المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يرى الله عز وجل جميعُ أهل الجنة ..؟



الجندى
05-28-2005, 10:22 PM
السؤال :
- من المعلوم أن رؤية الله عز وجل في الجنة ثابتة في معتقد أهل السنة والجماعة .. ولكن هل هناك أدلة تثبت القول بأن رؤية أهل الجنة لله تتفاوت حسب منازلهم فمنهم من يراه ومنهم من لا يراه .. ؟؟!!

الجواب :
الثابتُ من الأحاديث الصحيحةِ أنهم متساون في رؤيةِ ربهم في الجنةِ ، وهذه من الغيبياتِ التي لا بد من ورودِ النصِ فيها .

قال الشيخُ محمدُ بنُ صالح العثيمين في " شرحِ الواسطيةِ " ( ص 104 ) : قولهُ : " كما يشاء " ؛ يعني : يرون اللهَ كما يشاءُ سبحانهُ وتعالى في كيفيةِ رؤيتهم إياه ، وكما يشاءُ اللهُ في زمنِ رؤيتهم إياه ، وفي جميعِ الأحوالِ ؛ يعني : على الوجهِ الذي يشاؤهُ عز وجل في هذه الرؤيةِ .

وحينئذٍ ؛ فإن هذه الرؤيةَ لا نعلمُ كيفيتها ، بمعنى أن الأنسانَ لا يعلمُ كيف يرى ربه ؟ ولكن معنى الرؤية معلومٌ ، أنهم يرون اللهَ كما يرون القمرَ ، لكن على أي كيفيةٍ ؟ هذه لا نعلمها ، بل كما يشاءُ اللهُ " .ا.هـ.

إن كنتَ تريدُ الاستدلالَ بالحديثِ الذي أوردت فإليك تعليقُ الحافظِ ابنِ حجرٍ عليه كما في " الفتحِ " : " قوله ( باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) كأنه يشير إلى ما أخرجه عبد بن حميد والترمذي والطبري وغيرهم وصححه الحاكم من طريق ثوير بن أبي فاختة " عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه ألف سنة ، وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه ربه عز وجل في كل يوم مرتين " قال : ثم تلا ( وجوه يومئذ ناضرة ) قال بالبياض والصفاء ( إلى ربها ناظرة ) قال تنظر كل يوم في وجه الله ، لفظه الطبري من طريق مصعب بن المقدام عن إسرائيل عن ثوير ، وأخرجه عبد عن شبابة عن إسرائيل ولفظه : لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه ونعيمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله تعالى من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ، وكذا أخرجه الترمذي عن عبد .

وقال غريب ، رواه غير واحد عن إسرائيل مرفوعا ، ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر موقوفا ، ورواه الثوري عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر موقوفا أيضا ، قال : ولا نعلم أحدا ذكر فيه مجاهدا غير الثوري بالعنعنة .

قلت: أخرجه ابن مردويه من أربعة طرق عن إسرائيل عن ثوير قال " سمعت ابن عمر " ومن طريق عبد الملك بن أبجر عن ثوير مرفوعا .

وقال الحاكم بعد تخريجه ثوير لم ينقم عليه إلا التشيع .

قلت : لا أعلم أحدا صرح بتوثيقه ، بل أطبقوا على تضعيفه .

وقال ابن عدي : الضعف على أحاديثه بين وأقوى ما رأيت فيه قول أحمد بن حنبل فيه ، وفي ليث بن أبي سليم ويزيد بن أبي زيد : ما أقرب بعضهم من بعض " .ا.هـ.

فالحديثُ لا يثبتُ مرفوعاً أو موقوفاً لأن في سندهِ ثويرَ بنَ أبي فاختة الذي أطبقوا على تضعيفهِ .

فيبقى الأمرُ على ما قررهُ القرآنُ والسنةُ من رؤيةَ المؤمنين لربهم في الجنةِ تكونُ عامةً لهم ، والله أعلم .


كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

أبو مهند النجدي
06-20-2005, 03:18 AM
للرفع رفع الله قدركم

الجندى
11-14-2005, 02:32 AM
واكمل الموضوع بنقل لاحد طلاب العلم


أبدأ مستعيناً بالله فيما هنالك..

وأذكر أولاً خلاصة القول وهو ما قرره الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم، فقال: اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلاً، وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين. وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه وأن رؤيته مستحيلة عقلاً، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح. وقد تظافرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين، ورواها نحو عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآيات القرآن فيها مشهورة. واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة [ وفي كتب أهل الحديث أكثر وأدق ] وكذلك باقي شبههم وهي مستقاة في كتب الكلام [ التي أخذوها عن فلسفة الكفرة ].

وأحب ثانياً ألا يخلط بين الرؤية والإحاطة، فنحن نرى السماء ( قال تعالى: أفلم ينظروا إلى السماء ) ومع ذلك لا نحيط بها. ثم نقول لمن ادعى الحد لازماً في الرؤية: ماذا تعني بكلمة الحد؟! فإن قال: أن الله ليس بمختلط في عباده بل هو مباين لهم. قلنا له: ونحن نلتزم هذا المعنى للحد في الرؤية، ولا إشكال فيه، فعلو الله ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة. فإن قال: لا، أنا أعني بالحد احتواء الله والإحاطة به. قلنا له: ولم لازمت بين الرؤية والحد؟! فسيقول: لأن المرئي لا يرى حتى ينحصر في حيز يرى فيه. فنقول له: ألا ترى السماء؟! هل تحيط بها؟! هل ترى حيزاً يحصرها؟! فإن قال: ولأن الرؤية يلزم منها أن نرى بعض المرئي، وهذا يعني أننا أحطنا ببعضه! فنقول له: هل تعلم شيئاً عن الله؟! فسيقول: نعم، هو السلام المؤمن المهيمن... فنقول: إذاً أنت تحيط بشيء من صفات الله، ولا مانع منه، فكذلك الإحاطة بشيء من رؤية الله لا مانع منه والحمد لله. فإن قال: ولأن الرؤية تستلزم التركيب ( أي تكونه من أبعاض يفتقر بعضها إلى بعض )، لأنا ترى بعضاً ولا ترى بعضاً. قلنا له: هل عندما ترى السماء تجدها مركبة؟! ثم نسأله: هل علمت مما رأيت مدبراً يكون غير مركب؟ فسيقول: لا. فنقول له: وأنت تثبت لله أنه مدبر فهل تقول بأنه مركب؟! طبعاً لا، لأن الله لا يقاس على خلقه، فنقول كذلك رؤية الله ليست كرؤية ما اعتدت رؤيته من المرئيات التي تكون مركبة. فإن قال: ولأن المرئي لا يكون إلا ذو لون، وأنا أنزه الله أن يكون ذا لون. فنقول له: ألا يعتقد قلبك وجود مدبر للكون؟! فسيقول: بلى. فنقول له: هل تعلم مما رأيت مدبراً إلا أن يكون ملوناً. فسيقول: لا. فنقول: فهل يلزم منه أن ربك المدبر الذي لم تره ملون قياساً على ما رأيت؟! فسيقول: لا، ليس كمثله شيء، فهو مدبر ولا نقول فيه ملون. فنقول له: كذلك لا تقس رؤيته على رؤية ما رأيت، فينقطع بذلك التلازم ولله الحمد.
فهذه أشهر أربع شبه، كل واحدة منها أسخف من أختها.. والمحصلة أن لاتثبت واحدة منها. وأنى تثبت أمام كتاب الله وسنة محمد عبده ورسوله؟!

ثم نبدأ نسوق الأدلة على رؤية الله من كتابه سبحانه، فهو أعلم بنفسه وأفصح بياناً وأصدق قيلاً وأنصح لخلقه منهم لهم.. وهذه الأربع عماد قبول أي حكم.

قال تعالى: ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )..

1. فقوله تعالى: ( وجوه ) دل على أن النظر حاصل بالوجوه لا بغيرها، وليس في الوجه ما ينظر سوى العين، فتعين أن المراد الرؤية البصرية..
2. ثم تأمل قوله تعالى ( إلى ربها ) فحرف الجر هنا ( إلى ) حاسم لمسألة الرؤية أنها بصرية، لأن الفعل ( نظر ) إن عدي بإلى دل على البصر، قال علماء مجمع اللغة العربية في الوجيز: نظر إلى الشيء نظراً أبصره وتأمله بعينه.. وضع تحت ( بعينه ) مئة خط.. وهذه ضربة قاضية..
3. ثم انظر بارك الله فيك أن نظر الله بالقلب حاصل يومئذ لكل أحد فالكل يومئذ مستسلم لله راج خائف..
4. ثم النظر القلبي لا يعدى فعله بحرف إلى، وإنما يعدى بحرف في ( فتقول نظر في المسألة، إذا تأملها ) أو لا يعدى بحرف ( قال تعالى: ثم نظر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر.. أي فكر ومكر ).
5. أما أن يكون النظر من باب الانتظار ( كما يقال إن غداً لناظره لقريب، بمعنى منتظره ) فهو ممنوع هنا لوجود حرف الجر ( إلى ).. فلو أريد باللفظ أنهم ينتظرون ربهم لقيل ( ناظرة ربها ).. ثم الانتظار نوع نغص وكدر، وهو ممنوع في حق أهل الجنة.
6. أما لو كان المراد ( منتظرين أجره ) لفسدت الجملة.. لأن الناظر هنا هو الوجه والوجه لا ينتظر، إنما ينتظر القلب.. ثم كيف يعبر بكلمة ( الله ) عن الأجر؟! ألا ترى هذا شديد القبح؟! ثم المؤمنون ينتظرون أجر الله وهم في الدنيا ثم وهم في القبر، وبالتالي فلا فائدة من تخصيص الانتظار بكلمة ( يومئذ ). فبطل بهذا ذلك التأويل.
7. ثم اعلم أن القرآن نزل بلغة العرب ( كما قال تعالى: بلسان عربي مبين ) يخاطب البليد والذكي والعالم والجاهل ( كما قال تعالى: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ).. فيجب حمله على ما تقتضيه لغة العرب وعلى الظاهر المتبادر من الكلام.. وهو هنا رؤية الله رؤية بصرية..
8. ثم تجد القرآن الكريم يستخدم أسلوب ( نظر إلى ) في الرؤية البصرية في غير ما موضع.. قال تعالى: ( ذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا ) وهذه تامة الوضوح.. وقال تعالى: ( وإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيه القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ) وهذه كذلك واضحة.. وقال تعالى للرجل الذي أحيى له حماره: ( فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك.. وانظر إلى العظام ) وكلها شديدة الصراحة في رؤية البصر.. وقال تعالى عن موسى للسامري: ( وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ) وواضح المعنى فيها.. وقال تعالى: ( ولكن انظر إلى الجبل ) ومعناها تام الوضوح.. وقال تعالى: ( وانظر إلى آثار رحمة ربك كيف يحيي الأرض بعد موتها ) ومعناها واضح... فنقول أليس الأولى أن يطرد المعنى في هذه الآية؟! أليس الأولى تفسير القرآن بالقرآن؟! فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله..

