المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سنريهم



الشيخ عبدالرحمن عيسى
09-23-2009, 09:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
" سنريهم "
بقلم
الشيخ عبدالرحمن العيسى
حلب
شوال
1430هـ -2009 م

بسم الله الرحمن الرحيم
( سنريهم )!..
****مقدمة:
**هذه مجرد خواطر ومدرَكات , سنحت لفكري , حينما تذكرت و ذكرت قول الله تبارك وتعالى ,في محكم القرآن المجيد:
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق..).
**فرصدتها وأبنت عنها , وتركت القلم يجري على سجيته , منوهاً ما استطاع , بمكانة هذه الآية , وأثرها في تحديد مصير هذا العاَلم ,
وفضلها على البشرية جمعاء , وما ترمز إليه , من إمكانية حصول أعظم تحول مرموق , في تاريخ هذه الدنيا , منذ آدم وحتى اليوم..
**إن آياتِ هذه الآية , التي وعد الله بكشفها و رؤيتها , هي القادرة والمؤهلة , لصنع واقع حضاري إلهي رائع , سَـداه الحق , ولُحمته الهداية ,
والغاية منه: استعادة الإيمان بالله الحق , واستئنافُ الحياة الإنسانية الراقية من جديد , بعيداً عن روح التعصب العنصري , والتزمت الديني ,
والإنغلاق ضمن برامج الباطل المهدِّدة والمتوعدة , والمنذرة بسوء المنقلب و المصير..
**آية: (سنريهم ) فتح رباني مبين وأبْين , لم تعهد البشرية له مثيلاً من قبل , بعد عهود الكفر و الإلحاد , والافتئات على الله نفسه ,
حيث ستضع الحرب(الإيديولوجية) أوزارها , وستَفرض تلك الآيات الأنفسية والآفاقية , نفسها على الكبير والأمير , وكل الأقوياء والمعاندين ,
وتُثبت لعباد الله آجمعين: أحقية الله الحق , في أن يعرفوه ويعبدوه و يوحدوه , ويؤمنوا به إلهاً وحيداً , لتنتهي الآلهة المتعددة و الباطلة , التي تم فرضها على العالم , من دون رب العالمين.

____________________
****التمهيد والبحث:
**في البداية , فإن البشر فبل نزول القرآن المجيد , لم يكن لهم علم بهذه الآيات الموعودة , ولاتذكير بها , وهذا أمر قطْعيُّ الدلالة والبداهة
, لدى التأمل والنظر , وفي هذه المآلات المتراكمة من الآيات , والحجج الإلهية الدامغة .
**الناس في زمن البعثة النبوية , ونزول القرآن المجيد , أخذوا علماً بأن آيات عظمى و كبرى لله الخالق العظيم , في الآفاق و في الأنفس ,
سوف يماط عنها اللثام , ويكشف الغطاء , لتكون آيات و أدلة وبراهين , يعيشها البشر: مؤمنهم و كافرهم , تُلجئهم و تضطرهم اضطراراً , إلى التسليم والتفويض ,
والإقرار بوجود الخالق أولاً , وما هو حق لهذا الخالق الحق , من تعاظم واقتدار , ورحمة وعناية بالعالم , تسير به إلى ما قـدِّر له , من تطور وارتقاء , وتحضر و بناء ,
وتقدم في العلوم والمعارف , وتفجر الأسرار المكنونة والمضنونة , في مجال الفضاء والأفلاك العليا والطاقة , والطب والهندسة , والسرعة والاتصالات ,
و(تكنولوجيا) الأسلحة والحروب و المعلومات والمخترعات , إلى آخر ما هنالك , مما لا يكاد ينتهي عداً وحصراً ,
ولا ينقضي عجباً , والذي جعل هذا الكوكب المترامي الأطراف , كأنه قرية صغيرة , أو غرفة واحدة ..
