحياة .

2- المعرفة :
لدينا هنا نتيجتين هما : 1- الكائن الحي يواجه العالم الخارجي 2- العالم الخارجي ليس خارجا عنه فحسب وإنما هو كذلك داخل فيه , لأنه على الرغم من أن العالم الخارجي هو آخر إلا أن هذا الآخر قد خرج من الكائن الحي وما يظهر من الكائن الحي ليس إلا الكائن الحي نفسه وهو لذلك يظل داخل الكائن الحي , ومعنى ذلك أن هنالك عالما خارجيا عني , ولكن هذا العالم يظهر في صورة تمثل داخل وعيي أو شعوري أو داخل ذاتي وتلك هي المعرفة .
والمعرفة تقسم إلى قسمين:
(أ) المعرفة المناسبة.........(ب) الإرادة
والمعرفة المناسبة هي بالضرورة معرفة متناهية , ذلك لأنها لا تستطيع أن تصل إلا إلى الحقائق المتناهية فحسب , ويرجع التناهي هذه المعرفة إلى أنها لا تمثل الحقيقة بأكملها , فنحن نجدها تنظر إلى العالم على أنه شيء معطى , شيء خارجي يقابلها ويحدها . ومن هنا فإن هذا اللون من المعرفة يركز على وجهة النظر التي تفصل بين الذات والموضوع وتفشل في إدراك وحدتهما وهذه بصفة عامة هي المعرفة التي تؤكد التباين والاختلاف وتتجاهل الهوية.
- وتعتبر هذه المعرفة المتناهية في جانب من جوانبها معرفة تحليلة , وفي جانب أخر معرفة تأليفية أو تركيبية.
- وأول ما يظهر من هذين المنهجين هو المنهج التحليلي الذي يقوم بدراسة الموضوعات الفردية ويردها إلى الكليات أي إلى الجنس أو القانون أو ما شابه ذلك.
- المنهج التأليفي وهو يسير عكس المنهج التحليلي , فإذا كان هذا الأخير يبدأ من الموضوعات الجزئية ثم يمضي صعدا إلى الكليات , فإن المنهج التأليفي يبدأ من الكليات ثم يهبط منها سفلا إلى الجزئيات
- وهذان المنهجان لازمان وقد حققا نجاحا في مجالهما , إلا أنهما لا يصلحان للمعرفة الفلسفية لأنهما يبدأن من فروض ثم يسيران على مبدأ الفهم ويخضعان لقانون الهوية الصوري . أما المنهج الفلسفي فهو منهج تحليلي وتأليفي في آن معا . وليس معنى ذلك أنه مجرد جمع لهذين المنهجين المتناهين وإنما هو يمزج بينهما ويدمجهما في ذاته بحيث ترى التحليل والتأليف في كل خطوة من خطوات سيره , وهذا المنهج الفلسفي هو المنهج الجدلي الذي يسمى كذلك بالمنهج المطلق لأنه يخلو من كل افتراض وتحكمه الضرورة في جميع خطواته , وهو عبارة عن مركب المنهجين السابقين , فهو حين يتقدم من الكلي المجرد عن طريق التخصيص شيئا فشيئا إلى الفردي العيني فهو تأليفي وهو لأنه يبدأ من المباشرة ويتقدم خلال التوسط إلى الكلي العيني الذي يحوي المباشرة السابقة داخل جوفه فهو لذلك تحليلي .
* وإذا كانت المعرفة تأخذ العالم كما هو , فإن الإرادة تحاول تشكيله بحيث يصبح كما ينبغي أن يكون ولكن الإرادة متناهية أيضا شأنها شأن المعرفة ولنفس السبب فعلى الرغم من أنها تحاول تشكيل العالم إلا أنها تنظر إليه على أنه معطى من خارج, أو انه مادة موجودة فعلا تمارس فيها نشاطها ومن هنا كان العالم لا يزال غريبا يواجه الإرادة ويحدها .

3- الفكرة المطلقة :
الفكرة المطلقة هي وحدة الفكر النظرية والعملية وذلك يعني أنها تجمع في جوفها فكرة الحياة وفكرة المعرفة ...282
والبرهان على ذلك أن المعرفة المطلقة تنظر إلى الخير على أنه الحقيقة الوحيدة أو على أنه ماهية العالم الحقة كما ينبغي أن تكون في الوقت الذي تنظر فيه إلى الموضوع على أنه مجرد ظاهر أو غير حقيقي , إلا أنه يمكن النظر إلى الخير من ناحية أخرى على انه غير حقيقي طالما انه لم يتحقق بعد أو لأنه لا يكمن في ضمير الغيب فهو لا يملك وجودا موضوعيا بعد .
وهذا التناقض هو التناقض وهو النقص في مقولة الإرادة وهو نقص يدفعنا إلى السير نحو الفكرة المطلقة .
• ويمكن أن نقارن الفكرة المطلقة من هذه الزاوية برجل عجوز يؤمن بعقيدة يؤمن بها طفل صغير وسوف نجد أن عقيدة الرجل العجوز مشحونة بمعان كثيرة اكتسبها خلال حياته الطويلة . وحتى إذا ما فهم الطفل حقائق الدين فإنه لن يستطيع أن يتخيلها إلا كشيء قابع خارج الحياة بأسرها وبعيدا عن العالم كله .
• وحين نصل إلى الفكرة المطلقة فإننا نكون قد عدنا من جديد إلى النقطة التي بدأنا منها , لكن هذا العود هو في الحقيقة تقدم أيضا: فقد بدأنا بالوجود , أو الوجود الخالص على وجه التحديد, و ها نحن أولاء ننتهي إلى الفكرة المطلقة التي هي نفسها وجود, و لكن هذه الفكرة التي لها وجود هي الآن: الطبيعة, وهكذا يكتمل عرض المنهج الجدلي حين ننتهي من تحليل العقل الخالص , أو بمعنى أكثر دقة حين ينتهي حوار العقل الخالص مع نفسه , ذلك الحوار الذي يفض فيه مكنوناته ويبين علاقتهما بعضها ببعض.









الباب الرابع
نتائج وأثار
الفصل الأول الجدل الماركسي
أولا- محاولات غريبة
* يقول لينين "إذ ليس الشوفان وحده الذي ينبت وفقا لإيقاع المنهج الجدلي بل إن الاشتراكيين الديمقراطيين الروس أنفسهم لا يقتتلون إلا تبعا لهذا المنهج نفسه..."
إن الماركسية لم تتأثر بمنطق هيغل وإنما نقلت عنه نصا وروحا دون أن تضيف إلى الجدل الهيغلي إضافة واحدة , حتى أنه لا يجوز أن يقال إن هنالك ما يمكن تسميته "بالجدل الماركسي" وإنما على أدق تعبير استخدام الماركسية للجدل الهيغلي هو ذلك الذي جاء على لسان لينين في دعوته للرفاق للانتظام في جماعة تحمل اسم"الأصدقاء الماديين للجدل الهيغلي".
الأثر الهيغلي على الماركسية بصفة عامة لا يمكن أن يوضع في صف واحد مع أي أثر آخر , وعلى ذلك فمن الضلال أن نقرن أثر هيغل بأثر فويرباخ. إذ فضلا عن أن مادية فويرباخ قد خرجت من أحشاء المذهب الهيغلي نفسه , فإنها وبغير الجدل الهيغلي لا وزن لها .

ثانيا- ماركس يقلب الجدل الهيغلي
التفسير الصحيح لهذه العبارة
حتى نتمكن من فهم المغزى الحقيقي لهذه العبارة وأمثالها يجب أن نضع في اعتبارنا أربع ملاحظات هامة هي:
1- أن ماركس كان ماديا ومن ثم بدأ بداية تخالف تماما البداية الهيغلية ,وسوف تفصل لاحقا.
2- أن ماركس كان ملحدا بعنف , ومن ثم فقد كان يحمل في نفسه كراهية شديدة للاهوت ولكل ما هو فوق الحس
3- أنه على الرغم من أن ماركس كان يسلم بأن الجدل الهيغلي هو الصورة الوحيدة لجميع أنواع الجدل , إلا انه كان يعيب على هيغل تطبيقه المثالي لهذا الجدل. بالإضافة إلى أنه كان يؤمن بأن حياة المنهج تكمن في تطبيقه.
4- إن هيغل كان يوحد بين المنهج الجدلي ومذهبه المثالي ويربط بينهما برباط وثيق. والماركسية نفسها تساير هيغل في ذلك فتوحد بين المنهج الجدلي والمذهب المادي.

• إن نقطة الخلاف الرئيسية بين هيغل وماركس تكمن أساسا في تصور كل منهما للكون أو بدقة أكثر في تحديد كل منهما للعلاقة بين الفكر والوجود , وأيهما يسبق الأخر منطقيا: هيغل يرى أن الفكر هو الشرط الأساسي وهو المبدأ الأول للكون.في حين أن ماركس يرفض هذه النظرة المثالية ويرى أن الطبيعة هي الأساس الأول وهي الشرط المنطقي لوجود الفكر والحياة الروحية بأسرها .
• ونقظة الخلاف هذه لا تمس المنهج لا من قريب ولا من بعيد فأيا ما كانت نقطة البدء , وأيا ما كان موضوع الفلسفة وأيا ما كان تصورهما الفلسفي عن العالم فهما متفقان في أن طريق السير الصحيح ليس شيئا أخر غير الطريق الجدلي المرصوف بالمقولات الهيغلية.
• ولقد أوضح أنجلز نقطة التعارض هذه بين الفلسفتين بإسهاب وتفصيل في مقاله عن فيورباخ حين تحث عن نشأة الماركسية "كتيار خصب" خرج من إنحلال المدرسة الهيغلية وكيف أنهم شقوا طريقا مخالفا للهيغلية في النظر إلى العالم "ووطدنا العزم على التضحية بكل مثالي لا يتفق معنا في النظر إلى الواقع كما هو لا بشكل خيالي " وهذه هو أساس الخلاف مع الهيغلية".........غير أن هيغل لم يستبعد تماما بل على العكس لقد اتخذنا نقطة البدء من الجانب الثوري في فلسفته وأعني منهجه الجدلي"
قوانين "الجدل الماركسي" ومقولاته تؤيد هذا التفسير:
تلك مقدمة نخلص منها إلى النتيجة التالية- بذلك تكون الماركسية قد نقلت الجدل الهيغلي كما هو بنصه دون أن تقلبه , ودون أن تضيف إليه إضافة واحدة , وبناء عليه لا يجوز أن يقال إن هنالك ما يمكن تسميته "بالجدل الماركسي" الذي يقابل "الجدل الهيغلي".

1- القانون الأول : التغير من الكم إلى الكيف والعكس:
وهذا هو باختصار شديد القانون الأول من القوانين الأساسية للجدل الماركسي , وهو منقول بنصه عن منطق هيغل....ويمكن أن نتسأل كيف وبأي معنى استطاع ماركس أن يقلب مقولة الكمية النوعية عند هيغل وهي المقولة التي جعلتها الماركسية أول قانون من قانون الجدل؟
2- القانون الثاني: صراع الأضداد وتداخلها
وليس فيه من جديد أضافته الماركسية إلى فكرة صراع الأضداد عند هيغل ذلك الصراع الذي كان يطلق عليه اسم مبدأ "السلب" ويصفه بأنه الروح التي تبعث الحياة في العالم المادي والروحي على السواء , وهو أيضا صراع باطني وداخلي ومحدد وهو مصدر الحركة والتطور ...310
3- القانون الثالث- نفي النفي
خذ مثلا أ فلو سلبناها لكان عندنا "-أ" ولو أننا عدنا من جديد ونفينا هذا النفي نفسه بأن ضربنا –أ * -أ لكان عندنا : أ اس اثنين أي أن العدد الأصلي الموجب ولكن في درجة أعلى.
وهذا هو القانون الثالث والأخير من القوانين الأساسية للجدل الماركسي وليس فيه جديد على فكرة النفي عند هيغل وقد سبق أن عرضنا لها فقرة رقم 141 من هذا البحث والواقع أن أنجلز وهو يضرب الأمثلة السابقة في كتابه ضد دوهرنج كان يسمي هذا القانون دائما باسم"قانون نفي النفي الهيغلي"...312

* أما أن هذه الأفكار ظلت عند هيغل مقولات ولم يطلق عليها اسم القوانين الأساسية للجدل فذلك راجع إلى أنه كان يحلل الجدل نفسه في المنطق ولم يكن يضع له قوانين.
* إذا كانت الماركسية قد شرحت قانون الأضداد بأمثلة عينية في ميدان الطبيعة أو ميدان العلوم الاجتماعية , فإن هيغل لم يتحدث عن أضداد الفكر فحسب , بل شرح هذه الفكرة بأمثلة عينية بالغة العمل ولم تقتصر هذه الأمثلة على الطبيعة والتاريخ أو الفلسفة فحسب, بل امتدت إلى العلاقات الاجتماعية نفسها وهذا واضح في مؤلفاته المختلفة , فهو في ظاهريات الروح مثلا يحلل العلاقة بين العبد والسيد ويذهب إلى أن العبد بفضل عمله ونشاطه يصل إلى الاستقلال الذاتي , ولا يصبح موضوعا لاستغلال الآخرين, وإنما يصبح شخصية مستقلة تحددها"أفعاله وإرادته" في حين ينقلب السيد عبدا تابعا لمولاه, وهذا التحليل هو الذي وقفت الماركسية وغيرها من النظم الاشتراكية الأخرى تتأمله طويلا كما يقول جان بول سارتر وفندليو وغيرهما....314
* فهنالك باختصار مئات المئات من الأمثلة العينية والوقائع التجريرية التي قدمها هيغل ثم ترددت بعد ذلك كشرح "للقوانين الأساسية للجدل الماركسي"
* يقول انجلز: إن دراسة صور الفكر وتحديداته عملية هامة جدا وضرورية للغاية وهذا العمل لم يضطلع به أحد منذ أرسطو غير هيغل.
رابعا: المقولات"
وفيه مقارنة سريعة عند الماركسية وهيغل سبق أن أطرقنا لأهمها.
خامسا : انجلز و "جدل الطبيعة"
عرضنا فيما سبق لبعض المقولات الماركسة ورأينا أنها لا تحتوي فكرة واحدة لم ترد بنص هيغل . ومن ذلك يتضح لنا أنه ليس هنالك ما يمكن تسميته"بالجدل الماركسي" ولا"بمقولات الجدل الماركسي" بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. وإنما هنالك الجدل الهيغلي كما طبقته الماركسية في هذا الميدان أو ذاك.
إن كل ما كان ينشده إنجلز هو مراجعة هذه الفكرة"الجدل" على ضؤ المكتشفات العلمية الحديثة التي ظهرت بعد وفاة هيغل, وهذا واضح حتى تصنيفه للعلوم الطبيعية تصنيفا يكاد يتفق مع التصنيف الهيغلي السابق.
سادسا: كلمة ختام
يقول لينين في مذكراته الفلسفية : ( في هذا الكتاب"المنطق" وهو عمل هيغلي مثالي , نجد القليل من المثالية والكثير من المادية , أليس تناقضا ؟ لكنه حقيقة....!)
والتناقض الذي يشير إليه لينين هنا هو ارتباط هذا المنطق الجدل بمذهب هيغل المثالي , أو وجود هذه "النواة العقلية" في قلب ذلك "الغلاف الصوفي"....327
توضيح , عن ربط الجدل بالطبيعة عند انجلز وحقيقتها عند هيغل:
أولا: إن التسليم بوجود صراع بين الأضداد الكامنة في جوف الأشياء لا يكون له معنى إلا في حالة واحدة فقط هي التسليم ولو بطريقة ضمنية بوجود لون من ألوان الوعي في الطبيعة, ومن هنا فقد كان لهيغل ما يبرره في حدود مذهبه حين مد نطاق الجدل إلى الطبيعة.
ثانيا: إن القول بأن الطبيعة تسير من الأدنى إلى الأعلى يعني القول بوجود غاية تسعى الطبيعة إلى تحقيقها , وما لم تتحرك الطبيعة نحو غاية فلن يكون هنالك تقدما .........ولا يزودنا العلم الحديث بهذه الغاية, أما عند هيغل فالغاية هي التحقق الفعلي للعل أو الفكرة الشاملة في العالم , وهذه الغاية تلبغ مداها – إلى حد ما على الأقل – في الانسان فهو الموجود العاقل.
ثالثا: القول بأن "بأن العالم كل واحد" وأن قوانين الجدل في الطبيعة هي نفسها قوانين الجدل في الحياة الإنسانية .
وذلك يعني أن الطبيعة كلها واعية وهي عبارة لا يستطيع قبولها إلا الفيلسوف الهيغلي المثالي وحده .
رابعا : إذا جاز لفيلسوف مثالي مثل هيغل أن يرى تطور المعرفة البشرية صورة من صورة التطور الجدلي للفكر , فكيف يجوز لرجل مادي أن يتبنى هذه الفكرة .
خامسا: إذا كان انجلز يعيب على هيغل أن يفرض نسق الفكر على الكون فإن هذا هو في الواقع ما يفعله انجلز نفسه بشكل أكثر تعسفا , وإلا فماذا نقول في رجل يخبرنا أن تطور العالم المادي والروحي على السواء تحكمه ثلاثة قوانين لا أكثر ولا أقل ؟؟؟

الفصل الثاني : نقد وتقدير

1- المنطق الهيغلي بين أنصاره وخصومه:
اختلف الباحثون اختلافا واسع المدى في تقديرهم لمذهب هيغل بصفة عامة , وللمنطق الهيغلي بصفة خاصة, حتى أن "ولاس" يشبه اختلافهم باختلاف المفسرين في شرحهم للكتاب المقدس.
وكفانا مدحا بالجدل وأنصاره الذي أسسوا تجمعات ومؤسسات لتمتد الهيغلية والهيغلية الحديثة إلى كل من أوربا إلى أمريكا لندخل مباشرة في
2- النقد
1- يبد أن هنالك بعض الأخطاء الأساسية التي وقع فيها هذا المنهج وهي في نهاية التحليل ترتد إلى موقفه الميتافيزيقي بصفة عامة ويمكن أن نعثر على جذورها في تحليله لنظرية المعرفة بصفة خاصة .
2-القول بأن المعرفة كلها تصورية , ثم التوحيد بين هذه التصورات وبين الأشياء الجزئية واعتبارها حقيقة هذه الأشياء وماهيتها.
فلو صح وكانت الكليات هي الماهية الحقيقية لترتب على ذلك إمكان استنباط الأشياء الجزئية بالتحليل العقلي الخالص وذلك هو في الواقع جوهر اعتراض "كروج" حين تحدى هيغل أن يستنبط له قلمه.
إن الاستحالة لا تكون إلا لسبب واحد فقط هو أن هذا الحجر "القلم" يحتوي على عنصر غير كلي , أعني عنصرا جزئيا يقع خارج نطاق الفكر تماما , وما يقع خارج نطاق الفكر تماما , شيئا مطلقا لا يستنبط من شيء أخر , على الإطلاق وهكذا نصل إلى السطح الخارجي لنفس الثنائية التي ظهرت بوضوح في مذهب أفلاطون وأرسطو.
ولن يمنعنا من الوصول إلى هذه النتيجة أن نقول مع "ولاس" إن أولئك الذين يطلبون من الفلسفة أن تستنبط لم ورقة من أوراق الشجر , أو فعلا من أفعال الإنسان يجب ألا يحزنهم أن نقول لهم إن مطلبهم لا معنى له , لن دائرة الفلسفة هي دائرة الكلي , ومهمتها هي إدراك عالم الفكر في جميع تكويناته وجميع مظاهره.....351

3- تقدير
إنصافا لهيغل ينبغي أن نقول إن "الصرامة المنطقية" و "الضرورة العقلية" التي كان يتحدث عنها ليست هي كل ما في هذا المنهج . ولا أدل على ذلك من انه هو نفسه قد تخلى –عمليا- عن كثير مما يقول , فهو مثلا لا يهتم كثيرا بأن يسير لاستنباط الجدلي في سلسلة من المثلثات المعتادة , كما هي الحال في تصنيفه للأحكام الذي ساير فيه كانت , وكما هي الحال أيضا في تقسيمه لضروب القياس التي ساير فيها ارسطو , وأحيانا يكتفي بضلعين اثنين فقط كما هي الحال في استنباط المعرفة والحياة ....الخ
* ما يريد هيغل أن يقول هو أننا لكي نفهم الاتجاهات المتناقضة (في كافة المجالات سياسية واقتصادية وفلسفية وتاريخية) , فلا بد أن ننظر إليها من حيث علاقتها المتبادلة بمعنى أنه لا بد من تجنب التفكير التجريدي الانعزالي أو تفكير الذي يحاول أن يقدم لكل اتجاه من هذه الاتجاهات "مملكة مستقلة".
ويمكن أخيرا أن نشير إلى بعض العناصر القيمة والأفكار الخصبة التي كشف عنها الجدل الهيغلي:

أولا: أظهر المنطق الهيغلي أنه لا يمكن قبول فكرة من الأفكار أو حادثة من الحوادث كما تبدو .....فإن علينا أن ننقد طابعها الجزئي الذي يبدو مستقلا بذاته ومنعزلا عن غيره فلا سبيل أن ننقد طابعها الجزئي الذي يبدو مستقلا بذاته ومنعزلا عن غيره , فلا سبيل إلى فهم أي جزء من أجزاء النبات أو الحيوان مثلا, ما لم ننظر إليه من حيث ارتباطه بالأجزاء الأخرى .
ثانيا : ومعنى ذلك أنه لابد من تفادي عملية التجريد , أو ما أطلق عليه هيغل اسم التفكير الميتافيزيقي أو وجهة نظر الفهم وحيدة الجانب .
يقول هيغل" فالحقيقة لا تتألف من متناقضات ولكنها تتألف من لحظات لو انفصلت لتناقضت "
ثالثا : كشف المنطق الهيغلي في وضح الحقيقة القائلة بأن الأفكار الكلية الخالصة ليست إلا تجريدات لا تقوم بذاتها ..........ولقد أشار هيغل إلى فكرة بالغة العمق حين تحدث عن الارتباط بين الكلي والجزئي والفردي .......وبالتالي فليس هنالك ما يمكن تسميته بالطبيعة الإنسانية بصفة عامة أو الطبيعة الإنسانية المجردة الخالصة , لكن هنالك طبيعة إنسانية في هذا الموقف الفردي وهي جزء من الطبيعة العامة للإنسان.
رابعا: لقد أشار منطق هيغل أيضا : إلى أن "الجواني هو نفسه البراني" وأن "الماهية هي ما يظهر منها " ويعبر الجوهر عن نفسه في أعراضه ...الخ
فالكهرباء هي ما يظهر منها , أي هي التيار الكهربائي نفسه وليست شيئا آخر يكمن خلف هذا التيار .
خامسا : لاشك أن المنطق الهيغلي يقوم أساسا على فكرة التطور والحركة وهي الفكرة التي لا تكاد تخلو منها فلسفة من الفلسفات المعاصرة .
سادسا : أشار المطنق الهيغلي إلى نسبية المعارف البشرية , فبما أن دراستنا تنصب على الأشياء الجزئية فإن معلوماتنا عنا لا بد أن تكون صحيحة صحة جزئية.
سابعا: إن فكرة النسق الكلي الواحد ترسم مثلا أعلى يتطلع العلم إلى تحقيقه ......ومن هنا قيل إنه ليس ثمة نهاية لتطور العلم في سبيل تحقيق هذا الهدف , ولهذا قال راسل بحق: عن النسق الكلي للمعرفة يبقى إمام العلم مثلا أعلى يتطلع إلى تحقيقه , لكن من الخطأ أن نقول إن هذا النسق محدد سلفا .
ثامنا : هنالك الكثير من الأفكار الأخرى الهامة التي أشار المنطق الهيغلي ومنا ما سبقت الإشارة إليه كترابط المذاهب الفلسفية التي كان يظن إنها تشبه ميدان قتال يموج بأشلاء ضحاياه .
ومنها إلقاء الضوء على العلاقة بين الفكر واللغة واعتبار اللغة الوعاء الذي يصب فيه التفكير , أو هي "مشروع الأفكار " على حد تعبير هيغل نفسه ( وهذا ما وجدنا في أول فصل في أن الجدل يختص بالكلي الذي تحدده اللغة وليس الجزئي).