المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما السلفية؟



متعلم أمازيغي
08-31-2009, 10:58 PM
"وَالسَّابقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" .{التوبة : 100}

"وَمَن يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِع غَيْرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِهِ مَا تَولَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ و ساءَتْ مَصِيراً " . {النّساء : 115}

قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم : "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" - متفق عليه -



تتباين قراءات الباحثين للسلفية و تختلف رؤى الناس لمن يتبناها،بين من يرى في السلفي شخص منطوي على نفسه،متقوقع على ذاته، فض غليظ يرتدي لباسا يقال أنه أفغاني، و يرخي لحيته و يطلقها بدعوى تطبيق السنة،و آخرون يرون في السلفية ماضوية و رجعية و منهجا لا يصمد مع تحديات العولمة و لا يستجيب لمستجدات العصر و متطلبات الحداثة،و صنف آخر لا يرى في السلفي إلا ذلك المتعصب المتسرع في إطلاق أحكام من قبيل "مشرك قبوري" و "مبتدع ضال"،كما أن السلفية غالبا ما تقرن بالوهابية،إذ هما سيان عند البعض.
إن هذه الأحكام الموزعة مجانا و المبنية على الأخذ بالمظاهر و السطحيات دون النظر في أصول السلفية و منهجها تبقى أحكاما غير معتبرة و لا هي بذات موضوع،و لا يمكن أن تكون صحيحة بحال من الأحوال،فلدراسة فكر معين لا بد من الرجوع إلى المراجع المعتمدة عند أصحابه،إذ البحث المنصف يملي عليك أن تبذل الجهد لسبر فكر خصمك و التعرف عليه عن كثب،بغية رسم صورة واضحة صحيحة في ذهنك عن هذا الفكر مستمدة من منبعه الحقيقي.
فما السلفية؟و ما هو المنهج السلفي؟ و هل السلفية مذهب حتى نقرنه بالمذهب المالكي و غيره من المذاهب الفقهية؟
بادئ ذي بدء لا بد أن نميز بين السلفية التي تحمل مشروعا مختزلا في إحياء الماضي بمقوماته و معالمه و بين السلفية التي تخلص لمنهج السلف،و وفاؤها إنما هو لموقد البؤرة لا لرمادها،مع الإيمان بحركية التاريخ و تموّجاته،فالصنف الأول يعيش في الوهم و يقتات على الأوهام،و هذا الوهم الذي يؤطره و يثقله هو الماضي بكل أمجاده و آهاته و آلامه،ناهيك عن "دنكشوتيته" التي نلمسها عند بعض علماء السلفية،فاتخاذهم لخصوم من سراب لا حقيقة لهم مما يندى له الجبين،فهم إلى حد الآن لا يزالون يصبون جام غضبهم على خصوم "السلف الصالح" كالمعتزلة و الجهمية و القدرية و المرجئة،فتراهم يستعيدون الصراع الأيديولوجي الذي كان في الماضي و ينخرطون فيه مكافحين منافحين،و لا وجود حقيقي لهذه الفرق إلا في مزبلة التاريخ،أما الخصم الحقيقي فكأنما يسالمونه و يشعلون له الضوء الأخضر ليمضي قدما و يفرشون له الأرض وردا،و يمكن أن نلخص مشكلة هؤلاء و نختزل "برادوكسيتهم" في قراءتهم الغير الواعية للتاريخ ،حيث أنهم لا يستعيدون الماضي مع ذواتهم من أجل فهم الحاضر و الحكم على المستقبل،بل ليعيشونه بوجدانهم و جوارحهم و يسقطونه كما هو على واقعنا المعاصر،فكانت النتيجة إلغاء الزمان و التطور فالحاضر يقاس على الماضي،و كأن الماضي و الحاضر و المستقبل عبارة عن بساط ممتد لا يتحرك و لا يتموج.