**لا أريد هنا أن أدخل في سباق مع الذين يبحثون في مضمون و مدلولات هذه الآية , وفي الإعجاز العلمي للقرآن المجيد , من العلماء و المتخصصين ,
فهذا أمر شائع ومتداول , وتزخر المكاتب والمكتبات , بالكثير من الدراسات والمؤلفات , في هذا الشأن و في هذا السياق..
****الآية.. و السر المكتوم:
**ولعل الآية الآنفة الذكر , تشير إلى سر مكتوم , وهو أن قضية الإيمان بالله , بعد أن استقرت و استحكمت في الأرض , سوف تتعرض لانتكاسات مريعة ,
وستتم عملية تراجع كبير لها , وسيتمكن أعداء الإيمان و القرآن , من إقصائهما عن واقع الحياة الإنسانية , حتى في صفوف المسلمين ,
وفي المجتمعات المحسوبة على الإسلام : في الشرق , و في العالم الإسلامي ..
**حيث إن الأجيال الإسلامية , في المراحل الأخيرة من الزمن , تعيش حالة فراغ روحي و أخلاقي , وجدْب وقحط في الوازع الإيماني و الديني و الوجداني ,
وتهيم على وجهها في مَفازات هذا الواقع الذميم , والعيش العقيم , والكدح الضائع ..
**فقضية الإيمان بالله , تعرضت لارتجاج خطير , وارتياب مدمِّـر , في خِضم الهيجان الهائل , الذي نجم عن خطط واستراتيجيات الأعداء الألداء الحاقدين ,
الذين هجموا علينا هجوم السيل و الليل , وأذاقونا من البأس و البأساء والضراء : فنوناً وألواناً , ما مر مثلها ولا قريب منها في الغابرين , وأسالوا دماءنا ودموعنا : شلالاتٍ وأنهاراً ..
**وما يزالون يتربصون بنا , ومن داخلنا , دوائرَ الهلاك والسوء , لوضع نهاية لهذه الأمة , وإعدام تطلعاتها المشروعة : إلى العودة والاستعادة , والتحرر الحقيقي المنشود ..
**وذلك بغية إقامة كيان بديل , فاجر و كافر , وطافحٍ بكل ما يغضب الله تعالى , وينهي النبوة من الأرض , ويمتهن القيم وعباد الله , ويؤصل ويؤسس لحياة الانسلاخ والفوضى.
****البشارة السعيدة :
**فمن أجل هذا الإيمان المنكوب والمغـيَّب , الذي أعطى فرصة غير ذهبية , لجحود الإله الحق , وتقديم آلهة باطلة ومزيَّفة وأسطورية ,
من أجل ذلك تَقدم الله جل جلاله , منذ أكثر من أربعة عشر قرناً , بهذه البشارة السعيدة والمجيدة , التي تُدخل الفرح والمسرة على كل من في قلبه بقية من إيمان وغـيْرة ويقين ,
على أن الأمر لن ينتهي إلى حيث يخطط أعداء الله والحياة , بل ستكون النتيجة والعاقبة لله رب العالمين .. وللمتقين .
(ولله عاقبة الأمور) . (والعاقبة للتقوى) .
**إنني لا أنكر , ولا يستطيع أحد أن ينكر , أن الموقف العام في الأرض , وفي هذه الأمة المهضومة , متدهور حتى النهاية , ومعقد ومتأزم حتى الغاية ,
والسبب الأعظم : غياب العقيدة الصحيحة , والإيمان الخالص , عن مسرح الحياة العملية والسلوكية , وتكـوُّنُ خيوط عنكبوتية , وغيوم ضبابية ,
عن الذات الإلهية الفاعلة في الكون , ووجودها المؤثِّر و المدبِّر والمقدِّر , والمحيط والمهيمن , في ثنايا حياة الناس اليومية والمرحلية , والسياسية والعالمية ,
الأمر الذي يتمخض عن فقدان التصور الكامل لفحوى تلك العقيدة , وذلك الإيمان , العاصم من الزيغ والضلال المبين .
**فالله عند الكثيرين , غير الكافرين والملحدين , إله عبادة محدودة فقط , وربُّ ذِكر سطحي نظري فحسب , ومرجع لقضاء المصالح في حالة التمطي والاسترخاء ..