فهذا ما يتعلق بأول آية، وهو واضح قوي دقيق، والحمد لله رب العالمين.

الآية الثانية: قال تعالى: ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين )...

فأولاً نفسر الآية على مذهب السلف أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم. فالله تعالى يحكي قصة موسى بعد أن ترك أخاه هارون في قومه وجاء لموعد لقاء ربه، فكلمه الله كلاماً حقيقياً بصوت يسمعه، فتشوف موسى عليه السلام لما هو أعلى من ذلك فقال لربه أرني ( أي مكني من الرؤية ) لكي أنظر إليك ( أي أراك رؤية حقيقية ) فقال الله إنك لن تستطيع أن تراني في الحياة الدنيا لضعفك، ولكن إجابة لك انظر إلى الجبل الأصم الغليظ فسأكشف الحجب عنه، فإن احتمل ذلك فسأمكنك من أن تراني. فلما تجلى الله للجبل قدر نصف أنملة انهار الجبل وتفتت رمالاً من عظمة الله تعالى ( فهذا الجبل فكيف بموسى وهو بشر ضعيف ). فأغشي على موسى من هول ما رأى من حال الجبل. فلما أفاق قال سبحانك ( أنزهك عن كل نقص، إذ خر الجبل لعظمتك ) إني تبت إليك ( لأني سألتك ما لا ينبغي لي أن أسألك إياه في الدنيا ) وأنا أول المؤمنين ( تجديداً لإيمانه عليه الصلاة والسلام إذ رأى آية ما حصلت لغيره قبله ).
والآن أدلة رؤية المؤمنين لله في الآخرة من هذه الآية:

1. قال موسى عليه السلام: ( رب أرني أنظر إليك ) وقد تقدم بحث نافع في معنى ( أنظر إليك ).. فهذا يدل على علم موسى أن الله يرى، وإلا لما حسن بنبي من أشرف الرسل وأعلمهم أن يسأل الله المستحيل.
2. لو كان معنى ( أنظر إليك ) أرجو ثوابك كما قال المعطلة، لما كان في الآية معنى، لأنا جميعاً نسأل الله ثوابه. بل ولما تجلى الله للجبل، بل ولما انهد ولما أغشي على موسى.
3. قال تعالى: ( لن تراني ).. أي في الدنيا.. والدليل على عدم إفادة ( لن ) التأبيد قوله تعالى عن اليهود ( ولن يتمنوه أبداً ) فكلمة ( أبداً ) تدل على أن ( لن ) لم تفد التأبيد، إذ لو أفادته لكانت لغواً.. ثم الله تعالى قال عن الكافرين لمالك: ( ليقض علينا ربك ) وقال تعالى: ( ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً ) فهنا الكفرة - وفيهم اليهود - يتمنون الموت، فدل على عدم إفادة ( لن ) التأبيد.
4. والدليل الثاني على عدم إفادة ( لن ) التأبيد، قوله تعالى: وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) ومعلوم أن الكافرين يؤمنون بالله في الآخرة، فدل أن لن هنا فقط للدنيا. وقوله تعالى: وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه ( ومعنى نقدر نضيق ) ومعلوم أن أحد لا يظن أن الله لا يضيق عليه أبداً، لكن يونس عليه السلام ظن أن الله لن يضيق عليه في مسألة بعينها وهي عقابه على ترك قومه من غير أمر، فدل على أن لن لا تفيد التأبيد..
5. كذلك قران لن بـ( أبداً ) يدل على عدم إفادتها التأبيد، لئلا يكون الكلام لغواً. كما في قوله تعالى: ( لن تخرجوا معي أبداً ) وقوله تعالى: ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً ) ولاحظ المثال الثاني حيث يكلم المنافقين عما يحسون في أنفسهم فلا داعي للتأكيد فيه ( راجع كتاب البلاغة لعلي الجارم ومصطفى أمين ).
6. ثم اعلم رحمك الله أن أهل اللغة كذلك يرون أن لن لا تفيد التأبيد ( إلا من شذ تعصباً لفاسد معتقده كالزمخشري، فصاروا يسمون لن إن أفادت القرائن أنها للتأبيد لن الزمخشرية، لشذوذه ).. وقال الإمام ابن مالك رحمه الله في ألفيته ( ومن رأى النفي بلن مؤبدا .. فقوله اردد وسواه فاعضدا ) وقال العلامة الغلاييني رحمه الله في جامع الدروس العربية ( لن حرف نفي ونصب واستقبال فهي في نفي المستقبل كالسين وسوف في إثباته، وهي تفيد تأكيد النفي لا تأبيده، وأما قوله تعالى: لن يخلقوا ذباباً، فمفهوم التأبيد ليس من لن، وإنما هو دلالة خارجية لأن الخلق لله وحده ). فهذا كلام واضح منهما رحمهما الله.
7. الوجه التالي لإبطال كون لن للتأبيد كثرة ما ورد في القرآن من القيود بعدها كقوله تعالى: ( لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ) ونحو ذلك كثير جداً في القرآن. فلما كانت في أغلب أحوالها لا تفيد التأبيد، كان الأولى حملها على عدمه.
8. ثم نقول للقوم: لم تقبلون التخصيص أو التقييد المتصل ( أي في نفس الجملة ) وترفضون التخصيص والتقييد المنفصل ( أي المأخوذ من دليل آخر )؟! وهل هذا إلا تحكم؟! وللتفصيل في مسألة المتصل والمنفصل راجع المقال بعنوان ( إلى الزميل أبو عبد الله – والمفروض أبي – تفضل للحوار ) فستراه مفصلاً.
وبهذا بطل ادعاء التأبيد في كلمة ( لن ) من ستة أوجه والحمد لله.

9. وتأمل قوله تعالى: ( لن تراني ) ففيه نفي لرؤية موسى لله تعالى في المستقبل ( دون تأبيد )، ولو أراد الله نفي إمكان رؤيته تعالى مطلقاً لقال: إني لن أرى.. والفرق بين الأسلوبين واضح. فلو قلت لشخص أنك لن تهزمني، لكان المعنى أنه هو ( تحديداً ) لن يهزمه في المستقبل ( دون تأبيد ).. ولو قال شخص آخر إني لن أهزم، لكان المعنى أنه لا يمكن أن يهزمه أي أحد أبداً. والقرآن بين لا يأتي بالغوامض كما قال تعالى: ( وهذا لسان عربي مبين ). فأرع هذا اهتمامك فإنه مهم.
10. ثم قال تعالى: ( ولكن انظر إلى الجبل ).. فلو كانت رؤية الله مستحيلة، فما الفائدة من ضرب المثل والشرط بعده؟! لكن نحن نقول أنه سبحانه وتعالى ضرب المثل بالجبل القوي ليري موسى أن طبيعة الخلق في الدنيا لا تمكنهم من رؤيته تعالى. أما في الآخرة فيتم الله عليهم خلقهم ويشير إليه قوله تعالى: ( وجوه يومئذ ناضرة ).
11. ثم قال تعالى: ( فلما تجلى ربه للجبل ).. وهذا دليل آخر، فالله الذي تجلى للجبل ممكن أن يتجلى للإنسان.. وتجلى بمعنى انكشف.. وتفسير هذه الجملة من الآية يوضحه ما رواه الترمذي بسند رجاله ثقات عن النبي أنه قرأ هذه الآية: ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ) قال الراوي: هكذا ( أي تجلى قدر هكذا ) وأمسك الراوي بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى. قال ( أي النبي ): فساخ الجبل وخر موسى صعقاً. ورواه ابن جرير برفع كلمة ( هكذا ) وإمساك الإصبع إلى النبي.
12. ثم قال تعالى: ( انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فستراني ).. ولم يقل ( لو ) لأن لو تفيد امتناع الجواب لامتناع الشرط، أما ( إن ) فتفيد إمكان الجواب لإمكان الشرط.. فدل على أنه يمكن أن يراه ولا يمتنع. وهذا دقيق مهم.

فهذه الأدلة من الآية الثانية على أن ربنا عز وجل يرى، لكن متى ولمن؟ فنقول: قد دل الدليل أنه تعالى يراه المؤمنون في الآخرة.

الآية الثالثة: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )

1. فذكر تعالى بعد وصف الكافرين وعنادهم أنه يجازيهم عليه بأن يحجبهم عنه تعالى، ويدل على أنها عقوبة قوله تعالى ( كلا.. ) وهو حرف ردع وزجر. فالحكم هنا ( وهو الحجب عن الله ) معلق على وصف ( وهو الكفر وتكذيب القرآن والران على القلب ).. فيلزم أن يوجد نقيض الحكم مع نقيض هذه الصفة.. فنقيض الصفة هو الإيمان بالله ويثبت له نقيض الحكم وهو رؤية الله، فالحمد لله. وهذا ما يسمى في الأصول بمفهوم المخالفة أو قياس العكس.
2. تبين من هذه الآية أن الحجب عن الله عقوبة، فإن قلنا أن المؤمنين لا يرون ربهم لكانت عقوبة لهم.. واللازم باطل فالملزوم باطل.
3. تأمل قوله تعالى: ( يومئذ ).. فدل على أن الاختلاف بين حالي المؤمنين والكافرين في مسألة الرؤيا إنما يكون يومئذ ( يوم القيامة ) بخلاف اتفاق حاليهم في الدنيا، إذ الكافرون لا يرون الله في الدنيا، فلو كان الله لا يرى في القيامة لما كان شيئاً تغير عليهم، ولما صح التقييد بقوله يومئذ.. ولو كان المؤمنون لا يرون ربهم في الآخرة لما قال تعالى ( يومئذ ) لأن الحال على ما هو ولم يتغير، ولكنِ المؤمنون يرون ربهم في ذلك اليوم فكان عدم رؤية الكافرين حرمان.. فتأمل هذه الكلمة فإنها تهدم كثيراً من قول المعطلة.
4. قوله تعالى: ( لمحجوبون ) من الحجب وهو الستر. والستر إنما يمنع من الرؤية. ولو كان الله لا يرى لما كان للحجاب داع.. ألا ترى أنا لا نقول للهواء الذي لا نراه أنه محجوب.. ويؤيد ذلك قوله تعالى: ( فلما تجلى ربه للجبل ) وعلمت مما سبق أن التجلي كشف الستر.

الآية الرابعة قوله تعالى: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ).

1. قال تعالى: للذين أحسنوا ( بالإيمان ) الحسنى.. فالحسنى هي الجنة، وهذا كثير في القرآن كقوله تعالى: ( وكلاً وعد الله الحسنى ) وقوله تعالى: ( للذين استجابوا لربهم الحسنى ) وقوله تعالى عن ذي القرنين: ( وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرى ) ففرق بين جزاء الدنيا والحسنى فتعين كونها الجنة، وقال تعالى: ( ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) وقوله عن الكافرين ( ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ) فدل على أنها ثواب ما بعد الرجوع إلى الله وهو الجنة. وسميت الجنة حسنى لبلوغها الغاية في الحسن.
2. قال تعالى: وزيادة... إذاً ماذا يمكن أن تكون الزيادة؟ وماذا يمكن أن يكون من نعيم أهل الجنة أزيد من الجنة وما فيها؟! وقد بينها النبي فيما رواه مسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل. ثم تلا هذه الآية ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ). انتهى. فدل أن الحسنى هي الجنة، وأن الزيادة هي الرؤية ( وفي هذا الحديث من الدرر الكثير، فأسأل الله أن يعيننا وإخواننا على تبيينها ).
3. ثم قال تعالى: ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة... والقتر يظهر والله أعلم أنه بمعنى القترة وهي دخان يغشى الوجه من كرب أو هول وقيل سواد ويشهد لهما الآية بعدها في حال الكفار ( كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً ).. ووجه الدلالة على ما نريد في هذه الجملة أنه تعالى ذكر انتفاء العذاب والمهانة عن الوجه، فناسب أن يكون مذكوراً معه إكرام هذا الوجه، وليس ذلك إلا رؤية الله المبينة في قوله ( وزيادة ).. ولقائل أن يسأل: ربما أراد فقط نفي العذاب عن الوجه! فأقول ذلك حاصل لهم في الدنيا، فما الكرامة فيه؟! ثم عدم العذاب ليس في ذاته إكرام. ألا ترى أن الله لا يعذب الحيوانات، وليس فيه نعيم ولا إكرام لهم؟! فثبت أنه تعالى ذكر هذا النفي للعذاب عن الوجه ( خصوصاً ) إثباتاً وتأكيداً لما ذكره من نعيم له ( خصوصاً ) من رؤيته لله تعالى.. والحمد لله.
4. ثم قال تعالى: أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون... فأكد تعالى بالتكرير أن الجنة لهم، وقطع عنهم آفة النعم ( وهي زوالها إما بتلفها أو بالموت ) فوعدهم بالخلود.. فالحمد لله، اللهم اجعلنا منهم.

الآية الخامسة: قوله تعالى: ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار )

الآية الخامسة: قوله تعالى: ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار )

1. لنعلم أولاً أن الإدراك يخالف الرؤية.. فالإدراك له معان، لا يمكن أن يصح منها هنا إلا ثلاث: أولها الرؤية ( انظر مختار الصحاح والوجيز ) وثانيها الإحاطة بالبصر ( انظر تفسير ابن جرير، ويؤيده قوله تعالى: فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا.. ففرق بين الرؤية والإدراك ) وقد يدل على الفهم ( انظر الوجيز ). فسنتناول المعاني جميعاً، إذ كلها جداول تصب في بحر واحد، والحمد لله.
2. المعنى الأول الرؤية.. فيكون معنى الآية: لا تراه الأبصار وهو يرى الأبصار.. فهذا عام في جميع الأبصار ( لوجود الجمع المحلى بأل ) وفي جميع الأوقات ( لوجود قرينة وهي المضارع حيث يفيد الاستمرار التجددي ).. وهذا العام قد جاء من الكتاب ما يخصص عمومه في الأفراد ( قال تعالى: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) كما جاء ما يخصصه في الأوقات ( قال تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ).. فصار معنى الآية: لا تراه أبصار الكافرين في الدنيا ولا الآخرة، وتراه أبصار المؤمنين في الآخرة، وهو يراهم جميعاً في الدنيا والآخرة. وممن قال بهذا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
3. المعنى الثالث الفهم، وهو بمعنى التصور، وتصوَّر الشيء تخيله واستحضر صورته في ذهنه ( انظر الوجيز ).. لكن يمنع من هذا التفسير قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) والفهم والتصور إنما يكونان بالبصيرة وجمعها بصائر لا أبصار. فبطل أن يراد بها ذلك.
4. المعنى الثالث الإحاطة.. وهو أصل مادة ( د ر ك ).. ويشهد له قوله تعالى: ( فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قلا كلا ) ففرق بين الرؤية والإدراك.. وقوله تعالى: ( لا تخاف دركاً ولا تخشى ).. وقوله تعالى: ( حتى إذا أدركه الغرق ) والغرق لا يبصر إنما يحيط بالمرء كقوله تعالى: ( وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم ) وهذا واضح جلي. وممن فسر الإدراك هنا بالإحاطة ابن عباس واختاره ابن جرير، وهو الأقرب لما سيأتي والله أعلم.. فيكون معنى ( تدركه الأبصار ) أي تحيط به بالرؤية والنظر.
5. مما يرجح أن الإدراك هنا بمعنى الإحاطة على كونها بمعنى الرؤية، أن أهل الأصول قرروا أنه لو تعارض عام وخاص، فإن لم يمكن الجمع بينهما بقي العام على عمومه في غير صورة الخاص وتخصص به في صورة الخاص، أما إن أمكن الجمع بينهما في صورة الخاص بأن يحمل كل منهما على معنى وجب ذلك، فيبقى العموم على حاله ويباينه الخصوص.. وهنا أمكن حمل كل منهما على معنى فامتنع التخصيص.
6. ومما يرجح أن الإدراك هنا بمعنى الإحاطة أن غالب ورودها في القرآن بمعنى الإحاطة ( وقد سبق أن سقنا الأمثلة )، ولم تأت – فيما أعلم والله أعلم – في القرآن بمعنى الرؤية أبداً. فالأولى اطراد المعنى لا شذوذه.
7. أن نفي الرؤية ليس بصفة كمال حتى يتمدح الرب بها نفسه، لأن الهواء لا يرى والبعيد لا يرى والعدم لا يرى.. ولأن هذا النفي لا يتضمن كمالاً، ومعلوم أن النفي المحض لا مدح فيه، إنما الكمال في الإثبات ( لأن غاية ما في النفي أن يدل إما على عدم قدرة الذات على الصفة المنفية فيكون ذماً، كمن لا يظلم الناس لضعفه أو خوفه.. أو على عدم قبول الذات لها فتكون دون من أمكنه الاتصاف وتركه، كالحجر لا يوصف بالظلم فخير منه العادل القادر على الظلم.. وكلاهما ممتنعان في حق الله.. فلا يبقى إلا أن تكون الصفة المنفية ما نفيت إلا لكمال في الموصوف منعها ونزهه عنها، وهذا هو اللائق بالله تعالى ).. أما إن نفينا عن الله أن يحاط به كان ذلك متضمناً كمال عظمته.. فوجب حمل المعنى على الإدراك.
8. والآن وقد تبين المعنى الراجح وأنه هو الإحاطة، فيكون معنى الآية: لا تحيط به الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا أبصار المؤمنين ولا أبصار الكافرين لكمال عظمته، وهو يحيط بهم في الدنيا والآخرة مؤمنين وكافرين لكمال حفظه ورقابتة. ثم نشرع ببيان الدليل على أن الآية تحتوي دليلاً على رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة.
9. أولاً يتبين في هذه الآية تنزيه الله عن أن تحيط به الأبصار، وهذا فيه إعجاز البشر عن إدراك ربهم.. ولو كان الله سبحانه لا يرى لكان الأولى أن يعجزهم بالرؤية فيقول ( لا تراه الأبصار )، لأن الإعجاز بالأدنى يتضمن الإعجاز بالأعلى.. فلا يصح في مقام التعجيز ذكر الأعلى مع العجز عن الأدنى.. والقرآن فصيح بليغ بين لا يكون فيه مثل ذلك.. لهذا نرى الله تعالى في الشق الآخر من الآية قال ( وهو يدرك الأبصار ) أي يحيط بها، فذكر قدرته على الأكثر ما دل على قدرته على الأقل وهو الرؤية.. وهذا لطيف جداً لمن تأمله.
10. ثم هذه الآية نظيرة قوله تعالى: ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه – أي من علم ذاته - إلا بما شاء ).. فأثبت أولاً إحاطة علمه سبحانه بالورى، ثم تمدح نفسه بأنهم لا يحيطون به علماً كما قال تعالى في الآية الأخرى ( ولا يحيطون به علماً ).. ولم يمنع امتناع إحاطتهم بعلمه من أن يعلموا شيئاً عنه، فهم يعلمون أنه سميع بصير علي قوي... وكذلك هذه الآية هنا، نفت الإدراك ولم تنف الرؤية التي ثبتت من أدلة خارجة، بل دلت الآية ذاتها عليه كما سبق. والحمد لله.

وبهذا استبان لكل منصف إن شاء الله الحق الذي لا مراء فيه، أما من لم يكفه القرآن وراح يتخبط بفلسفة وكلام فارغ فنقول له: ( فبأي حديث بعده يؤمنون ).
وما حالهم إلا كما قال ابن جرير رحمه الله بعد أن ساق هذه المسألة في تفسيره: ولأهل هذه المقالة مسائل فيها تلبيس ... ليعلم الناظر في كتابنا هذا أنهم لا يرجعون من قولهم إلا إلى ما لبس عليهم الشيطان، مما يسهل على أهل الحق البيان عن فساده، وأنهم لا يرجعون في قولهم إلى آية من التنزيل محكمة ولا رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة ولا سقيمة، فهم في الظلمات يخبطون، وفي العمياء يترددون، نعوذ بالله من الحيرة والضلالة! انتهى. فلله درك يا إمام والله ما تجاوزوا كلامك خطوة..
والحمد لله رب العالمين.

الجندى
11-14-2005, 02:39 AM
مسألتين والجواب عليهما

المسألة الأولى
إن قال قائل : قد استكبر الله تعالى سؤال السائلين له أن يرى بالأبصار فقال : ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا : أرنا الله جهرة ) من الآية ( 153 / 4 )
فيقال لهم : إن بني إسرائيل سألوا رؤية الله عز وجل على طريق الإنكار لنبوة موسى صلى الله عليه وسلم وترك الإيمان به حتى يروا الله لأنهم قالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) فلما سألوه الرؤية على طريق ترك الإيمان بموسى صلى الله عليه وسلم حتى يريهم الله نفسه استعظم الله سؤالهم من غير أن تكون الرؤية مستحيلة عليهم كما استعظم سؤال أهل الكتاب أن ينزل عليهم كتابا من السماء من غير أن يكون ذلك مستحيلا ولكن لأنهم أبوا أن يؤمنوا بنبي الله حتى ينزل عليهم من السماء كتابا
دليل آخر ( 1 / 49 ) :
ومما يدل على إثبات رؤية الله تعالى بالأبصار رواية الجماعات من الجهات المختلفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضارون في رؤيته ) والرؤية إذا أطلقت إطلاقا ومثلت برؤية العيان لم يكن معناها إلا رؤية العيان ورويت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق مختلفة عديدة عدة رواتها أكثر من عدة خبر الرجم ومن عدة من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا وصية لوارث ) ومن عدة رواة المسح على الخفين ومن عدة رواة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها ) وإذا كان الرجم وما ذكرناه سننا عند المعتزلة كانت الرؤية ( 1 / 50 ) أولى أن تكون سنة لكثرة رواتها ونقلتها كذا يرويها خلف عن سلف
والحديث ( أنى أراه ) لا حجة فيه لأنه عندما سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم عن رؤية الله عز وجل في الدنيا وقال له : هل رأيت ربك ؟
فقال : ( نور أنى أراه ) ؟ لأن العين لا تدرك في الدنيا الأنوار المخلوقة على حقائقها لأن الإنسان لو حدق ينظر إلى عين الشمس فأدام النظر إلى عينها لذهب أكثر نور بصره فإذا كان الله سبحانه حكم في الدنيا بأن لا تقوم العين بالنظر إلى عين الشمس فأحرى أن لا يثبت البصر للنظر إلى الله تعالى في الدنيا إلا أن يقويه الله تعالى فرؤية الله تعالى في الدنيا قد اختلف فيها . ( 1 / 51 )
وقد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل تراه العيون في الآخرة وما روى عن أحد منهم أن الله تعالى لا تراه العيون في الآخرة فلما كانوا على هذا مجتمعين وبه قائلين وإن كانوا في رؤيته تعالى في الدنيا مختلفين ثبتت في الآخرة إجماعا وإن كانت في الدنيا مختلفا فيها
ونحن إنما قصدنا إلى إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة على أن هذه الرواية على المعتزلة لا لهم لأنهم ينكرون أن الله نور في الحقيقة
فإذا احتجوا بخبر هم له تاركون وعنه منحرفون كانوا محجوجين
دليل آخر :
ومما يدل على رؤية الله تعالى بالأبصار أنه ليس موجود إلا وجائز أن بريناه الله عز وجل وإنما لا يجوز أن يرى المعدوم فلما ( 1 / 53 ) كان الله عز وجل موجودا مثبتا كان غير مستحيل أن يرينا نفسه عز وجل وإنما أراد من نفى رؤية الله عز وجل بالأبصار التعطيل فلما لم يمكنهم أن يظهروا التعطيل صراحا أظهروا ما يؤول بهم إلى التعطيل والجحود تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
دليل آخر :
ومما يدل على رؤية الله سبحانه بالأبصار أن الله تعالى يرى الأشياء وإذا كان للأشياء رائيا فلا يرى الأشياء من لا يرى نفسه وإذا كان لنفسه رائيا فجائز أن يرينا نفسه وذلك أن من لم يعلم نفسه لا يعلم الأشياء فلما كان الله تعالى عالما بالأشياء كان عالما بنفسه فكذلك من لا يرى نفسه لا يرى الأشياء ولما كان الله عز وجل رائيا للأشياء كان رائيا لنفسه وإذا كان رائيا لها فجائز أن يرينا نفسه كما أنه لما كان عالما بنفسه جاز أن يعلمناها وقد قال تعالى : ( إنني معكما أسمع وأرى ) من الآية ( 46 / 20 ) فأخبر أنه يسمع كلا منهما ويراهما ومن زعم أن الله عز وجل لا يجوز أن يرى بالأبصار يلزمه أن لا يجوز أن يكون الله عز وجل رائيا ولا عالما ولا قادرا لأن العالم والقادر الرائي جائز أن يرى

المسألة الثانية
فإن قال قائل : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ترون ربكم ) يعني تعلمون ربكم اضطرارا
قيل له : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه هذا على سبيل البشارة فقال : ( فكيف بكم إذا رأيتم الله سبحانه ) ولا يجوز أن يبشرهم بأمر يشركهم فيه مع الكفار على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( 1 / 54 ) : ( ترون ربكم ) وليس يعني رؤية دون رؤية بل ذلك عام في رؤية العين ورؤية القلب
دليل آخر :
إن المسلمين اتفقوا على أن الجنة فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من العيش السليم والنعيم المقيم وليس نعيم في الجنة أفضل من رؤية الله تعالى بالأبصار
وأكثر من عبد الله تعالى عبده للنظر إلى وجهه الكريم - أرانا الله إياه بفضله - فإذا لم يكن بعد رؤية الله عز وجل أفضل من رؤية نبيه صلى الله عليه وسلم وكانت رؤية نبي الله أفضل لذات الجنة كانت رؤية الله عز وجل أفضل من رؤية نبيه صلى الله عليه وسلم
وإذا كان ذلك كذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين وملائكته ( 1 / 55 ) المقربين وجماعة المؤمنين والصديقين النظر إلى وجهه الكريم وذلك أن الرؤية لا تؤثر في المرئي لأن رؤية الرائي تقوم به فإذا كان هذا هكذا وكانت الرؤية غير مؤثرة في المرئي لم توجب تشبيها ولا انقلابا عن حقيقة ولم يستحل على الله عز وجل أن يري عباده المؤمنين نفسه في جنانه

الإبانة للأشعرى

اخت مسلمة
12-02-2005, 06:23 AM
جميل جدا اخي
بارك الله فيك موضوعك مطروح ويتم الآن المكابرة في ماحواه وماذكر اصلا في القرآن نسال الله العون
اتمنى ان يدخلوا هؤلاء المتشدقين هنا ويروا مااستشكل على عقولهم الصغيرة
جزاك الله خيرا
تحياتي لك