مفهوم السلفية

قد يكون من اللازم أن ننبه أننا لا نروم من مقالنا هذا تأجيج نار الخلافات المذهبية أو إحداث قلاقل طائفية بين المسلمين،و إنما غايتنا إنصاف هذه الطائفة التي طالها الإجحاف،سواء من طرف الإعلام أو حتى من طرف مؤسسات الدولة التي قامت السنة الماضية بإغلاق عشرات دور القرآن بمختلف مدن المغرب،بدعوى وجود علاقة بينها و بين صاحب فتوى زواج الصغيرة الدكتور المغراوي،كما نود بيان معالم المنهج السلفي الذي قد يجهله الكثيرون.
و لاشك أنه لا يمكن لنا أن نتناول مفهوم السلفية دون الإحاطة بمعنى "السلف"،فقد يظن البعض أن "السلف" يطلق على شخص واحد هو أحمد ابن حنبل أو ابن تيمية أو محمد ابن عبد الوهاب،وهذا الخلط و التخبط يظهر جليا عندما نسمع بتداول الألسن لتيار سموه "وهابية" صار عندهم مرادفا للسلفية،خاصة من طرف المتصوفة و الرافضة و المتعلمنة،إنه خطأ فاحش يقع فيه شريحة كبيرة من الباحثين فضلا عن العوام المرددين لكلام الإعلام الذي لا يتحرى الصدق و الأمانة العلمية.

فلننظر الآن في المعنى اللغوي للسلف : قال ابن فارس في" معجم مقاييس اللغة": (سلف، السين واللام والفاء أصل يدل على تقدم وسبق، من ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون. )
وقال ابن منظور في " لسان العرب " :( والسلف من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك الذين هم فوقك في السبق والفضل ، ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين: السلف الصالح).
و منه قول النبي صلى الله عليه و سلم لفاطمة رضي الله عنها :"فإنه نعم السلف أنا لك" رواه مسلم.
أما في الاصطلاح فهم الرعيل الأول من الصحابة و التابعين،الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه و سلم بالخيرية كما في حديث صحيح مرفوع بلغ حد التواتر : "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"،و قال تعالى { وَالسَّابقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ،و يعضد هذا الذي ذهبنا إليه قول الإمام البخاري :"كان السلف يستحبون الفحولة" علق على ذلك الحافظ ابن حجر بقوله "أي الصحابة و من بعدهم" فتح الباري (666/).
و تعريف "السلف" بالصحابة و التابعين لا نجده عند أهل الحديث فقط،بل كان الاصطلاح متداولا و واردا عند أهل الكلام،قال أبو حامد الغزالي في "إلجام العوام عن علم الكلام" (ص62) معرفا السلف : "أعني مذهب الصحابة و التابعين" .

إذن فالسلفية علم على أصحاب الإقتداء بالسلف الصالح من الصحابة و التابعين من القرون الثلاثة الأولى المشهود لهم بالخيرية،و من حيث المضمون فتعني السلفية في الإسلام كما يقول الدكتور مصطفى محمود في كتابه "السلفية بين العقيدة الإسلامية و الفلسفة الغربية"(ص 5) " التعبير عن منهج المحافظين على مضمونه في ذروته الشامخة،و قمته الحضارية،كما توجهنا إلى النموذج المتحقق في القرون الثلاثة الأولى المفضلة و فيها تحقق الشكل العلمي و التنفيذ الفعلي،و منه استمدت حضارة المسلمين أصولها و مقوماتها ممثلة في العقيدة خضوعا للتوحيد،و بيانا لدور الإنسان في هذه الحياة،و تنفيذا لقواعد الشريعة الإلهية بجوانبها المتعددة،في الاجتماع و السياسة و الاقتصاد و روابط الأسرة و فضائل الأخلاق".
و هي من جهة أخرى اقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه و سلم و سائر الأنبياء عليهم السلام،و هذا يتضح من خلال التدرج في الدعوة و البدء بالأهم و مراعاة ما يسمى ب "فقه الأولويات"،فالدعوة السلفية إصلاحية تعمل على النهوض بالفرد قبل المجتمع أو بتعبير آخر تسعى لتربية النفس قبل الدعوة إلى إصلاح الأنظمة،و من هنا سر اهتمام السلفية بالتوحيد و دعوتهم لإخلاص العبادة لله و نبذ الشرك بكل مظاهره و الإنكار على أصحاب الطرقات و الغالين في الأولياء ،و هذا سيرا على نهج الأنبياء في البدء بالدعوة إلى التوحيد،قال تعالى مبينا ذلك {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} و قال تعالى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ.} و قال كذلك { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} و الآيات التي تبين أهمية الدعوة إلى التوحيد و نبذ الشرك كثيرة في الوحيين،بل هي لب الرسالات السماوية و جوهرها و غايتها الأولى.
عكس بعض الحركات الإسلامية التي تعمل على تعبئة الجمهور بتبنيها لإيديولوجيا إسلامية ، لكنها أبعد ما تكون عن الإقتداء بمنهج الرسول صلى الله عليه و سلم،بل قد لا نبالغ إن قلنا أن هذا الدين يستغل في أحيان عدة من طرف أصحاب الأيديولوجية الإسلامية لأغراض دنيوية دنيئة،فهو مجرد مطية و جسر لقضاء الحوائج عن طريق استمالة أصحاب العواطف الجياشة المتحمسة للدفاع عن الدين،لذلك فلا تستغرب إن وجدت شابا منتميا لجماعة إسلامية(العدل و الإحسان مثلا) يحدثك عن مشروع سياسي بأدق تفاصيله و "يتزبب قبل أن يتعنب"،بينما يجيبك ب "اخسؤوا و لا تكلمون" إن سألته عن أبسط أمور العقيدة و التوحيد،بل و ما أكثر ما يقعون في المخالفات الشرعية لبعدهم عن طلب العلم الشرعي،فهذه نجلة عبد السلام ياسين لا ترى حرجا في الجلوس على مائدة يدور فيها خمر،و عبد السلام ياسين يزكي هذه "الفتوى" و يعتبرها "اجتهادا"،فضلا عن خرافة الخلافة التي صدقها الكثيرون مع ما فيها من ادعاء لعلم الغيب،ناهيك عن ظهور النبي صلى الله عليه و سلم ليوزع عليهم التمر،و لا تذهل كذلك إذا وجدت شابا رافضيا استماله حسن نصر الله بخطاباته البراقة ،يشرح بالتفاصيل المملة "ميثولوجيا الإمامة" بينما يجهل أن حب أصحاب رسول الله صلى الله عيه و سلم من الدين،و أن الانتقاص من شأنهم فضلا عن سبهم و تكفيرهم نفاق و زندقة.
لسنا هنا بصدد كشف عواري أحد،و لكننا نريد فقط أن ننبه من خلال هذه الأمثلة خطأ من ينقم على السلفية اهتمامها بأمور العقيدة،وبيان أهمية التدرج في الدعوة و البدء بالأهم قبل المهم،كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمعاذ رضي الله عنه "إنكَ تأتى قوماً أهلُ كتاب، فليكُن أولَّ ما تدعوهم إليهِ شهادةُ ألا إله إلاَّ الله، و في روايةٍ إلى أن يوحدوا اللهَ، فإن هُم أطاعُوكَ لذلك فعلِّمهم أنَّ اللهَ قد افترضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في اليوم و الليلة...".


منهج السلفية لا مذهب السلفية :

يحلو للكثيرين اعتبار السلفية مذهبا كغيره من المذاهب الفقهية،و هذا يظهر بجلاء في استطلاع الرأي الذي قامت به جريدة هيسبريس،حيث قُرِن المذهب المالكي بالسلفية الوهابية،إن السلفية ليست من المذاهب الفقهية فكيف استساغ القارئ المقارنة بين شيئين من جنسين مختلفين؟و هل يمكن أن نطرح سؤالا مِن قبيل مَن الأفضل هل اللون الأبيض أم التفاح؟ هذا سؤال فاسد لا محالة،لذلك فإني تجنبت التصويت في هذا الاستطلاع.
إن المذهب في اللغة هو محل الذهاب كالطريق،بينما في الاصطلاح هو ما ذهب إليه إمام من الأئمة في الأحكام الاجتهادية،فمثلا المذهب المالكي هو ما اجتهد فيه الإمام مالك،و الاجتهاد كما هو معلوم عند الأصوليين بذل الجهد لاستنباط حكم ظني لا قطعي،و الأحكام الظنية هي التي يستساغ فيها الاختلاف لعدم صراحة النصوص.
قال ابن أبي الأصبغ الأندلسي :


والاجتهاد إنما يكون*** فيما دليله مظنون
أما الذي فيه الدليل القاطع***فهو كما جاء و لا منازع
فهل السلفية انتساب إلى إمام دون آخر؟
إن السلفية كانت و لازالت ثورة على التعصب المذهبي و الطائفية المقيتة،و هذا ما يظهر في فقه السلفيين الذي تقرأ فيه حرية الفكر و الدعوة لنبذ تقليد الأئمة،فهي بعيدة و بريئة من كل ما ينسب إليها من جمود فكري و ركود عقلي،و ما قفل أصحابها باب الاجتهاد قط،و شيخ الإسلام ابن تيمية حُبس و عُذب لفكره الحر و قلمه الذي لا يعرف الانقياد للخطوط الواهية التي يضعها أهل التعصب المذهبي كحدود للتفكير.
يقول الإمام السلفي محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله :


على ما جعلتم أيها الناس ديننا *** لأربعة لا شك في فضلهم عندي
هم علماء الأرض شرقا ومغربا *** ولكن تقليدهم في غد لا يجدي
ولا زعموا حاشاهمُ أن قولهم *** دليل فيستهدي به كل من يهدي
بل صرحوا أنّا نقابل قولهم ***إذا خالف المنصوص بالقدح والرد

و هذا السبيل الذي يسلكه السلفية إنما رسم ملامحه و سطر خطوطه العريضة أئمة السلف،فتجدهم يدعون إلى النسبية المنضبطة و القبول بالاختلاف و نبذ الوصاية و تفنيد ادعاء العصمة لإمام غير النبي صلى الله عليه و سلم،و هذه أقوال الأئمة الأربعة الذين تنسب إليهم المذاهب الأربعة تنطق بذلك :

الإمام مالك بن أنس
قال رحمه الله : "إنما أنا بشر أخطئ و أصيب،فانظروا في رأيي،فكل ما ما وافق الكتاب و السنة فاتركوه" الجامع (2/32) لحافظ المغرب ابن عبد البر رحمه الله.
و قال في موضع آخر :" ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه و سلم إلا و يؤخذ من قوله و يترك إلا النبي صلى الله عليه و سلم" الجامع (2/91).

الإمام الشافعي

قال رحمه الله : "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم،فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم،و دعوا ما قلت" رواه الحاكم بسند متصل إلى الشافعي، إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية (2/363).و قال كذلك مبينا دعوته الصريحة لاتباع السنة و ترك التقليد "إذا صح الحديث فهو مذهبي" إعلام الموقعين (2/361).
الإمام أبو حنيفة

قال رحمه الله : "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولي ما لم يعلم من أين أخذناه" إعلام الموقعين(2/309) وقد جزم ابن قيم بصحته عن أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة.
و قد قال مخاطبا تلميذه :" ويحك يا يعقوب! (هو أبو يوسف) لا تكتب كل ما تسمع مني،فإني قد أرى الرأي اليوم و أتركه غدا،و أرى الرأي غدا و أتركه بعد غد".

الإمام أحمد بن حنبل

و أقوال أحمد أدل على ذلك يقول رحمه الله كما في الإعلام (2/302) : "لا تقلدني و لا تقلد مالكا و لا الأوزاعي و لا الثوري و خذ من حيث أخذوا"
و قال "رأي الأوزاعي،و رأي مالك،و رأي أبي حنيفة كله رأي و هو عندي سواء،و إنما الحجة في الآثار" الجامع (3/149).
إذا عرفنا معنى السلفية فستكون نسبتها إلى محمد بن عبد الوهاب من الادعاءات الباطلة،فالسلفية انتساب إلى العصمة،ذلك أن الأمة لن تجتمع على ضلالة كما قال رسول اله صلى الله عليه و سلم،و أتباع السلف الصالح لا يتقيدون بإمام دون آخر،بل في كل مسألة ينظرون إلى ما وصل إليهم من التراث الإسلامي،فلا بد و أن أحدهم قد أصاب،لذا فمن كان معه الحجة و البرهان قبلوا قوله و أخذوا به،و من زل لم يؤاخذوه على زلته،بل ترحموا عليه و استغفروا له كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا}.

المنهج السلفي

إن ما يميز العلماء و المفكرين السلفيين اتفاقهم على مبادئ تشكل في جملتها معالم المنهج السلفي على الرغم من تباعد عصورهم و اختلاف أمصارهم ،فمنهج أحمد ابن حنبل هو نفسه منهج مالك و ابن تيمية و محمد ابن عبد الوهاب،و هو المنهج نفسه الذي سلكه مجددو القرن الماضي كالإمام المحدث ناصر الدين الألباني و العلامة الدكتور محمد بن تقي الدين الهلالي المغربي،فعلى الرغم من عدم تصريحهم بذلك المنهج إلا أن كتاباتهم تنطق به،و لو قمنا بقراءة عميقة لمؤلفاتهم لوجدنا أن منهجهم واحد، و هذا المنهج الذي هو "روح" السلفية يتسم بالبعد عن تعقيدات المتكلمين و طلاسم الفلاسفة،ذلك لكون الإسلام جاء للناس كافة،و قد علم بالضرورة اختلاف عقول الناس و تفاضلها،لذلك كان من الواجب على السلف اختيار منهج سهل يسير يتماشى مع يسر الإسلام،منهج قادر على اختراق كل العقول ومخاطبة الناس جميعا مع تفاوت إدراكهم و أفهامهم،لذلك كان الخطاب السلفي خطابا إسلاميا أصيلا يعتمد العبارة الخطابية دون إغفال الذب عن معتقداتهم بالأسلوب الجدالي مع الجداليين و العبارة البرهانية مع البرهانيين.
و قد تناول د.مصطفى حلمي من المعاصرين منهج السلفية في كتابه "قواعد المنهج السلفي" فأفاد و أجاد،و يمكن إجمالها فيما يلي :
* الاستدلال بالكتاب و السنة : و ذلك لكون كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم يحويان ما يكفي من النصوص التي تعالج كل القضايا من عقيدة و فقه السياسة الشرعية و كليات في الاقتصاد،قال تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}
* تقديم النقل على العقل مع درء التعارض بينهما،و يقصد بالنقل كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم،و العقل إنما محصور دوره في الحقل الديني على فهم النصوص و هو لا يتعارض مع النص بحال من الأحوال كما قال تعالى {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} فقرن بين السمع و العقل ما يعني توافقهما ضمنيا،فصريح المعقول لا يتعارض مع صحيح المنقول،أما ادعاء بعض المتكلمين لتعارض النصوص مع العقل فليس صحيحا،و عند التحقيق ينتفي وهم التعارض،و إذا ورد فإن ذلك لن يخرج عن أحد هذه الأمور :
-أن يكون النقل صحيحا ثبوتا و عقلا و الوهم إنما هو صادر عن فساد العقل الذي توهم التعارض،أو إعماله في مجال لا يطيق إدراكه كالأمور الغيبية، مثلها الآيات و الأحاديث الواردة في الأسماء و الصفات كالاستواء والنزول و إثبات اليد و الوجه ،و نحن أهل السنة و الجماعة دستورنا في هذه المسألة الغيبية قوله تعالى "ليس كمثله شئ و هو السميع البصير"،فقوله "ليس كمثله شئ" نفي الشبه بين الخالق و المخلوق رغم الاشتراك في المسميات،و قوله "وهو السميع البصير" رد على المعطلة، فكانت قاعدتنا في الأسماء و الصفات "إثبات ما أثبته الله لنفسه من غير تحريف و لا تكييف و لا تشبيه و لا تعطيل"،و نفوّض المعنى و الكيف لله تعالى كما قال الإمام الشافعي "آمنت بالله و بما جاء به الله على مراد الله، و آمنت برسول الله و بما جاء به رسول الله على مراد رسول الله"،و قال ابن قدامة المقدسي في "لمعة الاعتقاد " (ص3) :" قال الإمام أبو عبد الله احمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا . و إن الله يرى في القيامة .... و ما أشبه هذه الأحاديث : نؤمن بها ، و نصدق بها ، لا كيف و لا معنى...." و هذا عين العقل،ذلك أن الحكم على الشئ فرع عن تصوره،إذ لا يمكن إعمال العقل في أمور هو غير قادر على تصورها،فالعقل يقر بوجود خالق أول و واجب الوجود غير حادث، لكن أن نثبت بالعقل صفات الله فذلك ممتنع عليه،و لا طريق إلى ذلك إلا من باب الرسالات و النبوات.
- أن لا يكون النقل صحيحا،فهذا لا يصلح للمعارضة و لا أن يحتج به،و كثيرة هي الأحاديث التي وضعها الزنادقة من أجل إفساد الدين.
- وأحيانا لا يكون التعارض،و إنما اختلاف في طريقة معالجة بعض القضايا،نضرب المثال بالجواب عن السؤال من خلق الله؟ فالوصفة الشرعية التي دلنا عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم هي التعوذ من الشيطان الرجيم،كما في الحديث المتفق عليه " يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" ،و لما سئل الرازي(606هـ) لِمَ لم يأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالبرهان المبين عن فساد الدور و التسلسل في اللانهاية؟أجاب مثل هذا من عرض له كلب ينبح عليه ليؤذيه و يقطع عليه طريقه،فتارة يضرب بعصا أو يستنجد بصاحب الكلب،فالأول هو البرهان و فيه صعوبة و الثاني هو الاستعاذة بالله و هي أيسر.
*رفض تأويلات المتكلمين : و ثمة فرق بين تأويل المتكلمين و التأويل عند المتأخرين،فالمتكلمون يجعلون من العقل أصلا،فإذا تعارض مع النص قدموا العقل و أولوا النقل،و من الأمثلة على ذلك تأويلهم للاستواء بالاستيلاء،و اليد بالنعمة، و الوجه بالذات،و نزول الله بنزول الملك،و حرفوا قول الله تعالى : " وكلم اللهُ موسى تكليما" بقولهم "كلم اللهَ موسى تكليما" حتى يتسنى لهم نفي صفة الكلام عن الله عز وجل..،بينما التأويل عند المتأخرين هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى احتمال آخر مرجوح مع وجود القرينة.

ختاما، إذا كان هذا هو منهج القوم،فنعمت السلفية هذه،و لا يسعنا إلا أن نقول مع شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه: "ولا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق؛ فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً". الفتاوى : (1/149)

يحيى
09-01-2009, 12:48 AM
شكرا على تحليلك أخي بارك الله فيك
نحن عندنا هنا في الغرب نفس الشيء دائما يظلمون السلفية في إعلامهم و يقولون السلفية (ينطقونها هكذا salafyya أو salafism) لتمييزهم عن باقي المسلمين أو لتمييز ضرب من التفكير و طريقة حياة فاللذي يصلي مرة في العيد و يصوم رمضان و الباقي مثله مثل الناس فهو مسلم معتدل و أما أن يلتزم بعقيدة الاسلام و يطبقها في سلوكياته و يعيش طبقا للحلال و الحرام فهو مسلم أرثودوكسي سلفي, و الذي ينعزل عن المجتمع و يرقص الله حي الله حي فمتدين حقيقي عارف بالله روحاني و من يدافع عن حماس إسلامي islamist و القاعدة خلاص يكفيها الوصف ب الــكــايــده :)):!!

متى بدأ استعمال مصطلح السلفية كموضوع لدراسته و نقده كمنهاج يختلف و يلتزم بالأصالة و يرفض المعاصرة؟ أليس مع ظهور الإصلاحيين بقيادة الأفغاني و محمد عبده أم قبل ذلك؟

اخت مسلمة
09-01-2009, 01:11 AM
مقالة طيبة اخي متعلم امازيغي بارك الله فيك
وان خالفتك في جزئية التصدي لأصحاب الأهواء ممن ذكرت انهم بادوا كالجهمية والمعتزلة وغيرهم
فلزوم العلم بهم ودوام ذكرهم امر محمود وطيب , لأن مامن شر تنبت سيقانه الآن الا كان له جذور من الماضي
فوجب العلم بها وتعلمها ومعرفة عوارها والتلويح به في كل عصر , اما ماكتبتهفهو عميق وطيب بارك الله فيك
وجعلنا جميعا من متبعي السلف الصالح عملا وقولا وسمتا وحشرنا واياهم مع الحبيب المصطفى عليه الصلاة
والسلام ,سئل سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله-: ما تقول فيمن تسمى بالسلفي والأثري ، هل هي تزكية؟
أجاب سماحته : (إذا كان صادقاً أنه أثري أو أنه سلفي لا بأس، مثل ما كان السلف يقول: فلان سلفي، فلان أثري، تزكية لا بد منها، تزكية واجبة).
وسئل أيضا عن الفرقة الناجية فقال : ( هم السلفيون وكل من مشى على طريقة السلف الصالح )
كذلك سئل الشيخ الألباني عن هذا الموضوع ونص السؤال "لماذا التسمي بالسلفية ؟ أهي دعوة حزبية أم طائفية أو مذهبية ؟ أم هي فرقة جديدة في الإسلام ؟
الجواب . قال : إن كلمة السلف معروفة في لغة العرب وفي لغة الشرع ؛ وما يهمنا هنا هو بحثها من الناحية الشرعية :
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرض موته للسيدة فاطمة رضي الله عنها : "فاتقي الله واصبري ، ونعم السلف أنا لك " .
ويكثر استعمال العلماء لكلمة السلف ، وهذا أكثر من أن يعد ويحصى ، وحسبنا مثالاً واحداً وهو ما يحتجون به في محاربة البدع :
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
ولكن هناك من مدعي العلم من ينكر هذه النسبة زاعماً أن لا أصل لها! فيقول : (لايجوز للمسلم أن يقول : أنا سلفي ) وكأنه يقول : (لا يجوز أن يقول مسلم : أنا متبع للسلف الصالح فيما كانوا عليه من عقيدة وعبادة وسلوك) .
لا شك أن مثل هذا الإنكار ـ لو كان يعنيه ـ يلزم منه التبرؤ من الإسلام الصحيح الذي كان عليه سلفنا الصالح ، وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم كما يشير الحديث المتواتر الذي في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم : "خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " .
فلا يجوز لمسلم أن يتبرأ من الانتساب إلى السلف الصالح ، بينما لو تبرأ من أية نسبة أخرى لم يمكن لأحد من أهل العلم أن ينسبه إلى كفر أو فسوق .
والذي ينكر هذه التسمية نفسه ، ترى ألا ينتسب إلى مذهب من المذاهب ؟! سواء أكان هذا المذهب متعلقاً بالعقيدة أو بالفقه ؟
فهو إما أن يكون أشعرياً أو ماتريدياً ، وإما أن يكون من أهل الحديث أو حنفياً أو شافعياً أو مالكياً أو حنبلياً ؛ مما يدخل في مسمى أهل السنة والجماعة ، مع أن الذي ينتسب إلى المذهب الأشعري أو المذاهب الأربعة ، فهو ينتسب إلى أشخاص غير معصومين بلا شك ، وإن كان منهم العلماء الذين يصيبون ، فليت شعري هلا أنكر مثل هذه الانتسابات إلى الأفراد غير المعصومين ؟
وأما الذي ينتسب إلى السلف الصالح ، فإنه ينتسب إلى العصمة ـ على وجه العموم ـ وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الفرقة الناجية أنها تتمسك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه .
فمن تمسك به كان يقيناً على هدى من ربه . . . ولا شك أن التسمية الواضحة الجلية المميزة البينة هي أن نقول : أنا مسلم على الكتاب والسنة وعلى منهج سلفنا الصالح .
وفي ذلك ذكر ايضا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى :
قال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى " فأهل السنة والجماعة هم السلف معتقداً حتى المتأخر إلى يوم القيامة إذا كان على طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه سلفي "وقال في شرح العقيدة السفارينية الشريط الأول ما نصه : "من هم أهل الأثر ؟ هم الذين اتبعوا الأثار ، اتبعوا الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم وهذا لا يتأتى في أي فرقة من الفرق إلا على السلفيين الذين التزموا طريق السلف .
نسأل الله أن نسير على طريق النبي محمد عليه الصلاة والسلام وطريق السلف الصالح الى ان نلقى الله تعالى وهو عنا راض غير مزكيين انفسنا ولاظانين بها الخير .
جزاك الله بها خيرا اخي متعلم امازيغي وسدد قلمك للحق