**ثم تمضي جماهير الخلق , في بيداءَ مُضلة , وطريق مسدودة , إلى غاية غامضة ومبهمة وقاصرة , لا تتعدى حدود ما هو فانٍ ومعدوم , ولا يعدو كونَه اتباعَ هوى ,
وعبادةَ رغائب ومشتهيات , وأنانيةً مُفَـرطة , وإعجابَ كل ذي رأي برأيه , وبعلمه وزعمه , ولقبه الفضفاض , ومرجعيته الأضعف والأدنى ,
في مراكز القوى المتصارعة على ظهر هذا الكوكب , وبين المسلمين أنفسهم ..
**وهذه قضايا وإشكاليات واهتمامات , كلها بُطلان ونكران وجحود , في حق الإله الحق , واستسلامُ ُ لحالة الانهيار والعجز , وهي تشكل واقعاً مُعاشاً ,
وواجهة أمامية تختفي وراءها : صور المزاعم والدعاوي الفارغة التي لا سند لها من برهان ظاهر , ورصيد حقيقي , ومصداقية ملحوظة ..
****استدراك مـبـرَّر :
**ولكنني لا أزعم بأن الأرض خلت , وأن هذه الأمة قد أقفرت من البقية الصالحة , التي تنهى عن الفساد في الأرض , وتبذل ما لديها من وُسع وطاقة : محذرة ومنذرة ,
في دنيا الوهم والظلم والإثم , وداحضة لحجج الكافرين والمنافقين..
**و يقول سيد الوجود محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : (مثل أمتي كمثل الغيث لا يُدرى أوله خير أم آخره).
**ونحن الآن نركز على هذا الآخِر , الذي فيه من الإرهاصات , والآيات البينات , ما يكفي لدعم الأمل , وقوة التفاؤل ,
وإن كنا لسنا بصدد مزيد من البيان , في هذا المضمار و المسار ..


****عـوْد على بَـدء :
**وحينما نعود إلى الآية الموسومة بقوله تعالى:(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).
**فإننا نلمح من ثنايا حروفها وكلماتها , أن الباطل في وقته وحينه , سوف يستفحل , وينتشر انتشار النار في الهشيم ..
**وإن الباطل في حقيقة ماهيته وذاته : هو كل ما يناقض حضرة الله ذي العرش العظيم , ويكون عوضاً و بديلاً في التصور والسلوك ,
عن كل ما له علاقة ومرجعية بشرع الله سبحانه , وهدي سيدنا رسول الله , عليه صلى الله , ومنطق العقل السويِّ و السليم ..
**فالباطل هو الذي يبطل الحياة الإيجابية , ويبطل الفضائل والقيم , ويبطل الشعائر والشعارات والمبادئ والمواقف , ويجعل من كل ذلك : خرافاتٍ وأوهاماً ,
وتخلفاً وانحطاطاً , وسُلماً وصولياً انتهازياً , لتروج أسواق الفساد و النِخاسة الفكرية والأدبية , ولتطغى وتستمر بضائع السوء و الرداءة , والغُـثاء الجُفاء ,
والتافهِ والساقط من القول والسعي والعمل , والممارسة غير الموضوعية ولا المنطقية ..
**وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى : (وما خلقنا السماء و الأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنُّ الذين كفروا..) .
**ولذلك فإن آية : (سنريهم) هي الرد الإلهي المنطقي الصارم , على تهاويل الباطل وزخرفه وجنوده , بغية سلب ما لله من حق الوجود المطلق , والعبادة الحقة ,
والفاعلية القوية و المقتدرة , والآخذة بالنواصي و التلابيب , في أوساط الحياة الآدمية , ليكون ذلك لحساب الطاغوت والطاغين , والأبالسة و المجرمين , والذين يريدون إلهاً على حسب مقاسهم وهواهم وأساطيرهم ..
