المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وظهر الفساد



الشيخ عبدالرحمن عيسى
09-09-2009, 11:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

وظهر الفساد !.


بقلم

الشيخ عــبـد الرحـمـن الـعيــسى

حلب

رمضان المبارك-1430هـ


بسم الله الرحمن الرحيم
وظهر الفساد!.
---- يقول الله تبارك وتعالى , في محكم القرآن المجيد:(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس..).يتحدث القرآن المجيد , باستفاضة وبيان ,عن الفساد:ألوانِه وأشكاله وعن المفسدين في الأرض:طبيعتهم وأسلوبهم , ونمط تفكيرهم , وفحوى نظرتهم إلى أنفسهم , وإلى العالَم من حولهم , وأنه مسرح لهم , وساحات مفتوحة لخططهم الجهنمية , وأفعالهم التدميرية والمأساوية..
---- و وجّه الله جل جلاله , تحذيراً لكل المفسدين في الأرض , أيْ الذين عندهم الاستعداد المفْرط للفساد و الإفساد , أي تخريب ما هو صالح وفالح أن لا يفعلوا ذلك , حفاظاً على ما قـد تم من إصلاح الأرض , وتسويــــــة أوضاعها المختلة , وتقويم اعواجاجها ..
فقال سبحانه:(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها).
والله وحده , هو الذي يصلح الحياة , ويجعلها صالحة للمعايـش و التعايش, ويرسي قواعد العدل والإحسان فيها : منّـة منه وفضلاً , وإعـادة التوازن من جديد , وإخراجاً للناس من الظلمات إلى النور..
---- وذلك بما يبدعه الله سبحانه و يظهره , ويمهد له , من التحــولات
والتطورات و الأحداث , والناس عن كل ذلك غافلون وذاهلون..
---- ويقول سبحانه:(وما كنا عن الخلق غافلين).
---- ولا ينكِر القرآن المجيد , تعرضَ الأرض والبشر إلى ألوان من الفساد والعبث والإفراط والتفريط , والإساءة إلى واقع الجمال الإلهي الرائع , بسابق من العزم والعمد والتصور و التصميم..

ويقول سبحانه في هذا السياق:(وكان في المدينة تسعة رهْط يفسدون في الأرض ولا يصلحون).ومن المؤسف أنْ كانت لهم الهيمنة والسيطرة على قومهم جميعاً , فأحبطوا دعوة نبيهم صالح , إلى الصلاح و الإصلاح المنشود..
---- وفساد المفسدين , ينصب في أجلى مظاهره , على إفساد الأخلاق والضمائر و الذمم , وتشويه المبادئ والمواقف والقِـيم , وتخريب الوجدانيات والمشاعر الإنسانية السامية , وتعطيل مفاعيل الخير والبناء, والعطاء الحضاري المخْصِب , لدى الإنسان وطموحه وكدحه..
---- فيبقى إنساناً انتهازياً وصولياً تافهاً , وتتفجر في داخله طاقات الأنانية المرعبة , والنفعية الفردية المدمرة , مستبيحاً كل الأعراف والمعروف , والمعارف الحضارية الراقية..
وهذا هو سبيل المفسدين , في كل زمان ومكان..
---- ويقول سبحانه:(ولا تتبع سبيل المفسدين).
---- ويقول أيضاً:(وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرْث والنسْل).
---- وتنجلي ملحمة الخير والشر , والنور والظلمات , والإصلاح والإفساد , عن موروث ضخمٍ من أسباب الصراع والنزاع , وتداول المفاهيم والمعطيات : بناءً وهدماً , طهارةً وإثماً , عُرفاً ونُـكْراً ,عدلاً وظلماً..
---- إن منهج الله تبارك وتعالى , المناهضَ لعمل المفسدين في الأرض ,
يتجلى في قوله تعالى:(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي..).
---- ومن المستغرب والمستطرف , أن آليات الدفع والتدافع في الأرض بين البشر , قد تؤدي إلى منع وقوع فساد , لا تحتمله الكرة الأرضية , والحياة الإنسانية السوية..
---- ويقول سبحانه:(ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعض لفسدت الأرض ولكنَّ الله ذو فضل على العالمين.)
---- إن الناس بحكم ما فطرهم الله عليه , يعرفون ويفرقون بين ما هو إفساد وإصلاح , والتزام وتجاوز , ووقوف عند الحدود والحقوق ,وهتكٍ للمحارم , وهضم للكرامة الآدمية , والله يعلم المفسد من المصلح , ولكن المشكلة الحقيقية , هي في إرادة المفسدين , الذين قد يظنون أنهم مصلحون , وأنهم روّاد مبادئ ومبدعون , وقد يتعمدون الظلم والأذيّـة لعباد الله , وينشرون فلسفة الحياة الواقعية الوجودية , والأفكار الإباحية , وأن الغاية تبرر الوسيلة والواسطة , وأن طريقتهم في الحياة , هي الصالحة وهي الأصلح..
يقول سبحانه:(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
---- إن الخطورة الهائلة , تكمن في كون المفسدين في الأرض لا يتصورون أنهم دعاة سوء وفساد , وُصنّاع إفساد وسقوط , بل هم منسجمون مع أنفسهم , ومع مبادئهم الإبليسية ,التي تؤول بالوضع الإنساني على ظهر هذه البسيطة , إلى مراحل متوالية , من الرداءة والتداعي , على أيدي من تمت صياغتهم وتأهيلهم , لينجزوا ما تم إيكاله إليهم , ليزداد البشر تعباً ورهَـقاً , وانحلالاً شديداً..
---- يقول سبحانه:(وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهَـقا.)
---- وبفعل عمليات الفساد العالمي المبرمج , تحول هذا العالم إلى فراغ وظلمات ومتاهات ودوامات , ومظالم متراكمة لا تمحوها الأيام , تراكم الصقيع في المحيطات..
---- فعيش الأكثرين دون حد الفقر , والمعاناة فوق حد القهر , وانطواءُ النفوس على أحزان دفينة , وشعورٍ باليأس والمرارة , ونهر من الدماء والدموع الجارية , والأشلاء الممزقة..
---- وإن أرحم الراحمين في عليائه , بريء من المفسدين , وسبحانه عما يعملون..
---- وفي القرآن المجيد:(والله لا يحب الفساد).(والله لا يحب المفسدين).(إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
---- هذا وإن التلوث البيئي المحموم , في البر والبحر , وما نجم عنه من تلوث الماء والهواء , والغذاء والدواء , والتربة والشجر والثمر , والسمع والبصر ,لهو إحدى النتائج الكبرى , التي تمخضت عنها سياسات وسلوكيات قادة الفساد و المفسدين , المدمرين للحضارة والتراث الإنساني العريق , في أبشع الخطط والإجراءات , وأشنع الغايات والمقاصد والأهداف..
---- وقديماً قالت الملائكة:(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء).
---- تقول وتقضي فلسفة الفساد والمفسدين , بتحول المناخ الأرضي:المادي والمعنوي ,إلى مستنقعات من النفايات , وتعفن الجثث ,وانتشار الفيروسات في كل الاتجاهات والمواقع , وتحطيم المقدسات والقوانين والسنن ..
---- إن تحول الفساد وعمل المفسدين , إلى برامج واستراتيجيات , ومنظمات عالمية , ودول ومعسكرات عدوانية , ومصانع للسلاح وللموت , وأجهزة للقمع والتجسس , أمر لم تعهده البشرية من قبل , في ضخامته وحجمه , ووسائله السريعة , وتجبُّـر فاعليه , وأنهم من العقاب والمؤاخذة ,والملاحقة القانونية آمنون , وأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون..
أستغفر الله العظيم..
---- إن ذبح الأبرياء , وترويع الآمنين , وشن الهجوم على المستضعفين ,وزلزلة العقول , وتشويه النفوس , وتمزيق العواطف والأواصر , وقلب الحقائق والوقائع , ودَفْـع الكثيرين نحو هاوية العار والدمار , وأن الأخ يعادي آخاه , ويحقد عليه ويخذله , ويقطع رَحِـمه , إنْ كل ذلك إلا بعض المخاض والولادات العسيرة , الناجمة عن محاولات المفسدين في الأرض ,ليكون هذا الكوكب , في وضع لا يُحسد عليه , وأن تبكيه الأفلاك والعوالم والكواكب الأخرى..
---- ويقول سبحانه:(فهل عسيتم إنْ توليتم أن تفسدوا في الأرض وتُقطِّعوا أرحامكم).
---- وبعد : ----
---- فإن القرآن المجيد , لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من صور الفساد و الإفساد في الأرض , إلا وذكره وأتى عليه , وحذّر منه , ونهى عنه ,رحمة بهذه الأمة –أمةِ القرآن- لكي تنأى بنفسها عن دواعي الإنحطاط والترهُّـل , والانسياق الأهوج وراء الناعقين بالفساد والخراب , من دعاة السوء , ومروِّجي الفاحشة , وحفّـاري القبور , ومفجري القلوب والأفئدة التي في الصدور..
---- ويقول سبحانه منوهاً بمسؤولية هذه الأمة , في منع أن تكون في الأرض فتنة مفرقة ومزلزلة , وفساد كبير , وعريض الجانب والتبرير:(والذين كفروا بعضٌهم أولياء بعض إلاّ تفعلوه تكنْ فتنة في الأرض وفساد كبير).
---- وفي مجال النهي عن اتباع الأولين الغابرين, في فساد الدنيا والدين,ومسببات ذلك, يقول سبحانه :(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات..).
---- حيث التفرق والإختلاف , في صفوف هذه الأمة , هو الفساد الأكبر,والعذاب المؤلم , وهو البوابة التي يعبر منها أعداء الله , وجنود الأشرار المارقين , ليفجروا هذه الأمة : دماء ودماراً , واستعماراً طويلاً.
---- هذا وإن الإصلاح الحقيقي في الأرض , هو الأخذ بسنن الله الدؤوبة,وتعليماته وتوجيهاته , وهدي سيدنا رسول الله عليه صلى الله ..
---- مثلما أن الفساد الأكيد في هذه الدنيا , ينجم ويتمخض عن حالة العتـوِّ والتمرد , والاستكبار العالمي , والبغي والعلـوِّ بغير الحق ..
---- ويقول سبحانه:(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُـلُـوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين.)
---- الفساد في العصر :----
وفي هذا العصر بالذات , تدور رحى الإثم والعدوان والطغيان ,وتأليه القوة والحديد والنار , وعبادة الطاغوت والذهب والجنس , وتقديس الرذيلة والهزيمة , واهانة الشجاعة والفضيلة ..
---- وكيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكراً , ونهيتم عنه , ورأيتم المنكر معروفاً , وأمرتم به , وهذا قمة الفساد , الذي حذر منه نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ..
---- ويتحدثون عن تلوث البيئة في الكون , ويركزون على التصدي لذلك , والتخفيف من أعبائه المتصاعدة , وأخطاره المستطيرة ,المحْبطة لكل إجراء ودواء ومعالجة ..
---- في الوقت الذي يتناسوْن ما هو أعظم تلوثاً و خطراً وإفساداً, من نحو تلوث البيئة الاجتماعية , والأخلاقية , والسلوكية , والثقافية , والاقتصادية , والسياسية , وغيرها من البيئات والأصعدة , والشعارات والأدمغة ..
---- الأمر الذي يستدعي علاجاً حقيقياً لهذه الظواهر التعيسة , التي تقتل الإنسان , وتقتل فيه قبل ذلك , النخوة والشرف والمروءة ,والإحساس والمشاعر الإنسانية الطيبة ..
---- وهذا بالطبع يقتضي من كل العناصر الخـيِّرة المتبقية في الأرض , وفي هذه الأمة حصراًَ ,حيث بقايا من العاملين المخلصين , والمكافحين العرب المؤمنين , أن يَعوا خطورة المرحلة الراهنة , ويبذلوا السعي الحثيث , بما أوتوا من قوة السلطان والفكر والرأي والعلم , والأسباب المتاحة , ليوقظوا النيام , ويكشفوا زيف هذا الواقع , الذي يلمع كالسراب , يحسبه الظمآن ماءَ , وأن يميطوا اللثام والقناع عن الحقيقة المغيبة والمضيَّعة ..
---- وهذا هو سبيل أن تستعيد هذه الأمة مقعدها تحت الشمس , وأن تؤدي مرةً أخرى , رسالتها إلى العالمين ..
وفي ذلك يقول عز وجهه و سلطانه : (فلولا كان من القرون مِن قبلكم أُلو بقيةٍ ينهـوْن عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم).
صدق الله العظيم

اخت مسلمة
09-10-2009, 03:17 AM
ويتحدثون عن تلوث البيئة في الكون , ويركزون على التصدي لذلك , والتخفيف من أعبائه المتصاعدة , وأخطاره المستطيرة ,المحْبطة لكل إجراء ودواء ومعالجة ..
---- في الوقت الذي يتناسوْن ما هو أعظم تلوثاً و خطراً وإفساداً, من نحو تلوث البيئة الاجتماعية , والأخلاقية , والسلوكية , والثقافية , والاقتصادية , والسياسية , وغيرها من البيئات والأصعدة , والشعارات والأدمغة ..

نعم جزاك الله خيرا
هذا هو الفساد الأصلي الذي من نتائجه ماتعاني منه البشرية الآن , وقد حوصر البشر بأزمات في كل منحى من مناحي الحياة وقد أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى هذا بقوله في الطاعون ‏(‏إنه بقية رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل‏)‏‏.‏ وكذلك سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم سبع ليال وثمانية أيام، ثم أبقى في العالم منها بقية في تلك الأيام، وفي نظيرها عظة وعبرة‏.‏ وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لا بد منه، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سببًا لمنع الغيث من السماء، والقحط والجدب، ..وجعل ظلم المساكين، والبخس في المكاييل والموازين، وتعدي القوي على الضعيف سببًا لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا، وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزًا، لتحق عليهم الكلمة، وليصير كل منهم إلى ما خلق له،,نسأل الله السلامة والعافية لنا ولجميع امة الاسلام وان يردنا الى الدين الحق ردا جميلا .

جزاك الله خيرا

تحياتي للموحدين