تحياتي للموحدين

إن هم إلا يظنون
09-01-2009, 08:43 AM
http://www.youtube.com/watch?v=J_dYSdvGGao

متعلم أمازيغي
09-03-2009, 06:53 PM
شكرا على تحليلك أخي بارك الله فيك

بارك الله فيك أخي و أستاذي يحيى على مرورك الطيب و إضافتك القيمة

و أشكر الأخت الكريمة أخت مسلمة على إضافتها الطيبة

jawad el baroudi
09-20-2009, 11:49 PM
جزاك اللهُ عنّا خيراً يا اخي و بهذه المناسبة اود ان اهنأكم بحلول عيد الفطر الكريم و كل عام و انتم بخير و السلام

السلفي الفلسطيني
09-21-2009, 02:29 PM
لماذا الحرب علي السلفية:emrose::emrose::emrose::emrose::emrose:

الحمد لله ناصر دينه ومؤيد رسله وأتباعهم وقاهر من خالفهم
الحرب على السلفية لأنها المنهج الحق الذي يكشف أباطيل المبطلين وغلو الغالين ومعري كذب الأفاكين والمشعوذين وقاصم ظهر المبتدعين ومفند لما يعتقدون من منهج ضال بعيد عن منهج رب العالمين
فالسلفية هي إمتداد لما كان عليه سيد الخلق أجمعين محمد بن عبد الله الأمي الأمين وهو ما إرتضاه له رب العالمين ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) إذا كان هذا هو المنهج الذي رضيه ربنا لنا فلا يمكن أن نستبدله بقول أحد من العالمين لأن فيه الخير كله والعز كله والسؤدد كله ولو إتبعت الأمة الإسلامية هذا المنهج لوجدت السعادة والنصرة لدين الله عز وجل ولتغيرت أحوالهم ولكانوا كما كان السلف الصالح رضي الله عنهم ورحمهم جميعا أسياد الدنيا وملوكها
ومن لا يعرف منهج السلف فهو لا يكاد يعرف إلا فتات العلم الذي لايغني عن صاحبه شيا
لذا فإنني أنصح جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم بدراسة المنهج السلفي دراسة معمقة ومنصفة وعادلة ولا يربط أخطاء بعض الناس بالمنهج إذا كان منتسبا إليه لأن الناس جميعا يخطؤن ولا يكاد يكون هناك أحد لايخطئ قال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم ( كل إبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) فلا يجوز لمنصف أن يربط دين الله سبحانه بكل ما فيه من خير وبركة ومعاملة حسنة بأحد من الناس أخطأ هنا أو هناك
وأخيرا أسأل الله العلي القدير أن يعلمنا ما جهلنا من أمور ديننا وأن يرد المسلمين إلي دينه ردا جميلا وأن يهدي شباب المسلمين لما فيه خيري الدنيا والآخرة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم أبو مقداد السلفي ........... فلسطين

أبو حمزة السلفي
10-06-2009, 03:37 AM
بارك الله بك أخي و جعل الله المقال في ميزان حسناتك
ان الدعوة السلفية هي منهج كامل متكامل للحياة
راجع أخي مقالي في قسم العقيدة (هذه دعوة أهل التوحيد)
أخوكم أبو حمزة السلفي

صهيب
10-10-2009, 11:52 AM
السلام عليكم

أفضل ما قرأت عن السلفية

السلفية المفهوم والتحديات
لفضيلة الشيخ
محمد شاكر الشريف

http://saaid.net/Doat/alsharef/30.htm

يحي الازدي
10-11-2009, 08:02 AM
(...)




العضو الأزدري لم أرتح لمنهجك منذ أولى مشاركاتك

دع عنك مذاهب المسلمين ولو كان عندك مواضيع للرد على الملاحدة فمرحبا، وأما غير ذلك فغير مُرحب به

متابعة إشرافية
مشرف 3