****لماذا الآفاق والأنفس ؟
**ذكرتْ الآية الكريمة أن تسوية الإله الحق , لأوضاع العالم الإنساني , المختلة والمعتلة : عقلياً وإيمانياً , هي بإظهار آياته المخبوءة , والمودعة في الأنفس و الآفاق ,
التي هي الوجود كله , وسواها جزئيات وتفصيلات , ضمن التابعية والاحتواء , و الإطار الكليِّ ..
**ولعل من نافلة القول , أن نؤكد هنا , على ما ظهر وتبلور , من أعاجيب القرآن المجيد , الذي يوصف بأنه لا تنقضي عجائبه , ولا يَخْـلَـق على كثرة الردِّ ..
**وها أننا نشهد وندرك بحواسنا وكل مشاعرنا , ما قد تم رصده و إحصاؤه , من المعجزات العملاقة , التي تملأ البر والبحر والجو , والفكر والنفس ,
بما يؤكد سبق القرآن المجيد , ومصداقية ما وعد الله أن يريه عباده , من آثار رحمته الخاصة والعامة , وقدرته الفائقة والنافذة ..
****حديث عن النفس
**والآن فإن المحافل العلمية , والمراكز الجامعية والأكاديمية في الكرة الأرضية , حافلة بكل مكتشف جديد , عما تحتويه الآفاق : من أبعاد وأعماق ,
وعما تشتمل عليه النفس البشرية و الإنسانية , من طاقات وعلوم , واستعداد كبير , وأسرار وأخبار , وإن الإبحار والغوْص في بحر هذه النفس , قد كشف عن سموها وقوتها الخارقة ,
إذا هي آمنت بالله خالقها و رازقها ومُسويها ..
**كما كشف عن مرض وبيل , وطغيان يعتري هذه النفس , وإفساد لكل صالح , واقتراف لكل ممنوع و محرم , إذا هي تجردت عن ذلك الإيمان ,
ووقعت فريسة من فجَّـر فيها طاقات الشهوة والحقد , والأنانية الوحشية , والتخريب والإساءة , إلى كل ما بناه الله , والصالحون من عباده المؤمنين ..
**إن آيات الله الصالحة , في النفس الصالحة دليل وبرهان على عظمة الإنسان , الذي بَـرَأه الله تعالى , وجعله في الأرض خليفة للحب والإعمار ..
**وإن انعكاس رحمة الله وروح الله , في النفس الملهَـمة و المطمئنة , هو البوابة إلى حياة الإشراق , وتحطيم الآصار والأطواق ..

****وبـعـد :
**فالحمد لله على أن هذه الآية , تفعل فعلها , وتنجلي باستمرار , عن مزيد من آيات الله الواحد الأحد , الفرد الصمد , الملك الحق المبين ,
فيقف أمَامها - أي الآيات – قادة الباطل والدجل في الأرض , عاجزين ومنهزمين وساقطين : عسكرياً وفكرياً ومنهجياً , رغم ما يبديه الباطل , من زهْو وزخَم , واختيال واستكبار ..
**وتتساقط وتتهاوى عقائد الكفار والأشرار والمفسدين , أمام إعجاز القرآن المجيد,وآيات الله في الأنفس والآفاق , الآخذة في الظهور والانبثاق,ويدخل أهل العلم والفكر واللاهوت, من الأوروبيين,
أفواجاً في دين الله الحق :الإسلام.
**في حين تتعاظم الرؤية و التبصرة التي تقدمها آية (سنريهم) لتشكل تأصيلاً وتأسيساً للحياة الإسلامية : الجديدة والموعودة , والإنسانية السامية السعيدة ,
كما تكبر وتعظم قضية التبين والتحقق , من أن الله جل جلاله , هو الحق المحِـق , وأن المجد والحمد كله لله , وأن ما سواه وهم وظل منسوخ , وأضحوكة , وأساطير الأولين ..
**لعل عليَّ أن أُنوه بأن هذا البحث , ليس تفسيراً للآية , ولا محاولة للكشف عن آياتها المرئية , بل هو إضاءات من روحها المشرقة , ومشكاتها المفعمة بالنور والقوة ..

والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم